يوم أمس، الجمعة 08/09/2023، حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا (العاشرة بتوقيت غرينتش)، ضرب المغرب زلزال قوي، قالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إن شدته بلغت 6,8 درجات على مقياس ريختر، وذلك قرب أوكايمدن، على بعد حوالي 75 كيلومتر جنوب غرب مراكش.
كارثة طبيعية مفجعة
كان الزلزال قويا إلى درجة أنه هز بقوة مدنا بعيدة عن مركزه بمئات الكيلومترات، بما في ذلك فاس والدار البيضاء والرباط، والتي أمضى سكانها ليلتهم بالشوارع والحدائق. بل بلغت هزاته إلى العديد من الولايات الجزائرية، حيث أكد جهاز الحماية المدنية الجزائري أن سكان سبع ولايات جزائرية شعروا بالزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة.
وقد أوضحت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أنه لم تحدث زلازل من هذا المستوى في نطاق 500 كيلومتر منذ عام 1900.
عدد القتلى والمفقودين والجرحى غير معروف لحد الآن، لكن الأكيد هو أن الحصيلة ثقيلة جدا. المصدر الوحيد للمعلومات هو وزارة الداخلية المغربية، والتي صرحت خلال الساعات الأولى، بمقتل 632 وجرح 329، لتعود، حوالي الساعة العاشرة من صباح اليوم، فتخبر بمقتل 820 وجرح 672، وأن الحصيلة تحتمل الارتفاع.
طبعا تلك الأرقام لا تقنع أحدا. ففي تصريح لمدير الهلال الأحمر المغربي بمراكش للجزيرة، قال بصراحة: “لا نستطيع معرفة عدد العالقين تحت أنقاض الزلزال”. إذا كان هذا صحيحا في مدينة مراكش، المدينة السياحية الحديثة، فكيف هو الحال في القرى البعيدة المعزولة والتي مسح بعضها بشكل كامل تقريبا. قال أحد شهود العيان (من سكان قرية أسنى الجبلية القريبة من مركز الزلزال) لموقع الجزيرة، “إن معظم المنازل هناك تضررت”.
مثلما تؤكد ذلك فيديوهات الاستغاثة التي ينشرها السكان على وسائل التواصل الاجتماعي.
أرقام وزارة الداخلية المغربية ليس الهدف منها الإعلام، بل الهدف منها هو أولا الظهور بمظهر الجهاز القوي المتحكم في الأوضاع والمطلع على آخر المعطيات، إضافة إلى إعطاء الانطباع بالاستعداد للتواصل و”تنوير الرأي العام”، وتحضير الجماهير تدريجيا لتقبل الأرقام المهولة، خوفا من الغضب الذي يتراكم.
وسائل الاعلام الرسمية بدورها تقوم بـ”تغطية خاصة”، عبر نقل شهادات وإجراء حوارات مع “خبراء” و”مختصين”، أغلب كلام الحاضرين خلالها يدور عن قوة الزلزال و”قضاء الله وقدره” و”فعالية” السلطات الأمنية و”سرعة” تدخلها، وكأنهم يخشون، لا قدر الله!، أن يذهب تفكير أحد ما بعيدا إلى درجة التشكيك في كفاءة السلطات، أو التساؤل عن أسباب العدد الكبير من القتلى ولماذا ما تزال لحد اللحظة قرى بأسرها محرومة من المساعدات الطبية والغذائية وضحاياها ما زالوا تحت الأنقاض…
نظام مفلس
بينما عبرت الكثير من حكومات العالم، بما في ذلك الجزائر وروسيا والصين وإيران، ناهيك عن فرنسا والولايات المتحدة ودول الخليج، الخ. عن “تعازيها” للشعب المغربي و”استعدادها” لتقديم المساعدات الضرورية، فإن القصر الملكي، الذي عود المغاربة على أن يخرج لتهنئة لاعبي كرة القدم على كل انتصار يحققونه، ويبعث ببرقيات التهاني والتعزية لرؤساء وملوك العالم عند كل مناسبة، قرر أن يلتزم الصمت لحد اللحظة1.، في احتقار لمعاناة مئات الآلاف من الضحايا والمنكوبين.
كما أن الحكومة المغربية بدورها ما تزال صامتة، لحد كتابة هذه السطور، وكأن الأمر لا يعنيها. إذ لم يخرج الناطق باسمها، ولا أي أحد من أعضائها، بأي تصريح بخصوص الفاجعة.
والموقفان مترابطان معا، إنهما دليل على إفلاس نظام بأكمله. الحكومة المغربية مفلسة وعاجزة وكل أعضائها من المهرجين، هذا صحيح ومتفق عليه! لكن علينا رغم ذلك أن نعطيها حقها، فهي بالإضافة إلى إفلاسها الذاتي مشلولة، لأنها محكومة وتنتظر رد فعل الملك ولا يمكنها أن تتحرك بدون ضوء أخضر من القصر حتى لا تخطف منه الأضواء وتثير غضبه. إلا أن الملك، الذي يركز بين يديه كل السلطات، في عطلة مطولة وسبق لوسائل إعلام عالمية عديدة أن أشارت إلى أنه ليس فقط غير قادر على الحكم، بل لا يريد أصلا الحكم وكل ما يريده هو الاستمتاع بأيامه الأخيرة في تنظيم الرحلات والاحتفالات.
التضامن الانساني
الأحداث الكبرى تخرج من الناس أفضل ما فيهم، حيث هبت الجماهير، وخاصة الشباب، إلى تقديم المساعدة للمتضررين وإنقاذ الجرحى والتنقيب بوسائل بدائية عن المحتجزين تحت الأنقاض، والتعاون بما توفر لهم من طعام ودواء.
قال أحد شهود العيان لموقع الجزيرة: “جيراننا تحت الأنقاض، ويعمل الأهالي جاهدين على إنقاذهم باستخدام الوسائل المتاحة في القرية”.
كما شهدت مراكز تحاقن الدم في كل المدن إقبالا هائلا ليس من المغاربة وحدهم، بل ومن الأجانب المتواجدين في المغرب من أجل السياحة أو العمل…
هذا دليل آخر على زيف ذلك الادعاء الذي يقول إن البشر أنانيون وسيئون بطبيعتهم، في حين أن الواقع هو العكس تماما. إن ما يجعل الناس أنانيين ويغرقهم في صراع حيواني من اجل البقاء هي الظروف المروعة التي يفرضها عليهم النظام الرأسمالي المبني على الجشع والسعي الحثيث من أجل الربح والمنافسة ومن يتوقف لالتقاط أنفاسه يسحق تحت الأقدام.
من المسؤول؟
الزلازل كوارث طبيعية، أسبابها معروفة ولا يد للبشر في حدوثها. لكن نتائجها ليست طبيعية على الإطلاق. إن الكثير جدا من القتلى الذين سقطوا حتى الآن، والذين سيسقطون خلال الساعات والأيام المقبلة، كان من الممكن توفيرهم. لكن للنظام الرأسمالي أولويات أخرى. وعلى رأس تلك الأولويات ضمان أرباح أقلية من الطفيليات الرأسماليين وتعزيز ميزانيات التسلح عوض تمويل المستشفيات وهيئات الوقاية المدنية والاسعاف…
وفي هذا السياق نشير إلى أن الحكومة المغربية قد رفعت ميزانية الدفاع، في مشروع قانون المالية الخاص بسنة 2023، إلى مستوى قياسي قارب 120 مليار درهم بزيادة بلغت 5 مليارت درهم، مقارنة بقانون المالية الخاص بسنة 2022.
في حين أن ميزانية الصحة لا تبلغ سوى 28,12 مليار درهم فقط، أي حوالي 6% من الميزانية العامة، وهو الرقم البعيد جدا حتى عن الرقم الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية، والذي يبلغ 12%، وكذلك المعدل العالمي الذي يبلغ 10%.
لو كانت هناك منازل مضادة للزلازل وبنية تحتية حديثة ومراكز توقع متطورة واستثمارات كافية في هيئات الاسعاف والخدمات الطبية لما حدثت هذه الخسائر كلها. لكن الواقع على الأرض هو أن العمال والفقراء في المدن مضطرون للعيش في منازل متهالكة قديمة مكتظة، والفلاحون في قراهم المهمشة بشكل ممنهج، ما زالوا مضطرين لأن يبنوا منازلهم بالطين والأخشاب، مثلما كان أجدادهم يفعلون منذ آلاف السنين. ناهيك عن انعدام الخدمات الطبية، بل وغالبا ما يفتقرون حتى للماء الصالح للشرب والطرق وغيرها من الأساسيات.
يعلم الجميع أن اللحظات الأولى بعد الزلزال حاسمة جدا في مسألة إنقاذ الأرواح وإسعاف الجرحى، وكلما تأخر الوقت كلما سقطت أرواح إضافية كان من الممكن توفيرها. هناك الآن آلاف الضحايا، بمن فيهم أطفال، تحت الأنقاض يعانون الرعب والآلام والجوع والعطش. يحاول الشباب إنقاذهم لكنهم لا يملكون إلا أظافرهم وبعض الفؤوس والوسائل البدائية الأخرى. وبالتالي فإن المسؤولية في معاناتهم الفظيعة وموتهم تقع على عاتق هذا النظام الإجرامي، الفاسد اللامبالي.
إن ما حدث وما سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة، مذبحة سببها التهميش الذي استمر عقودا طويلة وسياسات النظام الرأسمالي التي تضع الربح قبل الأرواح البشرية.
والآن؟
الأكيد هو أنه حتى بعد أن تتوقف الموجات الارتدادية ويتم انتشال القتلى، سوف تستمر معاناة الجماهير في المناطق المنكوبة مع التشرد ومخاطر السكن في الدور المتصدعة والإهمال وغياب الرعاية الطبية وكذلك القمع عند أي محاولة احتجاج ضد الأوضاع السيئة…
آلاف الأبرياء ماتوا وسيموتون بسبب السياسات الإجرامية للنظام القائم، هذا النظام الذي يطبق التقشف على ميزانية الصحة والخدمات الاجتماعية، ويحول حياة الملايين إلى عذاب دائم، وحين يموتون يعاملهم باحتقار ولا مبالاة.
الناس الآن في صدمة، وحداد، وهلع. وهذا طبيعي. نحن العمال وعموم الكادحين، حزينون ومتضامنون، لكننا كذلك غاضبون، وبعد أن نلملم جراحنا لا بد سيأتي وقت الحساب.
لا بد من وضع حد لهذه المآسي. ولذلك لا بد من النضال من أجل نظام يضع الحياة البشرية والرفاه والسعادة لأغلبية المجتمع عوض مصلحة الربح، ويضع الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية التحتية والسكن اللائق، عوض التسلح ووسائل التجسس والتخريب والقمع؛ نظام متخلص من الاستغلال والجشع واللامبالاة الإجرامية بمعاناة البشر..
لا بد من النضال من أجل نظام اشتراكي تكون فيه السلطة والثروة في يد المنتجين أنفسهم. نظام يقوم على اقتصاد مخطط مؤمم مسير بطريقة ديمقراطية لصالح المجتمع بأسره.
آنذاك سيصير من الممكن توفير السكن اللائق والبنية التحتية والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الأساسية للجميع بدون استثناء، وسيصير من الممكن الصمود بشكل أفضل أمام الكوارث الطبيعية وتوفير الكثير من الأرواح البشرية التي تذهب هباء في ظل النظام الرأسمالي. هذا هو الطريق الوحيد إلى الأمام. وهذا هو أفضل عزاء لهؤلاء الأبرياء الذين سقطوا…
أنس رحيمي
09 شتنبر/أيلول 2023
هوامش
[1] بينما كان المقال قيد المراجعة لأجل نشره، صدر خبر يفيد أن الملك أعلن حالة حداد لثلاثة أيام. لكن هذا الخبر لا يتناقض مع ما ذكرناه في المقال، ولا ينفي أن حكومات العالم تفاعلت قبل ساعات من رد فعل “جلالته”.
3 تعليقات
تعقيبات: Morocco earthquake: catastrophe exposes the bankruptcy of the regime – 🚩 CommunistNews.net
تعقيبات: TERREMOTO EN MARRUECOS: LA CATÁSTROFE EXPONE LA BANCARROTA DEL RÉGIMEN - Nueva Pensamiento Crítico: Diario digital de trabajadores
تعقيبات: Terremoto en Marruecos: la catástrofe expone la bancarrota del régimen - Colombia Marxista