في الأسبوع الماضي، تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض خطته للسلام المكوّنة من 20 بندًا، بهدف إنهاء الإبادة في غزة. وتقترح الخطة أن تُسلم إدارة القطاع إلى سلطة انتقالية تقودها الولايات المتحدة برئاسته شخصيًا، و بمساعدة مدمر العراق، توني بلير.

جميع القادة الغربيين والعرب المتعاونين يعلقون آمالهم على هذا السلام، على أمل أن يؤدي إلى تهدئة الإبادة بالقدر الكافي لإنقاذ أنفسهم من حركات التضامن المتنامية مع فلسطين، والتي تهدد بإسقاطهم.
لكن بالنسبة لأي شخص يهتم بفلسطين، فإن هذه الخطة جريمة فظيعة أخرى ضد الشعب الفلسطيني.
وحتى لو نجحت هذه الخطة – وهو أمر غير مؤكد – فإنها ستعني تحويل غزة إلى منطقة انتداب استعماري تهيمن عليها أمريكا، مع بقاء إسرائيل تسيطر دائمًا على “منطقة عازلة”. أما الحديث عن “طريق نحو دولة فلسطينية قابلة للحياة” أو وعود الاستثمار لإعادة الإعمار، فهو مجرد أكاذيب. هذه الخطة، في أحسن الأحوال، وصفة لبقاء غزة مخيمًا لاجئين دائم تحت الاحتلال، وبالتالي بقاء حالة عدم الاستقرار بشكل دائم.
غزة تحترق غزة و العالم معها
إن الأعمال الإمبريالية الهمجية التي تقوم بها إسرائيل تزعزع استقرار العالم بأسره.
إن الطبقة السائدة العربية المتحالفة مع إسرائيل تتوجس الخوف من شعوب يزداد سخطها إزاء الابادة التي تذبح الفلسطينيين. و يطاردها شبح الثورة في كل من مصر والأردن والسعودية وغيرها، لا سيما مع اندلاع ثورة جيل Z في المغرب.
في الوقت نفسه، أصبحت فلسطين في أوروبا بمثابة موصل صواعق، تستقطب كل مشاعر الغضب المتراكم لدى العمال والشباب.
ففي الأسبوع الماضي في إيطاليا، ضرب العمال والشباب مثالاً يحتذى به، حيث قاموا بإضراب عام أدى إلى شل كامل البلاد، حيث خرج الملايين إلى الشوارع. وفي عطله نهاية الأسبوع، خرج مليوني شخص إلى شوارع إسبانيا احتجاجًا على الإبادة الجماعية. إن الطبقة السائدة الأوروبية – الذين دعموا الإمبريالية الإسرائيلية بكل قوتهم منذ اليوم الأول – مرعوبون من صعود الطبقة العاملة من أجل قضية فلسطين.
ترامب أيضًا يدرك تمامًا تصاعد رد الفعل المناهض للإبادة الجماعية:
“سيتعين عليهم إنهاء تلك الحرب… كانت إسرائيل قبل 15 عامًا أقوى جماعة ضغط شهدها التاريخ، لكنها الآن تضررت، وخصوصًا داخل الكونغرس.”
مضى على توليه السلطة 10 أشهر حتى الآن، ورغم أنه يدعي أنه “صانع سلام”، فإنه لم ينهِ أيًا من النزاعين الرئيسيين في غزة وأوكرانيا، اللذين كان قد تعهد في البداية بحلهما خلال أسابيع. وتزداد أهمية ذلك لأن، وكما هو الحال مع نظرائه الأوروبيين، تؤدي أفعال إسرائيل إلى خلق مشكلات سياسية داخلية لترامب نفسه. حتى حركة (MAGA) تشهد انقسامًا بسبب الإبادة الجماعية.
كان دعم أمريكا لإسرائيل، حتى الآن، ”راسخًا“. ولكن في حين يظهرون جبهة موحدة أمام الكاميرات، فإن سلوك نتنياهو الموتور – المدفوع باليأس السياسي – يتسبب في انقسامات خلف الكواليس. ولم يعد دعم ترامب لنتنياهو يضره سياسيًا فحسب، بل أصبح من الواضح الآن أن هذا الصراع يسرع من تآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو ما يشكل مشكلة جسيمة.
كانت محاولة اغتيال مفاوضي حماس في محادثات السلام التي قادتها الولايات المتحدة في قطر القشة التي قصمت ظهر البعير. إذ بإمكان نتنياهو أن يفلت من العواقب بعد ضربه إيران وسوريا ولبنان واليمن وأسطول الحرية في تونس. لكن قطر حليف للولايات المتحدة ومقر لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، لم يُطلب من ترامب أن يوافق على الهجوم، بل أبلغ به من طرف إسرائيل قبل دقائق معدودة من تنفيذه. ويبدو أن إسرائيل كانت تُعد لنفس العملية في مصر.
قطر بلد غني ولكنه صغير. وهي بحاجة إلى تحالفات دفاعية لحماية مصالحها التي لا تستطيع حمايتها بمفردها. وقد لعبت دورًا مهمًا للأمريكيين كوسيط في المفاوضات واعتقدت أنها يمكن أن تعتمد على الدعم العسكري الأمريكي. ومع ذلك، فقد تعرضت الآن لضربتين نتيجة للحروب التي شنتها إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة – المرة الأولى من إيران انتقامًا لتدخل الولايات المتحدة، والمرة الثانية عندما استُهدف مفاوضو حماس.
بهذا الهجوم، وضعت إسرائيل موثوقية الولايات المتحدة كضامن لأنظمة الخليج موضع شك، وهي المكانة التي احتفظت بها واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية.
فإذا كان التحالف مع أمريكا لا يحميك من هجمات حلفاء أمريكا الآخرين، فما جدوى البقاء في “فريق أمريكا”؟
وهذا بالضبط ما تحسب له السعودية، التي وقعت منذ القصف اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، وهي دولة تعتمد اقتصاديًا على الصين وتُعد من حلفائها المقربين. يأتي ذلك بعد عامين فقط من الاتفاق السعودي-الإيراني عام 2023، الذي تم أيضًا بوساطة صينية، وكان بمثابة صدمة للإمبريالية الأمريكية. وفي الوقت نفسه، تواصل الصين بناء قاعدة عسكرية في الإمارات. ومع تراجع الثقة في الولايات المتحدة وإسرائيل، بدأت مجموعة من الحلفاء التقليديين لواشنطن بالبحث عن مراكز دعم جديدة.
من خلال سعيه المتهور لإشعال الحروب في مختلف أنحاء المنطقة، يضع نتنياهو مصلحة إسرائيل فوق مصلحة الولايات المتحدة. بأكثر دقة، يضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، إذ يحتاج إلى استمرار هذه الحروب والإثارات المتواصلة، من أجل الحفاظ على الصهيونيين -من المتطرفين اليمينيين- في ائتلافه الحاكم.
هذا النهج يدمر خطط ترامب في الشرق الأوسط، إذ كانت “اتفاقات أبراهام” تهدف إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع حلفاء أمريكا في المنطقة، إسرائيل تعمل على إبعاد هؤلاء الحلفاء، وتسرع من تراجع النفوذ الأمريكي.
وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ترامب للتدخل. ففي الأسبوع الماضي، ذكر ترامب نتنياهو مَن هو صاحب القرار الفعلي. ففي اجتماع بالبيت الأبيض يوم الاثنين، أجبره على التوقيع على خطة السلام المكونة من 20 بندًا. كما ألزمه بالاعتذار هاتفيًا لقطر، ووقع لاحقًا أمرًا رئاسيًا يؤكد أن أي هجوم على قطر سيعتبر “تهديدًا للسلام والأمن القومي للولايات المتحدة”.
“سلام أبدي”
يتضح جليًا أن ترامب، خلف الأبواب المغلقة، أجبر نتنياهو على الموافقة على كل ذلك. ينوي ترامب فرض هذا الاتفاق بالقوة، متجاوزًا أي اعتراضات سواء من الجانب الإسرائيلي أو من حماس — أو على الأقل سيحاول ذلك.
فعلى الرغم من أن إسرائيل كانت تملي على الولايات المتحدة مواقفها خلال العامين الماضيين، فإنها ما تزال تعتمد على السلاح والمال الأمريكيين. والآن، بعد أن وضعت أمريكا حدًا لذلك، لم يكن أمام نتنياهو خيار سوى القبول — أو على الأقل إظهار القبول. وقد وُصف المؤتمر الصحفي اللاحق، الذي وقف فيه نتنياهو إلى جانب ترامب وهو يبدو شاحبًا و حانقًا، من أحد المسؤولين الأمريكيين بأنه “فيديو رهينة”.
خطة “السلام الأبدي” المكونة من 20 نقطة صاغها صهر ترامب، جاريد كوشنر — الذي لطالما طمع في “الممتلكات الساحلية” الغزية — و معهد توني بلير، الذي كان أيضًا وراء مخطط “ريفييرا الشرق الأوسط”، الذي كان سيؤدي إلى محو غزة وإعادة بنائها كمنتجع على طراز دبي.
تنص الخطة على أن تنتهي الحرب فورًا بعد إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين. كما تنص على أن تسلم حركة حماس سلاحها وتذهب إلى المنفى، في حين تنسحب إسرائيل جزئيًا من القطاع.
على عكس خطة “الريفييرا”، سيسمح للفلسطينيين بالبقاء في القطاع، لكنهم سيوضعون تحت سلطة ما يسمى بـ “مجلس السلام” — وهو ائتلاف شركات “تكنوقراطي” من رجال الأعمال (يتضمن ممثلين مسلمين لإضفاء “المصداقية”) يرأسه ترامب بنفسه. وكلمسة ختامية، فإن العضو الآخر المعلن الوحيد في هذا المجلس، الذي ستكون له سلطة ديكتاتورية على مصير غزة، هو الرجل المسؤول عن تدخل الإمبريالية البريطانية في العراق: توني بلير.
تحت هذا الانتداب ذي الطابع الاستعماري، ستتولى قوة “الاستقرار الدولي” (ISF) — المكونة من جنود من دول عربية وإسلامية أخرى — مهمة حفظ الأمن في القطاع، بينما يُدار ميدانيًا من طرف مجلس فلسطيني صوري وموالي. وفي مرحلة لاحقة غير محددة المعالم، يُفترض أن يُسلم القطاع إلى “سلطة فلسطينية إصلاحية”.

وكما هو متوقع، تم التفاوض على الخطة دون أي مشاركة فلسطينية. وقد أوضح ترامب أنه إذا رفضت حماس الامتثال، فسوف “سيواجهون الجحيم”، مؤكدًا أنه سيمنح إسرائيل كل الدعم اللازم لـ“إنجاز المهمة”.
في الوقت الحالي، وتحت ضغط هائل من الولايات المتحدة وتابعيها من الطبقة السائدة العربية، تجري مفاوضات بين حماس وإسرائيل.
وافقت حماس على الصفقة بتحفظات، من بينها غياب أي إشارة إلى نزع سلاحها مستقبلًا. ويبدو أنهم توقعوا أن يُفهم ردهم كرفض، وهو ما اعتبره نتنياهو بالفعل. وأثناء حديثه مع ترامب، علق نتنياهو على قبول حماس المشروط قائلًا إنه “ليس أمرًا يدعو للاحتفال”. لكن رد ترامب فاجأه، إذ قال له بحسب ما نقل: “لا أفهم لماذا أنت متشائم دائمًا إلى هذا الحد اللعين. هذه خطوة للانتصار، خذها كما هي.”
متجاهلًا التفاصيل الدقيقة، يمضي ترامب قُدمًا في تنفيذ الخطة، وامتدح رد حماس واصفًا إياه بأنه خطوة نحو “السلام المنشود منذ زمن طويل في الشرق الأوسط”.
على منصة “Truth Social”، نشر ترامب صورًا من المظاهرات الإسرائيلية الحاشدة المطالبة بـ“تحرير الرهائن”، وكرر دعوته لإسرائيل بوقف القصف فورًا، مما زاد الضغط على نتنياهو للامتثال.
ومهما كانت حكمة قبول الصفقة بالنسبة للإمبريالية الإسرائيلية – خاصة أنه لم تعد هناك أهداف عسكرية متبقية للقصف في القطاع – فإن القبول بها سيكون انتحارًا سياسيًا لنتنياهو. فالموافقة على هذا “السلام” يمثل هزيمة سياسية كاملة لحكومته.
لقد تحدث نتنياهو والمقربون منه منذ فترة طويلة عن الاحتلال الدائم لغزة وطرد سكانها ورفض الاعتراف بأي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية.
في المقابل، فإن هذا المخطط سيمنع إعادة احتلال غزة من طرف إسرائيل، وسيدعو جيوشًا عربية إلى إدارة القطاع للمرة الأولى منذ حرب الأيام الستة عام 1967، حين انتقلت السيطرة عليه من مصر إلى إسرائيل. والأسوأ بالنسبة لنتنياهو، أن الخطة تعيد إحياء فكرة الدولة الفلسطينية، وهي الفكرة التي قضى مسيرته السياسية كلها في محاولة القضاء عليها. وبعد عامين مكلفين من الحرب، ستكون هذه النتيجة إهانة قاسية لحلفائه من اليمين المتطرف، ومن شبه المؤكد أنها ستقود حكومته إلى الانهيار.
أما ما يُسمى بـالصهاينة “الليبراليين” في الكنيست، فهم يدركون ذلك أيضًا. لا يهمهم تحقيق “السلام” بقدر ما يقلقهم الضرر الذي تسببه الحرب الطويلة لمصالح الرأسمالية الإسرائيلية، ولذلك فهم يؤيدون خطة ترامب بالكامل. ومع ذلك، فهم يدركون تمامًا أن نتنياهو يطيل أمد الحرب عمدًا لأسباب تتعلق ببقائه السياسي، إذ أن انتهاء الحرب يعني خروجه من السلطة وربما محاكمته في قضايا الفساد.
وهكذا رأينا الليبراليين، على ما يبدو، يعرضون على نتنياهو «مخرجًا آمنًا». فقد ألمح بيني غانتس إلى إمكانية الانضمام إلى حكومة ائتلافية مع نتنياهو، بل إن الرئيس هرتسوغ ذهب إلى حد اقتراح منحه عفوًا. وفي الوقت نفسه، يواجه نتنياهو ضغطًا هائلًا من الرأي العام الإسرائيلي لقبول الاتفاق من أجل تأمين إطلاق سراح الرهائن. قد لا يستطيع احتمال شروط الاتفاق، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع رفضه بشكل صريح بسهولة.
في الواقع، وبينما أظهر نتنياهو وجهًا متجهمًا أمام ترامب، فإنه ما إن حطت طائرته في إسرائيل حتى سارع إلى طمأنة قاعدته بأن الخطة تضمن عدم قيام دولة فلسطينية، وأن قوات جيش الاحتلال ستبقى «عميقًا داخل القطاع». وتشير كل الدلائل إلى أن نتنياهو ينتظر فقط الفرصة الأولى لنسف ما يُسمى بـ«خطة السلام» بكاملها. فخلال مجريات الحرب، أفشل 7 اتفاقات لوقف إطلاق النار، بل إنه حرفيًا فجر آخر جولة من المفاوضات! ومع ذلك، فهو الآن تحت ضغط هائل: من ترامب ومن الأوروبيين ومن الدول العربية ومن الليبراليين والرأي العام في الداخل الاسرائيلي أيضًا.
من المحتمل جدًا أن نتنياهو ينوي تنفيذ المرحلة الأولى فقط من الخطة — أي إطلاق سراح الرهائن — ليقوم بعد ذلك بنسفها تمامًا. فقد تمكن بالفعل من تعديل بنود الخطة العشرين، بحيث جعل الجدول الزمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة أكثر غموضًا وإبهامًا. وقد أثار ذلك اعتراضًا شديدًا من القادة العرب، لكنهم اضطروا في النهاية إلى القبول بالخطة تحت وطأة أوضاعهم الصعبة واليائسة.
أما بالنسبة لحركة حماس، فالموافقة على هذا الاتفاق ستكون بمثابة مقامرة قاتلة. فالمطلوب منها أن تتخلى فورًا عن ورقتها الوحيدة — الرهائن — دون الحصول على أي ضمانات حقيقية بالمقابل. ويبقى السؤال المطروح: ما الذي سيمنع إسرائيل من تصفية قادة الحركة بمجرد توقيع الاتفاق؟
حتى لو خضع المكتب السياسي لحماس في قطر للضغوط ووافق على الصفقة، فليس هناك ما يضمن أن القيادات الميدانية داخل غزة — التي تسيطر فعليًا على الرهائن — ستلتزم بما تم الاتفاق عليه.
من الواضح أن هناك انقسامًا عميقًا داخل حركة حماس. فالقادة المقيمون خارج غزة يمكنهم أن يوافقوا على ما يشاؤون، لكن الجيل الجديد من المقاتلين الشباب داخل القطاع — الذين لا يملكون ما يخسرونه ويملأهم غضب متقد تجاه الاحتلال — أكثر تشددًا وعنادة بكثير. وإذا ما شعر هؤلاء بأن هناك خيانة أو تنازلًا بعد كل التضحيات التي قدموها، فلن يكون هناك ما يمنعهم من الانشقاق ومواصلة الكفاح المسلح بأسلوب حرب العصابات.
وحتى لو وافقت حماس رسميًا على تسليم سلاحها، فليس هناك ما يضمن أنها لن تُخفي مخازن أسلحة سرية، أو أنها ستفصح عن أماكن ورش تصنيع السلاح الخاصة بها. بمعنى آخر، ستبقى هناك فرص وافرة لنتنياهو كي يعيد إشعال الحرب متى أراد.
الإبادة مستمرة
إذا لم يكن أي من الطرفين مستعدًا لقبول الهزيمة، فستستمر الحرب. قد يجد نتنياهو ذريعة يحملها على حماس لنسف المفاوضات، ثم يتحرك لـ«إنهاء المهمة» بدعمٍ من ترامب. لكن فعله هذا سيدفع بإسرائيل وشركاءها نحو حافة الهاوية.
“إنهاء المهمة” يعني التضحية بالرهائن، وهذه المسألة بالذات تمزق إسرائيل داخليًا. كما أنها قد تُسرع من اندلاع غضب ثوري ضد جميع المتواطئين والجهات المساندة لهذه المجزرة.
يرغب ترامب، من أجل مصلحته الخاصة ومصلحة الإمبريالية الأمريكية، في طي صفحة هذه الأزمة سريعًا. إلا أن المفارقة تكمن في أن محاولاته لتحقيق السلام قد عمقت تورط الولايات المتحدة أكثر داخل مستنقع غزة. فجر أمريكا وراء إسرائيل في هذا الجحيم المصنوع بأيدي البشر — سواء بهدف «استكمال المهمة» أو للمشاركة ضمن «قوة استقرار دولية» — لن يؤدي سوى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتسريع إعادة تموضع الحلفاء العرب للولايات المتحدة.
أما إذا نجح الضغط الهائل المفروض على نتنياهو في التوصل إلى نهاية رسمية للحرب، فستظل غزة جرحًا مفتوحًا. فآلاف الشبان الغزيين الذين فقدوا كل شيء سيستمرون في السعي للانتقام من إسرائيل بكل السبل الممكنة. وفي المقابل، ستتواصل عملية ضم الضفة الغربية بلا توقف. أي أن جوهر الصراع سيبقى على حاله دون أي حل حقيقي.
هناك أيضًا تكهنات بأن المفاوضات السرية بين ترامب ونتنياهو، التي جرت خلف الأبواب المغلقة، ربما تضمنت عرضًا من ترامب بعقد صفقة مع نتنياهو، فالأخير بحاجة إلى حرب للبقاء في السلطة، لكنها لا يجب بالضرورة أن تكون حرب غزة، من المحتمل أنه وافق على إنهاء حرب غزة مقابل شن هجوم مشترك أمريكي–إسرائيلي على إيران، وهي حرب من شأنها أن تحشد دعم الصهاينة “الليبراليين”.
ولا حاجة للقول إن مثل هذه الحرب ستكون أكثر زعزعة لاستقرار المنطقة بدرجة هائلة، فالحرب السابقة مع إيران كشفت ضعف الدفاعات الجوية الإسرائيلية وعدم قدرتها على تحمل صراع طويل الأمد، وفي حال تجدد الصراع، فلن يكون بمقدور روسيا والصين ترك حليفهما الإقليمي يخوض الحرب بمفرده.
أما التأثير على أسعار الطاقة العالمية، وعلى الاقتصاد العالمي ككل، فسيكون بالغ الخطورة، خاصة في وقت يقترب فيه العالم مجددًا من حافة ركود اقتصادي.
في هذه الأثناء، تستمر الإبادة، فغزة تئن من المجاعة، وحتى مع استمرار المفاوضات، ما تزال غزة تتعرض للقصف، لقد حاصرت إسرائيل مدينة غزة، ومن خلال إرهاب متواصل وقصف وحصار، اضطر 800 ألف شخص إلى الفرار طلبًا لـ«الأمان». أما الـ250 ألفًا المتبقون — الذين كانوا كبارًا في السن أو مرضى أو جائعين لدرجة لا تسمح لهم بالهرب — فقد وُصفوا بأنهم “إرهابيون”.
وماذا يعني هذا «الأمان»؟ يُحشر ما يقرب من مليوني إنسان في بقعة خراب لا تتجاوز مساحتها 45 كيلومترًا مربعًا، مدينة خيام بلا مستشفيات أو مدارس أو مياه أو كهرباء، هناك يموتون جوعًا، أو يتقاتلون من أجل الحصول على المساعدات في ما يُسمّى «حقول القتل» التابعة لـGHF (مؤسسة غزة الإنسانية)، بينما تواصل إسرائيل تجريف المدن، وتمول وتسلح مجرمين اتباعًا لمبدأ «فرق تسد»، وتستهدف سيارات الإسعاف والأطباء والصحفيين، إنها صنعت فخ دموي.
سواء وُجد «سلام» أم لا، فإن الإمبريالية لا تستطيع تحرير فلسطين، لا نهاية لهذا الكابوس إلا بإسقاط الدولة الصهيونية وكافة داعميها الإمبرياليين.
لقد أشار العمال الإيطاليون إلى الطريق إلى الأمام، فالإضراب العام ومقاطعة عمالية من شأنهما أن يركعا هذه الأنظمة الإجرامية.
جوناثان هنيكلي وبن كوري
8 أكتوبر/تشرين الأول 2025
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:
Two years into the Gaza genocide: will Trump bring “eternal peace”?