إن أفكار التيار الماركسي الأممي واضحة للغاية. نحن ندافع عن الأفكار الحقيقية للماركسية ونستند إلى أعمال ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي. يمكن للمرء أن يتفق أو لا يتفق مع هذه الأفكار، لكننا أحيانا نواجه خصوما مستعدين للذهاب إلى أبعد الحدود في تشويه مواقفنا وتزييفها. وهذا ما حدث مرارا من طرف العديد من العصب، لذا، ومن أجل شرح مواقفنا الحقيقية لقراء العربية، نقوم بنشر هذا الرد على الهجوم الخبيث الذي شنت الجريدة الفرنسية “الحقيقة” (La Vérité) سنة 2006، والذي سيكون على شكل أجزاء.
بيان هيئة تحرير موقع الدفاع عن الماركسية
يهدف موقع الدفاع عن الماركسية (In Defence of Marxism)، والمنظمة التي تنشره: التيار الماركسي الأممي، إلى توفير تحليل عن المجتمع الرأسمالي والصراع الطبقي الذي ينجم عنه. نقوم بتطوير منظورات ماركسية للاتجاه الذي نعتقد أن المجتمع سيسير فيه وأخيرا نقدم برنامجا لعمال العالم من أجل النضال ضد هذا النظام وتحقيق مجتمع اشتراكي، مجتمع يصبح فيه الاستغلال والظلم من مخلفات الماضي الرأسمالي الهمجي. ونحن نعمل في جميع البلدان التي نتواجد فيها، على التدخل بنشاط في الحركة العمالية من أجل بناء معارضة يسارية ماركسية حقيقية، هدفها النهائي توفير قيادة ثورية للطبقة العاملة.
توجد على الصعيد العالمي العديد من التيارات الأخرى التي تحاول تقديم بدائلها. ولدينا خلافات مع العديد منها حول الموقف من الحركة العمالية وطريقة عملنا وأفكارنا الأساسية، والتي يمكن للجميع التعرف عليها من خلال الاطلاع على مجموعة واسعة من المقالات المنشورة على موقعنا.
يمكن لقرائنا أن يحكموا بأنفسهم من خلال قراءة المواد المتعلقة بالقضايا الرئيسية المطروحة على المحك. لكننا في بعض الأحيان لا نجد أنفسنا أمام “جدال” ولا أمام اختلاف حقيقي مع أفكارنا وأساليبنا، بل أمام التزوير الكامل لمواقفنا. نحن نعتقد أنه لكي يستفيد المناضلون داخل الحركة العمالية من أي تبادل للأفكار، يتوجب على المشاركين في الجدال أن يلتزموا على الأقل بالصدق حول ما يقوله وما يكتبه خصومهم.
ليس هناك في العالم ما هو أسهل من أن توقف دمية قش ثم تطيح بها. إن تزييف موقف الخصم من أجل السخرية منه لا يخدم أي غرض ذي معنى. مثل هذا السلوك لا يساعد العمال والشباب على فهم القضايا المطروحة حقا على المحك. قد يمنح ذلك الكاتب شعورا بالرضا عن النفس، لكنه بالتأكيد لا يعزز مكانته داخل الحركة العمالية الأوسع. إننا نفضل أن يكون هناك نقاش نزيه حول ما نمثله ونجيب على أي انتقادات لمواقفنا الحقيقية.
أبدا لم يكن ليتبادر لذهن إنجلز تزييف حجج دوهرينغ من أجل تسجيل نقاط رخيصة عليه. نرى في جميع جدالات ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي أقصى أنواع النزاهة تجاه اقتباس ما يقوله خصومهم. هذا هو السبب في أنهم كانوا دائما يقتبسون مقاطع مطولة من كتابات خصومهم، ولا يقتطعون عبارات معزولة خارج السياق من أجل تشويه المواقف التي كانوا يردون عليها. والسبب في ذلك بسيط للغاية: فبالنسبة للتيار الماركسي الحقيقي، ليس الهدف من وراء الجدال تسجيل النقاط ولا إهانة الطرف الآخر، بل رفع المستوى النظري للكوادر.
أسلوب غير نزيه
كان علينا في الماضي أن نتعامل أحيانا مع الانتقادات غير النزيهة، لكننا نفضل عموما عدم الدخول في جدالات مع العصب التي تسمي نفسها زورا “تروتسكية” والتي تتنكر وراء اسم “الأممية الرابعة”. هذه المنظمات التي تعتاش على هامش الحركة العمالية لا تتوقف عن مهاجمة بعضها البعض، في جو من الإدانات الهستيرية المتبادلة. ليست لهذه المجموعات العصبوية أية علاقة بأفكار ليون تروتسكي وأساليبه الحقيقية، وتتسبب في تنفير العمال وتحويلهم ضد التروتسكية بشكل عام.
نحن عادة ما نتجاهل هجمات العصب، التي لا تمثل في الواقع إلا نفسها. لكن هناك أوقات نشعر فيها بأننا ملزمون بوضع النقاط على الحروف. في عصر الإنترنت صار في إمكان حتى أكثر المجموعات تفاهة أن تنشر أبشع الأكاذيب والافتراءات حول مواقفنا. لذلك نحن مضطرون لتخصيص بعض الوقت من أجل شرح مواقفنا الحقيقية. لكن في هذه المقالة علينا مع الأسف أن نتعامل مع حالة تزوير.
لذلك نطلب من قرائنا التحلي بقليل من الصبر بينما نخصص بعض الوقت والمساحة للرد على الافتراءات والتعريض والأكاذيب الصارخة حول التيار الماركسي الأممي التي نشرتها الجريدة الفرنسية La Vérité [الجريدة النظرية لمجموعة أخرى تدعي كونها الأممية الرابعة] في عددها رقم 48 (من الإصدار الجديد)، بتاريخ فبراير 2006. والمجموعة التي تقف وراء هذه الجريدة معروفة أكثر باسم “اللومبرتيين”، وهي واحدة من العديد من المجموعات المنشقة التي انبثقت من حطام الأممية الرابعة القديمة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا هو الاسم الذي سنعرفهم به في هذا النص.
إن الأساليب غير النزيهة في الجدال لا ترفع المستوى النظري للكوادر، بل تحط منه في الواقع. لم تكن هذه طريقة الحزب البلشفي بقيادة لينين وتروتسكي، بل كانت الطريقة المشينة لزينوفييف وستالين، التي دمرت الحزب البلشفي والأممية الشيوعية، وسوف تدمر تلك التيارات التي تسمي نفسها تروتسكية، والتي تخلت منذ فترة طويلة عن أفكار وأساليب وتقاليد تروتسكي. وليس الانشقاق الأخير الذي عرفته المنظمة اللومبرتية إلا دليلا آخر على هذا الواقع.
ليست أزمة اللومبرتيين سوى الحلقة الأخيرة في التفكك المخزي لتلك العصب التي نشأت عن انحطاط الأممية الرابعة بعد وفاة تروتسكي. كل تلك المنظمات التي تعلن نفسها بأنها الأممية الرابعة غارقة، بطريقة أو بأخرى، في الأزمات والانشقاقات والتفكك. إنهم غير قادرين نهائيا على تقديم تفسير نظري لأهم الظواهر التي نراها في عالمنا اليوم: من انهيار الستالينية إلى الثورة الفنزويلية. وهم، قبل كل شيء، غير قادرين بطبيعتهم على التوجه نحو الحركة الحقيقية للجماهير. إنهم يقفون مدانين على هامش التاريخ.
إن التيار الماركسي الأممي، هو التيار التروتسكي الوحيد في العالم الذي أثبت قدرته على البقاء، ليس فقط من الناحية النظرية، التي لا يضاهي إنجازاتنا فيها أحد، بل أيضا من الناحية العملية، بفضل عملنا الجاد والمنهجي لنشر الأفكار الماركسية اللينينية (التروتسكية) الحقيقية داخل المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة. التيار الماركسي الأممي هو الوحيد الذي شرح المعنى الحقيقي للثورة الفنزويلية وتدخل فيها بنشاط. هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يجادل فيها. وما يزعج الرفيق لومبرت وزملاؤه هي هذه الحقيقة بالتحديد: أننا تمكنا من العثور على طريق نحو الجماهير، بينما فشلوا هم (وجميع تلك التيارات “التروتسكية” 57 الأخرى) في ذلك.
نجاحاتنا هي التي أدت إلى تلك الهجمات الغاضبة من جانب العصب علينا. لقد فقد اللومبرتيون للتو الأغلبية العظمى داخل فرعهم البرازيلي، والذي كان أحد أكبر وأهم فروعهم خارج فرنسا. ومن بين أسباب ذلك الانشقاق بلا شك عدم قدرة القادة اللومبرتيين على فهم طبيعة الثورة التي تتصاعد في أمريكا اللاتينية. لقد تبنوا تجاه الثورة الفنزويلية نفس المخططات الميكانيكية والصورية التي ميزت نظرتهم طيلة عقود. ونتيجة لذلك وقفوا عاجزين بشكل مطلق عن التدخل في الثورة.
وقد أثار ذلك تساؤلات في أذهان أعضائهم، وخاصة في أمريكا اللاتينية. قام الرفاق في فرعهم البرازيلي بمحاولات جادة لإقامة اتصالات مع التيارات الثورية في فنزويلا، وهذا ما جعلهم يتصلون بالرفاق في الفرع الفنزويلي للتيار الماركسي الأممي (CMI)، الذين يلعبون دورا رائدا في حركة المصانع المحتلة في فنزويلا. ويبدو أن هذا هو السبب وراء طرد اللومبرتيين لهؤلاء الرفاق.
وبعد أن رأينا كيف يشوهون ويكذبون ويزورون المواقف السياسية للتيار الماركسي الأممي، لا يسعنا إلا أن نفترض أن مجموعة O Trabalho قد تعرضت لنفس مدرسة التزييف، ونعرب عن تعاطفنا معها. وبما أن الدافع وراء الهجمات ضد تيارنا هو صراعهم مع أغلبية الفرع البرازيلي، فإننا سنبدأ بتوضيح مسألة علاقاتنا بهؤلاء الرفاق.
علاقاتنا مع O Trabalho
لقد خصص اللومبرتيون حوالي نصف طبعة ماي (عدد 49-50)، للأحداث الأخيرة التي وقعت داخل فرعهم البرازيلي. وهناك يكررون العديد من الافتراءات التي سبق لهم أن نشروها في عدد فبراير. لا نريد الدخول هنا في ذلك الصراع الذي اندلع في البرازيل. لكن أحد الاتهامات الرئيسية ضد قادة الفرع البرازيلي، المعروف باسم مجموعة O Trabalho ، هو أنهم كانوا يعملون سرا بالتعاون مع التيار الماركسي الأممي.
نرى هنا مثالا واضحا على ذلك النوع من الهستيريا والبارانويا التي تشكل الجو المعتاد داخل العصب “التروتسكية” في جميع البلدان. فعوضا عن أن تتعامل قيادة تلك العصب بجدية مع الخلافات السياسية -التي ستنشأ لا محالة من وقت لآخر- تجدها تميل إلى تفسير الأمر بوجود مؤامرات ضدها. ويردون بالاتهامات الحادة والهجمات الشخصية والإجراءات البيروقراطية، الشيء الذي يعتبر وصفة فعالة لخلق الأزمات والانشقاقات الداخلية. لكن هؤلاء القادة لا يهتمون بحجم الضرر الذي يلحق بالمنظمة، طالما أن سلطتهم الشخصية محمية.
في الواقع إن اتهام منظمة O Trabalho والتيار الماركسي الأممي بالتعاون السري بينهما غير صحيح على الإطلاق. لقد جاء اتصالنا مع الرفاق البرازيليين في منظمة O Trabalho نتيجة لعمل رفاقنا الفنزويليين الذين، كما سبق لنا أن أوضحنا، يلعبون دورا رياديا في حركة المصانع المحتلة في فنزويلا وبالتالي جذبوا، بشكل طبيعي، انتباه سيرج غولار في مجموعة O Trabalho، والذي هو قيادي بارز داخل حركة المصانع المحتلة في البرازيل.
لقد تعرض الرفيق غولار، وبقية العمال الآخرين المشاركين في حركة المصانع المحتلة في البرازيل، لهجوم من طرف الدولة. فعملوا على إصدار نداء عام لعمال العالم من أجل التضامن معهم، كما طلبوا منا نحن على وجه التحديد أن نساعد في هذه الحملة. لقد استجبنا لهذا النداء، كما سنستجيب لأي طلب من جميع العمال الذين يتعرضون للهجوم. ونتيجة لجهود موقع Marxist.com، قام العديد من رفاقنا العمال، الذين يشغلون مناصب في الحركة العمالية في بلدانهم، بنشر النداء على نطاق واسع وأرسلوا خطابات الدعم. لقد كان ذلك أقصى ما وصل إليه الاتصال بيننا. أما إلى أي مدى قام اللومبرتيون بحملة للتضامن مع رفاقهم البرازيليين، فنحن لا نعرف، إلا أن انطباعنا هو أنهم لم يقوموا بالكثير.
وفي غضون ذلك أدى الصراع بين قيادة اللومبرتيين وبين فرعهم البرازيلي إلى حدوث انشقاق. شنت قيادة اللومبرتيين حملة شرسة ضد الأغلبية داخل مجموعة O Trabalho. وفي طبعة فبراير لجريدة La Vérité، هناك الكثير من الإشارات إلى “تيار غرانت- وودز” – أي التيار الماركسي الأممي-، في مقال تحت عنوان: “بخصوص سياسة تيار غرانت- وودز”[1]، وهو المقال الذي سنتعامل معه بشكل رئيسي هنا.
وكمؤشر على الأساليب الخبيثة التي يستخدمها هؤلاء العصبويون، فإنهم بدأوا هجومهم على التيار الماركسي الأممي من خلال مهاجمة تيار آخر لا علاقة لنا به على الإطلاق. لقد أشاروا بأصابع الاتهام إلى ما يسمى “الأمانة الموحدة للأممية الرابعة”، أي التيار الماندلي. والسبب وراء هذا التشويه الصارخ واضح: فهم يرغبون في تحميل التيار الماركسي الأممي المسؤولية وراء المواقف الانتهازية التي تتبناها “الأمانة الموحدة للأممية الرابعة”.
إن أسلوب La Vérité هو نفس أسلوب الستالينيين الذي وصفه تروتسكي بأسلوب الخلط. ما لدينا هنا هو “تهمة الجرم بالتبعية”، باستثناء أن هذه التهمة موجودة في نصوص اللومبرتيين فقط وليس في الواقع. نخبر منتقدينا اللومبرتيين أنه لا تربطنا أية علاقة على الإطلاق بتلك المنظمة [الماندلية] ولا يمكن تحميلنا المسؤولية عن أي شيء يفعلونه أو يقولونه. لكن هذا “الارتباك” الذي عبرت عنه La Vérité ليس مصادفة (على الرغم من أنهم مرتبكون حول كل شيء تقريبا).
في البرازيل كان للمندليين وزير في حكومة لولا يدعم سياساتها الرجعية. أدى ذلك إلى حدوث انشقاق في صفوفهم وهناك الآن مجموعتان تدعمان كلاهما “الأمانة الموحدة”. وهذه سمة مميزة للنزعة الانتهازية البنيوية للمندليين بشكل عام. لكن ليس لذلك أية علاقة على الإطلاق بتيارنا، الذي عارض دائما الأفكار التحريفية لماندل وشركائه، وقطع، نتيجة لذلك، بشكل حاسم مع “الأمانة الموحدة للأممية الرابعة”، عام 1965، ولم يعد له منذ ذلك الحين أي اتصال مع تلك المنظمة.
المشكلة هنا هي أن قراء صحيفة La Vérité لا يعرفون شيئا عن التيار الماركسي الأممي (“أممية وودز- غرانت) لأنهم لا يعرفون التاريخ الحقيقي للأممية الرابعة. تريد La Vérité إبقائهم في غياهب الجهل عن طريق نشر الأكاذيب والارتباك بشكل متعمد. يعمل اللومبرتيون بشكل متعمد على خلط كل شيء معا: بابلو وماندل، وودز- غرانت. لذا فإن مهمتنا الأولى هي إلقاء بعض الضوء على تاريخ الحركة، على أمل أن تبدأ La Vérité (الحقيقة) أخيرا في الارتقاء لتستحق اسمها.
متى انحطت الأممية الرابعة؟
يمكن إرجاع جذور الانحطاط السياسي والتنظيمي للأممية الرابعة إلى وقت وفاة تروتسكي. ويتحمل جميع قادة الأممية الرابعة بدون استثناء: بابلو وفرانك وكانون وماندل وهيلي ولومبرت (إذا كان من الصحيح اعتبار الأخيرين قادة في ذلك الوقت) مسؤولية جماعية عن ذلك الانحطاط. لكن هذا شيء حرص لومبرت على إخفائه بعناية عن قواعده طيلة عقود. لقد ظلوا يجهلون القصة الحقيقية للأممية، وبدلا من ذلك يتم إطعامهم بقصة خيالية تقول إن الأممية الرابعة كانت على ما يرام حتى عام 1953 حين انحطت بشكل غامض. لقد حان الوقت لوضع حد لهذه القصة الخيالية وقول الحقيقة. [انظر الملحق: أسباب انهيار الأممية الرابعة].
سنتطرق لاحقا لتلك القائمة الطويلة من التشويهات التي تعرضت لها مواقفنا الحالية. أما الآن دعونا نبدأ بتصحيح المعطيات التاريخية. لا يزعج المؤلف نفسه بالتعامل بجدية مع تاريخ الأممية الرابعة. إنه لم يجرؤ على الدخول في التفاصيل لأن السجل التاريخي سيكون محرجا للغاية بالنسبة للومبرت. وبدلا من أن يتعامل مع المسألة بشكل صحيح، اقتصر بتواضع على الهوامش. وفي تلك الهوامش صور “التيار الذي أسسه تيد غرانت” على أنه كان تيارا “يمينيا” داخل الأممية الرابعة عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
ما هي مبررات هذا الادعاء؟ أين الدليل الوثائقي والاقتباسات والمقررات؟ لم يتم تقديم ولو دليل واحد على هذا الادعاء الفضائحي. والسبب هو أنه ليس لديه أدنى أساس في الواقع. ليس هذا هو المجال المناسب لنشر تاريخ موثق للأممية الرابعة، لكننا نعتزم خلال الأشهر القليلة القادمة التطرق لهذه المسألة وإعادة نشر كتابات الرفيق تيد غرانت، التي ستحطم تماما خرافة أن الفرع البريطاني (الحزب الشيوعي الثوري) كان “انحرافا يمينيا”. بل على العكس تماما توضح الوثائق أن الحزب الشيوعي الثوري كان وحده من استمر يدافع عن أفكار تروتسكي وأساليبه وسياساته، في حين كانت القيادة الرسمية للأممية الرابعة مخطئة في كل القضايا الرئيسية. كانت أخطاء بابلو وكانون وماندل وفرانك وشركاؤهم هي التي أحبطت كوادر الأممية وتسببت في الأزمات الداخلية والانشقاقات التي أدت إلى تدميرها.
سبق لتيد غرانت أن انتقد السياسة الخاطئة لقادة الأممية في مقال: Program of the International (يمكن العثور على هذه الوثيقة وغيرها من وثائق تلك الفترة في أرشيف Ted Grant). بالطبع يمكن لأي كان أن يرتكب الأخطاء، لكن القيادة الجادة مستعدة للاستماع إلى النقد وتصحيح الأخطاء والتعلم منها. تبرز المشكلة عندما تكون القيادة غير مستعدة للاعتراف بالخطأ وتستمر في تكرار نفس الأخطاء. في مثل هذه الحالة لا يعود الأمر متعلقا بالأخطاء، بل بنزعة محددة.
لا بد أن ينعكس الخط السياسي غير الصحيح، عاجلا أم آجلا، في أساليب تنظيمية غير صحيحة وفي نظام داخلي غير صحي. كنا قد أوضحنا لقيادة الأممية، مرات عديدة، أن السلطة الوحيدة التي يمكن أن تكون لها هي السلطة السياسية والأخلاقية. يجب على القيادة أن تقنع الأعضاء بالحجج والشرح الصبور، وليس بالوسائل البيروقراطية والترهيب والتهديدات. لكن القيادة التي تفتقر إلى السلطة السياسية والأخلاقية اللازمة، ستلجأ حتما إلى استعمال الأساليب التنظيمية في محاولة لإسكات النقد.
عندما كان لينين وتروتسكي، خلال الأيام الأولى للأممية الشيوعية، يقودان أحزابا شيوعية جماهيرية، كانا يتعاملان دائما مع الاختلافات (وكان هناك الكثير منها!) بصبر. لم يكن ليتبادر إلى ذهنيهما أبدا معاملة البورديغيين أو “اليساريين” الألمانيين والبريطانيين، على سبيل المثال، من خلال الإنذارات والطرد. هذه وصفة فعالة لتدمير الأممية. كان زينوفييف وستالين هما من أدخلا تلك الطرق إلى الأممية الشيوعية. والسبب في ذلك هو أنهما كانا عاجزين عن الرد على منتقديهما باستخدام الحجة السياسية النزيهة. لم تكن لديهما السلطة السياسية والأخلاقية اللازمة، لذلك حاولا استخدام الوسائل التنظيمية لحل المشاكل السياسية.
كان هذا هو الحال مع قادة الأممية الرابعة بعد وفاة تروتسكي. فبسبب عجزهم عن الإجابة على حجج الرفاق البريطانيين، في الفترة ما بين 1944 و1950، لجأوا إلى المؤامرات والمناورات التنظيمية، أي أنهم اعتمدوا أساليب زينوفييفية. لم يتمكنوا أبدا من كسب أغلبية الفرع البريطاني من خلال مناقشة ديمقراطية، وبالتالي لجأوا إلى المناورة مع أقلية صغيرة، بقيادة جيري هيلي، لتقسيم الفرع وطرد الأغلبية. وهذه هي نفس الأساليب التي يستخدمها لومبرت وغلوكشتاين اليوم لطرد أغلبية الفرع البرازيلي. من كان المسؤول الأول عن هذه الأساليب؟ إنه بابلو، إلى جانب كانون وماندل وفرانك وجميع من يسمون قادة الأممية. لقد تعلم لومبرت هذه الأساليب منهم، وأثبت أنه التلميذ الأكثر نباهة في مدرسة بابلو.
لقد كان كانون، على الرغم من عيوبه، الأفضل بينهم ربما. فهو، على الأقل، كان قائدا عماليا ولعب دورا مهما في تجميع أول الكوادر التروتسكية خلال الأيام الأولى للمعارضة اليسارية. لكن كانون لم يكن أبدا منظرا. لقد كان منظما ومحرضا. وعلى الرغم من أن تروتسكي قد دعم الموقف السياسي لأغلبية حزب العمال الاشتراكي (SWP) ضد المعارضة البرجوازية الصغيرة، بقيادة شاختمان، إلا أنه لم يتغاض أبدا عن أساليب كانون التنظيمية، والتي أدت بالضرورة إلى الانشقاق. وحتى قبل الحرب استخدم كانون الأساليب التنظيمية الزينوفييفية ضد تيارنا (انظر: History of British Trotskyism). إن مثل هذه الأساليب لا بد أن تدمر حتما أي منظمة تستخدمها. ومصير حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، وكل الأممية الرابعة، تحذير واضح في هذا الاتجاه.
عندما كان تروتسكي على قيد الحياة، كان من غير الممكن أن يتم التسامح مع الأساليب الزينوفييفية داخل الأممية. لكن بعد وفاته، سرعان ما قام قادة الأممية الرابعة، المتغطرسين المدعين، بالتخلي عن طريقة الشرح الصبور التي كان تروتسكي يستخدمها دائما، واستبدلوها بـ”العصا الغليظة”. كان لينين قد حذر بوخارين ذات مرة، عندما كان هذا الأخير رئيسا للأممية الشيوعية، قائلا: «تريد الطاعة: ستحصل على حمقى مطيعين». لم يستطع بابلو وكانون وماندل وفرانك تحمل النقد (تماما مثل لومبرت وغلوكشتاين اليوم). وعندما تبين أن مواقف الحزب الشيوعي الثوري صحيحة، الواحدة منها تلو الأخرى (الصين وأوروبا الشرقية وأوروبا الغربية ويوغوسلافيا، الخ)، ردوا من خلال إثارة انشقاق في صفوف الفرع البريطاني، باستخدام عميلهم جيري هيلي. كان الحزب الشيوعي الثوري قد تعرض للطرد والتدمير بتلك الأساليب الزينوفييفية –وهي أساليب لا علاقة لها نهائيا مع أساليب تروتسكي، والتي نسخها لومبرت بأمانة من بابلو!
منظورات خاطئة
نقرأ في الحاشية 01 في المقالة اللومبرتية ما يلي:
«بعد انهيار الحزب الشيوعي الثوري، طور غرانت وأتباعه بعض الأفكار التي تشاركوا فيها مع البابلويين، ولا سيما الموقف القائل بأن القوى المنتجة لديها القدرة على التطور، مما دفعهم إلى القول بأن الاشتراكية الديمقراطية ما يزال لها مستقبل تاريخي».
لقد تمكنت هذه الملاحظة الصغيرة من أن تتضمن خطأ، وأحيانا خطأين، في كل جملة. إن الحزب الشيوعي الثوري لم “ينهر”. إنه، كما أوضحنا، تعرض لتدمير متعمد على يد القيادة “البابلوية”، التي كان يتبعها بأمانة أمثال بيير لومبرت وجيري هيلي في ذلك الوقت. وعلى عكس الأسطورة السخيفة التي يحاول لومبرت نشرها، لم يكن الحزب الشيوعي الثوري “بابلويا”، بل كان (على عكس لومبرت) يعارض بشدة خط بابلو وبقية قادة الأممية. كان البابلوي البريطاني الأصلي في الواقع هو جيري هيلي. في بريطانيا كان هيلي التابع الأكثر إخلاصا لبابلو وكان ينفذ كل تعليمات سيده في باريس. بل إنه، في إحدى المرات، “تبنى موقفا” ببرقية (انظر History of British Trotskyism للحصول على التفاصيل).
في الواقع لم تكن لدى بابلو وتابعه هيلي أية قاعدة دعم تقريبا داخل الفرع البريطاني. كل مؤامرات قيادة الأممية لم يكن لها تأثير على الأعضاء، الذين كانوا في أغلبيتهم بروليتاريين، وظلوا مخلصين لأفكار وأساليب تروتسكي، التي دافع عنها تيد غرانت وقيادة الحزب الشيوعي الثوري. لهذا السبب قررت قيادة الأممية تحطيم الفرع البريطاني. لقد كان شعارهم دائما هو: “احكم أو خرّب”. وهذا هو شعار لومبرت وغلوكشتاين أيضا، لهذا السبب فقدوا فرعهم البرازيلي للتو، ولهذا السبب لن يتمكنوا أبدا من بناء أممية ثورية حقيقية ولو بعد ألف عام.
ثم يواصل المؤلف في القول (دون خجل) إن: «غرانت وأتباعه طوروا أفكارا معينة تشاركوا فيها مع البابلويين». يا لها من فكرة! لكن إذا كان لدى الحزب الشيوعي الثوري الكثير من القواسم المشتركة مع بابلو وشركائه، لماذا قام هذا الأخير بطرد الحزب من الأممية؟ هنا نترك وراءنا العالم الواقعي وندخل إلى العالم الخيالي لأليس في بلاد العجائب، حيث كل شيء يقف على رأسه.
ستظهر الوثائق التاريخية أنه لم يكن لدى تيد غرانت، في الواقع، أي شيء مشترك مع الأفكار والمنظورات التي دافع عنها بابلو وماندل وكانون وهيلي، و… لومبرت. كانت تلك المنظورات خاطئة مائة في المائة وتسببت في تقويض سلطة الأممية الرابعة، ليس فقط عند العمال المتقدمين، الذين كانوا حتى ذلك الوقت يتعاطفون مع تروتسكي، بل حتى عند كوادر الحركة التروتسكية نفسها. هذا هو السبب الحقيقي لانحطاط وانهيار الأممية الرابعة. لم يكن انشقاق 1953 نقطة البداية للانحطاط، بل نتيجته الحتمية. ومنذ ذلك الحين صار تاريخ هذه المنظمة تاريخ الأزمات والانشقاقات المتتالية.
ما هي المنظورات التي طرحها بابلو وشركاؤه -بدعم كامل من لومبرت وهيلي- بعد الحرب العالمية الثانية؟ كان لديهم اعتقاد أننا مقبلون على مرحلة ركود وحرب وثورة وشيكة. لقد أنكروا أي إمكانية لتحقيق ولو استقرار مؤقت للرأسمالية في أوروبا، وبدلا من ذلك طرحوا منظور الأنظمة الديكتاتورية والبونابرتية. ومن هذه المنظورات تنبع تكتيكات معينة. طرح بابلو والآخرون تكتيك الدخولية العميقة، أي أنه يجب على التروتسكيين الدخول فورا في الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والستالينية، والتي، وفقا لهذا المنظور، ستدخل على الفور في أزمة، مما سيسمح للتروتسكيين بتشكيل أحزاب جماهيرية للأممية الرابعة بين عشية وضحاها.
لقد كذبت الوقائع كل هذه التوقعات. لقد استندوا إلى فهم خاطئ لما كتبه تروتسكي عام 1938، عندما قال إنه في غضون العشر سنوات المقبلة لن يتبق حجر على حجر في صرح الأمميتين القديمتين (أي الاشتراكية الديموقراطية والستالينية) وأن الأممية الرابعة ستصبح القوة الحاسمة على هذا الكوكب. لكن هذا المنظور، مثله مثل أي منظور آخر، كان له طابع مؤقت. ليست المنظورات الماركسية مخططات جامدة يجب على الأحداث أن تتوافق معها. هذا مفهوم مثالي ليس له أي شيء مشترك مع الديالكتيك المادي. يجب على الماركسيين أن يدرسوا الواقع الموضوعي بعناية ويعملوا على تحديث منظوراتهم باستمرار. يجب فحص منظوراتنا في ضوء التجربة وتعديلها، أو رفضها، إذا لزم الأمر، على أساس التجربة.
لقد استند تروتسكي في توقعاته، التي صاغها عام 1938، على مقارنات تاريخية مع الوضع الذي نشأ عن الحرب العالمية الأولى. لكن الحرب، كما أشار نابليون، هي المعادلة الأكثر تعقيدا بين جميع المعادلات. لقد تطورت الحرب العالمية الثانية بطريقة لم يكن في مقدور حتى عبقري مثل تروتسكي أن يتوقعها. وخاصة الانتصارات المذهلة التي حققها الجيش الأحمر والتي غيرت كل شيء. وبالمناسبة فحتى منظورات ستالين وهتلر وروزفلت وتشرشل أيضا فندها التطور الملموس للأحداث. لا يسمح لنا المجال هنا بأن نتطرق لهذا بمزيد من التفصيل. لكن من الممكن العثور على تحليل للتطورات التي عرفتها الرأسمالية العالمية بعد عام 1945 في كتابات تيد غرانت وخاصة Will There be a Slump? (1960).
لنقلها بصراحة: إن قادة الأممية الرابعة آنذاك قد أساءوا فهم الواقع الموضوعي الحقيقي الذي نشأ عن الحرب العالمية الثانية، وبسبب منظورهم الخاطئ دمروا الأممية الرابعة. لقد طرح إنشاء الدول العمالية المشوهة في دول أوروبا الشرقية، وانتصار الجيش الأحمر الصيني، مشاكل نظرية جديدة لقيادة الأممية الرابعة، ومرة أخرى أظهرت القيادة عجزها الكامل عن فهم ما كان يحدث. في البداية أكدوا أن الأنظمة التي ظهرت في أوروبا الشرقية والصين كانت أنظمة رأسمالية. ثم، وبدون تقديم أي تفسير نظري لموقفهم السابق، تغيروا 180 درجة. وبين عشية وضحاها أعلنوا أن يوغوسلافيا، في عهد تيتو، بعد القطيعة مع ستالين صارت دولة عمالية سليمة. لقد كانت هذه هي نفس طريقة زينوفييف القائمة على الانطباعية السياسية والتذبذبات النظرية المستمرة وتغيير الخط، دون أي تفسير، من أ إلى ب والعكس.
موقف تيد غرانت
إن القرار الذي اعتمده الكونفرانس الأممي التمهيدي للأممية الرابعة، في أبريل 1946، (السلام الإمبريالي الجديد وبناء أحزاب الأممية الرابعة – أبريل 1946)[2]، تخللته نظرة خاطئة حول أن الأزمة الثورية وشيكة واستحالة حدوث انتعاش اقتصادي عام للرأسمالية، وبالتالي أكد على وجود احتمالات ممتازة لتطوير قوى الأممية الرابعة. كل هذا كان بالطبع خاطئا وأدى في النهاية إلى دخول المنظمة في الأزمات الواحدة تلو الأخرى، وانهيارها في النهاية.
كما أنهم كانوا مخطئين بنفس القدر في ما يخص منظورهم للستالينية والاتحاد السوفياتي. ففي عام 1946، كانت منظورات قيادة الأممية الرابعة تقول إنه بسبب «تظافر الضغط الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والتهديدات العسكرية من جانب الإمبريالية الأمريكية والبريطانية»، يمكن للنظام الستاليني في الاتحاد السوفياتي أن ينهار. كان العكس هو الصحيح. حاول تيد غرانت، إلى جانب قيادة الحزب الشيوعي الثوري، تصحيح هذا التوقع الخاطئ. وقد نشرنا على موقعنا جميع الوثائق التاريخية المتعلقة بهذه المسألة وغيرها.
رأى الحزب الشيوعي الثوري البريطاني أنه بسبب توازن القوى الجديد في أوروبا الذي خلقه انتصار الجيش الأحمر، وبسبب ميزان القوى الطبقي الجديد، فإنه من المستحيل على الطبقات السائدة أن تفرض الردة الرجعية بشكل فوري. وصف الرفاق البريطانيون الأنظمة في أوروبا الغربية (فرنسا ، بلجيكا ، هولندا ، إيطاليا) بأنها أنظمة للثورة المضادة بقناع ديمقراطي، بينما أصر أمثال بيير فرانك على أن المنظور أمام أوروبا الغربية هو الدكتاتورية البونابرتية.
لقد حاول تيد غرانت، المنظر الأبرز للحزب الشيوعي الثوري، تصحيح المواقف الخاطئة لقيادة “الأممية الرابعة” آنذاك. وللحصول على سرد أكثر تفصيلا عن ذلك نقترح عليكم قراءة جميع المقالات المنشورة في صفحتنا The Fourth International. في ذلك الوقت، كتب تيد في رده على بيير فرانك ما يلي: «يوجد بين كوادر الأممية الرابعة رفاق لم يفهموا هذا الدرس بشكل كاف. إنهم يستمرون في العيش على “عائدات بعض التجريدات الجاهزة” بدلا من أن يعملوا على تدقيق أو تصحيح التعميمات السابقة». كان هذا هو جذر المشكلة.
تجاهلت القيادة حجج الفرع البريطاني وحافظت بشكل أعمى على موقفها الخاطئ. ضاعت هباء إشارات الرفاق البريطانيين إلى الوضع المتغير والحاجة إلى إعادة تقييم المنظورات السابقة. كما ضاعت هباء إشاراتهم إلى مظاهر الانتعاش الاقتصادي بعد الحرب. وضاعت هباء محاولاتهم أن يوضحوا لقادة الأممية أنه نظرا لأن حكومة حزب العمال في بريطانيا، في فترة ما بعد الحرب، كانت تنفذ معظم نقاط برنامجها، فإن شروط الدخولية في حزب العمال كانت غير متوفرة. لكن جميع حجج الحزب الشيوعي الثوري سقطت على آذان صماء. لقد كان غباء هؤلاء السادة كبيرا إلى درجة أنه عندما سُئل أحد ممثلي حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، عام 1947، عن مدى صحة التوقع الذي طرحه تروتسكي عام 1938 بأنه في غضون عشر سنوات لن يتبقى هناك حجر على حجر في صرح الاشتراكية الديمقراطية والستالينية، رد بثقة إنه لم تتبق سوى سنة واحدة!
في رسالته المفتوحة إلى الفرع البريطاني للأممية الرابعة. (شتنبر/ أكتوبر 1950) وضح تيد غرانت الوضع العالمي الجديد الذي نشأ عن الحرب وحذر الأممية قائلا:
«لقد أدت هذه العوامل إلى تطور لا مثيل له، لم يكن من الممكن توقعه من قبل أي من المعلمين الماركسيين: امتداد الستالينية كظاهرة اجتماعية على أكثر من نصف أوروبا وعبر شبه القارة الصينية، مع إمكانية انتشارها على مستوى كل آسيا.
يطرح هذا مشاكل نظرية جديدة يتعين على الحركة الماركسية حلها. ففي ظل ظروف العزلة وضعف القوى، ستؤدي العوامل التاريخية الجديدة إلى خلق أزمة نظرية للحركة، مما يطرح على المحك حتى وجودها واستمرارها».
ليس هناك أدنى شك في أنه لو كان تروتسكي ما يزال على قيد الحياة عام 1945 ، لكان قد رأى على الفور ضرورة إعادة تقييم الوضع في ضوء الأحداث. لكن هؤلاء الذين كانوا يسمون بقادة الأممية الرابعة كانوا عاجزين عن القيام بذلك. إنهم ببساطة لم يكونوا على مستوى المهام التي يفرضها التاريخ. كانت الأمور بالنسبة لهم بسيطة للغاية: إذ كل ما كان عليهم فعله هو التكرار الحرفي لما كتبه تروتسكي عام 1938. أي أنهم لم يتعاملوا مع المنظورات بطريقة ماركسية، بل بطريقة ميتافيزيقية. لقد اقتصروا على تكرار غبي لما كتبه تروتسكي دون فهم جوهر منهجيته، بنفس الطريقة التي يكرر بها الببغاء الأصوات التي تشبه الكلام البشري، لكن دون أدنى فهم لمعانيها.
والحقيقة هي أن كل المواقف التي دافعت عنها القيادة “البابلوية” للأممية الرابعة بعد الحرب، بدعم كامل من لومبرت وهيلي، قد ثبت أنها خاطئة، وكل المواقف الجوهرية التي دافع عنها تيد غرانت، والحزب الشيوعي الثوري، ثبت أنها صحيحة. هذا ما لا يستطيع لومبرت وغلوكشتاين تحمله. ولذلك حاولوا لفترة طويلة إخفاء الحقائق عن أنصارهم وتزييف تاريخ الأممية الرابعة. وهذا هو السبب في أنهم يشوهون باستمرار مواقفنا ويسيئون تفسيرها في حواشي بائسة. إن التيار الذي يبني نفسه على أساس التزوير سينتهي به المطاف كحاشية بائسة على هامش التاريخ. وكما أشار تروتسكي فإن قاطرة التاريخ هي الحقيقة وليس الأكاذيب.
الدورة الاقتصادية والصراع الطبقي
ينسب منتقدونا الودودون إلى الحزب الشيوعي الثوري «لا سيما الموقف القائل بأن القوى المنتجة لديها القدرة على التطور، مما دفعهم إلى القول بأن الاشتراكية الديمقراطية ما يزال لها مستقبل تاريخي».
قد يكون مؤلف هذه السطور أميا من الناحية السياسية، لكن ذلك لا يبرر له بالتأكيد أن يعاقب المنطق واللغة الفرنسية ولا أن يشوه الماركسية!! ما الذي يعنيه هذا الهراء؟ إن القوى المنتجة تمتلك دائما “القدرة” على التطور، بنفس الطريقة التي يمتلك بها معظم الناس “القدرة” على التفكير. لكن مسألة هل ستنعكس تلك القدرة في حدوث تطور فعلي للإنتاج، أو في قدرة الأفراد على التفكير بالفعل، فشيء مختلف تماما. وفي حالة اللومبرتيين قد يكون الاحتمال الأخير مشكوكا فيه بشكل جدي.
كان لدى قادة الأممية الرابعة، بعد عام 1945، كما رأينا، منظورا خاطئا تماما، ليس فقط في ما يتعلق بالاقتصاد، بل وفي جميع المجالات الأخرى. يختار ناقدنا الودود بعناية مسألة واحدة فقط (تطور القوى المنتجة) لأنه يتخيل (بشكل خاطئ) أنه سيكون في أرض آمنة، وينسى كل البقية.
تنبأ بابلو وماندل وشركاؤهم بحدوث ركود وشيك (وحرب فورية، وصعود أنظمة بونابرتية وثورات). دعونا نسأل ناقدنا سؤالا مباشرا: هل كانت تلك المنظورات صحيحة – نعم أم لا؟ هناك إجابة واحدة ممكنة: لم تكن لتلك المنظورات أية علاقة مع الوضع الحقيقي. لقد كانت خاطئة في كل جانب من جوانبها، خاطئة من السطر الأول إلى الأخير. لا فائدة على الإطلاق من محاولة اللجوء إلى السفسطائية للتملص من هذه الحقيقة، التي تعتبر غير مستساغة بالنسبة للومبرت، لأنه (على عكس تيد غرانت) لم يكن يشارك بابلو “بعض الأفكار” فقط، بل كان متفقا معه بشكل كامل في جميع أفكاره.
لا يمكن فصل عنصر واحد فقط (قوى الإنتاج) عن منظور كان كله خاطئا تماما. لم يكن منظورهم عن الركود الفوري سوى جزء من افتقارهم العام إلى فهم السيرورات الحقيقية التي كانت تجري على الصعيد العالمي. كان قادة الأممية الرابعة ينكرون أي إمكانية لحدوث انتعاش اقتصادي، وبالتالي كانوا يتوقعون الاندلاع الوشيك للثورات (أو صعود الأنظمة الدكتاتورية البونابرتية، أو الحروب…). كانوا يتوقعون انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك عندما كان النظام الستاليني في روسيا قد خرج في الواقع قويا جدا من الحرب.
كانت إحدى النقاشات الرئيسية التي برزت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية هي: هل سيكون هناك أي احتمال لازدهار الرأسمالية وانتعاشها؟ كان كانون وماندل وبابلو وهيلي، وغيرهم من قادة الأممية الرابعة آنذاك، قد استندوا إلى تفسير شكلي لتحليل تروتسكي (الصحيح) بأن الرأسمالية كانت “تحتضر”. لقد فسروا هذا (بشكل خاطئ) على أنه يعني أنه لن يكون هناك، من الآن فصاعدا، أي انتعاش اقتصادي.
كان هذا الموقف مخالفا تماما للمنهج الماركسي. وقد رد عليه لينين، قبل وقت طويل، عندما أشار، في جداله مع من كانوا يسمون بالشيوعيين اليساريين داخل الأممية الشيوعية، إلى أنه لا يوجد شيء اسمه “الأزمة النهائية للرأسمالية”. فطالما لم تقم الطبقة العاملة بإسقاطها، ستبقى الرأسمالية قادرة دائما على إيجاد مخرج حتى من أعمق الأزمات. لم يستبعد كل من لينين وتروتسكي الاحتمال النظري بأن تشهد الرأسمالية طفرة اقتصادية كبيرة في المستقبل، إذا لم تقدم البروليتاريا بديلا لها من خلال الثورة الاشتراكية.
كيف طرح تروتسكي مسألة الصراع الطبقي والدورة الاقتصادية؟ كان قد أبدى في مقاله Flood-tide، الذي كتبه عام 1921، الملاحظة التالية:
«يدخل العالم الرأسمالي فترة من الانتعاش الصناعي. تناوب الطفرات مع الركود قانون بنيوي للمجتمع الرأسمالي. وتشير الطفرة الحالية إلى إقامة توازن في البنية الطبقية. كثيرا ما تساعد الأزمة على نمو مزاج النزعة اللاسلطوية والإصلاحية بين العمال، أما الطفرة فستساعد على رص صفوف الجماهير العاملة»[3].
ما هي الاستنتاجات التي استخلصها تروتسكي من الانتعاش الاقتصادي؟ هل استنتج أنه يدل على نهاية الصراع الطبقي؟ هل كان يعني الانتصار الحتمي للإصلاحية، أم حدوث “انحراف يميني”، كما كان منتقدونا اللومبرتيون ليقولوا؟ كلا، على الإطلاق! يمكننا أن نرى من خلال الاقتباس أعلاه موقف تروتسكي. فعلى عكس بابلو ولومبرت، كان لتروتسكي موقف ماركسي تجاه المنظورات الاقتصادية. إن الفكرة القائلة بأن الركود يعني بالضرورة الثورة وأن الانتعاش يعني بالضرورة الثورة المضادة، فكرة خاطئة تماما. وهي نموذجية للشكلية غير الديالكتيكية التي هي السمة الحتمية لتفكير العصبويين اليساريين المتطرفين في كل الأزمنة.
كان على تروتسكي أن يشرح لـ”اليساريين” أبجديات الماركسية. فالعلاقة بين الدورة الاقتصادية وبين الصراع الطبقي ليست مباشرة وميكانيكية كما يتخيل اليسراويون، بل هي متناقضة وديالكتيكية. لقد شرح بطريقة متوازنة أنه يمكن للطفرة أن تكون لها آثار إيجابية في رص صفوف الطبقة العاملة وشفاء جروح هزائمها السابقة ورفع ثقتها بنفسها. دعونا نترك تروتسكي يشرح فكرته بنفسه:
«تدق الصحافة الرأسمالية الطبول احتفالا بنجاحات “إعادة التأهيل” الاقتصادي وآفاق عهد جديد من الاستقرار الرأسمالي. هذه النشوة لا أساس لها من الصحة، مثلما هي تلك المخاوف المقابلة من جانب “اليساريين” الذين يعتقدون أن الثورة يجب أن تنمو من التفاقم المستمر للأزمة. الواقع هو أنه بينما سيؤدي الازدهار التجاري والصناعي القادم من الناحية الاقتصادية إلى خلق ثروات جديدة للدوائر العليا من البرجوازية، فإن جميع المزايا السياسية ستكون لنا. إن الاتجاهات نحو التوحيد داخل الطبقة العاملة ليست سوى تعبير عن الإرادة المتزايدة للكفاح. وإذا كان العمال يطالبون اليوم، من أجل النضال ضد البرجوازية، أن يتوصل الشيوعيون إلى اتفاق مع المستقلين ومع الاشتراكيين الديمقراطيين، فغدا، وبقدر ما ستنمو الحركة بشكل جماهيري، سيقتنع هؤلاء العمال أنفسهم بأن الحزب الشيوعي وحده الذي يمنحهم القيادة في النضال الثوري. ترفع الموجة الأولى من المد جميع المنظمات العمالية، مما يفرض عليها التوصل إلى اتفاق. لكن المصير نفسه ينتظر الاشتراكيين الديمقراطيين والمستقلين: حيث سيتم ابتلاعهم الواحد تلو الآخر في الموجات التالية للمد الثوري.
هل هذا يعني -على النقيض من تصور أنصار النظرية الهجومية- أنه ليست الأزمة، بل الانتعاش الاقتصادي القادم هو الذي من المحتم أن يؤدي مباشرة إلى انتصار البروليتاريا؟ إن مثل هذا التأكيد القاطع لا أساس له. لقد سبق لنا أن شرحنا بالفعل أن العلاقة بين الوضع الاقتصادي وبين طبيعة الصراع الطبقي ليست ميكانيكية، بل ديالكتيكية معقدة. ويكفي لفهم المستقبل أننا ندخل فترة الانتعاش مسلحين بشكل أفضل بكثير مما دخلنا فترة الأزمة. فلدينا في أهم بلدان القارة الأوروبية أحزابا شيوعية قوية. ولا شك أن القطيعة التي يعرفها الوضع ستفتح أمامنا إمكانية شن هجوم -ليس فقط في المجال الاقتصادي، بل وفي المجال السياسي أيضا. سيكون من العقيم الدخول في تكهنات حول أين سينتهي هذا الهجوم. إنه قد بدأ للتو، وما زال ينمو.
قد يثير بعض السفسطائيين الاعتراض القائل بأنه إذا افترضنا أن الانتعاش الصناعي القادم لا يقودنا بالضرورة مباشرة إلى النصر، فإنه من الواضح أن دورة صناعية جديدة ستحدث، مما سيعني خطوة أخرى نحو استعادة الرأسمالية لتوازنها. وفي هذه الحالة ألن ينشأ بالفعل خطر عصر جديد من عودة الرأسمالية؟ يمكننا أن نجيب هذا على النحو التالي: إذا فشل الحزب الشيوعي في تحقيق النمو؛ إذا فشلت البروليتاريا في اكتساب الخبرة؛ إذا فشلت البروليتاريا في المقاومة أكثر فأكثر بطريقة ثورية حازمة؛ إذا فشلت في الانتقال في أول فرصة من الدفاع إلى الهجوم؛ عندها سوف تنجح بلا شك آليات التطور الرأسمالي، بمساعدة من مناورات الدولة البرجوازية، في عملها على المدى الطويل. ستتم إعادة بلدان كثيرة إلى البربرية؛ وعشرات الملايين من البشر سيموتون من الجوع، وقلوبهم مليئة باليأس، وعلى عظامهم سيستعيد العالم الرأسمالي نوعا جديدا ما من التوازن. لكن مثل هذا المنظور تجريد فقط. فهناك العديد من العقبات الضخمة التي تعرقل الطريق نحو هذا التوازن الرأسمالي المفترض: فوضى السوق العالمية، وتعطل الأنظمة النقدية، وتصاعد النزعة العسكرية، وخطر الحرب، وغياب الثقة في المستقبل. تبحث القوى الرأسمالية الأساسية عن سبل للهروب وسط أكوام من العقبات. لكن هذه القوى الأساسية نفسها تضرب الطبقة العاملة وتدفعها إلى الأمام. إن تطور الطبقة العاملة لا يتوقف حتى عندما تتراجع. لأنها، بينما تفقد المواقع، تراكم الخبرة وتقوي حزبها. إنها تسير إلى الأمام. إن الطبقة العاملة هي أحد شروط التطور الاجتماعي، وأحد عوامل هذا التطور، وهي، علاوة على كل ذلك، العامل الأكثر أهمية لأنها تجسد المستقبل.
إن المنحنى الأساسي للنمو الصناعي يبحث عن سبل تصاعدية. وتصير الحركة معقدة بسبب التقلبات الدورية، التي كانت تشبه التشنجات خلال ظروف ما قبل الحرب. من المستحيل بطبيعة الحال أن نتنبأ بشكل مسبق عند أي نقطة للتطور سيحدث مثل هذا المزيج من الظروف الموضوعية والذاتية التي ستنتج انقلابا ثوريا. كما أنه لا يمكن التنبؤ بما إذا كان ذلك سيحدث في سياق الانتعاش الوشيك، في بدايته، أو عند نهايته، أو مع انطلاق دورة جديدة. يكفينا أن إيقاع التطور يعتمد إلى حد كبير علينا وعلى حزبنا وعلى تكتيكاته. من الأهمية بمكان أن نأخذ في الاعتبار التحول الاقتصادي الجديد الذي يمكن أن يفتح مرحلة جديدة لرص الصفوف والإعداد لهجوم ظافر»[4].
أليس هذا واضحا تماما؟ يشرح تروتسكي هنا العلاقة الديالكتيكية المعقدة بين الدورة الاقتصادية وبين الصراع الطبقي، واللذان يكيفان بعضها البعض، لكن ليس بطريقة ميكانيكية. من الممكن أن يؤدي الركود إلى إحباط معنويات العمال ويؤجل التطورات الثورية لعدد من السنوات. وقد كان للركود الاقتصادي الذي أعقب هزيمة ثورة 1905 في روسيا مثل هذا التأثير، وكان تروتسكي قد توقع بشكل صحيح أن هناك حاجة إلى حدوث انتعاش اقتصادي قبل أن يعود العمال إلى السير في طريق الثورة مرة أخرى. وكان هذا بالضبط ما حدث في فترة 1911-1914.
تجدر الإشارة إلى أن تروتسكي يطرح، في الخلاصة التي سردناها أعلاه، الإمكانية النظرية لحدوث نهوض اقتصادي رأسمالي (“حقبة جديدة من استعادة الرأسمالية لتوازنها”) إذا فشلت الأحزاب الشيوعية في الاستيلاء على السلطة. لقد اعتبر ذلك احتمالا ضعيفا – منظورا مجردا- لأن المنظور الذي كان آنذاك هو انتصار الثورات الاشتراكية بقيادة الأممية الشيوعية. في عام 1921 لم تكن إمكانية الانحطاط البيروقراطي للثورة الروسية لتخطر على البال. لكن عزلة ثورة أكتوبر في ظروف التخلف المادي والثقافي المهول (بسبب خيانة قيادات الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية) أدت إلى الانحطاط الستاليني، الذي قوض الأممية الشيوعية باعتبارها أداة للثورة الاشتراكية. وهو ما أدى بدوره إلى هزيمة الثورات في الصين وألمانيا وإسبانيا وغيرها، الشيء الذي أدى بدوره مباشرة إلى الحرب العالمية الثانية.
إن الطريقة المتوازنة التي تعامل بها تروتسكي (وكذلك لينين، الذي كان له نفس الموقف) مع هذه المسألة تتناقض تماما مع الطريقة الطفولية التي تعامل بها “الشيوعيون اليساريون”، الذين كانت طريقتهم عبارة عن ابتذال ميكانيكي للماركسية. نفى “اليساريون” أي احتمال لإحياء القوى المنتجة، معتبرين أن أي فكرة من هذا القبيل ترقى إلى درجة التخلي عن المنظور الثوري والاستسلام للإصلاحية والاشتراكية الديمقراطية. وهاجموا كلا من لينين وتروتسكي بوصفهما “يمينيين” بسبب ارتكابهما لجريمة شرح حقائق الحياة لهم. لكن التطورات اللاحقة أظهرت أن لينين وتروتسكي كانا على حق وأن “الشيوعيين اليساريين” كانوا مخطئين بشكل يدعو للرثاء.
وكحاشية على ما قلناه، يجب أن نضيف أنه على الرغم من جدية تلك الخلافات السياسية، لم يخطر ببال لينين وتروتسكي أن يقترحا طرد “اليساريين” أو استخدام الجهاز الهائل للأممية الشيوعية لقمعهم. لقد استخدما النقاش السياسي لتعليم كوادر الأممية وأجابا بصبر على حجج معارضيهم. كانت تلك هي الطريقة الصحيحة، اللينينية، في التعامل مع الخلافات داخل المنظمة. والتي تتناقض كليا مع طريقة لومبرت-غلوكشتاين.
“قل الحقيقة!”
لم يكن الوضع الذي نشأ بعد عام 1945 مشابها للوضع الذي جاء بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. أجبرت انتصارات الجيش الأحمر، والموجة الثورية التي اجتاحت أوروبا، الإمبريالية الأمريكية على دعم الأنظمة الرأسمالية الأوروبية خوفا من “خطر الشيوعية”. ومن ناحية أخرى، نجحت الأحزاب والمنظمات الاشتراكية الديمقراطية والستالينية، على عكس توقعات تروتسكي عام 1938، في أن تضع نفسها على رأس الحركة العمالية وتخرجها عن مسارها. حدثت الثورة المضادة بقناع ديمقراطي (مثلما حدث سابقا في ألمانيا في 1918-1920).
كان هذا هو الشرط السياسي المسبق لحدوث إنتعاش اقتصادي واستقرار الرأسمالية، مما عزز سيطرة الاشتراكية الديمقراطية على الجماهير في بريطانيا وبلدان أخرى. ومن ناحية أخرى زادت الانتصارات التي حققتها الستالينية في أوروبا الشرقية والصين، بعد الانتصارات المذهلة للجيش الأحمر خلال الحرب، من تعزيز الأوهام في الستالينية بين الجماهير. وهكذا، وعلى عكس توقعات تروتسكي، تعزز موقع الستالينية والإصلاحية لمرحلة تاريخية كاملة.
شرح تيد غرانت أسباب ازدهار الرأسمالية بعد الحرب بالعبارات التالية:
«ما هي إذن الأسباب الأساسية للتطورات التي عرفها اقتصاد ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
1- الفشل السياسي للستالينيين والاشتراكيين الديمقراطيين، في بريطانيا وأوروبا الغربية، خلق المناخ السياسي الملائم لانتعاش الرأسمالية.
2- خلقت آثار الحرب، بتدميرها للسلع ورأس المال، سوقا كبيرة (للحرب آثار مشابهة لآثار الركود في تدمير رأس المال، لكنها أعمق منه). ولم تختف هذه الآثار، وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، إلا عام 1958.
3- ساعدت خطة مارشال والمساعدات الاقتصادية الأخرى على انتعاش أوروبا الغربية.
4- الاستثمار المتزايد بشكل هائل في الصناعة.
5- تطور الصناعات الجديدة: البلاستيك والألمنيوم والصواريخ والإلكترونيات والطاقة النووية والمنتجات الفرعية (By-products).
6- زيادة إنتاجية الصناعات الجديدة: المواد الكيميائية والألياف الصناعية والمطاط الصناعي والبلاستيك، والارتفاع السريع في المعادن الخفيفة والألمنيوم والمغنيسيوم والمعدات المنزلية الكهربائية والغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية وأنشطة البناء.
7- الحجم الهائل للرأسمال الوهمي، الناشئ عن نفقات التسلح، والتي تبلغ 10% من الدخل القومي في بريطانيا وأمريكا.
8- السوق الجديدة للرساميل والمنتجات الهندسية، التي أوجدها تراجع قوة الإمبريالية في البلدان المتخلفة، والتي أعطت للبرجوازيات المحلية فرصة متزايدة لتطوير الصناعة على نطاق أكبر من أي وقت مضى.
9- كل هذه العوامل تتفاعل مع بعضها البعض. فالطلب المتزايد على المواد الخام، بفعل تطور الصناعة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، يؤثر بدوره على البلدان المتخلفة، والعكس صحيح.
10- إن التبادل التجاري المتزايد، بين البلدان الرأسمالية، وخاصة في الرساميل والمنتجات الهندسية، نتيجة لزيادة الاستثمار الاقتصادي، يعمل بدوره كحافز.
11- الدور الذي لعبه تدخل الدولة في تحفيز النشاط الاقتصادي»[5].
كيف تعامل قادة الأممية الرابعة مع هذا الوضع؟ إنهم لم يفهموا شيئا. تشبه حججهم نسخة كربونية لحجج من كانوا يسمون بالشيوعيين اليساريين في الفترة ما بين 1920-1924. لقد أكدوا بشكل قاطع أن الاقتصاد العالمي سيظل في “ركود وانحسار”. وحتى عندما صدمت الحقائق أنوفهم ، وبدأ الاقتصاد الرأسمالي في الانتعاش، رفضوا أخذ ذلك في الاعتبار. وفي أواخر عام 1947 ، عندما لم يعد هناك أي شخص جدي ينكر وجود انتعاش اقتصادي في أوروبا، استمروا هم يرفضون الاعتراف بخطئهم. ثم، وفي محاولة منهم لتغطية مؤخرتهم العارية، أعلنوا أنه على الرغم من وجود بعض النمو الاقتصادي فإن الرأسمالية لم تستطع الوصول إلى مستوى الإنتاج الذي كانت تحققه قبل الحرب.
كان هذا تأكيدا تعسفيا وغير علمي على الاطلاق، ولم يكن يقوم لا على أساس النظرية الاقتصادية الماركسية ولا على أساس الوقائع. كان ذلك مجرد محاولة منهم لإنقاذ بعض ماء الوجه أمام ظرف موضوعي كان يتناقض بشكل كامل مع توقعاتهم. بالنسبة لهؤلاء الناس لم يكن السؤال الأهم هو تعليم الكوادر، بل كل ما كان يهمهم هو الحفاظ على الهيبة الشخصية للقادة، وهي السياسة الكارثية ذات النتائج الكارثية! أما من الناحية العملية فسرعان ما كسر نمو القوى المنتجة “القيد” الذي فرضوه عليه، ببلادتهم، ودخلت الرأسمالية في انتعاش اقتصادي استمر لأكثر من عقدين.
لو أن الماركسية كانت عبارة عن مجموعة من الصيغ الجاهزة، بدلا من المنهج العلمي، لكان في مقدور أي عصبوي تافه أن يصير عظيما مثل ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي مجتمعين معا. لكن الأمور ليست بهذه البساطة.
أما الماركسيون البريطانيون، الملتفون حول قيادة الحزب الشيوعي الثوري، وباستخدام منهج ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي، فقد شككوا في ذلك الموقف وكانوا أول من أشار إلى أن الرأسمالية العالمية كانت تدخل فترة انتعاش. وأوضحوا ضرورة إعادة توجيه قوى الأممية الرابعة على أساس تحليل ما كان يحدث بالفعل.
القوى المنتجة
لقد طور بيير لومبرت حول هذه المسألة مجموعة غريبة للغاية من الأخطاء العصبوية. فقد اكتفى، هو وأتباعه، بالتمسك ببساطة بالموقف السابق المتمثل في إنكار وجود أي تطور للقوى المنتجة. ومن المدهش أنهم ما يزالون متمسكين بهذا الموقف حتى يومنا هذا. يبدو أنهم يخشون من الفكرة القائلة بأن القوى المنتجة يمكنها أن تتطور بالفعل، لأنهم يشعرون أن هذا سيؤدي إلى الاستنتاج بأن الثورة مستحيلة. إن مثل هذا الاستنتاج لا مبرر له على الإطلاق، إنه صورة كاريكاتورية ميكانيكية للماركسية رد عليها لينين وتروتسكي، منذ زمن بعيد، كما رأينا.
لقد شرح ماركس، منذ زمن بعيد، أن تطور القوى المنتجة هو الذي يجعل الثورة حتمية. إنه يقوي الطبقة العاملة وفي النهاية يزيد من حدة التناقضات داخل النظام. صحيح أن تطور القوى المنتجة في أوروبا منذ عام 1945 قد تسبب في مشاكل خطيرة للحركة الثورية. كان الأساس الموضوعي لعزلة الطليعة البروليتارية وانهيار الأممية الرابعة. لكنه أدى أيضا إلى تقوية الطبقة العاملة وشفاء جراح هزائم الماضي. لقد قضى بلا رحمة على الفلاحين في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، وبذلك أضعف القاعدة الاجتماعية للردة الرجعية.
إن التطور الهائل للقوى المنتجة في الصين في وقتنا الحاضر، ومن خلال تعزيزه للبروليتاريا، يخلق الظروف للمد الثوري القوي خلال الفترة القادمة. لا يجب أن ننسى أن أكبر إضراب عام ثوري في التاريخ، أي ذلك الذي حدث في فرنسا عام 1968، جاء في ذروة النهوض الاقتصادي لما بعد الحرب. وهذا دليل كاف على أنه ليس من الضروري نهائيا إنكار إمكانية تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية من أجل الحفاظ على سياسة ومنظور ثوريين.
كان قادة الحزب الشيوعي الثوري هم الوحيدين الذين حافظوا على البوصلة وتبنوا مسارا ثابتا قائما على الأفكار الحقيقية للينين وتروتسكي. وبسبب هذه “الجريمة”، يتعرضون الآن لهجوم أصدقائنا الباريسيين ويتهمون بأنهم “يمينيون”.
هذا ليس صدفة، فكما سبق لنا أن رأينا بالفعل، كان الشيوعيون “اليساريون” قد وصفوا لينين وتروتسكي بأنهما “يمينيان”، وللسبب نفسه تماما. كان ماركس محقا عندما قال إن التاريخ يعيد نفسه، أولا كمأساة ثم كمهزلة. لقد تسبب الشيوعيون “اليساريون” في الكثير من الأضرار بسبب تكتيكاتهم وسياساتهم اليسراوية المتطرفة، مثل “نظرية الهجوم” التي تسببت في هزيمة فادحة للطبقة العاملة الألمانية عام 1921. كانت تلك مأساة. لكن حماقات لومبرت وهيلي وبابلو وكانون وفرانك لم تكن سوى مهزلة. لم يكن لديهم ذلك التأثير داخل الطبقة العاملة الذي كان يتمتع به “اليساريون” الألمان من أجل اختبار “نظرياتهم” في الواقع العملي. وذلك لحسن الحظ ربما.
استمرت مرحلة الانتعاش الاقتصادي الطويلة حتى حدث أول ركود جدي في 1973- 1974. كانت الرأسمالية، طيلة فترة كاملة، قادرة، على الأقل في البلدان الرأسمالية المتقدمة، على منح الامتيازات والإصلاحات للعمال (الخدمات الصحية العمومية، خطط المعاشات التقاعدية، إلخ). وفي مثل تلك الظروف كان القول بأن الرأسمالية لا يمكنها أن تتعافى وأن الثورة على الأبواب تناقضا صارخا مع الواقع. وهكذا تسببوا في نشر الارتباك بين صفوف كوادر الأممية الرابعة.
قال لينين ذات مرة إن اليسراوي المتطرف هو انتهازي خائف من انتهازيته. وهذا ما يؤكده كل التطور الذي عرفته جميع التيارات التي نشأت حول القيادة القديمة للأممية الرابعة. رأينا، على مدى العقود الماضية، كل ما يمكن تصوره (وما لا يمكن تصوره) من الانحرافات اليسراوية المتطرفة والانتهازية. تتأرجح هذه الجماعات باستمرار من اليسار المتطرف إلى الانتهازية ثم العكس مرة أخرى. فبعد أن بدأوا برسم صورة كاريكاتورية عن مواقف تروتسكي بافتراضهم أن كل نقطة وكل فاصلة كتبها العجوز كانت صحيحة حرفيا، انتقلوا بعد ذلك إلى القول بأن “الأفكار القديمة” كانت عديمة الجدوى وطوحوا بها عرض الحائط. كانت الحالة القصوى هي حزب العمال الاشتراكي الأمريكي، الذي لم يعد يدعي أنه تروتسكي ولو حتى بالكلمات. لكن الآخرين، في الواقع، ليسوا أفضل حالا.
لم يقبل هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم “تروتسكيون” أنه كان هناك انتعاش إلا عندما أصبح من الواضح تماما أن الرأسمالية كانت تشهد انتعاشا اقتصاديا قويا. عندها، وكما هي العادة دائما، قاموا بشقلبة 180 درجة وانتقلوا إلى الطرف المقابل. قام التيار المتحلق حول إرنست ماندل – والذي أصبح يسمى بالأمانة العامة للأممية الرابعة (USFI)- بتطوير منظور لعقود من السلام الاجتماعي في البلدان الرأسمالية المتقدمة، بناء على فكرة أن الرأسمالية قد حلت، بطريقة ما، بعض تناقضاتها الأساسية من خلال الكينزية وتدخل الدولة. بل إنهم تبنوا فكرة “تبرجز” الطبقة العاملة. لذا فقد فاجأتهم تماما أحداث 1968 في فرنسا.
أما بالنسبة للومبرت وأتباعه، فقد تفاعلوا مع الموقف بمجرد إغلاق عيونهم عن الواقع، مثلما يقوم طفل خائف بإخفاء رأسه تحت الغطاء لكي لا يرى الأشباح. نود أن نسأل أصدقاءنا اللومبرتيين سؤالا: هل تطورت القوى المنتجة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ أم أنها ما تزال عند المستوى الذي كانت عليه عام 1938 كما يدعون؟ الجواب واضح لأي شخص ينظر إلى الإحصائيات. ولكي يتضح الأمر يكفي المرء ببساطة أن يعيش في العالم الواقعي. لكن مشكلة جميع العصبويين هي بالتحديد أنهم لا يعيشون في هذا العالم.
واعتمادا على منطقهم المستمد من عالم أليس في بلاد العجائب، وضع اللومبرتيون قياسا منطقيا أنيقا: أ) توقع غرانت ازدهارا اقتصاديا بعد الحرب، ب) لذلك اعتقد أن الإصلاحية والاشتراكية الديمقراطية قادرتان على البقاء، ج) لذلك فهو يدافع عن الاشتراكية الديمقراطية. يا له من منطق يتجاوز حدود الفهم. لكن دعونا نطرح على ناقدنا الودود سؤالا مباشرا آخر: هل استمر تأثير الاشتراكية الديمقراطية داخل الحركة العمالية العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نعم أم لا؟ إن هذا السؤال يجيب عن نفسه بنفسه، بالنسبة لمن يسكنون كوكب الأرض، أما بالنسبة للكائنات العصبوية الفضائية، فإنه لا يمكننا التأكد من ذلك.
إن المسألة بسيطة جدا حقا. كان الانتعاش الاقتصادي القوي بين عامي 1948 و 1973 هو بالضبط القاعدة المادية التي قامت عليها الأوهام الإصلاحية داخل الحركة العمالية. لقد سمح الانتعاش الاقتصادي، في البلدان الرأسمالية المتقدمة على الأقل، باستقرار اجتماعي وسياسي معين. كانت تلك هي الظروف التي عززت بشكل كبير نفوذ الاشتراكية الديمقراطية داخل الحركة العمالية. إن عدم أخذ ذلك في الاعتبار يعني عدم رؤية الواقع. وهذا يعني أن القوى الماركسية الحقيقية الصغيرة كانت محكومة بالعزلة عن الجماهير والعمل في ظروف صعبة طوال فترة تاريخية كاملة. كان هذا هو السبب الموضوعي لفشل الأممية الرابعة في أن تتطور بالطريقة التي توقعها تروتسكي عام 1938. لقد كنا نسبح ضد التيار.
لم يكن موقف الحزب الشيوعي الثوري يتضمن، بأي حال من الأحوال، أي أوهام حول صلاحية النظام الرأسمالي. لقد ذكروا ببساطة ما كان يحدث بالفعل. لقد فهموا أن الرأسمالية تمر بمرحلة انتعاش مؤقتة وأن الأزمة ستندلع مرة أخرى في نهاية المطاف. رغم أنهم لم يكونوا يتخيلون أن الانتعاش الاقتصادي سيستمر كل تلك المدة التي استمرها فعلا. كما فهموا أن هذا الانتعاش سيؤدي مؤقتا إلى تعزيز الأوهام الإصلاحية بين صفوف الحركة العمالية. وفي الواقع تعزز نفوذ الإصلاحية لفترة تاريخية كاملة، في حين تعرضت قوى الماركسية الحقيقية (التروتسكية) للعزلة. هذه حقيقة لا جدال فيها. لكن السبب الحقيقي وراء تدمير الأممية الرابعة، في تلك الفترة، لا يمكن تفسيره بالاقتصار على الشرط الموضوعي الصعب.
الصعوبات الموضوعية ليست سوى نصف القصة. لكن لا يمكننا أن نهمل دور العامل الذاتي ونوعية القيادة. كان الدور الذي لعبته “القيادة” حاسما وسلبيا بشكل كامل. إن القاعدة الأولى للمادية الجدلية هي: قل الحقيقة دائما. ينطلق الماركسيون من الوضع الحقيقي، مهما كان غير مستساغ. ومن أجل إعادة توجيه قوات الأممية الرابعة ، كان من الضروري للغاية أخذ الشرط الموضوعي الجديد بالاعتبار. وهذا ما عجزت قيادة الأممية الرابعة عن القيام به. لقد أثبتت أنها ليست في مستوى احتياجات الوضع، ونتيجة لذلك ارتكبت سلسلة كاملة من الأخطاء التي دمرت الأممية.
خلال الحرب تكون أهمية الجنرالات الجيدين حاسمة عندما يكون الجيش بصدد التقدم. لكن تلك الأهمية تصير أكثر حسما عندما يكون الجيش مضطرا إلى التراجع. ففي مثل تلك الظروف يمكن للجيش، الذي يتوفر على جنرالات جيدين، أن يتراجع بشكل صحيح، مع إبقاء خسائره عند الحد الأدنى، ويتمكن من تجميع صفوفه، والاستعداد لهجوم جديد عندما تسمح الظروف بذلك. لكن الجنرالات السيئين سيحولون التراجع دائما إلى هزيمة ساحقة. وهذا ما حدث للأممية الرابعة.
بريطانيا
استخلص اللومبرتيون في الحاشية، المذكورة أعلاه، استنتاجا شديد الغرابة من المنظورات الاقتصادية للحزب الشيوعي الثوري. نجدهم يقولون فيها إن القول بالانتعاش الاقتصادي بعد الحرب دفعهم [الحزب الشيوعي الثوري] إلى التأكيد على أن “الاشتراكية الديمقراطية لها مستقبل تاريخي“. حسنا، الآن وبعد مرور ستة عقود، ما الذي يمكن لصحيفة La Vérité أن تقوله عن الاشتراكية الديمقراطية؟ هل ما تزال موجودة أم لا؟ من الواضح أنها ما تزال كذلك، وما يزال لديها نفوذ على ملايين العمال.
في بريطانيا ما زال حزب العمال يحصل بانتظام على أصوات ملايين العمال، وذلك على الرغم من سياسات بلير البغيضة. العمال ينتقدون بلير الذي يكرهه النشطاء، ومع ذلك فقد فشلت بشكل كامل كل محاولات العصب بناء بديل جدي عن حزب العمال. لقد انهار التحالف الاشتراكي. والآن تعرض الحزب الاشتراكي الاسكتلندي للانشقاق. أما المجموعات العصبوية الصغيرة الأخرى فلا تستحق حتى الذكر.
ما هو سبب هذا الموقف الغريب؟ الجواب بسيط للغاية وهو أن العمال البريطانيين لا يرون بديلا حقيقيا عن حزب العمال. وعندما لا يصوتون لحزب العمال، فإنهم لا يصوتون على الإطلاق. قد تكون هذه حقيقة غير مستساغة بالنسبة للبعض، لكنها الحقيقة مع ذلك. ما تزال النقابات الرئيسية تابعة لحزب العمال وتزوده بمعظم أمواله. كما أنها ما تزال تحصل على خمسين بالمائة من الأصوات في مؤتمرات حزب العمال. أي بعبارة أخرى لقد فشل بلير في إحداث القطيعة بين حزب العمال وبين النقابات. وهذه مسألة حاسمة بالنسبة للمنظورات المستقبلية للطبقة العاملة البريطانية.
شكلت مسألة حزب العمال دائما مسألة مركزية بالنسبة للماركسيين البريطانيين. وقد تعامل لينين معها عدة مرات، خاصة في كتابه مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية. كما أن تروتسكي كتب الكثير عن حزب العمال وضرورة قيام التروتسكيين البريطانيين بعمل جاد ومنهجي داخله. إن ضرورة العمل داخل حزب العمال مسألة بديهية بالنسبة لأي شخص لديه أدنى معرفة بالنظرية الماركسية والظروف الحقيقية في بريطانيا. لكن العصب دائما ما تعوي بغضب ضد أي اقتراح من هذا القبيل، لأن العمل داخل حزب العمال بالنسبة لهم يعني… دعم بلير!
يمكننا أن نصف هذه الحجة ببساطة بأنها طفولية، لكن حتى هذا الوصف قليل في حقها! إذ أنه في مقدور حتى طفل في السادسة من عمره أن يفهم أنه من الممكن العمل داخل حزب العمال والنضال ضد بلير. إن الطريقة الوحيدة للنضال بفعالية ضد بلير، في واقع الأمر، هي خوض النضال داخل حزب العمال والنقابات المرتبطة عضويا به. هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء تيار ماركسي قابل للحياة في بريطانيا.
إن الحجة القائلة بأننا عندما نشتغل داخل حزب العمال سوف نسيء إلى مصداقيتنا من خلال الارتباط مع الخونة اليمينيين، ليست حجة جديدة. وقد سبق للينين أن رد عليها بالفعل في مناقشاته مع “الشيوعيين اليساريين” البريطانيين مثل ويلي غالاكر، حيث قال:
«الرفيق غالاكر مخطئ في التأكيد على أنه عندما ندافع عن ضرورة الانتماء إلى حزب العمال سننفر أفضل العناصر بين العمال البريطانيين. علينا أن نختبر ذلك من خلال التجربة. نحن مقتنعون بأن جميع القرارات والتوصيات التي سيعتمدها مؤتمرنا سوف تنشر في جميع الصحف البريطانية الاشتراكية الثورية وهكذا سيكون في مقدور كل الفروع نقاشها.
إن المحتوى الكامل لقراراتنا يُظهر بوضوح شديد أننا نمثل التكتيكات الثورية للطبقة العاملة في جميع البلدان وأن هدفنا هو النضال ضد الإصلاحية والانتهازية القديمة. وتكشف الأحداث أن تكتيكاتنا تلحق بالفعل الهزيمة بالإصلاحية القديمة»[6].
أي شخص يقرأ مقالاتنا على مواقعنا Socialist Appeal أو Marxist.com، لا يمكن أن يشك في أننا ندافع عن برنامج ماركسي ثوري وسياسات ماركسية ثورية، وأننا داخل حزب العمال والنقابات في بريطانيا نناضل بالفعل “ضد الإصلاحية والانتهازية القديمة”. لكن وعلى الرغم من هذه الحقائق الواضحة، لا تتردد صحيفة La Vérité في تكرار الادعاء الفاضح بأن الفرع البريطاني –Socialist Appeal– يدعم، بطريقة ما، بلير! وقد تطرقوا لمقال لنا بعنوان: “بريطانيا: بلير يجب أن يرحل، لكن براون ليس أفضل منه“، كتبه الرفيق فيل ميتشنسون (04 أكتوبر 2005) ، وكتبوا ما يلي:
«لذا يطرح سؤال: هل يجب طرد بلير “المُخَصخِص”، بلير جزار العراق، من حزب العمال؟ تعلن مجموعة غرانت وودز نفسها أنها “الفصيل الماركسي” داخل حزب العمال. فما هو موقفهم إذن؟ في 04 أكتوبر 2005، ومباشرة بعد انعقاد مؤتمر الحزب، نشروا مقالا تحت عنوان “يجب أن يرحل بلير“، لكنهم سارعوا إلى إضافة “لكن براون ليس أفضل منه“. ألا توجد قضايا أخرى تهم نشطاء حزب العمال ما عدا استبدال بلير بشخص آخر “ليس أفضل منه“؟»
كيف يفسر اللومبرتيون ما نقوله؟ لقد قالوا ما يلي:
«ما الذي ينبغي للمرء أن يستنتجه؟ أن إزالة بلير أمر مستحيل؟ أن أيا من سيحل محله “لن يكون أفضل منه”؟».
نرى هنا، منذ البداية، الطريقة الفظة وغير النزيهة التي اعتمدها مؤلف هذا الهجوم. لقد انتهى توني بلير وسيتعين عليه التنحي من موقعه كزعيم لحزب العمال في غضون أشهر قليلة. ويستعد بعض قادة النقابات البريطانية لدعم براون في محاولته ليصبح الزعيم التالي للحزب. وقد كان الغرض من المقالة المنشورة في Socialist Appeal هو مكافحة الأوهام التي تزرع داخل الحركة العمالية البريطانية بأن براون أفضل من بلير بطريقة أو بأخرى، في حين أنه خدم في الواقع مصالح الرأسمالية البريطانية كوزير للمالية. هنا مرة أخرى تقلب La Vérité الحقائق رأسا على عقب.
يمكن لقرائنا أن يطلعوا على مقالنا بأنفسهم، لكننا سنقتبس فقط الفقرات الثلاث الأخيرة منه لتوضيح موقفنا:
«يجب أن يكون هناك على كل مستوى من مستويات الحركة العمالية تحد حقيقي لأجندة خدمة الرأسماليين الكبار التي يتبناها كل من بلير وبراون. لا يمكننا أن ننتظر سنتين أو ثلاث أو أربع سنوات أخرى. يجب على هؤلاء القادة النقابيين، الذين يدعمون براون، أن يستيقظوا على الواقع. يجب على القواعد أن يدقوا ناقوس الخطر، إذا وحدت النقابات قواتها خلف مرشح يساري حقيقي فسيكون لها تأثير كبير. لا ينبغي تقديم أي دعم لأي مرشح لا يدعم سحب القوات من العراق، ولا يعارض الخصخصة ولا يدعم إعادة تأميم السكك الحديدية وإلغاء القوانين المناهضة للنقابات، وهذا هو الحد الأدنى من المتطلبات.
إن مرشحا يساريا مثل جون ماكدونيل، على سبيل المثال، ولو أنه لم يفز في انتخابات القيادة، يمكنه أن يفتح الباب أمام نقاش حقيقي داخل الحركة العمالية حول الحاجة إلى سياسات اشتراكية.
إن سيرورة الانتقاد، التي بدأت بالفعل في المجتمع، والتغيرات داخل النقابات، لن تختفي. يجب ألا تكون مهمة الاشتراكيين والنقابيين هي الالتفاف حول أي مرشح قادر على الفوز، بغض النظر عن سياسته، بل يجب أن تكون مهمتهم هي تنظيم مشاعر السخط والبحث والكفاحية المتصاعدة داخل المجتمع البريطاني، وتحويلها إلى قوة حقيقية للتغيير: التغيير داخل الحركة العمالية، والتغيير داخل حزب العمال، كخطوات نحو التغيير المهم حقا وهو التغيير الاشتراكي الجذري للمجتمع».
لكن ناقدنا وبعد أن بدأ بتحريف مبتذل لموقفنا، يواصل قائلا:
«على المرء الانتظار حتى 10 نوفمبر… لكي يعثر على مقال آخر في منشورات وودز غرانت».
ناقدنا الودود لم يقم حتى بواجبه بشكل صحيح. لقد تجاهل بأريحية مقالا آخر لفيل ميتشنسون تحت عنوان: “‘الحرب على الإرهاب’ استخدمت ذريعة للتضييق على الحريات المدنية الأساسية في بريطانيا“، نشر في 25 أكتوبر 2005. وقد خصص ذلك المقال لهجوم بلير على الحريات المدنية، ويمكن لقرائنا الاطلاع على النص على الرابط أعلاه.
وقد اقتبس ناقدنا من مقال 10 نوفمبر: “المسمار ما قبل الأخير في نعش بلير“، في محاولة أخرى لإثبات أن التيار الماركسي في بريطانيا يدعم توني بلير. كيف فعل ذلك؟ عن طريق ترجمة محرفة لجملة من الإنجليزية إلى الفرنسية. في المقالة الأصلية باللغة الإنجليزية نجد ما يلي:
«قد تكون هذه الهزيمة البرلمانية الأولى لبلير هي المسمار ما قبل الأخير في نعشه. متى سيرحل؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل يقيني. لكن كلما حدث ذلك سريعا كلما كان أفضل بالتأكيد»[7].
تعني “Not a day too soon” في اللغة الإنجليزية: “كلما ذهب سريعا، كان ذلك أفضل”. لكن صديقنا اللومبرتي ترجم عبارة “Not a day too soon” إلى الفرنسية بما يلي: “Pas de sitôt, de toute evidence”، وهذا يعني: “ليس قريبا جدا، بالتأكيد”. وهكذا يمكن لأي قارئ فرنسي أن يستنتج أن موقف منظمة Socialist Appeal البريطانية هو أن بلير لن يذهب في القريب العاجل. الترجمة الأمينة إلى الفرنسية هي “Pas (un jour) trop tôt”، أو “Il est grand temps” ( لقد حان الوقت!)، أي أنه يجب أن يحدث في أقرب وقت.
لكن اللومبرتيين الذين لم يشعروا بالسعادة بتزوير الترجمة، أضافوا نكهتهم الخاصة للمعنى وقالوا:
«وهكذا لدينا هنا رسالة مفادها أن هذا الفصيل “الماركسي” يخاطب نشطاء حزب العمل والنقابات قائلا: “Blair ne peut pas, ne doit pas partir”، وهذا يعني “بلير لا يمكن ولا يجب أن يرحل”.»
وهذا هو النقيض تماما للموقف الذي تدافع عنه كل واحدة من المقالات التي ظهرت في جريدة Socialist Appeal حول هذا الموضوع. إذا كانت هذه مزحة، فهي مزحة سمجة للغاية. أبدا لم يسبق حتى لأكثر خصومنا عنادا في بريطانيا (ولدينا البعض منهم) أن اتهمونا بأننا ندعم بلير. لكن ناقدنا اللومبرتي الودود يفعل ذلك بدون أدنى تردد، بل بدون ولو ابتسامة! ولتوضيح هذا النقطة أكثر، سنقتبس فقرتين من نفس مقالة 10 نوفمبر:
«إن هزيمة بلير بالأمس تجعل من سقوط البليرية حدثا وشيكا، وبالتالي يجب الترحيب به. لكن هذا لا ينهي المسألة، بل على العكس إنه البداية فقط. لقد تم فتح فصل جديد في النضال من أجل حزب العمال. ويمكن للتمردات البرلمانية أن تلعب دورا مهما في هذه السيرورة خاصة إذا كانت مرتبطة بالنضال عبر بقية الحركة العمالية، يجب ألا يضع هذا النضال لنفسه الهدف التافه المتمثل في استبدال بلير ببراون، أو أي استنساخ آخر، يجب أن يجعل هدفه أسمى من ذلك. يجب أن يكون الهدف هو استعادة الطبقة العاملة لحزب العمال، والنضال من أجل سياسات اشتراكية».
ويضيف:
«هناك قوة واحدة فقط يمكنها هزيمة بلير وهي: النقابات وقواعد الحزب. يجب هزيمة بلير وشركائه ليس فقط داخل جماعات الضغط البرلمانية، بل وداخل الحركة العمالية أيضا. إن المطلوب الآن هو شن نضال نقابي كفاحي للدفاع عن مناصب الشغل والمعاشات، يكون مرتبطا بالنضال ضد البليرية والدفاع عن الحريات المدنية ومن أجل سياسات اشتراكية داخل حزب العمال».
وللمزيد من توضيح مواقف رفاقنا البريطانيين في Socialist Appeal، تجدر الإشارة إلى بعض العناوين التي تضمنتها جريدتهم خلال الفترة الماضية.
العدد 119، فبراير 2004: “كذب بخصوص العراق، كذب بخصوص الرسوم… فلنجعل بلير يدفع الثمن”.
العدد 126، أكتوبر 2004: “فلتخرج القوات من العراق. لا للبليرية! ناضلوا من أجل سياسات اشتراكية!”.
العدد 131، أبريل 2005: “لا تدعوا المحافظين يدخلون… واطردوهم من حزب العمال”.
العدد 133، يونيو 2005: “يجب على النقابات أن تطرد البليرية”.
العدد 141، أبريل 2006: “أكاذيب وخداع وفساد… بلير يجب أن يرحل!”.
العدد 143، يونيو 2006: “فلنتخلص من البليرية الآن”.
العدد 144، يوليوز 2006: “على اليسار أن يتحدى بلير وبراون”.
العدد 145، شتنبر 2006: “حزب العمال يحتاج إلى الاشتراكية وليس إلى البليرية”.
هذه هي عناوين صفحتنا الرئيسية. ونعتقد أنها توضح نفسها بنفسها.
الاتحاد الأوربي
بعد تزوير موقفنا بخصوص بريطانيا، ينتقلون إلى موقفنا من الاتحاد الأوروبي. ومرة أخرى ينسبون لنا نقيض ما نمثله. ما الذي يفترض أننا ندافع عنه؟ لا شيء على الاطلاق. يزعمون أننا غير مبالين بشأن هذه المسألة. أجل! نحن غير مبالين بها إلى درجة أننا كتبنا وثيقة مطولة عنها، بمثابة كتاب صغير ألفه آلان وودز في يونيو 1997، عنوانه: بديل اشتراكي للاتحاد الأوروبي. يقتبسون منه بأسلوبهم الانتقائي المعتاد، بالشكل التالي:
«نحن لسنا مع أو ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على أساس الرأسمالية. فمصالح الطبقة العاملة ليست ممثلة في أي من الحالتين… ومع ذلك فإنه لا ينبغي أن نسقط في الوهم، كما هو حال بعض قادة اليسار، في أن تدابير التقشف سببها ببساطة ماستريخت[8]. إن ماستريخت يتم استخدامها كعذر للاقتطاعات والهجمات التي تحدث في جميع أنحاء أوروبا. لكن هذه الهجمات كانت ستتم مع ماستريخت أو بدونها».
وإلى هذا يضيفون ترجمتهم الخاصة (وقد رأينا بالفعل أنهم مترجمون ممتازون):
«الترجمة: بما أن الاشتراكية لم تتحقق، فإن سياسات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي مسائل لا أهمية لها بالنسبة للطبقات العاملة في أوروبا. لكن على أي كوكب يعيش ‘ثوارنا’ العظماء؟».
نعتقد أننا نعيش على كوكب يسمى الأرض، حيث عادة ما تطبق قوانين المنطق خلال المناقشة العادية. لكن أي نوع من النقاش ذاك الذي يقوم المرء خلاله بتزييف حجج الخصم بشكل منهجي. ومرة أخرى فإن الطريقة المستعملة هنا غير نزيهة، لأنها تقوم على بتر ما لا يناسب الأحكام المسبقة للمؤلف. إن هذه طريقة ستالينية نموذجية لا علاقة لها بالتقاليد النزيهة والديمقراطية للحركة التروتسكية.
ولتوضيح ما قيل في تلك المقالة، وعوض أخذ الاقتباسات خارج السياق، دعونا نستغني عن الخدمات الودية لـ “مترجمنا” ونسمح للمؤلف بالتحدث بنفسه. إن الاقتباسات التالية تعطي الموقف الحقيقي لتيارنا تجاه الاتحاد الأوروبي. لقد وضعنا خط التشديد على المقتطف الذي يستشهدون به خارج السياق، وسنستخدم نفس الأسلوب مع جميع الاقتباسات اللاحقة التي يستشهدون بها خارج السياق:
«إن موقفنا من الاتحاد الأوروبي مشابه للموقف الذي اتخذه ماركس خلال الجدل حول التجارة الحرة أو الحمائية في ذلك الوقت. لقد أوضح أن مصالح الطبقة العاملة ليست في التجارة الحرة ولا الحمائية، بل في الاشتراكية الأممية. وأن النقاش حول حرية التجارة يعكس مصالح مختلف أقسام الطبقة السائدة. وأن التحيز لأحد طرفي هذا النزاع سيكون بمثابة السقوط في الفخ، وكان على الحركة العمالية أن تتخذ موقفا سياسيا مستقلا، وكذلك الشأن معنا: فنحن لسنا مع أو ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على أساس الرأسمالية. فمصالح الطبقة العاملة ليست ممثلة في أي من الحالتين».
يضيف المقال:
«إن الاتحاد الأوروبي ليس أكثر من ناد رأسمالي، اتحاد جمركي ممجد، تم تأسيسه لتعزيز مصالح الشركات الأوروبية الكبرى. ليس لديه أية علاقة مع مصالح الطبقة العاملة. هذه هي نقطة انطلاقنا. إن معارضتنا للاتحاد الأوروبي هي بالضبط نفس معارضتنا للرأسمالية الأوربية والرأسمالية بشكل عام. نحن نتخذ موقفا طبقيا واضحا ومستقلا، والبديل الوحيد للاتحاد الأوربي الرأسمالي [هو] الولايات المتحدة الاشتراكية الأوروبية.
هذا هو موقفنا العام. لكن من الضروري ربط المطالب العامة ببرنامج ملموس للنضال ضد كل محاولات وضع عبء أزمة الرأسمالية على أكتاف الطبقة العاملة والمسنين والعاطلين والمرضى والنساء والشباب. هناك معارضة متزايدة داخل الحركة العمالية، وخاصة من اليسار، ضد معايير ماستريخت للوحدة النقدية. نحن نعارض ماستريخت لأننا نعارض جميع التدابير الرأسمالية ضد الطبقة العاملة. ومع ذلك فإنه لا ينبغي أن نسقط في الوهم، كما هو حال بعض قادة اليسار، في أن تدابير التقشف سببها ببساطة ماستريخت. إن ماستريخت يتم استخدامها كعذر للاقتطاعات والهجمات التي تحدث في جميع أنحاء أوروبا. لكن هذه الهجمات كانت ستتم مع ماستريخت أو بدونها. وفقا للاقتصاديين اليمينيين فإن “تكاليف العمالة باهظة جدا”، ويجب تخفيضها لإعادة إيقاف الرأسمالية الأوروبية على رجليها مرة أخرى. ينشأ هذا الوضع عن أزمة الرأسمالية نفسها. وهذا هو السبب في أن تدابير التقشف تتخذ في وقت واحد في جميع أنحاء العالم الرأسمالي، من أوروبا إلى اليابان والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من كل التناقضات فإن القوى الرأسمالية الرئيسية في أوروبا، وخاصة الألمان والفرنسيين، عازمة على المضي قدما في خلق عملة أوروبية. كان المخطط هو طرحها في بداية عام 1999. لكن يمكن لهذا المخطط أن يتحول بسهولة إلى هباء عند حدوث ركود عالمي جديد. ما هو موقفنا من العملة الأوروبية؟ أولا لا يمكننا النظر إليها في المجرد. من الذي يطرحها ولماذا يتم طرحها؟ في ظل الرأسمالية علينا أن نعارض تطبيق العملة الواحدة، لأنه سيتم استخدامها لخفض مستويات المعيشة. من الواضح أنه في ظل أوروبا اشتراكية سيتم تطبيق عملة مشتركة من أجل تسهيل التخطيط والتبادل. لكن في ظل الرأسمالية المسألة مختلفة. مسألة العملة الموحدة ليست مسألة مجردة حول ما إذا كنا معها أو ضدها من حيث المبدأ، علينا أن ندرس بشكل ملموس كيف سيتم استخدامها لشن الهجمات على مستويات المعيشة، وما إلى ذلك. بعبارة أخرى علينا أن نستخلص كل التبعات والآثار التي ستخلفها العملة الواحدة في ظل الرأسمالية على الطبقة العاملة. في أي استفتاء على العملة الموحدة سنؤيد التصويت بـ “لا”، ونطرح شعار من أجل أوروبا اشتراكية».
وهكذا تظهر طريقة الاقتباس المستخدمة من قبل ناقدينا الودودين بكل رونقها. لقد قام بالتخلص من الجملة التي تقول: «نحن نعارض ماستريخت، لأننا نعارض جميع التدابير الرأسمالية ضد الطبقة العاملة». لماذا حذفها؟ لأنها تنفي بشكل كامل زعمه بأننا “غير مبالين بمعاهدة ماستريخت”.
وفي محاولة أخرى لتصوير موقفنا على أنه موقف يعتبر الاتحاد الأوروبي تقدميا بشكل ما، يقتبسون من مقال “كارثة دستور الاتحاد الأوربي – انفضاح الطبيعة الحقيقية للاتحاد الأوربي“، الذي كتبه روبرتو سارتي وفريد ويستون، في دجنبر 2003، ما يلي:
«لقد أدت ماستريخت واليورو وجميع الاتفاقيات الأخرى إلى إضفاء طابع أممي على الصراع الطبقي داخل حدود الاتحاد الأوروبي. ففي كل مكان يقف العمال ضد نفس السياسات. وفي كل مكان تتعرض المعاشات التقاعدية ومزايا الرفاه والتعليم والنقل العام للهجوم. وفي كل مكان نرى الإضرابات والمظاهرات ضد هذه الإجراءات، من النمسا إلى اليونان، ومن إيطاليا إلى إسبانيا. ولا يوجد بلد بمنأى عن هذه السيرورة».
إن ما توضحه هذه الفقرة هو شيء واضح تماما لأي مراقب ذكي. فبما أن اتفاقية ماستريخت تنطوي على تطبيق نفس الاقتطاعات في الإنفاق الاجتماعي في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، نفس الهجمات على المعاشات والتعليم، وما إلى ذلك، فإنها تثير نفس رد الفعل في جميع البلدان الأعضاء. عمال أوروبا يتحركون ضد هذه الهجمات. لا يمكننا أن نفهم ما هو الخطأ في ذكر ما هو واضح جدا. ما هو اعتراضهم؟ إنهم يحاولون السخرية من موقفنا بقولهم: “إذن، فالاتحاد الأوروبي محرك يحفز الصراع الطبقي…”، يشبه هذا السخرية من شخص يقول إن وجود الرأسمالية يحفز الصراع الطبقي، ثم مهاجمته لأن لديه أوهام في الرأسمالية!
واستمروا بأن عادوا مرة أخرى إلى مقال آلان وودز “بديل اشتراكي للاتحاد الأوروبي“، حيث اقتبسوا ما يلي:
«لقد كانت الأسواق الوطنية المنفصلة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، صغيرة جدا بالنسبة للاحتكارات العملاقة. وقد تم إنشاء السوق المشتركة في محاولة للتغلب على هذا القيد. تطلعت الاحتكارات الكبيرة إلى خلق سوق جهوية مفتوحة تضم مئات الملايين، ومن وراءها إلى السوق العالمية. في ظل الانتعاش الاقتصادي نجح الرأسماليون الأوروبيون، إلى حد كبير، في إنشاء هذا الاتحاد الجمركي الممجد، حيث ساهم إلغاء التعريفات الجمركية بين بلدان السوق المشتركة والتعريفة الموحدة مع بقية العالم، في تطوير وتحفيز التجارة العالمية».
وخلال مرورهم تمكنوا مرة أخرى من تزوير الترجمة. في الفرنسية بدلا من “الاتحاد الجمركي الممجد”، نجد “الاتحاد الجمركي المجيد”، أي بدلا من “union douanière glorifiée”، لدينا “glorieuse union douanière”. والفرق واضح لأي شخص يرغب في فهمه. يمكن قبول الترجمة السيئة الأولى (بخصوص بلير) على أنها خطأ، لكن يبدو الآن أن الأمر يتعلق بنمط اشتغال. لكن لماذا عليك أن تهتم بترجمة ما يقال بالفعل، بينما يمكنك تغيير المعنى إلى نقيضه لأجل تسجيل النقاط في الجدال؟
وعلى أي حال فإن اقتباسا أطول سيضع القطعة بأكملها في سياقها الصحيح:
«تأسست السوق المشتركة كمحاولة من البرجوازية الأوروبية للتغلب على الحدود الضيقة للدولة القومية بسوقها المحدودة. من الناحية التاريخية لعبت الدولة القومية دورا حاسما في تطوير الرأسمالية، بحيث خدمتها في المقام الأول لحماية وتطوير السوق المحلية. لكن ومع تطور الاتصالات والتقنية والعلم والشركات المتعددة الجنسيات والسوق العالمية، دخلت القوى المنتجة في صراع مع حدود الدولة القومية وكذلك الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. فتحولت الدولة القومية من كونها عاملا للتقدم الهائل، إلى كابح هائل وعائق أمام التطور المتناغم للإنتاج. وقد عبر هذا التناقض عن نفسه في الحربين العالميتين 1914- 1918 و1939-1945 وأزمة فترة ما بين الحربين.
لقد سمح تطور التجارة العالمية خلال فترة ما بعد الحرب للنظام الرأسمالي بالتغلب على هذا التناقض، جزئيا ولفترة مؤقتة. كانت الأسواق الوطنية المنفصلة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، صغيرة جدا بالنسبة للاحتكارات العملاقة. وقد تم إنشاء السوق المشتركة في محاولة للتغلب على هذا القيد. تطلعت الاحتكارات الكبيرة إلى خلق سوق جهوية مفتوحة تضم مئات الملايين، ومن وراءها إلى السوق العالمية. في ظل الانتعاش الاقتصادي نجح الرأسماليون الأوروبيون، إلى حد كبير، في إنشاء هذا الاتحاد الجمركي الممجد، حيث ساهم إلغاء التعريفات الجمركية بين بلدان السوق المشتركة والتعريفة الموحدة مع بقية العالم، في تطوير وتحفيز التجارة العالمية».
مرة أخرى يرتكب ناقدنا السابق خطيئة السهو. فكما ترون في اقتباسهم قاموا ببساطة ببتر جملة مهمة جوهريا: «لقد سمح تطور التجارة العالمية خلال فترة ما بعد الحرب للنظام الرأسمالي بالتغلب على هذا التناقض، جزئيا ولفترة مؤقتة». [التشديد من عندنا]
لم يسبق لنا أبدا أن قلنا إن الرأسمالية قادرة على حل تناقضاتها الأساسية. كان الاتحاد الأوروبي محاولة من طرف الرأسماليين للتغلب على العقبة الأساسية التي تمثلها الدولة القومية، من خلال بناء سوق أكبر، لكن، وكما نوضح باستمرار في جميع مقالاتنا حول هذه المسألة، لا يمكنهم إزالة الدول القومية بشكل كامل ولا يمكنهم توحيد حقيقي للاتحاد الأوروبي في دولة واحدة. أشرنا فقط إلى أن الرأسماليين كانوا قادرين، على أساس الطفرة التي أعقبت الحرب، “جزئياً” و “لفترة مؤقتة”، على التغلب على بعض التناقضات الأساسية. لا يتطلب الأمر الكثير لفهم أنه إذا كانت الرأسمالية تمر بأطول وأقوى طفرة في تاريخها، فسيكون هناك مجال أكبر للمناورة لمختلف الطبقات الرأسمالية الوطنية. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن هناك تغييرا جوهريا في النظام. تستمر نفس القوانين التي اكتشفها ماركس في العمل، ولا مناص من أن يدخل النظام في أزمة حادة.
بعد آلان وودز، جاء دور مارتن فانهوفرسوين لأن يتم الاقتباس من مقاله بعد إخراجه عن السياق لإثبات عكس ما يريد قوله في الواقع. قاموا بالاقتباس من مقالته: “الاتحاد الأوروبي يواجه أعمق أزمة في تاريخه“، يونيو 2005، لكنهم قاموا، مرة أخرى بترك العناصر التي تتعارض مع محاولات التشويه التي يقوم بها الكاتب اللومبرتي. ما نجده هنا هو محاولة لتقديم موقفنا على أنه موقف داعم للاتحاد الأوروبي. هذه هي الطريقة التي يقتبسون بها:
«على الرغم من أن التحليل العام الذي قدمه الماركسيون قد ثبتت صحته (كما تدل على ذلك الأزمة الحالية)، فإن توسع الاتحاد الأوروبي من البلدان الستة الأصلية إلى 25 دولة، واندماج اقتصاداتها قد ذهب أبعد بكثير مما كنا قد توقعنا في الأصل. ويرجع ذلك أساسا إلى تطور التجارة العالمية والازدهار العام الذي عرفته الرأسمالية العالمية خلال الفترة ما بين 1948 و1974، والتي استفادوا جميعا منها.
كل هذا مبني على معدل مرتفع للنمو الاقتصادي. وأدى هذا إلى تطور كبير للقوى المنتجة لفترة من الزمن. وفي هذا السياق كان التكامل الوثيق لاقتصادات القوى الأوروبية الرئيسية في مصلحتهم جميعا».
لقد شرحنا موقفنا من الاتحاد الأوروبي بشكل واضح جدا. لكنهم مرة أخرى، يضيفون تعليقهم الخاص على الاقتباس أعلاه مما يزيد في تشويه ما نقوله حقا، إذ يقولون ما يلي:
«نعم لقد قرأتم بشكل صحيح، إن هذا التيار يدعي أن الاتحاد الأوروبي كان أداة لتطوير القوى المنتجة، وتحفيز تطور السوق العالمية! وعلاوة على ذلك سمح إنشاء هذه “السوق المشتركة” بتوحيد نضال العمال عبر أوروبا.
إذا كان هذا يتوافق مع الحقائق، فعندئذ سيتعين على المرء أن يدعم -كما يفعل السيدان غرانت وودز-، بطريقة بالكاد نقدية، الاتحاد الأوروبي، وتوحيد الأسواق الوطنية في أسواق أوسع نطاقا، حيث يرى أن نظام الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج يسمح بتطوير القوى المنتجة، ولا سيما العنصر الرئيسي من بينها أي الطبقة العاملة. لكن في أي عالم نعيش؟».
نحن لا نعرف العالم الذي يعيشون فيه، باستثناء أنه عالم يبدو فيه التشويه والأكاذيب أساليب مقبولة خلال مناقشة الأفكار السياسية. إنهم يقومون بحركات يد خفيفة مثل السحرة، فيخلطون بين شيء وآخر ويجعلون أشياء أخرى تختفي. إنهم يتجاهلون حقيقة أن الرفيق فانهوفرسوين قد أشار على وجه التحديد إلى فترة 1948-1974، أي تلك الفترة في التاريخ التي شهدت أكبر تطور للقوى المنتجة على الصعيد العالمي، ليس فقط في تاريخ الرأسمالية، بل في تاريخ البشرية كله. وقد كان ذلك التطور القوي هو الذي أرسى الأساس للنجاح الجزئي في تحقيق التكامل الاقتصادي داخل حدود الاتحاد الأوروبي.
صحيح أنه ابتداء من عام 1974 بدأ معدل النمو يتباطأ بشكل كبير، وأنه صار في السنوات القليلة الماضية راكدا تقريبا. وعلى هذا الأساس تتزايد التناقضات الوطنية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد فشلت محاولات فرض الدستور الأوروبي. كل هذا ينبع من أزمة النظام ككل. لكن إنكار أنه كان هناك نمو يعني إنكار الواقع.
شعار الولايات المتحدة الأوروبية
عند التعامل مع الاتحاد الأوروبي، من الضروري الانطلاق من الأساسيات. لقد سبق لماركس وإنجلز أن شرحا في البيان الشيوعي أن الرأسمالية تطور سوقا عالمية. وكانا قد توقعا في صفحات البيان الشيوعي ظاهرة العولمة الحالية. إن أهم مظهر من مظاهر لعصر الحالي هو الهيمنة الساحقة للسوق العالمية التي تزلزل الأرض تحت أقدام الدول القومية القديمة.
تتمثل أزمة الإنسانية في حقيقة أن الرأسمالية لم تعد قادرة على تطوير القوى المنتجة كما كانت تفعل في الماضي. والعوائق الرئيسية التي تعترض تطور قوى الإنتاج على الصعيد العالمي هي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من جهة، والدولة القومية من جهة أخرى. إن مهمة الثورة الاشتراكية هي إزالة هذه الحواجز والقضاء على الدولة القومية وتأسيس الاشتراكية العالمية.
لقد كان الاتحاد الأوروبي اعترافا ضمنيا من البرجوازيات الأوروبية بأن نمو القوى المنتجة قد تجاوز الحدود الضيقة للدولة القومية، ولا سيما الدول الأوروبية، التي وجدت نفسها محصورة بين قوة الإمبريالية الأمريكية من جهة، وبين روسيا الستالينية من جهة أخرى. لذا حاولت تشكيل تكتل تجاري يعوض ضعفها. كانت الفكرة الأصلية للإمبريالية الفرنسية هي أنها ستهيمن على أوروبا، مع ألمانيا كشريك من الدرجة الثانية، لكن الأمور لم تسر على هذا النحو. كل هذا موضح في مقال آلان وودز “بديل اشتراكي للاتحاد الأوروبي“.
إن الفكرة القائلة بأنه يمكن توحيد أوروبا في ظل الرأسمالية مجرد يوتوبيا رجعية، كما سبق للينين أن شرح منذ زمن بعيد. إنها رجعية لأنها ستؤدي إلى خلق تكتل إمبريالي آخر، وهي يوتوبيا لأن البرجوازية عاجزة عن توحيد أوروبا. إن التناقضات القومية أقوى من أن تسمح بتوحيد أوروبا، الذي سيكون تطورا تقدميا، لكنه غير ممكن إلا من خلال مصادرة البنوك والاحتكارات. وحدها الطبقة العاملة التي تستطيع تحقيق توحيد أوروبا بالوسائل الثورية. إن شعار الولايات الاشتراكية الأوروبية المتحدة (والفدرالية الاشتراكية لأمريكا اللاتينية) هو انعكاس لهذه الحقيقة.
نقرأ في مقال بديل اشتراكي للاتحاد الأوروبي ما يلي:
«أوضح كارل ماركس، قبل أكثر من مائة عام، أنه كان على الطبقة العاملة الحفاظ على موقف مستقل تجاه الصراع بين المحافظين والليبراليين حول التجارة الحرة مقابل الحمائية. لم نكن نؤيد لا هذا ولا ذاك. كان ذلك مجرد صراع بين أجنحة مختلفة من الطبقة الحاكمة (ملاكي الأراضي والصناعيين)، صراع لم يكن للعمال أية مصلحة فيه.
إن الجدال الحالي حول الاتحاد النقدي الأوروبي، يحمل تشابها كبيرا مع الجدال الذي دار حول التجارة الحرة في القرن الماضي. فآنذاك، كما هو الحال الآن، كان هناك اختلاف حاد بين مختلف أجنحة الطبقة السائدة في بريطانيا. دافعت أرستقراطية الأرض عن الحمائية، لأغراضها الخاصة، بينما دافعت البرجوازية الصناعية الصاعدة، عن التجارة الحرة، دفاعا عن مصالحها الخاصة (وغني عن القول إنه في ذلك الوقت، كانت البرجوازيات الضعيفة في فرنسا وألمانيا في صف الحمائية). في خضم ذلك الصراع، الذي صار شديد الحدة، سعت الأجنحة المتنافسة للطبقة السائدة إلى البحث عن دعم الطبقة العاملة. ماذا كان موقف ماركس وإنجلز؟ لقد تبنيا موقفا حازما يقوم على الاستقلالية الطبقية، ونصحا العمال بشدة بأن يرفضوا دعم أي من الطرفين. كان ذلك على الرغم من أنه، في المجرد، يمكن للمرء أن يجادل بأن التجارة الحرة أكثر تقدمية من الحمائية. لكن مثل هذه المسائل لا يمكن تسويتها في “المجرد”، بل من الضروري طرح السؤال بشكل ملموس، أي من وجهة نظر طبقية. ومن الواضح أن مصالح الطبقة العاملة لم تكن تخدمها أي من تلك السياسات. وحدها السياسة الاشتراكية التي هي قادرة على خدمة مصالح الشعب العامل. وهذا صحيح اليوم كما كان قبل 150 عاما، عندما ألقى ماركس خطابه حول التجارة الحرة. المسألة التي على المحك مختلفة بعض الشيء، لكن المبادئ متطابقة».
يعمل نقادنا مرة أخرى على بتر اقتباس خارج السياق من مقالة آلان وودز:
«أي مستقبل يمكن أن يكون للدول الصغيرة مثل بريطانيا أو فرنسا أو حتى ألمانيا في ظل العزلة؟ إن فكرة الجمع بين الموارد الاقتصادية لأوروبا – والعالم بأسره – هدف تقدمي يظهر الطريق الجدي الوحيد الذي يمكن من الخروج من الأزمة الحالية التي تواجه الإنسانية. إن العائقين الرئيسيين اللذين يمنعان مواصلة تطوير الصناعة والزراعة والعلوم والتقنية على المستوى العالمي هما: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية».
من خلال تركهم لما يأتي قبل هذا الاقتباس وبعده، يتركون [اللومبرتيون] عند القارئ انطباعا بأننا نعتقد أن الاتحاد الأوروبي كيان تقدمي. هذا خاطئ كليا. إنها نفس الطريقة الستالينية التي تقوم على الاقتباس الانتقائي. وإذا عملنا على إعادة سرد الاقتباس بالكامل سيظهر بالضبط عكس ما أراد اللومبرتيون الوصول إليه:
«إن معارضتنا للاتحاد الأوروبي الرأسمالي لا يعني أنه يجب علينا أن ندعم ذلك “الاستقلال الوطني” الذي يدعو إليه الرافضون للاتحاد الأوروبي. لقد فشلت سياسة الاكتفاء الذاتي الوطني (“السيادة الوطنية”) في كل مكان تمت تجربتها فيه، وستفشل حتما في العصر الحالي حيث الاقتصاد العالمي يقرر كل شيء. وقد أدت محاولة بناء “الاشتراكية في بلد واحد” إلى الكارثة في كل من روسيا والصين، على الرغم من أنهما كانا اقتصادين قويين ويعتمدان على موارد هائلة. أي مستقبل يمكن أن يكون في العزلة للدول الصغيرة مثل بريطانيا أو فرنسا أو حتى ألمانيا؟ إن فكرة الجمع بين الموارد الاقتصادية لأوروبا – والعالم بأسره – هدف تقدمي يظهر الطريق الجدي الوحيد الذي يمكن من الخروج من الأزمة الحالية التي تواجه الإنسانية. إن العائقين الرئيسيين اللذين يمنعان مواصلة تطوير الصناعة والزراعة والعلوم والتقنية على المستوى العالمي هما: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية. فقط من خلال القضاء على هذين العائقين سيمكن للمجتمع أن يكسر القيود التي تعوق تطوره. وبالتالي فإن البديل الحقيقي للاتحاد الأوروبي الرأسمالي ليس هو “الاستقلال الوطني”، بل الولايات الاشتراكية الأوروبية المتحدة.
إن فكرة أوروبا رأسمالية موحدة هي، كما أوضح لينين منذ زمن بعيد، يوتوبيا رجعية. فمن ناحية من المستحيل تحقيق أوروبا موحدة حقا على أساس رأسمالي، لأن المصالح الوطنية المنفصلة لكل طبقة رأسمالية تمنع ذلك. إن ما يقترح الاتحاد الأوروبي وماستريخت تحقيقه في الواقع بعيد كل البعد عن هذا، لكن حتى لو تمكنوا من تحقيق ذلك، فسيكون رجعيا بشكل مطلق، لأنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال استعمال أكثر الوسائل قسوة. وقد سبق لهتلر أن حاول تحقيق ذلك عن طريق الغزو العسكري والاحتلال».
لكن دعونا الآن نقلب الجدال للحظة، دعونا نسأل عن الموقف الذي يتبناه اللومبرتيون تجاه الاتحاد الأوروبي. لقد طور اللومبرتيون، لأسباب لا يعرفها سواهم، موقفا صنميا من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبرونه أصل وسبب كل مشاكلنا.
إنهم يطرحون سؤالا قطعيا على الجميع: مع أو ضد الاتحاد الأوروبي! فنهز أكتافنا ونرد عليهم: نحن ضد. لكن هذا الرد لا يكفي على الإطلاق، لأنه من الضروري أن نقول لماذا نعارضه، ومن أي وجهة نظر طبقية، وما الذي نقترحه كبديل عنه.
إن ضرورة معارضة الاتحاد الأوروبي الرأسمالي أمر بديهي. لكن من الممكن معارضة الاتحاد الأوروبي انطلاقا من العديد من المواقف المختلفة، والتي ليست كلها تقدمية. الرجعيون اليمينيون المتطرفون في كل البلدان الأوروبية يعارضون أيضا الاتحاد الأوروبي. وفي كل حملة واستفتاء حول هذه القضية، ترفع تلك العناصر رؤوسها: الفاشيون وكارهو الأجانب والعنصريون والشوفينيون الرجعيون، مثل لوبان وهيدر والجناح اليميني لحزب المحافظين البريطاني. أوه أجل، كلهم بالتأكيد ضد ماستريخت وجميع نتائجها. لكنهم يفعلون ذلك من وجهة نظر أكثر القطاعات رجعية داخل الطبقة السائدة.
ماذا يقصد اللومبرتيون عندما يتهموننا بأننا “غير مبالين” بمسألة الاتحاد الأوروبي؟ هل بأننا نتجاهله؟ لكن من الواضح أن هذا غير صحيح: لدينا موقف واضح جدا بشأن هذه المسألة. ماذا إذن: هل بأننا مع الاتحاد الأوروبي؟ هذا ادعاء كاذب مثله مثل اتهامنا بأننا “مع توني بلير”. لكن هذا لا يمنع أصدقاءنا من قوله على أي حال. وكما يقول صحفيو الصحافة الصفراء: “لماذا نسمح للحقائق بأن تفسد قصة جيدة؟”. كلا إن ما يقصدونه هو أن التروتسكيين الحقيقيين، التيار الماركسي الأممي، يعارضون الاتحاد الأوروبي ويؤيدون الولايات الاشتراكية الأوربية المتحدة. كان ذلك جيدا بما يكفي بالنسبة لتروتسكي وهو جيد بما يكفي بالنسبة لنا، لكن يبدو أنه ليس جيدا بما يكفي بالنسبة للومبرت وغلوكشتاين.
ليست للماركسية أية علاقة مع القومية والشوفينية. يجب عدم تقديم أية تنازلات على الإطلاق لهذه السموم التي يمكنها أن تربك الطبقة العاملة وتضعف وعيها الطبقي وتعزز الأوهام في أفكار مثل “السيادة الوطنية”. يتبنى الإصلاحيون اليساريون والستالينيون موقفا خاطئا في هذا الصدد، بل ويقدمون التنازلات لليمين بشأن ما يسمى الدفاع عن السيادة، الذي هو موقف مرفوض بشكل مطلق من وجهة نظر الماركسية واللينينية والتروتسكية. سيكون من الجيد أن نفترض أن ناقدنا الودود قادر على فهم شيء من هذا على الأقل، لكن تجربتنا، لسوء الحظ، لا تعطينا حتى الآن أي سبب للتفاؤل بشأن مثل هذا الافتراض.
إنهم يركزون بشدة في جميع أدبياتهم على الدفاع عن السيادة الوطنية ضد الاتحاد الأوروبي. لكن فرنسا، على حد علمنا، ليست بلدا مستعمَرا يقاتل من أجل الاستقلال الوطني. بل على العكس فرنسا دولة إمبريالية تستغل مستعمراتها السابقة في شمال إفريقيا وإفريقيا ومنطقة الكاريبي. وقد فقدت شعارات الديمقراطية البرجوازية في فرنسا كل محتواها التقدمي منذ فترة طويلة، منذ حوالي 210 سنة على وجه الدقة.
كان لشعار السيادة الوطنية محتوى تقدمي، بل ثوري، في الفترة التي كانت فيها فرنسا الثورية تقاتل من أجل بقائها ضد بريطانيا والنمسا وبروسيا. لكنه صار بالفعل شعارا رجعيا بحلول عام 1870، وبحلول عام 1914 شجبه لينين باعتباره خيانة للطبقة العاملة الأممية. إن محاولة إحيائه الآن، في عصر الانحطاط الإمبريالي، ولو بشكل غير مباشر، هي خيانة كاملة لأبسط مبادئ لينين وتروتسكي وتخل كامل عن الأممية البروليتارية.
يلوم اللومبرتيون في فرنسا اتفاقية ماستريخت على كل شرور الرأسمالية[9]. هذا غير صحيح نهائيا. إن الفكرة القائلة بأن البرجوازية الفرنسية هي، بطريقة ما، أفضل من البرجوازية “الأوروبية”، أو أن موقف الطبقة العاملة الفرنسية سيكون أفضل إذا ما غادرت فرنسا الاتحاد الأوروبي وصارت “مستقلة” (أيا كان ما يعنيه ذلك اليوم) هي فكرة خاطئة تماما. إن تبني مثل هذا الموقف يعادل التخلي عن وجهة النظر الطبقية.
يمكن للمرء أن يستنتج من هذا أن البرجوازية الفرنسية، أو البريطانية، أو أي برجوازية وطنية أخرى في أوروبا، لن تهاجم مكاسب الطبقة العاملة في بلدانها لو لم يكن ذلك لصالح الاتحاد الأوروبي! لكن هذه الهجمات تمليها احتياجات الرأسمالية اليوم، مع ماستريخت أو بدونها. إن النقطة الجوهرية هي ضرورة الخروج من الجدال العقيم حول ما إذا كان ينبغي لنا أن نكون داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، ونطرح بديلا عماليا مستقلا. وهذا ما نقوم به بوضوح في جميع أدبياتنا.
ماذا يمكن أن يقول أصدقاؤنا اللومبرتيون في الرد على ذلك؟ ربما سيتهموننا بأننا غير “واضحين” بما فيه الكفاية في معارضتنا للاتحاد الأوروبي الرأسمالي. يقولون: «من الجيد أن ندافع عن الاشتراكية، لكن يجب علينا أولا أن نقوم بـ “أ” أو “ب” أو “ج”. على سبيل المثال يجب علينا أولا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ومن ثم يمكننا التحدث عن الاشتراكية». لقد اعتدنا كثيرا على مثل هذه الحجج من جانب الإصلاحيين اليساريين والستالينيين، الذين تعني حلولهم “العملية” دائما الاستسلام للبرجوازية. إن نظرية المراحل المنشفية الستالينية تقدم نفسها بأشكال وبأزياء مختلفة، كبديل “ملموس” و”عملي” عن الاشتراكية.
قد يرد ناقدنا الودود إنه ليس كافيا مجرد الدفاع عن الاشتراكية، وأنه من الضروري النضال من أجل جميع أنواع المطالب الانتقالية، بما في ذلك المطالب الديمقراطية. سنكون آخر من يختلف مع هذا. ففي عصر الانحطاط الإمبريالي، من الضروري النضال من أجل كل إصلاح ذي مغزى وكل مطلب ديمقراطي طالما بقي يحتفظ بصلاحيته. ويشمل ذلك الدفاع عن حق الأمم المضطهَدة في تقرير شؤونها الخاصة دون تدخل الإمبريالية. وعندما يطالب العراقيون أو الفنزويليون بهذا الحق، يجب علينا أن ندافع عنه. لكن هذا لا ينطبق نهائيا على “الحقوق الوطنية” للدول الإمبريالية مثل فرنسا أو بريطانيا.
يتبنى التيار الماركسي الأممي موقفا طبقيا مستقلا بخصوص الاتحاد الأوروبي. نحن لا نقدم أي دعم للاتحاد الأوروبي، لكننا في نفس الوقت لا ندعم الموقف القومي، وهو ما يفعله الإصلاحيون والستالينيون دائما عندما يعارضون العضوية في الاتحاد الأوروبي. نحن نفضل التمسك بمنهج ماركس ونشرح أنه طالما استمرت الرأسمالية فإنه داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه لن يكون هناك فرق جوهري بالنسبة للطبقة العاملة. يجب عدم تشويش وعي الطبقة العاملة بالديماغوجية القومية، بل يجب الكفاح من أجل الاشتراكية ورفع مطلب الولايات الاشتراكية الأوربية المتحدة، باعتباره البديل الحقيقي الوحيد لأوروبا الاحتكارات.
فرنسا
يكرس أصدقاؤنا اللومبرتيون قسما كبيرا من مقالهم لمهاجمة سياسة الصحيفة الماركسية والموقع الإلكتروني La Riposte. لكنهم، مرة أخرى، لا يهاجمون الأفكار والسياسات الحقيقية لهؤلاء الرفاق، بل يهاجمون تشويها بشعا ومتعمدا لتلك الأفكار. يبدأون بمناقشة تقييم حكومة جوسبان ( (1997-2002الذي ورد في النص الذي نشرته La Riposte تحت عنوان “الحزب الشيوعي الفرنسي: البرنامج والاستراتيجية والمشاركة في الحكومة“.
«تقول La Riposte إنه إذا “كانت السياسات التي طبقها جوسبان قد استندت، في جميع المسائل الأساسية، إلى الدفاع عن مصالح الرأسمالية”، فإن “الإجراءات الإيجابية القليلة لحكومته – مثل التغطية الصحية الشاملة (CMU)، وقانون 35 ساعة عمل في الأسبوع- لم تمنع حدوث تدهور عام في الظروف المعيشية لغالبية السكان”.»
ويلي ذلك اقتباس آخر من La Riposte:
«السياسات التي طبقها “اليسار المتعدد”، منذ عام 1997، لم تكن كلها سلبية. وعلى الرغم من حدودها فإن قانون emplois-jeunes [وظائف الشباب] كان خطوة إلى الأمام. مثله مثل التغطية الصحية الشاملة. إن السياسات التي نفذتها الحكومة إذا أخذت في مجملها تشكل مزيجا من الإصلاحات الاجتماعية الفاشلة وغير الكافية من ناحية، والإصلاحات الرجعية المضادة المأخوذة مباشرة من “خطة” آلان جوبيه من ناحية أخرى.»
كل هذا يبدو واضحا بما فيه الكفاية. لكن نقادنا يقولون بعد ذلك: “دعونا نأخذ الإجراءات الرئيسية التي تعتبرها La Riposte ‘إيجابية'”. ويستمرون في شرح أوجه القصور والجوانب غير المقبولة لهذه التدابير المختلفة، مثل حقيقة أن تطبيق 35 ساعة في الأسبوع كان مصحوبا في غالب الأحيان بتحديد سنوي لساعات العمل ومساعدات لأصحاب العمل ، أو أن emplois-jeunes كانت عقودا محدودة المدة (تصل إلى خمس سنوات) والتي غالبا ما تستعمل لتحل محل العمال الدائمين. لكن من الواضح أن هذا هو بالضبط ما تشير إليه La Riposte عندما تقول إن هذه الإصلاحات “فاشلة وغير كافية“.
هل يصعب فهم هذا حقا؟ وبما أن منتقدينا اللومبرتيين يبدو أنهم لا يفهمون العلاقة بين الماركسية والإصلاحات، فدعونا نقتبس ما قاله لينين حول هذا الموضوع. في مقالته “الماركسية والإصلاحية”، 12 شتنبر 1913، يشرح لينين الفرق بين الماركسية والإصلاحية قائلا:
«على عكس اللاسلطويين، يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات، أي من أجل تدابير تحسن ظروف العمال دون تحطيم سلطة الطبقة السائدة. لكن في نفس الوقت، يخوض الماركسيون نضالا شديد الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون، بشكل مباشر أو غير مباشر، أهداف وأنشطة الطبقة العاملة ضمن النضال من أجل تحقيق الإصلاحات. الإصلاحية خداع برجوازي للعمال، الذين، رغم مختلف التحسينات، سيبقون دائما عبيدا مأجورين، طالما بقيت سيطرة رأس المال قائمة.
تمنح البرجوازية الليبرالية الإصلاحات بيد وتسترجعها دائما بيد أخرى، وتقضي عليها كليا وتستخدمها لاستعباد العمال وتقسيمهم إلى مجموعات منفصلة ولإدامة العبودية المأجورة. ولهذا السبب فإن الإصلاحية، حتى عندما تكون مخلصة كليا، تتحول في الممارسة إلى أداة تفسد بها البرجوازية العمال وتضعفهم. وتبين تجربة جميع البلدان أن العمال الذين وضعوا ثقتهم في الإصلاحيين قد تعرضوا دائما للخداع.
وعلى العكس من ذلك فإن العمال الذين استوعبوا نظرية ماركس، أي أدركوا حتمية استمرار العبودية المأجورة طالما استمر حكم الرأسمال، لن ينخدعوا بأية إصلاحات برجوازية. إن العمال المدركين لحقيقة أنه ما دامت الرأسمالية موجودة فإنه لا يمكن أن تكون الإصلاحات دائمة ولا جدية، يناضلون من أجل ظروف أفضل ويستخدمون تلك التحسينات لتكثيف النضال ضد العبودية المأجورة. يحاول الإصلاحيون تقسيم العمال وخداعهم، ويصرفوهم عن الصراع الطبقي عن طريق تنازلات هزيلة. لكن العمال، بعد أن رأوا زيف الإصلاحية، يستخدمون الإصلاحات لتطوير وتوسيع نضالهم الطبقي.
كلما كان تأثير الإصلاحية بين العمال أقوى، كلما كان العمال أضعف، وكلما زادت تبعيتهم للبرجوازية، وكان من الأسهل على البرجوازية إبطال الإصلاحات من خلال مختلف الحيل. كلما كانت الحركة العمالية أكثر استقلالية، وكلما كانت أهدافها أعمق وأوسع، وكانت أكثر تحررا من ضيق الأفق الإصلاحي، كلما كان من الأسهل على العمال تثبيت التحسينات والاستفادة منها»[10].
كم هو واضح شرح لينين لهذه المسألة! ويمكن تطبيق هذا الاقتباس بدقة على الوضع في فرنسا. سوف تناضل الطبقة العاملة دائما من أجل الإصلاحات، وزيادة الأجور والمطالب الجزئية الأخرى، “من أجل تدابير تحسن ظروف العمال دون تحطيم سلطة الطبقة السائدة”، على حد تعبير لينين. وفي الواقع فإن الثورة الاشتراكية ستكون مستحيلة بدون النضال اليومي من أجل الإصلاحات في ظل الرأسمالية. إن اختلافنا مع الإصلاحيين ليس راجعا لكونهم يدافعون عن الإصلاحات، بل لكونهم لا يناضلون من أجل الإصلاحات بطريقة حازمة، ولكونهم يستسلمون للبرجوازية، ويساومون وينتهون بتطبيق سياسات الإصلاحات المضادة.
المقصود هو أنه لا توجد إمكانية لإصلاحات جدية وثابتة في الظروف الحالية في ظل الرأسمالية. وفي كل مكان نشهد سعي البرجوازية لاستعادة التنازلات التي اضطرت إلى تقديمها في الماضي تحت ضغط الطبقة العاملة ومنظماتها. ويتم تقويض دولة الرفاه وتدمير مكتسباتها. الطريقة الوحيدة للدفاع عن مكاسب الماضي هي خوض صراع شامل ضد البرجوازية، سيطرح حتما مسألة السلطة على جدول الأعمال. هذا أمر بديهي بالنسبة لأي ماركسي. لكن هل يعني ذلك أن النضال من أجل الإصلاحات لم يعد ضروريا؟ إن مثل هذا الاستنتاج خاطئ تماما وسيؤدي إلى عزل الماركسيين عن الطبقة العاملة، التي تفهم ضرورة النضال من أجل الدفاع عن الأجور وظروف العمل ضد الاستغلال الرأسمالي.
اللومبرتيون ساخطون لأن La Riposte دعمت مطلب أسبوع عمل من 35 ساعة وبعض الإصلاحات الأخرى. إنهم يعتبرون أن هذه الإصلاحات ليس فيها أي شيء إيجابي، بل كانت في الواقع إصلاحات مضادة رجعية. إذا كان هذا هو الحال، فيجب عليهم أن يوضحوا لماذا كانت الأحزاب اليمينية تريد الإلغاء الكامل للقانون الذي ينص على أسبوع عمل من 35 ساعة. وعليهم أيضا أن يشرحوا لماذا ناضلت الحركة العمالية في فرنسا ضد هذا، مما أجبر اليمين على التراجع بخصوص هذه المسألة، وحصر نفسه في تقديم عدد من التعديلات الرجعية.
وينطبق الشيء نفسه على قانون التغطية الصحية الشاملة، التي تقدم الحد الأدنى من التغطية الصحية لفئات من السكان كانت محرومة من ذلك في السابق. لكن هذا القانون ليس كافيا، بكل تأكيد! وقد وصفه الرفاق بأنه “فاشل وغير كاف”، لكنه مع ذلك خطوة إلى الأمام ويجب التصدي بقوة لأية محاولة من طرف البرجوازيين لإلغائه، مثلما كان من الصحيح معارضة محاولة حكومة رافاران إلغاء قانون وظائف الشباب، على الرغم من نواقصه.
سيدافع الماركسيون دائما حتى عن أصغر الإصلاحات التي تستهدف تحسين ظروف العمال والشباب، وسيوضحون في الوقت نفسه أن الطريقة الوحيدة لضمان تحسين دائم في مستويات المعيشة هي من خلال التحويل الاشتراكي للمجتمع. كل من ليس مستعدا للدفاع عن المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة في الماضي، لن يكون قادرا أبدا على قيادتها نحو الاستيلاء على السلطة في المستقبل. كل هذا بديهي بالنسبة للماركسي، لكنه كتاب مغلق بالنسبة للعصبويين الأغبياء.
La Riposte والحزب الشيوعي الفرنسي
ينتقل منتقدونا بعد ذلك إلى مسألة موقف La Riposte من مشاركة الحزب الشيوعي الفرنسي في حكومة يسارية مستقبلية، سيحصل الحزب الاشتراكي فيها على الأغلبية. واقتبسوا رد La Riposte على السؤال: “هل يجب أن يوافق الحزب الشيوعي على المشاركة في الحكومة مع الحزب الاشتراكي؟”:
«كلا على الإطلاق. من وجهة نظرنا، يجب أن يكون من غير المقبول المشاركة في حكومة يسارية، تقوم، مثل حكومة جوسبان، بتطبيق سياسة خصخصة واسعة النطاق، وتكيف سياساتها، في جميع المسائل الأساسية، لخدمة مصالح الرأسماليين. يجب على الحزب الشيوعي أن يقول إنه مستعد للحكم مع قيادة الحزب الاشتراكي بشرط أن تلتزم باتخاذ إجراءات حاسمة للدفاع عن مصالح العمال وتحطيم سيطرة الرأسماليين على الاقتصاد».
تقول صحيفة La Vérité إن هذا يعني أن La Riposte تدعم مشاركة الحزب الشيوعي في حكومة يسارية مستقبلية. لكن بالنسبة لأي شخص يمكنه القراءة، سيظهر له بوضوح في الاقتباس أعلاه أن الموقف الذي اتخذته La Riposte هو اعتبار تلك المشاركة مشروطة، وأنها تعتمد على محتوى برنامج الحكومة. ومرة أخرى فإن ما لدينا هنا ليس نقدا لسياسات La Riposte، بل هو تحريف متعمد وغير نزيه لتلك السياسات.
والحجة التي يطرحونها ضد ذلك الموقف هي أنه:
«… لا يقول، كما هو الحال مع حكومة جوسبان، إن الشرط الأول (لهذا الالتزام) هو الانفصال عن ماستريخت والاتحاد الأوروبي، وهو المطلب الذي عبرت عنه غالبية الشعب خلال التصويت بـ”لا” في 29 ماي 2005!».
يقودنا هذا إلى النقطة التي أصبحت شعارا ثابتا عند اللومبرتيين، وهي ضرورة انفصال فرنسا عن معاهدة ماستريخت والاتحاد الأوروبي الذي يزعمون أن La Riposte مؤيدة متحمسة له، بل وأن غرانت ووودز يعتبران أن معاهدة ماستريخت “نقطة دعم للصراع الطبقي في أوروبا!”. في ما يخص هذه المسألة، وكما هو الحال في العديد من المسائل الأخرى، ليس من الصعب إظهار أن La Vérité (الحقيقة) مليئة بأكثر الأكاذيب فظاعة. لكن الشيء الصحيح هو أن La Riposte لا تعارض الاتحاد الأوروبي لنفس أسباب La Vérité، التي تعارض “ماستريخت” والاتحاد الأوروبي الرأسمالي الرجعي، وتدافع عن “الجمهورية الفرنسية”، التي هي أيضا رأسمالية ورجعية على حد سواء، والتي يبدو أنهم يعتبرونها تقدمية.
لكن قبل الانتقال إلى مسألة الاتحاد الأوروبي، دعونا أولا نوضح مسألة سياسة الحزب الشيوعي ومشاركته في حكومة يسارية مستقبلية. يكتب منتقدونا:
«تحيي La Riposte ماري جورج بوفي، الأمينة العامة للحزب الشيوعي، التي هي “محقة -بشكل متأخر لكن أفضل من لا شيء- عندما تقول إن اليسار خسر لأنه “لم يجرؤ على مواجهة المدافعين عن الرأسمالية”، وانتقل من “تنازل إلى تنازل” ومن “تكيف إلى تكيف” مع مصالح الرأسمالية”.»
وقد عبروا عن انزعاجهم من هذا الاقتباس من La Riposte بما يلي:
«لكن أليس هذا هو ما يميز سياسة ماري جورج بوفيه، أي على وجه التحديد السعي إلى التوصل إلى اتفاق للحكم إلى جانب أولئك في الحزب الاشتراكي الذين يدعمون علنا تطبيق التوجيهات الأوروبية؟».
لكن كيف تبطل هذه الملاحظة النقطة التي أثارتها La Riposte؟ هل كانت بوفيه على حق، أم كانت مخطئة في قولها إن سبب فشل حكومة اليسار السابقة هو فشلها في مواجهة الرأسمالية، والتنازلات التي قدمتها للرأسماليين؟ نعم أم لا؟ من الواضح أن الإجابة هي نعم. وعندما تقول La Riposte : “بشكل متأخر لكن أفضل من لا شيء”، فهذا يعني ببساطة أنه كان ينبغي قول ذلك والتصرف على أساسه خلال عهد الحكومة اليسارية، وليس فقط بعد هزيمة عام 2002. أين هي المشكلة؟ نرى، هنا مرة أخرى، منتقدينا وهم يلوحون بسيفهم الخشبي دون أن يوجهوا أية ضربات.
لطالما قال لينين إن الحقيقة ملموسة. لقد مر العمال الفرنسيون بتجربة حكومة رافاران اليمينية. وقد ناضلوا ضدها بالإضرابات والمظاهرات الجماهيرية وفق أفضل تقاليد الحركة العمالية الفرنسية. كانت هناك انتفاضات للشباب المحرومين. واهتزت المؤسسة بفعل الهزيمة خلال الاستفتاء على الدستور الأوروبي. كل هذا يشير إلى تغير حاسم في المزاج داخل المجتمع الفرنسي. حتى شيراك فهم ذلك إذ قال: “هناك سخط عميق داخل المجتمع الفرنسي”.
تتحضر الظروف من أجل حدوث تحول كبير نحو اليسار في فرنسا. ستريد الجماهير طرد حكومة رافاران الممقوتة. لكن ماذا سيضعون في مكانها؟ لدى العصبويين في فرنسا – بما في ذلك عصبة لومبرت- آمال كبيرة حول الآفاق أمامهم، وذلك بناء على نتيجة التصويت العقابي عندما كانت الطبقة العاملة غاضبة من سياسات الاشتراكيين والشيوعيين. لقد توهمت العصب الفرنسية أنه سيمكنها تحدي المنظمات الجماهيرية التقليدية، لكن كل تلك الأوهام تحولت الآن إلى غبار. ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة حصل مرشح حزب العمال على… 0,5٪.
الطبقة العاملة لا تفهم المنظمات الصغيرة. وعادة ما تمر بجانبها دون أن تراها. فقط سلسلة من الظروف الاستثنائية هي ما سمح لمرشحين “تروتسكيين” بأن يحققوا نسبة تصويت محترمة قبل بضع سنوات. أما الآن فقد تغير الوضع وكل تلك المجموعات غارقة في أزمة. سوف تلتفت الجماهير مرة أخرى حتما إلى الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي. وفي الفترة المقبلة ستطرح مسألة حكومة يسارية في فرنسا.
ماذا يجب أن يكون موقفنا؟ إن الموقف الصحيح الوحيد هو دعوة العمال لطرد اليمين والتصويت للأحزاب العمالية -أي الحزب الشيوعي و الحزب الاشتراكي. لكن الدور الرئيسي للماركسيين الفرنسيين هو أن يشرحوا بصبر أنه على حكومة اليسار أن تطبق سياسات اشتراكية، أي: التأميم تحت سيطرة العمال وإدارتهم للمصارف والمؤسسات المالية والاحتكارات الكبرى. بدون ذلك سيعمل القادة الإصلاحيون مرة أخرى على تنفيذ سياسات لصالح الرأسمالية، وهو ما يعني هذه المرة فرض اقتطاعات عميقة، مما سيمهد الطريق لصعود حكومة يمينية أكثر رجعية في المستقبل.
ماستريخت – مرة أخرى!
بعد أن حاولوا تشويه سمعة La Riposte -وفشلوا- عاد اللومبرتيون إلى الفكرة التي تشكل مصدر هوس لهم، أي: الاتحاد الأوروبي وماستريخت. ينسبون إلى الرفاق الفرنسيين الفكرة القائلة بأن الخطر الأكبر على العمال يأتي “من أولئك الذين ينتقدون ماستريخت واليورو والاتحاد الأوروبي!” هنا وصلت وقاحة نقادنا إلى مستويات لم يسمع بها من قبل. ما هو الموقف الذي اتخذه الرفاق الفرنسيون خلال الاستفتاء على معاهدة ماستريخت؟ هل دعموها؟ كلا. هل دعوا إلى الامتناع عن التصويت؟ كلا. لقد دعوا إلى التصويت بـ “لا”. وبالتالي فإنه إما أن اللومبرتيين لا يفهمون اللغة الفرنسية، أو أنهم يكذبون عمدا مرة أخرى.
لقد انتقدت La Riposte بالفعل حجج مختلف تيارات اليسار الفرنسي، والذين يعارضون الاتحاد الأوروبي ليس من وجهة النظر الأممية العمالية، بل من منظور قومي ضيق، أي بناء على: “السيادة الوطنية” واستقلال الجمهورية الرأسمالية الفرنسية. وانتقدوا وجهة النظر القومية والإصلاحية البرجوازية الصغيرة، أي أنهم انتقدوا وجهة النظر التي يتبناها اللومبرتيون الفرنسيون. وقد كانوا محقين جد في قيامهم بذلك. وبطبيعة الحال، فإن هذا الانتقاد الماركسي لوجهة النظر القومية البرجوازية الصغيرة يملأ اللومبرتيين بالغضب:
«صرحت La Riposte ضد أولئك الذين يدعون العمال إلى معارضة الاتحاد الأوروبي من أجل تجنب، كما يقولون، بيع “السيادة الوطنية”، أن: “هنا أيضا، نجد أنفسنا على أسس قومية تماما لا تحتوي على أدنى ذرة من المحتوى التقدمي أو الاشتراكي”.»
من معارضتنا هذه للاتحاد الأوروبي من وجهة نظر أممية وطبقية عمالية واضحة، يستنتج منتقدونا بوقاحة أننا نعتبر معارضة الخصخصة والمكتسبات الاجتماعية، التي تحققت في الماضي، أشياء رجعية! إن هذا ببساطة هراء من النوع الأكثر غباء. لقد عارضت La Riposte باستمرار وبقوة جميع عمليات الخصخصة التي تمت في ظل كل من الحكومات اليسارية واليمينية، وليست محاولة ممثلي Parti des Travailleurs [حزب العمال][11] ادعاء خلاف ذلك سوى أكثر أشكال الكذب و[12]قاحة، سواء تجاه أعضائهم أو تجاه القراء عموما.
وعلى سبيل المثال فإنه في نفس النص الذي نشرته La Riposte، والذي اقتبسوا منه في وقت سابق (“الحزب الشيوعي الفرنسي: البرنامج والاستراتيجية والمشاركة في الحكومة“)، نقرأ:
«يجب أن نطالب بتضمين برنامج الحزب شعار تأميم جميع البنوك، دون استثناء، وجميع المؤسسات الصناعية الكبرى وجميع شبكات التوزيع الرئيسية، ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال. الاشتراكية لا تعني تأميم الشركات الصغيرة والمقاهي والمخابز، بل على الشيوعيين أن يشرحوا بلا كلل أنه يجب انتزاع المفاتيح الرئيسية للاقتصاد الوطني من أيدي الرأسماليين وتحويلها بحزم إلى القطاع العام تحت الرقابة والإدارة الديمقراطية للعمال. بهذه الطريقة، وفقط بهذه الطريقة، سيمكن لحكومة يسارية مستقبلية أن تمنح لنفسها الوسائل الضرورية لتنفيذ برنامج واسع من الإصلاحات الاجتماعية، بما في ذلك تخفيض أسبوع العمل وزيادة الأجور وضمان العمل للجميع وتوفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق خدمات اجتماعية ذات جودة عالية متاحة للجميع».
لكن هذا الموقف صار بفعل “ترجمة” La Vérité يعني أن “معارضة الخصخصة موقف رجعي”! قال تشرشل ذات مرة إن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم. وتشبه هذه التشويهات سحابة الحبر التي يطلقها الحبار عند الفرار من حيوان مفترس. إنهم يدركون أنهم في موقف ضعيف لا يمكن الدفاع عنه بخصوص الاتحاد الأوروبي، ولذا يحاولون تغطية مؤخرتهم من خلال الانخراط في سلسلة كاملة من الهجمات المشينة على أولئك الذين يتبنون موقفا ماركسيا أمميا طبقيا. لكن هذه المناورة المفضوحة محكومة بالفشل. إذ لا يمكن لأي قدر من التشويهات والأكاذيب إخفاء تخليهم الكامل عن الموقف الطبقي بخصوص مسألة الاتحاد الأوروبي.
تعارض La Riposte الاتحاد الأوروبي الرأسمالي، لكنها، على عكس Parti des Travailleurs، لا تفعل ذلك على أساس ما يسمى الدفاع عن الجمهورية الفرنسية، الرأسمالية والرجعية هي أيضا. إنها لا تدعي أن هذه الجمهورية الرأسمالية تقوم على “الحرية والمساواة والإخاء” (كيف يمكن أن تكون هناك مساواة بين المستغِلين والمستغَلين؟) ولا تزين إعلاناتها بألوان العلم الوطني، وصور “ماريان”، وغيرها من الرموز الوطنية البرجوازية. تدافع La Riposte عن الإطاحة بالرأسمالية وإنشاء جمهورية اشتراكية في فرنسا وفدرالية اشتراكية في أوروبا. هذا يعني بالنسبة للومبرتيين موقفا داعما للاتحاد الأوروبي! إن هذه حقا أسوء أنواع الكلبية، والتي لم تكن معروفة من قبل في صفوف الحركة التروتسكية.
كانت La Riposte قد دعت إلى التصويت بـ “لا” خلال الاستفتاء. لكن هل صحيح ما يقوله اللومبرتيون حول أن معاهدة ماستريخت هي السبب الأساس في الإصلاحات المضادة التي تجري حاليا في جميع الدول الأعضاء؟ كلا، هذا ليس صحيحا! فنفس الإصلاحات المضادة يتم تنفيذها في كل مكان في العالم الرأسمالي، وليس فقط في البلدان التي وقعت على المعاهدة. إن هذه الإصلاحات المضادة هي نتيجة لأزمة النظام الرأسمالي. والمكتسبات الاجتماعية التي تحققت في الماضي لم تعد تتوافق مع استمرار وجود الرأسمالية. هذا الواقع، وليس معاهدة ماستريخت، هو السبب الحقيقي للهجمات المستمرة ضد حقوق العمال وظروف عيشهم.
ولتوضيح الأمور أكثر قدر الإمكان نقول: حتى لو لم تتم المصادقة على معاهدة ماستريخت، فلم يكن موقف العمال في ظل الرأسمالية ليكون مختلفا بشكل جوهري. وأي شخص يشك في هذا يحتاج فقط إلى النظر إلى هزيمة المعاهدة الدستورية في عام 2005. لقد عارضت La Riposte الدستور، ودعت إلى التصويت بـ “لا”، لكنها أوضحت مسبقا أن هزيمة هذه المعاهدة لن تحل شيئا في حد ذاتها. وقد ثبت أن هذا صحيح تماما. فمنذ هزيمة الدستور شنت الحكومات والرأسماليون هجمات متكررة على حقوق العمال وظروف عيشهم، في فرنسا وفي جميع البلدان. وقد كانت تلك السياسات الرجعية المكتوبة في المعاهدة تنفذ بالفعل منذ سنوات عديدة قبل ذلك، في فرنسا وأماكن أخرى، وقد استمر تطبيقها منذ ذلك الحين.
إن الفكرة الأساسية التي تتضمنها كل الدعاية القومية التي يقوم بها حزب العمال هي أن المفوضية الأوروبية تعمل ضد مصالح فرنسا الرأسمالية و”الجمهورية” الرأسمالية، وأنه يجب على العمال أن يلتفوا حول علم هذه الجمهورية للدفاع عنها ضد المفوضية الأوروبية. لكن في الواقع لعبت الدولة الفرنسية دائمًا دورًا حاسمًا في صياغة سياسات الاتحاد الأوروبي، والتي هي بشكل مباشر سياسات لخدمة مصالح الرأسمالية الفرنسية والأوروبية. نعم لقد نشأت بعض الصراعات بين الدول الرأسمالية القومية التي تشكل الاتحاد، حول بعض القضايا، مثل الإعانات للقطاع الفلاحي، لكن في جميع القضايا الأساسية كان هناك اتفاق تام بين القوى الرئيسية المعنية.
وعلى أي حال فإنه لا يمكن فرض أي إجراء مهم على الرأسماليين الفرنسيين أو الرأسماليين الألمان إذا كان يتعارض مع مصالحهم الأساسية. إن المفوضية الأوروبية أداة في يد أقوى الدول الأوروبية، مثل فرنسا. وادعاء حزب العمال، الذي ورد في مقال آخر في نفس العدد من صحيفة La Vérité، حول أن المفوضية الأوروبية تعمل بطريقة ما على تفكيك الجمهورية الفرنسية الرأسمالية “الواحدة وغير القابلة للتجزئة”، وتعمل على تقسيمها إلى دول أصغر، من خلال ما أطلقوا عليه اسم “بلقنة” فرنسا، هو أمر سخيف للغاية. ومع ذلك فإنه يوفر مؤشرا واضحا عن المدى الذي يمكن لحزب العمال أن يصله في محاولته الهستيرية لتقوية قاعدة دعمه المتدهورة وعضويته المتراجعة على أساس تسعير المشاعر القومية و”الجمهورية”.
إيطاليا
كما هو متوقع، تنتقل La Vérité إلى مهاجمة مواقف رفاقنا الإيطاليين، حيث تحاول تصويرهم على أنهم يدعمون رئيس وزراء إيطاليا الحالي، برودي. وتبدأ بالاقتباس من مقال للرفيق كلاوديو بيلوتي: “الانتخابات التمهيدية وحزب إعادة التأسيس الشيوعي- بيرتينوتي يقيد نفسه بسلاسل الاتحاد” (Le Primarie e Rifondazione – Bertinotti si incatena all’Unione)، الذي نشر في غشت 2005. تحيل عبارة “الاتحاد” على التحالف بين حزب إعادة التأسيس الشيوعي وحزب ديمرقراطيو اليسار، وعدد من الأحزاب البرجوازية، كلها تحت قيادة رومانو برودي، والتي يشار إليها أيضا باسم يسار الوسط أو حتى باسم ائتلاف شجرة الزيتون، وهو الاسم الذي كانوا يستخدمونه في الماضي. يخصص اللومبرتيون حيزا كبيرا في هجومهم لتقديم شرح مطول عن من هو برودي.
ليس لدى أحد من أعضاء اليسار في إيطاليا أي شك حول من هو [برودي] وما الذي فعله في الماضي، وليس من الضروري تكرار كل ذلك في كل المقالات. لقد كان مستشارا لحكومات بقيادة الحزب المسيحي الديمقراطي في الماضي، ولعب دورا رئيسيا في سلسلة من عمليات الخصخصة التي جرت في ذلك الوقت. وكان رئيسا للوزراء في حكومة ائتلاف يسار الوسط السابقة، وتولى بعد ذلك منصب رئيس المفوضية الأوروبية. لقد دافع دائما عن مصالح البرجوازية بإخلاص. لكن المشكلة تكمن في أن قادة الحزبين العماليين الرئيسيين في إيطاليا: ديموقراطيو اليسار وإعادة التأسيس الشيوعي، ليسوا يدعمون برودي فقط، بل إنهم يشاركون أيضًا في حكومته، حيث يدعمون مواقف مؤيدة كليا للرأسمالية.
كان الغرض من مقال رفاقنا، المذكور أعلاه، هو طرح النقاش داخل إعادة التأسيس الشيوعي بشأن مسألة “الانتخابات التمهيدية”. تم تنظيم الانتخابات التمهيدية لتمكين ناخبي الاتحاد من التصويت لمن يريدونه زعيما للتحالف. وقد جعل المقال انتقاده لبيرتينوتي واضحا تماما، حيث يقول:
«تمثل مشاركة بيرتينوتي في هذه الانتخابات حلقة جديدة في السلسلة التي تربط إعادة التأسيس الشيوعي بالاتحاد. ويمكن لأي شخص لديه أي شك في هذا أن يحصل بسهولة على فكرة واضحة من خلال قراءة “مشروع إيطاليا” الذي نشره قادة وسط اليسار في يوليوز».
بعد الاقتباس من المقال بسخاء، يعترف اللومبرتيون أنه يتضمن بعض الانتقادات تجاه تحالف برودي، ويقولون:
«بناء على ذلك فإن الموقف تجاه برودي ليس “ثانويا” بالنسبة للطبقة العاملة الإيطالية والأمة الإيطالية. إن مستقبلهم وبقائهم على المحك… هل يمكن للمرء أن يساعد العمال الإيطاليين على إزالة برلسكوني من خلال الاتحاد خلف شخص قام، بتوجيهات أوروبية (!)، بتزويد برلسكوني بأسلحة سياسته الإقليمية وخصخصة الخدمات العمومية وتصفية الصناعة؟
دعونا نكرر إن أصدقاء غرانت – وودز هم أعضاء في نفس قيادة إعادة التأسيس الشيوعي. ما هو موقفهم تجاه برودي؟ يقول مقال، موقع من قبل كلاوديو بيلوتي، كتب قبل الانتخابات التمهيدية (31 غشت 2005) ما يلي: “إن الاتحاد هو المنفذ الأمين لسياسات الاتحاد الأوروبي…”، لكن المقال “ينسى” الإشارة إلى أن برودي كان طيلة أربع سنوات رئيسًا للمفوضية الأوروبية…».
وبعد أن استشهدت La Vérité بقائمة الانتقادات التي وجهها المقال للاتحاد، اشتكت من أن تلك الانتقادات “محدودة للغاية”. ونظرا لأن قرائهم ليس لديهم ذلك المقال باللغة الفرنسية، فإننا مضطرون إلى الاقتباس منه لإظهار الموقف الحقيقي الذي يدافع عنه. يسرد المقال سلسلة من الانتقادات لـ “مشروع إيطاليا” لبرودي. ينتقد دفاعه عن الدستور الإيطالي ودعمه لمعايير ماستريخت وللناتو وحروبه. ويشرح أن السياسة الاقتصادية للاتحاد ستكون “دما ودموعا” بالنسبة للعمال؛ وأنه سوف “يعتصر” العمال باسم “الربح”.
وعند تقديم حكم عام على “مشروع” برودي، يقول المقال:
«يتبع هذا البيان بأمانة منطق تحالف يعاني من انقسامات داخلية عميقة. والنقاط التي أثيرت فيه بوضوح هي تلك التي تضمن المصالح الوطنية والدولية للطبقة السائدة؛ أما الباقي فهو مجرد ضباب وغموض وكلمات لطيفة أو دبلوماسية تصمت عن القضايا الخلافية».
ويمضي المقال لتوضيح أن الآلاف من الناشطين اليساريين سيصوتون لبيرتينوتي خلال الانتخابات التمهيدية كتعبير منهم عن معارضتهم لسياسات برودي المعادية للطبقة العاملة، لكنه يضيف بعد ذلك:
«لكن ولهذا السبب على وجه التحديد يعتبر دعم إعادة التأسيس الشيوعي لمثل هذا البيان عملا لا يُغتفر؛ إنه الثمرة المسمومة للخط السياسي الذي أقره مؤتمر الحزب الأخير والذي يقيدنا الآن بقوة ويربطنا بحزم مع السياسات التي كنا نعارضها إلى حدود الأمس».
ويخلص المقال إلى ما يلي:
«إن معركتنا لتغيير الاتجاه الذي يسير فيه إعادة التأسيس الشيوعي لم تنته بالتأكيد مع مؤتمر مارس [2005]، وسوف تكون لذلك عواقب. ستكون تلك هي اللحظة التي سيتقرر فيها مصير حزبنا: ليس في المرحلة الافتراضية للانتخابات التمهيدية، بل في محك الواقع القاسي للصراع الطبقي؛ ليس بالكلمات اللطيفة في الوثائق، بل بلغة الأحداث القاسية».
لا بد أن هذه الاقتباسات من المقال تساعد أي شخص على فهم الموقف الحقيقي لرفاقنا الإيطاليين. لكن وكما هو الحال عند الهجوم على رفاقنا في Socialist Appeal البريطانيين، لدينا هنا أيضا ترجمة ملفقة بشكل مقصود تعمل على تشويه مقالاتنا وتترك الانطباع الخاطئ بأننا نعتقد بشيء، بينما يوضح الاقتباس الدقيق أننا نعني شيئا مختلفا تماما. يستشهدون بالمقال كما يلي:
«يوجد بين قيادة الأغلبية داخل الحزب [إعادة التأسيس الشيوعي، ملاحظة المحرر] من يود دفع الرفاق الأكثر انتقادا إلى الاستسلام أو تبني موقف المقاطعة أو الامتناع السلبي عن التصويت (…) حسنا، إذا كان هناك قادة يفكرون بهذ الطريقة فإنهم يرتكبون خطأ كبيرا (…) الرياح اليوم ملائمة لأشرعة برودي، لكن الأمور ستكون مختلفة غدا. إن معركتنا لتغيير إعادة التأسيس الشيوعي لم تنته بالتأكيد».
إن هذه الطريقة في الاقتباس غير نزيهة إطلاقا. حيث أنهم، مرة أخرى، يقتطعون العبارات الرئيسية، ويلصقون معا أجزاء مختلفة من المقال ويضيفون له أيضا كلمات ليست موجودة فيه نهائيا (مثل “الرياح اليوم ملائمة لأشرعة برودي”). بمثل هذه الطريقة يمكن للمرء أن يثبت أن يسوع هو المسيح الدجال من خلال “الاقتباس” من الكتاب المقدس. إن ما يقوله النص الفعلي هو ما يلي:
«يوجد بين قيادات الأغلبية داخل الحزب [جناح بيرتينوتي] من يفكر ربما في دفع الرفاق الأكثر انتقادا إلى الاستسلام أو تبني موقف المقاطعة أو الامتناع السلبي عن التصويت. هل بهذه الطريقة سيتخلصون من بعض العناصر المزعجة داخل الحزب؟ يبدو أن الطريقة الحماسية التي يهدد بها بعض “القادة” بفرض العقوبات والطرد ضد أولئك الذين -ربما أخطأوا، لكن بشعور بمرارة مفهومة- أعربوا عن عدم رغبتهم في المشاركة في هذه الانتخابات الافتراضية، تؤكد ذلك.
حسنًا، إذا كان أي رفيق قيادي (بلا شك أقلية صغيرة) يفكر على هذا المنوال، فإنه يرتكب خطأً فادحًا. لن يتقرر مستقبل إعادة التأسيس الشيوعي ببعض الألاعيب الإعلامية. يقدم لكم برودي اليوم ساحة لاستعراض أنفسكم فيها، لكن احذروا ففي الغد سيُطلب منكم أن تلعبوا دورًا مختلفًا تمامًا: سيُطلب منكم أن تكونوا مسؤولين عن الهجمات الجديدة على العمال والشباب والعاطلين والمهاجرين… إن معركتنا من أجل تغيير الاتجاه الذي يسير فيه إعادة التأسيس الشيوعي، لم تنته بالتأكيد».
دعونا نقارن الجمل التي تم تسطيرها بما كتبه اللومبرتيون. من الواضح على الفور أنه لم يتم فقط إخراجها من السياق، بل إن بعضها ملفق أيضا. لا بد أن إعادة قراءة الاقتباس الكامل سيساعد على توضيح ما يقوله الرفاق الإيطاليون حقا في ذلك المقال. مرة أخرى، وكما هو الحال في عدة مرات في مقالتهم، يعمل اللومبرتيون على إخراج الاقتباسات من سياقها ويشوهونها ويضيفون إليها كلمات ليست فيها ويقدمون تفسيرهم الخاص، فيقولون:
«يذكر أصدقاء غرانت – وودز بوضوح إن: العالم كله يصطف خلف برودي، الذي “تلائم الرياح أشرعته اليوم” وبالتالي فإن “الامتناع داخل إعادة التأسيس الشيوعي أمر غير وارد”… سيتعين على المرء الانتظار، لأن “الأمور ستكون مختلفة غدا”. أليس هذا نداء لقبول اصطفاف إعادة التأسيس الشيوعي خلف برودي… في انتظار “أوقات أفضل”؟».
الحيلة المستعملة هنا هي تجاهل السياق واستعمال بعض الكلمات في غير محلها. لم نكن نناقش في ذلك السياق ما إذا كان على الحزب أن يدعم برودي. إن كلمة “امتناع” لا تشير إلى ذلك على الإطلاق. إن ما دعي إليه ناخبو يسار الوسط هو اختيار زعيم للائتلاف، أي من ينبغي أن يكون رئيس الوزراء إذا فاز يسار الوسط في الانتخابات. وقد ترشح بيرتينوتي لموقع القيادة.
سبق لنا أن وضحنا موقف الرفاق الإيطاليين، وهو أن المشاركة في الانتخابات التمهيدية تعني المزيد من ربط الحزب بشكل أوثق مع اتحاد برودي. لكن بعد أن قرر الحزب المشاركة فيها، كان موقف الرفاق هو أنه على يسار الحزب أن يشارك في حملة الانتخابات التمهيدية، ويدعو الناس إلى التصويت لصالح بيرتينوتي ضد برودي واستخدام المناسبة لإسماع الاصوات الانتقادية. بينما حاول اللومبرتيون تصوير موقف الرفاق وكأنه موقف تقديم الدعم لبرودي وانتظار أوقات أفضل.
كما اقتبسوا من مقال آخر، بعنوان: “تقييم أولي للنتائج” (Una prima valutazione del risultato)، نُشر في أكتوبر 2005، بعد إجراء الانتخابات التمهيدية. ومرة أخرى يبترون الاستشهادات خارج سياقها، متجاهلين الجمل والفقرات التي تقول نقيض ما يرغب المؤلف اللومبرتي أن يوهم قراءه به.
هذا ما يقتبسونه:
«لقد صار منظور الانتخابات اليوم مركزيا، تبدو وكأنها أبسط وسيلة يمكن من خلالها طرد الحكومة اليمينية، بالنظر إلى أن ذلك لم يتحقق من خلال التحركات في الشوارع».
وبعد أن استشهدوا بالمقال، أضافوا “الترجمة” الخاصة بهم مرة أخرى، عن طريق التساؤل عما إذا كان فشل التحركات في الشوارع “خطأ العمال”. ويقولون:
«لماذا فشل العمال في إسقاط برلسكوني “بتحركات الشوارع“؟ هل هذا “خطأ العمال”؟ أم أن المسؤولية تقع على عاتق أجهزة حزبي إعادة التأسيس الشيوعي وديمقراطيو اليسار، واللذان يجران وراءهم النقابات، ويرفضون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، كما أظهروا للتو من خلال اصطفافهم مع برودي؟».
يطرحون السؤال حول ما إذا كان اللوم في ذلك يقع على عاتق قادة حزبي إعادة التأسيس الشيوعي وديمقراطيو اليسار والنقابات. لكن هذا السؤال تمت الإجابة عليه في نفس المقال الذي اقتبسوا منه. ويظهر مباشرة قبل الاقتباس أعلاه حول منظور الانتخابات، حيث يقول:
«شهدت السنوات القليلة الماضية تحرك الملايين من الناس في جميع أنحاء البلاد ضد حكومة برلسكوني وسياساتها. لقد فعلوا ذلك خلال المظاهرات العملاقة ضد الحرب، وخلال الإضرابات العامة للدفاع عن القوانين العمالية. وفي كثير من الحالات عبرت هذه الصحوة عن نفسها في نضالات مريرة وراديكالية مثل إضراب عمال [فيات] ملفي أو عمال النقل البلدي.
لكن هذا الاستعداد للنضال لم يواكبه قادة يسار الوسط، الذين رفضوا دائما إيصال هذه التعبئة إلى نتيجتها المنطقية، أي النضال من أجل إسقاط الحكومة».
كما ترون بوضوح، يلقي الرفاق الإيطاليون اللوم في فشل التحركات في إسقاط حكومة برلسكوني على أكتاف قادة اليسار. لكن وبطبيعة الحال إذا لم يقدم اللومبرتيون هذا الاقتباس لقرائهم، فكيف لهؤلاء أن يعرفوا أن السؤال المطروح قد تمت الإجابة عليه مسبقا؟ نترك لقراءنا حرية الحكم بأنفسهم على طريقة الاقتباس والجدال هذه.
ما قاله رفاقنا الإيطاليون بشأن الانتخابات التمهيدية هو ما يلي:
«إن منظور الانتخابات صار مركزيا اليوم، ليس فقط لأن هذه الهيئة التشريعية قد بدأت تقترب من نهاية ولايتها، بل لأن الانتخابات تظهر كأبسط الوسائل وأكثرها عملية لإسقاط الحكومة اليمينية، بالنظر إلى أن ذلك لم يتحقق من خلال التحركات في الشوارع. عندما يعمل المرء على تقييم الحالة المزاجية للجماهير، لملايين العمال، يكون الخطر الأعظم هو السقوط في النزعة المذهبية. فالحركة الجماهيرية لا تسير حسب النظرية، بل على أساس تجربتها الملموسة والحياة نفسها. إن الشعور الذي يخامر “ناخبي اليسار” في مراكز الاقتراع يوم الاحد، هو: “لقد سئمنا من برلسكوني، وبينما نحن ننتظر فرصة التصويت [في الانتخابات] سننتهز هذه الفرصة للذهاب بشكل جماعي للتصويت في الانتخابات التمهيدية”.»
وعلى عكس توقعات الكثير من الناس، كان هناك إقبال كبير لملايين الناس على الانتخابات التمهيدية. وهو ما يكشف مدى الجدية التي يأخذ بها الكثير من ناخبي اليسار هذه الانتخابات التمهيدية. هذا يؤكد تماما ما كان الرفاق الإيطاليون يقولونه، أي أنه على يسار إعادة التأسيس الشيوعي أن يشارك وألا ينعزل عن الجماهير. لكن بالنسبة إلى اللومبرتيين وغيرهم من العصبويين، لا تشكل مسائل من قبيل كيف يمكن للماركسيين الارتباط بالحركة الجماهيرية، شيئا ذا فائدة حقا.
وبعد أن تجاهلوا الأجزاء الأساسية من المقال – أي تلك الأجزاء التي من شأنها أن تكشف تلاعبهم بالنص- يتساءلون عما إذا كان من الممكن إسقاط اليمين من الحكومة عبر الانتخابات، “أي خلف وعلى أساس برنامج برودي”. ويكتبون:
«السؤال الثاني هو: هل يمكن للمرء أن يتوقع “إسقاط اليمين من الحكومة” عن طريق الانتخابات، أي خلف وعلى أساس برنامج برودي… الذي هو نفس برنامج برلسكوني، مجامل للاتحاد الأوروبي؟ وعلى ذلك السؤال يرد [أنصار] غرانت – وودز … من خلال المناشدة بالاصطفاف خلف برودي».
هل صحيح أن الرفاق الإيطاليين يدعمون برودي؟ كلا، إنها كذبة وقحة. خلال مؤتمر إعادة التأسيس الشيوعي، العام الماضي [2005]، قدم الرفاق في منظمة FalceMartello [المطرقة والمنجل] وثيقتهم الخاصة، “الوثيقة الخامسة”، إلى مؤتمر الحزب. لقد أوصلوا هذه الوثيقة إلى أكثر من ألف فرع محلي للحزب. وعنوان الوثيقة في حد ذاته لا يدع مجالا للشك في موقف الرفاق: “اقطعوا مع برودي وحضروا للبديل العمالي” (Rompere con Prodi – Preparare l’alternativa operaia). تلك الوثيقة واضحة للغاية. تحذر من تخلي الحزب عن استقلاليته، وتنتقد حقيقة أن الحزب يخلق أوهاما حول طبيعة تحالف يسار الوسط. وتقول في الإشارات التمهيدية:
«إن فقدان الاستقلال السياسي والطبقي لحزبنا لم يأت من العدم. إنه نتيجة لسيرورة طويلة من المراجعات السياسية والأيديولوجية، وضعف تنظيمي خطير [للحزب]، لطريقة تسببت في إبعاد إعادة التأسيس الشيوعي بشكل مأساوي عن الحركة العمالية وعن وجهة النظر الطبقية».
تنتقد الوثيقة، المؤلفة من 18 صفحة، كل جانب من جوانب برنامج إعادة التأسيس الشيوعي وسياساته وتحالفاته، وما إلى ذلك. وتحذر من التورط في ائتلاف مع الأحزاب البرجوازية. وتدعو الحزب إلى تغيير المسار وتبني برنامج اشتراكي كفاحي. وتطرح مطالب محددة بخصوص الوظائف والتعليم والأجور والإسكان، وما إلى ذلك. من بين المطالب نجد الدعوة إلى إعادة التأميم تحت الرقابة العمالية لجميع القطاعات التي تمت خصخصتها على مدى السنوات الماضية. وتنتهي قائمة المطالب بما يلي:
«ضد أوروبا ماستريخت الرأسمالية وضد معاهدة شنغن والدستور الأوربي. من أجل انسحاب إيطاليا من الناتو وإغلاق قواعد الولايات المتحدة والناتو على أراضينا. اسحبوا القوات من العراق وأفغانستان والبلقان».
بعد أشهر من مؤتمر الحزب، وعندما كان التحالف مع برودي قد أصبح أكثر قوة من أي وقت مضى، اجتمعت اللجنة السياسية الوطنية (اللجنة المركزية) لإعادة التأسيس الشيوعي في 17-18 شتنبر 2005، هناك تقدم الرفاق الأربعة من منظمة FalceMartello في اللجنة -كلاوديو بيلوتي وسيمونا بوليلي وأليساندرو غيارديلو وجاكوبو ريندا، ببيان افتتح بما يلي:
«إن قرارات الأغلبية تقود الحزب إلى مأزق مسدود. إن مشاركة الأمين العام في الانتخابات التمهيدية هي حلقة جديدة في السلسلة التي يقيد بها إعادة التأسيس الشيوعي نفسه بالاتحاد.
ومقابل أضواء برودي الاعلامية يلتزم الحزب بعدم التصويت ضد الاجراءات التي ستتخذها حكومة يسار الوسط المستقبلية (وفي أحسن الأحوال سيسمح لنا بالامتناع).
نحن نوقع شيكا على بياض على حساب العمال والطبقات الدنيا في هذا البلد. وهذا واضح من الموقف البرنامجي المشترك الذي تبناه الاتحاد في يوليوز».
وختموا قائلين:
«أي أوهام وآمال توضع اليوم في الاتحاد ستذوب قريبا في مواجهة الواقع القاسي، الذي سيتألف من سياسات معادية للشعب. وعلى هذا الأساس فإن نفس هؤلاء العمال الذين ناضلوا ضد يمين الوسط بنضالات السنوات القليلة الماضية العظيمة، سوف يرفعون أصواتهم مرة أخرى ويطلقون العنان مرة أخرى لموجة من التحركات، التي لم تتراجع الآن إلا مؤقتا فقط. هذا هو المنظور الذي يمكنه أن يخلق الظروف لتغيير جذري للمسار الذي بدأه الحزب، وبالتالي تخليص الحركة العمالية من التعاون الطبقي».
ولنجعل الأمور واضحة بشكل كامل ولا نترك أي شك فيما يتعلق بمواقف رفاق FalceMartello، يمكننا أن نقتبس عددا قليلا من العناوين الرئيسية من جريدتهم:
العدد 187، 12 أكتوبر 2005: دعونا لا ننتظر الانتخابات، بالنضال يمكننا التخلص منهم!
العدد 188، 17 نوفمبر 2005: فلنوحد النضالات ضد حكومة برلسكوني، فلنحضر البديل اليساري الحقيقي!
العدد 189، 20 دجنبر 2005: اليوم في فال سوسا، غدا في إيطاليا كلها! [ملاحظة: يشير هذا إلى الحركة الجماهيرية الرائعة التي اندلعت في فال سوسا، بالقرب من الحدود الفرنسية]
العدد 190، 08 فبراير 2006: الاتحاد نحو الانتخابات – برنامجهم وبرنامجنا.
العدد 191، 10 مارس 2006: صوتوا لإعادة التأسيس الشيوعي، أسقطوا حكومة برلسكوني، ناضلوا من أجل بديل يساري حقيقي.
العدد 192، 13 أبريل 2006: الاتحاد فاز بالحكومة لكنه لم يوقف اليمين.
فنزويلا
خصص اللومبرتيون نصف عدد جريدتهم 49-50 (nouvelle série)، لشهر ماي 2006، لملف عن البرازيل، حيث شنوا سلسلة من الهجمات على سيرج غولار وأغلبية مجموعة O Trabalho. وأثناء مهاجمتهم لهم، قاموا بجر التيار الماركسي الأممي أو، كما يسمونه، تيار غرانت – وودز. لقد قاموا بتكرار العديد من الافتراءات المذكورة أعلاه، لكنهم تفوقوا على أنفسهم عندما تعلق الأمر بمهاجمة موقفنا من فنزويلا والدور الذي يلعبه رفاق التيار الماركسي الأممي هناك.
في ذلك العدد نقرأ ما يلي:
«في هذه القائمة من الضروري تسليط الضوء على تيار ميليتانت[12]، أنصار غرانت – وودز، والذي يتبنى موقفا رجعيا يشبه موقف الأمانة الموحدة، ويشكل، على وجه الخصوص، عقبة أمام الثورة الفنزويلية. إنهم يتبنون سياسة تدعم جميع السمات الأكثر رجعية لسياسة تشافيز. لماذا لا نقتبس، على سبيل المثال، المواقف التي طورها تيار ميليتانت بشأن مسألة انضمام فنزويلا إلى ميركوسول (MERCOSUL)؟
يلعب تيار ميليتانت، باسم التروتسكية، دور السلك الموصل لتأثير البيروقراطية الكاستروية -في وقت تراجعت فيه قيمة الأمانة الموحدة بين فئات كبيرة من الحركات الجماهيرية- للترويج لسياسة معادية بشكل صريح للثورة والتستر عليها في فنزويلا والقارة الأمريكية كلها، بل وما وراءها».
ولإثبات وجهة نظرهم اقتبسوا من مقال لآلان وودز بعنوان: “الماركسية والبرلمان والثورة الفنزويلية – فنزويلا بعد الانتخابات: ماذا الآن؟“، نشر في دجنبر 2005. وهذا هو الجزء الذي يقتبسونه:
«من أجل تعويض غياب سياسة خارجية ثورية حقيقية، حاول الرئيس الدخول في علاقة مباشرة مع القادة الأجانب. ومن أجل كسر العزلة الدبلوماسية التي تحاول واشنطن فرضها على فنزويلا، حاول تشافيز التوصل إلى اتفاقات مع الحكومات والبلدان التي لديها خلافات مع الولايات المتحدة، أو التي يمكن اعتبارها “تقدمية” إلى حد ما».
الطريقة المستعملة هنا ملائمة، لكن، وكما هو الحال مع جميع الاقتباسات الأخرى، يكفي أن نظيف ما يأتي قبل وبعد هذا الاقتباس:
«إن أضعف جوانب الثورة البوليفارية وأكثرها سوءا هي سياستها الخارجية. وليس من قبيل المصادفة أن القسم الأكثر عداء للثورة داخل جهاز الدولة هو السلك الدبلوماسي. ليس سرا أن قلة من السفراء فقط هم من يمكن الوثوق بهم، وأنهم عند أول فرصة سينتقلون إلى صف الثورة المضادة.
من أجل تعويض غياب سياسة خارجية ثورية حقيقية، حاول الرئيس الدخول في علاقة مباشرة مع القادة الأجانب. ومن أجل كسر العزلة الدبلوماسية التي تحاول واشنطن فرضها على فنزويلا، حاول تشافيز التوصل إلى اتفاقات مع الحكومات والبلدان التي لديها خلافات مع الولايات المتحدة، أو التي يمكن اعتبارها “تقدمية” إلى حد ما. إن النية جديرة بالثناء، لكن النتائج ليست دائما مثلما يريد».
إن المعنى، كما يمكن لقرائنا أن يروا بأنفسهم، مختلف تماما عما يريد اللومبرتيون إثباته. ولجعل الأمور أكثر وضوحا، يمكننا اقتباس فقرة أخرى تأتي بعدها مباشرة تقريبا.
«فنزويلا هي خامس مصدر للنفط في العالم. وقد منح هذا الثورة بلا شك مساحة للتنفس وسمح لتشافيز ببناء نقاط دعم من خلال صفقات لتصدير الطاقة مع جيرانه في الكاريبي وأمريكا الجنوبية. لكن “الدعم” الذي يمكن الحصول عليه بهذه الطريقة هو نسبي جدا وغير ثابت على الإطلاق. إن الأصدقاء الحقيقيين الوحيدين للثورة الفنزويلية هم العمال والفلاحون والفقراء في أمريكا اللاتينية والعالم بأسره. وهي ستحتاج إلى هؤلاء الأصدقاء».
ميركوسور
ثم ينتقلون إلى نقاش ميركوسور، التي هي محاولة فاشلة من جانب بعض الطبقات البرجوازية في أمريكا اللاتينية لتشكيل تكتل تجاري على غرار الاتحاد الأوروبي. يبدو أن اللومبرتيين مفتونين بهذه المسألة. ففي أوروبا يلومون الاتحاد الأوروبي على كل شيء، والآن في أمريكا الجنوبية يمكنهم لوم ميركوسور على كل شيء. هذا هراء، فقد كانت ميركوسور محاولة من برجوازيات بعض البلدان، مثل الأرجنتين والبرازيل، للدفاع عن مصالحها الخاصة في المنطقة من خلال التكتل التجاري. لا يمكن لذلك أن ينجح، وهو على أي حال يزخر بالتناقضات خاصة بين البرازيل والأرجنتين.
وكما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي، يحاولون هنا تصوير موقفنا وكأنه موقف داعم لميركوسور. ويقتبسون “غرانت – وودز” على النحو التالي:
«الشيء الوحيد الذي يعنيه دخول فنزويلا إلى ميركوسور هو الاعتراف بالإمكانات الهائلة للسوق الفنزويلية».
هذا “عضو مبتور” آخر مأخوذ من مقال: “ميركوسور: هل هو نموذج للوحدة الأمريكية اللاتينية؟ إن الحلم البوليفاري لأمريكا لاتينية موحدة لن يكون ممكنا إلا بانتصار الاشتراكية!” (MERCOSUR: ¿Paradigma de la Unidad Latinoamericana? ¡El sueño bolivariano de una América Latina Unida sólo será posible con el triunfo del Socialismo!)، الذي نشر في يوليوز 2004 على موقع التيار الماركسي الثوري (CMR). وبنفس الأسلوب اللومبرتي المعتاد، يؤخذ الاقتباس مرة أخرى خارج السياق، من أجل إعطاء الانطباع بأننا نتبنى موقفا هو عكس ما نمثله بالفعل، لكننا الآن يجب أن نكون قد اعتدنا على ذلك. ما سبب هذه الطريقة البخيلة في استخدام الاقتباسات؟ ربما يحاول اللومبرتيون توفير الحبر والورق؟ إذن دعونا نساعدهم، بروح المحبة المسيحية، على اقتباس الفقرة كلها:
«لطالما أكد الماركسيون الثوريون على الحاجة إلى تصور أممي، والحاجة إلى وحدة البروليتاريا والمستغَلين والمضطهَدين لبلدان الأمريكتين والعالم بأسره. لكن “الوحدة” التي تمثلها ميركوسور، و التي تنضم إليها فنزويلا الآن، تقوم على علاقات الملكية الرأسمالية، والتي تشكل مع ملكيتها الخاصة لوسائل الإنتاج العقبة الرئيسية أمام تطوير القوى المنتجة في بلداننا، ذلك التطوير الذي هو الطريقة الحقيقية الوحيدة للتغلب على الفقر والبؤس. وبالتالي فإن الطابع الطبقي الوحيد الذي يمتلكه ميركوسور هو كونه اتفاق بين برجوازيات أمريكا الجنوبية في محاولة منها للدفاع عن نفسها ضد اختراق الإمبرياليات الأمريكية الشمالية والأوروبية، كما يمثل في الوقت نفسه السعي إلى خلق أسواق أكبر لتلك “البرجوازيات الوطنية” على حساب الأخرى. لهذا يجب ألا ننخدع. إن الشيء الوحيد الذي يعنيه دخول فنزويلا إلى ميركوسور هو الاعتراف بالإمكانيات الهائلة للسوق الفنزويلية بالنسبة للرأسماليين في البرازيل والأرجنتين وتشيلي، إلخ».
كل ما تعنيه هذه الجملة الأخيرة هو أن الأعضاء الآخرين في ميركوسور يريدون الدخول إلى السوق الفنزويلية. وهذا في حد ذاته لا يعبر لا عن دعم ولا عن معارضة. إنه مجرد بيان للحقيقة. لكن بقية الفقرة يجب أن تكون واضحة تماما لأي قارئ نزيه.
ولإزالة أي شك حول موقفنا، نقدم الاقتباس التالي من مقال: “موضوعات حول الثورة والثورة المضادة في فنزويلا“، الذي كتبه آلان وودز ونشر في ماي 2004:
«99- إن المشروع الأصلي لسيمون بوليفار (ذلك الابن العظيم للشعب الفنزويلي) لم يكن هو تحقيق ثورة وطنية، بل ثورة توحد كل شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي. لقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للقارة تحقيق استقلال حقيقي، وتحقيق الحرية والازدهار. لكن مشروع بوليفار تمت خيانته من طرف البرجوازية والأرستقراطيين. لقد قامت الأوليغارشية الجشعة والفاسدة، ببلقنة أمريكا اللاتينية، مقسمة إياها إلى دول وطنية، كثيرا ما تنفجر بينها حروب حدودية. إن هذا أضعف، بشكل مأساوي، أمريكا اللاتينية وجعلها تسقط تحت سيطرة الإمبريالية التي استنزفت ثرواتها ودمرت إمكانياتها العظيمة وأغرقت شعبها في البؤس والقنوط.
100- قد استعاد مشروع بوليفار، في توحيد كل أمريكا اللاتينية، آنيته. إنه الطريق الوحيد الذي يقود إلى الأمام. لكن هذا المشروع مستحيل التحقيق إطلاقا في ظل الرأسمالية. لقد قضت البرجوازية مائتي سنة، تقريبا، أرتنا فيها ما يمكنها القيام به، وها هي تعرضت للإفلاس. فقط البروليتاريا، بالتحالف مع الفلاحين الفقراء وفقراء المدن وجميع المستغلين، هي من يمكنها أن تحقق هذا المشروع. وللقيام بهذا، يتوجب عليها مصادرة أملاك كبار أصحاب الأراضي والرأسماليين وبناء فيدرالية اشتراكية لأمريكا اللاتينية.
101- سوف يمكن، لأول مرة، استثمار الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تتوفر عليها أمريكا اللاتينية، عندما سيتم تجميع الثروات الاقتصادية التي تتمتع بها، عبر مخطط اشتراكي شامل. مقارنة مع هذا، سوف تبدو محاولات البرجوازية، البائسة، الضئيلة، من قبيل ميركوسور مجرد تفاهات. إذ خلال مخططين خماسيين اثنين سيتم تجميع ما يكفي من الثروات لإحداث تحويل كلي لحياة ملايين الرجال والنساء والأطفال. هذا هو المستقبل الذي نقدمه لجماهير أمريكا اللاتينية. وهو القضية الوحيدة التي تستحق أن يناضل الإنسان من أجلها. وبمجرد ما ستدرك الجماهير الإمكانيات المتوفرة، فإنها سوف تقاتل بشراسة لا تقهر. أما الإمبريالية الأمريكية فإنها، عندما ستواجه بانتفاضات ثورية عامة في كل أمريكا اللاتينية، سوف تصبح عاجزة عن فعل أي شيء. فإذا لم يكونوا قادرين عن إخضاع العراق، فإنهم أعجز من أن يخضعوا كل أمريكا اللاتينية. وبدل أن يتدخلوا في أمريكا اللاتينية سوف يواجهون بتحركات ثورية حتى في الداخل». [خط التشديد من عندنا]
ولجعل الأمور أكثر وضوحا سنقتبس من مقال لرفاقنا في الأرجنتين، بعنوان: “الأرجنتين، موقف الاشتراكيين الثوريين تجاه حكومة كيرشنر“، والذي نشر في يونيو 2003. يقول المقال بوضوح ما يلي:
«ميركوسور اتفاق بين الطبقات الحاكمة لأكبر بلدين في أمريكا اللاتينية (البرازيل والأرجنتين) من أجل حماية أسواقهما من الهجوم الكاسح للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، ومن أجل خلق روابط تجارية أكثر مع التكتلات الإمبريالية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي. إن الهدف هو إقامة توازن بين العملاقين (الإمبريالية الأمريكية والإمبريالية الأوروبية) من أجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة بشكل أفضل. لقد اشتغلت ميركوسور (التي تضم أيضا أوروغواي وباراغواي) بشكل جيد نسبيا خلال الطفرة الاقتصادية في التسعينيات، لكن عندما بدأت رياح الركود تجتاح المنطقة في نهاية العقد الماضي، توقفت إلى حد ما بسبب تعارض المصالح بين الرأسماليين البرازيليين والأرجنتينيين، والذين حاولوا تصدير الركود إلى بعضهم البعض عن طريق وضع حواجز حمائية بينهم، من أجل الدفاع عن أسواقهم المحلية.
تدفع الإمبريالية الأمريكية، في الوقت الحالي، من أجل خلق “منطقة للتجارة الحرة للأمريكتين” (FTAA)، والتي تهدف من خلالها إلى إحكام وتعزيز قبضتها الاقتصادية على أمريكا اللاتينية. وقد دفع ذلك، كما هو متوقع، بالطبقات الحاكمة لكل من الأرجنتين والبرازيل إلى وضع خلافاتهما جانباً من أجل محاولة مواجهة هذا الهجوم الجديد من جانب الأمريكيين. ومن المثير للاهتمام أن أيا من البلدين لا يشكك في حق اتفاقية التجارة الحرة للأمريكيتين في الوجود، بل على العكس كل ما يريدونه هو التفاوض مع الرأسماليين الأمريكيين لكي يتم تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة في أفضل الظروف الممكنة للرأسماليين في البلدين، أو، من الأصح القول، في الظروف “الأقل سوءا” بالنسبة لهم.
وكما قلنا في البداية إن البرجوازيات في أمريكا اللاتينية ضعيفة وتفتقر إلى القوة والشجاعة اللازمتين للقطع بشكل واضح مع الإمبريالية. إذ لديهم في العديد من مجالات العمل مصالح مشتركة مع الإمبرياليين. والبرجوازيات المحلية في أمريكا اللاتينية لا تعمل في الواقع إلا كوكلاء محليين للإمبرياليين في هذه البلدان. وعلى الرغم من حقيقة أن مصالحهم الاقتصادية مهددة باستمرار بفعل شراهة الإمبرياليين، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى التوتر بينهم، فإنهم دائما ما يتوصلون في آخر المطاف إلى اتفاقات أو تفاهمات فيما بينهم (أو حتى الاستسلام الصريح، كما هو حال المكسيك وتشيلي، وحتى الأرجنتين، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية).
لذا فإن الحديث، كما يفعل تشافيز وعدد من القوميين “اليساريين” الآخرين في بلادنا، عن إمكانية تحقيق وحدة لأمريكا اللاتينية على أساس “رأسمالي قومي” مجرد أوهام وردية. كما أن فكرة تنظيم اجتماع عن “وحدة أمريكا اللاتينية” بين فيديل وتشافيز وبين الأوليغارشيات الأمريكية اللاتينية المتعفنة المؤيدة للإمبريالية في كولومبيا وبيرو والإكوادور والأرجنتين وباراغواي، أمر مثير للضحك. إن أوليغارشيات أمريكا اللاتينية في الحقيقة مرتاحة جدا للوضع الحالي، حيث تنهب موارد كل بلدانها كما يحلو لها، بمساعدة بالطبع من طرف الرأسماليين الأمريكيين والأوروبيين.
لقد سبق لنا أن شرحنا أعلاه أن الطريقة الوحيدة للقطع بشكل حقيقي مع الإمبريالية والأوليغارشية المحلية هي من خلال ثورة اشتراكية تقودها الطبقة العاملة. نحن، بوصفنا اشتراكيين ثوريين، نؤيد بشدة وحدة أمريكا اللاتينية، إلا أننا ندرك أن هناك طريقة واحدة فقط لتحقيق ذلك، وهي بالتحديد من خلال بناء فدرالية اشتراكية لأمريكا اللاتينية. ستكون قوة جبارة للغاية، لن تكون فقط قادرة على هزم أي محاولات من جانب الإمبريالية لسحق الثورة، وتحقيق الاندماج بنجاح وتخطيط موارد القارة بأكملها بطريقة متناغمة، بهدف تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوبنا، بل ستحصل أيضا على دعم الطبقة العاملة في أمريكا نفسها وبقية العالم الرأسمالي، وبالتالي تقويض أسس أي تدخل إمبريالي وتوسيع النضال من أجل الاشتراكية إلى المزيد من البلدان». [كل خطوط التشديد من عندنا]
في جميع منشوراتنا عن أمريكا اللاتينية يبرز شعار واحد بشكل واضح للغاية وهو شعار ثابت: إننا ندعو إلى تشكيل فدرالية اشتراكية لأمريكا اللاتينية باعتبارها الحل الحقيقي الوحيد للمشكلات التي تواجه العمال في المنطقة. لا يوجد حل على أساس الرأسمالية.
الرقابة العمالية
في فنزويلا لم يتمكن تيار اللومبرتيين من بناء أي شيء. لا تجد أفكارهم أي صدى، وهو أمر ليس مفاجئا، إذ يبدو أنهم لا يملكون أدنى فكرة عما يحدث هناك. هناك ثورة جارية بمشاركة نشطة من أوسع فئات الجماهير، من العمال والفلاحين والشباب الثوريين، لكن ما الذي لدى أصدقائنا في باريس ليقولوه حول هذا الموضوع؟ ليس كثيرا على ما يبدو. وعلى النقيض من ذلك فقد أعرب رفاق O Trabalho، الذين يقودون هم أنفسهم حركة لاحتلال المصانع في البرازيل، عن اهتمام شديد بالحركة الثورية في فنزويلا، ولا سيما حركة احتلال المصانع.
لقد أصبح احتلال المصانع جانبا هاما من جوانب الصراع الطبقي في بلدان مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا. وهو ما يعتبر انعكاسا للأزمة الحادة للنظام الرأسمالي وكذا للمستوى العالي جدا من الوعي عند فئة من الطبقة العاملة. هناك الكثير من الكتابات على موقعنا، باللغتين الإنجليزية والإسبانية، حول هذه المسألة، وهذا ليس صدفة إذ أن الفرع الفنزويلي للتيار الماركسي الأممي –ت. م. ث- (Corriente Marxista Revolucionaria) يقوم بدور رئيسي في قيادة حركة المصانع المحتلة.
نظم مناضلو ت. م. ث حركة Freteco(الجبهة الثورية لعمال المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام الإدارة المشتركة[2]) وقد فعلوا ذلك من أجل توحيد كل المصانع المحتلة في جبهة واحدة. بعض هذه المصانع، مثل Inveval وInvepal، تم تأميمها من طرف تشافيز، وهو الشيء الذي كنا التيار الوحيد الذي اعتبرناه ممكنا. لقد كان رفاقنا في الواقع هم الوحيدون الذين طالبوا بتأميم تلك المصانع.
إن هذا العمل الناجح للغاية للماركسيين الفنزويليين يستحق الثناء. لكن منتقدينا الودودين في باريس لا يجدون فيه أي شيء إيجابي. بل على العكس من ذلك لا يجدون إلا الخيانة والتعاون الطبقي (!). أجل، عزيزي القارئ، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح. دعونا نقتبس ما يقولونه:
«لن نفاجأ برؤية هذا التيار السياسي -الذي، كما أوضحنا في صحيفة La Vérité، يصطف، تحت ذريعة كونه ماركسيا، باستمرار مع تلك التيارات الأكثر معارضة للاستقلال الطبقي- وهو يقف أيضا ضد استقلال العمال!».
ثم يضيفون:
«من جانبنا وباعتبارنا ندافع عن الثورة الفنزويلية، نحن ندافع عن حكومة (ورئيس) تؤمم الشركات وتقاوم الهجوم الإمبريالي. لكننا نقوم بذلك على أرضية استقلال الطبقة العاملة، وهو ما يتعارض مع ميركوسول وما يسمى بـ “الإدارة الثورية المشتركة”.».
لا يملك المرء إلا أن يفرك عينه بدهشة. إن هذا حقا هو ذروة الوقاحة! ففي المقام الأول ليس التيار اللومبرتي في وضع يسمح له بالدفاع عن أي شيء من أي كان، على أي أرضية مهما كانت، لأنهم غائبون تماما وبشكل كلي عن الحركة العمالية الفنزويلية. إن “دفاعهم عن الثورة الفنزويلية” يشبه إلى حد ما علاقة حب أفلاطونية: تتم من مسافة محترمة – أي آلاف الأميال – من مكتب في باريس. ومن هناك يمكنهم تقديم جميع المحاضرات “الذكية” التي يحبونها “على أرضية استقلال الطبقة العاملة”، والتي ليس لها أي تأثير على مسار الثورة نفسها.
وعلى النقيض من ذلك فإن منظمة ت. م. ث تشارك بنشاط في الثورة الفنزويلية. وكما يعلم أي شخص لديه ولو قليل من الاطلاع، فإن ت. م. ث تدافع باستمرار عن موقف الاستقلال الطبقي، وتشجع وتنظم وتقود الحركة العمالية لاحتلال المصانع وإدارتها على أساس الرقابة العمالية.
وفي محاولة منهم “لإثبات” التعاون الطبقي المزعوم من طرف منظمة ت. م. ث، اقتبسوا من مقال متاح باللغة الإسبانية عنوانه: “نجاح كبير لعمال المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام التسيير المشترك” (Gran éxito de la marcha de trabajadores de las empresas en cogestión y ocupadas)، نشر في ماي من هذا العام [2006]. هذا المقال عبارة عن تقرير عن مظاهرة لعمال المصانع المحتلة التي نظمتها Freteco. ويستشهدون بما صرح به عامل مشارك في المظاهرة، حيث قال:
«هذه المسيرة هي الخطوة الأولى فقط. يجب أن تكون هناك معركة من أجل إعادة انتخاب الرئيس وتوسيع نموذج الإدارة المشتركة الثورية الذي قدمه».
وعلى الرغم من أن هذه ليست ترجمة دقيقة، فقد قال ذلك العامل هذه الكلمات، لكنه أضاف المزيد مما يعطي معنى أكبر لما كان يقصده. لقد قال:
«هذه المسيرة هي الخطوة الأولى فقط. يجب أن نكون في طليعة معركة سانتا إينس ويجب أن تكون تلك معركة لإعادة انتخاب الرئيس وتوسيع نموذج الإدارة الثورية المشتركة الذي تقدم به، من أجل إعادة انتخاب الرئيس وتوسيع نموذج الإدارة المشتركة الثورية الذي قدمه، على أساس جموعات عمالية بسلطات اتخاذ القرار، إلى جميع المصانع والمضي قدما نحو فرض الرقابة والإدارة العماليتين. وكما قال الرئيس يجب علينا هزيمة البيروقراطية وانعدام الكفاءة والفساد. هذه هي المعركة التي أطلقناها من الجبهة».
لقد شرحنا مرات عديدة أن كلمة “cogestion” بالنسبة للعمال الفنزويليين، على الرغم من أنه تتم ترجمتها تقنيا إلى “co-management” (“إدارة مشتركة”)، ليس لها نفس المعنى الذي يعطى للكلمة في أوروبا. إنها تعني بالنسبة لهم طريقة لتحقيق الرقابة العمالية. ففي فنزويلا تتخطى “cogestion” المفهوم البسيط للمشاركة في الإدارة إلى جانب أرباب العمل. وهذا العامل يأخذ دعوة تشافيز ويضفي عليها المحتوى الطبقي الخاص به. إن كلمات هذا العامل الفنزويلي العادي تعبر بدقة عن التطلعات الثورية للجماهير -رغبتهم في تسيير المصانع- والمجتمع بأسره – بأيديهم. قد لا يستخدمون المصطلحات العلمية للماركسية، لكن هذا هو بلا شك ما يناضلون من أجله.
إن الاختبار الحقيقي للتيار الثوري هو قدرته على التدخل في الثورة. وقد كشفت عصبة لومبرت عن عجزها التام عن التدخل في الثورة الفنزويلية، ولأعضائها في القواعد الحق في أن يطرحوا السؤال عن السبب وراء ذلك. يظهر السبب بوضوح في التعليقات أعلاه، فمثلهم مثل جميع العصب الأخرى التي تدعي زورا نسبتها إلى التروتسكية، لا ينطلقون من الحركة الحقيقية للجماهير (لا في فنزويلا ولا في أي مكان آخر) بل يعتمدون على الصيغ المجردة، التي يحاولون فرضها على الحركة الحية للطبقة العاملة. وإذا ما رفض العمال هذه الصيغ العصبوية، فالويل لهم!
إذا كان لنا أن نطبق طريقة اللومبرتيين فسيتعين علينا أن نقول لهؤلاء العمال، الذين يناضلون في الواقع من أجل الرقابة العمالية (أي الذين يناضلون حقا من أجل سياسة الاستقلال الطبقي، بالأفعال وليس بالكلمات فقط) إنهم يضيعون وقتهم. عليهم إما تحقيق التأميم الكامل تحت رقابة العمال وإدارتهم أو الابتعاد عن حركة المصانع المحتلة. لكن إذا لم تكن “اشتراكية نقية” فإننا لن نلوث أيدينا بها.
تمثل هذه حقا عينة نموذجية لطريقة التفكير العصبوي. تستحق أن توضع في علبة زجاجية في بعض المتاحف وتحفظ للأجيال القادمة – إلى جانب بقايا العصبويين أنفسهم. وهكذا سيكون من الممكن للأجيال القادمة، التي ستكون تعيش بالفعل في ظل الاشتراكية، أن تدرسها وتتعجب من أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهد في الواقع أناسا يطلقون على أنفسهم اسم ثوار ماركسيين لديهم مثل هذه الآراء. يمكننا أن نتخيل مجموعات من تلاميذ المدارس وهم يفحصون مثل هذه العينات، كما لو كانت حشرات محاصرة في الكهرمان منذ مليون سنة، وهو شيء رائع لكنه عديم الفائدة تماما.
إن رفاق Freteco و ت. م. ث لا يعتمدون على صيغ مجردة تعلموا تكرارها مثل الببغاوات من كتاب طبخ عصبوي. إنهم يتدخلون بنشاط في نضالات الطبقة العاملة الفنزويلية ويشرحون الحاجة إلى التأميم والرقابة العمالية. في بيانها، المعنون بـ “بيان الجبهة الثورية لعمال المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام الإدارة المشتركة” (Manifiesto del Frente Revolucionario de Trabajadores de Empresas Ocupadas y en Cogestión)، تقول Freteco بوضوح:
«تعلن جبهة المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام الإدارة المشتركة أن هدفها الرئيسي هو توسيع عملية المصادرة وتأميم الصناعة الفنزويلية ووضعها تحت رقابة العمال».
لا يمكن أن يكون هناك أي غموض بخصوص الموقف الذي يتبناه الماركسيون الفنزويليون. إنهم يدافعون عن تأميم القطاعات الرئيسية للاقتصاد ووضعها تحت رقابة العمال وإدارتهم. إنهم يشرحون بشكل منهجي ومنسجم أنه ما لم تتبنى الثورة البوليفارية هذه التدابير فلن تكون إلا نصف ثورة، وأن هذا الوضع خطير للغاية لأنه يعني أن الرأسمالية لم تُهزم بشكل حاسم ويمكنها العودة في مرحلة لاحقة وتدمير كل المكاسب التي حققها العمال حتى الآن.
في النقطة 6) من بيانها، تنص Freteco على أن:
«مصالح العمال في المصانع المحتلة والخاضعة للإدارة المشتركة، لا تختلف عن مصالح بقية الطبقة العاملة والشعب الفنزويلي. يجب على الحركة العمالية الفنزويلية أن تكون منظمة بشكل أفضل حتى تتمكن من التقدم نحو الاشتراكية وإضفاء الطابع الاجتماعي على وسائل الإنتاج ووضعها تحت رقابة العمال والمجتمعات، حتى نتمكن جميعا من التخطيط الديمقراطي للاقتصاد الوطني».
أليس هذا واضحا بما فيه الكفاية؟ لا بد أن هذا واضح تماما بالنسبة لأي شخص عادي! لكن ليس لأصدقائنا اللومبرتيين في باريس. إنهم لا يستمعون لأنهم لا يهتمون بما يقوله الآخرون، إنهم عميان تماما بفكرهم المعقد الخاص بهم، والذي يشبه إلى حد كبير تفكير طلاب العصور الوسطى الذين كانوا يتجادلون بلا نهاية حول عدد الملائكة الذين يمكنهم الرقص فوق رأس دبوس، ويمكن أن يثبتوا أن اللون الأبيض أسود أو أحمر أو أي لون آخر. لا يمكن للمرء أن يأمل في كسب جدال مع هؤلاء الناس. إنهم مصممون على “إثبات” أننا رجعيون ويبحثون عن كلمات أو جمل هنا وهناك يمكنهم نسخها ولصقها معا، واقتباسات خارج السياق، على أمل ألا يقرأ أحد النصوص الأصلية.
النقابات
من الطبيعي أن يتبنى اللومبرتيون نفس الأسلوب اللطيف عندما يتعلق الأمر بنقاشهم لموقفنا من الحركة النقابية الفنزويلية. خلال المؤتمر الأخير للاتحاد الوطني للعمال (UNT) ظهر انقسام جدي كنا قد أبلغنا عنه على موقعنا. يحاول اللومبرتيون بطريقة عديمة الضمير تماما، وفي تحد لجميع الحقائق، أن يصورونا وكأننا نقف مع الجناح اليميني للاتحاد الوطني للعمال. ويقومون بذلك مرة أخرى من خلال طريقتهم المعتادة في الاقتباس غير النزيه من بياناتنا، لكنهم يحذفون كل ما يعتبرونه ضارا بصحة القراء. ويقتبسون الجملة التالية بالخط العريض:
«يمكن تحقيق هذه الخطة بشكل مستقل عما إذ تم عقد مؤتمر الاتحاد الوطني للعمال أو ما إذا تم تنظيم الانتخابات (…)».
للتوضيح أولا تشير “الخطة” هنا إلى التدخلات الملموسة في نضالات الطبقة العاملة، واحتلال المصانع، وما إلى ذلك، والنضال من أجل الاشتراكية. لكنهم فوتوا الفقرة التي جاءت بعد هذه الجملة والتي تنص على ما يلي:
«إذا بدأ تيار [14]C-CURA في تطبيق ذلك أينما كان لدينا تواجد، فإن هذا سيسمح لنا بكسب تعاطف القواعد العمالية للاتحاد الوطني للعمال، ونوضح من هو على استعداد للتحرك نحو الاشتراكية ومن ليس كذلك. ستكون هذه أفضل طريقة للتحضير للمؤتمر والانتخابات وتمييز أولئك الذين هم الأكثر ثورية من أولئك الذين ليسوا كذلك».
بعد أن فاتتهم هذه النقطة الأساسية، تاركين الانطباع بأننا لسنا مهتمين على الإطلاق بعقد المؤتمر أو تنظيم الانتخابات الداخلية، يواصلون قائلين:
«وهكذا، وباستعمال بلغة “راديكالية”، يظهر المتحدثون باسم ميليتانت، أمام الجمعية العامة حيث لم يكن هناك نقص في الأصوات الداعية إلى انتخابات فورية داخل الاتحاد الوطني للعمال، كنوع من “الجسر” مع أولئك الذين كانوا في الخارج يقاطعون المؤتمر، بمبرر أنه، في آخر المطاف، سيكون “موعد الانتخابات هذا العام” ثانويا في العلاقة مع “خطة” تم التصويت عليها لإعادة انتخاب شافيز».
إن ما قلناه كان واضحا تماما، كما يبين ذلك الجزء المبتور من الاقتباس. قلنا إنه على الجناح اليساري للاتحاد الوطني للعمال أن يخوض النضال من أجل احتلال المصانع، ويطرح مسألة الحاجة إلى الاشتراكية، الخ. أوضحنا أن امتناع الجناح اليساري للاتحاد الوطني للعمال عن النضال الملموس وتركيز كل شيء على الانتخابات الداخلية فقط كان خطأً. لماذا قلنا هذا؟ إن دور النقابات في الثورة دور حاسم. فبصفتها المنظمات الأساسية للطبقة تعتبر الوسيلة التي يمكن للبروليتاريا من خلالها أن تضع طابعها الحاسم على الثورة، ويجب أن تكون الآلية الرئيسية التي تمكن الطليعة الثورية من أن تقود الطبقة.
لكن لكي تقوم النقابات بهذا الدور يجب عليها أن تتدخل بنشاط في الصراع الطبقي بشكل عام، والحركة من أجل الرقابة العمالية واحتلال المصانع بشكل خاص. بعد الانقسام الذي شهدته النقابة اليمينية القديمة، كنفدرالية عمال فنزويلا (CTV)، أعاد إنشاء الاتحاد الوطني للعمال الأمل لملايين العمال في فنزويلا. لكن لسوء الحظ علينا أن نعترف بأن هذه الآمال قد أحبطت حتى الآن. عندما أصدر تشافيز قائمة بمئات المصانع التي كانت إما مغلقة أو مهددة بالإغلاق، وأطلق شعار “fabrica cerrada, fabrica tomada” [مصنع مغلق، مصنع محتل]، ما الذي كان يتعين على الاتحاد الوطني للعمال القيام به؟ من وجهة نظرنا كان يجب أن تصدر تعليمات على الفور لكل منطقة لوضع خطة ملموسة لاحتلال المصانع. هل تم ذلك؟ كلا لم يتم ذلك، وضاعت فرصة ذهبية.
من وجهة نظرنا، ارتكب الجناح اليساري المتحلق حول أورلاندو تشيرينوس، الذي كان يسيطر على الاتحاد الوطني للعمال، خطأ فادحا. لقد ضيعوا الكثير من وقتهم في الجدل البيروقراطي مع التيارات الأخرى داخل الاتحاد، على حساب التدخل النشط في الصراع الطبقي. وهذه مسألة خطيرة للغاية لأنها تقوض ثقة الجماهير العاملة في الحركة النقابية. وعلى عكس أكاذيب اللومبرتيين نحن ندعم الجناح اليساري للاتحاد الوطني للعمال ضد الجناح اليميني. لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نتخذ موقفا غير نقدي تجاه يسار الاتحاد الوطني للعمال، الذين يجب أن يتحملوا قدرا كبيرا من المسؤولية عن إخفاقات الاتحاد الوطني للعمال في الفترة الأخيرة. وقد شجعت هذه الإخفاقات الجناح اليميني للاتحاد الوطني للعمال على الانتقال إلى الهجوم، مما أدى إلى انقسام مدمر للغاية في المؤتمر.
لقد حاولنا إعطاء النقاش منظورا صحيحا من خلال توضيح أن الانخراط في النضالات الملموسة سيضع اليسار في وضع أفضل سواء في مؤتمر الاتحاد الوطني للعمال أو الانتخابات الداخلية وسيوضح من يدافع عن الاشتراكية ومن ليس كذلك. من شأن ذلك أن يكشف الجناح اليميني على حقيقته. أما التركيز فقط على مسألة الانتخابات الداخلية فسوف يلعب لصالح الجناح اليميني، وهو ما حدث بالفعل لاحقا. أوضحنا أنه إذا تبنى اليسار موقفنا فإن الانتخابات الداخلية ستكون حول مسألة الصراع الملموس من أجل الاشتراكية بدلا من دعم أو عدم دعم تشافيز. وكان هذا هو الموقف الصحيح الوحيد.
هناك العديد من التشويهات الأخرى حول عمل رفاقنا في فنزويلا، لكن القارئ قد سئم بالفعل من هذه القائمة الرتيبة من القمامة. دعونا نضيف فقط أن الادعاء بأننا ندعو إلى تحويل المصانع المحتلة إلى تعاونيات هو مجرد كذبة لومبرتية أخرى. من المحتمل أنهم بنوا موقفهم ذاك على مطلب واحد أثير في مقالة “نجاح مسيرة الجبهة الثورية لعمال المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام الإدارة المشتركة” (Éxito de la marcha del Frente Revolucionario de Trabajadores de Empresas en Cogestión y Ocupadas)، حيث نجد:
«من أجل مصادرة مستودعات ألفا كوارتز في تشارالاف ووضعها تحت رقابة عمال التعاونيات».
كان هذا المطلب لتلبية احتياجات العمال في التعاونيات الذين لم يكن لديهم جهاز للعمل من خلاله. لم نقم قط برفع مطلب تحويل المصانع المحتلة إلى تعاونيات، بل إننا في الواقع جادلنا بشكل منهجي ضد ذلك. ويمكن لأي شخص يريد قراءة القائمة الكاملة للمطالب العثور عليها في مقال “مسيرة الجبهة الثورية لعمال المصانع المحتلة والموضوعة تحت نظام الإدارة المشتركة” (Marcha del Frente Revolucionario de Trabajadores de Empresas en Cogestión y Tomadas).
خاتمة
يجب أن نعتذر لقرائنا عن العدد الكبير من الاقتباسات التي قدمناها من أجل إظهار حجم التزوير الذي قام به اللومبرتيون وخداعهم المخزي. ونؤكد للقارئ أنه، مهما كان مملا بالنسبة لك قراءة قائمة الأكاذيب والتحريفات والتشويهات تلك، فقد كان الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لنا أن نكتب حولها: وهي تجربة تشبه الزحف في مجاري المياه المستعملة. إلا أننا نأمل أن نكون قد تمكنا في نهاية المطاف من أن وضع النقاط على الحروف.
لقد حاولوا إثبات أننا نؤيد بلير والاتحاد الأوروبي واتفاقية ماستريخت وبرودي في إيطاليا وعددا كبيرا من الجرائم ضد الطبقة العاملة. في الواقع من الصعب أن تجد جريمة لم نرتكبها – في الخيال المريض لأصدقائنا في باريس. وإذا كان أي من تلك الادعاءات صحيح فنحن مستعدون لكي ندان أمام عمال العالم. لكن لا يمكن لأي شخص جدي أن يقتنع بتلك التشويهات الفجة والغبية. إنهم يذكروننا بكلام الأمير هال، عندما يصف أكاذيب السكير العجوز الكاذب، فولستاف:
«هذه الأكاذيب مثل الأب الذي يلدها، إنها ضخمة كالجبل وواضحة ومفضوحة»[4].
الفرق الوحيد هو أن أكاذيب السير جون فولستاف كانت على الأقل مصدرا للتسلية. لقد ضحكنا أيضا على هذا الهراء الذي يصدر عن دار نشر La Vérité في باريس، لكن هناك جانب في كل ذلك لا يسعدنا على الإطلاق. يدعي اللومبرتيون أنهم تروتسكيون. لكن ليون تروتسكي قضى سنوات عديدة في النضال ضد مدرسة ستالين للتزوير. وعندما كان تروتسكي على قيد الحياة، كانت التروتسكية راية نظيفة وكان يحترمها الكثير من العمال النشيطين سياسيا. لكن بعد وفاته، كما أوضحنا سابقا، نجح من يسمون بقادة الأممية الرابعة في تشويه سمعة التروتسكية في كل مكان.
كلهم مسؤولون عن ذلك: بابلو وماندل وهيلي وكانون ولومبرت. وهذا الأخير ما زال يعمل على أساس أفكار زينوفييف وأساليبه التنظيمية الخاطئة، التي تعلمها في مدرسة بابلو. هذه الحقيقة لن تغيرها كل صيحاته وصراخه حول “البابلوية”. وإذا أنكر ذلك عليه أن يفتح الأرشيفات وينشر اليوم ما كتبه في الفترة من 1945 إلى 1953.
التيار الوحيد، من بين جميع تيارات الأممية الرابعة، الذي يمكنه أن يرفع رأسه اليوم بفخر هو التيار الذي أسسه المنظر الماركسي العظيم والتلميذ المخلص لتروتسكي، الرفيق تيد غرانت، الذي وحده من حافظ على التراث الإيديولوجي والتنظيمي الحقيقي لتروتسكي. وأفكار تيد غرانت يمثلها اليوم التيار الماركسي الأممي، الذي يقوم الآن بعمل ثوري في حوالي أربعين بلدا في جميع القارات.
طيلة عقود من الزمان حاولت العصب المنحطة التي نشأت عن تفكك الأممية الرابعة تجاهل هذا التيار، لكن ذلك أصبح الآن مستحيلا. إن نجاحاتنا عديدة للغاية ومذهلة بحيث لا يمكن تجاهلها. موقع Marxist.com هو الآن الموقع الماركسي الأكثر تأثيرا في العالم، ويمثل تيارا أمميا منظما. إن النجاحات الرائعة لفروعنا في باكستان وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وفنزويلا والمكسيك معروفة للجميع. في حين أن العصب التي تدعي كذبا نسبتها إلى التروتسكية، والبالغ عددها 57 عصبة، تعيش في معظمها، إن لم نقل كلها، في أزمة وتتشظى إلى أجزاء. وكما اعتاد تيد غرانت أن يقول: «هؤلاء الناس غير محظوظين في الاندماجات ومحظوظين في الانشقاقات».
كان رد الفعل متوقعا. لقد بدأ خصومنا في مهاجمتنا من جميع الجهات. فكل يوم تقريبا يصدر “نقد” للتيار الماركسي الأممي على هذا الموقع العصبوي أو ذاك. ليست هجمات La Vérité متميزة إلا بدرجة السم الذي تنفثه وخشونة الافتراءات. لكنها مثل صراخ قطيع من القطط التي تزعج أحيانا نوم الناس: تكون مزعجة قليلا، لكنها أبعد من أن تؤخذ على محمل الجد. إنها، بطريقة ما، نوع من الاعتراف المتأخر بإنجازاتنا، إنها اعتراف متردد حيث يتم خلط الحقد العلني بالحسد السري. لكن وكما يقول المثل العربي: “القافلة تسير والكلاب تنبح“.
نحن بالطبع لا نتأثر نهائيا بهذا النباح والهجمات. إن الادعاءات السخيفة التي يدلي بها الأعداء الخبيثون كاذبة ويمكن كشفها بسهولة. وعلى أية حال فإننا غير مهتمين بما تقوله أو تفكر فيه أو تفعله العصب التي تتشاجر وتعبث على هامش الحركة العمالية. إنهم على هامش التاريخ، مدانون بعدم قدرتهم على الدفاع عن النظرية الماركسية أو إيجاد طريق نحو الطبقة العاملة. نحن لا نكتب لهم، بل نكتب لأصدقائنا الكثيرين في جميع أنحاء العالم: للعمال والاشتراكيين والشيوعيين والشباب الثوريين الذين يبحثون عن بديل ثوري جدي وعن أممية ماركسية حقيقية.
لهؤلاء نقول: إذا كنتم ترغبون في الدفاع عن موقف طبقي واضح وموقف ثوري داخل الحركة العمالية الأممية، فإنه عليكم الانضمام إلى التيار الماركسي الأممي. إننا نتبنى التقاليد الحقيقية للحركة العمالية: أفكار ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي، برنامج الأممية البروليتارية وتقاليد الديمقراطية الداخلية البلشفية، لأنه بدون ديمقراطية حزبية داخلية لينينية حقيقية، سيكون بناء الحزب الثوري مهمة مستحيلة.
يمكن لأي شخص أن يختلف مع ما ندافع عنه حقا وأن يقول ذلك علنا وبأي وسيلة يريد. إن الجدال والمناقشات هي شريان الحياة بالنسبة للحركة الثورية. لكن الشرط المسبق للمناقشة الجادة هو أنه يجب عدم تحريف الأفكار أو تزويرها. إن أي تيار غير قادر عن تقديم أفكار معارضيه بطريقة صادقة، هو تيار لن يبني أبدا تنظيما جديا ولو بعد ألف عام.
إننا ندعو جميع هؤلاء العمال والشباب في جميع أنحاء العالم الذين يبحثون عن تيار ماركسي ثوري حقيقي إلى الاتصال بنا ومساعدتنا في بناء قوة متجذرة في صفوف الطبقة العاملة في جميع البلدان.
ملحق: أسباب انهيار الأممية الرابعة
فريد ويستون
26 أكتوبر 2004
في عام 1946، كان قادة الأممية الرابعة يتنبأون بحدوث اضطرابات ثورية وشيكة، في حين كانت الرأسمالية في الواقع تدخل أكبر مرحلة ازدهار في تاريخها. حاولت قيادة التروتسكيين البريطانيين، ولا سيما تيد غرانت، إقناع الأممية بأن وجهة نظرهم خاطئة. وقد أثبت التاريخ أن تيد غرانت كان على حق. لا أحد يستطيع أن يشك في ذلك، ونحن فخورون بمواصلة التقليد الذي وضعه للتحليل الجاد والدقيق للسيرورات الحقيقية الجارية في المجتمع.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وجدت قيادة ما كان يسمى آنذاك بالأممية الرابعة نفسها فاقدة كليا للاتجاه. إذ لم يكونوا قادرين على استيعاب ما يحدث حولهم، مما شكل بداية النهاية للمنظمة.
إلا أنه قبل التطرق لتحليل مختصر للأسباب التي جعلت الأممية تنهار، من المفيد الإشارة إلى بعض أهم المقتطفات من إحدى الوثائق التي صاغتها قيادة الأممية آنذاك. ويجب علينا أن نتذكر أن ذلك كتب سنة 1946، أي بالضبط عندما كانت الرأسمالية تتأهب للدخول في أكبر مرحلة ازدهار في تاريخها وعندما كان الاتحاد السوفياتي قد خرج من الحرب العالمية الثانية في أوج قوته. نعتقد أنهم كانوا يخاطبون أنفسهم.
«بالرغم من بعض مظاهر الضعف الذي تعانيها الحركة العمالية الثورية، فانه لا يوجد أي سبب يجعلنا نستنتج أننا نواجه مرحلة جديدة من الاستقرار الرأسمالي والتطور.»
«إن استعادة النشاط الاقتصادي في البلدان الرأسمالية التي أضعفتها الحرب، ولاسيما بلدان القارة الأوروبية، سوف يتميز بوتيرة بطيئة بوجه خاص. ستبقى اقتصاديات تلك البلدان في مستويات أقرب إلى الركود والانحسار.»
«في ظل هكذا شروط، يعتبر حدوث تطور طويل وشامل نسبيا ومستقر لقوى الديمقراطية السياسية، مسالة أكثر صعوبة مما مضى. إن التنازلات الديمقراطية القليلة التي قدمتها البرجوازية منذ نهاية الحرب، هي نتيجة، من جهة للضغط الجماهيري ومن جهة أخرى للسياسة التصالحية والاستسلامية التي نهجتها الأحزاب الإصلاحية والستالينية.»
«وما نراه اليوم، هو أزمة ذات بعد عالمي – تتجاوز كل ما شهدناه في الماضي – وتطور موجة ثورية عالمية، ستعرفها مختلف أجزاء العالم بوتائر لا متكافئة، لكنها سوف تمارس تأثيرا متواصلا ومتبادلا من مركز إلى آخر وهكذا ستحدد منظورا ثوريا طويلا.» (التشديد في النص الأصلي).
«يبرهن المجرى الحالي للأحداث، في جميع البلدان، أن الإمكانيات الموضوعية لبناء أحزاب الأممية الرابعة لم تكن أبدا أكثر ملائمة مما هي عليه اليوم، وهي تزيد نضجا باستمرار.»
«إن العامل الأساسي الذي يدفعنا إلى تحضير أنفسنا، بحماس وإيمان، لمهمة بناء أحزاب الأممية الرابعة، هو، في المقام الأول، أننا نمتلك القناعة الراسخة بتوفر إمكانيات عظيمة في هذا المجال.»
«خلف مظاهر القوة التي يتمتع بها الاتحاد السوفياتي، والتي لم يسبق له بلوغها من قبل، تكمن حقيقة أن الاتحاد السوفياتي والبيروقراطية السوفياتية قد دخلا مرحلة حرجة من تطورهما.» (نقلا عن: “السلام الامبريالي الجديد وبناء أحزاب الأممية الرابعة” – توصية مصادق عليها في مداولات الأممية، أبريل 1946.)
فلنقارن ما ذكر أعلاه مع ما كانت تقوله قيادة الحزب الشيوعي الثوري البريطاني (الذي كان تيد غرانت أهم منظريه). إنهم وبالرغم من كونهم لم يكونوا يتوقعون أن يطول الازدهار الاقتصادي، لما بعد الحرب، كل تلك المدة، إلا أنهم تمكنوا من رؤية أن المرحلة التي كانوا يعيشونها، كانت مرحلة انتعاش اقتصادي واستقرار للنظام.
«في مواجهة الإصلاحيين والستالينيين الذين يحاولون تهدئة الجماهير عبر طرحهم لمنظور نهوض جديد للرأسمالية ومستقبل زاهر للديمقراطية، تعتبر التوصية المصادق عليها في مداولات الأممية صحيحة مائة في المائة في تأكيدها على أن الاقتصاد الرأسمالي العالمي قد دخل مرحلة أفول وانحطاط. لكن عندما يتعلق الأمر بتوصية هدفها إعطاء توجيه لكوادرنا حول المنظورات الاقتصادية المباشرة – والتي سينبع عنها الطور الجديد من الصراع الطبقي ومن تم دعايتنا وتكتيكاتنا- فإن هذه المنظورات خاطئة بشكل جلي.» (التشديد في النص الأصلي).
«إن الأزمة الحالية والمستوى المتدني للإنتاجية، ليست أزمة اقتصادية بالمعنى الكلاسيكي الذي يعطيه لها الماركسيون. بل يتعلق الأمر بأزمة “نقص في الإنتاجية” سببها تركيز قوى الإنتاج لصالح الحرب الامبريالية وكذا الدمار الذي سببته تلك الحرب.»
«إن نظرية الانهيار العفوي للرأسمالية بعيدة كليا عن المفهوم البلشفي. لقد أكد لينين وتروتسكي مرارا وتكرارا على أن الرأسمالية سوف تتمكن دائما من إيجاد مخرج لها إذا لم يتم تدميرها عبر التدخل الواعي للحزب الثوري الذي- من موقعه القيادي- يستغل الصعوبات والأزمات التي تعانيها الرأسمالية ليقوم بإسقاطها. إن تجربة الحرب العالمية الثانية تؤكد بعمق صحة مفهوم لينين وتروتسكي هذا.»
«هذا بينما مكّن ضعف أحزاب الأممية الرابعة (التي لا تزال، خلال هذا الطور، عبارة عن عصب صغيرة) الرأسمالية من إيجاد مخرج لها من الانهيار الاقتصادي. ولقد عبّد هذا الواقع الطريق في أوروبا الغربية لحدوث نهوض اقتصادي ثابت وسريع بما يكفي.» ( التشديد في النص الأصلي.)
«إن الأممية الرابعة سوف لن تعمل سوى على ضرب مصداقيتها إذا ما رفضت الاعتراف بالنهوض الاقتصادي الحتمي، وسوف تعمل على تضليل كوادرها وكذا الجماهير الواسعة بتوقعها لركود دائم ووثيرة نمو بطيئة في أوروبا الغربية، بينما تتخذ الأحداث مسارا آخرا.»[1]
ما نراه من خلال المقتطفات أعلاه، هو أن قادة الأممية الرابعة سنة 1946، لم يستوعبوا طريقة ماركس، انجلز، لينين وتروتسكي. إذ أن الماركسية بالنسبة لهؤلاء القادة لم تكن طريقة علمية، بل عقيدة دغمائية تطبق بطريقة فظة. فكل ما كانوا يعملونه هو ترديد منظورات سنة 1938. لقد نسوا واقع أن المنظور لا يمكنه أن يصير خطة عمل. إن كل ما يمكنه فعله هو فقط تحديد الاتجاهات العامة، ويتوجب أحيانا تغييره بشكل جذري تبعا لتغير الأحداث. كل هذا كان بالنسبة لهؤلاء “القادة” كتابا مختوما.
لقد تجاهلوا السيرورات الواقعية وحاولوا ببساطة فرض رغبتهم الذاتية على الواقع. لا بد أنهم، على ما يبدو، اعتقدوا أن أي تسليم منهم بإمكانية حدوث نهوض رأسمالي، سوف يدخل الإحباط إلى صفوفهم. وهو الشيء الذي تمكنوا من تحقيقه في الأخير! إذ أن أخطائهم قادت إلى تدمير الأممية الرابعة التي ناضل تروتسكي بعناء شديد لبنائها.
لقد توقع تروتسكي حدوث موجة ثورية عند نهاية الحرب العالمية الثانية، مشابهة لتلك التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى، وتوقع أن تصبح الأممية الرابعة القوة المهيمنة داخل الحركة العمالية. لقد حدثت بالفعل تلك الموجة الثورية. إلى هنا تأكدت المنظورات. الحرب الأهلية في اليونان، حركة المقاومة والإضرابات في كل من إيطاليا وفرنسا قبيل نهاية الحرب ومباشرة بعدها، الثورة الصينية سنة 1949، النضال من أجل الاستقلال في كل العالم المستعمر، الانتصار الساحق لحزب العمال البريطاني في انتخابات 1945،الخ. كل هذا أكد أن توقعات تروتسكي كانت صحيحة.
لكن المشكل هو أن قوى الأممية الرابعة كانت أضعف من أن تتمكن من لعب دور رئيسي في هذه الأحداث. عندما يكون الحزب الثوري ضعيفا جدا، وعندما لا يكون في المكان المناسب في الوقت المناسب، يمكن للفترة الثورية أن تمر وتضيع الفرصة. والنتيجة كانت هزيمة تاريخية كبرى للعديد من الحركات الثورية التي ظهرت مع نهاية الحرب العالمية II. وعندما حدثت انتصارات، كما كان الشأن في الصين، فإنها اتخذت شكل الستالينية، أي دولة عمالية مشوهة على نموذج الاتحاد السوفياتي. لم تكن تلك الثورات بقيادة الطبقة العاملة، لكنها بالرغم من ذلك زادت من قوة الستالينية. إن هذه الأخيرة وبدل أن تواجه أزمات فورية، كما كان قادة الأممية يتوقعون، صارت أكثر قوة مما كانت عليه في السابق. لقد كانت الستالينية تتقوى في الغرب كذلك، حيث كانت روسيا تبدو في نظر العديد من العمال وكأنها “تنشر الثورة”.
إلى هذه المرحلة تعود أصول القطيعة والانشقاق الذي عرفته الحركة التروتسكية. إذ أن قيادة الأممية الرابعة آنذاك كانت عاجزة تماما عن فهم ما يجري. فإذا ما قرأت كتابات قادة من أمثال جيمس كانون (قائد حزب العمال الاشتراكي الأمريكي آنذاك) خلال أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات، سوف لن تجد سوى منظورات خاطئة تماما. لقد كان منظوره مبنيا على إمكانية حدوث أزمات فورية للرأسمالية وهكذا استخلص إمكانية حدوث تطورات ثورية على المدى القريب. هذا إلى درجة أنه أنكر أن الحرب العالمية الثانية قد انتهت!
سنة 1946، عقدت الأممية الرابعة “المؤتمر الأممي”. وقد أسهم إرنست ماندل وآخرين في صياغة ذلك البيان الذي كان يتناقض كليا مع الواقع. لقد طورت قيادة الأممية آنذاك نظرية تقول باستحالة حدوث أي ازدهار اقتصادي، وهو الشيء الذي تأكد خطئه كليا. إن الطبقة العاملة انهزمت بسبب نظريات القادة الستالينيين والإصلاحيين، بينما كانت الأممية الرابعة أضعف من أن توقف ذلك.
لقد كانت هزيمة الطبقة العاملة، بعد الحرب، الشرط السياسي المسبق الحاسم لحدوث انعطافة في الاقتصاد. الولايات المتحدة خرجت قوية جدا من الحرب. لقد كانت القوة الرأسمالية العظمى الأهم التي حققت أكبر الأرباح من الإنتاج الحربي. وخوفا من حدوث الثورة في أوروبا، عملت الولايات المتحدة على ضخ مبالغ هائلة من الأموال في خزائن البلدان الأوروبية كألمانيا، إيطاليا، فرنسا، الخ، لإعادة إحياء اقتصادياتها (مخطط مارشال الشهير).
كان الدمار الذي سببته الحرب يعني ضرورة برنامج ضخم لإعادة الإعمار. كل هذا وضع الأسس لحدوث أكبر ازدهار اقتصادي عرفته الرأسمالية في تاريخها.
لقد كانت قيادة الأممية الرابعة عاجزة عن التكيف مع هذه التطورات الجديدة. إنهم لم يفهموا ضرورة القيام بمراجعة للوضعية. إنهم كانوا في الواقع يعتقدون أنه في إمكانهم الحفاظ على وحدة صفوفهم فقط عبر الوعد بأن الثورة توجد “على مرمى حجر”. إن سياسة كهذه لم يكن بإمكانها سوى أن تشق صفوف الأممية وهذا بالضبط ما حصل.
كما سبق للينين أن شرح، إذا لم تعمل على تصحيح أخطائك، فإنك سوف تظل تتخبط في خطأ تلو الآخر. والنتيجة النهائية هي العصبوية. إن من كانوا يسمون أنفسهم بـ”قادة” الأممية الرابعة، وبسبب عدم فهمهم لأخطائهم خلال سنوات الأربعينات، واصلوا السير في طريق انحطاطهم عبر تبني كل أنواع النظريات الغريبة. فمن نظرية تقول بالثورة فورا، إلى أخرى تقول بـ”تبرجز” الطبقة العاملة الأوروبية – وهو ما شكل انعطافة بـ 180 درجة! وعلى سبيل المثال، أعلن إرنست ماندل في أحد اللقاءات في لندن (شهر أبريل 1968) أنه لن يكون هنالك أي تحرك للطبقة العاملة الأوروبية طيلة ما لا يقل عن عشرين سنة. لقد أعلن هذا بالضبط عشية نهوض الحركة العمالية الفرنسية خلال شهر ماي1968! إنهم لم يكونوا قادرين على رؤية الواقع سنة 1946 ولم يتمكنوا من رؤيته في 1968 أيضا.
لقد استوعبت قيادة الفرع البريطاني للأممية الرابعة (الحزب الشيوعي الثوري) التحولات التي كانت تحدث وعملت على تطوير منظورات مغايرة. لقد كان تيد غرانت هو المنظر البارز في ح ش ث. وهو لا يزال نشيطا لحدود اللحظة، كعضو في هيئة تحرير (Socialist Apeal). إذا دخلتم إلى موقعنا على الانترنيت سوف تجدون فيه كتابا بعنوان (The unbroken thread) الذي يضم مختارات من كتابات تيد غرانت منذ سنة 1938 إلى سنة 1983. كما يمكنكم أن تطلعوا على كتاباته على موقع: www.tedgrant.org. ومن بين تلك الكتابات سوف تجدون مقالا تحت عنوان: “منظورات اقتصادية لسنة 1946” والذي يشكل دراسة للازدهار الاقتصادي الذي كان يحدث، والذي يشكل تقييما أكثر صحة لتطور الأحداث آنذاك. وتضمنت هذه الوثيقة نفس التحاليل التي احتوتها التعديلات التي اقترحها الح ش ث لمنظورات الأممية الرابعة سنة 1946.
وكما توضح المقتطفات التي سردناها أعلاه، فإن قادة الأممية الرابعة كانوا مخطئين أيضا فيما يخص المسألة الروسية. إذ بدل الأزمة التي توقعوها، تمكنت روسيا الستالينية من ترسيخ وتوسيع أسس قوتها. كما أخطئوا أيضا في مسألة الصين، حيث كانوا يقولون أن ماو سوف يصل إلى اتفاق مع شانغ كاي تشيك وسوف يخون الثورة. بينما تعكس كتابات تيد غرانت حول الصين (أنظر: The Chinese Revolution، يناير1949 ) فهما أكثر دقة لما كان يجري آنذاك.
وقد واصلت قيادة الأممية تخبطها، بارتكابها سلسلة من الأخطاء فيما يتعلق بما كان يحدث في أوروبا الشرقية، حيث رفضوا، في البداية، الاعتراف بأن الأنظمة التي قامت في أوروبا الشرقية هي أنظمة على شاكلة روسيا السوفياتية، ليقفزوا فيما بعد إلى الجهة المقابلة (دون أن يشرحوا السبب) حتى أنهم أعلنوا بعض تلك البلدان (الصين، يوغسلافيا، الخ.) دولا “عمالية سليمة”، ليتخلوا عن هذا التحديد فيما بعد بمجرد ما تبين أنه من الصعب الدفاع عنه.
كل هذا كاف جدا لإعطاء الدليل على أن ماندل، كانون وشركائهما، قد فقدوا الاتجاه، منذ الحرب العالمية، مما قادهم إلى الابتعاد عن القيام بتحليل ماركسي حقيقي. وقد قاد هذا الأممية إلى حدوث انشقاق تلو الآخر ومن ثم إلى التدمير الكلي للمنظمة. لقد حاول التروتسكيون البريطانيون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغرق، لكن قواهم كانت ضعيفة. لقد مرت عدة عقود قبل أن يصبح من الممكن الحديث عن استعادة الحركة لنشاطها. لكن هذه قصة أخرى تطرقنا إليها في نقاش آخر.
من الضروري على عمال وشباب اليوم، الباحثين عن بديل ثوري للمأزق الذي يعيشه المجتمع الرأسمالي، أن يعملوا على دراسة الوثيقتين معا لكونهما مليئتين بالدروس. عليهم أن يقارنوا بين الطريقتين المختلفتين المستعملتين في كلتا الوثيقتين ومن ثم الحكم بأنفسهم.
عندما تتم خيانة الطموح الثوري للجماهير – بينما شروط إنجاز التغيير الثوري ناضجة – وتتعرض الطبقة العاملة لهزائم ساحقة، نجد أنفسنا أمام سيرورة تاريخية متشابهة. حيث لا تبقى سوى الشريحة المتقدمة من الطبقة العاملة محافظة على نشاطها، وغالبا ما تميل هذه الشريحة إلى أن تكون العناصر الأكثر ولاءً للبيروقراطية الحزبية والنقابية. يستخلصون النتائج الخاطئة من دروس الهزائم ويصيرون عائقا إضافيا أمام العمال والشباب. أثناء أوضاع كهذه يصبح الدفاع عن الأفكار الماركسية مسألة أكثر صعوبة ويجد الماركسيون أنفسهم أكثر عزلة.
خلال مثل هذه الشروط بالذات يصير من الممكن للتيارات العصبوية اليسراوية المتطرفة (مثلها مثل التيارات الإصلاحية) أن تزدهر وتنمو. لقد ظهر التيار الفوضوي كقوة في صفوف الأممية الأولى نتيجة لهزيمة كمونة باريس. إن الميل اليسراوي المتطرف لقادة الأممية الرابعة يمكن تفسيره، هو أيضا، بنفس الطريقة – يمكن تفسيره بالهزيمة التي تعرضت لها الحركة الثورية ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إدا لم نتمكن من فهم كيفية تحرك الطبقة العاملة، من الممكن أن نستخلص النتائج الخاطئة من أوضاع مشابهة. عندما تتعرض الحركة لمرحلة جزر تتقوى بيروقراطية النقابات والأحزاب العمالية الجماهيرية. يواصل بعض العمال الأكثر طليعية نضالهم ضد البيروقراطية، لكنهم لا يجدون أي صدى لنضالهم بين صفوف القواعد. ومن ثم يستخلصون أن هذه المنظمات قد صارت متبقرطة إلى درجة أنه من المستحيل مواصلة النضال في صفوفها، فينتهون بمغادرتها، ليعملوا على خلق نقابات أو أحزاب جديدة بهدف تمكين الطبقة العاملة من بديل لتلك المنظمات المبقرطة. لكنهم، مع الأسف، يجدون أن الأمور خارج المنظمات الرسمية ليست بالسهولة التي كانوا يتوقعونها. ذلك لأنه ليس هنالك من طريق مختصر ولا وصفة سحرية لحل المشاكل. إذ عندما تكون الحركة في مرحلة جزر، نتيجة لهزائم سابقة، لا يمكنك أن تحل المسألة بمجرد إعلان شعار حزب ثوري “مستقل”، أو تجاهل الحقائق والإدعاء بأن الثورة موجودة على مرمى حجر. إن لحركة الطبقة العاملة منطقها الخاص، ولها توقيتها الخاص. ولا يمكنك أن تجبرها – قبل الأوان – على أن تتحرك بسرعة.
يتوجب علينا أن نتعلم من هذه الخبرة التاريخية وأن نطور منظورا للمستقبل. لقد كان انهيار الأممية الرابعة، في جزء منه، نتاجا للشروط الموضوعية. لكن يتوجب علينا أن نتذكر أيضا أن قادة الحزب الشيوعي الثوري البريطاني لم يتعرضوا لنفس المصير. لماذا؟ إن الجواب يكمن في أنهم كانوا مستوعبين لجوهر الماركسية، كانوا مستوعبين لطريقة ماركس، انجلز، لينين وتروتسكي. لم تكن الماركسية بالنسبة لهم مثل كرة المشعوذين البلورية، بل طريقة علمية، كانت مرشد عمل.
لقد صار عمال وشباب اليوم مجبرين، بسبب أزمة العالم الرأسمالي، على الانتقال أكثر فأكثر إلى الهجوم. أمامنا اليوم فرصة تاريخية لمواصلة النضال الذي خاضه القادة الماركسيون العظماء في الماضي ومن ثم حسمه نهائيا.
هيئة تحرير موقع الدفاع عن الماركسية
26 أكتوبر 2006
هوامش:
[1] “A propos de la politique du courant Grant-Woods”
[2] The New Imperialist Peace and the Building of the Parties of the Fourth International – April 1946
[3] The First Five Years of the Communist International, vol. 2, p. 74
[4] ibid., pp. 83-4
[6] Speech On Affiliation To The British Labour Party, August 6., The Second Congress Of The Communist International, July 19-August 7, 1920
[7] “This first parliamentary defeat for Blair may prove to be the penultimate nail in his coffin. When will he go? That question cannot be answered with any certainty. Not a day too soon obviously.”
[8] المقصود اتفاقية ماستريخت، وهي اتفاقية وقعت في ماستريخت الهولندية، دجنبر 1991، تأسس بموجبها الاتحاد الأوربي، دخلت حيز التطبيق في فبراير 1992. المترجم.
[9] لمزيد من المعلومات بخصوص هذه النقطة، انظروا الفصل الخاص بفرنسا أدناه.
[10] V.I. Lenin, Collected Works, Vol. 13, pp. 372-75.
[11] الاسم الذي يطلقه اللومبرتيون على أنفسهم في فرنسا
[12] : ملاحظة: يواصلون إطلاق اسم تيار ميليتانت على التيار الماركسي الأممي، رغم أن ميليتانت لم يعد موجودا منذ عدة سنوات.
[13] Freteco: Frente Revolucionario de Trabajadores de Empresas en Cogestion y Ocupadas.
[14]: التيار الطبقي الوحدوي الثوري، الجناح اليساري داخل الاتحاد الوطني للعمال. المترجم.
[15] Shakespeare, Henry IV, Part one, Act II, Scene iv.
المقال الأصلي على موقع الدفاع عن الماركسية:
What the International Marxist Tendency really stands for – Reply to the Lambertists
انا اشد المعجبين في فكرة التيار الماركسي الاممي انها شعلة فكرية ونضرية لبناء تيار فكري نظري وعامود فقري للطبقة العاملة والكادحين في عموم العالم حيث اصبح لايطاق من الاستغلال والنهب والانتهاكات بحق البشرية وتفسخ نظام رأس المال الذي اصبح يتحكم في كل شيء نشد على ايدكم
حسام كريم من العراق