يوم الجمعة 24 يونيو، سقط ما لا يقل عن 37 قتيل وأزيد من 70جريحا، حسب ما أكدته هيلينا مالينو غارزون، رئيسة منظمة “عبور الحدود” (Walking Borders)، والتي أشارت إلى أن الحصيلة مؤقتة ويمكن أن ترتفع. وقد حدث ذلك عند محاولة 2000 مهاجر من بلدان جنوب الصحراء، اجتياز السياج الحدودي بين المغرب ومدينة مليلية التابعة لإسبانيا.
أظهرت الصور وأشرطة الفيديو عشرات الجثث والجرحى مكدسين فوق بعضهم البعض بطريقة وحشية، كما أظهرت التعامل الهمجي من جانب قوات الأمن المغربية والاسبانية ضد هؤلاء البؤساء بالضرب والسحل وكل أنواع الإهانات. وقد صرحت الجمعية المغربية لحقوق الانسان، فرع الناضور، إن الجرحى استمروا ملقيين ساعات طويلة بدون تقديم أي مساعدة طبية مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى بين صفوفهم.
وفي حين اعتبرت السلطات المغربية أن ما حدث كان نتيجة لتدافع هؤلاء المهاجرين وسقوط بعضهم من أعلى السياج الحدودي، فقد صرح أحد الشباب الذين تمكنوا من العبور لوسائل الاعلام الإسبانية إن “القوات المغربية كانت جد عنيفة، أكثر شراسة من أي وقت مضى مما أدى إلى نشر الرعب وهذا ما أدى إلى التدافع”، وهو ما أكدته أشرطة الفيديو التي وثقت عمليات القمع وإطلاق الغازات والرصاص على هؤلاء البؤساء.
وبدورها عبرت الحكومة الاسبانية، في شخص رئيسها بيدرو سانشيز، عن درجة عالية من الوقاحة والبربرية حيث أعرب، في تصريح صحافي أدلى به على هامش القمة الأوروبية ببروكسيل، عن تضامنه “المطلق مع عناصر قوات الأمن بالبلدين”، ووجه شكره إلى المغرب على “تعاونه الاستثنائي في محاربة الهجرة غير النظامية”، معتبرا اياه “حليفا استراتيجيا لإسبانيا”. واعتبر أن ما قام به هؤلاء المهاجرون “هجوما على السيادة الترابية” لإسبانيا وألقى باللائمة على مافيات تهريب البشر. بل وأشاد، بما أسماه: “تصدي القوات المغربية لمحاولة المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء اقتحام مدينة مليلية المحتلة اليوم الجمعة”.
حاكم مليلية، إدواردو دي كاسترو، مثل دور البوليسي الطيب، حيث صرح إن “الصور صعبة التفسير” واتهم قوات الأمن المغربية “بالرد غير المتكافئ”. في حين نسي أن يشرح الدور الذي لعبته الحكومة الاسبانية في ما حدث، ومعنى بناء ذلك السياج الشائك الشاهق المعد أساسا للتسبب في الجرح والقتل لكل من يريد اجتيازه.
يعيش المهاجرون من بلدان افريقيا جنوب الصحراء في ظروف شديدة الصعوبة في الغابات والجبال المحيطة بمدينة مليلية، معرضين للجوع والقمع الوحشي على يد قوات الأمن المغربية وكل أنواع المخاطر. بدون أي أفق سوى خيط رفيع من الأمل بأن يتمكنوا من العبور إلى الضفة الأخرى، أو على الأقل إلى مليلية وسبتة التابعتان لإسبانيا. لم يعودوا يرون أي فرق بين الموت وبين الحياة في ظل تلك الظروف، وهو ما يفسر هذه المحاولة اليائسة التي لا يقوم بها إلا من لم يعد له أي خيار.
دول الاتحاد الأوروبي التي دمرت وتدمر القارة الافريقية بنهب ثرواتها وتدعيم الأنظمة الدكتاتورية فيها وتحول حياة الشعوب الافريقية فيها إلى جحيم، حريصة على حماية حدودها من تدفق ضحايا النهب إلى بلدانها، ولا توفر أي جهد في تعزيز الأسوار والحدود في وجههم ودعم الأنظمة الدكتاتورية التي تقوم بحراستها وترتكب الأعمال القذرة عوضا عنها حتى لا تتلطخ سمعتها وتستمر في ادعاء “الحرص على احترام الديمقراطية وحقوق الانسان”.
وليست هذه الجريمة الجديدة سوى تنفيذ للاتفاق الأخير بين اسبانيا والمغرب الذي نص على تعزيز دور المغرب ككلب أمين للحدود الاسبانية ضد الهجرة، مقابل اعتراف اسبانيا بالمقترح المغربي للحكم الذاتي على الصحراء الغربية، والصمت على جرائمه المتعددة فيما يتعلق بحقوق الانسان، بما في ذلك فضيحة بيغاسوس…
إننا نعتبر أنه لا بد من النضال من أجل فضح كل المتورطين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في تلك الجريمة البشعة ضد هؤلاء المهاجرين، ومن أجل محاكمتهم ومعاقبتهم مهما علا شأنهم. ولا بد من التضامن مع هؤلاء الضحايا ومن أجل تحسين ظروفهم والاستجابة لمطالبهم، التي هي مطالب مشروعة عادلة. لكن هذا النضال لا يمكن أن ينتصر إلا إذا توجه ضد المجرمين أنفسهم على جانبي السياج الحدودي، وليس دعوتهم، هم أنفسهم لفتح تحقيق، أو ما شابه.
لا مجال لأي أوهام بخصوص “التحقيق الدولي” الذي دعت إليه العديد من الجمعيات الحقوقية، خاصة أمنيستي، إذ لن يكون، في حالة ما إذا كان أصلا، سوى وسيلة لطمس الحقائق وطي الملف بدون أي نتائج. إنهم جميعا مشاركون فعليون في هذه الجرائم. وها هم يكيلون الدعم والمديح لبعضهم البعض لتمكنهم من صد هؤلاء البؤساء.
وفي نفس الآن نؤكد أن اجتثاث الجذور الحقيقية وراء ما حدث يقتضي بالضرورة اجتثاث الأسباب الحقيقية وراء اضطرار ملايين البشر إلى النزوح من بلدانهم، أي الاستغلال والقمع والنهب والحروب، والتي هي كلها نتيجة لجشع الشركات الكبرى والدول الرأسمالية وصراعاتها من أجل الاستيلاء على مصادر الثروات والأسواق ومناطق النفوذ. إن السبب باختصار هو: الرأسمالية نفسها، وأي حل لا يهدف إلى إسقاط هذا النظام المتعفن، لن يكون حلا على الاطلاق، بل مجرد طريقة لإطالة أمد المعاناة والمآسي.
لذا فإن الرهان الوحيد هو على الطبقة العاملة العالمية، وفي مقدمتها الطبقات العاملة في منطقة الاتحاد الأوربي ومختلف البلدان الافريقية، ومنظماتها النقابية والسياسية المكافحة، للنضال ضد تلك الجرائم وضد حكوماتها الرأسمالية من أجل إسقاطها، وتحطيم القيود التي تعرقل تطور البشرية، أي: الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وحدود الدول القومية؛ وإقامة حكومات عمالية اشتراكية تكتب على رايتها شعار يا عمال العالم اتحدوا ولتسقط كل الحدود وكل الحروب وكل استغلال وكل نهب.
أنس رحيمي
27/06/2022