خورخي مارتن
الجمعة: 23 يونيو 2017
لقد مرت 85 يوما منذ بدء الهجوم اليميني الذي تدعمه الامبريالية ضد حكومة الرئيس مادورو في فنزويلا، والذي أسفر عن مصرع 85 شخصا. وحتى الآن لم تحقق المعارضة الرجعية أيا من أهدافها. ومع تقلص قدرتها على جمع أعداد كبيرة من الناس في الشوارع، أصبحت أعمال الشغب أكثر عنفا وقاتلة. وكانت الحكومة قد دعت إلى انتخابات الجمعية التأسيسية في يوليوز، والتي ستكون اختبارا رئيسيا لمستوى الدعم الشعبي، بينما أعلنت المعارضة “العصيان” وتعهدت بمنع إجراء تلك الانتخابات. ماذا بعد ذلك؟
الاعتداء الحالي الذي تشنه المعارضة الفنزويلية (التي تمثل مصالح الأوليغارشية والمدعومة من طرف الإمبريالية) له هدف واحد واضح هو: الإطاحة بأي وسيلة ممكنة بحكومة الرئيس مادورو المنتخبة ديمقراطيا. وقد استخدموا مزيجا من المظاهرات في الشوارع مع مجموعات “طليعية” صغيرة من مثيري الشغب العنيفين والمجهزين تجهيزا جيدا. وكان الضغط الإمبريالي الدولي، وخاصة من خلال الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية، آلماغرو، جزءا من هذه الإستراتيجية. ومن أجل تحقيق أهدافهم، كانوا يأملون في إثارة أمرين: 1) انتفاضة شعبية في أحياء الطبقة العاملة والمناطق الفقيرة، المعاقل التقليدية الموالية للتشافيزية ، 2) انشقاق في مؤسسات الدولة، وخاصة داخل القوات المسلحة، مما يؤدي إلى انقلاب عسكري من شأنه أن يطيح بمادورو.
لكن وعلى الرغم من كل محاولاتهم فإنهم لم يحققوا إلا نجاحا محدودا جدا. مظاهرات الشوارع بدأت تتضائل، حيث أن المشاركين فيها أصبحوا متعبين ومحبطين بسبب عدم إحراز أي تقدم. وعلى الساحة الدولية، أحبطت جميع محاولاتها الرامية إلى إصدار قرارات ضد فنزويلا (في منظمة الدول الأمريكية والأمم المتحدة). ومع استثناءات قليلة جدا لم تكن هناك أي أعمال شغب أو احتجاجات كبيرة في أي من أحياء الطبقة العاملة أو “الباريوس” (الأحياء الفقيرة)، وكل من يقول العكس هو كاذب. هناك عدم ثقة عميق وكراهية طبقية صحية في الباريوس تجاه المعارضة وقادتها، والذين يعتبرهم العمال والفقراء، بشكل صحيح، على أنهم يمثلون الرأسماليين وأصحاب العقارات والمصرفيين وعملاء للإمبريالية. وأخيرا فإنهم لم يحدثوا أي شرخ علني داخل صفوف القوات المسلحة، على الرغم من أنهم تمكنوا من دفع المدعي العام للدولة إلى القيام بانتقاد علني للحكومة واتخاذ بعض المبادرات القانونية لمنع إجراءاتها.
إن مستوى العنف الذي نشرته المعارضة في هذا التمرد هو أعلى من أي شيء شهدناه من قبل. فإلى جانب التكتيكات المستخدمة في عام 2014 (المتاريس والأسلاك الفولاذية عبر الشوارع لإيذاء سائقي الدراجات النارية، وافتعال الحرائق ضد وسائل النقل العام والمباني الرسمية، وما إلى ذلك) يعملون على استخدام متفجرات محلية الصنع وقاذفات الصواريخ، واستخدام نيران القناصة من المباني السكنية ضد المدنيين وقوات الشرطة، والهجمات على المنشآت العسكرية، وما إلى ذلك. في بعض أنحاء البلاد (سان أنطونيو دي لوس ألتوس وميراندا وسوكوبو وباريناس وغيرها)، قام متظاهرون عنيفون منظمون بشكل جيد، بالتواطؤ مع قوات الشرطة وحكام البلديات والولايات اليمينيين، بالسيطرة على مناطق كاملة من المراكز الحضرية لفترة من الزمن، حيث دمروا جميع المباني العامة، وفرضوا إغلاق جميع المؤسسات التجارية وحلوا عمليا محل سلطة الدولة. من الواضح، في بعض الحالات، تورط عناصر شبه عسكرية وإجرامية. ومن بين 85 شخصا الذين قتلوا، لم يسقط سوى عدد قليل برصاص قوات الشرطة، في حين قتل عدد أكبر بكثير كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لعنف المعارضة (انظر التحليل المفصل هنا).
وفي هذه الأيام الخمسة والثمانين عملوا أيضا على خلق عقلية الغوغاء ضد التشافيزيين (أنصار تشافيز). وحالة أورلاندو فيغيرا، الذي تعرض للضرب والطعن ثم للحرق من قبل بلطجية المعارضة في ألتاميرا، بكاراكاس، هي المثال الأكثر شهرة. توفي فيغيرا في المستشفى متأثرا بالجراح التي أصيب بها على يد هؤلاء الغوغاء الرجعيين. ما هي “جريمته”؟ يقول البعض إنه اتهم بكونه “تشافيزيمندس”. وقد حاول آخرون تبرير قتله بالقول بأنه “لص”. وهذان الأمران متشابهان في أذهان الطبقة الوسطى المسعورة، التي هي القاعدة الاجتماعية للمعارضة: التشافيزيون فقراء، داكنو البشرة، وبالتالي فإنهم، في أذهان هؤلاء، مجرمون. وأدت هذه الحالة المزاجية أيضا إلى مقتل عضو في الحرس الوطني متقاعد في كابوداري في لارا والعديد من حالات الاعتداء ومحاولات الإعدام خارج نطاق القانون (رجل أعمال اعتبر خطأ بكونه مسؤولا تشافيزيا، في مركز تجاري في شرق كاراكاس، وصحفي معارض “كان يرتدي قميصا أحمر”!).
من الواضح أن المعارضة أرادت إثارة “سيناريو الميدان الأوكراني”، وهو ما اعترفوا به علنا: احتجاجات عنيفة في الشوارع تؤدي إلى الإطاحة “بالنظام”. وقد فشلت في ذلك حتى الآن.
معارضة الهجوم المضاد للثورة
في هذا الصدد يجب أن نعلن بوضوح أنه على جميع الماركسيين الثوريين، وكل الديمقراطيين، أن يعارضوا هذا الهجوم الرجعي. إذا تمكنت المعارضة من الوصول إلى السلطة فإنها ستتبع سياسة مشؤومة تتمثل في جعل العمال والفقراء يدفعون ثمن الأزمة الاقتصادية. وسوف تفعل ذلك من خلال خفض الإنفاق العام بشكل كبير من أجل القضاء على العجز في الميزانية (الذي يبلغ حوالي 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، وتنفيذ عمليات التسريح الجماعي للعاملين في القطاع العام، وتدمير البرامج الاجتماعية للثورة البوليفارية (الرعاية الصحية والتعليم والمعاشات التقاعدية والفوائد، وما إلى ذلك)، إنها ستخصخص كليا أو جزئيا شركة النفط (PDVSA) المملوكة للدولة ، وستدمر حقوق العمل المنصوص عليها حاليا في القانون، كما ستخصخص السكن الاجتماعي (1.6 مليون منزل التي تم بناؤها وتسليمها بفضل برنامج Mision Vivienda) وستخصخص الشركات العمومية وتعيد الشركات والأراضي المصادرة إلى مالكيها السابقين، وما إلى ذلك. أما بالنسبة للديمقراطية فإنها ستقوم بتطهير سياسي لجميع مؤسسات الدولة وتشن عمليات الاعتداء على العمال والفلاحين والفقراء ومنظماتهم (النقابات والمجالس البلدية والجمعيات الثورية، الخ). ليست هناك ولو ذرة واحدة من المحتوى التقدمي في المعارضة الفنزويلية التي يقودها نفس الأشخاص الذين نفذوا انقلاب عام 2002.
لا يمكننا أن نتخذ موقفا محايدا في هذا الصراع. عمل حفنة من المسؤولين التشافيزيين السابقين على وضع أنفسهم “خارج الاستقطاب”، في محاولة منهم لخلق “قطب ثالث”. وقد قدمت لهم “Marea Socialista” (المد الاشتراكي) الغطاء السياسي. إن هؤلاء “غير المستقطبين”، كما يطلقون على أنفسهم، يمثلون صراخ الليبراليين العاجزين الذين يتظاهرون بالدفاع عن المبادئ المقدسة للديمقراطية، بينما ما نشهده هو صراع مفتوح بين الطبقات. ومن خلال رفضهم رسميا أن ينحازوا إلى أحد الجانبين، فإنهم في الواقع ينتقلون إلى معسكر المعارضة، ويعملون بمثابة منصة للقفز لصالح الأشخاص الذين ينتقلون من التشافيزية إلى معسكر الثورة المضادة. ويظهر عجزهم من خلال ممارساتهم بالذات: المؤتمرات الصحفية والبيانات، بمشاركة من يسمون “بنقاد التشافيزية”، جنبا إلى جنب مع رجال الأعمال والمسؤولين المنتخبين من الأحزاب التي تنتمي إلى المعارضة (طاولة الوحدة الديمقراطية). إنهم يدعون أنهم يمثلون أغلبية السكان الفنزويليين الذين يرفضون الحكومة والمعارضة على حد سواء، لكن كل ما يستطيعون حشده في تجمعاتهم العامة هو أقل من اثني عشر شخصا.
إن موقفنا واضح: نحن نعارض بشدة الهجوم الرجعي الذي تشنه المعارضة لأنه يمثل تهديدا مميتا للعمال الفنزويليين والفقراء فضلا عن مكاسب الثورة البوليفارية.
والسؤال الحاسم هو كيف يمكن هزيمة هذا الهجوم الرجعي؟ ركزت تكتيكات الحكومة، حتى الآن، على ثلاثة محاور: استخدام الحرس الوطني لاحتواء مشاغبي المعارضة، الدعوة إلى المظاهرات الجماهيرية لإعطاء الدليل على الدعم الشعبي للحكومة ومواجهة ألاعيب الإمبريالية في منظمة الدول الأمريكية والأمم المتحدة. وقد جمعت هذه الجهود مع نداءات من أجل الحوار والتفاوض مع المعارضة والرأسماليين، بما في ذلك ما يتعلق بعقد الجمعية التأسيسية.
من الواضح أن هذا غير كاف على مستويين: المستوى الأول هو أنه لا يشرك الجماهير مباشرة في الدفاع عن الثورة من خلال الوسائل الثورية، بل يعتمد فقط على جهاز الدولة، والمستوى الثاني هو أنه لا يفعل شيئا لمعالجة المشكل الأساسي وراء انهيار دعم الحكومة، والذي يأتي من الأزمة الاقتصادية وما تلاها من أزمة التزود بالمواد الأساسية، والتي تفاقمت بسبب التخريب الاقتصادي الذي تقوم به الطبقة الرأسمالية.
مبادرة القواعد الثورية
وفي الوقت نفسه كانت هناك مبادرات اتخذها تشافيزيون يساريون لتنظيم الدفاع عن النفس والإجراءات الثورية لمواجهة الحملة الرجعية. في غواسداليتو، أبور، معقل تيار بوليفار زامورا الثوري (CRBZ)، أنشأت كتائب هوغو تشافيز للدفاع الشعبي (BPD-HC). تستند هذه الكتائب على الكومونات وتشرك الميليشيات البوليفارية. مهمتهم هي الدفاع عن وسائل النقل العام وكل ما يتعلق بتوزيع المواد الغذائية. وبالمثل، أنشأت منظمات ثورية في سوكوبو، باريناس، جبهة هوغو تشافيز للدفاع بهدف الذود عن القادة الثوريين المحليين والمباني العامة ومنع النشاط التمردي للقوى الرجعية والتي وصلت في سوكوبو إلى أعلى مستوياتها في أبريل وماي. لقد أصبحت حماية النشطاء الثوريين المحليين ضرورة، حيث أن لدى العناصر الرجعية، خلال التمردين اليمينيين على الصعيد المحلي، قوائم بالقادة المحليين المعروفين الذين يجب تصفيتهم.
كانت سوكوبو، في باريناس، أحد مراكز الحرب الأهلية الأقل حدة. والانتفاضتان الرجعيتان في 19 – 20 أبريل و22 – 24 ماي، قام بتنظيمهما وتمويلهما ملاك الأراضي والرأسماليون المحليون. فعلى سبيل المثال، وفر مَلاك أراضي محلي معروف للمتمردين جرافة استخدموها ليشنوا هجوما على مركز الشرطة المحلي والمباني الرسمية الأخرى. وقد قررت منظمات الفلاحين المحليين الآن أن تحتل عقارا مملوكا لهذا الملاك.
تلخص هذه القصة طبيعة الصراع الحالي، لكنها تبين أيضا حدود ونواقص أسلوب الحكومة وبيروقراطية الدولة في مكافحته. لقد منح المعهد الوطني للأراضي المكلف بالإصلاح الزراعي مَلاك الأراضي المحلي شهادة “الأرض المنتجة” للسماح له بمنع محاولات الفلاحين لاحتلالها. وهذا يكشف فساد جهاز الدولة وتواطؤ البيروقراطية على جميع المستويات مع الشركات الرأسمالية والملاكين العقاريين. وفي الوقت نفسه، كان أول رد فعل للدولة تجاه عملية احتلال الأرض هو إرسال الجيش إلى هناك.
وقد ظهرت منظمات دفاع ذاتي مماثلة في العديد من المناطق الريفية الأخرى. في 19 يونيو قتل زعيم ثوري فلاحي محلي، فرنسيسكو أغويري، في تيناكو بكوخيدس بينما كان يقوم بواجبات الحراسة في إحدى الأراضي المحلية التي صادرها تشافيز عام 2010 وسلمها إلى كومونات الفلاحين.
هذه هي الطريقة الوحيدة لمحاربة الثورة المضادة: اتخاذ تدابير ثورية، ومصادرة ممتلكات الانقلابيين، ومن خلال إعطاء السلطة للعمال والفلاحين. إن سياسة أنصاف التدابير والتنازلات والتوافقات، إلى جانب البيروقراطية والفساد، هي بالضبط ما أدى إلى الحالة الراهنة. والمشكلة هي أن هذه التعبيرات عن النضال الثوري ما تزال حتى الآن معزولة إلى حد كبير، وتحدث أساسا في المناطق الريفية بين الفلاحين وليس في المصانع وبين الطبقة العاملة.
الجمعية التأسيسية
قرار الرئيس مادورو بعقد جمعية تأسيسية قوبل على الفور بالرفض من طرف زعماء المعارضة، لكنه قوبل في البداية بحماس بين التشافيزيين اليساريين والقواعد الثورية. كان ينظر إلى القرار على أنه فرصة للقواعد العمالية والفلاحين لكي يسمعوا صوتهم. وقد استقبل الإعلان عن أن الانتخابات إلى التأسيسية لن تتم على أساس القوائم الحزبية بالارتياح بسبب الممارسة البغيضة لبيروقراطية الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي على جميع مستويات تعيين المرشحين دون أي اهتمام بالقواعد. وفي فترة قصيرة من الزمن طرحت عدد من القوائم التشافيزية اليسارية وأقيمت العديد من التحالفات، والتي أعربت عن الرغبة في دفع الثورة إلى الأمام في النضال ضد الثورة المضادة.
أحد تلك القوائم هي “المنبر التأسيسي الشعبي”، والذي يتألف من منظمات الأحياء، ومواقع إعلامية ثورية، وما إلى ذلك، خاصة في كاراكاس، التي تعتبر نفسها أنها تمثل “القواعد التشافيزية، أي هؤلاء الذين يتعين عليهم أن يقفوا في الطابور ويستخدمون وسائل النقل العام” . كما أنها تدافع عن خلق “نقطة مرجعية ثورية للشعب للتغلب على آفات نظام الحكومة البرجوازي مثل الفساد والانبطاحية والإصلاحية والبيروقراطية”.
كما قدمت منظمة “Fuerza Patriotica Alexis Vive” مرشحيها إلى الجمعية التأسيسية في تحالف واسع مع المنظمات الثورية الأخرى. توجد هذه المنظمة أساسا في كراكاس في حي23 يناير، إلا أنها بدأت توسع تواجدها أيضا على الصعيد الوطني، حيث تعمل على بناء وجود قوي في أماكن مثل توكويو، لارا. إنهم يريدون “إعطاء صوت في الجمعية الوطنية لأولئك الذين ينتمون إلى الأسفل والتشافيزيين النقديين واليسار، والذين يكافحون “من أجل بناء قيادة ثورية جديدة”، و”تطهير حركتنا إذا لزم الأمر”.
وفي ميريدا أيضا، طرحت مجموعة من المنظمات الثورية معا “بيان من يوجدون تحت” والذي يعترف بـ “إفلاس الرأسمالية” و”ضرورة تحطيم الدولة البرجوازية”.
إن البرامج التي تقدمت بها هذه التيارات المختلفة تعكس كلها كراهية عميقة تجاه البيروقراطية والإصلاحية والرغبة في المضي قدما من أجل أخذ زمام الأمور. لكنهم جميعا يعانون من نقطة ضعف مشتركة في برنامجهم الاقتصادي، فعلى الرغم من أنه يحتوي على عبارات عامة معادية للرأسمالية، إلا أنه لا يتضمن فهما واضحا للحاجة إلى مصادرة وسائل الإنتاج ووضعها تحت رقابة العمال، وبالتالي عدم وضوح الدور القيادي الذي يتعين على الطبقة العاملة أن تقوم به.
وقد رافقت هذه المبادرات المختلفة اجتماعات حاشدة في الأحياء العمالية وأماكن العمل منذ بداية الحملة. ومع ذلك فإن الجهاز البيروقراطي للحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي، بدأ ببطء لكن بثبات، في فرض نفسه. واستخدم رؤساء البلديات والحكام الإقليميون وغيرهم سيطرتهم على الجهاز لفرض مرشحيهم. وقد جعلت الفترة الزمنية القصيرة المسموح بها لجمع التوقيعات المطلوبة للترشح من الصعب جدا على أي شخص خارج الجهاز أن يصبح مرشحا بالفعل. وقد بدأ المزاج يتغير، ويخشى الكثيرون الآن من أن تسيطر البيروقراطية على الجمعية التأسيسية.
هذا وضع خطير جدا، حيث أن السبيل الوحيد لتحقيق تحول كبير في الانتخابات هو إذا شعرت الجماهير الثورية بأن لها صوتا، وأنه يمكنها أن تستخدم الجمعية لفرض إرادتها. أما إذا كانت للبيروقراطية والإصلاحيين اليد العليا، فإن ذلك سيكون وصفة للكارثة. ومن شأن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات أن يوجه ضربة خطيرة لشرعية الحكومة، بل وربما سيحضر لهزيمة في الاستفتاء الذي سيعمل على التصديق على أي قرارات تصدرها الجمعية، إذا قررت المعارضة المشاركة فيها.
هذه هي المسألة الحاسمة. لقد تعرض الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي للهزيمة في انتخابات الجمعية الوطنية في دجنبر 2015، عندما خسر ما يقرب من 2 مليون صوت. وكان ذلك بالفعل تصويتا احتجاجيا ضد البيروقراطية والفساد والإصلاحية وتأثير الأزمة الاقتصادية. معظم تلك الأصوات لم تذهب إلى المعارضة، التي بالكاد زادت من عدد أصواتها، لكنهم امتنعوا عن التصويت. لا يمكن للثورة البوليفارية أن تستعيد دعمها الشعبي ما لم تتصدى للمشاكل المزدوجة للاقتصاد والبيروقراطية (في الدولة وداخل أجهزتها).
كان هوغو تشافيز في خطابه الأخير قد أكد على نقطتين رئيسيتين: 1) ما يزال لدينا اقتصاد رأسمالي وعلينا التحرك نحو الاشتراكية، 2) علينا تدمير الدولة البرجوازية القديمة واستبدالها بدولة الكومونات. كان تشافيز، بالرغم من جميع نقاط ضعفه، يستجيب لضغوط الشعب الثوري ويهاجم الثورة المضادة ويسير بطريقة واضحة نوعا ما في الاتجاه الصحيح.
الأزمة الاقتصادية
لا أحد ينكر أن هناك أزمة اقتصادية خطيرة جدا في فنزويلا، وأنها قد لعبت دورا هاما جدا في انهيار الدعم للحركة البوليفارية. ما هي أسبابها وكيف يمكن حلها؟
إن السبب وراء الأزمة هو بوضوح انهيار سعر النفط الذي يوفر معظم دخل الحكومة من العملة الصعبة. وهذا بدوره قلل من قدرة الحكومة على تمويل البرامج الاجتماعية ودعم استيراد الأغذية وغيرها من المنتجات الأساسية. وقد أدى انخفاض إمدادات المنتجات الأساسية إلى ازدهار السوق السوداء والفساد واكتناز المخزونات والمضاربة والتهريب. وقد اضطرت الحكومة إلى التخلي عن سياسة الإعانات الغذائية العامة واعتماد سياسة الدعم الموجه من خلال خطط تقديم المعونة الغذائية. وفي الوقت نفسه ضاعف الرأسماليون من تخريب نظام الرقابة على الأسعار، على الرغم من تقديم الحكومة لتنازلات كبيرة. وبسبب الفساد والاحتيال أصبحت سياسة سعر الصرف المدعوم لاستيراد المنتجات الأساسية، قناة لتحويل عائدات النفط إلى جيوب الطبقة الرأسمالية واللصوص والمضاربين، مما أدى في الوقت ذاته إلى تأجيج سعر الصرف في السوق السوداء (والذي ارتفع في الشهرين الأخيرين من 5000 بوليفار للدولار الأمريكي إلى 8000). وقد أدت محاولة الحكومة لتمويل الإنفاق الاجتماعي وتمويل عجز الميزانية من خلال طباعة النقود إلى تأجيج دوامة تضخمية ضخمة. ارتفع عرض النقود بنسبة 80٪ منذ بداية العام و377٪ منذ يناير 2015. وقد منحت الحكومة بانتظام زيادات كبيرة في الحد الأدنى للأجور، لكن كل تلك الزيادات يبتلعها التضخم.
وفي الوقت نفسه، واصلت الحكومة دفع الديون الخارجية في الوقت المحدد، واستنفذت بشكل كبير احتياطيات العملات الأجنبية، من 16 مليار دولار أمريكي، في يناير 2016، إلى ما يزيد قليلا عن 10 مليار دولار أمريكي الآن. ومن بين الاحتياطيات المتبقية، تحتفظ بنسبة كبيرة من الذهب بدلا من العملة النقدية الفعلية، مما يحد من هامش المناورة أمام الحكومة. وقد أدى ذلك إلى تحركات يائسة مثل البيع الأخير لما قيمته 2,8 مليار دولار أمريكي من سندات شركة PDVSA التي يحتفظ بها البنك المركزي إلى غولدمان ساكس بتخفيض نسبته 70٪. وهناك عملية أخرى من نفس النوع يجري بحثها، في حين اضطرت الحكومة إلى إعادة جدولة بعض ديونها مع الصين، واستخدمت شركة PDVSA بعض أصولها الأكثر قيمة كضمان للقروض النقدية. إن الوضع ميؤوس منه.
تكشف هذه الأزمة عن حدود ثورة تنفذ سياسة الإنفاق الاجتماعي في إطار الرأسمالية. وقد عمل الرأسماليون طوال هذه الفترة على الامتناع عن الاستثمار، حيث أنهم يخشون من أن تستولي الثورة على أصولهم (وقد فعلت ذلك في بعض الحالات). لقد أدت الإجراءات الحكومية إلى منع الاقتصاد الرأسمالي من العمل بشكل طبيعي، لكنها لم تذهب إلى حد السماح بقيام نظام للتخطيط الديمقراطي للاقتصاد ليحل محله. وبمجرد انهيار أسعار النفط أصبح واضحا أن الإمبراطور (“الاشتراكية النفطية”) لا يرتدي أي ملابس.
ما هو الحل؟
هناك طريقتان للخروج من هذه الحفرة العميقة التي يوجد فيها الاقتصاد الفنزويلي. أحدهما هو تنفيذ ما يريده الرأسماليون: تطبيق سياسة تقويم ضخمة مما سيجعل العمال والفقراء يدفعون الثمن. وسيتضمن ذلك تحرير أسعار الصرف وتخفيض العجز في الميزانية من خلال الاقتطاعات، وإسقاط أي تنظيم وحمايات (حقوق العمال، والحقوق البيئية، وما إلى ذلك) تقف في وجه السير “العادي” للرأسمالية.
والطريق الآخر هو المضي قدما إلى الأمام والقضاء على النظام الرأسمالي من خلال تحويل البنوك والصناعات والأراضي إلى الملكية العامة تحت الرقابة الديمقراطية، أي جعل الأوليغارشية تدفع الثمن. هذا لن يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، بطبيعة الحال، لكنه على الأقل سيضع موارد البلاد بين أيدي العمال حتى يتمكنوا من تخطيطها بشكل ديمقراطي لصالح الأغلبية.
لقد اختارت حكومة مادورو سياسة لا تتقدم نحو الاشتراكية، لكنها أيضا لا تسمح بعمل نظام السوق الرأسمالي بشكل كامل. إنها تقدم كل أنواع التنازلات للرأسماليين، لكن كل ذلك ليس كافيا بالنسبة لهم. إنها تقدم الوعود بعدم المساس بالملكية الخاصة وتقسم على أنها صديقة لأرباب الأعمال، لكن ذلك لا يقنعهم تماما. وهي تعطي الرأسماليين دولارات تفضيلية وغيرها من الإعانات، لكنهم يأخذون المال ويهربونه إلى الخارج أو يبيعونه في السوق السوداء.
وفي الوقت نفسه، فبدلا من الاعتماد على المبادرة الثورية للجماهير، تعمل الدولة والبيروقراطية الحزبية بمثابة كابح ثابت ضدها. إن الأزمة الاقتصادية، إلى جانب فساد كبار المسؤولين، والطريقة البيروقراطية التي يقمع بها المسؤولون تطلعات القواعد، والنداءات المستمرة للرأسماليين الذين يخربون الاقتصاد، وما إلى ذلك، كلها عوامل تعمل كسرطان في قلب الثورة البوليفارية، مما يثير الشكوك واللامبالاة والإحباط والكلبية. وحتى الآن لا يستطيع الناس في معاقل التشافيزية التقليدية أن يقتنعوا أن الجمعية التأسيسية ستعمل على معالجة القضية الأساسية للإمدادات الغذائية ومشاكل الاقتصاد. يتحدث مادورو عن “نموذج اقتصادي ما بعد النفط”، لكن لا أحد يعرف ما الذي يفترض أن يعني ذلك، وتم استبدال أي إشارة إلى الاشتراكية بالتطمينات للرأسماليين.
هذا الطريق يؤدي إلى الكارثة. لقد قلنا ذلك من قبل ونكرره مرة أخرى. إنه يمهد الأرض أمام اليمين للوصول إلى السلطة، عاجلا أم آجلا. قد يحدث هذا الآن أو يمكن أن يتأخر بضعة أشهر، ويمكن أن يحدث من خلال تمرد رجعي أو انقلاب عسكري أو هزيمة في الانتخابات أو أي مزيج من هذا وذاك. وسوف يدفع المناضلون الثوريون والعمال والفلاحون والفقراء بشكل عام ثمن الهزيمة غاليا جدا.
لا يمكن الدفاع عن المكاسب الثورية التي ما تزال قائمة إلا باستكمال الثورة، وهذا يعني تحطيم الدولة البرجوازية واستبدالها بدولة ثورية تقوم على أساس مجالس العمال والفلاحين، فضلا عن مصادرة أملاك الأوليغارشية (أصحاب الأبناك والرأسماليين والملاكين العقاريين) والإمبريالية.
من الأهمية بمكان أن تتسلح القواعد التشافيزية بهذا البرنامج وتحدد لنفسها مهمة بناء قيادة ثورية جديدة على هذا الأساس (كما أشار الرفاق في منظمة Alexis Vive بشكل صحيح). هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما، في هذه المعركة الآن، لمنع الإطاحة بحكومة مادورو من طرف الثورة المضادة، وللمعارك التي ستأتي لاحقا.