الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / فلسطين/إسرائيل / مصر: العدوان على غزة يصب المزيد من الزيت على النار

مصر: العدوان على غزة يصب المزيد من الزيت على النار

أنتج العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة موجات ارتدادية في الداخل المصري، كما في كل بلدان المنطقة. فبعد أن بدا أن “لقمة العيش” هرست الجميع وتراجع الاهتمام بـ”القضايا الكبرى” كما يتبجح أشباه المثقفين والمهزومين على حد سواء، عادت القضية الفلسطينية بشكل يبدو مفاجئًا للكثيرين لتحتل رأس قائمة أولويات الجماهير المصرية وجوهر نقاشاتها.

لا تخل وسيلة مواصلات أو مكان عمل أو مقهى أو تجمع عائلي من حديث عما يحدث في فلسطين ولفلسطين. أصبحت أسئلة، مثل: ماذا يحدث؟ لماذا لا نستطيع أن نوقف ذلك العدوان؟ أين حكامنا؟ ألم يكتفوا من الاستنكار والتنديد؟ هي الأسئلة الملحة في أذهان الجماهير اليوم.

أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم..

إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم…

تتحرك دكة غسل الموتى..

أما أنتم لا تهتز لكم قصبة.

-مظفر النواب

السيسي يسير على حبلٍ مشدودٍ معلقٍ في الهواء

على مدار التاريخ، نظرت الجماهير المصرية للقضية الفلسطينية على أنها امتداد للقضايا الداخلية المصرية. فبعد أن شهدت الجماهير بمرأى العين إخوانهم وأخواتهم في غزة يُقصَفون ويُبادون على شاشات التلفزيون والإنترنت دون أن يحرك ساكنًا لحكامهم، تولد بداخلهم شعورًا بالغضب مصحوبًا برغبة قوية في الفعل السريع، وهو ما ظهر جليًا في ردود أفعالها على الإنترنت واتجاهها إلى إطلاق حملات التبرعات وفتح النقاشات المعممة في كل مكان…إلخ.

إن الدرجة العالية من تأثر الجماهير بالأحداث في غزة، وإمكانية أن تكون تلك هي “الصدفة التي تعبر عن الضرورة” وتعبر الجماهير المصرية عن كل أوجاعها من خلالها هو أكثر ما يرعب النظام. لهذا عمل من البداية على احتواء ذلك الغضب وتوجيهه في مسارات آمنة.

نظمت الدولة عدة تظاهرات في ميادين محددة، وسمحت لإقامة تظاهرات أخرى دون قمعها بشكل فج. وعلى الرغم من ذلك، أُلقي القبض على العشرات من المظاهرات التي لم يُنظمها النظام، وما زال العديد منهم قيد الاحتجاز حتى الآن. فيما سُمح للطلاب في الجامعات بالتظاهر أحيانًا، وتُركت مساحة للجماهير للهتاف في مدرجات ملاعب كرة القدم، فضلًا عن السماح للنقابات المهنية بعقد مؤتمر وإصدار بيان دعم لغزة. وعلى الجانب الآخر، فُتح باب التبرعات عن طريق المؤسسات الخيرية (مثل الهلال الأحمر وغيرها من المؤسسات)، وسُمح لخطباء المساجد بالحديث عن فلسطين والفلسطينيين. رغم إن هذه الإجراءات كان لها تأثير معين تركز بشكل أساسي في شباب البرجوازية الصغيرة المترفين، لكن مع استمرار الحرب أصبحت إجراءات النظام بلا جدوى في أعين الجماهير يومًا بعد يوم.

يهدف النظام إلى خلق حركة جماهيرية ومجتمع مدني متحكم فيهما، وكأنه يريد أن يقول للجماهير: نحن معكم ضد العدوان ونوفر لكم كل المصارف التي تحتاجونها للتنفيس عن الغضب. لكن الأكيد أنه لو تمادت الحركة الجماهيرية أكثر فسوف يقابلها النظام الديكتاتوري بعنف أكبر، وهو ما حدث بالفعل بمنع المظاهرات مجددًا بعد الهتاف برحيل السيسي وضد التفويض المزعوم في عدة مظاهرات.

طبعًا تلك اللعبة السخيفة لم تنطل على أحد. لم يصدق أحد أن النظام الذي يقمع بلا رحمة الجماهير طوال السنوات العشر الماضية أصبح فجأة يسمح للجماهير بالتعبير عن غضبها. الحقيقة أن كل ما هنالك إن النظام لا يريد أن يدخل في صدام مباشر مع الجماهير في مسألة مثل القضية الفلسطينية، إذ يمكن حينها أن ينفجر الغضب المكبوت في وجهه بسرعة.

إن ادعاءات النظام باهتمامه بالفلسطينيين في غزة تفوح منها رائحة النفاق الفج. والدليل على ذلك هو تعامل الدولة المصرية مع قطاع غزة منذ النكبة عام 1948 بشكل حقير بوصفه ورقة يتلاعب بها مع قوى الإمبريالية ليبتزها، يُطبق الخناق عليه عندما يريد أن يكسب ود الولايات المتحدة وإسرائيل، ويخفف قبضته عندما ينشأ خلافًا معهما. كما أنها شاركت مشاركة مباشرة في حصار قطاع غزة منذ عام 2007 خدمة للصهاينة.

إن نظام عبد الفتاح السيسي قمع وحاصر قطاع غزة أكثر من أي نظام آخر. كان أول ما يريده السيسي في بداية حكمه أن يكسب ثقة الإمبرياليين الأمريكيين والإسرائيليين، ولم يجد أفضل من عباءة “محاربة الإرهاب” لكي يلبسها.

في بداية حكمه، شُنَت حملة دعاية هستيرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بينما جرى استغلال علاقة حماس بالإخوان المسلمين في مصر لربط قطاع غزة كله بالإرهاب الموجود في سيناء. فرضت الدولة حصارًا قاسيًا على القطاع لسنوات طويلة، وأغرقت ودمرت الأنفاق بين سيناء وغزة، تلك الأنفاق التي بُنيت باتفاق بين المهربين على الجانبين -المصري والفلسطيني- وحماس والمخابرات المصرية بعد عدوان 2007-2008، والتي كانت بمثابة شريان حياة غزة في وقت إغلاق معبر رفح.

لا يأبه النظام المصري بالقضية الفلسطينية وحياة الفلسطينيين، بل ويحاول إيجاد حلول وبدائل للإسرائيليين، مثل: التهجير لصحراء النقب بدلًا من صحراء سيناء حتى تنتهي إسرائيل من تنفيذ مجزرتها والقضاء على “المسلحين”. لكنها حلول وبدائل لن تقنع أحدًا على أية حال، بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم.

راح يكرر نفس الدعاية حول وهم حل الدولتين على حدود عام 67 وفقًا لما يُسمَى بـ “قرارات الشرعية الدولية”، والذي أصبح حلًا غير ممكن عمليًا بسبب السياسات الاستيطانية للدولة الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة. ومع ذلك، ما زال النظام المصري، وكل أنظمة المنطقة، يحاولون إقناع الصهاينة بأن ذلك حل مفيد لهم، لأنهم يعتقدون -واهمين- أنه سيُرضي الفلسطينيين، ويشتكون للإمبريالية الغربية عنجهية الإسرائيليين.

إن رائحة الخيانة تطفح من دعوات حل الدولتين تلك، وهو ما ظهر في حديث السيسي في مؤتمر مع المستشار الألماني أولوف شولتزعن: “إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وطرحنا ده، أن تكون فيه قوات أممية أو من الناتو أو قوات عربية تضمن أمن كل من الشعب الإسرائيلي والمواطن الإسرائيلي والشعب الفلسطيني والمواطن الفلسطيني” (خط التشديد من عندنا)، أي أنه يطالب بأن يشترك الجميع، بمن فيهم الجيوش العربية والنخبة الفلسطينية في السلطة في قمع الشعب الفلسطيني، في ظل استقلال وهمي، بدلًا من التماس المباشر والدائم بين الجيش الصهيوني والجماهير الفلسطينية الذي ينتج توترات دائمة لا تريدها الطبقات السائدة في المنطقة.

فهذا الطرح يهدف إلى تحويل غزة -وكل الأراضي الفلسطينية- إلى ضفة غربية أخرى تكون مرتعًا للقوات الصهيونية وعصابات المستوطنين الفاشية، لكي ترتاح الطبقات السائدة في المنطقة من عامل الراديكالية الفلسطيني. ولكن هيهات المذلة، طالما أن الشعب الفلسطيني المقهور والمضطهَد لم يحصل على حقه في وطن وفي حياة كريمة فسوف يظل ينتفض دائمًا؛ وعلى الجانب الآخر، طالما أن الدولة الصهيونية قائمة فسوف يظل الشعب الفلسطيني يتعرض للقتل والقهر والاضطهاد.

إن العدوان الصهيوني الحالي على قطاع غزة المُحاصَر يزيد من تناقضات النظام المصري المستعصية وأزماته المتفجرة حدة وعمقًا.

الخضوع والذل

يُحكى أنَ … كان يا مكان

سرقوا بلادنا الأمريكان

يُحكى أنَ … جيل ورا جيل

سرقوا فلسطين إسرائيل

يُحكى أنَ … يا أحفاد

أمريكا دخلت بغداد

يُحكى أنَ … يا حلاوة

أمريكا بتضرب بغباوة

راح يدخلوا بغداد العصر

والمغرب راح يدخلوا مصر.

-أمين حداد

إن نفس القوى الإقليمية والإمبريالية – إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والاتحاد الأوروبي – التي ارتمى النظام المصري في أحضانها وقدم نفسه كحامٍ لمصالحها وأمنها في المنطقة هي ذاتها التي تضغط عليه الآن ليكون جزءًا أصيلًا في نكبة جديدة للشعب الفلسطيني.

تضغط إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة والإمارات، وأوروبا بدرجة أقل، على النظام المصري لكي يسمح بتهجير جزء من الفلسطينيين من غزة إلى داخل سيناء. يحاول النظام مقاومة تلك الضغوط بإثارة مخاوف الإمبريالية من تمدد الصراع، حيث قال السيسي في نفس المؤتمر مع المستشار الألماني: “نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، ببساطة خالص، هو عبارة عن ان احنا بننقل فكرة المقاومة، فكرة القتال، من قطاع غزة إلى سيناء، وبالتالي تصبح سيناء قاعدة للانطلاق بعمليات ضد إسرائيل، وفي الحالة دي هيبقي من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وعن أمنها القومي، تقوم، في إطار رد فعلها، تتعامل مع مصر على إن هي تهديد، وتقوم بتوجيه ضربات للأراضي المصرية”.

للمرة الأولى، يمكننا أن نتفق مع السيسي في رؤيته لتلك الخطوة، إنه يخاف -بحق- من أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء قد يدفع بمصر في خط المواجهة الأول مع إسرائيل، وهو ما سيكون له آثارًا كبيرة على المسار السياسي والاجتماعي في مصر، والمنطقة برمتها. الحقيقة إن أي حل على أساس رأسمالي سوف يتضمن الاحتلال والتهجير والقتل للفلسطينيين، وبالتالي سيولد روح المقاومة سواء من غزة أو الضفة الغربية أو سيناء، أو أي مكان آخر، وتجربة المخيمات الفلسطينية في لبنان والأردن خير دليل على ذلك.

يجري الضغط على النظام المصري باستغلال مصيدة الديون التي أدخل نفسه فيها بإرادته لكي يحاول تجاوز أزمة النظام الرأسمالي المصري. إن ذلك النظام الذي يتغنى بالحديث عن السيادة وقوة القرار وامتلاك المصير، والذي يصم آذاننا بالأغاني الوطنية ليلًا ونهارًا، يجد نفسه الآن مسلوب الإرادة ومضغوطًا عليه من كل الجوانب، بلا أي سند شعبي.

وهو ما يحاول تجاوزه الآن بخطاب قومي سطحي لم يعد له تأثيرًا يُذكر بين الجماهير، خصوصًا ونحن نرى عجز النظام المصري عن إدخال المساعدات لغزة إلا بعد موافقة صعبة من الصهاينة، كما صرحت وزيرة الصحة الفلسطينية: “إسرائيل هي من تتحكم في معبر رفح وليس المصريين أو الفلسطينيين”، وذلك فضلًا عن ضرب معبر رفح أربع مرات، والقذيفة التي أصابت نقطة حدودية للجيش المصري جنوب رفح قرب معبر كرم أبو سالم عن طريق “الخطأ”، وهو ما يتنافى تمامًا مع كل أوهام السيادة والاستقلالية التي يدعيها النظام.

يشتد العدوان وتُدمَر سُبل الحياة في قطاع غزة، وتبرز الرغبة الإسرائيلية الحقيقية والعلنية في تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، أو على الأقل جزء منهم لكي يتم تقليص مساحة القطاع وبالتالي زيادة مساحة المنطقة الفاصلة بين القطاع ومستوطنات غلاف غزة، وهو ما يلتقطه النظام المصري ويحاول أن يخرج منه بأقل الخسائر الممكنة.

ما يعطل تنفيذ النكبة الجديدة هو الخوف من ردود الفعل الجماهيرية في مصر وفي المنطقة من جانب، وعدم الاتفاق على المسائل الأمنية والمكاسب المادية للنظام المصري حتى الآن من جانب آخر.

إن الطبقة السائدة الرأسمالية المصرية، التي يعبر عنها نظام عبد الفتاح السيسي، هي طبقة منحطة مكبلة، ليس فقط لا قِبل لها بالنضال ضد الصهيونية والإمبريالية، وهذا صحيح بالطبع نتيجةً لهشاشتها، ولكنها أيضًا لا رغبة لها في ذلك، ببساطة لأن هذا لا يخدم مصالحها، فتلك الطبقة ترتبط بآلاف الخيوط والمصالح -من موقع التابع- مع الإمبريالية الغربية، تلك المصالح ستصبح مهددة في حال جرى اتخاذ أي إجراءات ضد إسرائيل. كما تربطها مصالح تجارية ومالية مع الدولة الصهيونية نفسها، حيث بلغ التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل، حسب دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، أكثر من 122 مليار دولار عام 2021.

هذا ينطبق على كل الطبقات السائدة الحقيرة في المنطقة التي تدفعها مصالحها الطبقية الأنانية لقهر وقمع واستغلال جماهيرها، والتضحية بالدم والحق الفلسطيني.

ليس في يد النظام الآن سوى أن يأمل في عدم تنفيذ الإسرائيليين لخطتهم بتهجير كامل أو جزئي لسكان غزة، تهجير سيكون كالزلزال بالنسبة لجماهير المنطقة، وما يوقفه حتى الآن تعقيدات غزة الباسلة، وخوف الإمبريالية من أن يؤدي هذا لزعزعة استقرار المنطقة والنظام العالمي بأكمله. في ظل ذلك تحول النظام المصري إلى متلقٍ سلبي لمجريات الأحداث، ويجبر الجماهير المصرية أن تصبح كذلك بقمعه لها لخوفه منها.

تدخل الجماهير وغياب القيادة الثورية

أصبح عجز وقلة حيلة النظام محل استهجان الجماهير، وقوبلت محاولاته التحكم في الغضب العام بالازدراء الذي يستحقه. لقد سئمت الجماهير المصرية ذلك الخطاب الشعبوي المعتاد للسيسي، فقد جربته وخبرت نتائجه المريرة على مدار العشرية الماضية.

تتحول القضية الفلسطينية بالتدريج إلى نقطة مرجعية للجماهير، وانطلقت تظاهرات في عدة أماكن الجمعة التي تلت مجزرة مستشفى المعمداني تهتف بـ”عيش حرية عدالة اجتماعية” و”دي مظاهرة بجد مش تفويض لحد” بجانب هتافها لفلسطين، وهذا ما جعل النظام يوجه ضربات لتلك التظاهرات، ولكن بحذر.

إن إحساس المرارة والمهانة والغضب المتحكم في الجماهير المصرية أمام مأساة إخوانهم وأخواتهم في غزة يمكن أن يلتحم مع تناقضات الوضع في مصر، التي كانت بمفردها في طريقها للانفجار، ليسرع سيرورة الانفجار ويعمق التناقضات أكثر فأكثر.

في حالة تهجير واسعة النطاق للفلسطينيين من غزة إلى سيناء يمكن أن ينفجر الغضب الشعبي المصري في وجه تخاذل السلطة، إذ تحاول الجماهير أن تعتلي خشبة مسرح التاريخ مجددًا لتنفض الذل والقهر والفقر، مما سيكون صدمة للجماهير المصرية تُسقط أي ورقة توت يحاول أن يستر النظام بها عوراته.

تبدأ الجماهير مع الوقت معرفة إن التظاهرات والمقاطعة الاستهلاكية الجماهيرية، رغم أهميتها، محدودة التأثير وليست كافية في حد ذاتها، وأن المطلوب هو تغيير جذري في مصر، إن كنا نود أن نتجاوز عتبة التعاطف وإبداء الغضب في الهتافات.

ليس صحيحًا إطلاقًا إننا لا نستطيع فعل شيء لنصرة إخواننا وأخواتنا في غزة وفلسطين، كما يحاول أن يوهمنا النظام والطبقة السائدة. يجب الضغط من أجل السماح بكل مظاهر الدعم والتضامن مع فلسطين، ويجب قطع كل العلاقات مع الدولة الصهيونية مع ضرورة تنظيم الطبقة العاملة من أجل توفير الرعاية الصحية لأهالي غزة المصابين في العدوان. كما يجب منع القوات الأمريكية وغيرها من الدول الغربية الداعمة لإسرائيل من استخدام المجال الجوي المصري وقناة السويس. فينبغي ألا نسمح بأن تكون سماؤنا مياهنا نقطة عبور للأسلحة التي تقتل إخواننا وأخواتنا في غزة، وعلينا الضغط بكل قوة من أجل فتح معبر رفح بشكل كامل من أجل إيصال كل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وتوفير خدمات الاتصالات والإنترنت بصورة دائمة لقطاع غزة عن طريق مصر.

لو كان للطبقة العاملة المصرية قيادة ثورية لكان من الممكن تنظيم حركة عمالية وجماهيرية ضخمة تربط مهام تحرير فلسطين بمهام تحرير مصر. لكن بدلًا من ذلك، اصطفت كل القيادات النقابية في نقابات عمال مصر، الخاضعة لسيطرة الدولة، والنقابات المهنية التي يقبع على رأس عدد منها تيار الاستقلال بما تمتلكه من هامش حركة أكبر من النقابات العمالية، وراء السلطة. وحتى من يسمون أنفسهم بالمعارضة، مثل أحمد الطنطاوي الذي كان يقدم نفسه بديلًا للسيسي، خضعوا لابتزاز دعاية السلطة واصطفوا خلفها من أجل “مواجهة أي تهديد محتمل” وضمان “استقلال الوطن وسلامة أراضيه” على حد تعبير الطنطاوي نفسه. وعلى الجانب الآخر، يكتفي الإصلاحيون والإصلاحيون اليساريون بإصدار بيانات شجب وإدانة لا تختلف في جوهرها عن بيانات وزارة الخارجية المصرية.

تمتلك الطبقة العاملة المصرية -والعالمية- قوة مهولة، لكنها مختزنة ولم تعبر عن نفسها حتى الآن. لو كانت الطبقة العاملة في السلطة لكان يمكن استخدام كافة الوسائل والإمكانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والمجتمعية لنصرة فلسطين، لكانت تحولت مصر كلها لمخزون وخط دفاع لصالح الشعب الفلسطيني؛ لكانت نُظمَت حملة أممية لاستنهاض عمال العالم، بدء بعمال المنطقة، من أجل غزة: بدءًا من تنظيم قوافل دعم للفلسطينيين ومحاصرة المصالح الإمبريالية الصهيونية ومصالح داعميها الغربيين والعمل على إسقاطها، ومرورًا بتنظيم عمال موانئ العالم من أجل رفض شحن الأسلحة وتنظيم عمال مصانع الأسلحة لمنع الإنتاج لصالح الدولة الصهيونية وشن حملة دعائية قوية باستخدام وسائل الإعلام لكشف المصالح الإمبريالية الوحشية للدولة الصهيونية والدول الغربية من أجل إسقاط الطبقة السائدة، والنظام الرأسمالي الذي تعبر عنه، ووصولًا لشن حرب دفاعية ثورية -إن اقتضى الأمر- على الدولة الصهيونية بخطاب أممي وطبقي يعمل على تقسيم المجتمع الإسرائيلي على أسس طبقية.

لو كانت الطبقة العاملة في السلطة لكان من الممكن والضروري وضع استراتيجية عمالية ثورية تنشر خطابها الأممي السليم والواضح والذي سيكون له صدى هائل داخل إسرائيل نفسها، وهي استراتيجية تهدف إلى إسقاط كل الأنظمة الرأسمالية الفاسدة والمجرمة، في البلدان العربية وإسرائيل على حد سواء، وهي أيضًا التي تقدم الحل الوحيد والنهائي للقضاء على الاضطهاد القومي وإنهاء المعاناة الفلسطينية.

ثمة الكثير والكثير مما يمكن للطبقة العاملة أن تقدمه للقضية الفلسطينية، في مصر وخارجها، وكل ما يمنعها هو استمرار سيطرة الرأسمالية على السلطة في كل بلدان العالم، وهو ما يشكل نفقًا مسدودًا لأي تطور ممكن للحركة الفلسطينية ولأي استراتيجية فعالة لمواجهة الدولة الصهيونية. فقط نهوض فلسطيني ثوري في كل أراضي فلسطين التاريخية، يمتد لبلدان الإقليم هو ما يمكن أن يفتح أفق للحركة الفلسطينية لكي تتطور.

خاتمة

خير ما تقدمونه للقضية الفلسطينية هو نضالكم ضد أنظمتكم الرجعية.

-جورج حبش

إننا في لحظة دقيقة: هناك عاصفة ثورية في الطريق. بعد الإجهاز على موجتين ثوريتين في المنطقة، ها هي الظروف الموضوعية تجهز التربة لاندلاع موجة ثورية جديدة، يمكن أن تمتد بسهولة إلى خارج المنطقة في سياق الأزمة العالمية الحالية. إن العدوان الحالي يكثف كل تناقضات النظام الرأسمالي في العالم، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص.

يُضاف الآن للقمع والأزمة الاقتصادية العنيفة والأزمات السياسية والاجتماعية المتتالية عدوانًا همجيًا -يجذب أنظار طليعة العمال والشباب في العالم ويكشف نفاق “الديمقراطية” الغربية وهمجية الإمبريالية- شديد التأثير في جماهير المنطقة المقهورة، ويكشف ضرورة إسقاط أنظمة المنطقة الرجعية، التي تقف حجر عثرة في وجه الجماهير لمساندة فلسطين في وجه الهمجية الصهيونية.

إن إسقاط الأنظمة الديكتاتورية القمعية في مصر والأردن والسعودية وإيران وتركيا، وكل المنطقة، هو نقطة البداية لتحرير فلسطين. لكن إسقاط الأنظمة الديكتاتورية والقمعية والملكية ليس سوى نصف المهمة، النصف الآخر هو إسقاط الرأسمالية في المنطقة، وإخراج المنطقة من هيمنة الإمبريالية التي تتلاعب بنا ولم تجلب لنا سوى الدمار والقتل والاحتلال والفقر والمعاناة. حينها يمكن أن نوجد حلًا حقيقيًا وقابلًا للتطبيق ونهائيًا للقضية الفلسطينية بالضغط الثوري من أجل إسقاط الطبقة السائدة الإسرائيلية ودولتها الصهيونية لبناء فدرالية اشتراكية على أراضي فلسطين التاريخية.

سينهضُ من صميمِ اليأسِ جيلٌ

عنيدُ البأسِ جبارٌ عنيدُ

يقايضُ ما يكونُ بما يُرَجّى

ويعطِفُ ما يُرادُ لما يريدُ

-محمد مهدي الجواهري

نعيش الآن في ظل أحداث مكثفة وثقيلة تدفع قطاعات وشرائح متزايدة من العمال والشباب للاستنتاجات الثورية، وسرعان ما ستدفعهم للثورة. قال لينين: “الرأسمالية هي الرعب بلا نهاية”، هذا هو الدرس الذي يتعلمه الملايين اليوم في العالم، بدءًا بالشباب، من العدوان على غزة. من رحم العدوان الهمجي الحالي تولد روح المقاومة والثورة في جيل جديد في فلسطين ومصر، والشرق الأوسط وعالميًا.

إن الأحداث المهيبة والفاصلة التي تتكشف أمام أعيننا في الشهور والسنوات القليلة القادمة تبرز أهمية بناء القيادة الثورية للطبقة العاملة بأقصى سرعة ممكنة، في مصر وفلسطين، وعالميًا. إن الجماهير في كل مكان ستتحرك، ويجب أن نعمل على توفير الأداة التي تستطيع تكثيف وتأطير وتوجيه غضب الطبقة العاملة والجماهير نحو المهمة التي لا مناص منها: إسقاط النظام الرأسمالي وإنشاء فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جزء من فدرالية اشتراكية عالمية، تلك الأداة هي الحزب الثوري والأممية الثورية. انضموا إلينا لإنجاز تلك المهمة الملحة! انضموا إلى الشيوعيين! انضموا إلى التيار الماركسي الأممي!

المجد للشهداء! والشفاء العاجل للجرحى!

لا لقصف غزة وغزوها!

تسقط الدولة الصهيونية!

تسقط أنظمة المنطقة الرجعية!

من أجل وحدة نضال عمال وشباب المنطقة!

من أجل فدرالية اشتراكية على أراضي فلسطين التاريخية، جزء من فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا!

انتفاضة حتى النصر! ثورة حتى النصر!

محمد حسام

15نوفمبر/تشرين الثاني 2023