في هذا المقال يشرح روب سويل، محرر جريدة “الشيوعي”، لماذا يجب عليك أن تصير شيوعيا إذا كنت ترغب في إحداث تغيير حقيقي للمجتمع.
أطلق كير ستارمر مؤخرا على نفسه لقب “اشتراكي”. وهذه الحادثة لوحدها كافية لكي تجعلك تفكر بجدية في أن تكون شيوعيا.
العالم اليوم غارق في الأزمة. الرأسمالية تنهار والمجتمع الجديد يكافح من أجل أن يولد.
إن عجائب العلم الحديث مذهلة حقا. لكن وعلى الرغم من ذلك لا يمكننا، على ما يبدو، توفير ما يكفي من المنازل لحماية الناس من التشرد، أو توفير ما يكفي لرعاية كبار السن بشكل صحيح، أو توفير مستقبل لائق لشبابنا.
نحن لا نتحدث هنا عن بلد متخلف محروم من الموارد. فالناس يعانون من أزمة “العيش” هذه في غلاسكو ونيوكاسل ولندن، وكذلك في ساو باولو والقاهرة.
التفاوت الشديد
ومن ناحية أخرى، لم يسبق لأصحاب الملايير، في لندن وأماكن أخرى، أن حظوا بمثل هذه الحياة الرغدة من قبل.
جميعهم يمتلكون العديد من القصور والشقق، ومجموعات فنية قيمة، ويخوت فاخرة، وسيارات فارهة، ويسافرون في طائرات خاصة. ولديهم خدم تحت إمرتهم يسارعون لخدمتهم في جميع أوقات النهار والليل. هذه هي حياة الواحد في المائة سيئ السمعة.
كان أباطرة روما القديمة فقراء مقارنة بهؤلاء الأثرياء الذين يشكلون النخبة السائدة اليوم. ثمانية فقط من هؤلاء المليارديرات يملكون نفس الثروة التي يملكها نصف سكان الكوكب.
وكما سبق لكارل ماركس أن قال فإن هناك تراكم للثراء الفاحش في أحد القطبين، بينما هناك فقر وانحطاط في القطب الآخر.
يتنازل آباء وأمهات الأسر العمالية عن وجبات الطعام من أجل توفيرها لأطفالهم لكي يحموهم من الذهاب إلى المدرسة وهم جائعون، بينما يرفل الأثرياء في الرفاهية.
وقد عادت أمراض الكساح والسل والحصبة مرة أخرى إلى مدننا التي تعاني من الفقر.
ووضعت امرأة مولودها في المرحاض في مستودع سبورتس دايركت في ديربيشاير، بسبب خوفها من فقدان وظيفتها.
مرحبا بكم في المجتمع الرأسمالي في القرن الحادي والعشرين!
وضع غير معقول
اليوم، يتم إغلاق القطاعات الصناعية بشكل دوري ويتم إلقاء العمال في لجة البطالة، حيث “لم تعد هناك حاجة” لمواهبهم ومهاراتهم.
في مدينة بورت تالبوت في جنوب ويلز، سيؤدي إغلاق أفران الصهر في شركة تاتا ستيل إلى تحويل المكان إلى مدينة أشباح. سبق لهذا أن حدث في الأماكن التي أغلقت فيها تاتشر المناجم، والتي أصبحت الآن تعاني من جميع أنواع المشاكل الاجتماعية.
الأمر أشبه بالتعرض لكارثة طبيعية، لكنها هنا كارثة من صنع الإنسان.
في ظل الرأسمالية، رغم أن الناس يكونون بأمس الحاجة إلى الأشياء، فإنهم لا يستطيعون أن يشتروا حتى الأساسيات. أين العقلانية في كل هذا؟
يقول المدافعون عن الرأسمالية إنه لا يوجد أي بديل لهذا “التدمير الخلاق”؛ والذي هو مصطلح غريب. يزعمون أن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية، كما لو أن إغلاق المصانع وطرد الناس من العمل هو أشبه بتقليم بعض الأوراق الميتة من أغصان شجرة.
بل إنهم يقولون إن هذه هي الطبيعة البشرية! وأنها الطريقة التي كانت عليها الأمور دوما (وهو أمر غير صحيح) وسوف تبقى كذلك دائما، كما يزعمون.
ولكن، هل من الطبيعة البشرية أن نرى الناس يعيشون في مساكن عشوائية أو مشردين في الشوارع يكافحون من أجل البقاء، في حين تبقى العقارات فارغة من أجل المضاربة؟
وهل من الطبيعة البشرية أن نرى الناس يتضورون جوعا، في حين يُدفع المال للمزارعين من أجل ترك أراضيهم بورا، والمتاجر مليئة بالطعام؟
وهل من الطبيعة البشرية أن نرى الناس يموتون لمجرد أنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الأدوية؟
هذه هي طريقة اشتغال الرأسمالية. ولكن هذا النظام قد ولى عهده.
حاجز الربح
نقول نحن: لماذا لا يمكننا أن نخطط لحياتنا بحيث يستفيد الجميع من الثروة التي نخلقها، بدلا من أن تستفيد منها فقط أقلية من صغيرة من الطفيليين؟
هناك ما يكفي من الناس المدربين والموهوبين الذين يتمتعون بكل المهارات اللازمة لمعالجة المشكلة. إننا نملك العقول التي تمكننا من إرسال الصواريخ إلى بلوتو وما بعده، والقيام بالعديد من الأشياء العجيبة.
من الواضح أن الموارد البشرية متوفرة، بما في ذلك تلك الموارد غير المستخدمة. لابد أن بناء ما يكفي من المساكن ليعيش فيها الناس أمر بسيط. فنحن نملك الأرض والطوب والأسمنت والقوى العاملة، وقد قمنا بذلك طيلة فترة طويلة.
لذا ما الذي يمنعنا إذن؟ حسنا، إن مالكي الأراضي الخواص وشركات البناء غير مستعدين للبناء ما لم يتمكنوا من تحقيق الأرباح. وهم غير مهتمين بالمشردين أو باحتياجات الناس.
والواقع أنه في هذا العالم الرأسمالي، كلما قل عدد المساكن وطالت قوائم الانتظار، ارتفعت الأسعار وزادت الأموال التي يمكنهم جنيها. وبعبارة أخرى، كلما زاد البؤس والمعاناة، كلما زادت الأموال التي يمكن جنيها من وراء ذلك.
إنهم لا يريدون، بالطبع، أن يصوروا الأمر بهذه الطريقة. بل يحاولون إخفاء ما يجري في الواقع.
كازينو الرأسمالية
إن الطبقة الرأسمالية، التي تمتلك كل شيء تقريبا، لا تهتم إلا بكسب المال. وهي مدفوعة بالجشع.
إنها في الواقع لا تعمل كثيرا، هذا إن كانت تعمل أصلا على الإطلاق. أغلب المستثمرين الأثرياء يستخدمون المديرين والمحاسبين لاستثمار أموالهم وجعلها “تعمل” لصالحهم.
إنهم في الواقع لا ينتجون أي شيء ذي قيمة اجتماعية. فهم يحصلون على أموالهم من عمل الآخرين. إنهم يأكلون الطعام، ويرتدون الملابس، ويعيشون في منازل تنتجها أعمال الآخرين، ولا يقدمون أي شيء في المقابل.
وفي ظل النظام الحالي، ينتج العمال أكثر كثيرا مما يحصلون عليه على شكل أجور. ومن هنا يأتي الربح الذي يحققه الرأسماليون.
لا يتلقى العمال إلا ما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة حتى موعد صرف الأجر التالي. إن هذا الاستغلال -نسميه استغلالا لأنه كذلك- ليس شفافا كما كان عليه حال الاستغلال في العصور الوسطى، عندما كان الأقنان مجبرين على العمل مجانا في أرض السيد، لكنه نفس الشيء من حيث الجوهر.
يكسب الرأسماليون المال بشتى الطرق. لكن كل ذلك يتلخص في أنهم يتلقون من عمالهم قيمة أكبر مما يدفعونه لهم.
في الماضي كان الرأسماليون ينتجون الأشياء بالفعل. أما اليوم فإنهم يريدون كسب المال دون عناء إنتاج أي شيء.
إذا نظرت إلى قائمة الأثرياء في صحيفة صنداي تايمز، فسوف تجد أن أغلب الأثرياء يحصلون على أموالهم من الميراث وقطاع العقارات وقطاع التأمين والخدمات المصرفية والخدمات المالية، وما إلى ذلك. قليلون هم من يصنعون الأشياء بالفعل.
إنهم يشترون ويبيعون العملات أو السندات. بل إنهم يتاجرون حتى في السندات “غير المرغوبة”، والتي هي سندات لا يتم شراؤها من سوق بيع السيارات المستعملة أو من ساحة الخردة، بل هي عبارة عن قطع من الورق تصدرها مؤسسات تعتبر عالية المخاطر للغاية، لأنها تتضمن ديونا مشبوهة. وقد كان هذا هو العامل الذي انهار بسببه سوق الإسكان في الولايات المتحدة في عامي 2007 و2008.
سوق الأوراق المالية في حد ذاته يشبه إلى حد كبير كازينو عملاق. فأنت تربح بعض الشيء وتخسر بعض الشيء. حسنا، الأغنياء هم المستفيدون دوما. ومن المؤسف أن ظروف عيش الملايين من الناس العاديين معلقة على رمي النرد من قِبَل ملياردير مضارب. كم هو فاسد هذا الوضع؟
بالنسبة لأصحاب الملايير يتعلق الأمر بالمعاملات وليس الإنتاج. وهذا هو ما يدر عليهم الأموال الطائلة. عمليات الاستحواذ، والاستيلاء، وشراء الأسهم، وإعادة شراء الأسهم: وكل ما يمكنك أن تتصوره.
إن الرأسماليين لا يهتمون بما يشترونه أو يبيعونه، سواء كان أسلحة أو أسلحة دمار شامل (والتي هي مربحة للغاية هذه الأيام) أو أي شيء آخر. إنهم مستعدون لبيع جداتهم إذا كان ذلك سيمكنهم من تحقيق الربح.
وكما قال أحد المصرفيين الاستثماريين، فإن كل شيء يتحدد من خلال “الجشع الطاغي الذي يسود حياتنا التجارية”.
الرأسماليون: صناع ثروة أم طفيليات؟
خذوا الملياردير وارن بافيت على سبيل المثال. تمتلك شركته رصيدا نقديا يبلغ 67 مليار دولار للاستثمار في “الاستحواذ”، أو شراء الشركات. وقد وصف هو هذا النشاط بأنه أشبه بـ”قنص الفيلة”، والتي هي هواية لا يعرف عنها سوى قِلة منا أي شيء.
تمكن السيد بافيت من تحويل شركة نسيج متعثرة إلى أكبر تكتل في الولايات المتحدة، بقيمة سوقية تبلغ 354 مليار دولار. وقد تطلب هذا بالتأكيد الكثير من عمليات الشراء!
تدير الشركة عمليات تشمل التأمين والإقراض والسكك الحديدية والتصنيع وشركات الطاقة، وتمتلك استثمارات في العديد من الشركات الكبرى الأخرى.
لقد مول اندماج شركتي كرافت وهاينز، واستحواذ برغر كينغ على سلسلة مقاهي تيم هورتونز الكندية. وكان من بين عمليات الاستحواذ الأخرى التي قام بها الاستيلاء على شركة فان تويل، وهي شبكة من وكالات بيع السيارات في الولايات المتحدة، والتي اشتراها مقابل 4.1 مليار دولار.
كتب السيد بوفيت في رسالته السنوية إلى المساهمين هذا العام قائلا: “مع استحواذنا على فان تويل، أصبحنا نمتلك الآن تسع شركات ونصف كانت لتدرج في قائمة فورتشن 500 لو كانت مستقلة (هاينز هي النصف)”، وأضاف: “هذا يعني أنه ما تزال هناك 490 سمكة ونصف سمكة في البحر. لقد انقطعت خيوطنا”.
كيف تمكن السيد بوفيت من أن يجني كل هذا القدر من المال بمفرده من خلال الصيد؟ الرأسماليون القدامى، الذين لم يكونوا يمتلكون شركاتهم فحسب، بل وكانوا يسيرونها بأنفسهم أيضا، قد اختفوا تقريبا. واليوم، عوضا عن ذلك، يقوم أشخاص مثل بوفيت بتوظيف عدد كبير من المديرين لكي يعملوا (أو يسرقوا) لصالحهم.
لكن يبدو أن أشخاصا مثل السيد بوفيت يعملون بجهد، أليس كذلك؟ فمع كل عمليات الاستحواذ هذه، لا بد أنهم يصيرون مرهقين للغاية بحلول نهاية اليوم. لكن السؤال هو: هل هذا العمل الذي يقومون به ضروري للمجتمع؟
لقد سبق لجون ستراتشي، وهو شيوعي سابق ونائب برلماني عن حزب العمال في فترة ما بين الحربين العالميتين، أن أجاب على هذا السؤال بشكل جيد للغاية قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.
قال فلنتخيل بلدا تقوم على جميع الطرق فيه بوابات استخلاص الرسوم (على الرغم من أن صيانة الطرق تتم على نفقة الشعب، كما هو الحال الآن). ولنفترض أن أصحاب بوابات الرسوم يعيشون بجوار بواباتهم، وعندما تقترب المركبات، يخرجون ويفتحون بواباتهم ويغلقونها، في حين يجمعون في المقابل رسوما كبيرة.
لا شك أن خبراء الاقتصاد في ذلك البلد سوف يقولون إن أصحاب بوابات الرسوم هؤلاء يستحقون كل قرش يحصلون عليه. وسوف يشيرون إلى حقيقة مفادها أنهم يعملون بجهد شديد، ويخرجون في كل ظروف الطقس لفتح بواباتهم وإغلاقها، والسماح للعابرين بالمرور.
سيقول خبراء الاقتصاد هؤلاء إن كل ذلك النشاط يثبت أن أصحاب بوابات الرسوم هؤلاء لا غنى عنهم على الإطلاق. إلى الحد الذي يجعل البلاد غير قادرة على الاستمرار بدونهم!
فإذا سأل أي شخص عما إذا كانت حركة المرور سوف تسير على نفس القدر من الجودة، أو بشكل أفضل، لو لم تكن هناك بوابات رسوم على الإطلاق، فسوف يُقال له بكل وضوح ألا يطرح مثل هذه الأسئلة الوقحة. وإنها طبيعة بشرية!
إن كون شخص ما يعمل بجهد ويتقاضى أجرا باهظا، لا يعني أن عمله يكتسي بالضرورة أي فائدة على الإطلاق.
ولا ينطبق هذا على عالم أصحاب بوابات الرسوم فحسب، بل ينطبق أيضا على مديري صناديق التحوط اليوم، والمضاربين في العملات، والمحتالين في المدن، وأصحاب الشركات المخصخصة، والمصرفيين الأثرياء، وغيرهم من المستثمرين، والشركات الكبرى بشكل عام.
إنهم جميعهم متشابهون. لديهم فقط طرق مختلفة لكسب المال وتحقيق الثراء الفاحش. وقد وصف أحد رؤساء الشركات عصرنا بأنه “عصر مكافأة أنفسنا بأموال الآخرين”.
نظام فاسد
لكن هناك مشكلة مركزية في هذا النظام: فعلى الرغم من ثرواتهم المتنامية، لا يستطيع الرأسماليون استهلاك هذه الثروة شخصيا.
فمهما كان مقدار ما يحشون به بطونهم من الكافيار والشمبانيا، فإن لذلك حدود. فلا يمكنهم أن يعيشوا إلا في قصر واحد أو يقودوا إلا سيارة ليموزين واحدة في كل مرة. وبالتالي، فإن معظم أموالهم تستثمر لكسب المزيد من المال، مثل إدمان المخدرات.
ويحتل هؤلاء الطفيليون الأثرياء كل المناصب العليا في عالم الأعمال والدولة والسياسة. الحكومات هي من الأغنياء، وبالأغنياء، ولصالح الأغنياء. إنهم أشبه ببارونات السطو في العصور القديمة، لكنهم أكثر قوة.
يبررون مواقفهم بالقول إن أي شخص يمكنه أن يصبح ثريا مثلهم. إذ يقال: “اعمل بجد وسوف تصبح أنت أيضا ثريا ذات يوم”.
أجل قد يتمكن عدد قليل من الأفراد من الخروج من صفوف الطبقة العاملة. لكن النظام فاسد.
فبالنظر إلى الطريقة التي يعمل بها النظام الرأسمالي، يمكن لـ 99% من العمال العمل بجهد ولأطول فترة ممكنة، لكنهم سيظلون عمالا دائما. لن يحسن الكدح من حالتهم، بل سيجعل أرباب عملهم أكثر ثراء.
إن حصة الدخل القومي التي تذهب إلى العمالة تتراجع، في حين أن تلك التي تذهب إلى رأس المال تتزايد بسرعة.
ولم تكن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكبر مما هي عليه الآن، كما سبق لنا أن أشرنا.
لقد ارتفعت أجور رؤساء الشركات بنسبة 1460 % منذ عام 1978. وفي عام 2021 كانوا يتقاضون 399 ضعف ما يتقاضاه العامل الأمريكي النموذجي، مقارنة بـ 20 ضعفا في عام 1965.
منذ عام 2020، تضاعفت ثروة أغنى خمسة مليارديرات بأكثر من الضعف. وخلال نفس الوقت، أصبح أكثر من خمسة ملايير شخص أكثر فقرا.
في بريطانيا، بلغ متوسط أجر كبار المديرين 3.81 مليون جنيه إسترليني في عام 2023، وفقا لمؤسسة High Pay البحثية. وهذا يعني أن مديري الشركات سوف يحصلون على متوسط الراتب السنوي للعامل في ثلاثة أيام فقط!
أزمات فائض الإنتاج
هذه هي العواقب الحتمية لمجتمع الرأسمالية الذي يأكل فيه القوي الضعيف.
تعمل قوانين النظام في فوضى السوق ومن خلالها، كما أوضح ماركس منذ فترة طويلة. وتعمل هذه القوانين خلف ظهر المجتمع، حيث يفكر الجميع لأنفسهم لكن لا أحد يفكر للجميع.
ونتيجة لذلك، فإن الأزمات متأصلة في النظام الرأسمالي، كما نعلم من خلال تجربتنا الخاصة.
التناقض الرئيسي هو أن الطبقة العاملة لا تستطيع إعادة شراء كل الثروة التي تنتجها. وبالتالي فإن فائض الإنتاج متأصل في النظام الرأسمالي.
لقد تمكنت الرأسمالية من التغلب على هذه المشكلة مؤقتا، وبطرق فوضوية ومتهورة، من خلال الاستثمار، لكن هذا أيضا وصل الآن إلى حدوده. إن زيادة القدرة الإنتاجية تعني إنتاج المزيد من السلع لسوق متقلصة. وهذا أساس الأزمة الحالية.
في الماضي، كانت المجتمعات تعاني من نقص الإنتاج: ندرة الغذاء والسلع. أما اليوم فقد صرنا نشهد أزمات فائض الإنتاج! فوفقا لقوانين الربح الناس يتضورون جوعا، في خضم الوفرة.
الأتمتة والبطالة
يتم إرغام الملايين على العمل في وظائف هشة وبأجور منخفضة. وأصبحت الوظائف التي كانت تتطلب مهارات عالية مجرد مهام تتطلب مهارات متوسطة، والوظائف التي كانت تتطلب مهارات متوسطة صارت لا تتطلب أية مهارات. ووجد ملايين الأشخاص، وخاصة الشباب منهم، طاقاتهم ومواهبهم تتبدد هباء.
مع إدخال الذكاء الاصطناعي، بدأ الرأسماليون يفركون أيديهم فرحا أمام احتمال تحقيق المزيد من الأرباح. لكن دراسة حديثة قدرت أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقضي على ما يقرب من ثمانية ملايين وظيفة في المملكة المتحدة وحدها.
وتشير تقديرات أخرى صادرة عن مدرسة أوكسفورد مارتن إلى أن نصف الوظائف في الولايات المتحدة معرضة لخطر الاختفاء في غضون عقد أو عقدين من الزمان. ووفقا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي، فإن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.
يمكن للتقدم المذهل في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات أن يفتح آفاقا للتحرر من العمل الشاق. لكن هذا التقدم في ظل الرأسمالية، يؤدي إلى نتيجة معاكسة، إذ يتسبب في خلق البطالة الجماهيرية.
تحل الآلات محل العمال، في حين يضطر أولئك الذين يستمرون في العمل إلى العمل بجهد أكبر. لم يعد العامل يعمل لكي يعيش، بل صار يعيش لكي يعمل. والجميع على جهاز جري يزداد سرعة باستمرار. والبعض يعمل بالفعل حتى الموت المبكر.
يقولون لنا: “يجب أن نزيد من إنتاجيتنا”. أي، بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى إنتاج المزيد مع عدد أقل من العمال! وبالطبع هذا مربح للغاية لأرباب العمل لأنه يقلل من “تكاليف الأجور”.
لكن من الذي سيشتري تلك السلع عندما يكون العمال عاطلين عن العمل؟ لا تستطيع الروبوتات أو الآلات الجديدة شراء أو استهلاك تلك الأشياء. لذا ينتهي بنا الأمر في أزمة متكررة من فائض الإنتاج. إن اقتصاد اليوم هو اقتصاد مجنون.
ومن عجيب المفارقات أننا نمتلك آلات توفر الوقت أكثر من أي وقت مضى، لكن لدينا وقت فراغ أقل من أي وقت مضى. إن الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات لو تم استخدامها بشكل صحيح، لكان من الممكن أن نتخلص من معظم العمل اليدوي ونلغي عبء ساعات العمل الطويلة بالنسبة لنا جميعا.
فبدلا من العمل لساعات طويلة لا تطاق، كما هو الحال الآن، تخيل العمل لمدة ثلاث ساعات فقط في اليوم، في أسبوع عمل من أربعة أيام، مع زيادة في الأجر! مرة أخرى، لماذا لا نعمل لمدة عشر ساعات أو خمس ساعات في الأسبوع؟
إن التكنولوجيا والموارد لتحقيق ذلك موجودة. ولا يوجد ما يمنعنا من ذلك. إلا أننا نحتاج إلى القضاء على حاجز علاقات الملكية الرأسمالية.
المصادرة
إن حكومة العمال الحقيقية تحتاج إلى مصادرة الشركات العملاقة التي تهيمن على الاقتصاد وتهيمن على حياتنا، وكذلك البنوك ومؤسسات التمويل، بدون أي تعويض لمالكيها القدامى، لأنهم كانوا يستنزفوننا لفترة طويلة جدا.
ثم نضع خطة إنتاج ديمقراطية تستند إلى احتياجات الناس، ونستغل كل الموارد لإنجاز تلك المهمة. إن الإنتاج القائم على الحاجة، وليس الجشع، من شأنه أن يزيد من إنتاجنا بنسبة 20% أو 25% سنويا!
ويمكن استخدام المليارات من الثروة الإضافية التي تم إنشاؤها لإطلاق برنامج بناء المساكن على نطاق واسع، وخفض الإيجارات إلى ما لا يزيد على 2% من الدخل (بدلا من 50% اليوم).
كما يمكن تحقيق أجر لائق للجميع، وتوفير الغاز والكهرباء مجانا، والنقل العام مجانا. وهذا من شأنه أن يقلل من التلوث ويحسن صحتنا (ومن شأنه أن يقلل بشكل كبير من الضغوط على الخدمات الصحية).
وسيمكننا أن نبني المزيد من المدارس والمستشفيات وأن نجعل التعليم مجانيا، مع توفير المنح لأولئك الذين يرغبون في مواصلة دراستهم في الجامعة.
من أجل اقتصاد مخطط عقلاني
إن الاقتصاد الاشتراكي المخطط ديمقراطيا سوف يكون قادرا على تقليص يوم العمل، وخفض سن التقاعد إلى 50 عاما.
لقد أعطى الاقتصاد الروسي بعد عام 1917، لمحة عن الإمكانات الهائلة للاقتصاد المخطط، وذلك على الرغم من النظام البيروقراطي الوحشي في عهد الستالينيين.
وعلى سبيل المثال، ففي السنوات العشر من 1958 إلى 1968، تم بناء 100 مليون منزل في روسيا، وهو ما يزيد عن إجمالي ما بني في أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة مجتمعين.
كما أن الاتحاد السوفياتي أنتج عددا من العلماء والتقنيين والمهندسين يفوق ما أنتجته بقية بلدان العالم مجتمعة. تخيلوا ما الذي يمكن تحقيقه هنا في بريطانيا الاشتراكية الديمقراطية في ظل التقاليد الديمقراطية للعمال البريطانيين والمستوى العالي من الثقافة والتقنية التي نمتلكها.
وبالطبع لن يقتصر الأمر على بريطانيا وحدها. إذ سوف نناشد عمال أوروبا وبقية العالم للانضمام إلينا. سوف نتعاون على خلق خطة عالمية من شأنها أن تحمي بيئتنا، وتقضي على الحروب والصراعات، وتضمن الرخاء للجميع.
سيقول الرأسماليون آه، إنها فكرة مجنونة. وهذا طبيعي إذ أنهم في ظل الاشتراكية لن يعودوا قادرين على استغلال أي شخص.
ذلك المجتمع سوف يحرر الناس لكي يشاركوا في إدارة الصناعة والتحكم في شؤون حياتهم. وسوف تزدهر الديمقراطية العمالية الحقيقية، بعد تحرر المجتمع من قبضة أصحاب الأبناك والرأسماليين.
الديمقراطية العمالية
يزعمون أن العمال لا يستطيعون إدارة الأمور، لكن الواقع هو أن العمال هم الذين يقومون بكل العمل الحقيقي هنا. يمكن للعمال أن يخبروك بالضبط كيف يمكن تسيير مكان عملهم على أفضل وجه. وهم قادرون على إدارته بشكل أفضل كثيرا من أرباب العمل الحاليين.
إن الإنتاج الجديد، في ظل مجتمع مخطط له بعقلانية، سيعني تحقيق فوائد عظيمة للجميع.
وبطبيعة الحال، فإن إشراك التقنيين وعلماء الكمبيوتر والمهندسين والعلماء لن يؤدي إلى إنتاج أسلحة الدمار، بل إنتاج اختراعات جديدة من شأنها أن توفر الجهد وتقلص أسبوع العمل إلى حد أكبر.
إذا كان الإنتاج مخططا، لن تكون هناك بطالة. وسوف يضمن الجميع وظيفة لائقة بأجر كريم مرتفع لائق. ومع زيادة الإنتاج، ستزداد مستويات المعيشة.
سيصير من الممكن أخيرا التخطيط للإنتاج بما ينسجم مع البيئة. وسوف يتم القضاء على الهدر الهائل الذي يحدث في ظل الرأسمالية. ولن تكون هناك حاجة إلى الإنفاق على الأسلحة، على سبيل المثال، وهو الإنفاق الذي أصبح استنزافا هائلا لموارد المجتمع.
يريد المحافظون، والآن ستارمر، زيادة الإنفاق على الدفاع إلى 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 87 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2030. برنامج ترايدنت للأسلحة النووية يكلف حوالي 200 مليار جنيه إسترليني.
ليست لديهم أموال لصرفها على المدارس أو المستشفيات، لكن لديهم دائما الكثير من المال عندما يتعلق الأمر بالحرب! يا له من إهدار للثروات على الخردة المعدنية.
يوجد الآن، في جميع أنحاء العالم، 15.700 قنبلة نووية، بقوة تدميرية كافية لتدمير الكوكب عدة مرات. وتنوي الحكومات زيادة إنفاقها على مثل هذه الأسلحة على مدى العقد المقبل.
يا له من تبذير فظيع! يجب إيقاف ذلك وتحويل مصانع الأسلحة لإنتاج أشياء مفيدة اجتماعيا، وبالتالي رفع مستوى معيشتنا.
الشيوعية
“إن ديمقراطياتنا صارت بشكل متزايد تحت سيطرة طبقة حاكمة تسعى إلى تأبيد امتيازاتها”، كما أوضح ستيف هيلتون، والذي هو أحد كبار المنظرين السياسيين في حزب المحافظين، وأضاف: “بغض النظر عمن هو في السلطة، فإن نفس الأشخاص هم الذين يحكمون. إنها ديمقراطية بالاسم فقط، وتعمل لصالح نخبة ضئيلة بغض النظر عن نتائج الانتخابات”.
ها هي الحقيقة من فم شاهد ينتمي لنفس الطبقة السائدة. الرأسمالية هي نظام الأثرياء، مسير من قبل الأثرياء، ولصالح الأثرياء. وبدلا من هذه الدكتاتورية التي يمارسها أصحاب الأبناك والرأسماليون، يجب أن يكون لدينا نظام ديمقراطي عمالي، ومجتمع يديره العمال من أجل العمال.
إن التخطيط الاشتراكي لمواردنا هو السبيل العقلاني الوحيد للمضي قدما. ومن المضحك أن الرأسماليين، الذين يبشرون بفضائل قوانين السوق، لا يطبقون قوانين السوق تلك داخل أماكن عملهم. لا يوجد نظام سوق هناك. كل شيء مخطط له حتى آخر تفصيل.
كل ما نقوله هو أن الاقتصاد بأكمله يجب أن يُدار على هذا الأساس المخطط، بدلا من تركه لنزوات قوى السوق العمياء. وبطبيعة الحال نحن لا نعني بالتخطيط إملاءات المديرين غير المنتخبين، بل المشاركة الديمقراطية للجميع.
لكن وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها القوى الإنتاجية المتقدمة للغاية اليوم لتلبية كافة احتياجاتنا، فإنه لا يمكن الاستفادة منها لأن الملكية الخاصة، والربح، والدولة القومية عوائق تقف في طريق ذلك.
وإذا ما لم تستول الطبقة العاملة على السلطة بأيديها، فإن الرأسماليين سوف يجروننا إلى حالة من الهمجية.
ومن ثم فإن الشيوعية ليست مجرد “فكرة خلابة”، مثل رؤيا طوباوية لمجتمع جديد. بل إنها ضرورة تاريخية، تقع على عاتق الطبقة العاملة مهمة تحقيقها.
ومع تصاعد أزمة الرأسمالية أكثر فأكثر، سوف يندفع المجتمع نحو الثورة. والواقع هو أن تناقضات النظام الرأسمالي تؤدي بشكل حتمي إلى هذه النتيجة.
لذا يجب علينا أن نبني حزبا ثوريا لضمان نجاح الثورة في بريطانيا وعلى الصعيد الأممي. ولهذا السبب نحن نبني الحزب الشيوعي الثوري والأممية الشيوعية الثورية.
إن الإطاحة بالرأسمالية في بريطانيا وأماكن أخرى سوف تؤدي إلى بناء نظام اشتراكي جديد.
والفن والثقافة، اللذان كانا حكرا على أقلية متميزة، سوف يصيران متاحان لجماهير الناس.
وفي نهاية المطاف، ومع توسع الإنتاجية واستئصال آخر بقايا الرأسمالية، سوف يقوم المجتمع على مبدأ “من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته”.
أي بعبارة أخرى، سيقوم مجتمع بلا طبقات، مبني على التضامن وإشباع احتياجات الجميع بشكل متناغم.
سوف يشهد هذا التحول من الاشتراكية إلى المرحلة الأعلى من الشيوعية. وسيصير من الممكن أخيرا إنهاء بؤس الرأسمالية ورميه في سلة مهملات التاريخ. وسيتمكن البشر أخيرا من التقدم نحو مستقبل خال من الحروب والدمار، وضمان الرخاء للجميع.
روب سيويل
14 يونيو/حزيران 2024
ترجم عن موقع “الشيوعي”: