الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: الحراك يصل نقطة حرجة وانتصاره رهين ببناء أجهزة السلطة الشعبية والبرنامج والقيادة الثورية

المغرب: الحراك يصل نقطة حرجة وانتصاره رهين ببناء أجهزة السلطة الشعبية والبرنامج والقيادة الثورية

يدخل الحراك في الآونة الأخيرة منعطفا جديدا. فبعد أزيد من سبعة أشهر طويلة من النضالات البطولية رغم القمع والحصار، ها هو يصل إلى نقطة حرجة من تطوره أبرز عنوان لها غياب البرنامج والقيادة والتنظيم.

  صحيح أن هذه النواقص قد صاحبت الحراك منذ بدايته، لكن وجود قادة نزهاء وشجعان وذوي حس كفاحي سليم غطى في البداية مؤقتا وإلى حد ما عليها. فبرغم كل شيء لقد كانوا قادة ميدانيين واضحين في عدائهم للنظام الدكتاتوري، غير مستعدين لتقديم أي تنازل عن المطالب ولديهم حذر صحي وسليم من “أصدقاء” الحراك المزيفين، وخاصة الأحزاب البرجوازية أو “الدكاكين”، على حد تعبيرهم.[1]

حاولت الدولة جاهدة وطيلة شهور كسر شوكة هؤلاء القادة بالقمع والمضايقات، كما حاولت شراء ذممهم، لكنهم عبروا عن صمود بطولي ونزاهة ثورية مثيرة للإعجاب. ومقابل ميزتهم هذه أولتهم الجماهير الشعبية حبها وثقتها وزادت من التفافها حولهم. وبفضل ذلك تمكن الحراك من الاستمرار والتوسع والتعمق رغم نواقصه الذاتية ورغم القمع والحصار.

لقد فهم النظام هذا، لذلك انتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم بحملة اعتقالات واسعة وسريعة ووحشية (حيث استعمل فيها المداهمات الليلية والاختطاف والتعذيب، الخ)، وقد وصل عدد المعتقلين حتى الآن أزيد من 140 معتقلا.

كنا قد توقعنا هذا في مقال كتبناه في فبراير 2017، أي عندما كان الحراك ما يزال في أوج قوته، حيث نبهنا رفاقنا، الشباب الثوري وعموم الجماهير

«أن خطة النظام مفضوحة: هدفه الاستراتيجي هو إقبار الحراك، لكنه يفهم أنه لكي يصل إلى ذلك الهدف عليه أن ينهج العديد من التكتيكات المرحلية:
[…] – عزل الحراك عن حاضنته الشعبية في الحسيمة والمناطق المجاورة.
– رسم خطوط حمراء للحراك نفسه فكلما كسب جولة كلما عمل على تحصين ما حققه والانتقال إلى الخطوة الأخرى.
– التحضير لحملة قمع أخرى ضد المحتجين وخاصة قادة الحراك».

وقلنا إنه «[…] بمجرد ما ستسنح له أول فرصة سوف يشن هجمته على قادة الحراك وينتقم منهم ومن خلالهم من الجماهير التي “تجرأت” ورفعت رأسها وتحدت جبروته».

وأشرنا إلى أنه: «لن يستعمل القمع البوليسي فقط، بل سيستعمل كذلك عصابات البلطجية وجمعيات المرتزقة، وسيجند شبيبات أحزابه الرسمية لتخريب الحراك. ستتحرك الأصالة والمعاصرة وستتحرك العدالة والتنمية، وسيتحرك بقية كلاب السلطة، سواء بمغازلة الحراك أو بالهجوم عليه، وهدفهم جميعا هو تخريبه من الداخل والقضاء عليه».

وقلنا إنه: «علينا الحذر، علينا ألا نثق إلا في قواتنا الخاصة، علينا ألا نثق إلا في الشباب والمناضلين الذين أثبتوا في الميدان استحقاقهم والقادة الذين ننتخبهم بشكل ديمقراطي».

ونبهنا إلى أن النظام «سيبذل كل جهد ممكن لعزل الحراك بمنطقة الحسيمة والنواحي عن بقية المغرب، من خلال تصويره وكأنه حراك لبعض “الانفصاليين” “العنصريين” الذين لا يهمهم سوى تقسيم البلد. ولينجح هذا التكتيك سيحرك النظام بعض جمعياته لتستعمل خطابا انفصاليا عنصريا، وهو ما يمكن لبعض الشباب الساخط من التهميش و”الحكرة” أن يسقط ضحية له. إننا نتفهم مشاعر الغضب والسخط والإحباط التي يحسها هؤلاء الشباب، لكننا في نفس الآن ننصحهم بألا يثقوا في من يوجههم لأن يعزلوا نضالاتهم عن نضالات بقية الطبقة العاملة المغربية وعموم الكادحين في بقية مدن وقرى المغرب».

(المغرب: الحراك الثوري بالحسيمة يتعرض للقمع- “إن قوة الحركة المعاصرة تكمن في استيقاظ الجماهير، وضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة الثوريين”)

وذلك ما تحقق بالفعل. حيث رفع النظام الدكتاتوري، في الآونة الأخيرة، من وتيرة القمع وحدته ليس في الحسيمة وحدها، بل في كل مكان، حتى الوقفات التضامنية السلمية التي شهدتها مختلف مدن المغرب تعرضت لقمع همجي استعمل فيها النظام، إلى جانب البوليس، جحافل البلطجية، حثالة المجتمع من المجرمين وأصحاب السوابق وباعة المخدرات بالمفرق واللصوص الصغار وأمثالهم… والذين يوحدهم جميعا شعار: “لا للفتنة”!!

كما عمل على الدفع “بقيادات” جديدة للحراك، اختارهم من بين العناصر الأكثر مهادنة وتخلفا، وحولهم الإعلام بين عشية وضحاها إلى “قادة” للحراك و”رموز” له؛ “قادة” لا يتركون أية فرصة تمر إلا ويؤكدون على ولائهم للملك ويلتمسون تدخله لحل المشاكل والاستجابة للمطالب!!

كما قفزت إلى السطح كائنات قذرة من رموز النظام القمعي مثل المدعو زيان، الوزير السابق في حكومات الحسن الثاني ومحامي الحكومة ضد القادة النقابيين سنوات التسعينات، والعدو الشرس لحركة عشرين فبراير وأبرز منظمي البلطجة ضدها قبل سنوات قليلة فقط. وحسن أوريد، الناطق السابق باسم القصر والوالي السابق لجهة مكناس وابن دار المخزن الوفي، إلى جانب بعض الصحفيين والمحامين المرتزقة، الخ… مستغلين الفراغ الذي تركه اعتقال القادة الكفاحيين والصدمة التي خلفتها موجة القمع والاعتقالات على الجماهير.

وبأسلوب مدروس انخرطوا جميعا في مغازلة الحراك واعتبروا مطالبه بأنها مشروعة وفرضوا أنفسهم ناطقين باسمه وباسم المحتجين والمعتقلين ليسهل عليهم، ومن ورائهم الدولة، تحوير مساره ونزع أظافره وأنيابه في أفق القضاء النهائي عليه.

قبل اندلاع الحراك الحالي، ومباشرة بعد تراجع حركة عشرين فبراير، عندما كان العديد من اليساريين إما ينادون بإعادة إحياء 20 فبراير أو يعلنون بيأس أنه لم يعد هناك أمل، كتبنا، نحن الماركسيون، العديد من المقالات التي حللنا فيها جوانب قصور حركة 20 فبراير وأسباب هزيمتها، وأكدنا أن الصراع الطبقي سيشهد نهوضا جديدا حتميا ونبهنا الشباب الثوري إلى ضرورة الاستعداد له بالوعي والتنظيم.

ففي مقالنا منظوراتنا لحركة عشرين فبراير، غشـت 2013، على سبيل المثال، قلنا:

«إننا نعتبر أن حركة عشرين فبراير ستبقى نقطة مضيئة في تاريخ شعبنا، لكننا نعتبر أنها قد استنزفت […] هذا هو قانون الصراع الطبقي، نفي النفي. إننا نعتبر موقفنا هذا دعوة منا للتيارات اليسارية الأخرى إلى الاستعداد للتحركات الثورية التي سيأتي بها المستقبل، بدل الانشغال بالصراعات الهامشية داخل اجتماعات العصب واستنزاف الطاقات».

وفي مقالنا حركة عشرين فبراير بعد أربع سنوات على انطلاقها، فبراير 2015، شرحنا:

«أن المادية الجدلية تعلمنا أن كل ما هو موجود محكوم بالفناء، في صيرورة نفي لا تنتهي. وبالتالي من الخطأ الجسيم أن نسقط في تحويل الحركة [أي حركة عشرين فبراير] إلى صنم للعبادة. على الشباب الثوري ومناضلي اليسار أن يتطلعوا إلى شجرة الحياة الخضراء اليانعة […] إن الواقع يقدم لنا معارك ونضالات بطولية، عمالية وشبابية وجماهيرية، حري بنا الانخراط فيها وتخصيبها بالوعي الثوري، وليس الانعزال عنها بحجة محاولة إعادة الحياة إلى حركة ليست في آخر المطاف سوى محطة من محطات الصراع الطبقي الطويل».

وأضفنا «إن النضال الثوري مسألة جدية […] لنعمل على بناء أدواة النضال الثوري والتحضير الجدي للمحطة القادمة، القادمة حتما، والتي تحمل معها أبهى الوعود بالنصر والتغيير».

وكما فهمنا تراجع حركة عشرين فبراير، فإننا توقعنا هذا النهوض الأخير، قلنا إنه قادم حتما، وآمنا بأن الطبقة العاملة المغربية والشباب الثوري وعموم الكادحين سينهضون مجددا للنضال، مثلما نحن مؤمنون بأنها ستنهض مررا وتكرارا مستقبلا للنضال ضد الاستغلال والدكتاتورية.

تنبع هذه القناعة من فهمنا لطبيعة المرحلة التي دخلناها على الصعيد العالمي ومحليا، باعتبارها المرحلة الأكثر اضطرابا في التاريخ، وهو ما كنا قد شرحناه في وثيقة منظورات المغرب لسنة 2016، أبريل 2016، حيث قلنا :

«إن المرحلة الجديدة التي ندخلها، على الصعيد العالمي وإقليما ووطنيا، هي مرحلة الإفلاس التام للرأسمالية والهجومات والتقشف والاستغلال من جهة، ومرحلة نهوض نضالي عاصف للعمال والطلاب والشباب المعطل وعموم الفقراء ضد الدكتاتورية والرأسمالية وسياسة التقشف والاستغلال والتهميش، من جهة أخرى.
[…] السخط يتراكم في كل مكان وبين كل فئات الجماهير، بعضها قام بالفعل إلى النضال وبعضها الآخر سوف ينهض حتما خلال الفترة المقبلة، وليس للنظام الرأسمالي القائم ما يقدمه لهم سوى القمع.»

وأكدنا أنه «سوف تنهض الجماهير مرارا للنضال من أجل مطالب اقتصادية وسياسية متعددة، وستعمل على اختبار الأحزاب الواحد منها تلو الآخر وستقوم بالضغط على النقابات وتفجير نضالات خارج التنظيم.»

كما نبهنا من أن «هذا لا يعني أن الحركة الثورية ستسير في طريق ممهد، من انتصار إلى آخر. إن العكس هو الصحيح. ففي ظل غياب القيادة الثورية ستسير الانتصارات العظيمة يدا في يد مع الهزائم القاسية، وستكون فترة المخاض طويلة ومؤلمة».

في ظل هذه المرحلة المضطربة، عندما يكون التراجع واقعا ملموسا والجميع محبط دورنا هو استخلاص الدروس ودعوة الشباب إلى استعادة الأمل والاستعداد للنهوض الحتمي المقبل، أما عندما يصير النهوض واقعا ملموسا فيكون دورنا هو طرح الشعارات المناسبة لتطويره سياسيا وبرنامجيا وتنظيميا، مع تحذير الشباب من المخاطر المحدقة به ونواقصه وخطط ومؤامرات الأعداء والخصوم.

مهمتنا، نحن الماركسيون، أن نلعب دور زرقاء اليمامة بأن نخبر الشباب المنخرط في النضال بالمخاطر المحدقة بالحراك، وليس أن ننخرط في ركب من يتغنون بمنجزات الحراك سواء منهم المدفوعين بالانبهار الساذج الذي يمنعهم عن رؤية المخاطر، أو هؤلاء الأصدقاء المزيفين الذين يغازلونه لكي يسهل عليهم خداع الجماهير المناضلة، أي الذين يحضنون الطفل ليخنقوه.

وعليه فإننا نقول الآن إن الحراك الحالي قد وصل إلى نقطته القصوى التي تسمح بها الأشكال التنظيمية التي اشتغل بها لحد الآن وشعاراته التي رفعها لحد الآن وآليات اشتغاله الحالية. كما أن النظام قد بدأ بالفعل يستعيد المبادرة بحملة منسقة من القمع في الشوارع، والاعتقالات الموجهة ضد القادة الأكثر كفاحية للحراك لإبعادهم عن إمكانية توجيه الحراك، بعد أن تعذر عليه شراء ذممهم ورشوتهم ليخونوا، وبالموازاة مع ذلك يعمل عبر مختلف الوسائل على دفع وجوه جديدة من “القيادات” المهادنة التي كل همها “الدعوة إلى تدخل الملك” والتعبير عن “الثقة التامة في الملك” وتحويلهم إلى رموز وفرضهم قادة للحراك، ليسهل التعامل معهم والتعاون معهم على القضاء عليه.

كما استعاد المبادرة أيضا على الصعيد الوطني، حيث تمكن من إجهاض التطور الكفاحي للعديد من حركات التضامن في المدن الأخرى، والتي كانت تبشر بإمكانية كسر الحصار عن الحراك في الريف وإعطائه زخما جديدا وتحويل “الحراك الريفي”، كما يقال، إلى ربيع مغربي جديد، ليس فقط من خلال القمع الوحشي والعسكرة واستعمال البلطجية ذوي السوابق للهجوم على الوقفات السلمية، بل وكذلك من خلال تسريب عملائه والأحزاب الملكية الرجعية إلى لجان الدعم ووقفات الاحتجاج، مما قضى على أي إمكانية لتطورها في اتجاه كفاحي.

هذا الوضع سيجعل الحراك يقف حتما أمام خيار من اثنين، إما أن يطور أشكاله التنظيمية ويمتلك برنامجا واضحا وتكتيكات صحيحة وقيادة منتخبة ديمقراطيا ويمكن للجماهير مراقبتها ومحاسبتها وعزلها في أي حين، أو أنه سيتعرض للفشل. لا يعني هذا أن الحراك سيتوقف فورا، إننا بالعكس نعتقد أنه قادر على الاستمرار لفترة معينة من الوقت بفضل التضحيات البطولية التي يقدمها الشباب الثوري وعموم الكادحين، لكن هذه الاستمرارية ستكون أشبه بالزخم المتبقي من اندفاعة المرحلة السابقة لا أكثر[2]. لأن الجماهير لا يمكنها أن تبقى في حالة غليان بدون نهاية، عندما لا يكون هناك تنظيم ولا أفق واضح.

لقد سبق لنا أن نبهنا إلى هذا القانون عندما قلنا في وثيقة (منظوراتنا لحركة عشرين فبراير)

«إن من يعرف شيئا عن كيفية سير الحركات الثورية الجماهيرية يعرف بالتأكيد أن الثورة ليست مسيرة ظافرة من الانتصارات في خط تصاعدي مستمر. إنها سيرورة معقدة من المد والجزر، من الصعود والهبوط. من فترات الانتصارات الباهرة وأشد لحظات الهزيمة قتامة، بل وحتى التراجعات.

كما أن من يعرف شيئا عن الحركة الجماهيرية يعرف أن الجماهير لا يمكنها أن تبقى في الشوارع إلى الأبد في حالة غليان دائم عندما لا يكون الأفق واضحا بالنسبة لها. إن الجماهير قادرة على تقديم أعظم التضحيات، وقد قدمت بالفعل تضحيات جسيمة، لكنها لا تقوم بذلك إلا في حدود معينة ومن أجل أهداف معينة. إنها تعامل الاحتجاج بجدية كبرى، […] ولذلك فإنها تنتظر منه أن يوصل إلى نتائج ملموسة».

ما العمل الآن؟

بما أننا نخلد هذه السنة الذكرى المائوية لثورة أكتوبر الاشتراكية، التي تمكنت بفضلها الطبقة العاملة الروسية من إسقاط النظام الاستبدادي القيصري، سيكون من المفيد جدا أن نتعلم من دروسها الغنية. ومن أهم هذه الدروس أن الطبقة العاملة الروسية عندما ثارت ضد النظام القيصري عملت على بناء مجالس منتخبة ديمقراطيا في المصانع والجامعات والثكنات العسكرية والأحياء الفقيرة والقرى.

لم تكن تلك المجالس من إبداع لينين أو تروتسكي، بل كانت نتاجا لمبادرة العمال أنفسهم. وبفضلها تمكنت الطبقة العاملة الروسية والفلاحون الفقراء والجنود الثوريون من بناء الدولة التي كانت، قبل انحطاطها الستاليني، الدولة الأكثر ديمقراطية في التاريخ.

نفس الشيء رأيناه أثناء الثورة التونسية، حين شهدت بدورها ظهور لجان الأحياء والمحافظات، والتي لعبت دورا مهما في تطور الثورة واستمراريتها وامتدادها، بل وكانت لتشكل جنين السلطة الشعبية في وجه الدولة البرجوازية، لولا خيانة الإصلاحيين (الجبهة الشعبية) وتعاونهم مع النظام القديم، بحجة أن “الوقت لم يحن بعد” لبناء أجهزة سلطة العمال والشباب الثوري وعموم الكادحين.

بناء المجالس الشعبية، مجالس العمال والشباب الثوري والنساء الكادحات والفلاحين، في أماكن العمل والثانويات والأحياء الفقيرة، والتنسيق بينها عبر انتخاب ممثلين في الجموعات العامة والرقابة عليهم من طرف الجماهير وحقها في عزلهم في أي حين. هذا هو الشعار الذي يجب علينا أن نضعه على رأس جدول الأعمال. يجب أن يكون للحراك قيادة منتخبة بشكل ديمقراطي من طرف الجماهير ويمكن محاسبتها من طرف الجماهير. بهذا وبهذا فقط سنتمكن من منع النظام وأذنابه من اختراق الحراك وفرض “قادة” مزيفين عليه.

لا ثقة إلا في قوانا الخاصة! لا ثقة إلا في اللجان والمجالس المنتخبة ديمقراطيا، أما هؤلاء “الأصدقاء” الذين ظهروا فجأة، وصاروا يتحدثون باسم الحراك ويرسمون له السقف الذي أرادوه له، لمصلحة أسيادهم في الدولة الذين بعثوهم، من أمثال زيان وغيره، فلا ذرة من الثقة فيهم. إنهم يغازلون الحراك الآن لاستعماله في خدمة مخططاتهم السياسية ولكي يسهل عليهم القضاء عليه في النهاية.

علينا العمل فورا، ومن خلال الجموعات الجماهيرية، على صياغة برنامج يكثف كل مطالب الجماهير في نقاط واضحة تربط بشكل جدلي بين المطالب الاقتصادية (البنية التحتية والتشغيل، الخ) وبين المطالب السياسية (إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاكمة المسؤولين عن قتل الشهيد محسن فكري وشهداء عشرين فبراير، والمسؤولين عن قمع الاحتجاجات والقضاء على الدكتاتورية والاستبداد) ويوسع آفاق الحراك على التغيير الجذري للمجتمع.

وفي هذا السياق هناك وهم يروج له “أصدقاء” الحراك المزيفين وبعض السذج، مفاده أنه كلما كانت مطالب الحراك بسيطة كلما سهل الاستجابة لها من طرف الدولة، وأنه إذا تخلينا عن التنديد برموز الفساد لصالح خطاب مهادن يدعو إلى “تدخل الملك” و”تفهم الحكومة لشرعية المطالب” وأن “مطالبنا اقتصادية محضة وليست سياسية”، وما إلى ذلك، كلما كان تعامل الدولة لطيفا وجاء الحل بسرعة. “يكفي أن نطلب بالتدخل الملكي لكي تحل كل المشاكل”، هذا ما يقوله لنا هؤلاء المشعوذون.

أليس مطلب بناء مستشفى وجامعة مطالب بسيطة؟ كم ستكلف؟ بضعة مليارات من السنتيمات؟ الأكيد هو أنها لن تكلف حتى ما كلفه مؤخرا شراء زوجة الملك لقصر باليونان لقضاء عطلتها (3,8 مليون أورو، أي حوالي 42 مليون درهم، أو 4 ملايير ومائتي مليون سنتيم). وطبعا لن تكلف ولو جزءا بسيطا من المبلغ الهائل الذي يمتصه القصر من الميزانية العامة والذي يتجاوز 200 مليار سنتيم في السنة الواحدة.

فلنكن واضحين، ليس السبب في تعنت الدولة في الاستجابة لهذه المطالب الشعبية البسيطة هو عدم القدرة على تمويلها، بل لأنها تعلم أن الاستجابة لها سيعني بالضرورة نهوض مناطق أخرى للسير على نفس النهج، نهج النضال لفرض المطالب، وهذا مسار خطير على الدولة والطبقة الحاكمة.

إنها معركة كسر عظام بين الدولة وبين الجماهير، نهايتها لن تكون سوى هزيمة طرف واستسلامه أمام الآخر، إما أن تنتصر الجماهير وتفرض مطالبها المشروعة، ما سيفتح الباب أمام نهوض نضالي واسع على الصعيد الوطني لانتزاع الحقوق المادية والديمقراطية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري، وإما أن تنتصر الدولة وتفرض الوضع القائم، ومنطق التسول والصدقة و”قفة رمضان” و”التدشينات الملكية”.

إن المعركة من أجل المستشفى والجامعة والتشغيل وغيرها من المطالب الاقتصادية هي معركة سياسية بامتياز لن تنجح إلا بفرض تغيير السياسة الرسمية: سياسة النهب والتهميش والتفقير وإسقاط القائمين عليها والمستفيدين منها. كما أنها معركة تقتضي النضال من أجل حرية التظاهر وإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة ناهبي المال العام، الخ، والتي هي كلها مطالب سياسية بوضوح.

الخيار المطروح الآن أمام الحراك ليس هو التراجع عن هذا الشعار أو ذاك، وتغيير هذا التكتيك أو ذاك، إن الخيار المطروح أمام الحراك هو إما الاستمرار في النضال الكفاحي بمطالب واضحة جذرية، وبين الاستسلام وتقبل الصدقات وانتظار “التدشينات الملكية”.

وعليه، فلا طريق إلا مواصلة النضال وتجذيره وإعطائه أفقا ثوريا غايته إسقاط نظام الدكتاتورية والاستغلال والقمع الذي نهب البلد وخربها طيلة أزيد من ستة عقود. واهم من يظن أن هذا النظام يمكن إصلاحه، وواهم من يظن أنه يمكن التعويل على نفس النظام الذي نشر وحمى الخراب والقتل والتهميش والفقر طيلة عقود، من أجل أن يصير نظاما ينشر الخير والازدهار والحرية.

علينا أن نعمل على كسر الحصار الذي يعمل النظام وأذنابه على ضربه على الحراك، لعزله عن بقية مدن وقرى المغرب، من خلال تصويرهم له على أنه حراك “ريفي” “عنصري” “انفصالي”، بأن نعرف بأن مطالبنا هي نفس مطالب بقية الطبقة العاملة وعموم الشعب الكادح في كل ربوع المغرب، وأن عدونا هو نفس النظام الذي يفرض الفقر والاستغلال والنهب على كل الشعب المغربي في كل مكان، كما أن هدفنا هو نفس الهدف الذي يسعى إليه كل أبناء الشعب المغربي، أي: الحرية الكرامة العدالة الاجتماعية.

علينا أن نعمل على توجيه نداء إلى عموم الطبقة العاملة المغربية والشباب الثوري في بقية مدن وقرى وجهات المغرب للنهوض إلى النضال الموحد ضد النظام الذي يستغلنا جميعا ويضطهدنا جميعا، والتنسيق في الأشكال النضالية والمطالب والهياكل التنظيمية: مجالس شعبية كفاحية في كل قرى وبلدات ومدن المغرب.

وبالعودة إلى دروس الثورة الروسية نضيف أن من أهم الدروس كذلك، بل أهم درس على الإطلاق، هو أن الثورة رغم تمكنها من إسقاط القيصر وبناء المجالس (السوفييتات)، فإن البرجوازية، بالتحالف مع الإصلاحيين، كادوا يتمكنون من القضاء على الثورة وإعادة النظام القديم، بل وكادوا يدفعون بالبلد إلى الخراب وإقامة نظام فاشستي دموي.

كادت تلك المخططات الرجعية تنجح لولا وجود الحزب البلشفي، الحزب العمالي الماركسي الثوري، بقيادة لينين وتروتسكي، والذي وحد نضالات العمال وقادهم، على رأس بقية حلفائهم من عمال فقراء وجنود ثوريين وعموم الكادحين، لحسم السلطة بين أيديهم ومصادرة أملاك أصحاب الأبناك والمصانع وكبار الملاكين العقاريين، ووضعها تحت رقابة مجالس العمال والفلاحين الفقراء والجنود الثوريين.

وما دام هذا العامل الذاتي غائبا عندنا، أي ما دامت الطبقة العاملة المغربية مفتقدة لحزبها الثوري، ستستمر الدولة البرجوازية قادرة على استعادة توازنها والقضاء على كل حراك مهما كانت قوته ومهما طالت مدته.

فلننظر على سبيل المثال إلى ما حدث في مصر وتونس خلال السنوات الأخيرة: لقد خرج ملايين العمال والشباب الثوري إلى الشوارع وتصدوا للبوليس وتحدوا التقتيل والاعتقالات والبلطجية وكل صنوف القمع؛ كانت السلطة في أيديهم بينما كانت الدولة البرجوازية معلقة بخيط رفيع، لكن تلك الجماهير التي علقت على أبواب البرلمان ومقرات الحكومة لافتة “مغلق بأمر من الثورة”، لم تتمكن من أخذ السلطة السياسية ومفاتيح الاقتصاد بأمر من الثورة، بسبب غياب القيادة الثورية الحازمة. فكانت النتيجة الحتمية هي أن الدولة البرجوازية استعادت المبادرة وضاعت فرصة إحداث تغيير ثوري عميق في المجتمع.

ولننظر إلى ما حصل حتى عندنا في المغرب خلال السنوات الأخيرة، عندما تمكنت حركة عشرين فبراير من تعبئة عشرات الآلاف من العمال والكادحين في أغلب مدن وبلدات وقرى المغرب. عندما وقف النظام عاجزا ومرعوبا أمام قوة الجماهير. كان من الممكن أن يتحول ذلك الحراك إلى ثورة ظافرة، لو توفر للشعب المغربي آنذاك حزب عمالي ثوري يمتلك جذورا عميقة في المعامل والنقابات والأحياء الفقيرة والقرى والثكنات، لكن ذلك بالضبط هو ما كان مفتقدا آنذاك وبالتالي سرعان ما تمكن النظام من استعادة توازنه وأخذ زمام المبادرة والقضاء على الحركة، بمزيج من القمع والتنازلات الشكلية والمناورات.

وكما سبق لنا أن قلنا في مقالنا المشار إليه أعلاه:

«إن المعركة مع النظام القائم والطبقة الرأسمالية الحاكمة، سبب كل الاضطهاد والاستغلال والتهميش الذي نعيشه، معركة طويلة لن تنتهي إلا بالثورة الاشتراكية ووصول الطبقة العاملة إلى السلطة، التي ستقضي نهائيا على النظام الرأسمالي التبعي القائم وعلى كل استغلال وكل قهر وكل اضطهاد».

وأكدنا أن «كل الظروف الموضوعية متوفرة لكي يتحقق هذا الهدف العظيم، كما أن الجماهير تناضل بشراسة النمور، وتعطي الدليل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة على أنها راغبة في التغيير الثوري وقادرة على إنجازه. […] إن ما ينقص هو العامل الذاتي، أي: الحزب الماركسي الثوري القادر على قيادة الطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة لحسم السلطة والبدء في التغيير الاشتراكي للمجتمع».

وأضفنا «[…] “إن قوة الحركة المعاصرة تكمن في استيقاظ الجماهير […] وضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة الثوريين”. وهذا التناقض هو ما يتوجب علينا، أيها الشباب الثوري، أن نحله لكي نقدم لشعبنا ما ينتظره من جيلنا، ونحقق ما ناضل من أجله أجدادنا ونبني مستقبلا مشرقا للأجيال القادمة: مستقبل الاشتراكية والحرية.»

وقلنا: «إننا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، نعمل على بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي، فإن كنت متفقا مع أفكارنا التحق بنا في هذا النضال من أجل الثورة الاشتراكية في بلدنا ومنطقتنا والعالم.»

التحقوا بالفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي لإنجاز هذه المهمة التاريخية العظيمة: مهمة بناء الحزب الذي سيحمي نضالات الشعب المغربي من أن تضيع هباء ويقودها للقضاء على الاستغلال والدكتاتورية وبناء مغرب الاشتراكية والحرية.

هوامش:

1: لا نخفي في هذا السياق اختلافنا معهم في موقفهم العدائي حتى من التيارات السياسية اليسارية التقدمية، رغم تفهمنا لدوافعه فمن لسعته الأفعى يحذر من الحبل.

2: كما أنه يمكن للوضع أن يعرف تطورا مفاجئا في حالة وقوع حادث، مثل سقوط شهيد أو اندلاع احتجاج مشابه في منطقة أخرى من المغرب لهذا السبب أو ذاك، أو غيرها من الأحداث التي يمكنها أن تشكل شرارة لنهوض جديد. وهو ما يعمل النظام جاهدا على تلافي وقوعه.

أنس رحيمي
السبت: 10 يونيو 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *