«حماس الشباب المتجدد وروحهم الكفاحية وحدهما الكفيلان بضمان النجاحات الأولية في النضال».
تروتسكي البرنامج الانتقالي
يوم أمس السبت، 27 شتنبر، وكما لو من العدم، خرجت مجموعات من الشباب للتظاهر في العديد من المدن المغربية الرئيسية، مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وفاس ومكناس والجديدة، وتطوان… وذلك استجابة لدعوة بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي شباب أطلقوا على أنفسهم اسم حركة جيل زد 212 (GenZ212).

يا لها من تطورات سريعة وغير متوقعة! يا له من عصر هذا الذي نعيش فيه! هل كان أحد يتوقع أن تخرج هذه الحركة الشبابية؟ حسنا، أجل، لقد كنا، نحن الماركسيون، الشيوعيون الثوريون، نتوقع ذلك! وقد كتبنا في وثيقة المنظورات العالمية، ما يلي:
«هناك تراكم لمادة قابلة للاشتعال في جميع أنحاء العالم. لقد أثارت أزمة النظام الرأسمالي في كل تجلياتها انتفاضة ثورية تلو الأخرى […] السؤال الذي علينا أن نطرحه ليس هل ستندلع حركات ثورية في الفترة المقبلة، فهذا أمر مؤكد. السؤال هو: هل ستنتهي هذه الحركات بانتصار الطبقة العاملة؟».
نعم هذا هو السؤال الجوهري، والذي يجب طرحه حتى في العلاقة مع الحركة الحالية…
ما هي حركة GenZ212؟
GenZ تعني جيل الشباب الذين ولدوا أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، بينما 212 هو رقم الاتصال الدولي الخاص بالمغرب، للدلالة على أنها حركة شباب مغربي.
إنها حركة لشباب يقولون عن أنفسهم:
«نحن شباب المغرب، من جيل جديد، نعلن بوضوح أننا لا ننتمي لأي حزب أو نقابة أو تنظيم سياسي. حركتنا مستقلة وسلمية، هدفها التعبير عن مطالبنا الاجتماعية والإنسانية».
وأوضحوا أن مطالبهم الأساسية هي:
- تعليم عمومي مجاني وجيد، يضمن تكافؤ الفرص ويعالج مشكلات الاكتظاظ والهدر المدرسي.
- صحة عمومية محترمة، ببنية تحتية لائقة ومعدات حديثة وعدد كاف من الأطباء في كل المناطق.
- فرص عمل عادلة تُمكّن الشباب من بناء مستقبلهم بكرامة.
- محاربة الفساد والزبونية والمحسوبية، وضمان الشفافية والمساءلة في التوظيف وفي تسيير الشأن العام.
- عدالة اجتماعية حقيقية تُنصف الفئات الفقيرة والمناطق المهمشة.
كما حرصوا على التأكيد أن تحركاتهم «سلمية، مبنية على الوعي والانضباط واحترام القوانين». وأشاروا إلى أنهم وضعوا «مدونة سلوك لمظاهراتنا: لا عنف، لا تخريب، لا مساس بالممتلكات العامة أو الخاصة، فقط صوت الشباب الحر».
تأتي هذه الحركة في سياق احتجاجات مشابهة للشباب الكادح في العديد من بلدان العالم مثل تلك التي شهدتها نيبال وإندونيسيا وكينيا ومدغشقر وفرنسا، وغيرها، ويعبرون من خلالها عن رفضهم للأوضاع المأساوية التي يعيشونها بفعل أزمة الرأسمالية التي تسرق منهم حاضرهم ومستقبلهم.
حركة GenZ212 المغربية هي جزء من هذا السياق العالمي، تتشابه مع مثيلاتها ليس فقط في التسمية وطرق التعبئة، بل وكذلك في المطالب وأشكال الاحتجاج.
أوجه التشابه بينها وبين نظيراتها في البلدان الأخرى راجع لتشابه الأوضاع التي تخلقها الرأسمالية العالمية في كل مكان في العالم. فنفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج. لكنها ليست مجرد تقليد أعمى أو إحدى صرخات الموضة، بل هي تعبير عن واقع ملموس يعيشه الشباب الكادح المغربي.
إنها نتاج مغربي خالص نابع من الأوضاع المأساوية التي يعيشها الكادحون وخاصة الشباب.
أوضاع الشباب
ليس من قبيل الصدفة أن تكون استجابة الشباب لهذه الدعوة واسعة وتلقائية وبهذا المستوى الرائع من الكفاحية. فشباب الألفية الجديدة، شباب عهد الملك محمد السادس، لم يعرف في حياته سوى الأزمة والبطالة وسوء الظروف المعيشية.
تقول الأرقام الرسمية إن 25,2% من الشباب المغاربة، البالغين من العمر ما بين 15 و24 عاما، لا يدرسون ولا يعملون ولا يتابعون أي تكوين!!! هذه النسبة تساوي 1,5 مليونشاب تقريبا، فإذا وسعنا الفئة العمرية لتشمل من يبلغون 35 سنة، يصير العدد نحو 4,3 مليون شاب مهمش عاطل محروم من حاضره ومستقبله. يا له من هدر إجرامي للطاقات الشابة!
سنة 2024، ارتفع معدل البطالة على المستوى الوطني من 13% إلى 13,3%. وكانت النسبة الأعلى للبطالة هي تلك المسجلة بين فئة الشباب البالغين ما بين 15 و24 سنة حيث وصلت إلى 36,7%، و21% بين البالغين ما بين 25 و34 سنة.

ويصير الوضع أكثر كارثية بين الحاصلين على شهادات، حيث صرحت المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من 60% من الشباب الحاصلين على شهادات عانوا من البطالة سنة 2022.
لذا فإن هؤلاء الشباب إذ يخرجون للتظاهر يخرجون من أجل مطالب ملحة لا يمكن تأجيلها. يخرجون من أجل مستقبلهم وكرامتهم وحقهم في العيش الكريم. وليس هناك قدر من القمع أو الخداع يمكنه أن يفرض عليهم القبول بهذا الوضع بدون مقاومة.
ضرورة الانفجار موجودة وتغرس جذورها بعمق في الظروف المأساوية التي يعيشها الشباب، لكنها كانت تحتاج إلى نقطة مرجعية وإلى راية تلتف حولها، فكانت حركة GenZ212 هي تلك النقطة وتلك الراية، وها نحن الآن أمام حركة جماهيرية للشباب الكادح، بدأت تخلق تعاطفا متصاعدا بين صفوف الطبقة العاملة ومختلف الفئات الكادحة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن فصل هذه التعبئة الناشئة عن سياق تصاعد الاحتجاجات التي عرفها المغرب خلال الأشهر الأخيرة في العديد من المدن ضد غلاء الأسعار، وخروج مسيرات شعبية في القرى والبوادي للمطالبة بالماء الصالح للشرب، والطرق، والمدارس، وتوفير الأطباء في المستوصفات (إن وجدت أصلا)، كما لا يمكن فصلها عن مسيرات الغضب الشعبية شبه الأسبوعية ضد التطبيع مع إسرائيل، وتواطؤ النظام المغربي مع نظام الإبادة الجماعية.
ورغم الطابع المفاجئ لهذه الحركة بالذات، فإنها لم تخرج من العدم. فقد سبق للشباب أن عبروا عن غضبهم من الأوضاع التي يعيشونها بالعديد من الطرق، من أبرزها الأناشيد التي يغنيها شباب “الألتراس” كل أسبوع في مدرجات الملاعب الرياضية، والتي تتضمن شعارات سياسية قوية ضد التهميش والظلم الاجتماعي. كما أن فئات واسعة من هؤلاء الشباب عبرت عن احتجاجها بطرق أخرى، من أبرزها محاولات الهجرة الجماعية من المغرب التي شهدتها السنوات الأخيرة.
كرونولوجيا الأحداث
كانت الشرارة الأولى لانطلاق هذه الحركة هي حادث مستشفى أكادير، حيث توفيت مؤخرا ثماني نساء في قسم الولادة نتيجة للخراب الذي يعرفه قطاع الصحة بعد عقود من التقشف والتدمير الممنهج للقطاع العمومي لصالح القطاع الخاص.
فظهرت بين الشباب مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تأسيس حركة GenZ212 للتعبير عن قضاياهم ومطالبهم. ثم تحولت تلك النقاشات إلى دعوة إلى القيام بتحركات ميدانية في عدة مدن مغربية.
في أواخر شهر غشت 2025 ظهرت أولى الوسوم على إنستغرام وتيك توك باسم: #GENZ212، #جيل_زد. وبدأت تنتشر بين الشباب فيديوهات قصيرة تنتقد غلاء المعيشة ورداءة الخدمات الصحية والتعليم.
خلال الأسبوع الأول من شتنبر 2025، تم إنشاء صفحات ومجموعات رقمية تحمل شعار “جيل زد 212“ وإطلاق الدعوات الأولى للخروج للاحتجاج.
في منتصف شتنبر 2025، بدأ هؤلاء الشباب يتداولون ملصقات رقمية تحدد تاريخ السبت 27 شتنبر موعدا للاحتجاجات. وهو النداء الذي انتشر بشكل سريع خصوصا بين طلبة الجامعات والتلاميذ.

الصحة، التعليم، محاربة الفساد
بما أن الحركة ركزت بالخصوص على مطالب مرتبطة بالصحة والتعليم وفساد الإدارة والقضاء، فسيكون من المفيد أن نتعرف على الوضع الحقيقي لتلك القطاعات:
قطاعا الصحة والتعليم في المغرب يعدان أبرز دليل عن جرائم الرأسمالية وجرها الحثيث للمجتمع نحو الهمجية. حسب مذكرة “Le Maroc en chiffres” التابعة للمندوبية السامية للتخطيط [هيئة رسمية]، فإن عدد الأطباء في المغرب (القطاعين العام والخاص) في سنة 2022 كان حوالي 28.892 طبيبا. وهذا يعني أن المعدل يقارب 7,8 أطباء لكل 10.000 نسمة.
وهو رقم هزيل في مغرب الفوسفاط والذهب والكوبالت… إن قارناه حتى مع نظيره في ليبيا المدمرة بالحرب (19 طبيبا لكل 10.000 نسمة)، فبالأحرى كوبا، التي تعاني من حصار إمبريالي ونقص هائل في الموارد الطبيعية (84 طبيبا لكل 10.000 نسمة)
أما التعليم ففي عام 2022 وحده، غادر أكثر من 334 ألف تلميذ مقاعد الدراسة في الابتدائي والإعدادي. واحتل المغرب المرتبة 75 من أصل 79 بلدا في تصنيف PISA للقراءة والرياضيات. يضاف إلى ذلك أن 30% من البالغين ما يزالون يعانون من الأمية.
أما بخصوص الفساد، فهو مستشري على جميع المستويات، فحسب تقرير لترانسبرنسي لعام 2024، حصل المغرب على 37 نقطة من أصل 100، محتلاالمرتبة 99 عالميا من بين 180 بلدا.
يشكل جهاز القضاء في جميع بلدان العالم جزءا من الدولة البرجوازية، وهو جهاز يخدم في كل مكان مصالح الطبقة السائدة، لكنه في المغرب جهاز مافيوزي فاسد ومنحط حتى بالمقاييس البرجوازية.
إنه جهاز يشكل بوضوح امتدادا لأجهزة البوليس السياسي وبواسطته يتم الزج بالمعتقلين السياسيين في السجون لسنوات طويلة على أساس تهم ليست ملفقة فحسب، بل وسريالة أيضا[1]. لذلك فهو جهاز مكروه بشكل كامل، ويمثل في أعين الجماهير ما كان سجن الباستيل يمثله في أعين جماهير باريس قبل الثورة الفرنسية.
رد فعل الدولة
تعاملت الدولة مع هذه التحركات برعب شديد، بدا واضحا في العدد الكبير من قوات القمع التي تمت تعبئتها في كل المدن الرئيسية، بما في ذلك ساحات المدن التي لم تشهد أي مظاهرات.
كان القمع شرسا، لكنه لم يبلغ مستوى الوحشية المعتادة في دولة بوليسية مثل المغرب، حيث يشمل “يوم قمع عادي” استعمال الغازات المسيلة للدموع ومدافع الماء ودهس المتظاهرين بمركبات الشرطة وإسالة الكثير من الدماء، ولمَ لا بعض القتلى لضمان “فرض النظام” و”حماية هيبة الدولة”.

غير أن قمع مظاهرات يومي السبت والأحد لم يكن بذلك المستوى، ليس لأن النظام صار ديمقراطيا فجأة أو متسامحا مع الاحتجاجات، بل لأنه يدرك أن الأوضاع قابلة للانفجار وأن المطالب التي يرفعها الشباب تعبّر بعمق عن مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين، كما يعلم أن أي شرارة قد تشعل براكين الغضب المتراكمة. لذلك حاول أن يسحق الحركة في مهدها لكن مع الحرص على عدم استفزاز الجماهير.
فجاءت حملة القمع على شكل هجمات بالعصي لتفريق المحتجين واعتقال العشرات من بينهم، سرعان ما أطلق سراح أغلبهم دون أية متابعات.
إلا أن ذلك القمع لم يؤد إلى النتيجة التي كان النظام الدكتاتوري يرجوها، بل أدى إلى مزيد من تجذر الحركة واتساع نطاق التضامن معها، خصوصا في صفوف الطلاب، حيث أصدرت العديد من التيارات الطلابية بيانات دعم لمطالب المحتجين وإدانة للقمع.
وفي مواجهة القمع الذي تعرضت له الحركة يوم السبت، دعت حركة GenZ212، عبر منصة “ديسكورد”، إلى تنظيم وقفات احتجاجية جديدة يوم الأحد 28 شتنبر، على الساعة الرابعة بعد الظهر، في مدن متعددة من بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وفاس وتطوان والناظور ومكناس وبني ملال وتاونات.
وبالفعل استجابت فئات واسعة من الشباب لهذه الدعوة، فشهدت عدة مدن مظاهرات أكثر اتساعا، خاصة في الدار البيضاء وطنجة، المدينتين العماليتين الأكبر في البلاد، حيث استمرت الاحتجاجات إلى ساعات متأخرة من ليلة الأحد. ووثقت مقاطع فيديو متظاهرين شبابا يقطعون الطريق السيار بالدار البيضاء، في خطوة نضالية لم يسبق للمغرب أن شهدها حتى خلال أوج حركة 20 فبراير قبل أكثر من عقد.
موقف اليسار
بعض “الثوريين جدا” يشعرون بالقنوط من هذه المطالب “الإصلاحية”، “الخبزية”، “الضيقة”، كما أنهم قد يشعرون بالاشمئزاز من اعلان هؤلاء الشباب أنهم ليسوا «ضد الملكية ولا ضد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله». وأنهم يعتبرون «أن النظام الملكي هو ضمان الاستقرار والوحدة الوطنية». وأن مطالبهم «تقتصر على الإصلاح داخل إطار الدولة المغربية ومؤسساتها».
هنا ستسقط الحركة في مأزق عويص لأن هؤلاء الثوريين لن يقدموا لها شهادة الميلاد وسيمتنعون عن الاعتراف بها وإدخالها ضمن تصنيفاتهم لما “يجب” أن تكون عليه “التحركات الشعبية الحقيقية”. وهذا طبيعي فأصدقاؤنا لا يعطون شهادة ميلاد إلا للحركات التي تخرج منذ البداية بشعارات واضحة وبرنامج مكتمل ورايات حمراء، ولمَ لا بصور ماركس ولينين…
ما لا يعرفه هؤلاء “الثوريون جدا” هو أنه لم يسبق على الإطلاق أن كانت هناك ثورة مثل تلك التي في مخيلاتهم. الثورة الروسية لسنة 1905 كانت بقيادة رجل دين وبدأت على شكل مسيرة سلمية نحو قصر القيصر ليقدم له رسالة شكوى لكي يتفضل بإصلاح الأوضاع. وثورة فبراير 1917 اندلعت على إثر مظاهرات للنساء العاملات من أجل الخبز والسلام، بل حتى ثورة أكتوبر التي أوصلت الطبقة العاملة إلى السلطة، بقيادة البلاشفة، كانت بشعارات السلام، الخبز، والأرض لمن يزرعها.
كما أن البعض قد ينتقد الحركة لأن هؤلاء الشباب يعلنون تشبثهم باستقلاليتهم عن جميع الأحزاب والنقابات. لكن ذلك النقد خاطئ بكل تأكيد. كل الأحزاب السياسية الرسمية مفلسة ومتواطئة، ولا تثير عند الشباب سوى الاشمئزاز.
وهكذا، عندما يعلن الشباب قرفهم من تلك الأحزاب، فهم يعبرون بذلك عن غريزة صحية سليمة، نفهمها نحن الماركسيون بأنها رغبة في بديل ثوري وقيادة جريئة تتبنى بصدق مطالب الجماهير وقادرة ومستعدة للنضال من أجلها.
عندما تصير السياسة مرادفا للعهر والوصولية والانبطاح للوضع القائم بدل السعي إلى تغييره، يصير الاشمئزاز منها شعورا صحيا وسليما. يصير موقفا سياسيا ثوريا نحييه ونتوجه إلى من يتبنونه بالدعوة إلى تبني نوع جديد كليا من السياسة: السياسة الاشتراكية الثورية هي الوحيدة القادرة على تقديم بديل عن كل هذا العفن المحيط بنا.
أحزاب اليسار والنقابات العمالية لا تشكل استثناء، مع الأسف، وذلك بسبب قيادتها الغارقة في أوهامها الإصلاحية وخوفها من أي مبادرة قد تؤدي إلى خروج الأوضاع عن سيطرتها، لذلك فهي متورطة في “اتفاقية سلام وهدنة” بحكم الأمر الواقع مع الدولة.
وكما لو أن قادة الأحزاب الإصلاحية اليسارية مصرون على تأكيد صحة موقف هؤلاء الشباب منهم، فقد سارعوا بمجرد انطلاق شرارة الحركة إلى احتلال أماكنهم المألوفة وتحولوا إلى مستشارين للدولة البوليسية يقدمون لها النصائح لكيفية التعامل مع الحركة دون حتى أن تطلبها منهم.
لقد شارك شباب تلك الأحزاب في الاحتجاجات منذ اللحظة الأولى، وتعرضوا بدورهم للقمع والاعتقال. لكن القيادات المسيطرة على تلك الأحزاب أصدرت بيانات تطلب فيها من الدولة توفير «مناخ سياسي سليم يضمن احترام الحريات وحقوق الإنسان»، على حد تعبير فدرالية اليسار، وضرورة «الإنصات لمطالب الشعب المغربي وشباب الوطن، والتوزيع العادل للثروة، والقطع مع السياسات القمعية»، على حد تعبير الحزب الاشتراكي الموحد.

هذا عوض أن يشرحوا للشباب ولعموم العمال والكادحين استحالة تحقيق أي حرية وأية حقوق في ظل النظام القائم، وأن القمع سياسة مرتبطة بطبيعته باعتباره نظاما للدفاع عن مصالح طبقة كبار الرأسماليين، وأسياده الإمبرياليين، المستفيدين من سياسة التقشف وخصخصة التعليم والصحة وكل السياسات التي تطبقها الحكومات المتتالية. ويوضحوا له أن الطريق الوحيد نحو تحقيق المطالب في التحرر والعيش الكريم والتعليم الجيد والصحة، هو القضاء على هذا النظام وبناء نظام يكون في خدمة العمال والفقراء وتحت رقابتهم.
الآن ماذا بعد؟
لقد عبر الشباب حتى هذه اللحظة عن كل ما يمكن انتظاره منهم من جرأة وكفاحية وإبداع في الأشكال النضالية والشعارات السياسية. لكن السؤال الذي يطرح الآن، ولا بد من طرحه بكل جرأة ووعي هو: ماذا بعد؟
جهاز الدولة، الذي أخذ على حين غرة بهذه التحركات، سرعان ما سيستعيد توازنه وسيحدد التكتيكات الكفيلة بسحق الحركة من خلال المزاوجة بين القمع والاحتواء والخداع، مستعينا في ذلك بكل ما تراكم عنده من خبرة على مر السنين، وبخدمات عبيده اللبراليين الإصلاحيين المستعدين لمساعدته على تحويل الحركة نحو “قنوات آمنة”.
كما أن الحركة الجماهيرية لا يمكنها أن تبقى إلى الأبد في حالة غليان دون أفق ودون بديل. عند نقطة معينة ستبدأ الحركة حتما بالتعب والارتباك، وستنعزل الفئات الأكثر ثورية عن بقية الجماهير مما سيسهل على النظام الاستفراد بها والانتقام منها لكي يجعلها عبرة، مثلما فعل مع قادة حراك 20 فبراير وحراك الريف وجرادة، والقائمة طويلة.
سيخرج أبواق النظام واللبراليون كي يمتدحوا نقاط ضعف الحركة، أي عفويتها وانعدام برنامج سياسي وغياب التنظيم لديها. سوف يخبرون كل من يريد الاستماع لهم أن العفوية طهر، وأن التنظيم قيد، وأن بقاء الحركة في هذا المستوى الأولي أفضل.
سيمدحون قادة الحركة بكونهم شبابا متعلما، مهذبا، حسن التربية، وسينصحونهم بأن يبتعدوا عن الأحياء العمالية وشباب الأحياء الفقيرة “السيئين”، “العنيفين”، “الجاهلين”، وعدم التوجه إلى أماكن العمل، فتلك الأماكن “لا تليق بهم”.
ليس هناك أسوأ من تلك النصائح، إنها نصائح العدو لعدوه، ولا يمكنها نهائيا أن تكون في مصلحة الحركة. إنهم يريدون من الحركة أن تبقى تحت السيطرة ومعزولة عن حاضنتها الشعبية وفاقدة لأي بوصلة، لكي يسهل استنزافها ثم سحقها في النهاية.
عندها سينزعون قناعهم المبتسم، وسيظهر وجههم القبيح وسيرفعون في وجهكم نفس شعار الحرب الذي رفعوه في وجه شباب حراك جرادة والريف، وشباب عشرين فبراير من قبلهم: “الويل للمهزومين!”.
أيها الشباب المكافح نقول لكم نحن الماركسيون إنه علينا أن نقوم بالعكس تماما مما ينصحنا به هؤلاء الأعداء، إذا كنا نريد للحركة أن تتطور وتصل إلى تحقيق أهدافها!
أيها الشباب علينا أن نطرح بكل جرأة ووعي السؤال التالي: ما العمل الآن؟
أيها الشباب، لقد أظهرتم أنكم قوة هائلة، بمجرد أن بدأتم في الاستيقاظ ارتعدت فرائص الطبقة السائدة ودولتها. لكن قوتكم وحدها غير كافية لتحقيق النصر. ليست الوقفات الاحتجاجية ولا حتى المسيرات، وحدها وفي حد ذاتها، قادرة على تحقيق مطالب الحركة. لا بد من دخول الطبقة العاملة إلى الساحة بإضرابات عامة هدفها شل الاقتصاد وإسقاط حكومة التقشف والاستغلال والقمع.
علينا أن نتوجه بالنداء إلى عموم الطبقة العاملة وكل الفئات الشعبية الكادحة المعنية بتلك المطالب ودعوتها إلى الانخراط في النضال من أجلها. إن عزلة الحركة ستسهل على النظام استنزافها وعزلها وسحقها في النهاية.
علينا أن نشرع في تنظيم الحركة عبر خلق بنيات تنظيمية في كل حي وكل مدرسة وكل جامعة وكل أماكن العمل، والتنسيق بينها محليا وعلى صعيد المدينة ووطنيا. بنيات تكون منتخبة بشكل ديمقراطي من طرف الشباب والعمال وربات البيوت وكل المعنيين بالنضال من أجل المطالب التي خرجت من أجلها الحركة وتحت رقابتهم وتوجيههم. إن غياب التنظيم سيسهل على النظام اختراق الحركة والتحكم فيها وسحقها في النهاية.
أيها الشباب المكافح عليكم أن تطرحوا السؤال التالي: لماذا أوضاعنا بهذا السوء، هل السبب وراء مآسينا هو هذه الحكومة وحدها؟ أليست أوضاعنا متشابهة مع أوضاع الشباب في بلدان أخرى من النيبال إلى كينيا ومدغشقر والبرازيل بل وحتى فرنسا وإيطاليا؟ أليس هذا، في حد ذاته، دليل على أن المسؤول عن أوضاعنا وبؤسنا وانسداد الآفاق أمامنا هو النظام الرأسمالي نفسه؟ أي نظام الملكية الخاصة الذي يحكم علينا وعلى آبائنا وأمهاتنا بالاستغلال والفقر، ويدمر مستقبلنا ويلوث الماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه والطعام الذي نأكله، لخدمة مصالح حفنة صغيرة من الرأسماليين وممثليهم السياسيين وخدمهم في الإعلام ومؤسسات الدولة؟
أيها الشباب الثائر، إذا لم نحدد العدو بوضوح ستضيع طاقاتنا هباء، وإذا لم نحدد الغاية بوضوح سنتوه. إن تحقيقنا لمطالبنا لن يتم في ظل دولة البرجوازيين وبقوانينهم التي صنعوها من أجل حماية أرباحهم وتأبيد سيطرتهم.
لذا ندعوكم إلى الالتفاف حول راية بديل اشتراكي ثوري واضح، هدفه النضال من أجل إسقاط النظام الرأسمالي وبناء دولة العمال والفلاحين وعموم الكادحين.
أنس رحيمي
28 شتنبر/أيلول 2025
هوامش:
[1] تهمة محاولة إدخال دبابة روسية التي لفقت للصحفي حميد المهداوي، تهمة التآمر للإطاحة بنظم الحكم التي لفقت لقادة حراك الريف، تهمة الاغتصاب التي لفقت للصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني الخ الخ.