يكتسي البيان التالي أهمية قصوى بالنسبة للحركة الشيوعية العالمية. ونحن ندعو جميع قرائنا إلى دراسته بدقة ونشره على أوسع نطاق ممكن. لقد تمت المصادقة عليه بالإجماع من قبل السكرتاريا الأممية للتيار الماركسي الأممي، وسيشكل الوثيقة التأسيسية لأممية شيوعية ثورية جديدة، والتي سيتم إعلانها في يونيو من هذا العام.
سوف تسعى الأممية الشيوعية الثورية جاهدة لتصبح الراية التي يمكن أن يجتمع تحتها الجيل الجديد من العمال والشباب الثوريين الذين ينهضون لإسقاط الرأسمالية. يمكنك المشاركة شخصيا في تأسيسها، حيث سيتم بث كل أشغال الكونفرانس عبر الإنترنت حتى تتمكن من مشاهدته في المنزل، أو مع رفاق آخرين في إحدى حفلات المشاهدة العديدة التي سيتم تنظيمها في مختلف البلدان حول العالم.
اتبع هذا الرابط لتسجيل حضورك في الكونفرانس التأسيسي للأممية الشيوعية الثورية.
بيان الأممية الشيوعية الثورية
في عام 1938، صرح الثوري الروسي العظيم ليون تروتسكي أنه “يمكن اختزال الأزمة التاريخية للبشرية في أزمة القيادة الثورية”. وما تزال هذه الكلمات صحيحة وراهنية اليوم مثلما كانت عليه في اليوم الذي كتبت فيه.
خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يجد النظام الرأسمالي نفسه في أزمة وجودية. ومثل هذه الأوضاع ليست استثنائية في التاريخ بأي حال من الأحوال. إنها تعبير عن حقيقة أن نظاما اجتماعيا تاريخيا معينا قد وصل إلى أقصى حدوده ولم يعد قادرا على لعب أي دور تقدمي.
تقدم لنا النظرية الماركسية المادية التاريخية تفسيرا علميا لهذه الظاهرة. حيث ينشأ كل نظام اجتماعي واقتصادي لأسباب معينة. فيتطور ويزدهر ثم يصل إلى ذروته، وحينها يدخل في مرحلة الانحطاط. كان هذا هو الحال مع المجتمع العبودي وانحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية.
نجحت الرأسمالية في مرحلة شبابها في تطوير الصناعة والزراعة والعلوم والتقنية إلى مستوى لم يكن من الممكن تخيله في الماضي. ومن خلال قيامها بذلك، كانت تضع دون وعي الأسس المادية لمجتمع لا طبقي في المستقبل.
لكن ذلك وصل الآن إلى حدوده، وصار كل شيء يتحول إلى نقيضه. لقد استنفذ النظام الرأسمالي منذ فترة طويلة إمكاناته التاريخية. ومع عجزه عن تطوير المجتمع إلى الأمام، فقد وصل الآن إلى نقطة اللاعودة.
إن الأزمة الحالية ليست أزمة دورية عادية للرأسمالية. إنها أزمة وجودية، لا تعبر عن نفسها في ركود القوى المنتجة فقط، بل أيضا في أزمة عامة للثقافة والأخلاق والسياسة والدين.
إن الهاوية المتسعة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء -بين الثروة الفاحشة في أيدي قِلة من الطفيليات، والفقر والعوز واليأس بالنسبة للأغلبية العظمى من الجنس البشري- لم تكن في أي وقت مضى أعظم مما هي عليه الآن.
هذه أعراض مقززة لمرض مجتمع متعفن آن أوان الإطاحة به. إن سقوطه في نهاية المطاف أمر حتمي ولا مفر منه. لكن هذا لا يعني أن البرجوازية تفتقر إلى وسائل تأخير الأزمات أو التخفيف من آثارها، إلى حد ما ولفترة مؤقتة على الأقل.
إلا أن مثل تلك التدابير لا تؤدي إلا إلى خلق تناقضات جديدة وغير قابلة للحل. كانت الأزمة المالية عام 2008 نقطة تحول رئيسية. والحقيقة هي أن الرأسمالية العالمية لم تتعاف قط من تلك الأزمة.
لقد استمر الاقتصاديون البرجوازيون، لعقود من الزمن، يؤكدون أن “اليد الخفية للسوق” ستحل كل شيء، وأنه يجب على الحكومة ألا تلعب أي دور على الإطلاق في الحياة الاقتصادية للأمة. لكن الأسواق انهارت ولم يتم إنقاذها إلا من خلال التدخل الحكومي الهائل. لقد اضطرت الحكومات والبنوك المركزية، خلال تلك الأزمة، إلى ضخ مبالغ هائلة من المال في شرايين النظام لمنع وقوع كارثة شاملة.
ولم تنجح البرجوازية في إنقاذ النظام إلا من خلال دفعه أبعد من حدوده الطبيعية. لقد أنفقت الحكومات مبالغ طائلة لم تكن تمتلكها. وقد تكرر هذا الأسلوب المتهور في ظل جائحة كوفيد-19.
تلك التدابير اليائسة أدت بشكل حتمي إلى انفجار غير متحكم فيه للتضخم وتراكم ديون ضخمة في القطاع العام والشركات والأسر، الأمر الذي أجبر الحكومات على الضغط على المكابح. والآن يجب أن تسير السيرورة برمتها في الاتجاه المعاكس.
إن عصر أسعار الفائدة المنخفضة بشكل استثنائي والقروض السهلة أصبح الآن مجرد ذكرى من الماضي. ليس هناك أي احتمال بأن نعود إلى الفترة السابقة في المستقبل القريب، هذا إن لم نقل على الإطلاق.
يواجه الاقتصاد العالمي احتمال حدوث عاصفة مدمرة تتغذى فيها العوامل على بعضها البعض لإنتاج دوامة هبوطية حادة.
ويتجه العالم نحو مستقبل غامض يتسم بحلقة لا تنتهي من الحروب والانهيار الاقتصادي والبؤس المتزايد. وحتى في البلدان الأغنى، تتقوض الأجور بسبب الارتفاع العنيف في الأسعار، في حين أن الاقتطاعات العميقة في الإنفاق العمومي تؤدي بشكل متواصل إلى تراجع الخدمات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم.
تمثل هذه الإجراءات هجوما مباشرا على مستويات معيشة العمال والطبقة الوسطى. لكنها لا تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة. إن كل محاولات البرجوازية لاستعادة التوازن الاقتصادي لا تؤدي إلا إلى تدمير التوازن الاجتماعي والسياسي. لقد وجدت البرجوازية نفسها غارقة في أزمة ليس لديها أي حل لها. وهذا هو المفتاح لفهم الوضع الحالي.
ومع ذلك، فقد أوضح لينين، منذ فترة طويلة، أنه لا يوجد شيء اسمه أزمة نهائية للرأسمالية. فالنظام الرأسمالي، طالما لم تتم الإطاحة به، سوف يتعافى دائما حتى من أعمق الأزمات، وإن بتكلفة فادحة على البشرية.
حدود العولمة
إن الأسباب الرئيسية للأزمات الرأسمالية هي، من ناحية، الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ومن ناحية أخرى، القيود الخانقة للدولة القومية، التي هي أضيق بكثير من أن تحتوي القوى المنتجة التي خلقتها الرأسمالية.
إن الظاهرة المعروفة باسم “العولمة” قد مكنت البرجوازية، لبعض الوقت، من التغلب جزئيا على محدودية الدولة القومية من خلال تعزيز التجارة العالمية وتكثيف التقسيم العالمي للعمل.
وقد تسارع هذا الأمر بشكل أكبر من خلال دمج الصين والهند وروسيا في السوق الرأسمالية العالمية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكانت تلك هي الوسيلة الرئيسية التي نجا بها النظام الرأسمالي ونما خلال العقود القليلة الماضية.
ومثلما اعتقد الخيميائيون القدامى أنهم اكتشفوا الوصفة السرية لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، فكذلك اعتقد الاقتصاديون البرجوازيون أنهم اكتشفوا العلاج السري لجميع مشاكل الرأسمالية.
لكن تلك الأوهام انفجرت الآن مثل فقاعات الصابون في الهواء. ومن الواضح تماما أن تلك السيرورة قد وصلت إلى حدودها وبدأت تتجه في المسار المعاكس. لقد أصبحت القومية الاقتصادية وتدابير الحمائية هي الاتجاهات السائدة الآن، وهي على وجه التحديد نفس الاتجاهات التي حولت ركود ثلاثينيات القرن العشرين إلى الكساد العظيم.
يمثل هذا تغييرا حاسما في الوضع برمته. وقد أدى ذلك بشكل حتمي إلى تفاقم هائل للتناقضات بين الأمم وانتشار الصراعات العسكرية وتفاقم الحمائية.
وهو ما تم التعبير عنه بوضوح شديد في الحملة الصاخبة التي تشنها الإمبريالية الأمريكية تحت شعار: “أمريكا أولا!”. “أمريكا أولا” يعني أنه يجب دفع بقية العالم إلى المركز الثاني أو الثالث أو الرابع، مما يؤدي إلى مزيد من التناقضات والحروب والحروب التجارية.
رعب بدون نهاية
تعبر الأزمة عن نفسها في الاضطرابات التي تطبع كل المجالات: الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. في البلدان الفقيرة، يواجه الملايين الموت البطيء بسبب المجاعة، ويتم اعتصارهم تحت وطأة القبضة القاسية للمقرضين الإمبرياليين.
قدرت الأمم المتحدة، في يونيو 2023، أن عدد الأشخاص الذين نزحوا قسرا بسبب الحروب والمجاعات وتأثير تغير المناخ، قد بلغ 110 ملايين نسمة، وهي زيادة حادة عن مستويات ما قبل الجائحة. وكان هذا قبل الحرب على غزة.
وفي محاولة يائسة للهروب من هذه الفظائع، تضطر أعداد كبيرة من الناس إلى الفرار إلى بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وأولئك الذين يقومون بالرحلات الصعبة والخطيرة لعبور البحر الأبيض المتوسط أو نهر ريو غراندي يعانون من أعمال عنف وانتهاكات لا توصف في الطريق. ويموت عشرات الآلاف كل عام أثناء المحاولة.
هذه هي العواقب الرهيبة للانهيار الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن ويلات ما يسمى باقتصاد السوق الحر، والأعمال العنيفة للإمبريالية، التي تسبب الخراب والموت والدمار على نطاق لا يمكن تصوره.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أصبحت الولايات المتحدة، لفترة من الوقت، القوة العظمى الوحيدة في العالم. ومع القوة الهائلة جاءت الغطرسة الهائلة. حيث فرضت الإمبريالية الأمريكية إرادتها في كل مكان، مستخدمة مزيجا من القوة الاقتصادية والقوة العسكرية لإخضاع أي أمة ترفض الخضوع لواشنطن.
فبعد سيطرتها على البلقان وغيرها من مناطق النفوذ السوفياتي السابق، شنت غزوا شرسا وغير مبرر للعراق، مما أدى إلى مقتل أكثر من مليون شخص. وكان غزو أفغانستان حلقة دموية أخرى. ولا أحد يعرف عدد الأرواح التي فقدت في تلك الأرض التعيسة.
لكن حدود قوة الولايات المتحدة انكشفت في سوريا، حيث مني الأميركيون بالهزيمة نتيجة لتدخل روسيا وإيران. وكان ذلك بمثابة تغير مفاجئ في الوضع. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا، صارت الإمبريالية الأمريكية تعاني من نكسات مذلة متتالية.
هذه الحقيقة في حد ذاتها دليل صارخ على أزمة الرأسمالية على المستوى العالمي. في القرن التاسع عشر، راكمت الإمبريالية البريطانية ثروة هائلة من دورها كقوة عالمية مهيمنة. لكن الآن تغيرت الأمور إلى نقيضها.
إن أزمة الرأسمالية والتوترات المتزايدة بين الأمم تجعل العالم مكانا أكثر اضطرابا وخطورة. لعب دور الشرطي الرئيسي في العالم مهمة معقدة ومكلفة بشكل متزايد، مع اشتعال المشاكل في كل مكان واتجاه الحلفاء السابقين، الذين بدأوا يشعرون بضعف الزعيم، إلى التجمع لتحديه.
الإمبريالية الأمريكية هي القوة الأكبر والأكثر رجعية على هذا الكوكب. إن إنفاقها العسكري يعادل كل ما تنفقه البلدان العشرة الأكثر انفاقا مجتمعة. ومع ذلك، فهي غير قادرة على فرض إرادتها بشكل حاسم في أي منطقة من العالم.
إن القسوة الوحشية للإمبريالية الأمريكية، وكذلك نفاقها المثير للاشمئزاز، قد انكشفا بوضوح من خلال الأحداث المروعة في غزة. إنها مشاركة نشطة في المذبحة الفظيعة التي يرتكبها النظام الإسرائيلي الهمجي ضد الرجال والنساء والأطفال العزل.
لم يكن من الممكن أن تستمر هذه الحرب العدوانية الإجرامية يوما واحدا دون الدعم النشط من قبل الزمرة الحاكمة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، وبينما تتأوه واشنطن بنفاق على مصير هؤلاء الضحايا، تواصل إرسال الأسلحة والأموال لمساعدة نتنياهو في اتمام مذبحته.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو عجز واشنطن التام عن إجبار الإسرائيليين على القيام بما يناسب المصالح الأمريكية. فمهما شدوا بقوة على الأوتار، تستمر الدمية في الرقص على أنغامها الخاصة. هذا مؤشر واضح للغاية على تراجع القوة الأمريكية، ليس فقط في الشرق الأوسط.
إن قدرة أمة ما على السيطرة على أمم أخرى هي قدرة ليست مطلقة، بل نسبية. والوضع ليس ثابتا، بل ديناميا ويتغير طوال الوقت. ويبين التاريخ أن الأمم التي كانت متخلفة ومضطهَدة في السابق يمكن أن تتحول إلى دول عدوانية تنقلب على جيرانها وتحاول السيطرة عليهم واستغلالهم.
تعتبر تركيا اليوم إحدى القوى المهيمنة في الشرق الأوسط. إنها قوة إمبريالية إقليمية. وفي المقابل فإن روسيا والصين، بعد أن دخلتا الطريق الرأسمالي، عبرتا عن نفسيهما كقوتين إمبرياليتين هائلتين بامتداد عالمي. وهذا يضعهما في صراع مباشر مع الإمبريالية الأمريكية.
لم تكتسب الصين وروسيا بعد نفس المستوى من القوة الاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، لكنهما برزتا كمنافستين قويتين، تتحديان واشنطن في صراع عالمي على الأسواق ومناطق النفوذ والمواد الخام والاستثمارات المربحة. وقد قدمت الحروب في أوكرانيا وغزة دليلا واضحا على حدود قوة الإمبريالية الأمريكية.
في الماضي، كانت مثل هذه التوترات القائمة حاليا ستؤدي بالفعل إلى اندلاع حرب كبرى بين القوى العظمى. لكن الظروف المتغيرة أزالت هذا الاحتمال من الأجندة، على الأقل في الوقت الحاضر.
إن الرأسماليين لا يشنون الحروب من أجل الوطنية أو الديمقراطية أو أي من المبادئ الرنانة المشابهة الأخرى. إنهم يشنون الحروب من أجل الربح، والاستيلاء على الأسواق الخارجية، ومصادر المواد الخام (مثل النفط)، وتوسيع مناطق النفوذ.
أليس هذا واضحا تماما؟ أليس من الواضح أيضا أن الحرب النووية لن تحقق أيا من تلك الأشياء، بل ستؤدي فقط إلى التدمير المتبادل لكلا الطرفين؟ حتى أنهم صاغوا عبارة لوصف هذا السيناريو وهي: MAD (الدمار المتبادل المؤكد[1]).
والعامل الحاسم الآخر الذي يحول دون الحرب المفتوحة بين القوى الإمبريالية الرئيسية هو المعارضة الجماهيرية للحرب، وخاصة (لكن ليس حصرا) في الولايات المتحدة. يشير استطلاع للرأي أجري مؤخرا إلى أن 5% فقط من سكان الولايات المتحدة يؤيدون التدخل العسكري المباشر في أوكرانيا.
وهذا ليس بالأمر المستغرب، نظرا للهزائم المذلة التي منيت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والتي هي حقيقة محفورة في وعي الشعب الأمريكي. هذا، بالإضافة إلى الخوف من احتمال تصاعد المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا، وهو ما قد يؤدي إلى خطر نشوب حرب نووية، يشكل عاملا جديا لضبط النفس.
لكن وعلى الرغم من أن الحرب العالمية مستبعدة في ظل الظروف الحالية، فإنه ستكون هناك العديد من الحروب “الصغيرة” والحروب بالوكالة، مثل تلك الموجودة في أوكرانيا. وسيكون التأثير العالمي لمثل تلك الحروب كبيرا. من شأن ذلك أن يزيد من الاضطرابات العامة ويؤجج نيران الفوضى العالمية. وقد ظهر ذلك جليا في أحداث غزة.
إن المستقبل الذي يقدمه هذا النظام لا يمكن أن يكون سوى مستقبل من البؤس والمعاناة والمرض والحروب التي لا نهاية لها للجنس البشري. وعلى حد تعبير لينين فإن: الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية.
أزمة الديمقراطية البرجوازية
ستكون الظروف الاقتصادية خلال الفترة المقبلة أكثر شبها بتلك التي كانت سائدة في ثلاثينيات القرن العشرين من تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ومن ثم فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستبقى الديمقراطية البرجوازية سليمة في المستقبل المنظور؟
إن الديمقراطية، في الواقع، هي حكر على عدد قليل من الأمم الغنية والمحظوظة، التي يمكن فيها إبقاء الحرب الطبقية ضمن حدود مقبولة من خلال تقديم التنازلات للطبقة العاملة.
كان هذا هو الأساس المادي الذي مكن من الحفاظ على ما يسمى بالديمقراطية في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا لعقود من الزمن. حيث تناوب الجمهوريون والديمقراطيون، والمحافظون وحزب العمال، على السلطة، من دون إحداث أي فارق جوهري.
إن الديمقراطية البرجوازية في الواقع مجرد قناع مبتسم، مجرد واجهة تختفي خلفها حقيقة دكتاتورية البنوك والشركات الكبرى. وبمجرد ما تصير الطبقة السائدة عاجزة عن الاستمرار في منح التنازلات للجماهير، يتم طرح القناع المبتسم جانبا، ليظهر الواقع القبيح للحكم بالعنف والإكراه. وقد أصبح هذا واضحا بشكل متزايد.
يقال لنا إن السوق الحرة هي الضامن للديمقراطية. لكن الديمقراطية والرأسمالية متضادتان. وقد بدأ المنظرون الاستراتيجيون لرأس المال يعبرون الآن علانية عن شكوكهم حول جدوى الديمقراطية البرجوازية ومستقبل الرأسمالية نفسها.
لقد تحطمت الآن الأسطورة الجميلة القديمة القائلة بأن كل مواطن يتمتع بفرص متساوية، وذلك بسبب التناقض الصارخ بين الثروة الفاحشة والرفاهية، اللتان يتم التباهي بهما بلا خجل، في خضم محيط من الفقر والبطالة والتشرد واليأس، بما في ذلك في الأمم الغنية.
وهذا الانحدار الاقتصادي العميق لا يؤثر على الطبقة العاملة وحدها، بل صار يؤثر أيضا على فئة واسعة من الطبقة المتوسطة. فالصدمات الاقتصادية، وأزمة تكلفة المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم، والارتفاع المستمر لأسعار الفائدة، كلها تؤدي إلى إفلاس الشركات الصغيرة. وهناك شعور عام بانعدام الأمان والخوف على المستقبل بين كل مكونات المجتمع، باستثناء تلك الأقلية من فاحشي الثراء وأتباعهم.
كان من المفترض أن تعتمد شرعية النظام على الرخاء المشترك للجميع. لكن رأس المال يتركز بشكل متزايد في أيدي عدد قليل من أصحاب الملايير والبنوك والشركات العملاقة.
وبدلا من الديمقراطية، أصبح لدينا حكم بلوتوقراطية لا تكاد تخفي وجهها. الثروة تشتري السلطة. والجميع يعرف هذا. الديمقراطية تعني: مواطن واحد، صوت واحد. لكن الرأسمالية تعني: دولار واحد، صوت واحد. إذ تكفي بضعة مليارات من الدولارات لشراء تذكرة الدخول إلى البيت الأبيض.
لقد أصبحت هذه الحقيقة واضحة بشكل متزايد لمعظم الناس. وهناك لامبالاة متزايدة تجاه النظام السياسي القائم، وانعدام للثقة -بل والكراهية-تجاه النخبة الحاكمة ومؤسساتها.
لقد تم تقويض الحكم البرلماني نفسه. وتتحول الهيئات المنتخبة إلى مجرد نواد للثرثرة، بينما تنتقل السلطة الحقيقية من البرلمان إلى الحكومة، ومن الحكومة إلى طغمة من كبار الموظفين و”المستشارين” غير المنتخبين.
والكذبة الوقحة التي تزعم أن الشرطة والسلطة القضائية جهازان مستقلان إلى حد ما، أصبحت مكشوفة الآن أمام الجميع. ومع اشتداد الصراع الطبقي، سوف تنفضح هذه المؤسسات بشكل متزايد وتفقد كل ما كانت تتمتع به من احترام وهيبة في السابق.
وفي النهاية، سوف تستنتج البرجوازية أن هناك الكثير من الاضطرابات، والكثير من الإضرابات والمظاهرات، والكثير من الفوضى. سترفع شعار: “نحن نطالب بالنظام!”. وقد صرنا نرى بالفعل فرض القيود على الحقوق الديمقراطية، مثل الحق في التظاهر، والحق في الإضراب، وحرية التعبير والصحافة.
وعند مرحلة معينة، سوف تميل البرجوازية إلى اللجوء إلى الديكتاتورية الصريحة بشكل أو بآخر. لكن هذا الاحتمال لا يمكن أن يصبح واقعيا إلا بعد أن تكون الطبقة العاملة قد تعرضت لسلسلة من الهزائم القاسية، كما كان الحال في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى.
لكن وقبل ذلك بوقت طويل، ستتاح للطبقة العاملة العديد من الفرص لاختبار قوتها ضد قوة الدولة البرجوازية والتحرك للاستيلاء على السلطة بأيديها.
هل نواجه خطر صعود الفاشية؟
إن الانطباعيين السطحيين بين ما يسمى باليسار على المستوى العالمي ينظرون بحماقة إلى الترامبية على أنها فاشية. لا يمكن لمثل هذا الارتباك أن يساعدنا على فهم الأهمية الحقيقية للظواهر المهمة.
هذا الهراء يقودهم مباشرة إلى مستنقع سياسات التعاون الطبقي. ومن خلال ترويجهم لفكرة “أهون الشرين” الزائفة، يدعون الطبقة العاملة ومنظماتها إلى الاتحاد مع أحد الأجنحة الرجعية من البرجوازية ضد الجناح الآخر.
وقد كانت هذه السياسة الزائفة هي التي سمحت لهم بدفع الناخبين لدعم جو بايدن والديمقراطيين، وهو الدعم الذي ندم عليه بمرارة كثير من الناس في وقت لاحق.
ومن خلال عزفهم المستمر على وتر خطر “الفاشية” المزعوم، فإنهم يتسببون في نزع سلاح الطبقة العاملة عندما ستواجه تشكيلات فاشية حقيقية في المستقبل. أما بالنسبة للحاضر، فهم مخطئون تماما.
هناك الكثير من الديماغوجيين اليمينيين، وبعضهم يتم انتخابه للوصول إلى السلطة. ومع ذلك، فإن ذلك لا علاقة له بالنظام الفاشي، الذي يقوم على التعبئة الجماهيرية للبرجوازية الصغيرة الساخطة كأداة لتدمير المنظمات العمالية.
في الثلاثينيات، تم حل التناقضات في المجتمع في فترة زمنية قصيرة نسبيا، ولم يكن من الممكن أن تنتهي إلا بانتصار الثورة البروليتارية، أو بردة رجعية على شكل أنظمة فاشية أو بونابرتية.
لكن الطبقة السائدة أحرقت أصابعها بشدة عندما سارت خلف الفاشيين في الماضي. ولن تسير في ذلك الطريق بسهولة.
والأهم من ذلك، أن مثل ذلك الحسم السريع مستبعد اليوم بسبب تغير ميزان القوى. إن القاعدة الاجتماعية للرجعية أضعف بكثير مما كانت عليه في الثلاثينيات، والوزن النوعي للطبقة العاملة صار أكبر بكثير.
لقد اختفت طبقة الفلاحين إلى حد كبير في البلدان الرأسمالية المتقدمة، في حين أن شرائح واسعة كانت تعتبر نفسها في السابق من الطبقة المتوسطة (المهنيون، والعمال أصحاب الياقات البيضاء، والمدرسون، وأساتذة الجامعات، وموظفو الإدارات العمومية، والأطباء والممرضون) قد اقتربت أكثر من البروليتاريا وأصبحوا ينتمون إلى النقابات.
و الطلاب، الذين زودوا الفاشية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي بالقوات الصدامية، قد تحولوا بشكل حاد نحو اليسار وأصبحوا منفتحين على الأفكار الثورية. ولم تتعرض الطبقة العاملة، في معظم البلدان، لأية هزائم حاسمة منذ عقود. وقواتها ما تزال سليمة إلى حد كبير.
تجد البرجوازية نفسها في مواجهة أخطر أزمة في تاريخها، لكنها وبسبب تزايد قوة الطبقة العاملة، تجد نفسها غير قادرة على التحرك بسرعة في اتجاه الردة الرجعية الصريحة.
وهذا يعني أن الطبقة السائدة ستواجه صعوبات جدية عندما ستحاول استعادة مكاسب الماضي. إن عمق الأزمة يعني أنه سيتعين عليهم محاولة القيام بالاقتطاعات القاسية تلو الاقتطاعات. لكن ذلك سيؤدي إلى انفجارات في جميع البلدان الواحد منها تلو الآخر.
الكارثة البيئية
وبالإضافة إلى الحروب والأزمات الاقتصادية المستمرة، فإن البشرية مهددة بتدمير الكوكب. ففي طريق بحثه المستمر عن الربح، قام النظام الرأسمالي بتسميم الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه.
إنها تدمر غابات الأمازون المطيرة والجبال الجليدية القطبية. المحيطات مختنقة بالبلاستيك وملوثة بالنفايات الكيميائية. وتتعرض أنواع الحيوانات للانقراض بمعدل ينذر بالخطر. وصار مستقبل أمم بأكملها في خطر.
أفقر شرائح المجتمع والطبقة العاملة هم الأكثر تضررا من تأثير التلوث وتغير المناخ. وعلاوة على ذلك فإن الطبقة السائدة تطالبهم بدفع فاتورة الأزمة التي خلقتها الرأسمالية.
لقد أوضح ماركس أن الاختيار المطروح أمام الإنسانية هو إما الاشتراكية أو الهمجية. إن عناصر الهمجية موجودة بالفعل حتى في أكثر البلدان الرأسمالية تقدما، وهي تهدد وجود الحضارة ذاته. لكن يحق لنا الآن أن نقول إن الرأسمالية تشكل تهديدا على وجود الجنس البشري نفسه.
كل هذه الأمور تحرك ضمير الملايين، وخاصة الشباب. لكن السخط الأخلاقي والمظاهرات الغاضبة غير كافية على الإطلاق. فإذا اقتصرت الحركة البيئية على سياسة التحركات الفارغة، فإنها ستحكم على نفسها بالعجز.
إن أنصار البيئة قادرون على الإشارة إلى الأعراض الأكثر وضوحا للمشكلة. لكنهم لا يعطون تشخيصا صحيحا. وبدون ذلك التشخيص، من المستحيل تقديم العلاج. لا يمكن للحركة البيئية أن تنجح في تحقيق أهدافها إلا إذا اتخذت موقفا ثوريا واضحا مناهضا للرأسمالية.
وعلينا أن نبذل كل مجهوداتنا للوصول إلى أفضل العناصر بينهم وإقناعهم بأن المشكلة هي الرأسمالية نفسها. إن الكارثة البيئية هي نتيجة لجنون اقتصاد السوق ودافع الربح.
إن ما يسمى باقتصاد السوق الحر عاجز عن حل أي من المشاكل التي تواجه البشرية. إنه تبذير هائل ومدمر وغير إنساني. ولا يمكن تحقيق أي تقدم على هذا الأساس. إن الحاجة إلى الاقتصاد المخطط مسألة ملحة.
من الضروري مصادرة أملاك أصحاب الأبناك والرأسماليين واستبدال فوضى السوق بنظام تخطيط متناغم وعقلاني.
يُظهر النظام الرأسمالي الآن كل السمات الرهيبة لمخلوق فقد كل مبررات وجوده. لكن هذا لا يعني أنه يدرك كونه محكوما بالفناء. بل على العكس تماما، في الواقع.
إن هذا النظام المنحط والمريض يشبه رجلا عجوزا مريضا محتضرا يتمسك بالحياة بقوة. وسوف يستمر في الترنح حتى تتم الإطاحة به من قبل الحركة الثورية الواعية للطبقة العاملة.
إنها مهمة الطبقة العاملة أن تضع حدا لهذه السيرورة الطويلة لاحتضار الرأسمالية، وذلك من خلال الإطاحة الثورية بها وإعادة بناء المجتمع من الأعلى إلى الأسفل.
إن وجود الرأسمالية يمثل الآن تهديدا واضحا وراهنيّا لمستقبل كوكب الأرض. ولكي تحيا البشرية، يجب أن يموت النظام الرأسمالي.
العامل الذاتي
يمكن أن نستنتج من الأزمة العامة للرأسمالية، أن انهيارها في نهاية المطاف أمر حتمي لا مفر منه. وبنفس المعنى فإن انتصار الاشتراكية هو حتمية تاريخية.
هذا صحيح بالمعنى العام. لكنه من المستحيل الحصول على تفسير ملموس للأحداث الفعلية من خلال الافتراضات العامة.
فإذا كان الأمر برمته حتميا، فلن تكون هناك حاجة للحزب الثوري، أو النقابات، أو الإضرابات، أو المظاهرات، أو دراسة النظرية، أو أي شيء آخر. لكن التاريخ كله يثبت العكس تماما. فالعامل الذاتي، أي القيادة، يلعب دورا أساسيا جدا في اللحظات الحاسمة من التاريخ.
لقد أشار ماركس إلى أن الطبقة العاملة بدون تنظيم ليست أكثر من مادة خام للاستغلال. فبدون التنظيم نحن لا شيء. وبالتنظيم نحن كل شيء.
هنا نصل إلى جوهر المشكلة. إن القضية الحقيقية هي الغياب التام للقيادة الثورية، وهي التعفن التام لقادة العمال.
لقد تعرضت المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة، والتي تطورت تاريخيا، لضغوط الطبقة السائدة والبرجوازية الصغيرة، على مدى عقود من الازدهار النسبي. وقد عزز هذا من قبضة البيروقراطية العمالية على هذه المنظمات.
إن أزمة الرأسمالية تعني بالضرورة أزمة الإصلاحية. لقد تخلى القادة اليمينيون عن الأفكار التي قامت عليها الحركة وانفصلوا عن الطبقة التي من المفترض أنهم يمثلونها.
لقد تعرضت قيادة المنظمات العمالية اليوم لضغوط البرجوازية أكثر من أي فترة أخرى في التاريخ. وإذا استخدمنا تعبيرا صاغه الاشتراكي الأمريكي البارز، دانييل ديليون، والذي كثيرا ما كان لينين يقتبسه ، فإنهم مجرد “مساعدون عماليون لرأس المال”. إنهم يمثلون الماضي، وليس الحاضر أو المستقبل. وسوف يتم كنسهم جانبا خلال الفترة العاصفة التي تنفتح الآن.
لكن المشكلة لا تبدأ وتنتهي مع الإصلاحيين اليمينيين.
إفلاس “اليسار”
لقد لعب ما يسمى باليسار دورا خبيثا بشكل خاص، حيث استسلم في كل مكان لضغوط اليمين وضغوط الدولة. رأينا ذلك مع تسيبراس وغيره من زعماء حزب سيريزا في اليونان. ويمكن رؤية نفس السيرورة مع حزب بوديموس في إسبانيا، ومع بيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وجيريمي كوربين في بريطانيا.
في كل تلك الحالات، أثار قادة اليسار في البداية آمال الكثير من الناس، لكن تلك الآمال تبددت عندما استسلموا لضغوط اليمين.
سيكون من السهل اتهام هؤلاء القادة بالجبن والضعف. لكننا لا نتعامل هنا مع الأخلاق الفردية أو الشجاعة الشخصية، بل مع الضعف السياسي الشديد.
المشكلة الأساسية للإصلاحيين اليساريين هي أنهم يعتقدون أنه من الممكن تحقيق مطالب الجماهير دون القطيعة مع النظام الرأسمالي نفسه. وفي هذا الصدد، فإنهم لا يختلفون عن الإصلاحيين اليمينيين، باستثناء أن هؤلاء الأخيرين لا يكلفون أنفسهم عناء إخفاء انبطاحهم الكامل أمام أصحاب الأبناك والرأسماليين.
وبشكل عام، فإن “يساريي” اليوم لم يعودوا حتى يتحدثون عن الاشتراكية. إنهم ليسوا حتى ظلا لزعماء اليسار القدامى في الثلاثينيات. وبدلا من ذلك، يقتصرون على رفع المطالبات المحتشمة بتحسين مستويات المعيشة، والمزيد من الحقوق الديمقراطية، وما إلى ذلك.
بل إنهم لم يعودوا يشيرون حتى إلى الرأسمالية، بل يكتفون بالإشارة إلى “النيو ليبرالية” -أي الرأسمالية “السيئة”، في مقابل الرأسمالية “اللطيفة”- على الرغم من أنهم لا يشرحون مطلقا ما الذي يفترض أن تكون عليه تلك الرأسمالية اللطيفة الخيالية.
ولأن هؤلاء الإصلاحيين اليساريين يرفضون القطيعة مع النظام، فإنهم يحتاجون حتما إلى إيجاد تسوية مع الطبقة السائدة. إنهم يحاولون إثبات أنهم لا يشكلون تهديدا وأنه يمكن الوثوق بهم للحكم لصالح الرأسماليين.
هذا ما يفسر رفضهم العنيد للقطيعة مع الجناح اليميني -العميل الواضح للطبقة السائدة داخل الحركة العمالية- وهو ما يحاولون تبريره بالحاجة إلى الحفاظ على الوحدة.
وفي النهاية، يؤدي بهم ذلك دائما إلى الاستسلام لليمين. لكن اليمين عندما يستعيد السيطرة، لا يظهر نفس الجبن، بل يطلق على الفور حملة مطاردة شرسة ضد اليسار.
وبالتالي فإن الجبن هنا ليس مسألة صفة شخصية لهذا الفرد أو ذاك، إنه جزء لا يتجزأ من الحمض النووي السياسي للإصلاحية اليسارية.
النضال ضد الاضطهاد
تجد أزمة الرأسمالية تعبيرها في بروز العديد من تيارات المعارضة العميقة الجذور ضد المجتمع القائم، وقيمه، وأخلاقه، وظلمه واضطهاده الذي لا يطاق.
إن التناقض المركزي في المجتمع الرأسمالي هو العداء بين العمل المأجور ورأس المال. ومع ذلك، فإن الاضطهاد يتخذ أشكالا عديدة ومختلفة، بعضها أقدم بكثير وأكثر رسوخا من عبودية العمل المأجور.
ومن بين أكثر أشكال الاضطهاد انتشارا وإيلاما هناك اضطهاد النساء في عالم يهيمن عليه الذكور. تؤدي الأزمة إلى زيادة التبعية الاقتصادية للنساء. إن الاقتطاعات في الإنفاق الاجتماعي الحكومي تثقل كاهل النساء بشكل غير متناسب بزيادة عبء رعاية الأطفال ورعاية المسنين.
هناك توسع رهيب لوباء العنف ضد النساء في جميع أنحاء العالم. وتتعرض الكثير من الحقوق مثل الحق في الإجهاض للهجوم. وهذا يثير ردة فعل ضخمة، وينمو المزاج الكفاحي بينهن، وخاصة بين الشابات.
إن تمرد النساء ضد هذا الاضطهاد الوحشي له أهمية أساسية في النضال ضد الرأسمالية. فبدون الانخراط الكامل للنساء لا يمكن أن تكون هناك ثورة اشتراكية ناجحة.
إن النضال ضد جميع أشكال الاضطهاد والتمييز جزء ضروري من النضال ضد الرأسمالية.
وموقفنا بسيط للغاية: في كل صراع، سنقف دائما إلى جانب المضطهَدين ضد المضطهِدين. لكن هذا الإعلان العام ليس كافيا في حد ذاته لتحديد موقفنا. يجب أن نضيف أن موقفنا هو في الأساس موقف معارض.
وهذا يعني: أننا نعارض الاضطهاد والتمييز من أي نوع، سواء كان موجها ضد النساء أو على أساس لون البشرة أو ضد المثليين أو المتحولين جنسيا أو أي مجموعة أو أقلية مضطهَدة أخرى.
ومع ذلك، فإننا نرفض تماما سياسات الهوية، التي تلعب، تحت ستار الدفاع عن حقوق مجموعة معينة، دورا رجعيا ومثيرا للانقسام، يؤدي في النهاية إلى إضعاف وحدة الطبقة العاملة وتقديم مساعدة لا تقدر بثمن للطبقة السائدة.
لقد أصبحت الحركة العمالية مصابة بجميع أنواع الأفكار الغريبة عنها: ما بعد الحداثة، وسياسات الهوية، و”الصوابية السياسية”، وكل ذلك الهراء الغريب الآخر الذي تم تهريبه من الجامعات من قبل البرجوازية الصغيرة “اليسارية”، التي تعمل بمثابة قناة لنقل الأيديولوجيات الرجعية الغريبة عن الطبقة العاملة.
وقد تسببت سياسات الهوية، التي هي نتيجة ثانوية لما يسمى ما بعد الحداثة، في تشويش أدمغة الطلاب. لقد تم إدخال هذه الأفكار الغريبة إلى الحركة العمالية، حيث أصبحت بمثابة السلاح الأكثر فعالية في أيدي البيروقراطية في صراعها ضد المناضلين الطبقيين الأكثر كفاحية.
لقد شدد لينين على ضرورة أن يخوض الشيوعيون النضال على جميع الجبهات: ليس فقط الجبهة الاقتصادية والسياسية، بل أيضا الجبهة الأيديولوجية. إننا نقف بثبات على الأساس المتين للنظرية الماركسية وفلسفة المادية الديالكتيكية.
وهذا يتناقض تماما مع المثالية الفلسفية بجميع أشكالها: سواء كانت المثالية الصوفية الدينية الواضحة والمعلنة، أو المثالية الصوفية لما بعد الحداثة المُقَنعة والكلبية والتي لا تقل سما.
ولذلك فإن النضال ضد هذه الإيديولوجية الغريبة عن طبقتنا، وضد مناصريها من البرجوازيين الصغار، يشكل مهمة بالغة الأهمية. لا ينبغي تقديم أي تنازلات للأفكار المثيرة للانقسام والمعادية للثورة، والتي تصب في مصلحة الرأسماليين وتكتيكهم القديم: فرق تسد.
في الواقع، لقد بدأ يظهر بالفعل رد فعل صحي ضد هذه الأفكار الخبيثة بين شريحة من الشباب الذين يتجهون نحو الشيوعية.
إن الشيوعيين يقفون بثبات على أرض السياسة الطبقية ويدافعون عن وحدة الطبقة العاملة فوق كل تقسيمات اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين. نحن لا نهتم إذا كنت أسودا أو أبيضا، ذكر أو أنثى. كما أننا لسنا مهتمين مطلقا بأسلوب حياتك أو من هو شريكك. هذه أمور شخصية بحتة وليس من حق أحد أن يتدخل فيها، بمن في ذلك البيروقراطيين ورجال الدين والسياسيين.
الشرط الوحيد للانضمام إلينا هو أن تكون مستعدا وراغبا في النضال من أجل القضية الوحيدة التي يمكنها أن توفر الحرية الحقيقية والمساواة والعلاقات الإنسانية الحقيقية بين الرجال والنساء: قضية النضال العظيمة من أجل تحرر الطبقة العاملة.
لكن الشرط المسبق للانضمام إلى الشيوعيين هو أن تترك كل ذلك الهراء الرجعي المتعلق بسياسات الهوية خارج الباب.
النقابات العمالية
إن الفترة الحالية هي الفترة الأكثر عاصفية واضطرابا في التاريخ. إن الأرضية مهيأة لنهضة عامة للصراع الطبقي. لكن ذلك لن يكون سهلا. لقد بدأت الطبقة العاملة في الاستيقاظ بعد فترة سبات إلى حد ما. وسيتعين عليها أن تتعلم من جديد العديد من الدروس، بما في ذلك الدروس الأولية مثل الحاجة إلى التنظيم في النقابات العمالية.
لكن قيادة المنظمات الجماهيرية، بدءا بالنقابات، تعيش في كل مكان حالة يرثى لها. لقد كشفت عن عدم قدرتها على الإطلاق على تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا للطبقة العاملة. ولم تتمكن حتى من بناء وتقوية النقابات بنفسها.
ونتيجة لذلك، فإن شرائح كاملة من الجيل الجديد من العمال الشباب، المنخرطين في وظائف غير مستقرة مثل سائقي توصيل الطلبات، وعمال مراكز الاتصال وما شابه، يجدون أنفسهم مجرد مادة خام للاستغلال.
وإذ يعملون في ظروف مروعة في أماكن العمل الحديثة المستغلة للعمال، مثل مستودعات أمازون، فإنهم يتعرضون للاستغلال الوحشي وطول ساعات العمل والأجور الزهيدة. لقد ولت منذ زمن بعيد تلك الأيام التي كان العمال فيها يحصلون على زيادات كبيرة في الأجور بمجرد التهديد بالإضراب. سيقول أرباب العمل إنهم لا يستطيعون حتى الحفاظ على المستوى الحالي للأجور، ناهيك عن تقديم زيادات.
إن أولئك الذين ما زالوا يحلمون بالسلام الطبقي والتوافق الطبقي، هم يعيشون في الماضي، في مرحلة من الرأسمالية لم تعد موجودة. إن الطوباويين حقا هم القادة النقابيون، وليس الماركسيين! ينفتح أمامنا مشهد لمعارك عظيمة، لكنه سيكون أيضا مشهدا لهزائم تتكبدها البروليتاريا بسبب سوء القيادة. إن المطلوب هو الكفاحية الجريئة وإحياء الصراع الطبقي.
إن سيرورة التجذر سوف تستمر وتتعمق. وهذا من شأنه أن يفتح إمكانيات كبيرة لعمل الشيوعيين في النقابات وأماكن العمل.
إن الطريق إلى الأمام يتطلب نضالا جديا ضد الإصلاحية، نضالا من أجل تجديد المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة، بدءا بالنقابات. يجب أن يتم تحويل النقابات إلى منظمات عمالية كفاحية.
لكن هذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال النضال العنيد ضد البيروقراطية الإصلاحية. يجب تطهير النقابات من أعلى إلى أسفل، والقضاء التام على سياسات التعاون الطبقي.
الكفاحية ليست كافية
إن النضال ضد الإصلاحية لا يعني أننا ضد الإصلاحات. نحن لا ننتقد القادة النقابيين لأنهم يناضلون من أجل الإصلاحات، بل على العكس من ذلك، ننتقدهم لأنهم لا يناضلون على الإطلاق.
إنهم يسعون إلى التوافقات مع أرباب العمل، ويتجنبون اتخاذ إجراءات كفاحية، وعندما يضطرون إلى القيام بذلك، بسبب ضغط القواعد، فإنهم يبذلون كل ما في وسعهم للحد من الإضرابات والتوصل إلى تسوية فاسدة من أجل إنهاء الحركة في أسرع وقت ممكن.
سوف يناضل الشيوعيون من أجل حتى أصغر الإصلاحات التي تمثل تحسينا في مستويات معيشة العمال وحقوقهم. لكنه لا يمكن، في ظل الظروف الحالية، أن ينجح النضال من أجل إصلاحات ذات معنى إلا بقدر ما يكتسب ذلك النضال نطاقا أوسع وأكثر ثورية.
سوف تنفضح حدود الديمقراطية البرجوازية الرسمية بقدر ما يتم اختبارها في الممارسة العملية. سوف نناضل من أجل الدفاع عن أي مطالب ديمقراطية ذات معنى، من أجل توفير الظروف الأكثر ملاءمة لتحقيق التطور الكامل للصراع الطبقي.
لا يمكن للطبقة العاملة ككل أن تتعلم إلا من خلال تجربتها الخاصة. وبدون النضال اليومي من أجل التحسينات في ظل الرأسمالية، لن تكون الثورة الاشتراكية ممكنة.
لكن الكفاحية النقابية ليست كافية في حد ذاتها في آخر المطاف. ففي ظل ظروف الأزمة الرأسمالية، حتى المكاسب التي تحققها الطبقة العاملة لا يمكن أن تدوم طويلا.
وما يتنازل عنه الرأسماليون باليد اليمنى سيستردونه باليد اليسرى. تتقوض الزيادات في الأجور بسبب التضخم أو الزيادات الضريبية. وتغلق المصانع والبطالة تتزايد.
السبيل الوحيد لضمان عدم تقويض الإصلاحات هو النضال من أجل إحداث تغيير جذري في المجتمع. وعند نقطة معينة، يمكن أن تتحول النضالات الدفاعية إلى نضالات هجومية. ومن خلال تجربة النضالات الصغيرة من أجل مطالب جزئية، يتم إعداد الأرض لخوض المعركة النهائية على السلطة.
الحاجة إلى الحزب
الطبقة العاملة هي الطبقة الثورية الحقيقية الوحيدة في المجتمع. إنها الطبقة الوحيدة التي ليست لديها أية مصلحة في استمرار النظام القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستغلال قوة العمل البشرية لإشباع جشع عدد قليل من الطفيليين الأثرياء.
إنه واجب الشيوعيين تحويل نضال الطبقة العاملة اللاواعي، أو شبه الواعي، إلى نضال واعي لتغيير المجتمع. وحدها الطبقة العاملة التي تمتلك القوة اللازمة للإطاحة بديكتاتورية أصحاب الأبناك والرأسماليين.
دعونا لا ننسى أبدا أنه لا يمكن لأي مصباح أن يضيء، ولا لعجلة أن تدور، ولا لهاتف أن يرن دون إذن الطبقة العاملة.
هذه قوة هائلة. ومع ذلك فإنها قوة على شكل امكانية فقط. ولكي تصبح تلك القوة المحتملة قوة حقيقية، لا بد من وجود شيء آخر. وهذا الشيء هو: التنظيم.
هناك تشابه دقيق مع قوة الطبيعة. فالبخار يشبه تلك القوة. لقد وفر القوة المحركة للثورة الصناعية. إنه القوة التي تحرك المحركات، وتوفر الضوء والتدفئة والطاقة التي تعطي الحياة والحركة للمدن الكبرى.
إلا أن البخار لا يصبح قوة فعلية إلا عندما يتم تكثيفه في آلة تسمى المكبس. لكنه بدون تلك الآلة يتبدد بلا فائدة في الغلاف الجوي. ويبقى مجرد احتمال لا أكثر.
وحتى على المستوى الأولي، فإن كل عامل يمتلك وعيا طبقيا يفهم الحاجة إلى التنظيم النقابي. لكن أسمى تعبير عن التنظيم البروليتاري هو الحزب الثوري الذي يوحد الشريحة الأكثر وعيا وتفانيا وكفاحية من الطبقة العاملة في النضال من أجل الإطاحة بالرأسمالية. إن إنشاء مثل هذا الحزب هو المهمة الأكثر إلحاحا التي تواجهنا.
الوعي
إن الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي المتزايد يهدد بتقويض أسس النظام القائم. كيف يمكن للمرء أن يفسر التقلبات العنيفة التي تشهدها الانتخابات في كل مكان، نحو اليمين ثم نحو اليسار، ثم العودة نحو اليمين؟
الإصلاحيون اليساريون قصيرو النظر يلومون العمال على “تخلفهم” المزعوم. هذه هي الطريقة التي يحاولون بها إيجاد المبررات لأنفسهم والتغطية على دورهم الخبيث. لكن ما يعكسه هذا هو اليأس والافتقار التام إلى بديل جدي. تحاول الجماهير يائسة إيجاد مخرج. وهي تختبر الخيارات الموجودة الواحد منها تلو الآخر. تختبر هذه الحكومة وتلك، وهذا الحزب وذلك، وهذا القائد وذاك، فتجد أنهم عاجزون وتنبذهم.
يلعب الإصلاحيون، في هذه السيرورة، دورا مثيرا للأسى، بينما يلعب الإصلاحيون اليساريون دورا أكثر إثارة للأسى. ونتيجة لذلك، نرى حدوث تغيير في الوعي. وهو ليس ذلك النوع من التغيير البطيء والتدريجي الذي قد يتوقعه المرء.
يستغرق الأمر وقتا حتى ينضج، بطبيعة الحال، لكن التغيرات الكمية تصل في النهاية إلى نقطة حرجة حيث تتحول الكمية فجأة إلى كيف. التغيرات الحادة في الوعي متأصلة في الوضع برمته.
وهذا هو بالضبط نوع التغيير الذي نشهده الآن، وخاصة بين الشباب. طلبت دراسة استقصائية من أكثر من 1000 بالغ بريطاني ترتيب الكلمات والعبارات التي يربطونها أكثر بـ”الرأسمالية”.
كانت النتيجة هي: “الجشع” (بنسبة 73%)؛ ثم “الضغط المستمر لتحقيق الإنجاز” (70%)؛ و”الفساد” (69%). ووافق 42% من المشاركين على العبارة القائلة بأن “الرأسمالية يسيطر عليها الأغنياء وهم الذين يحددون الأجندات السياسية”.
ويتجلى التغير الذي يحدث في الوعي بشكل واضح في الاتجاه نحو الأفكار الشيوعية بين الشباب. يطلق هؤلاء الشباب على أنفسهم اسم شيوعيين، على الرغم من أن العديد منهم لم يقرؤوا البيان الشيوعي قط، وليست لديهم أية معرفة بالاشتراكية العلمية.
لكن خيانات اليسار جعلت كلمة “الاشتراكية” ذات رائحة كريهة بالنسبة لهم. فلم يعد لها صدى بين الفئات الأكثر تقدما. إنهم يقولون: “نريد الشيوعية. وليس أقل من ذلك”.
من هو الشيوعي؟
في ذلك الفصل المعنون بـ”البروليتاريون والشيوعيون” في البيان الشيوعي نقرأ ما يلي:
«ما هي علاقة الشيوعيين بالبروليتاريين ككل؟
لا يشكل الشيوعيون حزبا منفصلا معارضا لأحزاب الطبقة العاملة الأخرى.
ليست لديهم مصالح خاصة منفصلة عن مصالح البروليتاريا ككل.
إنهم لا يضعون أية مبادئ عصبوية خاصة بهم، يريدون من خلالها تشكيل وقولبة الحركة البروليتارية.
لا يتميز الشيوعيون عن بقية أحزاب الطبقة العاملة الأخرى إلا بما يلي فقط: 1- في خضم النضالات الوطنية التي يخوضها البروليتاريون في مختلف البلدان، يوضح الشيوعيون ويبرزون المصالح المشتركة للبروليتاريا بأكملها، بشكل مستقل عن أي قومية […]
لذا فإن الشيوعيين هم، من جهة، القسم الأكثر تقدما وحزما من بين أحزاب الطبقة العاملة في كل البلدان، ذلك القسم الذي يدفع كل الآخرين إلى الأمام؛ 2- ومن جهة أخرى، فإنهم يتميزون، من الناحية النظرية، عن الجماهير الغفيرة من البروليتاريا بميزة الفهم الواضح لخط السير، والظروف، والنتائج العامة النهائية للحركة البروليتارية».
تشرح هذه الأسطر جوهر المسألة بشكل جيد للغاية.
هل الوقت مناسب لإعلان أممية شيوعية ثورية؟
إن ردة الفعل المتزايدة ضد ما يسمى بـ”اقتصاد السوق الحر” قد أرعبت المدافعين عن الرأسمالية. إنهم ينظرون بخوف إلى مستقبل غامض ومضطرب.
وبالإضافة إلى مزاج التشاؤم السائد هذا، فقد بدأ ممثلو البرجوازية الأكثر نباهة في اكتشاف أوجه تشابه مقلقة لهم مع عالم عام 1917. هذا هو السياق الذي تطرح فيه الحاجة إلى حزب ثوري يحمل راية نظيفة وسياسات ثورية واضحة.
إن الطابع الأممي لحركتنا مستمد من حقيقة أن الرأسمالية هي نظام عالمي. فمنذ البداية، سعى ماركس إلى إنشاء منظمة أممية للطبقة العاملة.
لكن ومنذ الانحطاط الستاليني للأممية الشيوعية، لم يعد هناك وجود لمثل هذه المنظمة. لقد حان الوقت الآن لإعلان أممية شيوعية ثورية!
سينظر البعض إلى هذه الخطوة على أنها عصبوية. لكن ليست لها أية علاقة بالعصبوية. ليست لدينا، على الاطلاق، أية علاقة مع المجموعات اليسارية المتطرفة والعصبوية التي تتبختر مثل طاووس سخيف على هامش الحركة العمالية.
علينا أن ندير ظهورنا للعصبويين ونتوجه نحو الفئات الجديدة التي تتجه نحو الشيوعية. ليست هذه الخطوة تعبيرا عن نفاد الصبر ولا عن نزعة إرادوية ذاتية. إنها تستمد جذورها من فهم واضح للشرط الموضوعي. وهذا وحده، وليس أي شيء آخر، ما يجعل مثل هذه الخطوة ضرورية للغاية وحتمية.
دعونا نتفحص الحقائق:
إن آخر استطلاعات الرأي التي أجريت في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، وغيرها من البلدان، تزودنا بمؤشر واضح للغاية على أن فكرة الشيوعية تنتشر بسرعة. إن الإمكانات أمام الشيوعية هائلة. ومهمتنا هي أن نجعل تلك الإمكانية حقيقة من خلال إعطائها تعبيرا تنظيميا.
ومن خلال تنظيمنا للطليعة في حزب شيوعي ثوري حقيقي، ودمجها في منظمة بلشفية منضبطة، وتكوينها على أساس الأفكار الماركسية، وتدريبها على أساليب لينين، سنبني قوة يمكنها أن تلعب دورا رئيسيا في الثورة الاشتراكية خلال المرحلة المقبلة.
هذه هي مهمتنا. وعلينا أن نتغلب على كل العقبات من أجل تحقيقها.
الستالينية مقابل البلشفية
اعتقد أعداء الشيوعية لفترة طويلة أنهم نجحوا في طرد أشباح ثورة أكتوبر. وبدا انهيار الاتحاد السوفياتي كما لو أنه يؤكد اعتقادهم بأن الشيوعية ماتت ودُفنت. قالوا بشماتة: “لقد انتهت الحرب الباردة، وقد انتصرنا”.
ومع ذلك، فإنه خلافا للأسطورة التي يكررها باستمرار أعداؤنا الطبقيون، لم تكن الشيوعية هي التي انهارت أواخر الثمانينيات، بل الستالينية، والتي هي صورة كاريكاتورية فظيعة وبيروقراطية وشمولية لا علاقة لها بنظام الديمقراطية العمالية الذي أسسه لينين والبلاشفة عام 1917.
لقد نفذ ستالين ثورة سياسية مضادة ضد البلشفية، معتمدا على فئة من كبار المسؤولين الذين وصلوا إلى السلطة في فترة انحسار الثورة بعد وفاة لينين. ومن أجل ترسيخ دكتاتوريته المضادة للثورة، اضطر ستالين إلى قتل جميع رفاق لينين وعدد كبير من الشيوعيين الحقيقيين الآخرين.
إن الستالينية والبلشفية، ليستا متطابقتين على الاطلاق، إنهما ليستا مختلفتين من حيث النوع فحسب: بل إنهما عدوان عداء تناحريا مطلقا، ويفصل بينهما نهر من الدماء.
انحطاط الأحزاب “الشيوعية”
ترتبط الشيوعية بشكل وثيق باسم لينين والتقاليد المجيدة للثورة الروسية، لكن الأحزاب الشيوعية الموجودة اليوم هي “شيوعية” بالاسم فقط. لقد تخلى قادة تلك الأحزاب منذ زمن بعيد عن أفكار لينين والبلشفية.
كان الانفصال الحاسم عن اللينينية هو قبول سياسة “الاشتراكية في بلد واحد” المعادية للماركسية. وقد توقع تروتسكي، عام 1928، أن هذه السياسة ستؤدي حتما إلى الانحطاط القومي الإصلاحي لكل الاحزاب الشيوعية في العالم. وقد أثبتت الوقائع صحة هذا التوقع.
في البداية كان قادة الأحزاب الشيوعية يطيعون إملاءات ستالين والبيروقراطية، واتبعوا بخنوع كل انعطاف يأتي من موسكو. وفي وقت لاحق، تبرأوا من ستالين، لكنهم، وبدلا من العودة إلى لينين، اتخذوا منعطفا حادا نحو اليمين. وبعد انفصالها عن موسكو، تبنت تلك الأحزاب في معظم البلدان وجهات نظر وسياسات إصلاحية.
وباتباعها للمنطق المشؤوم المتمثل في “الاشتراكية في بلد واحد”، تكيفت قيادات كل تلك الاحزاب مع مصالح البرجوازية في بلدها. وقد أدى ذلك إلى الانحطاط الكامل، وحتى التصفية الكاملة للأحزاب الشيوعية.
كانت الحالة الأكثر تطرفا هي حالة الحزب الشيوعي الإيطالي، الذي كان أكبر وأقوى حزب شيوعي في أوروبا. وقد أدت سياسات الانحطاط الوطني الإصلاحي في النهاية إلى حل الحزب الشيوعي وتحوله إلى حزب إصلاحي برجوازي.
الحزب الشيوعي البريطاني اليوم لا يمتلك أي تأثير سوى من خلال صحيفة يومية تسمى “Morning Star“، والتي لا يتجاوز خطها أبعد من نسخة فاترة للإصلاحية اليسارية. إنه في الواقع مجرد غطاء يساري للبيروقراطية النقابية.
أما الحزب الشيوعي الإسباني فهو عضو في حكومة ائتلافية ترسل الأسلحة إلى أوكرانيا كجزء من حرب الناتو ضد روسيا. ونتيجة لذلك، فقد دخل الحزب في مرحلة تراجع حاد. عبرت منظمة الشباب الشيوعي (UJCE) عن معارضتها للخط الرسمي للحزب فتم طردها.
في حين أن الحزب الشيوعي الأمريكي لا يعمل سوى كآلة انتخابية لصالح الحزب الديمقراطي، ويدعو إلى التصويت لصالح بايدن باعتباره “تصويتا ضد الفاشية”.
وكان الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي طيلة 30 عاما جزءا من حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المؤيدة للرأسمالية، حتى أنه دافع عن المذبحة التي راح ضحيتها 34 من عمال المناجم المضربين في ماريكانا عام 2012.
والقائمة لا نهاية لها.
أزمة الأحزاب الشيوعية
تجد الحركة الشيوعية العالمية نفسها في حالة من الفوضى الكاملة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ العالم.
لقد ردت الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم على المذبحة في غزة بدعوات إلى “احترام القانون الدولي” وقرارات الأمم المتحدة، أي قرارات القوى الإمبريالية الكبرى.
لكن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، كان هو الذي أثار انقساما عميقا في صفوفها، حيث استسلمت معظم الأحزاب الشيوعية بشكل فضائحي لموقف الطبقة السائدة في بلدانها. غطت العديد من الأحزاب الشيوعية، وخاصة في الغرب، دعمها الضمني لحلف الناتو بدعوات سلمية تطالب بالسلام، و”المفاوضات”، وما إلى ذلك. وقد جعل الهجوم الإسرائيلي على غزة الأمور أكثر سوءا.
حيث أن الحزب الشيوعي الفرنسي، على سبيل المثال، انسحب من الائتلاف الانتخابي اليساري (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد NUPES) لأن زعيمه، ميلينشون، رفض وصف حماس بأنها منظمة إرهابية.
وعلى الطرف الآخر، صارت بعض الأحزاب الشيوعية الأخرى مجرد أدوات للسياسة الخارجية الروسية والصينية، حيث تصورهما على أنهما حليفان تقدميان لنضال الأمم الضعيفة والتابعة من أجل “التحرر من الاستعمار الإمبريالي وعبودية الديون”.
ويعتبر الحزب الشيوعي لفدرالية روسيا حالة متطرفة. لقد فقد أي مظهر من مظاهر الوجود المستقل، ناهيك عن الوجود الشيوعي. لقد أصبح حزب زيوغانوف منذ فترة طويلة مجرد تابع لنظام بوتين الرجعي.
وقد أدت هذه التناقضات إلى سلسلة من الانقسامات. فشل الاجتماع العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية (IMCWP)، الذي انعقد في هافانا عام 2023، حتى في إصدار بيان حول حرب أوكرانيا لأنه لم يتمكن من التوصل إلى “توافق”.
أزمة الحركة الشيوعية ودور الحزب الشيوعي اليوناني
انتفض العديد من العمال الشيوعيين في القواعد ضد هذه التحريفية الوقحة.
لقد اتخذ الحزب الشيوعي اليوناني خطوات مهمة، بلا شك، في رفض الفكرة الستالينية-المنشفية القديمة سيئة السمعة التي تقول بالثورة عبر مرحلتين. وقد تبنى موقفا أمميا صحيحا بشأن الحرب الأوكرانية، التي وصفها بأنها صراع بين الإمبرياليات.
وقاد حركة عمالية لمقاطعة شحن الأسلحة من الموانئ اليونانية إلى أوكرانيا. سيكون هذا موضع ترحيب من قبل جميع الشيوعيين الحقيقيين. ومع ذلك، فإنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه الخطوات، فإنه من السابق لأوانه أن نستنتج أن التقدم الذي أحرزه الشيوعيون اليونانيون قد اكتمل.
من الضروري عليهم، على وجه الخصوص، إجراء قطيعة كاملة مع نظرية الاشتراكية في بلد واحد المناهضة للماركسية، واعتماد نهج الجبهة الموحدة اللينينية.
يحاول الحزب الشيوعي اليوناني بناء روابط مع الأحزاب الشيوعية الأخرى التي تشاركه موقفه بشأن الحرب الأوكرانية باعتبارها صراعا بين الإمبرياليات. هذه خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن الشرط المسبق للنجاح هو إجراء نقاش مفتوح وديمقراطي تشارك فيه جميع التيارات الشيوعية الحقيقية في العالم.
إن إعادة بناء أممية شيوعية حقيقية على أساس أفكار وأساليب لينين يقتضي النقاش والمركزية الديمقراطية، وليس سياسة الدبلوماسية و”التوافقات”.
إن مهمتنا هي إعادة الحركة إلى أصولها الحقيقية، والقطيعة مع التحريفية الجبانة ورفع راية لينين. ولتحقيق هذه الغاية، نحن نمد يد الصداقة إلى كل الأحزاب أو المنظمات التي تشاركنا هذا الهدف.
عندما أعلن تروتسكي تأسيس المعارضة اليسارية الأممية، تصورها على أنها المعارضة اليسارية داخل الحركة الشيوعية العالمية. نحن شيوعيون حقيقيون -بلاشفة لينينيون- تم استبعادنا بطريقة بيروقراطية من صفوف الحركة الشيوعية على يد ستالين.
لقد ناضلنا دائما من أجل الحفاظ على راية أكتوبر الحمراء وراية اللينينية الحقيقية عالية، وعلينا الآن أن نستعيد مكانتنا الصحيحة كجزء لا يتجزأ من الحركة الشيوعية العالمية.
لقد حان الوقت لفتح نقاش نزيه داخل الحركة حول الماضي، والذي سيقطع أخيرا مع آخر بقايا الستالينية ويمهد الطريق لوحدة شيوعية دائمة على أسس اللينينية الصلبة.
فلتسقط التحريفية!
من أجل الوحدة الكفاحية لجميع الشيوعيين!
من أجل العودة إلى لينين!
سياسة لينين
مهمتنا المباشرة ليست هي كسب الجماهير. هذا شيء يتجاوز تماما قدراتنا الحالية. إن هدفنا هو كسب العناصر العمالية الأكثر تقدما ووعيا. فقط بهذه الطريقة سيمكننا إيجاد الطريق إلى الجماهير. لكنه لا يمكننا أن نتعامل باستخفاف مع مقاربتنا تجاه الجماهير.
الجيل الجديد من العمال والشباب يبحث عن طريق للخروج من المأزق. وقد أدركت أفضل العناصر أن الحل الوحيد يكمن في سلوك طريق الثورة الاشتراكية.
لقد بدأوا يفهمون طبيعة المشاكل التي تواجههم وبدأوا تدريجيا في إدراك الحاجة إلى حلول جذرية. لكن نفاد صبرهم قد يدفعهم إلى ارتكاب الأخطاء.
كان من شأن عمل الشيوعيين أن يكون بسيطا للغاية لو أن كل ما هو مطلوب هو قصف الطبقة العاملة بالشعارات الثورية. لكن هذا غير كاف على الإطلاق، بل ويمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
لا يمكن للطبقة العاملة أن تتعلم إلا من خلال التجربة، وخاصة تجربة الأحداث العظيمة. وعادة ما تتعلم ببطء، ببطء شديد بالنسبة للعديد من الثوريين الذين يقعون في بعض الأحيان تحت تأثير نفاد الصبر والإحباط.
لقد أدرك لينين أنه قبل أن يتمكن البلاشفة من الاستيلاء على السلطة، كان عليهم أولا كسب الجماهير. ولهذا، من الضروري وجود مرونة كبيرة في التكتيكات. لقد كان لينين دائما يوصي الثوريين بالتحلي بالصبر: كانت نصيحته للبلاشفة هي “اشرحوا بصبر”، وذلك حتى في خضم ثورة 1917.
وبدون فهم للتكتيكات، انطلاقا من التجربة الملموسة للطبقة العاملة، سيكون كل الحديث عن بناء الحركة الثورية مجرد ثرثرة فارغة: سيكون مثل سكين بلا نصل.
لهذا السبب يجب أن تحتل مسائل الاستراتيجية والتكتيك مكانة مركزية في اعتبارات الشيوعيين. لقد كانت لدى كل من لينين وتروتسكي فكرة واضحة للغاية حول علاقة الطليعة الشيوعية بالمنظمات الإصلاحية الجماهيرية.
وقد تم تلخيص ذلك في الكتاب الذي يمثل بلا شك تحفة لينين حول التكتيكات الثورية، أي كتاب: مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية. لكن وبعد أكثر من قرن من الزمان، تبقى كتابات لينين حول هذا الموضوع المهم بمثابة كتاب مغلق بسبعة أقفال بالنسبة للعصبويين “التروتسكيين” المزيفين.
لقد شوهوا راية التروتسكية في كل مكان، وقدموا خدمات لا تقدر بثمن للبيروقراطية. إنهم يتصورون أنه يمكن شطب المنظمات الجماهيرية كأشياء متجاوزة تاريخيا. ويقتصر موقفهم من هذه المنظمات على التنديد الشديد بالخيانة. لكن هذه التكتيكات تؤدي مباشرة إلى طريق مسدود.
ليست لديهم أية علاقة بالأساليب المرنة التي تبناها لينين وتروتسكي، اللذَيْن فهما ضرورة قيام الشيوعيين ببناء جسور مع جماهير العمال الذين ما زالوا تحت تأثير الإصلاحيين.
يجب علينا أن ندير ظهورنا بحزم لتلك العصبوية العقيمة ونتجه بجرأة نحو الطبقة العاملة. ومن خلال شرح السياسات الشيوعية بصبر للجماهير ووضع المطالب في وجه القادة الإصلاحيين، سيكون من الممكن كسب العمال الإصلاحيين إلى راية الشيوعية.
“كل السلطة للسوفييتات”
يكفي أن نذكر أن لينين رفع، في عام 1917، شعار “كل السلطة للسوفييتات”، في الوقت الذي كانت فيه تلك المنظمات، التي تمثل جماهير العمال والجنود، تحت سيطرة الإصلاحيين: المناشفة والاشتراكيين الثوريين.
بهذا الشعار، كان لينين يقول لقادة السوفييتات الإصلاحيين: “حسنا أيها السادة. لديكم الأغلبية. نقترح عليكم أن تأخذوا السلطة بين أيديكم وتقدموا للشعب ما يريده: السلام والخبز والأرض. إذا قمتم بذلك، سوف ندعمكم، وسيتم تجنب الحرب الأهلية، وسيتحول الصراع على السلطة إلى صراع سلمي على النفوذ داخل السوفييتات”.
لكن القادة الإصلاحيين الجبناء لم تكن لديهم أية نية في الاستيلاء على السلطة. لقد أخضعوا أنفسهم للحكومة المؤقتة البرجوازية، التي أخضعت نفسها بدورها للإمبريالية والردة الرجعية. وهكذا تمكن العمال والجنود داخل السوفييتات من أن يروا بأنفسهم الطبيعة الخيانية لقادتهم، واتجهوا نحو البلشفية.
فقط بهذه الطريقة كان من الممكن للبلاشفة أن ينتقلوا من حزب صغير يضم حوالي 8000 عضو، في فبراير 1917، إلى قوة جماهيرية قادرة على كسب الأغلبية داخل السوفييتات خلال الفترة التي سبقت ثورة أكتوبر مباشرة.
اليوم من الضروري علينا، قبل كل شيء، أن نحافظ على الإحساس بالواقع. لقد تعرضت القوى الشيوعية الحقيقية للتراجع بفعل قوى تاريخية خارجة عن سيطرتنا. تحولنا إلى أقلية صغيرة جدا داخل الحركة العمالية.
لدينا الأفكار الصحيحة، لكن الغالبية العظمى من الطبقة العاملة ليست مقتنعة بعد بأن أفكارنا صحيحة وضرورية. إنهم في أغلب الأحيان ما يزالون تحت تأثير المنظمات الإصلاحية التقليدية، وذلك لسبب بسيط هو أن قادة تلك المنظمات يقدمون لهم ما يبدو أنه طريق سهل وغير مؤلم للخروج من الأزمة.
ذلك الطريق لا يؤدي، في الواقع، إلا إلى المزيد من الهزائم وخيبات الأمل والبؤس. لا يمكن للشيوعيين، تحت أي ظرف من الظروف، أن يتركوا الطبقة العاملة تحت رحمة الخونة الإصلاحيين والبيروقراطيين. بل على العكس من ذلك، يجب علينا أن نخوض صراعا عنيدا ضد هؤلاء الخونة. لكن ليس هناك من سبيل لأن تتجنب الطبقة العاملة المرور عبر المدرسة المؤلمة للإصلاحية.
إلا أن مهمتنا ليست قنصهم من الهامش، بل خوض التجربة معهم، جنبا إلى جنب، ومساعدتهم على استخلاص الدروس وإيجاد الطريق للمضي قدما، مثلما فعل البلاشفة في عام 1917.
بناء جسر نحو العمال!
يجب علينا إقامة حوار مع الطبقة العاملة، بحيث لا ينظرون إلينا كعناصر غريبة أو كأعداء، بل بكوننا رفاقا في النضال ضد العدو المشترك: رأس المال. وعلينا أن نثبت لهم تفوق الشيوعية، ليس بالقول بل بالأفعال.
يجب علينا أن نجد الطرق والوسائل لكسب انتباه جماهير العمال الذين ما زالوا تحت تأثير الإصلاحية. سوف تستخدم البيروقراطية كل الوسائل الخسيسة لعزل الشيوعيين عن بقية العمال. ستستعمل الحظر والتضييق والطرد والأكاذيب والافتراءات والشتائم والهجمات بجميع أنواعها. لكن الشيوعيين سيجدون دائما السبل والوسائل للتغلب على هذه العقبات. لا توجد طريقة تستطيع بها البيروقراطية، التي اغتصبت قيادة المنظمات العمالية، أن تمنع الشيوعيين من الوصول إلى الطبقة العاملة.
لا توجد قاعدة ذهبية لكي نحدد بشكل مسبق التكتيكات، والتي تحددها الظروف الملموسة. هذه ليست مسألة مبدئية، بل مسألة عملية. كان لدى لينين دائما موقف مرن تجاه الأمور التكتيكية. فنفس لينين الذي دافع بشكل حازم عن الانفصال عن الاشتراكيين الديمقراطيين في عام 1914، ودعم إنشاء حزب شيوعي مستقل في بريطانيا، هو الذي اقترح أيضا أن يتقدم الحزب الشيوعي البريطاني بطلب الانضمام إلى حزب العمال، مع الحفاظ على برنامجه وشعاره وسياساته المستقلة.
قد يكون من الضروري علينا، في ظل ظروف معينة، أن نرسل كل قوانا إلى المنظمات الإصلاحية من أجل كسب العمال ذوي التوجه اليساري إلى موقف ثوري حازم.
لكن هذا غير مطروح في الفترة الحالية. إن الشروط اللازمة لذلك غائبة. لكنه من الضروري علينا في جميع الأحيان إيجاد الطريق إلى الطبقة العاملة. وهذه ليست مسألة تكتيكية، بل إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للطليعة الشيوعية.
من واجب الشيوعيين، حتى أثناء عملهم كحزب مستقل، أن يتوجهوا نحو المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة، وأن يتبعوا، حيثما أمكن ذلك، تكتيك الجبهة الموحدة من أجل إيجاد الطريق إلى الجماهير. هذه هي الأبجديات بالنسبة لأي شخص مطلع ولو عن بعد على أفكار وأساليب ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي.
إن سياستنا ترتكز تحديدا على نصيحة لينين وعلى أطروحات المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الشيوعية. فإذا لم يفهم منتقدونا العصبويون ذلك، فهذه مشكلتهم.
ما الذي نناضل من اجله؟
أهداف الشيوعيين، في جوهرها، هي نفس أهداف العمال بشكل عام. نحن نناضل من أجل القضاء التام على الجوع والتشرد؛ ومن أجل العمل المضمون في ظروف جيدة؛ ومن أجل التخفيض الجذري لأسبوع العمل وتمديد وقت الراحة؛ ومن أجل ضمان الرعاية الصحية والتعليم المجانيين وبجودة عالية؛ ومن أجل القضاء على الإمبريالية والحروب؛ ومن أجل وضع حد نهائي للتدمير الجنوني الذي يتعرض له كوكبنا.
لكننا نشير إلى أنه في ظل ظروف الأزمة الرأسمالية، لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا من خلال نضال لا هوادة فيه، وأن هذا النضال لا يمكن أن ينجح في نهاية المطاف إلا عندما يؤدي إلى مصادرة ملكية أصحاب الأبناك والرأسماليين. ولهذا السبب طور تروتسكي فكرة المطالب الانتقالية.
سوف يتدخل الشيوعيون بكل قوة في كل نضالات الطبقة العاملة. وبطبيعة الحال، فإن المطالب الملموسة التي يرفعها الشيوعيون في الحركة سوف تتغير بشكل متكرر بما يتماشى مع الظروف المتغيرة، وسوف تختلف وفقا لظروف كل بلد. ولذلك فإنه لن يكون من السليم صياغة قائمة لمطالب برنامجية في هذا البيان.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي يجب على الشيوعيين في جميع البلدان أن يصوغوا بها مطالب ملموسة قد أوضحها تروتسكي ببراعة في عام 1938 ونشرت في الوثيقة التأسيسية للأممية الرابعة: احتضار الرأسمالية ومهام الأممية الرابعة، الشهيرة باسم: البرنامج الانتقالي.
تمثل المطالب المقدمة في تلك الوثيقة تلخيصا للبرنامج الذي وضعه لينين والبلاشفة، والتي هي واردة في الأطروحات والوثائق المنشورة للمؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الشيوعية.
يمكن ببساطة ذكر الفكرة الأساسية للمطالب الانتقالية. لقد أوضح تروتسكي أنه في مرحلة انحطاط الرأسمالية، أي نضال جدي من أجل تحسين مستويات المعيشة سوف يتجاوز حتما “حدود علاقات الملكية الرأسمالية والدولة البرجوازية”.
وكما هو الحال في الحروب، حيث يمكن أن تتحول المعارك الدفاعية إلى معارك هجومية، كذلك في الصراع الطبقي، يمكن أن يؤدي النضال من أجل المطالب المباشرة، في ظل ظروف معينة، إلى قفزة في الوعي وحركة في اتجاه الصراع الثوري على السلطة.
وفي التحليل الأخير، لا يمكن لأي إصلاح أن يكتسب طابعا دائما ما لم يرتبط بإسقاط النظام البرجوازي.
يناضل الشيوعيون من أجل التحرر الكامل للطبقة العاملة، من أجل التحرر من الاضطهاد وعذاب الكدح. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تحطيم الدولة البرجوازية، ومصادرة وسائل الإنتاج وتطبيق التخطيط الاشتراكي تحت الرقابة والإدارة العمالية الديمقراطية.
إن مستقبل البشرية يعتمد على هذا. وعلى حد تعبير الماركسي الأيرلندي العظيم جيمس كونولي:
“إن مطالبنا معتدلة جدا،
نحن نريد العالم فقط“.
هل الشيوعية فكرة طوباوية؟
الملجأ الأخير للمدافعين عن الرأسمالية هو القول بأنه لا يوجد بديل لنظامهم المفلس. لكن هل يمكن لأي عاقل أن يصدق هذا؟
هل يمكن أن يكون صحيحا أن الجنس البشري غير قادر على تصور نظام أفضل من الوضع المروع الحالي؟ إن هذا الادعاء الغريب يمثل استهانة فظيعة بذكاء جنسنا البشري.
إن القضاء على دكتاتورية أصحاب الأبناك والرأسماليين سيسمح بخلق اقتصاد مخطط بعقلانية لتلبية احتياجات البشرية، وليس الجشع الفاحش لحفنة من أصحاب الملايير.
إن الحل واضح لأي إنسان يفكر بشكل جدي. وهو الآن حل في متناول أيدينا. هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على الجوع والفقر والحروب وجميع العلل الأخرى للرأسمالية، وخلق عالم صالح للبشر للعيش فيه.
يزعم أعداء الشيوعية أن هذه فكرة طوباوية. هذا الاتهام مثير للسخرية. إن الشيء الطوباوي حقا هو على وجه التحديد هذا النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي استنفذ مبررات بقاءه، والذي يتعارض وجوده بشكل صارخ مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع. ليس لهذا النظام الحق في البقاء، ومحكوم عليه بأن ينتهي في مزبلة التاريخ.
لا يوجد شيء طوباوي في الشيوعية. بل على العكس تماما. إن الظروف المادية لبناء مجتمع إنساني جديد وأعلى موجودة بالفعل على المستوى العالمي وتنضج بسرعة.
إن التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا يقدم صورة ساحرة لعالم خال من الفقر والتشرد والجوع. إن تطور الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الروبوتات الحديثة، يمكن أن يساعد في تقليص ساعات العمل إلى النقطة التي لن يضطر عندها الناس، في نهاية المطاف، إلى العمل إلا بدافع الاختيار الشخصي.
إن إلغاء عبودية العمل هو بالتحديد الأساس المادي لمجتمع لا طبقي. وقد صار هذا ممكنا تماما الآن. إنها ليست يوتوبيا، بل إنها شيء في متناول أيدينا. هناك عالم جديد في طور الولادة، ينمو بصمت لكن بثبات داخل رحم العالم القديم.
لكن في ظل الرأسمالية، يتحول كل شيء إلى نقيضه. ففي ظل نظام يخضع فيه كل شيء لدافع الربح، فإن كل تقدم تكنولوجي جديد يعني زيادة في البطالة مع إطالة يوم العمل وزيادة في الاستغلال والعبودية.
كل ما نقترحه هو استبدال نظام غير عادل وغير عقلاني -حيث كل شيء خاضع للجشع النهم لقلة من الناس- باقتصاد مخطط عقلاني ومتناغم، يعتمد على الإنتاج لتلبية الاحتياجات البشرية.
من أجل أممية شيوعية حقيقية!
قبل ثلاثة عقود، في وقت سقوط الاتحاد السوفياتي، أعلن فرانسيس فوكوياما منتصرا نهاية التاريخ. لكن التاريخ لا يمكن التخلص منه بسهولة. وهو يواصل طريقه، بغض النظر عن آراء المنظرين البرجوازيين. والآن ها هي عجلة التاريخ قد دارت 180 درجة.
كان سقوط الاتحاد السوفياتي دراما تاريخية عظيمة بلا شك. لكن إذا نظرنا إلى ذلك الحدث اليوم، فسوف يظهر باعتباره مجرد مقدمة لدراما أعظم بكثير: دراما الأزمة الختامية للرأسمالية.
وللأسباب المبينة أعلاه، فإن الأزمة الحالية بطبيعتها سوف تكون ممتدة. وبسبب غياب العامل الذاتي يمكنها أن تستمر لسنوات، أو حتى عقودا، مع فترات صعود وهبوط. إلا أن هذا هو مجرد وجه واحد للعملة.
سوف تستمر الأزمة لفترة طويلة، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أنها ستكون سلمية وهادئة. بل على العكس تماما! لقد دخلنا المرحلة الأكثر اضطرابا وغليانا في تاريخ العصر الحديث.
سوف تؤثر الأزمة على جميع البلدان الواحد منها تلو الآخر. وستسنح للطبقة العاملة العديد من الفرص للاستيلاء على السلطة. الوضع برمته يحبل بالتغيرات الحادة والمفاجئة. يمكن لها أن تندلع عندما لا نتوقعها. يجب أن نكون مستعدين.
لم يعد من الضروري إقناع شرائح واسعة من الشباب بتفوق الشيوعية. إنهم شيوعيون بالفعل. إنهم يبحثون عن راية نظيفة، وعن منظمة تقطع بشكل جذري مع الإصلاحية والانتهازية “اليسارية” الجبانة.
علينا أن نتخذ جميع التدابير العملية الممكنة للعثور عليهم وكسبهم. ويتضمن هذا إعلان حزب جديد وأممية جديدة. الوضع برمته يتطلب ذلك. إنها مهمة ضرورية وعاجلة للغاية ولا تقبل أي تأخير.
إن المطلوب هو حزب شيوعي حقيقي، يرتكز على أفكار لينين وغيره من المعلمين الماركسيين العظماء، وأممية على غرار الأممية الشيوعية خلال سنواتها الخمس الأولى.
ما تزال أعدادنا صغيرة مقارنة بالمهام الكبرى التي تواجهنا، وليست لدينا أية أوهام في هذا الشأن. لكن كل الحركات الثورية في التاريخ بدأت حياتها كحركة صغيرة وكانت تبدو غير ذات شأن.
لدينا عمل مهم يتعين علينا القيام به، وهذا العمل بدأ يؤتي ثماره بالفعل ويصل إلى مرحلة حاسمة.
نحن ننمو بسرعة لأننا الآن نسبح في نفس مسار تيار التاريخ. ولدينا قبل كل شيء الأفكار الصحيحة. قال لينين إن الماركسية قوية لأنها صحيحة. وهذه الحقيقة تملأنا بالثقة في المستقبل.
لقد عرّف الاشتراكي الطوباوي الفرنسي العظيم، فورييه، الاشتراكية بأنها الطريق لتحقيق إمكانيات الجنس البشري.
في ظل الشيوعية سيتم، لأول مرة في تاريخ البشرية، فتح الأبواب على مصراعيها أمام الجماهير لكي تدخل عالم الثقافة الذي حرمت منه. سيكون الطريق مفتوحا أمام ازدهار عظيم للفنون والموسيقى والثقافة، بشكل لم يشهده العالم من قبل.
من أجل عالم جديد، حيث ستكتسب الحياة معنى جديدا بشكل كامل. وحيث، لأول مرة، سيتمكن الرجال والنساء من السمو بأنفسهم إلى مكانتهم الحقيقية على أساس المساواة الكاملة. والتي ستكون قفزة للبشرية من عالم الضرورة إلى عالم الحرية.
آنذاك لن يضطر الرجال والنساء إلى رفع أعينهم إلى السحاب بحثا عن حياة أفضل بعد الموت. سوف يختبرون عالما جديدا، ستكتسب فيه الحياة نفسها، بعد أن يتم تطهيرها من الاضطهاد والاستغلال والظلم، معنى جديدا تماما.
هذا هو المشروع الرائع الذي نناضل من أجله: الجنة فوق هذه الأرض.
وهذا هو ما تعنيه الشيوعية الحقيقية.
هذه هي القضية الوحيدة التي تستحق النضال من أجلها.
ولهذا السبب نحن شيوعيون!
إنه من واجب كل واحد منا أن يتأكد من تنفيذ هذا العمل على الفور، دون تردد، ومع القناعة المطلقة بأننا سننجح.
ولتكن شعارات نضالنا هي:
- فليسقط اللصوص الإمبرياليون!
- فلتسقط العبودية الرأسمالية!
- من أجل مصادرة ملكية أصحاب الأبناك والرأسماليين!
- تعيش الشيوعية!
- يا عمال كل البلدان، اتحدوا!
- إلى الأمام لبناء أممية جديدة!
هوامش:
[1] Mutually Assured Destruction
التيار الماركسي الأممي
11 مارس/آذار 2024
ترجم عن النص الأصلي:
9 تعليقات
تعقيبات: لينين خلال عام: كتابات مناضل ثوري – ماركسي
تعقيبات: الماركسيون والمسألة القومية – ماركسي
تعقيبات: لماذا نحتاج إلى أممية شيوعية؟ – ماركسي
تعقيبات: الشيوعيون قادمون! كيف يمكنك الترويج للكونفرانس التأسيسي للأممية الشيوعية الثورية – ماركسي
تعقيبات: منظورات مصر 2024: بدء سيرورة التعافي ومستقبل يحبل بالتطورات الثورية – ماركسي
تعقيبات: عدد جديد من مجلة “الحرية والشيوعية” – الثورة الإفريقية – ماركسي
تعقيبات: بدء المؤتمر التأسيسي للأممية الشيوعية الثورية! – ماركسي
تعقيبات: لقد وصلت الأممية الشيوعية الثورية! – ماركسي
تعقيبات: لماذا يجب أن تكون شيوعيا – ماركسي