يوم 18 مارس 2022 أعلن القصر الملكي خبر الرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى ملك المغرب (وليس إلى الحكومة “المنتخبة” ولا إلى البرلمان، بل إلى الملك شخصيا، مما يؤكد أنه يفهم جيدا أن هاتين الأخيرتين مجرد مؤسستان شكليتان دورهما الوحيد تجميل وجه الحكم الملكي الفردي المطلق وتنفيذ سياساته)، عبر له من خلالها عن دعمه لمبادرة “الحكم الذاتي”، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، واعتبرها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المتعلق بالصحراء المغربية”.
بعد ذلك مباشرة قام “أحد ما” “في مكان ما” بالضغط على زر الانطلاق، فتحركت وسائل الإعلام بالمغرب، الرسمية منها و”المستقلة”، وعشرات “الخبراء” والأكاديميين، في حملة منسقة للتنويه بهذه الخطوة واعتبارها “تاريخية” و”نتيجة للسياسة الملكية الحكيمة” و”المتبصرة” و”الناجحة”، في تلميح بالخصوص إلى سياسة الابتزاز التي طبقها النظام المغربي، العام الماضي، بدفعه لآلاف المهاجرين، بمن فيهم أطفال وقاصرون، إلى اقتحام حدود سبتة ومليلية، برا وبحرا، في ما قد يكون واحدة من أكبر موجات النزوح التي عرفها العالم في وقت السلم.
“أساس واقعي للحل”!
من المفترض أن الشعب الصحراوي هو الوحيد الذي يمتلك الحق في أن يقرر ما هو الحل الأكثر واقعية والأكثر جدية لقضيته، وليس رئيس حكومة دولة كانت تستعمر المنطقة (وما تزال تستفيد من نهبها)… لكن من الذي لديه الوقت لكي يهتم بهذه التفاصيل! فبما أن مصالح الإمبريالية الإسبانية اقتضت ذلك، فما على الشعب الصحراوي إلا أن يقبل، الآن، وبعد خمسين سنة من الكفاح من أجل الاستقلال، بكل التضحيات والمعاناة المرتبطة به، بـ”الحكم الذاتي” في ظل “السيادة المغربية”، أي العيش تحت حذاء نظام دكتاتوري قمعي متخلف!! آمـيــــن!
كانت المزحة ستكون أقل وقاحة لولا جدية القضية المطروحة على المحك. لذا دعونا نلقي نظرة على بعض مميزات ذلك النظام الذي يقترح السيد سانشيز على الشعب الصحراوي القبول بحكم ذاتي في ظل سيادته:
كشفت الجمعية المغربية لحقوق الانسان في تقريرها الأخير عن الأوضاع بالمغرب إن الدولة المغربية «تواصل تضييقها التعسفي الممنهج على الحريات العامة وقمعها للحق في حرية التنظيم والتجمع والاحتجاج السلمي […]». وأشارت في ذات التقرير إلى: «استمرار اعتقال الدولة للعديد من المدافعين/ات على حقوق الإنسان ونشطاء الحركات الاجتماعية المناضلة والصحفيين المستقلين والمدونين […]». كما أكدت «تعرض العديد من المواطنين/ات لمختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، سواء في الشارع العام، أوفي مراكز الاحتجاز […]».
وأضافت إنه «تم انتهاك حرمة المنازل، وتوظيف مخبرين لمراقبة تحركات الناس، واختراق الرسائل النصية، أو الاتصالات الرقمية الأخرى التي تنتهك الخصوصية، لاستعمالها في حملة التحريض ضد المدافعين/ات على حقوق الإنسان ونشطاء الحركات الاجتماعية والصحفيين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ وتجدر الإشارة أن الجمعية رصدت حالات انتهاك حرية المعتقد وحرية الضمير ومختلف الحريات المشار إليها […]».
كما أعلنت أنها رصدت 143 حالة “منع” من سلطات البلاد لوقفات ومسيرات وتجمعات احتجاجية خلال 2021، منها 14 كانت داعمة للفلسطينيين ومناهضة للتطبيع مع إسرائيل…
هذه فقط بعض مميزات “الواحة” التي يدعو السيد سانشيز الشعب الصحراوي إلى العيش في ظلها، بل ويعتبر ذلك حلا “جديا” و”واقعيا”. لكن لا بد أن الشعب الصحراوي، الذي يرى ما يعيشه الشعب المغربي نفسه في ظل “السيادة المغربية”، سوف يرفع الأصبع الأوسط في وجه السيد سانشيز وسيقول له: “اذهب إلى الجحيم”!
“الإمبريالية هي التعفن والرجعية على طول الخط”
ليست هذه الطعنة سوى واحدة من عشرات الطعنات التي تلقاها الشعب الصحراوي من مختلف القوى الإمبريالية، ومن الأمم المتحدة نفسها. ففرنسا لا تخفي أبدا دعمها الكامل للنظام القائم في المغرب. كما أن الاتحاد الأوربي، بدوره، سعيد بإطالة أمد الصراع لأن ذلك يوفر له فرصة نهب ثروات الشعبين برا وبحر، بسياسة ابتزاز إجرامية، تستفيد منها حتى الطبقة السائدة بالمغرب، على شكل عمولات ودعم سياسي وصمت عن الجرائم…
هذا وكانت الإمبريالية الأمريكية في عهد ترامب، قد التحقت بركب الاعتراف للمغرب بـ “سيادته” على الصحراء الغربية، وهو القرار الذي ما زال ساري المفعول حتى في ظل إدارة بايدن. بينما تواصل الأمم المتحدة حراسة الوضع القائم الذي يعني استمرار معاناة الشعب الصحراوي سواء في الداخل أو في المخيمات، أو في بلدان الشتات.
ومثله مثل جميع ممثلي القوى الإمبريالية الأخرى لا ينظر بيدرو سانشيز إلى الشعب الصحراوي على أنهم بشر، وأنهم يستحقون العيش بسلام في وطن يمتلكون فيه حقهم في تقرير مصيرهم، بل يعتبرهم مجرد ورقة لعب يستعملها لخدمة المصالح الاقتصادية والسياسية للطبقة السائدة الإسبانية في المنطقة. وهذا ما يتضح من خلال عدم إشارته إلى الشعب الصحراوي، مقابل تركيزه على “أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب” وتنويهه بـ “الدور الفاعل للمملكة المغربية في منطقة البحر الأبيض المتوسط”، وعلى “العمل جميعا من أجل التصدي للتحديات المشتركة، ولاسيما التعاون من أجل تدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”، لأن المغرب كلب حراسة موثوق به بالنسبة لأوروبا عموما وإسبانيا على وجه الخصوص، في حماية حدودها من تدفق ضحايا النهب الإمبريالي للقارة الإفريقية. والرغبة في “بناء علاقات متينة مع المغرب على قاعدة الثقة واحترام سيادة الدولتين والاحترام المتبادل”، أي أنه مستعد لكتابة اسم الشعب الصحراوي على قائمة طعام “جلالته”، مقابل صمت هذا الأخير عن أي مطالب بسبتة ومليلية وغيرهما.
وبما أن كل شيء قائم على خدمة الأرباح، فإنه لم ينس الإشارة إلى الرغبة في العمل «دائما بروح من التعاون الكامل وإعادة تأسيس الحياة الطبيعية الكاملة في حركة الأشخاص والبضائع، لصالح شعوبنا». وطبعا فإن مثل هذه الغايات مبرر أكثر من كاف، من وجهة نظر الإمبريالية، للتضحية بشعب كامل.
“الشرعية الدولية” أم المنظور الطبقي الأممي؟
إن ما يجعل هذه الطعنات أكثر فتكا هي الأوهام التي تواصل بعض قيادات الشعب الصحراوي نشرها حول حسن نوايا القوى الإقليمية (أي النظام العسكري الجزائري) أو الدولية (مختلف القوى الإمبريالية)، والتغني باحترام الشرعية الدولية (شرعية نفس تلك القوى التي لا تتوانى عن انتهاك حقوق الشعوب في كل مكان)، وسعيها الذي لا يتوقف نحو استرضاء هذه القوة الإمبريالية أو تلك، مما يضعف مناعة بعض أبناء الشعب الصحراوي ويجعلهم يبنون آمالا على أعداء لا يقلون إجراما وخطورة عن النظام المغربي نفسه.
لقد آن الأوان لتترسخ القناعة بأن كل القوى الإمبريالية، ومؤسساتها الدولية وتكتلاتها الجهوية، بدون استثناء، هي عدو لدود للشعب الصحراوي ولطموحه في الاستقلال والسيادة. ما الذي قدمه قطاع الطرق هؤلاء لأي شعب مضطهد في العالم لكي نعتبر أن الرهان عليهم خيار عقلاني؟ ما الذي قدموه للشعب الفلسطيني، والكوردي، بل حتى الكتالوني والباسكي. وما الذي قدموه فعليا للشعب الصحراوي بعد عقود من الكفاح والتضحيات! لا شيء سوى الاستعمال الكلبي لقضيته ومعاناته من أجل تحقيق المزيد من المكاسب لشركاتهم ودولهم.
لنطرح السؤال بشكل أوضح: ألم يتضح بعد أن الرهان على الإمبرياليات، والقوى الإقليمية، طريق مسدود؟ هل تكرار طرق نفس الأبواب والسير على نفس الدروب، التي أثبتت مرارا وتكرارا أنها توصل إلى مأزق مسدود، سوف يؤدي عند نقطة معينة لنتائج مختلفة؟ الجواب هو كلا! لذلك يجب التفكير جديا في مسار آخر وهذا هو ما ندعو إليه، نحن الماركسيون.
ليس للشعب الصحراوي من حليف حقيقي وموثوق سوى الطبقة العاملة في المنطقة والعالم، وخاصة الطبقات العاملة في المغرب والجزائر وإسبانيا وفرنسا. لقد آن الأوان للقطع مع دعاة السياسة المبنية على الرهان على الأنظمة الرأسمالية في المنطقة والقوى الإمبريالية، وإعطاء النضال مضمونا طبقيا أمميا.
هل الشعب المغربي مستفيد؟
تعمل وسائل إعلام الطبقة السائدة بالمغرب والقوى السياسية المختلفة، اليمينية منها و”اليسارية”، على نشر الوهم بأن نضال الشعب الصحراوي من أجل حقه في تقرير مصيره يشكل خطرا وجوديا على المغرب، وأنه السبب في أغلب المصاعب التي يعانيها الشعب المغربي. وأن تحقيق الانتصار (بسحق حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره) سيعود بالنفع على الشعب المغربي قاطبة. سوف ترتفع معدلات المعيشة وسيعيش الجميع بسعادة في أفضل العوالم الممكنة.
يجب ألا تنطلي هذه المزاعم علينا. لم يستفد الشعب المغربي، ولا يمكنه أن يستفيد أي شيء، من اضطهاد الطبقة السائدة للشعب الصحراوي أو أي شعب آخر. هل يستفيد أي شيء أصلا من الثروات الموجودة في شمال المغرب وشرقه وجنوبه وغربه! ما الذي استفاده سكان الريف وجرادة، مثلا، بعد ستين سنة من “الاستقلال”، وهم الذين عندما خرجوا للمطالبة بمستشفى وجامعة ومناصب شغل، تم الزج بقياداتهم في السجن لمدد طويلة…
هل يحصل ولو على فتات ذهب طاطا وكوبالت ورزازات وفضة إيميضر، والثروات الفلاحية والسمكية الهائلة! كلا بطبيعة الحال. تلك الثروات حكر خاص على الأوليغارشية الحاكمة وأسيادها الإمبرياليين، وليس للشعب سوى الاستغلال والفقر والحرمان. هذا هو الوضع الطبيعي في ظل الرأسمالية، وهكذا سيبقى ما دامت الرأسمالية قائمة، سواء تمكن النظام القائم من ضم الصحراء أم استمر الصراع على ما هو عليه.
ما الذي كسبه الشعب المغربي فعلا حتى الآن؟ آلاف القتلى ومئات ملايير الدولارات تم تبذيرها طيلة عقود في حرب إجرامية، سواء لصالح شركات الأسلحة والقصر وجنرالات الجيش، أو لشراء صمت الأعيان في الصحراء أو السياسيين والصحفيين وجماعات الضغط في مختلف بلدان العالم.
هذا وقد استعمل النظام القائم دائما قضية الصحراء لإحكام قبضته على كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية. فبها يبرر التقشف الوحشي، وبها يبرر الغلاء والفقر، وسيف تهمة الخيانة فوق رقاب كل من ينتقد. وها هو مؤخرا يستعملها لكي يبرر التطبيع مع العدو الإسرائيلي، بتصوير التطبيع وكأنه “دواء مر” اضطر إلى شربه وليس بكونه سياسة مقصودة كانت تمارس دائما في “الخفاء”، خوفا من الغضب الشعبي، وأراد أن يجعلها تمارس الآن أمام أنظار الجميع، وكل شيء يهون لصالح “الوحدة الترابية”، و”من يعارض ذلك خائن”.
يجب على الشعب المغربي أن يعلم أن عدوه ليس الشعب الصحراوي ولا الجزائري ولا أي شعب آخر، عدو الشعب المغربي هو الطبقة السائدة بالمغرب والنظام الدكتاتوري الذي يمثلها. وأن خلاصه لن يتحقق باضطهاد شعب آخر أو دعم السياسة التوسعية للنظام القائم، بل بالنضال من أجل إسقاطه، نضال يجب أن يكون موحدا مع النضال الذي يخوضه الشعب الصحراوي من أجل حقه في تقرير المصير.
من أجل منظور طبقي أممي
مصلحة الشعبين المغربي والصحراوي في نضالهما المشترك ضد نظام يقمعهما معا ويستغلهما معا. للشعب المغربي كل المصلحة في انتهاء هذا الصراع بشكل يوفر للشعب الصحراوي حقوقه المشروعة.
نقف، نحن الماركسيون، إلى جانب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بكل حرية، بما في ذلك الحق في الانفصال. ونرفض بشكل مطلق كل محاولات الدمج القسري للشعب الصحراوي، بأي شكل من الأشكال. وهذا لا يتعارض مطلقا مع نضالنا من أجل وحدة شعوب المنطقة، في إطار فدرالية اشتراكية، بل نعتبره شرط تلك الوحدة المنشودة.
إننا نناضل من أجل وحدة طوعية تختارها شعوب المنطقة بكل حرية، وليس الوحدة الإجبارية المؤسسة على القمع والسجون والبندقية. لذلك لا بد من ضمان حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها، لكي تتمكن بعد ذلك من أن تقرر بحرية شكل العلاقة التي ستجمعها ببعضها البعض.
لكن ليتحقق ذلك لا بد من النضال المشترك من أجل إسقاط الأنظمة الرأسمالية القائمة بالمنطقة، بثورة اشتراكية توصل الطبقات العاملة إلى السلطة. وحده النضال المشترك ما سيمكن شعوب المنطقة من تحقيق تحررها الفعلي، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. أما في ظل الرأسمالية فلا يوجد حل، سواء في شكل انفصال أو حكم ذاتي أو إدماج، الخ لأن الرأسمالية هي المشكلة.
عندما سيتم إسقاط الرأسمالية في المنطقة وتشييد فدرالية اشتراكية تضمن لجميع شعوب المنطقة حقها في تقرير مصيرها بحرية، سيوضع الأساس الصلب للقضاء على الأحقاد بين الشعوب والتخلص من الشكوك التي تراكمت طوال سنين من الاضطهاد القومي والدعاية الشوفينية. بعدها ستمكن التجارب المشتركة والوقت والعيش في ظل التخطيط الاشتراكي الديمقراطي، من بناء وحدة حقيقية من نقطة أعلى، وحدة الإخوة المتساويين وليس وحدة السجين مع سجانه مثلما هو الحال الآن.
لقد أثبتت تجربة العشر سنوات الأخيرة أن شعوب المنطقة تزخر بإمكانيات ثورية عظيمة. وكل الشروط متوفرة في الوقت الحالي لاندلاع حراك ثوري يضاهي أو يتجاوز ما رأيناه خلال تلك العشرية. فالأوضاع الاقتصادية والسياسية أكثر سواء، والأزمة أكثر عمقا، والطبقة السائدة استنفذت كل الحلول التي مكنتها من تجاوز الإعصار الثوري السابق. المنظور الأكيد أمامنا خلال المرحلة المقبلة هو منظور احتداد الصراع الطبقي في المغرب والمنطقة بأسرها، وهذا هو ما يجب البناء على أساسه.
ولضمان ألا تنهزم تلك التحركات الثورية المقبلة، لا بد من توفر قيادة ثورية، ببرنامج اشتراكي أممي وتنظيم قوي منغرس بعمق بين صفوف الطبقة العاملة في المنطقة. بدون هذا العامل الحاسم سوف تضيع مرة أخرى كل التضحيات وسوف تستمر معاناة الشعب الصحراوي وكل شعوب المنطقة. لذا ندعوكم إلى الالتحاق بنا في نضالنا من أجل بناء الحزب الثوري في منطقتنا، جزء من الحزب الثوري الأممي: التيار الماركسي الأممي.
- لا للاتفاق بين الحكومتين الاسبانية والمغربية على اضطهاد الشعب الصحراوي
- من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
- من أجل وحدة شعوب المنطقة في النضال من أجل فدرالية اشتراكية لشمال افريقيا
التيار الماركسي الأممي – المغرب
02 أبريل 2022
تعليق واحد
تعقيبات: مجزرة أخرى يرتكبها النظامان المغربي والاسباني ضد المهاجرين واللاجئين من بلدان افريقيا جنوب الصحراء – ماركسي