الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: الزلزال كارثة تفضح إفلاس النظام [تحيين]

المغرب: الزلزال كارثة تفضح إفلاس النظام [تحيين]

نعمل فيما يلي على إعادة نشر الترجمة العربية للنسخة الانجليزية المحينة للمقال عن الزلزال الذي ضرب المغرب يوم الجمعة الماضي. بسبب مجموعة من الإكراهات التقنية القاهرة، تأخر إصدار النسخة الانجليزية على موقع الدفاع عن الماركسية حتى يوم الثلاثاء، مما اقتضى تطعيمه بآخر المعطيات وتقديم تحليل أكثر عمقا للأحداث والمنظور.


يوم الجمعة 09 شتنبر، حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا، ضرب المغرب زلزال قوي، قالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إن شدته بلغت 6,8 درجات على مقياس ريختر، وذلك قرب أوكايمدن، على بعد حوالي 75 كيلومتر جنوب غرب مراكش. آلاف الناس فقدوا حياتهم في كارثة تفاقمت آثارها بسبب الإهمال الإجرامي للنظام القائم وعدم كفاءته.

كان الزلزال قويا إلى درجة أنه هز بقوة مدنا بعيدة عن مركزه بمئات الكيلومترات، بما في ذلك فاس والدار البيضاء والرباط، التي أمضى سكانها ليلتهم في الشوارع والحدائق. بل إن جهاز الحماية المدنية الجزائري قد أكد  أن سكان سبع ولايات جزائرية شعروا بالزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة.

وقد أوضحت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أنه لم تحدث زلازل من هذا المستوى في نطاق 500 كيلومتر منذ عام 1900.

عدد القتلى والمفقودين والجرحى غير معروف لحد الآن، لكن الأكيد هو أن الحصيلة ثقيلة جدا. المصدر الوحيد للمعلومات هو وزارة الداخلية المغربية، والتي صرحت خلال الساعات الأولى، بمقتل 632 وجرح 329، لتعود، حوالي الساعة العاشرة من صباح يوم السبت، فتخبر بمقتل 820 وجرح 672، ثم صرحت اليوم الثلاثاء أن العدد بلغ 2800، والحصيلة تواصل الارتفاع.

طبعا لا أحد يصدق الأرقام الرسمية . في تصريح لمدير الهلال الأحمر المغربي بمراكش للجزيرة، قال بصراحة: “لا نستطيع معرفة عدد العالقين تحت أنقاض الزلزال”. إذا كان هذا صحيحا في مدينة مراكش، المدينة  السياحية الحديثة، فكيف هو الحال في القرى البعيدة المعزولة والتي مسح بعضها بشكل كامل تقريبا؟

 قال أحد شهود العيان (من سكان قرية أسنى الجبلية القريبة من مركز الزلزال) لموقع الجزيرة، “إن معظم المنازل هناك تضررت”. وهذا ما تؤكده فيديوهات الاستغاثة التي ينشرها السكان على وسائل التواصل الاجتماعي.

أرقام وزارة الداخلية المغربية ليس الهدف منها “إيصال المعلومة” إلى الناس، بل الهدف منها، أولا وقبل كل شيء، هو اعطاء الانطباع بأن الأوضاع تحت السيطرة، وتحضير الجماهير تدريجيا لتقبل الأرقام المهولة، خوفا من انفجار الغضب الذي يتراكم تحت السطح.

وسائل الاعلام الرسمية بدورها تقوم بـ”تغطية خاصة”، عبر نقل شهادات وإجراء حوارات مع “خبراء” و”مختصين”، التي أغلب كلام الحاضرين خلالها يدور عن قوة الزلزال و”قضاء الله وقدره” و”فعالية” السلطات الأمنية و”سرعة” تدخلها…

ما يحرص الإعلام الرسمي بشدة على تجنبه هو طرح أي تساؤلات حول مدى كفاءة السلطات، وأسباب العدد الكبير للوفيات، ولماذا ما تزال قرى بأكملها محرومة من المساعدات الطبية والغذائية، ولماذا ما يزال الضحايا تحت الأنقاض.

نظام مفلس

بينما عبرت الكثير من حكومات العالم، بما في ذلك الجزائر وروسيا والصين وإيران، وفرنسا والولايات المتحدة ودول الخليج، الخ. عن “تعازيها” للشعب المغربي و”استعدادها” لتقديم المساعدات الضرورية، فإن الملك، الذي عود المغاربة على أن يخرج لتهنئة لاعبي كرة القدم على كل انتصار يحققونه، ويبعث ببرقيات التهاني والتعزية لرؤساء وملوك العالم عند كل مناسبة، بقي أكثر من 18 ساعة قبل أن يصدر أي بيان.

في الواقع، هو حاليا في إجازة طويلة في فرنسا. وتؤكد العديد من وسائل الإعلام العالمية أنه ليس فقط غير قادر على الحكم، بل لا يريد حتى أن يحكم. وان كل ما يريده هو الاستمتاع بأيامه الأخيرة في تنظيم الرحلات والاحتفالات.

وعلى الرغم من إعلان حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام في النهاية، فقد تم النظر إلى التأخير على أنه تعبير عن الازدراء تجاه معاناة عدد لا يحصى من الضحايا في المملكة. وفي غضون ذلك، أخذت الحكومة المغربية أيضا وقتا طويلا قبل أن تصدر أي تعليق رسمي بشأن المأساة. لم يكن هذا من قبيل الصدفة. إذ أنها مضطرة إلى انتظار رد فعل الملك قبل أن يسمح لها بالكلام، وذلك حتى لا تسرق الأضواء عن جلالته وتثير غضبه. إن هذه المهزلة لا تؤدي إلا إلى تعميق الانطباع بوجود نظام مفلس وعاجز، وبمثابة صفعة على وجه الشعب المغربي الذي يواجه هذه الكارثة.

وعلى الرغم من الارتفاع المروع في عدد القتلى والمعاناة الكبيرة للجرحى والمشردين، فإن السلطات تتباطأ بشكل إجرامي في تسهيل وصول المساعدات، وترفض المساعدة من جميع البلدان، باستثناء أربعة بلدان “صديقة”. والأكيد أن هذا ليس له أي علاقة بمقاومة النفوذ الإمبريالي، بل مجرد حماية هيبة النظام المنهارة. ومن المفارقات أن فرنسا تدعي أن المغرب يرفض عروض المساعدة التي قدمتها له، على الرغم من أن ملك المغرب يقضي حاليا عطلته هناك!

التضامن الجماهيري

الأحداث الكبرى تخرج من الناس أفضل ما فيهم، حيث هبت الجماهير، وخاصة الشباب (على عكس حكومتهم المتعفنة)، إلى تقديم المساعدة للمتضررين وإنقاذ الجرحى والتنقيب بوسائل بدائية عن المحتجزين تحت الأنقاض، والتعاون بما توفر لهم من طعام ودواء.

قال أحد شهود العيان لموقع الجزيرة: “جيراننا تحت الأنقاض، ويعمل الأهالي جاهدين على إنقاذهم باستخدام الوسائل المتاحة في القرية”.

كما شهدت مراكز تحاقن الدم في كل المدن إقبالا هائلا ليس من المغاربة وحدهم، بل حتى من الأجانب المتواجدين في المغرب من أجل السياحة أو العمل…

هذا دليل آخر على زيف ذلك الادعاء الذي يقول إن البشر أنانيون وسيئون بطبيعتهم، في حين أن الواقع هو العكس تماما. إن ما يجعل الناس أنانيين ويغرقهم في صراع حيواني من اجل البقاء هي الظروف المروعة التي يفرضها عليهم النظام الرأسمالي المبني على الجشع، والسعي الحثيث من أجل الربح والمنافسة ومن يتوقف لالتقاط أنفاسه يسحق تحت الأقدام.

من المسؤول؟

الزلازل كوارث طبيعية، أسبابها معروفة ولا يد للبشر في حدوثها. لكن نتائجها ليست طبيعية على الإطلاق. إن الكثير جدا من القتلى الذين سقطوا حتى الآن، والذين سيسقطون خلال الساعات والأيام المقبلة، كان من الممكن توفيرهم. لكن للنظام الرأسمالي أولويات أخرى. وعلى رأس تلك الأولويات ضمان أرباح أقلية من الطفيليات الرأسماليين وتعزيز ميزانيات التسلح عوض تمويل المستشفيات وهيئات الوقاية المدنية والاسعاف…

وفي هذا السياق نشير إلى أن الحكومة المغربية قد رفعت ميزانية الدفاع، في مشروع قانون المالية الخاص بسنة 2023، إلى مستوى قياسي قارب 120 مليار درهم بزيادة بلغت 5 مليارت درهم، مقارنة بقانون المالية الخاص بسنة 2022.

في حين أن ميزانية الصحة لا تبلغ سوى 28,12 مليار درهم فقط، أي حوالي 6% من الميزانية العامة، وهو الرقم البعيد جدا حتى عن الرقم الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية، والذي يبلغ  12%، وكذلك المعدل العالمي الذي يبلغ 10%.

لو كانت هناك منازل مضادة للزلازل وبنية تحتية حديثة ومراكز توقع متطورة واستثمارات كافية في هيئات الاسعاف والخدمات الطبية لما حدثت هذه الخسائر كلها. لكن الواقع على الأرض هو أن العمال والفقراء في المدن مضطرون للعيش في منازل متهالكة قديمة مكتظة، والفلاحون في قراهم المهمشة بشكل ممنهج، ما زالوا مضطرين لأن يبنوا منازلهم بالطين والأخشاب، مثلما كان أجدادهم يفعلون منذ آلاف السنين. ناهيك عن انعدام الخدمات الطبية، بل وغالبا ما يفتقرون حتى للماء الصالح للشرب والطرق وغيرها من الأساسيات.

تجدر الإشارة إلى أن السلطات، كما أفاد شهود عيان، تصر على “منع سكان القرى من البناء بالطرق الحديثة” لتبقى تلك القرى مناطق جاذبة للسياح الراغبين في تجربة “سحرها التقليدي العجيب”. وقد تسبب ذلك في ارتفاع عدد الضحايا، كما يؤكد أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة نورث إيسترن الأميركية، مهرداد ساساني:

إن المنازل الرخيصة المبنية من الطوب والتي كانت سائدة في جميع أنحاء القرى زادت من خطر الوفيات أثناء الزلزال.

كثيرا ما أشار سكان وخبراء المنطقة المتضررة إلى إهمال الدولة، لا سيما الافتقار إلى البنية التحتية الأساسية في جميع أنحاء الحوز. هذه الأنواع من الهياكل هشة للغاية، مما يعني أنها لا تتمتع بالقدرة على المرونة والحركة المطلوبة أثناء الزلزال، الشيء الذي يعني أنها معرضة للانهيار.

بالإضافة إلى ذلك إن المواد الطينية المستخدمة في بناء المنازل زادت من خطر الاختناق للسكان المحاصرين تحت الأنقاض، لأنه عندما انهارت المنازل لم تسمح بأي جيوب هوائية يمكن أن تسمح للناجين بمواصلة التنفس.

وأضاف:

هذه المنازل لها جدران ثقيلة لتحمل ثقل الأسطح. لكنها عندما تنهار يؤدي ذلك إلى احتمال أكبر لسقوط ضحايا.

يعلم الجميع أن اللحظات الأولى بعد الزلزال حاسمة جدا في مسألة إنقاذ الأرواح وإسعاف الجرحى، وكلما تأخر الوقت كلما سقطت أرواح إضافية كان من الممكن توفيرها. ما يزال هناك الآن آلاف الضحايا، بمن فيهم أطفال، تحت الأنقاض يعانون الرعب والآلام والجوع. يحاول الشباب إنقاذهم لكنهم لا يملكون إلا أظافرهم وبعض الفؤوس والوسائل البدائية الأخرى.

وبالتالي فإن المسؤولية في معاناتهم الفظيعة وموتهم تقع على عاتق هذا النظام الإجرامي، الفاسد اللامبالي.

إن ما حدث وما سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة، مذبحة سببها التهميش الذي استمر عقودا طويلة وسياسات النظام الرأسمالي التي تضع الربح قبل الأرواح البشرية.

 وحدة وطنية؟

سيتدفق طوفان من الدعاية الديماغوجية التي تدعو المغاربة إلى “الوقوف صفا واحدا خلف جلالته وخلف المؤسسات” في مواجهة هذه الكارثة. وسيكرر النظام شعاراته المنافقة حول “نحن في نفس المركب” وما إلى ذلك، وبالطبع سيطالبون بإنشاء صندوق تضامن… سيتم ملؤه بالاقتطاعات من أجور العمال والموظفين، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19. وبالمناسبة، لا أحد يعرف أين ذهبت كل تلك الأموال التي تم جمعها وكيف أنفقت.

لقد سبق لنا أن سمعنا كل هذا من قبل، بنفس اللهجة، وبنفس الكلمات، ومن أفواه نفس الأشخاص. وماذا كانت النتيجة خلال الجائحة؟ سقط ملايين المغاربة في براثن الفقر، وتعرضوا للتسريح من العمل والقمع عند أي علامة احتجاج، في حين بلغت ثروة الرأسماليين، والملك وعائلته والطغمة من حولهم، مستويات عالية.

لم تنهر القصور، وذلك لأنها بنيت بأحدث التقنيات. ما انهار هو الأكواخ والمنازل المتداعية في أحياء الطبقة العاملة والقرى. ومن يعاني من الجوع والتشرد اليوم هم العمال والفلاحون، وليس أصحاب الشركات الكبرى والأمراء والأميرات والجنرالات. هؤلاء الأخيرون لم يتعرضوا لأي ضرر. بل على العكس من ذلك، ما زالوا يبيعون المواد الغذائية والغاز والأدوية بأسعار مرتفعة جدا.

كلا، نحن لسنا في نفس المركب. هناك هوة طبقية شاسعة بين الطفيليين الذين يعيشون على استغلال قوة عملنا ونهب ثروات البلاد، وبين أولئك الذين يتعرضون للاستغلال والتقشف والمجاعة والبطالة. ويتعرضون الآن للموت بسبب السياسات الإجرامية التي تطبقها الأقلية وجشعها ولامبالاتها.

ولذلك، ففي مواجهة دعواتهم المنافقة إلى “الوحدة الوطنية”، يجب علينا أن ندعو إلى الوحدة الطبقية بين العمال والفقراء، للنضال ضد هذا النظام الذي يضطهدنا.

والآن؟

الأكيد هو أنه حتى بعد أن تتوقف الموجات الارتدادية ويتم انتشال القتلى، سوف تستمر معاناة الجماهير في المناطق المنكوبة مع التشرد ومخاطر السكن في الدور المتصدعة والإهمال وغياب الرعاية الطبية وكذلك القمع عند أي محاولة احتجاج ضد الأوضاع السيئة…

آلاف الأبرياء ماتوا وسيموتون بسبب السياسات الإجرامية للنظام القائم، هذا النظام الذي يطبق التقشف على ميزانية الصحة والخدمات الاجتماعية، ويحول حياة الملايين إلى عذاب دائم، وحين يموتون يعاملهم باحتقار ولا مبالاة.

الناس الآن في صدمة، وحداد، وهلع. وهذا طبيعي. نحن العمال وعموم الكادحين، حزينون ومتضامنون، لكننا كذلك غاضبون، وبعد أن نلملم جراحنا لا بد سيأتي وقت الحساب.

يقولون لنا إننا سنعود إلى “الأوضاع الطبيعية السابقة”، لكن المرحلة السابقة كانت مرحلة فقر وبطالة وقهر، خاصة بين الشباب. وعلاوة على ذلك، فإنه لا توجد أي إمكانية للعودة إلى تلك “المرحلة السابقة”. تقدر أرقام الأمم المتحدة عدد المتضررين بنحو 300 ألف شخص. وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن تكلفة الأضرار الناجمة عن هذا الزلزال المميت يمكن أن تصل إلى 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ونحن من سيتعين علينا دفع كل تلك الفاتورة، تماما كما أجبرونا على دفع فاتورة أزمة نظامهم أثناء جائحة كوفيد-19.

ستستمر المعاناة لسنوات قادمة، وستتفاقم بسبب الفساد والنهب واللامبالاة من جانب النظام. يمكننا أن نكون واثقين من أن الصدمة الحالية ستتحول إلى غضب، والغضب سيتحول إلى صراع طبقي.

يجب أن تنتهي هذه المآسي. من الضروري النضال من أجل نظام آخر، نظام يجعل حياة الإنسان والرفاهية والسعادة لأغلبية المجتمع هي الأولوية القصوى؛ نظام يستثمر في الصحة والتعليم والبنية التحتية والسكن الملائم، بدلا من السلاح والدمار والقمع؛ نظام خال من الاستغلال والجشع واللامبالاة الإجرامية بالمعاناة الإنسانية.

يجب أن نناضل من أجل نظام اشتراكي تكون فيه السلطة والثروة في أيدي المنتجين أنفسهم. أي نظام قائم على اقتصاد مخطط مؤمم، يدار بطريقة ديمقراطية لصالح المجتمع بأكمله.

عندها سيكون من الممكن توفير السكن الملائم، والبنية التحتية، والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الأساسية للجميع دون استثناء؛ وكذلك إنشاء بنية تحتية يمكنها الصمود في وجه الكوارث الطبيعية. هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما. إن النضال من أجل مجتمع كهذا هو التكريم الوحيد الملائم لهؤلاء الأبرياء الذين سقطوا.

أنس رحيمي

12 سبتمبر/أيلول 2023

النص الانجليزي:

Morocco earthquake: catastrophe exposes the bankruptcy of the regime