يوم الجمعة الماضي [13 نونبر] كانت باريس مسرحا لمذبحة جماعية سقط خلالها ما لا يقل عن 129 شخصا، معظمهم من الشباب الذين كانوا يروحون عن أنفسهم في المقاهي وفي حفل لموسيقى الروك، فقتلوا بدم بارد. كان القتلة، يفرغون ذخيرتهم ويعيدون تعبئتها بهدوء وهم يهتفون الله أكبر، ويقتلون المزيد من الناس العزل حتى وهم ملقون بلا حراك على الأرض.
تمثل هذه الفظائع تطورا جديدا وبشعا في التوسع المطرد للهجمات التي تبناها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أو نسبت إليه. قالت داعش، عند تبنيها لمسؤوليتها عن الهجمات، إن عمليات القتل هذه جاءت ردا على الضربات الجوية ضد قواتها في سوريا، وهددت بشن مزيد من الهجمات ضد فرنسا. تشبه هذه الهجمات في شراستها واتساع نطاقها وعشوائيتها تلك المشاهد التي تعودنا أن نراها في بيروت أو بغداد، لكن ليس في باريس أو لندن، والآن مع هذه الهجمات ها هو الشرق الأوسط قد جاء أخيرا إلى أوروبا.
هذه ليست هجمات مرتجلة لذئب وحيد منعزل. في يونيو الماضي تبنت داعش هجوما مسلحا في منتجع شاطئي تونسي في سوسة قتل خلاله 38 سائحا، 30 منهم بريطانيون. في أكتوبر الماضي اتهمت تركيا داعش بالوقوف وراء هجوم انتحاري أسفر عن مقتل 102 شخصا في أنقرة، على الرغم من أن المشتبه به الرئيسي في ذلك الهجوم هو الدولة التركية نفسها. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر ادعى فرع سيناء التابع لداعش أنه من يقف وراء إسقاط طائرة روسية ومقتل جميع الركاب 224 الذين كانوا على متنها. في 12 نوفمبر تبنت داعش الهجوم على معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت والذي أسفر عن مقتل 44 شخصا. والآن في باريس بهجوم أسفر عن مقتل 129 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 300 بجروح خطيرة.
على الرغم من أن تنفيذ هذه الهجمات لم يكن بالضرورة صعبا، فإنها تحتاج إلى التخطيط والإعداد والتدريب والحصول على أسلحة ومتفجرات واستطلاع الهدف وتجنيد دقيق لمن يسمون بـ “الشهداء”، أي هؤلاء الشباب المتعصبين المستعدين للقيام بها، مع العلم أنهم قد يقتلون أثناء قيامهم بذلك. وهذا ليس شيئا جديدا، فقد كانت هذه هي طريقة العمل العادية لاشتغال تنظيم القاعدة خلال بدايات العقد الماضي. الهدف هو الحصول على أقصى قدر من الدعاية والتسبب في أكبر عدد ممكن من الضحايا بأقل ما يمكن من القوى، كما كان الحال مع تفجيرات مدريد الشهيرة، والتي أودت بحياة عدد من الأشخاص أكبر من الجريمة التي ضربت باريس مؤخرا.
توصل خبراء مكافحة الإرهاب الغربيين إلى خلاصة أنه إذا كان هناك احتمال لحدوث مثل هذه الهجمات واسعة النطاق، فإن الخطر من المرجح أن يأتي على يد “ذئاب وحيدة”، أي أناس مثل قتلة الجندي البريطاني لي ريجبي في ولويتش بالقرب من لندن في 2013، لكن في ضوء ما حدث في باريس وغيرها، قد يضطرون إلى إعادة النظر في هذا الاعتقاد.
الانطباع الذي يسود الآن هو أن هناك عدو قوي وواثق من نفسه يكمن في الزوايا المظلمة للمجتمع وينتظر الفرصة للانقضاض. وقد تعزز هذا الانطباع بإعلان الرئيس الفرنسي أن الهجمات “إعلان حرب”. يريد الجهاديون إثارة أكبر قدر من الضوضاء (لقد صاروا ماهرين في مجال فنون الدعاية المظلمة عبر وسائل الإعلام الاجتماعية). لكن موجة الهجمات الإرهابية هذه في الواقع ليست مظهرا من مظاهر القوة بل من مظاهر الضعف. إن داعش لا تتقدم بل تتراجع تحت وابل الضربات التي تتلقاها، وهذه الهجمات الإرهابية ليست إعلانا للحرب بل إعلانا عن اليأس.
مشكلة اللاجئين
سيكون لهذه التفجيرات وعمليات إطلاق النار عواقب سياسية بعيدة المدى. وكما كان متوقعا أعرب قادة العالم عن غضبهم. قال باراك أوباما إن أمريكا تقف «جنبا إلى جنب مع فرنسا». ووصف الفاتيكان الهجوم بأنه «عنف إرهابي مجنون». نعم قد يكون مجنونا، لكنه وكما قال شكسبير: «قد يكون مجنونا، لكنه يتضمن منطقا داخله».
لقد أثارت هجمات باريس موجة من الذعر التي تسعى إلى إيجاد كبش فداء عن تلك الفظائع. وقد وجدته في اللاجئين. منذ اندلاع الحرب الأهلية الدامية في سوريا، قبل أربع سنوات، قتل أكثر من 250.000 شخص وشرد الملايين نتيجة للقتال. وفي جو القلق والذعر الحالي من السهل أن تشير أصابع الاتهام إلى هؤلاء الآلاف من الأشخاص المنهكين والجائعين، الذين تحدوا الموت غرقا والعديد من المخاطر الأخرى للهروب من مصير أسوأ في بلادهم التي دمرتها الحرب.
هناك مزاعم بأنه تم العثور على جواز سفر سوري، مسجل في اليونان، عند واحد من المهاجمين. قالت السلطات اليونانية إن واحدا من المهاجمين، على الأقل، قد مر عبر جزيرة ليروس مع مجموعة من 69 لاجئا. يبدو أن الرجل قد سجل في اليونان وأخذت بصماته هناك. وقالت وزارة الداخلية الصربية إن صاحب جواز السفر السوري عبر إلى صربيا في 7 أكتوبر وطلب اللجوء.
أزمة اللاجئين، التي اختبرت بالفعل عزم أوروبا إلى أبعد الحدود، اتخذت الآن بعدا جديدا. ويمكننا بالفعل أن نرى ذلك في بولندا، حيث انتقد وزير بولندي الموقف الألماني الداعي إلى الترحيب باللاجئين عندما قال: «علينا أن نكون على علم بأننا كنا مخطئين وساذجين جدا ومثاليين». وقال الوزير الجديد للشؤون الأوروبية، كونراد زيمانسكي، «سنقبل اللاجئين فقط إذا كانت لدينا ضمانات أمنية». لكن من غير الواضح كيف يمكن تقديم هذه “الضمانات”.
حذر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، يوم الأحد الماضي، من الاستسلام لما أسماه “ردود الفعل” بخصوص أزمة اللاجئين. لكن رئيس وكالة المخابرات الداخلية الألمانية (BFV)، هانز جورج ماسين، حذر من «أننا نلاحظ أن الإسلاميين يتقربون تحديدا من اللاجئين في مراكز الاستقبال. ولدينا معلومات بالفعل عما يزيد عن 100 حالة».
بطبيعة الحال لا يمكن استبعاد أن تكون داعش قد استغلت هذا الطوفان من اللاجئين لتمرر الإرهابيين إلى صفوفهم. لا تمثل 1600 كلمتر من الحدود بين تركيا وسوريا سوى عقبة صغيرة أمام آلاف الجهاديين القادمين من أوروبا للانخراط في صفوف داعش، ولا يمكنها أن تشكل أية صعوبة أمام الإرهابيين الذين يسيرون في الاتجاه المعاكس.
لكن هذا التفسير خاطئ بقدر ما هو سطحي، وذلك لسبب واحد وهو أن الحدود السورية، وعلى الرغم من أنه ما يزال يسهل اختراقها في بعض الأماكن، توجد تحت رقابة الميليشيات الكردية (YPG) التي تعارض داعش بشدة. وبالتالي فإن “النافذة” التي يمكن من خلالها عبور الجهاديين صارت تغلق بسرعة. والعراق ليس معبرا واقعيا، كما أن الحدود الأردنية مغلقة وفي لبنان هناك مخاطر كبيرة للسقوط في يد قوات الأمن.
بيت القصيد من هذا هو على وجه التحديد أن مجندي داعش على الانترنت اضطروا إلى تغيير تكتيكاتهم، فبدلا من تشجيع الناس على محاولة القيام برحلة محفوفة بالمخاطر إلى سوريا، ينصحون أتباعهم بالبقاء في بلدانهم وتنفيذ الهجمات هناك. سيزيد هذا، على المدى القصير على الأقل، من احتمال وقوع هجمات إرهابية في أوروبا مثل تلك التي شهدتها باريس يوم الجمعة الماضي.
ما هو ثمن شنغن؟
لقد أدى تدفق اللاجئين من سوريا وأفغانستان وأجزاء أخرى من العالم، التي مزقتها الحرب والتي تعاني من الفقر، إلى ارتفاع مطالب تنادي بتشديد مراقبة الحدود. وبعد هجمات باريس أصبحت هذه الجوقة أعلى صوتا وأكثر تشددا. فإذا كان الجهاديون يحضرون لشن عمليات كبيرة داخل أوروبا، فإن تشديد الرقابة على الحدود تصبح مسألة أكثر إلحاحا بكثير.
تضمن اتفاقية شنغن حرية تنقل الأشخاص، كان هذا واحدا من أهم دعائم الاتحاد الأوروبي. لكن هذا المبدأ الأساسي و”جوهرة التاج الأوروبي”، صار الآن في خطر. وحتى قبل الأحداث المروعة ليوم الجمعة الماضي، كان الرئيس البولندي للمجلس الأوروبي، دونالد توسك، قد قال: «يجب ألا يكون هناك أي شك في أن مستقبل شنغن على المحك والوقت آخذ في النفاد… يجب علينا استعادة السيطرة على حدودنا».
هناك حديث عن وجود صلة لبلجيكيين بأحداث باريس. تم القبض على عدد من الرجال قرب بروكسل. وقد تحدثت صحيفة لوموند عن غارة للشرطة في مولينبيك بضاحية بروكسل. تقول الصحيفة إن الأمر يتعلق بالفريق الثاني الذي فر من العاصمة الفرنسية مساء الجمعة في سيارة. ووفقا لشهود عيان كانت إحدى السيارات التي استخدمها الإرهابيون تحمل لوحة أرقام بلجيكية. وقد طبقت فرنسا الآن مراقبة مؤقتة على الحدود، لكن هذا الإجراء قد يتحول فلا يعود مؤقتا.
وعلقت عدد من البلدان الأخرى، بما في ذلك ألمانيا، اتفاق شنغن. وكلما عادت الدول لمراقبة الحدود أو بناء الجدران كلما تقوض مبدأ أوروبا المفتوحة. لن يبق هناك شيء من ذلك الافتخار بالحركة السريعة نحو التكامل الأوروبي.
ستعمل هجمات باريس على مفاقمة الشعور بأزمة كانت موجودة بالفعل في أوروبا، والشعور بأن الحدود ليست آمنة، في وقت تستعر فيه الحروب في المحيط الخارجي لأوروبا. أنجيلا ميركل وبعد أن هللت بصوت عال لاستعدادها لاستقبال طالبي اللجوء، ها هي تتوسل الآن الأتراك ليستقبلوا اللاجئين ويتخذوا ما يلزم من خطوات للحد من هجرة أولئك الذين يسعون للبحث عن حياة جديدة في أوروبا.
سقط قناع الابتسامة والاهتمام الإنساني ليكشف عن الوجه القبيح للنفاق الإمبريالي الذي يكمن وراء كل تلك التصريحات الزائفة. فبما أن تركيا بلد رئيسي من وجهة نظر حسابات الغرب – خاصة بعد الهجمات الأخيرة – فإن أوربا مستعدة لعقد صفقة مع الرئيس أردوغان، متناسين ميوله الاستبدادية وقمعه الوحشي للأكراد، وقبل كل شيء تحالفه الموضوعي مع داعش.
“الحرب على الإرهاب”
قال فرانسوا هولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، إن هجمات يوم الجمعة تشكل «عملا من أعمال الحرب… تم التحضير لها والتخطيط لها في مكان آخر، بتدخل خارجي سيسعى هذا التحقيق لاستكشافه». وأضاف أن فرنسا ستكون «قاسية في ردها». وفي وقت لاحق هاجمت طائرات حربية فرنسية عددا من الأهداف داخل الرقة، عاصمة ما يسمى بدولة الخلافة، وفي محيطها. لكن هذه القصف الجوي لديه أهمية دعائية أكثر من كونها أهمية عسكرية حقيقية. بعد أكثر من عام مما كان من المفترض أن تكون حملة قصف مكثفة لإضعاف وتدمير القوة العسكرية لداعش، اضطرت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة للاعتراف بأنها قد فشلت.
يرغب رئيس الوزراء البريطاني كاميرون في الانضمام إلى السيد هولاند في قصفه لسوريا، لكنه لا يجرؤ على مطالبة البرلمان بالتصويت على هذا حتى يتأكد أن هناك ما يكفي من الدعم له. «داعش لا تعترف بوجود الحدود بين العراق وسوريا، نحن أيضا علينا أن نقوم بذلك. لكني في حاجة لبناء الحجة، وأنا بحاجة إلى تقديمها للبرلمان، وبحاجة لإقناع المزيد من الناس». لكن هذه لن تكون مهمة سهلة. إن الرأي العام البريطاني، مثله مثل الشعب الأمريكي، تعب من المغامرات العسكرية التي لن تجلب له غير كوارث جديدة وأكبر.
أمام تفاقم أزمة اللاجئين، والآن مع خطر حملة إرهابية غير مسبوقة في أوروبا، بدأ القادة الغربيون يشددون على الحاجة إلى “حل سياسي” للأزمة السورية. ومن أجل الحصول على ذلك، اضطروا للتخلي عن كرامتهم والتماس المساعدة من رجل طالما وصفوه بكونه خارج الحضارة الإنسانية، أي فلاديمير بوتين.
لقد لعب التدخل العسكري الروسي في سوريا بلا شك دورا رئيسيا في كل هذا، إذ غير كل شيء بين عشية وضحاها. لقد أجبر القادة الأمريكيين (الذين كانوا وما يزالون منقسمين حول هذه القضية) على تغيير تكتيكهم واتخاذ إجراءات حاسمة ضد داعش. لقد أدى هذا إلى تغيير الوضع العسكري وضرب الاستقرار الهش ودفع داعش إلى اتخاذ موقف دفاعي. خلال العام الماضي وجزء كبير من هذا العام كان تركيز داعش منصبا على الاستيلاء على أراضي جديدة في منطقة الشرق الأوسط والاحتفاظ بها. وبالنسبة لقادتها في الرقة والموصل ما زالت هذه هي الأولوية. إذن ما هو السبب وراء تنظيم الهجمات الجهادية العنيفة في أوروبا وأماكن أخرى؟
داعش تترنح تحت الهجوم اليومي من الضربات الجوية وتفقد قادتها الواحد منهم تلو الآخر. إنها تبحث بشكل متزايد عن توجيه الهجمات على أهداف سهلة بعيدة في محاولة لإظهار أنها ما زالت قوة لا يستهان بها. في الواقع ليست هجمات باريس دليلا على القوة بل إنها أقرب إلى ردود فعل يائسة ناتجة عن الضعف. عانت داعش سلسلة من الانتكاسات في الأسابيع الأخيرة. وبفضل الدعم الروسي حققت قوات الأسد مكاسب هامة، لكن مع تكبد خسائر فادحة.
وقد دفع هذا الأمريكيين إلى التحرك بشكل متأخر. ومؤخرا حققت المجموعات المدعومة من الولايات المتحدة تقدما كبيرا في الشمال والشمال الشرقي لسورية. كما أعلنت واشنطن أن القوات الأمريكية متواجدة على الأرض. ومما له دلالة أن الإعلان لم يصدر عن أوباما نفسه، لأنهم نظريا لم يحصلوا على إذن بذلك.
والآن يلتقي قادة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بوتين في محادثات مباشرة أثناء قمة G20 في تركيا. يأتي هذا بعد 18 شهرا على الأقل من توجيه الاتهامات للزعيم الروسي بارتكاب كل جريمة يمكن تصورها أو لا يمكن تصورها. لكن وبالنظر إلى التقاليد الدبلوماسية، سوف يعمل هؤلاء الممارسون المحنكون في فن الكلبية على كيل المديح لرجل الكرملين واستقباله بالمصافحات الحارة والابتسامات. اعترف رئيس الوزراء البريطاني أن الاتفاق مع روسيا حول مستقبل سوريا سيكون “صعبا” وأن هناك بعض “الخلافات العميقة”، لكنه أضاف أن بوتين اعترف بالتهديد الذي تمثله داعش على بلده. لذلك فكل شيء على ما يرام.
أوباما وكيري يضغطان الآن من أجل التوصل إلى اتفاق مع الروس والإيرانيين. وقد ظهر أوباما على شاشات التلفزيون وهو منخرط في محادثة خاصة مكثفة مع الرئيس الروسي. وهذا بالطبع سوف لن يرضي الأتراك والسعوديين الذين يلعبون لعبتهم القذرة الخاصة في سوريا والمصممين على الحصول على قطعة من الكعكة في أي مفاوضات “سلام”.
سيكون الزعماء الغربيون مجبرين على ابتلاع الكثير من الأمور غير المستساغة إذا كانوا يريدون أن يأتي الرئيس الروسي لمساعدتهم على الخروج من الحفرة التي حفروها لأنفسهم. بالنسبة لروسيا يأتي الحفاظ على حكومة بشار الأسد على رأس جدول الأعمال. وإذا لم يعجب الأتراك والسعوديين ذلك عليهم أن يشربوا البحر. فروسيا هي من يقرر الآن وليسو هم.
تداعيات رجعية
في الوقت الحاضر فرنسا في حالة صدمة جماعية. وكما هو معتاد في مثل هذه الأوقات توقفت الحياة السياسية الطبيعية مؤقتا. هناك تدفق طبيعي للحزن والغضب الشعبي، لكن الانتخابات ستجري في وقت قريب جدا حيث من المتوقع أن تحقق الجبهة الوطنية اليمينية، بقيادة مارين لوبين، عدة مكاسب. بعد ساعات قليلة على هجمات باريس دعت لوبين إلى “إبادة” المتطرفين الإسلاميين. وقالت للصحفيين، في باريس يوم السبت الماضي، إنه يجب على البلاد أن تعمل على القضاء على الأصولية الإسلامية وإغلاق المساجد وطرد “الأجانب” الخطيرين و “المهاجرين غير الشرعيين”.
يمكن لهذا الخطاب المسموم أن يجد له صدى في سياق الحذر والخوف الناجم عن الهجمات. وكما هو الحال دائما يخدم الإرهاب مصلحة الرجعية. بل إن الإرهابيين في الواقع، كانوا، في هذه الحالة، يرغبون بالضبط في هذه النتيجة. إنهم يرغبون في دفع المجتمع الفرنسي إلى أحضان الرجعية من أجل خلق دوامة جهنمية من الفعل ورد الفعل، التي يأملون أن تمكنهم من كسب العديد من المجندين الجدد الذين هم على استعداد لتفجير أنفسهم لأجل القضية.
يؤدي الإرهاب دائما إلى تعزيز النزعات الرجعية في المجتمع، وأيضا إلى تقوية الدولة. سوف يؤدي حمام الدم في باريس إلى زيادة فورية في قوة سلطات الدولة – ليس في فرنسا وحدها. جهاز الشرطة في بريطانيا سارع إلى الضغط للحصول على المزيد من الأموال من الدولة. وقال مفوض شرطة العاصمة السابق، السير ايان بلير، إنه “قلق للغاية” بشأن خفض تمويل الشرطة، مضيفا أنه يجب أن تكون ميزانية شرطة العاصمة محمية للحفاظ على مخابرات مكافحة الإرهاب.
كما سارع ديفيد كاميرون إلى الإعلان عن زيادة كبيرة في الأموال المقدمة لأجهزة الاستخبارات، التي سيتم زيادة أعدادها بنحو 2000 عضو. وفي الوقت الذي يجري تقليص اعتمادات الخدمات العامة الحيوية إلى أقصى الحدود، يمثل هذا زيادة بنسبة 15٪ في التوظيف في وكالات الاستخبارات.
جاءت فظائع باريس هذه في وقت احتد فيه الصراع الطبقي في فرنسا. مؤخرا تعرض مدير شركة الخطوط الجوية الفرنسية للهجوم من طرف العمال الذين قيل إنهم مزقوا سترته أثناء محاولته الهرب. وقد نشرت قناة BBC مقالا تحت عنوان معبر: مواجهة فرنسا مع النقابات تكشف أصداء الثورة.
هناك فيديو من برنامج تلفزيوني على قناة كنال بلوس حيث يوضح فيه كزافييه ماتيو، وهو أحد النقابيين السابقين، عن الكنفدرالية العامة للشغل (CGT)، في شركة Continental التي كانت قد أغلقت منذ بضع سنوات، لماذا صارت الطبقة العاملة غاضبة، وأشار إلى أنه كان مسالما في الماضي، لكنه صار الآن يؤمن بالعنف، لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يفهمه أرباب العمل. وفي نفس الفيديو هناك خطاب غاضب جدا لمضيفة في الخطوط الجوية الفرنسية.
يمكن للأحداث الرهيبة، التي وقعت يوم الجمعة الماضي، أن تؤدي مؤقتا إلى تحويل انتباه العمال الفرنسيين عن الصراع الطبقي وإبطاء هذه السيرورة. لكن هذا لا يمكن أن يستمر طويلا. في الواقع إن أفضل عامل لتجنيد المجانين الجهاديين هي أولا تلك الظروف المروعة التي يواجهها ملايين الشباب العاطلين عن العمل والمحرومين الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة وفي الغيتوهات المهمشة في ضواحي باريس وغيرها من المدن الكبيرة، وثانيا السياسة الخارجية لدول مثل فرنسا وبريطانيا اللتان تشاركان في المغامرات العسكرية الامبريالية، التي تنعكس في نهاية المطاف على شكل أعمال إرهابية في الداخل.
قبل الحرب العالمية الثانية، توقع ليون تروتسكي أن الحرب ستنتهي بانتصار الإمبريالية الأمريكية، لكنه أضاف أن الولايات المتحدة سيكون لها ديناميت في أساساتها. وقد تأكد هذا التنبؤ بشكل مأساوي مع تدمير برجي مركز التجارة العالمي في 11 شتنبر. والآن قد ضربت المأساة في فرنسا. ويمكن تكرار نفس المأساة في أي وقت في شوارع أي واحدة من عواصم أوروبا. هناك ديناميت في أسس مجتمعنا وهو ما لا يمكن إزالته إلا بإحداث التغيير الجذري.
آلان وودز
الاثنين: 16 نوفمبر 2015
عنوان النص بالإنجليزية: