تعيش أغلب مراكز التكوين التابعة لوزارة التربية الوطنية المغربية، على وقع احتجاجات مستمرة منذ بداية الموسم الدراسي، فإلى حدود اللحظة ما زال الأساتذة المتدربون يقاطعون الدراسة بأغلب مراكز التكوين، وخرج آلاف الأساتذة المتدربين للاحتجاج في تظاهرات غير مسبوقة، شبيهة بما نظمه الأطباء المتدربين قبل أسابيع، ومن المتوقع أن تنظم اليوم الثلاثاء 24 نونبر 2015 مسيرات محلية بعدة مدن مغربية كانت قد دعت لتنظيمها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين يوم أمس.
السياق:
صادق المجلس الحكومي، بتاريخ 23 يوليوز 2015، أي قبيل الإعلان عن مباراة الولوج للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، على المرسوم رقم: 558-15-2 بتغيير المرسوم رقم: 854-15-2، الصادر في 10 فبراير 2003، في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، والقاضي بفصل التوظيف عن التكوين. حيث سيحرم خريجي هذه المراكز من التوظيف بعد نجاحهم في امتحانات التكوين، ليحصلوا فقط على شهادة “للتأهيل التربوي”. كما صادق المجلس على المرسوم رقم: 589-15-2 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 672-11-2 الصادر في 23 دجنبر 2011 في شأن إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والقاضي بتقليص المنحة الشهرية للمتدربين من 2450 كراتب أساسي إلى 1200 منحة شهرية خلال سنة التكوين.
احتجاجات الأساتذة المتدربين:
ضد هذين المرسومين انخرط الأساتذة المتدربون بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين منذ 22 أكتوبر 2015 في مقاطعات شاملة للدروس النظرية والتطبيقية وصلت نسبة المشاركة إلى 100% في بعض المراكز (كطنجة، مكناس، تطوان، القنيطرة، العيون، اكادير، بني ملال، وجدة، خنيفرة، الجديدة، آسفي، تازة، الناظور.. الخ) مصحوبة بأشكال تنظيمية للنقاش (حلقيات، جموعات عامة، لجن أقسام… الخ) أكدت جلها على ضرورة التنسيق الوطني والدفع بمعركة وطنية لمواجهة المرسومين، هذا ما ساهم في خلق آليات للتنسيق منبثقة من القواعد وتحت إشرافها.
يأتي هذان المرسومان في ظل خصاص مهول في الأطر الإدارية والتربوية التي يقدر المتتبعون نسبتها بـ 20 ألف إطار تربوي، وفي ظل اكتظاظ مهول في كل الأقسام والمستويات والأسلاك (15 ألف مدرسة تعاني من الاكتظاظ حسب بلمختار)، كما يعرف الموسم الدراسي الحالي إحالة حوالي 13 ألف أستاذ على التقاعد، مما ينعكس سلبا على التحصيل لدى التلاميذ وتحقيق المردودية من طرف الأستاذ.
ويرى الأساتذة المتدربون انه “بعد قضائهم لسنة كاملة من التكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، سيجدون أنفسهم أمام مباراة جديدة للتوظيف يشترط فيها كوطا لعدد المناصب طبقا لقانون المالية، وهكذا بعد أن كونت المراكز 10000 أستاذ متدرب سيتم توظيف 7000 أستاذ فقط مما يعني رمي 3000 إلى الشارع كأساتذة معطلين.
يعتبر هذان المرسومان بالون اختبار من طرف الطبقة السائدة لقياس رد فعل رجال ونساء التعليم وباقي الإجراء من الهجوم على احد القطاعات الحيوية وذلك لتعبيد الطريق لمخططات أخرى كالتشغيل بالعقدة وضرب الحق في الترقية أو ما يسمونه بـ “ربط الترقية بالمردودية” وتفويت بعض المنشىات التابعة لوزارة التربية الوطنية للقطاع الخاص وتسريع خوصصة قطاع التعليم (انظر تصريح بنكيران). وبالتزامن مع إصدار هذين المرسومين تعمل الحكومة على إثقال كاهل رجال ونساء التعليم بمزيد من المسؤوليات والمهام مع وضع عراقيل لمنع استفادتهم من حقوقهم النقابية (الإضراب)، والغاية هي تدمير المدرسة المغربية العمومية وتفويتها لصالح التعليم الخصوصي وحرمان أبناء الشعب من حقهم في تعليم مجاني.
تبريرات الحكومة:
تحاول الحكومة بكل ما أوتيت من قوة فرض الأمر الواقع على الأساتذة المتدربين، وهو ما يعكسه تمرير المرسومين في بداية العطلة الصيفية تفاديا للرفض الذي يمكن أن يصدر عن المتضررين،الذي هم في واقع الأمر ضحايا سياسات وخيارات لا شعبية شرعت الحكومات المتعاقبة في تنفيذها منذ عقود بغاية الإجهاز على القطاعات الحيوية وعلى المكتسبات التاريخية للشعب المغربي.
بل إن بنكيران خادم القصر الوفي والتلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي عبر بالحرف عن كون الوقت قد حان لكي ” ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم..” في وقت يدافع عن تقديم تسهيلات وامتيازات للقطاع الخاص من اجل النهوض بجودة التربية والتكوين ولعل آخرها منح العديد من الثانويات العمومية للخواص.وتمكينه من يد عاملة مؤهلة ورخيصة وهو ما برمج له من خلال فصل التوظيف عن التكوين.
تقول الحكومة المدافعة عن مصالح الطبقة السائدة إن التعليم “قطاع غير منتج” ويشكل “عبئا” على خزينة الدولة وان الوضعية الكارثية التي وصل إليها التعليم العمومي تفسر بعدم تحمل الأسرة التعليمية ” أساتذة ومفتشون وإداريون لمسؤولياتهم “و كون الأساتذة لا يتوفرون على تكوينات جيدة وهو السبب في غياب المردودية والجودة.
رهانات المرحلة: يواصل الأساتذة المتدربون احتجاجاتهم وقد أعلنوها صرخة مدوية: “جميعا من اجل إسقاط المرسومين”، في كل يوم نسمع التحاق مراكز جديدة برفاقهم للنضال ضد المرسومين في أشكال احتجاجية بطولية متفرقة في المكان وموحدة بالزمان بدءا من مسيرة جهوية موحدة إلى الأكاديميات شارك فيها حوالي 43 مركزا بنسب مشاركة وصلت إلى 98%، مرورا بالوقفة أمام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بباب الرواح بالرباط والمسيرة الوطنية في تجاه قبة البرلمان يوم 12/11/2015 والتي عرفت مشاركة حوالي 8000 أستاذ متدرب من مختلف مراكز التكوين بالمغرب.
هذه الاحتجاجات تواجه بلامبالاة مطلقة في وقت يصول فيه ويجول أعضاء المجلس الأعلى للتعليم في شرق الأرض ومغربها للترويج لما سموه ” الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015/2030 ” مستفيدين من أموال دافعي الضرائب التي تغدقها عليهم الطبقة الحاكمة لشراء ذممهم.
من خلال الأشكال التي يخوضها الأساتذة المتدربون يتبين أن رهاناتهم لا تتجاوز المطالبة بإسقاط المرسومين 588-15-2 القاضي بفصل التكوين عن التوظيف و589-15-2 القاضي بتقليص المنحة إلى النصف لكن المعركة في عمقها دفاع عن المدرسة والوظيفة العموميتين وهو ما يتطلب العمل على توسيع جبهة الصراع.
تشكل هذه الاحتجاجات منعطفا تاريخيا في مواجهة الهجوم الذي تخوضه الطبقة السائدة ضد المدرسة العمومية، فالأساتذة المتدربون أصبحوا يستشعرون جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم سواء في الدفاع عن ذواتهم وكرامتهم وحقوقهم العادلة والمشروعة أو الدفاع عن حقوق أجيال قادمة من أبناء العمال والفلاحين الفقراء.
نعلن، نحن الماركسيين، تضامننا المبدئي واللامشروط مع نضالات الأساتذة المتدربين من أجل إسقاط المرسومين المشئومين، ومن أجل حقهم في ظروف دراسة جيدة ومنصب شغل قار، وندين الممارسات القمعية التي تشنها الدولة ضد الأشكال النضالية التي يخوضونها.
كما ندعو النقابات العمالية إلى تحمل مسؤوليتها في تبني هذه المعركة والدفاع عنها وخوض أشكال نضالية كفيلة بتمكينها من الانتصار. إن انتصار هذه المعركة انتصار لعموم الشغيلة وخطوة في اتجاه الدفاع عن المدرسة العمومية والحق في منصب شغل قار.
أساتذة متدربين
الثلاثاء: 24 نونبر 2015