الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / فلسطين/إسرائيل / انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي مع تصعيد نتنياهو لحملة الإبادة الجماعية في غزة

انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي مع تصعيد نتنياهو لحملة الإبادة الجماعية في غزة

شهدت إسرائيل هذا الأسبوع اندلاع مظاهرات في مختلف أنحاء البلد بعد أن أعلن نتنياهو خطته لاستيلاء الكامل على غزة واحتلالها، موقعا بذلك فعليا على أحكام الإعدام بحق الرهائن المتبقين.

لقد خرج ما يصل إلى مليون إسرائيلي -أي ما يعادل 10% من السكان- إلى الشوارع، مدعومين بقطاع كبير من أعضاء المؤسسة: رؤساء الموساد، ورأسماليون، ورؤساء وزراء سابقون. ومن المتوقع أن تستمر الاحتجاجات: فقد دعت عائلات الرهائن إلى إضراب آخر يوم الأحد المقبل.

الاحتجاجات في إسرائيل ليست بالأمر الجديد، وقد استمرت طوال الحرب. لكن تصاعدها مع تصاعد الوضع العسكري، وتزايد المعارضة، بل وحتى التهديد بالعصيان، من أعلى هرم الجيش، أمر بالغ الأهمية.

إن سعي نتنياهو لتحقيق “النصر الكامل” بأي ثمن يمزق المجتمع الإسرائيلي. وحدة إسرائيل، وطبقتها السائدة، ودولتها، تتصدع. وبتوغله في الإبادة الجماعية في غزة رغم العواقب الوخيمة، يعد لاندلاع مواجهة حامية الوطيس على الجبهة الداخلية.

نتنياهو: رجل متأهب

حكم نتنياهو إسرائيل معظم السنوات الخمس عشرة الماضية. وقد صمد من خلال تقديم نفسه على أنه “حامي إسرائيل”، وبهجومه الديماغوجي على “النخب الليبرالية”، وبالتلاعب بالأحزاب الصغيرة في النظام السياسي الإسرائيلي المتصدع. ومع تزايد فقدان شعبيته ويأسه -لا سيما منذ عام 2019، حين قدم للمحاكمة بتهمة الفساد- اضطر للاعتماد بشكل متزايد على اليمين المتطرف في المجتمع الإسرائيلي من أجل التمسك بالسلطة وتجنب يوم الحساب.

سنة 2023، وبعد سنوات من الانتخابات المبكرة وائتلاف قصير وهش، يضم الجميع ما عدا نتنياهو، عاد إلى السلطة بالتحالف مع الأحزاب اليهودية المتطرفة بقيادة بيلازيل سموتريتش -الذي يصف نفسه بأنه “فاشي معاد للمثليين“- وبن غفير -الذي اعتاد تعليق صورة القاتل الجماعي باروخ غولدشتاين في غرفة معيشته. وبينما ينحصر اهتمام نتنياهو في إبقاء نفسه في السلطة وبعيدا عن السجن، يسعى هؤلاء المتعصبون إلى الإبادة الجماعية في غزة، والنكبة في الضفة الغربية، وإقامة إسرائيل الكبرى.

دخل هذا الائتلاف على الفور في صراع مع المؤسسة وقطاعات قوية من الطبقة السائدة في إسرائيل. وعندما تحركت الحكومة في مارس 2023 لتعطيل عمل المحكمة العليا -التي كانت تحقق في فساد نتنياهو وتقييد برنامج اليمين المتطرف- انفجرت البلاد في أكبر حركة احتجاج في تاريخها.

لم يكن ذلك مجرد احتجاج شعبي: فقد حظيت المظاهرات بدعم نشط من شريحة قوية من النخبة، مثل رأسماليي قطاع التكنولوجيا، الذين رأوا في الإصلاحات تهديدا لاستقرار إسرائيل وربحيتها وأمنها. كان نطاق تلك الاحتجاجات وطول أمدها كبيرا لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، حذر آنذاك من: “حرب أهلية في إسرائيل“.

قبل هذه الحرب بوقت طويل، كانت هناك انقسامات عميقة في المجتمع الإسرائيلي، وفوق كل ذلك انقسامات داخل الطبقة السائدة نفسها.

الإبادة الجماعية في غزة

توقفت تلك الحركة فجأة بعد أحداث 07 أكتوبر 2023.

ففي أعقابها مباشرة، توحدت الطبقة السائدة حول حرب نتنياهو على غزة. وأثارت وسائل الإعلام في إسرائيل مزاجا مواليا للإبادة الجماعية والمذبحة، بينما اصطفت النخب -سواء المؤيدة أو المعارضة لبيبي- خلفه لتقديم “دعمها الكامل“.

لطالما كانت هذه الوحدة الشوفينية ركيزة أساسية للصهيونية. فمن خلال تعزيز الوهم بأن إسرائيل قلعة يهودية محاصرة محاطة ببرابرة معادين لها، نجحت الطبقة السائدة الإسرائيلية في ربط العمال الإسرائيليين بها، والمحافظة على الاستقرار في الداخل.

مع ذلك فإن الحرب لم تمحِ التصدعات الموجودة في المجتمع الإسرائيلي. فالغضب الذي أعقب 07 أكتوبر لم يكن موجها نحو حماس فحسب. فمن المعروف، على سبيل المثال، أن لنتنياهو تاريخ في دعم حماس بهدف تقسيم الأراضي الفلسطينية وإفشال قيام الدولة الفلسطينية. منذ 07 أكتوبر 2023، توجه الغضب أيضا نحو النظام بسبب الفشل الأمني ​​الذي مثله هجوم حماس، وهو فشل يعود في جزء كبير منه إلى تركيز نتنياهو، وحلفائه من اليمين المتطرف، لانتباه الجيش الإسرائيلي على القيام بالاستفزازات والمذابح وعمليات الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية.

ومع استمرار الحرب دون حل نهائي، تفككت تلك الوحدة أكثر فأكثر، وعادت جميع خطوط الصدع القديمة لتبرز على السطح.

يدرك نتنياهو أن إنهاء الحرب سيكون انتحارا سياسيا بالنسبة له. إذ أن شركاءه في الائتلاف -الذين يعارضون تماما أي تنازلات لفلسطين- سينسحبون وستنهار حكومته، تاركة إياه يواجه حكما بالسجن لبقية حياته. لذلك فقد كانت استراتيجيته في مواجهة الضغوط المتزايدة من أجل السلام هي التصعيد السافر في كل مرحلة، سعيا وراء “النصر الكامل”، مهما كانت العواقب.

في غزة، كان ذلك يعني إبادة جماعية. فعلى مدار 22 شهرا، شن نتنياهو والجيش الإسرائيلي حملة إرهاب وقتل وتجويع عشوائية. وبسبب عجزهم عن القضاء على المقاومة، قادوا الفظائع تلو الفظائع نحو الإبادة الكاملة لغزة والتهجير القسري للفلسطينيين. وارتكبوا جرائم لا توصف.

وغزة ليست سوى جبهة واحدة من جبهات الهيجان الإمبريالي الإسرائيلي. فبينما كانت إسرائيل تدمر غزة، نفذت أيضا اغتيالات جماعية في لبنان، وقصفت المواقع النووية الإيرانية، وتغذي الهمجية الطائفية في سوريا، مما أدى إلى مقتل المزيد من المدنيين. إن هجومها على ست جبهات يقلب التوازن الهش في الشرق الأوسط رأسا على عقب، ويدفع المنطقة نحو الفوضى ويهدد حكم حلفاء إسرائيل العرب.

من الناحية العسكرية، سحق الجيش الإسرائيلي، المسلح من أمريكا، كل العقبات في طريقه. أما سياسيا، فإن استراتيجية نتنياهو للتصعيد اللامتناهي تقوض إسرائيل نفسها.

الأزمة داخل إسرائيل

داخل إسرائيل، المزاج معقد على أقل تقدير. 82% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون طرد سكان غزة. لكن استطلاعات الرأي تُظهر أن 74% من الإسرائيليين يؤيدون اتفاقا لإنهاء ما يرونه حربا لا نهاية لها ولا طائل منها مقابل الرهائن، بينما يريد 76% من الإسرائيليين استقالة نتنياهو.

بعد ما يُعد بالفعل أطول حرب في تاريخ إسرائيل، لم تحقق إسرائيل ما وعد به نتنياهو: النصر. واليوم ما زال 50 رهينة -يُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة- يقبعون في أنفاق غزة، وما زال بإمكان حماس إرسال الصواريخ إلى تل أبيب.

لقد أصبح هذا الفشل قنبلة سياسية موقوتة.

أصبحت محنة الرهائن -الذين يعاملهم نتنياهو على أنهم يمكن التضحية بهم- نقطة تجميع للغضب في المجتمع. ومنذ نوفمبر 2023، نظمت عائلات الرهائن مظاهرات أسبوعية خارج الكنيست. وفي نوفمبر 2024، بعد مقتل ستة رهائن بسبب غزو إسرائيل لرفح، تحولت تلك المظاهرات إلى إضراب عام شارك فيه 500 ألف شخص. تصاعد الغضب مجددا الشهر الماضي بعد ظهور فيديو لأحد الرهائن، جائعا وهزيلا مثله مثل غيره في غزة، وهو يحفر قبره بيده.

يتسبب هذا الغضب في فجوة عميقة داخل الحكومة. لكن الشيء الذي لا يقل أهمية لنظام نتنياهو هو عودة الانقسامات داخل الطبقة السائدة، والتي امتدت الآن إلى قيادات الجيش الإسرائيلي.

لا يوجد بين الصهاينة اليمينيين المتطرفين والصهاينة “الليبراليين”، فرق جوهري، فكلاهما يسعى إلى توسيع النفوذ الإمبريالي الإسرائيلي وضم المزيد من الأراضي. الجناح “الليبرالي” من الطبقة السائدة يختلف فقط في رفضه للمبالغة في التمادي إذا كان ذلك سيعرض مصالحه المادية الأساسية للخطر، والتي أصبحت الآن مهددة من جوانب عديدة.

تعتمد إسرائيل كليا بالطبع على دعم الإمبريالية الغربية ورعايتها. لكن هذه الحرب تُصعب الحياة على حلفائها، الذين ما زالوا، رغم كل شيء، يدعمون إسرائيل حتى يومنا هذا.

إن سيل صور الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي التقطها الصحفيون القلائل الذين لم يُقتلوا بعد في غزة -لأطفال جياع، جميعهم جلد وعظام؛ وحشود من طالبي المساعدة الذين يطلق عليهم مرتزقة الولايات المتحدة النار بالرشاشات؛ ومدن الخيام التي تُقصف وتُحرق مع وجود الناس داخلها- يقلب الرأي العام في جميع أنحاء العالم ضد “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. في الولايات المتحدة، “سمعة إسرائيل في انهيار“، وفقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت.

وعلى الصعيد الدولي تتحول إسرائيل إلى “دولة منبوذة”. وعلى حد تعبير أحد رجال الأعمال الإسرائيليين، فإن الإسرائيليين “يشعرون وكأنهم أصبحوا روسيا بدون العقوبات الرسمية”.

لقد تزايد هذا الشعور في جميع أنحاء العالم لدرجة أن أفضل أصدقاء إسرائيل صاروا مجبرين على محاولة النأي بأنفسهم عن الإبادة الجماعية -على الرغم من أنهم في الممارسة العملية يواصلون التعاون فيها. فقد تعاون ستارمر وماكرون وكارني لممارسة الضغط الدبلوماسي من خلال تهديد إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية. وألمانيا، التي هي ثاني أكبر مصدر للأسلحة لإسرائيل، قلصت شحناتها من الأسلحة بسبب ضغوط هائلة.

لكن ولحسن حظ نتنياهو، ما تزال إسرائيل تحظى بدعم الدولة الوحيدة المهمة: الولايات المتحدة. فترامب يرى أن غزة “تعتمد إلى حد كبير على إسرائيل“. لقد منح لنتنياهو حرية التصرف كما يشاء. لكن ومع انقلاب قسم من حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا” عليه بسبب المجاعة، فقد تصبح غزة قريبا مشكلة لترامب. حتى بين الناخبين الجمهوريين الشباب، ارتفعت المشاعر المعادية لإسرائيل من 35% قبل الحرب إلى 50% الآن.

ولهذا تداعيات كبيرة على الطبقة السائدة الإسرائيلية. فهم يدفعون بالفعل ثمنا باهظا على جرائمهم. يقدر البنك المركزي الإسرائيلي أن الحرب على ست جبهات كلفت إسرائيل 10% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي. ويشهد قطاع التكنولوجيا، الذي يمثل 18% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، نزيفا مستمرا من عمليات سحب الاستثمارات، بما في ذلك أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم. يحتاج الرأسماليون إلى الاستقرار لاتخاذ قرارات استثمارية، لكن الوضع لم يكن في أي وقت مضى أكثر اضطرابا مما هو عليه الآن. وقد غادر البلد حوالي 1700 من أصل 20 ألف مليونير في تل أبيب منذ بداية الحرب.

أزمة في الجيش الإسرائيلي

يتجه قطاع كبير من الطبقة السائدة الإسرائيلية ضد نتنياهو بحدة الآن، إذ يبلغ قلقهم حد الخوف إزاء الوضع الذي تتسبب فيه الحرب. فهم، إلى جانب التكلفة الاقتصادية لاستمرار الحرب، قلقون بشدة من أن التماسك الهش للمجتمع الإسرائيلي نفسه مُعرض للخطر. لقد دمرت 07 أكتوبر، وحقيقة استحالة كسب هذه الحرب، أسطورةَ إسرائيل التي رُسمت بعناية فائقة، عن قوة إسرائيل التي لا تُقهر تحت حماية الجيش الإسرائيلي.

لقد كان الجيش الإسرائيلي، منذ تأسيس إسرائيل، المؤسسة الرئيسية التي تحافظ على تماسك المجتمع الإسرائيلي. فتلك المؤسسة تصور على أنها “جيش الشعب” وبوتقة انصهار مختلف الجماعات الإثنية في إسرائيل في خدمة “الدولة اليهودية”، وأنه المؤسسة الأكثر مصداقية في المجتمع الإسرائيلي، ففي حين انخفضت الثقة بالأحزاب السياسية إلى 14%، فإن 90% من اليهود الإسرائيليين يثقون بالجيش الإسرائيلي.

لكن 684 يوما من الحرب كانت لها آثارها.

الجيش الإسرائيلي مُنهك ومُستنزف. أُبلغ، حتى الآن، عن مقتل 850 جنديا، بينما جُرح 15000. إن معركة مطولة داخل مدينة غزة، التي تُعد أنقاضها مكانا مثاليا لحرب العصابات، ستدفع الجيش الإسرائيلي إلى حافة الهاوية. وبالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي أداة إبادة جماعية، فإن نسبة كبيرة من تلك الجروح نفسية: 12% من جنود الاحتياط المسرحين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وحالات الانتحار في أعلى مستوياتها منذ عقود.

يؤدي هذا إلى أزمة رفض. في بداية الإبادة الجماعية، كان الإسرائيليون يسارعون للتجنيد، حيث تطوع 120% من حصة الجيش الإسرائيلي للخدمة الاحتياطية. لكن ذلك العدد انخفض الآن إلى حوالي 60% من المعدل المطلوب في الاستدعاء. وفي مواجهة أكبر موجة من الرفض منذ غزو إسرائيل للبنان عام 1982، صار قادة الجيش الإسرائيلي يشعرون بالذعر إزاء النقص الحاد في القوات.

وعلاوة على ذلك، فمنذ أبريل من هذا العام، تدفقت الرسائل المفتوحة من الجنود السابقين والحاليين الذين يحتجون على الحرب. فُتحت الأبواب برسالة جماعية وقعها ألف جندي احتياطي من سلاح الجو، عاملين ومتقاعدين. فسارع نتنياهو إلى الهجوم على هؤلاء المتظاهرين “الهامشيين والمتطرفين”. لكن منذ ذلك الحين، نُشرت رسائل وقعها 140 ألف إسرائيلي -بمن فيهم عملاء الموساد، وجنرالات متقاعدون، ومعلمون، وبحارة، وعسكريون قدامى، وموسيقيون- تدعو جميعها إلى إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن.

وعلى حد تعبير إحدى الرسائل الشهيرة، التي وقعها أعضاء من وحدة المراقبة العسكرية النخبوية 8200:

“عندما تتصرف حكومة بدوافع خفية، وتؤذي المدنيين وتؤدي إلى قتل الأبرياء، فإن الأوامر التي تصدرها تصير غير قانونية بشكل واضح، ويجب ألا نطيعها”.

هذه دعوة إلى التمرد.

من المفترض ألا تكون الجيوش مسيسة. بل يُفترض أن تكون أسلحة “محايدة” ومطيعة ضد أعداء الدولة. لكن بتسليط السياسة على الجيش، ودفع الجنود للتفكير واختيار موقع -بموافقة قدامى المحاربين البارزين- تُضعف الأزمة تماسك الجيش الإسرائيلي بشكل خطير، في الوقت الذي يخوض فيه حربا على ست جبهات.

انقسامات في الجيش

بلغت هذه الأزمة المتشعبة ذروتها بسبب خطة الاحتلال الدائم لغزة.

تتمثل خطة نتنياهو الأخيرة لكسر الجمود و”إكمال المهمة” في غزو غزة واحتلالها بشكل نهائي، بدءا بغزو مدينة غزة. ولتحقيق ذلك، يسعى نتنياهو إلى استدعاء 60 ألف مجند إضافي.

سيكون هذا بمثابة فخ مميت، ليس فقط لمليون فلسطيني جائع محاصر هناك، بل للعديد من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يُفترض بهم الاستيلاء شارعا تلو الآخر على تلك المدينة المدمرة والاحتفاظ بها في مواجهة مقاومة غير مرئية. والأهم من ذلك بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، أن هذا يعني بالتأكيد التضحية بالرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة.

لم يغب هذا عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الذي قال لنتنياهو: “ستصنع فخا في غزة… [سيُعرض] حياة الرهائن للخطر بشكل كبير ويسبب تآكلا في صفوف الجيش”.

زامير ليس صديقا للفلسطينيين بالتأكيد. وهو يحظى بدعم الأغلبية الساحقة من أعضاء هيئة الأركان العامة، الراغبين في السلام في غضون أسابيع.

لكن نتنياهو، بدعم من شركائه في الائتلاف، يمضي قدما على أي حال. وفي هذه الأثناء، تُخلى مدينة غزة وتُقصف قصفا شاملا.

بسبب معارضته، وُضع زامير على قائمة المرشحين للإقالة. ولن يكون الأول. فقبل الحرب وأثناءها، كان نتنياهو في حالة حرب داخل الدولة ضد خصومه. أُقيل وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الجيش الإسرائيلي السابق هرتزل هاليفي. وكان رونين بار أول رئيس لجهاز الأمن العام (الشاباك) يُقال بعد رفضه مراقبة المتظاهرين المناهضين للحكومة. وفي الأسبوع الماضي فقط، حاول نتنياهو إقالة المدعية العامة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا. أُلغي هذا القرار، ولكن مع ذلك  فقد تم تغيير أقفال مكتبها. وفي الوقت الحالي، انحنى زامير واتبع الأوامر.

أثارت خطط نتنياهو يوم الأحد الماضي أكبر احتجاجات تعرفها إسرائيل منذ مارس 2023. وكما كان الحال في شتنبر 2024، فقد نظمتها عائلات الرهائن. ومرة ​​أخرى وقفت وراءها الشركات الإسرائيلية -التي سمحت لموظفيها بالإضراب، مما مكن من نجاح “الإغلاق”- والجامعات، ونقابة المحامين. ودعمهم جزء كبير من المؤسسة العسكرية والسياسية.

وقد كان هذا الدعم هذه المرة أكثر وضوحا من أي وقت مضى. على سبيل المثال، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في افتتاحية بعنوان: “إسرائيل تتحول إلى دولة منبوذة. نحن بحاجة إلى عصيان مدني شامل وسلمي حتى يُطاح بنتنياهو”.

كتب في ذلك المقال:

“الحل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ إسرائيل هو العصيان المدني الشامل والسلمي، والذي يتمثل عنصره الرئيسي في إغلاق كامل للبلاد حتى يتم استبدال الحكومة أو استقالة رئيسها. فقط عندما ستُشل البلاد بأكملها بسبب الإضرابات الجماعية، سيتم إلغاء هذه الاحتجاجات مع خضوع الحكومة لإرادة الشعب، مما يفسح المجال لحكومة أفضل”.

وفي مقال آخر لنائب رئيس الموساد السابق، بعنوان “نقترب من عصيان أمر عسكري”، جاء:

“إن عصيان أمر عسكري خطوة خطيرة تُقوض أسس عمل الجيش الإسرائيلي. لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجرّنا إلى وضعٍ تكون فيه طاعة الأوامر أكثر خطورة وضررا، وسيُدمر الأساس الأيديولوجي الذي بُني عليه الجيش.

“يا رئيس الأركان وجنرالات الأركان، عليكم رفض الاستمرار في حرب عبثية لم يتحقق هدفها المبهم، وهو “الضغط على حماس”، ويبدو أن هدفها الحقيقي هو الحرب من أجل الحرب”.

وقد سبق لأفراد من المؤسسة العسكرية أن شاركوا في الاحتجاجات الجماهيرية عام 2023. لكن الحرب ساهمت في إخفاء تلك التصدعات إلى حد ما. اللافت للنظر ليس فقط مشاركة كبار العسكريين مجددا في الاحتجاجات الجماهيرية الحالية، بل أن هذا يحدث في خضم الحرب، في لحظة تصعيد حاسم فيها، وأن الدعوات تأتي من أعلى مستويات تلك المؤسسة لرفض تنفيذ الأوامر! هذا أمر غير مسبوق.

وصفت زوجة نتنياهو وابنه صراحة هذه المعارضة المتصاعدة من أعلى مستويات المجتمع، وحتى الجيش، بأنها مؤامرة انقلاب.

لم تنجح حركة الاحتجاج يوم الأحد في إيقاف نتنياهو، إذ اكتفى بالتنديد بها باعتبارها “مكافأة لحماس”.

لكن على الرغم من الاحتجاجات، ورغم الضغوط للتوصل إلى وقف إطلاق النار، فإنه يُصر على المضي قدما في مسار التصعيد المستمر دون نهاية. من الناحية العسكرية، يمكن أن يستمر ذلك نظريا إلى أجل غير مسمى، كما حدث في العراق وأفغانستان وفيتنام. لكن من الناحية الاجتماعية فقد بدأ نسيج المجتمع الإسرائيلي يظهر بالفعل علامات التمزق، والطبقة السائدة مُنقسمة حتى أعلى هرم الدولة.

والتصعيد الجديد الهائل سيسرع هذه السيرورة بشكل كبير، وفي حال وفاة الرهائن في عهد نتنياهو، قد يؤدي ذلك بالوضع إلى الانفجار.

جوناثان هينكلي

21 أغسطس/آب 2025

ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:

Israel divides as Netanyahu wades deeper into Gaza genocide