الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / مصر / مصر: بعد تنصيب الديكتاتور مجددًا، القادم يختلف عما مضى

مصر: بعد تنصيب الديكتاتور مجددًا، القادم يختلف عما مضى

انتهت مهزلة الانتخابات الرئاسية في مصر بإعادة تنصيب الديكتاتور عبد الفتاح السيسي مجددًا على عرش مصر بنسبة 89,6% من الأصوات. يا لها من مفاجأة غير متوقعة!

لقد أجريت الانتخابات هذه المرة بنفس الطرق المعتادة، مع بعض الفجاجة الزائدة. هذا بعد فترة مشحونة أثناء جمع توكيلات الترشح، وبعدما تم الإجهاز على أي احتمالية لانتخابات فيها حد أدنى من التنافس كما كان متوقعًا، وهو ما حدث بمنع أحمد الطنطاوي بالقوة من الترشح رسميًا للانتخابات.

وتم جلب ثلاثة مرشحين لا تعلم أغلبية الجماهير أسمائهم حتى بعد انتهاء الانتخابات في محاولة فاشلة لرسم صورة أقل قبحًا من انتخابات 2018، هم: حازم عمر، وهو أحد رجال الأعمال ورئيس حزب أنشأته الأجهزة الأمنية، وعبد السند يمامة، وهذا بعدما تم إخراجه من متحف حزب الوفد، وفريد زهران، وهو إصلاحي يميني وسياسي انتهازي ورئيس الحزب المصري الديمقراطي “المعارض”.

لقد تم حشد كل قوة وإمكانات الدولة لإخراج مسرحية الانتخابات الرئاسية ومحاولة خلق صورة من الإجماع الوطني، لكن كالعادة خرجت الصورة هزلية إلى حد السخافة. تم إجبار موظفي الدولة وعمال المصانع والفنادق وكل من يمكن إجباره على الذهاب للتصويت، كما الفئات المسحوقة الأكثر فقرًا في المجتمع، لا سواء بالتهديد بالفصل من العمل أو بالتهديد من إخراجهم من برنامج “تكافل وكرامة” الهزيل الحكومي أو بالاحتيال أو بالرشوة بصندوق من المواد التموينية والـ “200 جنيه” الشهيرة في مصر.

وعلى الرغم من كل هذا فإن الرقم الرسمي للمشاركة في التصويت في الانتخابات هذه المرة البالغ نسبة 66,8% أو أكثر من 44 مليون مواطن هو رقم مبالغ فيه للغاية.

وهو ما جعل الجماهير تتعامل مع الانتخابات بالازدراء المستحق، حيث سيطر على ثلاثة أيام الانتخابات، وما بعدها بقليل، السخرية اللاذعة من الأجواء الهزلية وصور السيسي المنتشرة في كل مكان، والحسرة على شراء أصوات الناس الانتخابية واستغلال فقرهم وضعفهم. إن الجملة التي تتردد على لسان الجماهير بلا استثناء إننا “لبسناه ست سنين كمان” كاشفة للمزاج العام، وترقب الجماهير وقلقها من المستقبل القريب خلال ست سنوات قادمة تعلم الجماهير عن طريق تجربتها المريرة إنها ستكون سنوات قاسية.

أزمة اقتصادية ضاغطة

ما أن بدأ العام الجديد حتى أعلنت الدولة هديتها للمواطنين وحولت هذه المناسبة السعيدة إلى سرادق عزاء: زيادة جديدة في أسعار تذاكر المترو في القاهرة والجيزة، وهو وسيلة المواصلات الأساسية لملايين المواطنين كل يوم، وزيادة أسعار القطارات في كل أنحاء البلاد، هذا بالإضافة إلى رفع أسعار الكهرباء برغم من انقطاعها لمدة ساعتين يوميًا، بجانب أسعار الاتصالات والزيوت بمختلف أنواعها والأسمنت والحديد، وعدة منتجات وخدمات أخرى. وعلى الأغلب ستلجأ الدولة لمزيد من إجراءات التقشف والاقتطاعات ورفع الأسعار والخصخصة في السنوات القادمة، وهذا نتيجة أزمتها المستفحلة التي تعمل على تدفيع الجماهير ثمنها.

وما يزال التضخم جامحًا بشكل جنوني، حيث ترتفع الأسعار بشكل شهري تقريبًا، من الغذاء والدواء إلى كل المنتجات والخدمات المختلفة الأخرى. هذا بالإضافة إلى تقلصات وتشنجات دائمة في السوق نتيجة أزمة توفر الدولار، وبالتالي عدم انتظام العرض والطلب، وهو ما يجعل تقلبات السوق أكثر تدميرًا. 

كما إنه من المنتظر تفاقم أزمة سداد أقساط الديون المستحقة على الدولة وفوائدها في عام 2024 أكثر، حيث من المقرر سداد 42 مليار دولار هذا العام فقط، وهناك عجز منهم يقدر بـ 24 مليارًا، وسوف تعتصر الديكتاتورية العسكرية الجماهير عصرًا لكي تسد تلك الفجوة الدولارية.

وهو ما يرجح كفة توقعات حدوث تعويم آخر للجنيه خلال الشهور القادمة، بعد أن تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء الـ 50 جنيهًا للدولار الواحد، في مقابل حوالي 31 جنيهًا للدولار الواحد في السوق الرسمي، وهو وضع غير قابل للاستدامة، كان أول نتائجه تراجع تحويلات المصريين في الخارج بمعدل 29.9% خلال الفترة من يوليو وحتى سبتمبر من العام 2023، هذا حسب ما أعلنه البنك المركزي المصري، وتلك التحويلات هي من أهم مصادر العملة الصعبة في مصر.

خصوصًا مع تقييد قدرة الدولة على الاستدانة الخارجية بشكل واسع مثل الماضي، نتيجة عدم ثقة المؤسسات التمويلية في السلطة في مصر نتيجة الأزمات المتلاحقة. بجانب رغبة تلك القوى الإمبريالية والإقليمية المختلفة الضغط على النظام من أجل الإسراع في تنفيذ برنامج “الإصلاح الاقتصادي” لطحن الجماهير خدمة لمصالح الرأسمالية الإقليمية والعالمية، وهو ما يتخوف منه الديكتاتور خشية انفجار الجماهير.

هذا بالإضافة إلى عدم قدرة الدولة في المُضي قدمًا بشكل أسرع في خطة الخصخصة وبالتالي عدم قدرتها على جلب مزيد من العملة الصعبة، وهذا بسبب أن ذئاب رأس المال في الخارج، خصوصًا في الخليج، ينتظرون التعويم القادم ليشتروا المؤسسات والمصانع بسعر أرخص. وبالتالي أصبح هامش المناورة ضئيلًا جدًا أمام السلطة، وتجد نفسها الآن في منحدر صعب بأيدي مقيدة تمامًا.

إن كل التوقعات تشي بعام صعب أمام الجماهير المصرية، لا سواء توقعات رجال الأعمال ومنظري رأس المال أو توقعات الدولة نفسها، حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمره الأخير الذي حاول أن يبرر خلاله موجه زيادة الأسعار الجديدة: “نعي تمامًا إن أحنا قدمنا علشان نتجاوز الأزمة اللي أحنا موجودين فيها 2024 وجزء من 2025، علشان نتعافى ونرجع تاني لما كنا عليه في سنة 2021”.

كما أظهر استبيانًا أجرته المجلة الاقتصادية “CNBC عربية” مع 10 من المستثمرين في عدة قطاعات شؤم توقعاتهم فيما يخص أداء الاقتصاد المصري في عام 2024: توقع 70% منهم استمرار جموح التضخم في مستوى الـ 20%، و30% منهم توقعوا تجاوزه عتبة الـ 30%.

وبالتالي، فإن على المستوى الاقتصادي سوف يحمل المستقبل القريب كثيرًا من المصاعب للجماهير، والتي تضاف أصلًا إلى الواقع البائس الحالي. إن كل الطرق أمام الديكتاتورية العسكرية تؤدي إلى مزيد من الخراب، وهو ما سوف يجلب بالتأكيد ردود فعل جماهيرية غاضبة علنية في وقت من الأوقات.

أزمة سياسية تتنامى

يبدأ السيسي فترة حكمه الجديدة في ظل تنامي أزمة سياسية بدأت تظهر معالمها منذ فترة، وهذا بسبب انعدام شعبيته بعد عشر سنوات عجاف من التقشف والاقتطاعات والإفقار الممنهج لشرائح وقطاعات كاملة من الجماهير.

هذا بعد أن بدا واضحًا أن آمال التنمية المزعومة التي روجت لها الديكتاتورية العسكرية تحولت لكابوس حي ودائم، وبدأ ينفذ صبر الجماهير، هذا بعدما تحملت وطأة الإفقار والاستغلال والقمع الفج لسنوات عديدة.

وبدأت بالفعل بوادر التذمر تظهر للعلن لا سواء في النقاشات المعممة أو التحركات العمالية المتقطعة على الجبهة الاقتصادية أو التحركات النقابية في النقابات المهنية، وهو ما سوف ينتقل للجبهة السياسية في وقت من الأوقات.

وفي هذا الصدد يتزايد خوف وقلق منظري رأس المال الأكثر ذكاء على مستقبل الأوضاع في مصر تحت حكم الدكتاتور السيسي الذي لا يقيم حكمه اليوم سوى على القمع العاري وخمول الجماهير المؤقت والمشكوك في استمراره طويلًا، وهو ما يظهر من خلال تصريحات رجال الأعمال عن قلقهم من تزعزع الاستقرار، كما يظهر في تصريحات شخصيات لها وزن في المجتمع البرجوازي مثل حسام بدراوي، وغيره من الليبراليين.

لكن مع قضاء السيسي على أي منافس له من داخل الدولة، وخيانة جزء من المعارضة باشتراكهم في الحوار الوطني الذي أطلقته الدولة، بالإضافة إلى عجز القوى الإصلاحية عن شن نضال جدي لإسقاط الدكتاتورية العسكرية، وهو ما ظهر في تجربة أحمد الطنطاوي القصيرة، رغم ما أنتجته من تحريك للمياه الراكدة من السياسة المصرية، في ظل كل ذلك يبدو الأفق منسدّ أمام الطبقة السائدة، أو كما قال السياسي البرجوازي حسام بدراوي متحسرًا في لقاء مع إندبندنت عربية: “وصلنا لمرحلة إن ليس أمامك بديل، غير بقاء الأمر كما هو عليها للأسف”.

والأكيد أنه في السنوات القادمة سوف تزيد نبرات الاحتجاج و”المعارضة” من الليبراليين والعديد من أجنحة الطبقة السائدة تحت وطأة الأزمة، كما سوف تزيد عزلة الديكتاتورية العسكرية أكثر فأكثر.

لكن هذا التحسر والتشاؤم المنبعث من كل كلمة من أفواه منظري رأس المال في مصر وكل نظرة من أعينهم ما هو إلا انعكاس إدراكهم بانتهاء صلاحية الديكتاتورية العسكرية في مصر وخوفهم من رد فعل الجماهير الآتٍ لا محالة.

عامل الراديكالية الفلسطيني

منذ ما يقارب الثلاثة أشهر تُشن حرب إبادة همجية ضد الفلسطينيين من طرف آلة الدمار الصهيونية، أنتجت حوالي 30 ألف شهيد، بخلاف آلاف المدفونين تحت الأنقاض حتى اللحظة، وعشرات الآلاف من المصابين من الصعب حصرهم، بالإضافة إلى شيوع الجوع وتفشي الأمراض والأوبئة وانهيار النظام الصحي، بجانب تكدس الغزاويين في منطقة صغيرة جغرافيًا بجانب الحدود مع مصر بسبب دفع  القصف الصهيوني لهم، حيث جرى تهجير 90% من بيوتهم.

لقد أدت مشاهد التقتيل والتشريد لاندلاع موجة غضب في مصر، وهو ما دفع الجماهير للنزول في مظاهرة يوم الجمعة الذي تلا مجزرة مستشفى الأهلي المعمداني في شمال قطاع غزة في عدة محافظات، واقتحمت المظاهرات ميدان التحرير لأول مرة منذ هزيمة ثورة 2011-13.

إن المشاهد المخزية للمصابين الفلسطينيين في عراء الصحراء والتي تبث من معبر رفح من الجانب الفلسطيني، الذي يعد المنفذ الوحيد بين قطاع غزة والعالم لا تتحكم فيه إسرائيل، بجانب انتظار موافقة الصهاينة لإدخال أي نوع من المساعدات لغزة، جعلت الجماهير توجه غضبها للنظام المصري، كما لكل أنظمة المنطقة، وتتهمها بالضعف كحد أدنى والتواطؤ كحد أقصى.

إن درجة التأثر العالية للجماهير بالأحداث في غزة هو أكثر ما يقلق النظام المصري ويجعله يتمنى توقف تلك الحرب في أسرع وقت، ولكن هذا في يد الصهاينة.

هذا بخلاف احتمالية توسع الحرب إقليميًا وهو ما سوف ينتج مزيد من الضغوط على النظام المصري اقتصاديًا وسياسيًا. لقد كانت بداية تلك الضغوط هو ضرب الحوثيين لكل السفن التجارية الإسرائيلية أو الذاهبة إلى إسرائيل المارة من باب المندب، وهو ما جعل عدة شركات شحن عملاقة تغير مسار سفنها لكي لا تمر من المضيق، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض عائدات قناة السويس، حيث شهدت حركة مرور السفن عبر قناة السويس انخفاضًا بـ 28% خلال العشرة أيام الماضية، بحسب ما أعلنته بلومبرج.

هذا بالإضافة إلى أن تغيير مسار سفن شحن البضائع والنفط من باب المندب وقناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح سوف يزيد من وقت الشحن وبالتالي سعره، وهو ما سوف يزيد من الموجة التضخمية في العالم ويؤدي لارتفاع عام في الأسعار، سوف يعاني منه الاقتصاد المصري الهش الذي يعتمد على الاستيراد ويواجه أزمات حادة في اختلال الميزان التجاري، كما في توفير العملة الصعبة.

إن استمرار العدوان الصهيوني على غزة يضع النظام في أزمة حقيقية، ولا شيء في يده سوى أن يأمل في انتهاء ذلك العدوان دون أن ينفذ الصهاينة “النكبة الثانية” ويقومون بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وهو ما إن حدث سيكون بمثابة زلزال سياسي واجتماعي في مصر، كما في المنطقة والعالم بأسره، ومن الممكن أن يؤدي إلى إشعال موجة ثورية في المنطقة، ستحدث على مستوى أعلى من موجة 2011 التي هزت العالم بالفعل.

صحيح إن إحساس الغضب الذي سيطر على الجماهير في الأيام والأسابيع الأولى للعدوان بدأ يتحول لإحباط عام، وهذا نتيجة عدم وجود قيادة ثورية تستطيع توجيه غضب الجماهير، لكن هذا الإحباط الحالي سوف يضاف إلى أطنان من إحباطات العقد الماضي، والتي بدورها ستنتظر الصدفة التي تعبر عن نفسها من خلالها ويشتعل الغضب.

برميل بارود ينتظر الانفجار

إن الأزمات تتراكم كل يوم بشكل متزايد، والفترة الرئاسية الجديدة ستكون مختلفةً تمامًا بالنسبة للديكتاتورية العسكرية الحاكمة في مصر عن العشر سنوات الماضية، فـ”الإجماع الوطني” والتمسك بالأمل الوهمي وشبه الاستقرار الإقليمي وهامش المناورة الاقتصادي أصبحوا من الماضي، هذا بجانب بداية تبدد غيوم الإرهاق الجماهيري، وبداية تسخين الجماهير عضلاتها استعدادًا لدخول ميدان النضال مجددًا.

صحيح إن فراغ القيادة يبطئ عملية استعادة الجماهير لنشاطها، لكن مع اشتداد الأزمة سيتم دفع شرائح متزايدة للحركة والتنظيم مجددًا.

وفي ظل ذلك، تجد الطبقة السائدة نفسها بلا أي أدوات لتفادي الانفجار الاجتماعي القادم، فقد وضعت كل ثقتها وثقلها وراء نظام عبد الفتاح السيسي الاستبدادي، واليوم أصبح واضحًا للجميع إن انتفاض الجماهير ضده مسألة وقت ليس أكثر. إن الوضع أشبه بـ إبحار سفينة في محيط هائج ذو أمواج عاتية بقيادة قبطان رديء وذو قدرات ومهارات منخفضة.

إن برميل البارود الجماهيري الذي يقارب على الانفجار يحتم على الشيوعيين والثوريين التجهز بأقصى سرعة ممكنة للثورة القادمة عن طريق بناء منظمة ثورية على أساس النظرية الماركسية. إن السنوات القادمة ستكون مليئة بالأحداث، ويجب أن نتأكد من أننا سوف نكون على مستوى المهام التي سوف يطرحها علينا التاريخ.

الحرية للمعتقلين السياسيين!

تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!

من أجل بناء تنظيم ماركسي ثوري!

تسقط الرأسمالية!

من أجل حكومة عمالية!

محمد حسام

8 يناير/كانون الثاني 2024