الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: الاتحاد النقابي لعمال الموانئ يدعو عمال ميناء الدار البيضاء إلى مقاطعة سفينة تحمل عتادا عسكريا إلى إسرائيل

المغرب: الاتحاد النقابي لعمال الموانئ يدعو عمال ميناء الدار البيضاء إلى مقاطعة سفينة تحمل عتادا عسكريا إلى إسرائيل

يوم 04 أبريل 2025، أصدرت صحيفة Declassified UK، تحقيقا تحت عنوان “ميرسك: شركة الشحن التي تنقل الأسلحة إلى إسرائيل”، والذي أكدت فيه قيام سفن ميرسك بنقل معدات طائرات مقاتلة إلى إسرائيل.

وقالت إن سفينة “ميرسك ديترويت” التي تحمل العلم الأمريكي ستعبر المحيط الأطلسي وترسو بعد أسبوعين في طنجة بالمغرب، حيث سيتم نقل الشحنة إلى سفينة حاويات أخرى تدعى “نيكسو ميرسك”.

The Maersk Detroit. (Photo: Alf van Beem / Creative Commons)

تحمل تلك الشحنة قطعا من طائرات F35 قادمة من شركة السلاح الأمريكية لوكهيد مارتن إلى قاعدة نيفاتيم العسكرية، مما يجعل النظام المغربي متورطا بشكل مباشر في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

وفي خطوة نوعية أصدر الاتحاد النقابي لعمال الموانئ ورجال البحر، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، نداء الى كافة العاملين بميناء الدار البيضاء، دعا فيه «عمال ومستخدمي وأطر ميناء الدار البيضاء من أجل مقاطعة سفينة “NEXOE MAERSK” المكلفة بإيصال شحنات عتاد عسكري إلى إسرائيل»، والتي ستصل ميناء البيضاء يوم الجمعة 18 أبريل.

وأشارت النقابة بعبارات قوية إلى أن السفينة «مكلفة بنقل حمولة، عبارة عن قطع غيار لطائرات عسكرية من نوع F35 وإمدادات عسكرية أمريكية فتاكة موجهة للكيان الصهيوني، بعد أن تُفرغها سفينة أخرى باسم MAERSK DETROIT، القادمة من ميناء هيوستن بالولايات المتحدة والتي ستصل ميناء طنجة يوم الأحد 20 أبريل 2025، وذلك لتمكين إسرائيل من الاستمرار في التقتيل الهمجي والفتك بنساء وأطفال وشيوخ فلسطين بدون حسيب أو رقيب».

ودعت كل العاملين في ميناء الدار البيضاء إلى «عدم المساهمة في قطر  أو تموين أو تفريغ أو شحن أو تزويد تلك السفينة، وذلك لإيقاف الشحنات المتجهة لإسرائيل والتي تمكنها من الاستمرار في ارتكاب جرائمها الشنعاء ضد الشعـب الفلسطيني وضد الإنسانية جمعاء».

وأعلنت رفضها بشكل قاطع «أي شكل من أشكال تورط العمال المغاربة في العمليات اللوجيستيكية المرتبطة بمساعدة هذه السفينة أو مثيلاتها في القيام بمهام النقل الإجرامي والوسخ هذا».

في الواقع نحن لا نعرف الكثير عن هذا التنظيم النقابي، إلا أننا، من حيث المبدأ، نعتبر أن دعوة عمال الموانئ إلى الإضراب ومقاطعة السفن المحملة بالأسلحة الموجهة لاستكمال المذابح التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، موقف تقدمي وندعمه بشكل لا مشروط.

وفي نفس السياق، دعت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إلى تنظيم وقفة احتجاجية يوم 18 أبريل، أمام الباب الرئيسي للميناء، على الساعة السابعة مساء، إضافة إلى مسيرة شعبية تتوجه إلى الميناء يوم الأحد 20 أبريل، انطلاقا من ساحة مارشال على الساعة الخامسة مساء.

قلنا إن هذه الخطوة نوعية وذات أهمية بالغة ليس فقط لأنها، في الجوهر، دعوة إلى إضراب سياسي يهم اثنتان من أكبر موانئ القارة الأفريقية، بل أيضا بسبب طبيعة النظام الدكتاتوري الذي لا يسمح إطلاقا بأي صوت يعارض صوته، خاصة إذا كان محاولة من طرف الطبقة العاملة للتدخل بإضراب سياسي في تقرير قضية تهم المجتمع ككل؛ وكذلك بالنظر إلى طبيعة العلاقات التي لديه مع أسياده في واشنطن وتل أبيب، والتي تتجاوز التطبيع إلى العمالة والتبعية المطلقة على جميع المستويات (الاقتصادية، العسكرية، الأكاديمية، الثقافية، الخ).

إنها خطوة إذا تمت التعبئة لها بالجدية والجرأة المطلوبتين يمكنها أن تسفر عن إضراب سياسي يطرح بكل وضوح سؤال من السيد الحقيقي هنا؟ هل السيد الحقيقي للمجتمع هو نظام الطفيليات التي تتحكم في الثروة والسلطة وتفرض على البلد الفقر والتبعية والمشاركة في حرب الإبادة الجماعية، أم الطبقة العاملة التي عندما تقرر وضع أدوات العمل على الأرض وضغط زر إطفاء الآلات يصاب المجتمع كله بالشلل؟ وبهذا المعنى فإن انتصار هذا الإضراب مسألة حاسمة في مستقبل الصراع الطبقي في المغرب.

لذلك نعلن نحن الماركسيون دعمنا الكامل لهذه الخطوة ونتفق مع مجمل ما جاء في البلاغ، باستثناء تلك الدعوة التي وجهها إلى «السلطات العمومية لتحمل مسؤولياتها بعدم الترخيص لهذه السفينة أو مثيلاتها التي تساعد على تدفق الأسلحة للكيان الصهيوني، بالرسو بأرصفة ميناء الدار البيضاء أو ميناء طنجة المتوسط». لأن مثل هذه النداءات الموجهة إلى نفس نظام التطبيع تخلق الوهم بأن “السلطات العمومية” يمكنها أن تتصرف عكس ما تقتضيه مصالحها ومصالح أسيادها في واشنطن وتل أبيب.

التوقيع على اتفاقية التطبيع بين إسرايل والمغرب بالرباط سنة 2020./ صورة: ديفيد أزاجوري، السفارة الأمريكية في القدس

في الواقع إن “السلطات العمومية” -النظام المغربي- منغمس إلى أقصى الحدود في التعاون وشراكة الدم مع الكيان الصهيوني، واستقباله للسفن الحاملة لمعدات حربية ليس خطئا ولا سياسة معزولة، بل هي السياسة التي تعبر فعلا عن طبيعته ومصالحه. وإلا كيف نفسر المشاركة المنتظمة للجيش المغربي مع جيش الحرب الصهيوني في المناورات العسكرية، برعاية أمريكية، المسماة الأسد الأفريقي، والتي ستنظم في بلادنا مرة أخرى شهر ماي المقبل.

إن “السلطات العمومية” -النظام المغربي- لديه تاريخ طويل من التآمر على الشعب الفلسطيني. وعلاقاته مع إسرائيل لا تعود فقط إلى اتفاقية التطبيع الأخيرة التي وقعها، برعاية أمريكية، يوم 10 دجنبر 2020.  كما أنها لم تبدأ فقط باعتقال المتضامنين مع الشعب الفلسطيني  والمدونين المعبرين عن معارضتهم للتطبيع، ومحاكمتهم وسجنهم، ولا باعتقال المناضل الفلسطيني نسيم خليبات وتسليمه لإسرائيل، وغيرها من الجرائم الأخرى..

كما أنها لا تقتصر على تزويد اسرائيل للسلطات المغربية بتقنيات بيغاسوس للتجسس على المعارضين في الداخل والخارج، ولا في توفير الحماية للشخصيات الكبرى في النظام، بمن فيهم الأمير وطائرته الخاصة المجهزة بمعدات أمنية إسرائيلية. أو “الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري، بما في ذلك في مجال الاستخبارات والأمن السيبراني” مع إسرائيل…

بل هي علاقات موغلة في القدم، علاقات تعود، على الأقل، إلى بداية ستينيات القرن الماضي.

فالوثائق التاريخية تكشف أن “السلطات العمومية”، برئاسة الملك، الحسن الثاني شخصيا، باعت حرفيا العديد من اليهود المغاربة لإسرائيل، حيث أجبرت الكثير منهم على الهجرة من بلدهم إلى إسرائيل مقابل “تسوية” تضمن شقا ماديا تمثل في قبض الملك لـ”نصف مليون دولار كدفعة أولى” مقابل السماح بتهجير «50 ألف يهودي مغربي إلى أوروبا، ثم 100 دولار للفرد (250 دولارا بعد الخمسين ألفا)… ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1964، غادر 97.500 يهودي المغرب بموافقة ضمنية من السلطات المغربية».

كما أنه صار من المعرف اليوم المساعدة الاستخباراتية الكبيرة التي قدمها النظام المغربي، في شخص الحسن الثاني لإسرائيل من أجل التحضير لحرب 1967.

تلك الخدمات وغيرها هو ما جعل الصحيفة الاسرائيلية JEWISH JOURNAL تكتب عنه بعد وفاته مباشرة تأبينا بعنوان “وداع لصديق“، من بين ما جاء فيه أن إسرائيل لديها «سبب وجيه لتذكر الملك الحسن الثاني ملك المغرب باعتباره “صديقا ورجل دولة”، ليس فقط بسبب جهوده الدؤوبة لبناء الجسور بين الدولة اليهودية وجيرانها العرب».

وأضافت أن التعاون السري بين أجهزة الاستخبارات المغربية والإسرائيلية «بدأ عام 1961 في عهد والد الملك الحسن، محمد الخامس، الذي سمح لليهود المغاربة بالهجرة إلى إسرائيل. وقد وسع الملك الشاب نطاق الاتصالات وأضفى عليها طابعا مؤسسيا بعد أن التقى مائير أميت، رئيس الموساد آنذاك، سرا بالحسن في مراكش عام 1964. واستمرت الاتصالات السرية، مع انقطاعين وجيزين فقط، حتى وفاة الحسن يوم الجمعة الماضي».

كانت تلك العلاقة مبنية على منطق “حك لي ظهري أحك لك ظهرك”. وهو ما تؤكده الصحيفة الاسرائيلية نفسها إذ تقول:

«كشفت التقارير المحلية والأجنبية هذا الأسبوع عن مدى عمق العلاقة ذات المنفعة المتبادلة. فقد قدم الموساد المساعدة الفنية والتدريب لجهاز المخابرات المغربي الشقيق، بالإضافة إلى معلومات عن منشقين يخططون لاغتيال الملك الشاب.

وقال لعوديد غرانوت، الكاتب المتخصص في الشؤون العربية في صحيفة معاريف، إن الموساد سلم أكثر من 100 دبابة خفيفة إلى المغرب في ستينيات القرن الماضي لتعزيز موقف الحسن الثاني في صراعه مع الجزائر على الصحراء الإسبانية. ويبدو أن هذه الدبابات هُرّبت إلى المغرب عبر دولة ثالثة».

هذا وكان يوسي ميلمان، المؤلف المشارك لدراسة عن الاستخبارات الإسرائيلية، قد كشف لصحيفة هآرتس أن الموساد نقل أيضا «معلومات حساسة عن النوايا التخريبية للزعيم الثوري المصري، جمال عبد الناصر، جار المغرب في شمال إفريقيا».

المعلومات الحساسة المقصودة هنا هي تسجيل  المحادثات السرية التي جرت أثناء القمة العربية لسنة 1965، والتي قدمها الحسن الثاني للموساد وساعدت الجيش الاسرائيلي في التحضير لحرب 1967 والانتصار فيها.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت قد أفادت بأن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء شلومو غازيت، قد كشف لها أن «الموساد تمكن من الوصول إلى تسجيلات سرية لمؤتمر عقدته دول عربية للتحضير لصراع محتمل مع إسرائيل، مما ساعد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على الاستعداد لما أصبح يُعرف بحرب الأيام الستة». وهي الحرب التي بنهايتها صارت “إسرائيل تحتل أراضٍ زادت مساحتها بنسبة 300%”. بما فيها “شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بسكانها البالغ عددهم مليون نسمة”.

الملك الحسن الثاني مع شمعون بيريز في عام 1994./ صورة: IPPA

وهو ما أكدته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، حيث قالت إنه:

«وفقا لرافي إيتان، السياسي الإسرائيلي وضابط المخابرات السابق، الذي شارك في قيادة برنامج “الطيور” مع أسطورة الموساد بيتر تسفي مالكين، فإن المغاربة “زودونا بجميع المعلومات اللازمة، ولم يحرمونا من أي شيء”، فور انتهاء المؤتمر».

هذا دون أن ننسى الدور المهم الذي قام به المغرب في تسهيل توقيع الرئيس المصري أنور السادات للاتفاقية الخيانية، في كامب ديفيد، سنة 1978، بين مصر وإسرائيل. أو إطلاق قواته الرصاص، يوم 20 يناير 1988، على الطلاب المتظاهرين بشكل سلمي دفاع عن فلسطين مما أسفر عن مقتل طالبين اثنين على الأٌقل، الخ الخ.

وهكذا فإن سياسة التعاون مع إسرائيل وخيانة النضال التحرري للشعب الفلسطيني هي بالنسبة للنظام القائم تعبير عن طبيعته، وليست إجراء عرضيا لهذه الحكومة أو تلك، في هذا المجال أو ذاك. لذا فالحل ليس دعوة “السلطات العمومية” إلى اتخاذ سياسة صديقة للفلسطينيين، أو “تحمل مسؤولياتها بعدم الترخيص لهذه السفينة”، بل المطلوب هو تعبئة الطبقة العاملة المغربية في جميع القطاعات من أجل خوض إضراب سياسي عام شامل يهدف ليس فقط إلى الامتناع عن استقبال السفن الإسرائيلية، بل يجب ان يهدف إلى اسقاط سياسة التطبيع بكاملها وكل المعاهدات الخيانية واتفاقيات التوأمة بين الجامعات والشراكات الاقتصادية والعسكرية والأمنية وغيرها.

كما يتعين العمل على توحيد نضالات الطبقة العاملة المغربية بنضالات عمال منطقتنا والعالم، الذين سبق للعديد منهم أن نظموا نضالات مشابهة في الكثير من البلدان من بينها تونس، وجنوب أفريقيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، والسويد، والولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا… الذين رفضوا تحميل السفن والبضائع الإسرائيلية ونقل الأسلحة إلى إسرائيل. فالطبقة العاملة الأممية هي الحليف الوحيد الموثوق سواء للطبقة العاملة المغربية أو الشعب الفلسطيني.

نقابيون يغلقون مداخل شركة تابعة لشركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية لصناعة الأسلحة./ الصورة: Workers for a Free Palestine

ولضمان القطيعة الكاملة مع جرائم المشاركة والتواطؤ مع المذابح الاسرائيلية التي يمارسها النظام المغربي، وضمان عدم تكرارها لا بد من فتح آفاق النضال على مهمة إسقاط هذه الدولة العميلة وتأسيس حكومة عمالية ثورية.

إن الحل الحقيقي هو أخذ الطبقة العاملة المغربية للسلطة والثروة بين أيديها وتحت رقابتها، وتسخيرهما لخدمة مصالح الشعب المغربي والقضايا الأممية العادلة، قضايا تحرر الشعوب وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني من الرأسمالية والامبريالية. فالطبقة العاملة المغربية، إلى جانب الطبقات العاملة في منطقتنا والعالم، هي الوحيدة التي لديها المصلحة في ذلك ولديها القدرة على تحقيق ذلك.

أنس رحيمي
16- 04- 2025