الرئيسية / دول العالم / أمريكا / فنزويلا / موضوعات حول الثورة والثورة المضادة في فنزويلا

موضوعات حول الثورة والثورة المضادة في فنزويلا

  1. تقف الثورة الفنزويلية في ملتقى الطرق. فالثورة التي هزمت الثورة المضادة خلال مناسبتين اثنتين، تواجه الآن هجوما شرسا جديدا. هذا يعني أن قوى الثورة المضادة لم يستسلموا للهزيمة. إنهم يشعرون بالحقد، وحقدهم هذا يجعلهم أكثر إصرارا وعنفا. إنهم يزاوجون في صراعهم بين استعمال الوسائل الشرعية والنصف الشرعية (من قبيل حملة “الاستفتاء”) وبين التحضير للعمل المسلح. ليست الوسائل الشرعية سوى لغرض الدعاية والاستهلاك الخارجي وهي ثانوية من حيث الأهمية، بينما العمل المسلح هو ما يشكل جوهر استراتيجيتهم. وتنضاف إليه عمليات التخريب الاقتصادي وعرقلة توزيع الغذاء وسلسلة من عمليات الشغب.

  2.   إن اعتقال قوات شبه عسكرية كولومبية في فنزويلا يعطي الدليل على وجود مؤامرة محكمة التدبير هدفها إسقاط الحكومة واغتيال تشافيز. ومن تم فإن الخطر الذي يتهدد الثورة حقيقي جدا. إن الوقت قد حان إذن لكي يتم استخلاص جميع الدروس الضرورية، واتخاذ جميع الخطوات لتوجيه ضربة قاسية للثورة المضادة.

  3.   يعيش المجتمع الفنزويلي حالة استقطاب قوية بين أنصار الثورة البوليفارية وأعدائها، بين اليسار واليمين. فعلى اليسار يقف العمال الفنزويليون وصغار الفلاحين والفقراء، الذين يناضلون للدفاع عن الثورة ودفعها إلى الأمام. أما على اليمين فيقف الرجعيون الفنزويليون، بقيادة أصحاب الأبناك والملاكين العقاريين والرأسماليين، والذين نجحوا في جر جزء كبير من الطبقة الوسطى ورائهم. إن الهوة بين هذين المعسكرين المتناقضين شاسعة، لا يمكن الوصل بين طرفيها وجميع المحاولات للتوفيق غير مجدية.

  4.   تواصل الإمبريالية الأمريكية تشجيع قوى الثورة المضادة ودعمهم وتمويلهم، على أمل أن يقوموا بالمهمة القذرة نيابة عنها. لكنها توصلت، عن حق، إلى خلاصة أن المعارضة أضعف من أن تنجح في مهمتها اعتمادا على قواها الخاصة. لهذا بدأت واشنطن تجهز لحملتها الرهيبة، مستعملة قوات شبه عسكرية كولومبية، تعمل بتنسيق مع قوى الثورة المضادة الداخلية. الشيء الذي يعتبر إعلانا للحرب.

  5.   إن عاجلا أو آجلا سوف تحل القضية بانتصار حاسم يحققه هذا الطرف أو ذاك. فالثورة لم تصل بعد مرحلة اللاعودة. وجميع المكاسب التي حققتها الجماهير في ظل حكومة تشافيز يمكنها أن تتعرض للتصفية ويمكن أن يطوح بالحركة بعيدا إلى الوراء. هذا هو ما تصارع قوى الثورة المضادة لتحقيقه، بينما يصارع العمال لهزمهم. لحد الآن لم يتم حل مسألة السلطة بعد. وفي المستقبل الغير بعيد سوف يصبح من اللازم خوض المعركة الحاسمة وكسبها.

  6.   ممن تتكون قوى الثورة المضادة؟ إنها تتكون من نفس البرجوازيين الذين حكموا فنزويلا لعقود من الزمان، نفس الذين نهبوا البلد وخربوه، بينما يملؤون جيوبهم وأرصدتهم بالثروة التي يخلقها الشعب العامل. إنهم العملاء المحليون للإمبريالية الأمريكية. إنهم نفس هؤلاء السياسيين والبيروقراطيين المتعفنين المرتشين الذين انتفض ضدهم هوغو تشافيز معبرا عن رغبة الشعب الفنزويلي.

  7.   إن برنامج الثورة المضادة هو خليط من الكذب والتدليس والنفاق، إنهم يدّعون الدفاع عن “الديموقراطية”، لكنهم يتغاضون عن حقيقة انتصار تشافيز بأغلبية ساحقة في جميع الانتخابات. إنهم يدّعون الدفاع عن سيادة القانون، لكنهم يعملون بشكل دائم على خرق القانون – إلى درجة تنظيم انقلاب لإسقاط الحكومة المنتخبة ديموقراطيا. إنهم يدعون الدفاع عن النظام، لكنهم يعملون بشكل دائم على خلق الاضطرابات والفوضى، كغطاء لمؤامراتهم المعادية للثورة. إنهم يدعون كونهم وطنيين، لكنهم باعوا وطنهم للإمبريالية الأمريكية وأودعوا ثرواتهم في حسابات بنكية في فلوريدا. وهاهم الآن يدعمون، بشكل نشيط، اجتياح فنزويلا من طرف القوى الأجنبية المعادية لثورة.

  8.   للثورة المضادة في صراعها ضد الثورة امتياز كبير: إنه سيطرتها على مفاتيح الاقتصاد الرئيسية. لقد تمكنت قوى الثورة المضادة، طيلة ما أسمي آنذاك بالإضراب (الذي لم يكن في الحقيقة سوى عمليات إغلاق للمعامل قام بها أرباب العمل)، من إلحاق ضرر عظيم بالاقتصاد. وتقدر مجمل الخسائر بأكثر من سبعة ملايير دولار. إضافة إلى هذا، عمل هؤلاء ” الوطنيون”) كما يسمون أنفسهم(بتهريب ملايير الدولارات نحو مصارف فلوريدا، لضرب اقتصاد فنزويلا المحتاج إلى استثمارات. كما أنهم يعملون- إلى جانب تخريب الاقتصاد على هذا الشكل- بعرقلة عملية توزيع الغداء، (التي يحتكرها ثلاثة أو أربعة من الشركات الاحتكارية الكبرى) بهدف خلق ارتفاع مصطنع للأسعار والتسبب في نقص المواد الغذائية الرئيسية. إنهم يخلقون نزيفا للثروات لكي يسببوا اكبر قدر من التفكك والبطالة والألم. إنهم يفترضون أنهم بهذا سوف يدفعون الجماهير إلى التخلي عن دعمها للثورة. إنهم يرغبون أيضا في خلق الفوضى والاضطرابات، لتهيئة الشروط لانقلاب تقوم به قمة الجيش “لإعادة الاستقرار”.

  9.   إن العامل المحدد في المعادلة هو الطبقة العاملة. وعمال فنزويلا قد بدؤوا يخوضون النضال ضد هجوم أرباب العمل. لقد أخذوا المبادرة، وفي بعض الحالات عملوا على احتلال المعامل المتخلى عنها من طرف أرباب العمل وبدؤوا يطبقون أشكالا من الرقابة العمالية على بعض الشركات، ويؤسسون اتحادات نقابية ديموقراطية، ويجبرون أرباب العمل على دفع الأجور المستحقة والفوائد. يجب أن يتم تشجيع هذه المبادرات وتعميمها. إنها ترينا الطريق الذي يجب إتباعه.

  10.   هناك دور مشئوم، بوجه خاص، يلعبه من يسمون أنفسهم “القادة النقابيين” لكونفدرالية العمال الفنزويليين (“ك.ع.ف.” “C.T.V”). إن هؤلاء العملاء المرتشين والمنحطين، الذين يلعبون دور خدم الرأسمال، قد باعوا أنفسهم، منذ وقت طويل، لأرباب العمل والمخابرات المركزية الأمريكية. لقد تخلوا عن كل حق في اعتبارهم مكونا شرعيا للحركة العمالية، لهذا يجب طردهم خارجها.

  11.   إن بناء الاتحاد الوطني للعمال (“إ.و.ع” “U.N.T”) صارت مهمة عاجلة. ينبغي علينا بناء وتقوية اتحادات نقابية ديموقراطية، وتمكينها من برنامج كفاحي. فلتبنى فدرالية نقابية جماهيرية! ينبغي طرح ملف مطلبي مبني على أساس المطالب الملحة للعمال: النضال ضد إغلاقات المعامل وضد البطالة، الرفع من مستوى المعيشة، الخ.

  12.   لقد أعلن(إ.و.ع.) مؤخرا حملة لتنظيم 80% من العمال في النقابات (وهو الشيء الذي أيده الرئيس تشافيز علنا). إن هذه خطوة في الاتجاه الصحيح. إذ بتنظيمنا للفئات الغير منظمة، سوف تتمكن الثورة من سحب البساط من تحت أرجل البيروقراطية النقابية اليمينية المتعفنة. يتوجب حمل هذه المهمة بحيوية على جميع الأصعدة. وفي نفس الوقت، يجب توجيه دعوة إلى جميع العمال الذين لا يزالون في نقابات منضوية تحت (ك.ع.ف.) أن يناضلوا من اجل دمقرطتها والالتحاق بـ (إ.و.ع.). وفي حالة ما إذا كان هذا مستحيلا، يتوجب بناء اتحادات نقابية ديموقراطية جديدة، لكن دائما بهدف تنظيم جماهير العمال وليس فقط الفئات الطليعية منهم.

  13.   للحيلولة دون وقوع عمليات التخريب وضياع الثروات والفساد، يجب على العمال في القطاع الصناعي، أن يبدؤوا في ممارسة الرقابة على الإنتاج. الموظفون الفاسدون يجب طردهم. يجب إعطاء خيار وحيد للمدراء الذين يقفون إلى جانب قوى الثورة المضادة ويخربون الإنتاج هو: إما التوقف عن مثل هذه النشاطات والعمل في خدمة الشعب، وإما الطرد مع الحرمان من المعاش وجميع الحقوق الأخرى. أما حالات التخريب الخطيرة، فيتوجب أن يعتقل القائمون بها ويرمون في السجن. كما يتوجب تعويض المدراء المرتشين والرجعيين بعناصر من الشعب شريفة ومخلصة لقضية الثورة. إن هذا ممكن فقط إذا ما تم تطبيق الرقابة والتسيير العمالي الديموقراطي بشكل فعلي.

  14.   هل باستطاعة العمال تسيير الصناعة؟ إن هؤلاء المتشائمين الذين كانوا يطرحون هذا السؤال قد أعطيت لهم الإجابة. فقد كان العمال هم من هزم محاولات أرباب العمل لتخريب الاقتصاد، خلال حملة الاغلاقات التي قاموا بها قبل عشرين شهرا. وقد أظهر عمال مصفاة النفط (P.D.V.S.A.) عن قدرتهم على تسيير حتى أكبر الصناعات وأكثرها تعقيدا. وقد قاموا بذلك بقدر كبير من المهارة والكفاءة.

  15.   على كل حال، سوف لن يكون العمال وحدهم. إذ أنهم سوف يعتمدون على مساعدة أغلبية المهندسين الشرفاء والعلماء والتقنيين والمدراء الذين ليسوا مخربين ولا رجعيين، والذين يرغبون بصدق في رؤية بلدهم متطورا ومزدهرا. إن للشعب الفنزويلي احتياطي عظيم من المواهب والطاقات الخلاقة. وسوف يستقطب إلى جانبه أفضل مكونات المجتمع الفنزويلي، بما فيها خلاصة المثقفين. إن طاقات الشعب الخلاقة يتم وئدها في ظل الرأسمالية، ذلك النظام الذي يضع مصالح الأقلية فوق مصالح الأغلبية. نفس الشيء يمكن قوله عن هؤلاء الذين يشغلون مناصب إدارية من مستوى أدنى، الذين لا يمكن لمواهبهم أن توظف بشكل جيد ويتمكنوا من استخدام أحدث التقنيات والطرق للرفع من الإنتاجية في خدمة مصالح الجميع، إلا في ظل اقتصاد اشتراكي مخطط.

  16.   بتطبيق الرقابة العمالية، سوف يصبح من الممكن فضح جميع أشكال الفساد والتبذير والمحسوبية، والأرباح والعلاوات الهائلة التي يحصل عليها أرباب العمل. افتحوا السجلات! افرضوا على جميع الشركات أن تصرح بأرباحها الحقيقية. مكنوا العمال من الحصول على جميع المعلومات حول الأرباح الهائلة والعلاوات وعمليات الخداع والسرقة. إن هذا سوف يمكن من الحد من التبذير إلى درجة كبيرة، وسيوجه تلك الثروات للإنتاج لصالح التطور في فنزويلا. لكن بالرغم من ذلك لا يمكن للرقابة العمالية، في حد ذاتها، أن تحل المشاكل الجوهرية للمجتمع. إنها ليست سوى خطوة انتقالية في اتجاه تأميم وسائل الإنتاج والاقتصاد المخطط.

  17.   إن عناصر الرقابة العمالية موجودة منذ الآن. إذ أن بعض المعامل، التي أغلقها أصحابها، قد تم احتلالها من طرف العمال. وخلال حملة تخريب الصناعة النفطية، التي قام بها الرأسماليون، عمل هوغو تشافيز نفسه على مساندة شعار: “كل مصنع يتم إغلاقه، هو مصنع في ملكية العمال”. إلا أن الحكومة لم تقم باتخاذ إجراءات جدية لحل مشاكل العمال الذين احتلوا المصانع. إن بعض الأمثلة المعزولة لرقابة العمال لا يمكنها أن تنجح إلا بشكل جزئي ومؤقت. إن المطلوب هو مخطط شمولي للإنتاج يعمل على إدماج مختلف قطاعات الاقتصاد وفروع الإنتاج. لكن هذا التخطيط الشمولي وهذا الدمج، يصطدم مباشرة بحدود النظام الرأسمالي الفوضوي (“السوق”). لا يمكن تحقيق أي تطور حقيقي ما لم يتم القضاء على تلك الحدود.

  18.   تتمثل القوة الرئيسية التي تمتلكها الثورة المضادة في ملكيتها لوسائل الإنتاج الرئيسية. وهي تواصل سيطرتها على مفاتيح الاقتصاد التي تستعملها لوضع الحبل حول عنق الشعب الفنزويلي. إن الطريق الوحيد لمنع عمليات تخريب الاقتصاد والحد من التبذير والفساد – التي هي نتائج حتمية للرأسمالية- هي القضاء على السيطرة البرجوازية على الاقتصاد. وما دامت الثورة المضادة مسيطرة على الاقتصاد، ما دامت الثورة تصارع بيد مغلولة وراء ظهرها.

  19.   إن الأرض والأبناك وشركات التامين والصناعات الكبرى، كلها يجب أن تؤمم. يمكن تطبيق هذا عبر قرارات مستعجلة يصدرها البرلمان ويتم دعمها بدعوة، موجهة إلى العمال، لأخذ المبادرة من الأسفل لفرض الرقابة العمالية، للحيلولة دون قيام أرباب العمل بتخريب الاقتصاد وضمان انتقال سلمي وهادئ نحو الاقتصاد المخطط. يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرح هذه الخطوة للشعب عبر استخدام القناة التلفزية ليفضح الأرباح الفاحشة التي يحصل عليها أرباب العمل والتبذير والفساد والمحسوبية ويفضح كذلك التخريب الممنهج الذين يقومون به للاقتصاد.

  20.   إنه وعبر تأميم القطاعات الرئيسية للاقتصاد ووضعها تحت الرقابة والإدارة العمالية، سوف يصير من الممكن تطبيق مخطط حقيقي للإنتاج يوجه جميع ثروات فنزويلا لتلبية حاجيات الشعب: يمكن البدء في برنامج لبناء دور السكن والمدارس والمستشفيات، باستخدام مداخيل النفط العالية لتمويل مخطط استثماري طموح. البطالة سوف يتم الحد منها، وسوف يصبح من حق كل مواطن ومن الواجب عليه أن يشتغل. إن مخططا كهذا يمكنه أن يضمن الرفع الفوري لمستوى عيش الأغلبية الساحقة، إلا أنه غير ممكن إلا على قاعدة اقتصاد مؤمم. لا يمكنك أن تخطط اقتصاد لا تتحكم فيه ولا يمكنك التحكم في اقتصاد لا تملكه.

  21.   إذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة للتحكم في الاقتصاد، سوف يواجه الشعب الفنزويلي في المستقبل فوضى اقتصادية متزايدة، كما سيواجه البطالة والفقر. ولن تكون ثروة فنزويلا الهائلة من النفط كافية لتلافي هذا الوضع. إن أرباب العمل سيستعملون قوتهم الاقتصادية لتخريب وعرقلة تطور البلد. لكن وحتى إذا لم يحدث هذا، فإن محاولة الجمع بين سياسة التأميم وبين اقتصاد السوق، سوف تؤدي إلى حدوث تشوهات وستؤدي، خصوصا، إلى حدوث التضخم الذي سيبتلع كل ما تم تحقيقه وسيؤدي إلى تفكك الاقتصاد. ومن تم، فإن تأميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية، يشكل ضرورة مطلقة وإجراءا عاجلا من إجراءات الدفاع الذاتي التي تتخذها الأغلبية لحماية مصالحها الأشد إلحاحا وحقها الأكثر حيوية: الحق في الحياة.

  22.   يجب أن تكون الخطوة الأولى هي تأميم الأبناك. إن قطاعا هاما من النظام البنكي في فنزويلا يوجد تحت سيطرة مجموعتين بنكيتين إسبانيتين. إضافة إلى هذا فإن قسما كبيرا من جميع الأموال التي تدور في السوق المالية طيلة عام، هو في الواقع ملك للدولة بشكل مباشر، أو ملك لشركات في ملكية الدولة، خاصة شركة (P.D.V.S.A.). إلا أنه وبالرغم من ذلك، تظل السيطرة على هذه الثروات المالية في أيدي الخواص وتستعمل لتمويل الثورة المضادة وعمليات تخريب الاقتصاد. سوف يكون من المستحيل التخطيط للاقتصاد دون تأميم الأبناك. إن السيطرة على نظام القروض يشكل واحدا من الدعامات الأساسية للاقتصاد الحديث، بدونها لن يمكن تحقيق أي شيء. يجب على الدولة أن تعرف كم يوجد هناك من الأموال، ومن أين تأتي وإلى أين ستذهب. إن إجراء حساب دقيق على المستوى الوطني هو الشرط الأولي للاقتصاد المخطط.

  23.   إن تأميم الأبناك سوف يمكن الدولة من ممارسة رقابة حقيقية وليس وهمية على الاقتصاد، كما سيمكنها من ممارسة الرقابة على تدفق الرساميل والاستثمارات في تلك القطاعات التي تخدم مصالح الأغلبية ومعرفة المتطلبات الموضوعية للاقتصاد. إن موظفي الابناك أنفسهم يمكنهم أن يلعبوا دورا محوريا في عملية تأميمها. فهم يعرفون كل شيء عن عمليات الغش والمضاربات. يعرفون كيف توظف قوى الثورة المضادة مبالغ هائلة من الأموال في عمليات تخريب الاقتصاد والمؤامرات. يجب توجيه الدعوة إلى موظفي الأبناك لفرض الرقابة على حركة الرساميل، وضمان تحقيق سيطرة سلسة على الأبناك ومنع حدوث عمليات تخريب.

  24.   إن مكاسب الثورة حقيقية وملموسة. إذ تم اتخاذ إجراءات هامة في خدمة مصالح العمال وصغار الفلاحين والفقراء، ونذكر بالخصوص الإصلاح الزراعي والصحة والتعليم، التي استفادت منها الملايين. لكن جميع هذه المكاسب مهددة. حيث يمكن أن يُقضى عليها، وسوف يُقضى عليها حتما، إذا ما استعادت قوى الثورة المضادة السيطرة. ومن ثم، فلكي يتم ضمان مكاسب الثورة، يجب أن تصبح غير قابلة للتصفية. وهذا يعني ضرورة إجراء تغيير جذري للمجتمع. وهو ما يطرح مسألة السلطة.

  25.   لقد انتهت جميع الثورات في التاريخ إلى الإجابة عن سؤال: من يمتلك السلطة؟ من هو سيد البيت؟ وما دام لم يتم الإجابة عن هذا السؤال، فإن الثورة تكون غير منتهية بعد. وفي فنزويلا عملت الثورة البوليفارية وهوغو تشافيز، منذ البداية، على تحدي الأوليغارشية القديمة، لكن لم يتم إسقاط سلطتها كليا. وقد بدأ نضال ضار لم يتم التقرير، بعد، من الرابح فيه. وعلى نتائج هذا الصراع يتوقف كل شيء.

  26.   في النهاية، يمكن تلخيص مسألة السلطة في شيء واحد: من يتحكم في سلطة الدولة؟ إن هذا السؤال جوهري. إن الدولة تتشكل – في آخر المطاف- من رجال مسلحين (الجيش، البوليس،..الخ) وفي النظام الرأسمالي تتحكم البرجوازية في الدولة وتستعملها لقمع أغلبية المجتمع وضمان سيطرتها وامتيازاتها. إنها لا تسيطر فقط على الجيش والبوليس، بل كذلك على القضاء والبيروقراطية وجميع الفروع الأخرى للسلطة التنفيذية.

  27.   إلا أنه مع ذلك، توجد فترات استثنائية في التاريخ، حيث يصل الصراع الطبقي إلى مأزق تكون الأشياء فيه غير محسومة بشكل واضح. وفنزويلا تمر اليوم من مثل هذا الوضع المعقد. هل الدولة الفنزويلية دولة برجوازية؟ طالما بقيت البرجوازية هي الطبقة السائدة، وطالما بقيت تتحكم في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وطالما لم يقضى بعد على سيطرتها الاقتصادية، ستبقى فنزويلا بلدا رأسماليا ومن تم ستبقى دولتها دولة برجوازية. إن هذا يعني أن الثورة لم يتم إنجازها حتى النهاية، إنها توقفت في منتصف الطريق ومن تم لا زال من الممكن العودة إلى الوراء.

  28.   لا تزال الدولة في فنزويلا دولة برجوازية، لكنها دولة برجوازية بمميزات خاصة. وأخص هذه المميزات هو كون البرجوازية قد فقدت (مؤقتا على الأقل) السيطرة على أجزاء هامة في دولتها. يبدو هذا وكأنه تناقض، لكنه تعبير عن تناقض حقيقي موجود داخل المجتمع. إن فنزويلا منقسمة على نفسها إلى قسمين. والتقاطب الطبقي الحاد يخترق كل شيء – بما في ذلك الدولة- التي هي بدورها انقسمت، حيث انضم قسم من الجيش إلى جانب الثورة البوليفارية. ويضم هذا القسم الأغلبية الساحقة من الجنود العاديين والضباط ذوي الرتب الدنيا، لكن كذلك عددا من الضباط الكبار من أمثال تشافيز نفسه. إن هذا الواقع يخلق مصاعب كبيرة للبرجوازية الفنزويلية، التي لا تتمتع بنفس السيطرة، على الجيش وفئة الضباط، التي تتمتع بها نظيرتها في بريطانيا أو الولايات المتحدة.

  29.   هناك العديد من الضباط الذين يدعمون الثورة بصدق. ومن المفترض أن يكون قد تم تطهير قيادة الجيش من العناصر المعادية بعد فشل انقلاب أبريل 2002. إن الجو السائد في صفوف الجيش هو عموما معاد للثورة المضادة. وسوف يؤدي التهديد الخارجي، الذي تمثله الإمبريالية الأمريكية وكولومبيا، إلى إذكاء الحمية الوطنية لدى الجيش وسيلفهم حول شخص الرئيس. إن قوى الثورة المضادة تجد نفسها – على الأقل حاليا- في وضع صعب. لكن من الصعب تحديد موازين القوى السائدة داخل الجيش بالنسبة للمتتبع من الخارج. فقط الأحداث هي من ستوضح ذلك.

  30.   إن موازين القوى داخل الجيش تتحدد – في آخر المطاف- بموازين القوى بين الطبقات في المجتمع. فكلما تقدمت الثورة ووجهت ضربات حاسمة ضد أعدائها، الداخليين والخارجيين على السواء، وكلما انتفضت الجماهير وبقيت نشيطة، كلما بقي الجناح الثوري داخل الجيش جريئا وقويا. لكن التذبذبات والتراجعات سوف تؤدي إلى إحباط الجناح الثوري وتشجع الرجعيين.

  31.   يستند تشافيز وأنصاره على دعم الجماهير لتوجيه الضربات إلى الأوليغارشية والإمبرياليين. إنهم لم يكونوا، في البداية، يمتلكون منظورا اشتراكيا، بل فقط رغبة في تطوير فنزويلا وتطهيرها من الفساد. لقد كانوا يطمحون إلى بناء مجتمع أكثر عدلا ومساواة، إلا أنهم كانوا يعتقدون أنه بامكانهم تحقيق ذلك دون القضاء على الرأسمالية. لكن مشروعهم جعلهم يدخلون رأسا في مواجهة مع البرجوازية والإمبريالية. فخرجت الجماهير إلى الشوارع وأعطت دينامية مختلفة لتلك السيرورة. لقد شكلت حركة الجماهير حافزا لتشافيز، الذي عمل بدوره على تشجيعها على السير في اتجاه ثوري.

  32.   عندما أسس تشافيز الحركة البوليفارية، إنما كان يطمح إلى تنظيف إسطبلات أوغياس التي كانت عليها الحياة السياسية في فنزويلا. لقد كان هذا هدفا محدودا وجد متواضع، لكنه اصطدم بالمقاومة الشرسة التي أبانت عنها الأوليغارشية الحاكمة وخدامها. مما جعله ينال الحقد الأعمى من جهة الأثرياء والأقوياء، والحب من جهة الجماهير. إن تشافيز أعطى للفقراء والمضطهدين، للمرة الأولى، صوتا وبعض الأمل. وهذا هو السر وراء الإخلاص والولاء الرائعين اللذين أولوهما إياه. لقد أخذ هو بأيديهم وبدؤوا هم يرون فيه أنفسهم.

  33.   وهذا يفسر أيضا الحقد الكبير الذي تظهره الطبقة السائدة نحوه. إنه حقد الأغنياء على الفقراء، حقد المستغِل على المستغل. ووراء هذا الحقد يكمن الخوف، الخوف من فقدان ثرواتهم وسلطتهم وامتيازاتهم. توجد هنا هوة لا يمكن ردمها بالكلمات. إنها الانقسام الطبقي الرئيسي في المجتمع.

  34.   إن الثورة تناضل من أجل الديموقراطية. لكن النضال الحازم من أجل الديموقراطية، سوف يُدخِل الثورة حتما في صراع مع الرساميل المستثمرة من طرف الملاكين العقاريين وأصحاب الأبناك والرأسماليين والإمبرياليين. هذا يعني أنه إذا ما أرادت الديموقراطية الثورية أن تحقق أهدافها، فإنه سوف يكون عليها أن تجهز نفسها للسير أبعد من حدود النظام الرأسمالي. يجب عليها أن تتخذ إجراءات للقضاء على سيطرة الأوليغارشية على الاقتصاد. إن فشل الثورة في القيام بهذا، سوف يعني الهزيمة حتما، سوف يعني انتصار الثورة المضادة والقضاء الكلي على الديموقراطية في فنزويلا.

  35.   بالرغم من كونهم يقسمون بالديموقراطية في كل كلمة يقولونها، فإن الأوليغارشية الفنزويلية والإمبريالية، هم ألذ أعداء الديموقراطية. إنهم يريدون “ديموقراطية” يكون فيها الحق مضمونا للجميع في قول ما يشاء ما دامت الأقلية المالكة هي من يقرر ما يحدث. إن الطبقة الوحيدة المخلصة حقا للديموقراطية هي الطبقة العاملة وحلفاؤها الطبيعيون- أي الفلاحون الفقراء وفقراء المدن-. إن الديموقراطية الحقيقية لا يمكن بناءها إلا عندما يتم تدمير سلطة الأوليغارشية إلى الأبد وتصير السلطة في يد الطبقة العاملة. إنما يجب بناءه ليس الوهم الأجوف للديموقراطية البرجوازية الشكلية، حيث السلطة الحقيقية في يد أصحاب الأبناك والرأسماليين، بل الديموقراطية الحقيقية للعمال، المبنية على أساس تأميم الأرض والأبناك والصناعات الكبرى وعلى أساس التخطيط الديموقراطي للإنتاج.

  36.   يجب أن يكون البرنامج المباشر هو:

    1.   العمل على إدماج الأبناك وتأميمها.

    2.   إدماج شركات التامين وتأميم القطاع المالي.

    3.   إلغاء السر التجاري: افتحوا السجلات!

    4.   الرقابة العمالية على شركة (P.D.V.S.A.) وجميع الشركات الأخرى وتأميم جميع قطاعات الصناعة البيتروكيماوية والغاز والطاقة.

    5.   تنظيم الجماهير في جمعيات المستهلكين وتعاونيات لممارسة الرقابة على الأسعار وتوزيع الغذاء.

    6.   تأميم الأرض ومصادرة الملكيات الكبرى وتشكيل تعاونيات فلاحية لتسيير الزراعة.

    7.   تأميم جميع شركات النقل الكبرى وخلق نظام موحد للنقل.

    8.   احتكار الدولة للتجارة الخارجية.

  37.   إن الإمبريالية الأمريكية تلعب لعبة القط والفأر مع فنزويلا. فبعد أن هُزمت في محاولتين للهجوم المباشر، ها هي تلجأ لطريقة الحصار. إنها تعمل على ممارسة الضغوطات على حكومات أمريكا اللاتينية لمساعدتها على عزل الثورة الفنزويلية، التي تنظر إليها كبؤرة خطيرة تشكل مثالا بالنسبة للجماهير الغاضبة في كل القارة. إنها تهدد بتركيع فنزويلا، عبر فرض عقوبات اقتصادية عليها، في نفس الوقت الذي تهيئ فيه بنشاط لحملة من الإرهاب والتخريب.

  38.   إن واشنطن وخوفا من أن تتدخل مباشرة، تعمل بنشاط على التآمر مع الدوائر الحاكمة في كولومبيا، ليس فقط لعزل فنزويلا والضغط عليها، بل أيضا للتهيئة لتدخل مباشر ضد الثورة فيها. إنها تحيك الدسائس، بشكل مستمر، في منظمة الدول الأمريكية (O.A.S.) للتدخل في شؤون فنزويلا الداخلية. تشبه منظمة الدول الأمريكية ذلك “الجار الصديق” الذي ينصح جاره الذي تعرض للهجوم على بيته من طرف عصابة من اللصوص، بأن يبقى هادئا وألا يصرخ بصوت مرتفع، لأن ذلك سوف يؤدي إلى استفزاز اللصوص ويقلق راحة الجيران. إن شعب فنزويلا بامتلاكه “لأصدقاء” مثل هؤلاء، ليس بحاجة إلى أعداء!

  39.   من الضروري، طبعا، استخدام العمل الدبلوماسي، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتلافي العزلة، وتطوير علاقات صداقة وتجارة، الخ، مع الأرجنتين والبرازيل وطبعا مع كوبا. إلا أنه سوف يكون من قبيل النظرة الضيقة الاعتماد على هذا فقط. إن الحكومات يمكنها أن تتغير ويمكنها أن تخضع لضغوط الإمبريالية. ليس هناك من ضمانة أن لا يحدث هذا مع البرازيل والأرجنتين.

  40.   إن الحلفاء الحقيقيين للشعب الفنزويلي هم – في آخر المطاف- عمال وفلاحوا أمريكا اللاتينية المضطهدون. هم من يمكنه الاعتماد عليهم دائما للدفاع عن الثورة الفنزويلية وليس حكوماتهم. أخيرا إن الدفاع عن الثورة الفنزويلية لا يمر عبر الدبلوماسية، بل عبر نهج سياسة ثورية، أممية، حازمة، هدفها نشر الثورة عبر كل أمريكا اللاتينية وخارجها.

  41.   لقد وقف تشافيز بشجاعة في وجه الإمبريالية. لقد قال: « إذا ما كان هناك أي تدخل إمبريالي في بلادنا فسوف نحاربه مائة عام». طبعا ستكون الجماهير بكل تأكيد مستعدة لتقديم أعظم التضحيات في سبيل الثورة. إذ أنهم نهضوا إلى الحياة السياسية وأعطى لهم أمل جديد وإحساس بكرامتهم الإنسانية. للجماهير إذن طاقات وإمكانيات ثورية جبارة. وهذا شيء تعجز الإمبريالية والرجعيون عن فهمه. لكن من الخطأ، رغم ذلك، الاعتماد فقط على استعداد الجماهير لتقديم التضحيات. إن الجماهير قادرة على التضحية “باليوم” من أجل “الغد” في حدود معينة فقط. يجب أن نضع هذا في اعتبارنا دائما.

  42.   في النهاية يبقى العامل الاقتصادي هو المحدد. وفي سنة 2003 وحدها انخفض الإنتاج الداخلي الخام بـ 18%، بالرغم من ارتفاع أسعار النفط. وحسب بعض الإحصائيات انخفض مستوى المعيشة إلى ما كان عليه سنوات الخمسينات. عبر هذه الوسائل تطمح قوى الثورة المضادة إلى ضرب الدعم الذي تلاقيه الحكومة، حيث أن هذا الواقع ناتج عن عمليات التخريب التي قامت بها. إلا أن مخطط تلك القوى لم ينجح لحد الآن. فالجماهير ما زالت مخلصة كليا للثورة وللرئيس هوغو تشافيز. لكن مثل هذه الوضعية لا يمكنها أن تدوم إلى ما لا نهاية.

  43.   في وقتنا الحالي ساعد ارتفاع أسعار النفط الاقتصاد الفنزويلي. فسنة 2003 وصل سعر برميل النفط الفنزويلي إلى 25,65 دولار أي، أعلى بحوالي 17% من سعر 2002. وقد حاول الرئيس تشافيز أن يخفف من تأثيرات الأزمة عبر اعتماد الرقابة على الأسعار والمبادلات. وتم توجيه جزء من مداخيل (P.D.V.S.A.) لتمويل برامج اجتماعية وسكنية. وقد رفعت إجراءات الرقابة الصارمة على المبادلات من مداخيل البنك المركزي الفنزويلي (B.C.V.) من 13 مليار دولار خلال شهر يناير إلى 22 مليار الآن. كما أن انخفاض معدل الدولار الرسمي من 16000 بوليفار إلى 1920 بوليفار، قد ساعد على تحسن الوضعية. إن معدل النمو عرف ارتفاعا مفاجئا، بالرغم من أنه ليس، في جزء منه، سوى انعكاس لانتعاش طبيعي بعد الانهيار الكبير الذي سببته اغلاقات أرباب العمل.

  44.   لقد نجحت هذه الإجراءات، جزئيا، في الرفع من مستوى عيش الجماهير. وقد مكنت من ربح الوقت. لكن سوف يكون هناك ثمن يجب دفعه. إذ في ظل نظام رأسمالي تؤدي مثل تلك الإجراءات إلى خلق التضخم. تعرف قيمة البوليفار انخفاضا مفاجئا في السوق السوداء. التضخم وصل إلى 27% سنويا. الشيء الذي يجعله أعلى نسبة في كل المنطقة. وهو الشيء الغير ممكن احتماله على المدى البعيد. وسوف ينفجر هذا، إن عاجلا أو آجلا، في شكل أزمة اقتصادية خانقة جديدة. وهكذا ستظل الفاقة والبطالة مشاكل قائمة.

  45.   إذا لم تتقدم الثورة إلى الأمام، إذا لم تأخذ بين يديها زمام القطاعات الاقتصادية الرئيسية، فإن ارتفاع البطالة والفقر سوف يؤدي إلى كسر الروح القتالية للجماهير. لحدود اللحظة لم يحدث هذا. وقد خلق الانتعاش الاقتصادي نسمة أوكسجين. الجماهير لا تزال مطلقة الولاء لتشافيز. كما أن موازين القوى لا تزال مائلة لصالح الثورة ضد الثورة المضادة. لكن هذا يمكن أن يتغير فإذا لم ترى الجماهير أي تحول جوهري، قبل كل شيء إجراءات حاسمة ضد الرجعيين، فإن الإحباط واليأس يمكنهما أن ينالا منها. ويمكن للمؤشر أن يميل، مرة أخرى، نحو اليمين.

  46.   سوف يبدأ جو من اللامبالاة يسود بين الجماهير، بدءا من الفئات الأقل وعيا والغير المنظمة. وعندما لا يرى العمال أي تقدم حقيقي، سوف يتعبون ويصيبهم اليأس. ومع كل خطة إلى الوراء تخطوها الثورة، ستصبح الثورة المضادة أكثر جرأة وستنتقل إلى الهجوم. ويمكن للعناصر المتذبذبة أن تنتقل إلى صف الثورة المضادة. ويمكن لهذا الجو أن ينعكس على جهاز الدولة، حيث سيتخلى بعض “أصدقاء” الثورة، من بين كبار الموظفين وقادة الجيش والشرطة، عن الرئيس وينقلبون إلى معسكر الرجعية، بدعوى أن الثورة يقودها “متطرفون” وأنها لم تأتي سوى بالفوضى. وستسعر الصحافة المأجورة من حملتها في التشويه والافتراء. ليصبح المجال مفتوحا آنذاك أمام حدوث انقلاب مضاد للثورة تحت راية “إعادة النظام”.

  47.   لقد بذلت الجماهير طاقات هائلة لإيصال الثورة إلى ما هي عليه اليوم. لقد سارت طريقا طويلا، لكن المرحلة الحاسمة لم يتم قطعها بعد، ولا يزال هناك خطر حقيقي في أن يتم إعادة كل هذه الصيرورة إلى الوراء. هنالك وعي متزايد بهذا الواقع في صفوف القواعد. والإحباط قد بدأ ينتشر بين المناضلين. إن هذا تحذير. يمكن لهذا الإحباط أن يخلق جوا من انعدام الصبر والمغامرات اليسراوية المتطرفة عند فئة من المناضلين الذين تحركوا أبعد من باقي الطبقة، الشيء الذي سيكون له نتائج سلبية على الثورة.

  48.   إن الثورة المضادة قد هُزمت، لكنه لم يقض عليها بعد. إنها تنتظر الفرصة الملائمة لكي تتحرك من جديد. إن الاعتقاد في إمكانية تهدئة قوى الثورة المضادة عبر نهج “الاعتدال”، ليس سوى جنون مطبق وعمل بدون جدوى إطلاقا. فقوى الثورة المضادة والإمبريالية لا يمكن أن تهدأ بالكلمات الجميلة، وقد أعطي الدليل الواضح على هذا من خلال عملية القوات الشبه عسكرية الكولومبية. إن ما يجب القيام به ليس هو “الاعتدال”، بل إجراءات حازمة.

  49.   لقد استقطبت الثورة العديد من الأصدقاء. أغلب هؤلاء أصدقاء حقيقيون وشرفاء. لكن بعض هؤلاء “الأصدقاء” لا يعملون لصالح الثورة. إنهم ليسوا ثوريين على الإطلاق، بل مجرد إصلاحيين. إنه دائما قدر الإصلاحية التاريخي أن تصل إلى نتائج متناقضة تماما مع تلك التي كانت تهدف إليها. إنهم مدفوعون، طبعا، بأفضل النوايا. لكن الطريق إلى جهنم مفروش بمثل هذه النوايا الطيبة.

  50.   يقول الإصلاحيون أنه يجب علينا أن لا نقوم بأي شيء يمكنه أن يستفز الإمبرياليين، يجب علينا أن نكون حذرين، دبلوماسيين، الخ، الخ. إن مبرر “استفزاز” الإمبرياليين مبرر خاطئ حتى النخاع. فالإمبرياليون لا يحتاجون إلى استفزاز. إذ أنهم كانوا معادين للثورة منذ اليوم الأول. إنهم لم يتركوا أية فرصة سنحت لهم للهجوم عليها ولم ينتهزوها. لقد نظموا، حتى الآن، محاولتين للانقلاب وهم الآن يحضرون للثالثة، تحت راية الاستفتاء. ليس هذا الخطاب أو ذاك، وليس هذا العمل أو ذاك هو ما يستفز الإمبرياليين، إنهم ينظرون إلى الثورة، في حد ذاتها، باعتبارها استفزازا. ولن يهدأ لهم بال إلا إذا سحقوها.

  51.   يجادل أصدقاء الثورة المزيفون والماركسيون المزيفون أنه ما دامت الثورة الفنزويلية ثورة ديموقراطية شعبية، وليست ثورة اشتراكية، فإنها لا تستطيع القيام بإجراءات ضد الملكية الخاصة. ليس هذا القول سوى سفسطة. لقد كانت الثورة الأمريكية خلال ق 18، ثورة برجوازية ديموقراطية، لكن ثوار 1776 لم يترددوا في مصادرة ملكية أنصار التاج البريطاني. وبعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية، لم تتردد الحكومة الأمريكية في مصادرة ملكية ملاكي العبيد الجنوبيين والتي كانت تقدر بملايير الدولارات. إن هذه الأمثلة من تاريخ أمريكا، تعطي الدليل الواضح على أن حاجيات الثورة تعلوا فوق ما يسمى بحق الملكية المقدس.

  52.   منذ متى كانت حقوق ملكية أقلية مستغِلة وقمعية، أهم من حاجات الأغلبية الساحقة؟ إن الديموقراطية تعني حكم الأغلبية، ونحن نؤيد الديموقراطية الحقة. إن الثورة الفنزويلية وسيرا على نهج أفضل الأمثلة التي قدمتها الثورة الأمريكية، لن تتردد، هي أيضا، في اتخاذ الإجراءات الضرورية للقضاء على سيطرة الأقلية المعادية للثورة على الاقتصاد.

  53. هناك حجة تستعمل كثيرا من طرف الإصلاحيين، وهي انه من الضروري العمل على كسب تعاطف الطبقة الوسطى ومن ثم فإنه يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في مهاجمة الرأسمالية. إن الجزء الأول من هذا الطرح صحيح، لكنه يناقض كليا الجزء الثاني منه. إنه من الممكن، ومن الضروري في نفس الوقت، كسب تعاطف قسم كبير من الطبقة الوسطى، لكننا لن ننجح أبدا في القيام بذلك إذا ما قبلنا بسياسات الإصلاحيين، التي لا يمكنها إلا أن تستلب الجماهير البرجوازية الصغرى وترمي بها في أحضان الثورة المضادة.

  54.   إن الطبقة المستغِلة أقلية صغيرة في المجتمع. ولا يمكنها أن تحكم دون مساعدة عدد كبير من صغار المستغِلين وصغار صغار المستغِلين.. لقد عملت الطبقة السائدة في فنزويلا، باستعمال قوتها الاقتصادية وسيطرتها على وسائل الإعلام، على تحريك جماهير الطبقة الوسطى ضد الثورة. إذ وتحت راية “الديموقراطية” المزيفة نظمت عمليات الشغب في الشوارع وفجرت المواجهات. إن فرق المواجهات، التي نظمتها، مشكلة من أبناء الأغنياء “sifrinos”- الطفيليات الثرية- المتطرفين في عدائهم للجماهير. إن البرجوازيين الصغار المسعورين يستنكرون التنازلات المقدمة للفقراء، والتي يرون فيها تهديدا لامتيازاتهم هم. إنهم يثيرون الكثير من الضجيج عندما يُطلب منهم ذلك، لكنهم ليسوا، في الحقيقة، سوى نفايات بشرية، سيتم كنسهم بسهولة إذا ما اصطدموا بحركة الجماهير.

  55.   إلا أن البرجوازية الصغرى ليست طبقة متجانسة. وهناك تناقضات داخل الطبقة الوسطى والتي يمكنها أن تظهر على شكل انشقاقات في صفوف المعارضة. فالشريحة العليا من الطبقة الوسطى مشكلة من عناصر ذات امتيازات- محامون ميسورون، أساتذة جامعيون، مدراء بنوك وسياسيون- هم أقرب إلى الأوليغارشية الحاكمة ويشكلون خدامها الأوفياء. بينما الشرائح الدنيا(صغار أصحاب الحوانيت، موظفون الأبناك، الخ) هم اقرب إلى الطبقة العاملة ويمكن كسبهم إلى صفها. لكن طريقة كسب الشرائح الدنيا من البرجوازية الصغرى إلى جانب العمال لا يتم عبر تقديم التنازلات لزعمائهم (الذين هم في الواقع مستغلوهم السياسيون)، بل عبر الهجوم على كبار أصحاب البنوك والرأسماليين، عبر تبني موقف الحزم المطلق والتصميم.

  56.   يتشكل قسم من المعارضة من أناس خدعهم أعداء الثورة. وهؤلاء لا يزال من الممكن كسبهم إلى جانب الثورة. لكن الطريقة المثلى لكسبهم تتمثل في اتخاذ إجراءات عملية لمصادرة أملاك كبار الرأسماليين وتبني إجراءات لصالح صغار أصحاب الحوانيت وصغار المالكين. يجب أن يقتنعوا بأن الثورة لا تقهر وأنهم سيخدمون مصالحهم أفضل، بضمهم لقواتهم إلى قوة الطبقة العاملة، ضد الأبناك الكبرى والاحتكارات.

  57.   إن ما يسمى بـ”الديموقراطية” البرجوازية، ليس سوى خدعة كبرى تختبئ ورائها دكتاتورية الرأسمال الكبير. وهذه الدكتاتورية لا تضطهد العمال وحدهم بل حتى الطبقة الوسطى. إن ما يجب القيام به ليس هو تقديس وهم الديموقراطية البرجوازية الشكلية- التي تكون السلطة في ظلها بين يدي الأبناك الكبرى والاحتكارات- بل الدفاع عن ديموقراطية حقيقية- ديموقراطية الطبقة العاملة، المبنية على أساس الملكية الجماعية للأرض والأبناك والصناعة.

  58.   يجب أن يكون واضحا أن إجراءات التأميم هاته لن تستهدف سوى الرأسماليين الكبار وأصحاب الأبناك والملاكين العقاريين. نحن ليس لدينا أية نية في تأميم المقاولات الصغرى والضيعات الصغرى والدكاكين. فهذه لا تلعب أي دور مستقل في الاقتصاد، إذ أنها تابعة بشكل كامل للأبناك الكبرى والأسواق الممتازة، الخ. إننا سندعو هؤلاء المالكين الصغار إلى دعم برنامج التأميم، الذي هو في مصلحتهم.

  59.   سوف يمَكن تأميم الأبناك، الحكومة من ضمان تقديم قروض سهلة بفوائد مخفضة لصغار المقاولين. إن تأميم مصانع الأسمدة الكبرى، سيمَكن الحكومة من توفير الأسمدة للفلاحين بأثمنة رخيصة. وبقضائنا على الوسطاء وتأميمنا للأسواق الممتازة الكبرى وشركات التوزيع والنقل، سنتمكن من تمتيع الفلاحين من سوق مضمون وثمن جيد لمنتجاتهم، في نفس الوقت الذي تنخفض فيه الأسعار بالنسبة للمستهلك.

  60.   ليس هنالك أكثر غباء ممن لا يفهم شيئا. إذ وبالرغم من كل شيء، هنالك من لا يزالون ينصحون بأن تبطئ الثورة من خطواتها لتلافي الاصطدام مع الثورة المضادة والإمبريالية. يمكن أن يكون هؤلاء صادقي النية، لكنهم يقدمون نصيحة خاطئة وخطيرة. ليس من الممكن إيقاف الثورة في منتصف الطريق. ليس من الممكن القيام بنصف ثورة. فإما أن تنجز الثورة حتى النهاية وإما أنها سوف تهلك.

  61.   يَعتبِر الإصلاحيون أنفسهم واقعيين من الطراز الرفيع. لكنهم، في الواقع، أكثر الناس إغراقا في الطوباوية. إنهم يطمحون إلى رأسمالية “أكثر إنسانية”. إن من يطلب من الرأسمالية أن تصير إنسانية، كمن يطلب من النمر أن يصير آكلا للعشب بدل اللحم. لا يعادي الرأسماليون الفنزويليون الثورة البوليفارية بدون سبب. وليس بدون سبب يعملون بلا كلل وبجميع الطرق للقضاء عليها وإسقاط تشافيز. لا يمكنهم أبدا أن يتصالحوا مع الثورة. ولن تقنعهم الكلمات الجميلة. يجب أن يتم هزمهم وتجريدهم من السلاح. يجب القضاء على قوتهم الاقتصادية. ليس هناك من طريق آخر.

  62.   تشبه الثورة الفنزويلية، في الوقت الحالي (وكما أشار إلى ذلك تشافيز نفسه)، سيزيف- ذلك الشخص الذي، حسب الأساطير اليونانية، كان يحمل على ظهره صخرة إلى قمة جبل شاهق، لكنها تسقط من جديد إلى الأسفل. بمجهود صغير سيصبح من الممكن دفع الصخرة إلى قمة الجبل وستُحل المشكلة. لكن إذا ما نحن توقفنا، سوف تسقط الصخرة مجددا وسوف تسحق الكثير من الناس في طريقها.

  63.   فقط الحركة الثورية للجماهير من تحت هي التي منعت الثورة المضادة من الانتصار خلال انقلاب أبريل 2002. لقد هزمت الجماهير الرجعيين والإمبرياليين. ولقد كان من الممكن حينها توجيه هزيمة حاسمة للرجعيين الذين كانوا قد صاروا آنذاك منقسمين ومحبطين. لو أن الرئيس أشار بإصبعه الصغير فقط، لكان كل شيء قد حسم. فقد كان بإمكان الطبقة العاملة أن تأخذ السلطة بطريقة سلمية، بدون دماء أو حرب أهلية. لكن الفرصة تمت إضاعتها مع الأسف. لقد أظهرت الثورة أنها معتدلة أكثر من اللازم وحذرة أكثر من اللازم.

  64.   ماذا كانت النتيجة؟ هل أثر الاعتدال والحذر في أعداء الثورة؟ هل هدٌأ من عدائهم؟ كلا. لقد شجعهم ذلك. لقد قام أعداء الثورة بإعادة تجميع قواهم والتحضير لهجوم جديد، أي لما أسمي “إضرابا”، والذي كان الهدف منه شل الاقتصاد. الجميع يعرف أن هذا “الإضراب” قد نظمته وكالة المخابرات الأمريكية، بتعاون مع أرباب العمل الفنزويليين والبيروقراطيين النقابيين المرتشين. لكن هذه المحاولة، بدورها، تعرضت للهزيمة على يد الحركة الثورية للعمال الفنزويليين.

  65.   لقد حاول هوغو تشافيز، بعد محاولة الانقلاب الأولى، أن يصل إلى توافق مع الرجعيين. حاول التفاوض معهم، بل حتى إعادة مدراء(PVDSA) السابقين إلى مناصبهم. وقد كافئوه بأن نظموا حملة الاغلاقات التي سببت خسائر رهيبة للاقتصاد الفنزويلي. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا؟ هل يمكننا أن نستخلص أن الموقف التوفيقي هو الطريقة الوحيدة لنزع سلاح الثورة المضادة والإمبرياليين؟ فقط المجانين هم من يمكنهم قول ذلك. إن الخلاصة الحقيقية التي يجب استخلاصها من هذا، هو أن الضعف يسبب الاعتداء.

  66.   لقد أظهرت التجربة أن القاعدة الصلبة الوحيدة التي تدعم الثورة هي الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. إن الجماهير ترغب في الدفاع عن تشافيز. كيف تقوم بذلك؟ إنها تقوم بذلك عبر دفعها للحركة من تحت، عبر تنظيم لجان المعارك، عبر تعلم كيفية استخدام السلاح. إن الطريقة الوحيدة للدفاع عن تشافيز، هي شن نضال شرس ضد أعداء الثورة، لإسقاطهم من مواقع السلطة التي يحتلونها وتهيئة الشروط لإحداث تغيير للمجتمع.

  67.   بعبارة أخرى، إن مفتاح نجاح الثورة يتمثل في تطوير وتقوية استقلالية الحركة العمالية، وفوق كل شيء، في بناء الجناح الماركسي الثوري للحركة. إن نصيحتنا لعمال فنزويلا هي: لا تثقوا إلا في أنفسكم وفي قواتكم الخاصة! لا تثقوا إلا في حركة الجماهير الثورية! هذه هي القوة الوحيدة التي بإمكانها كنس جميع العراقيل وهزم الثورة المضادة والبدء في أخذ السلطة بين أيديها. هذه هي الضمانة الوحيدة للانتصار.

  68.   يوجد الرجعيون، اليوم، في موقف ضعف، لكن الحيوانات المحاصرة تصير أخطر. إنهم يشعرون بالقنوط، وهذا الشعور السائد بين صفوفهم يمكنه أن يقودهم إلى استعمال طرق متهورة. لقد صار من الواضح الآن أنهم بصدد التآمر مع واشنطن وعملائها الكولومبيين، لاغتيال تشافيز وخلق الاضطرابات كخطوة أولى لتنظيم انقلاب جديد. إن الحذر الكبير مسألة مطلوبة، من جانب الحركة الجماهيرية، لإحباط مخططات الثورة المضادة. فقط عمل حاسم، من جانب الجماهير، هو من يمكنه أن يجرد الثورة المضادة من أسلحتها ويجعلها غير مؤذية.

  69.   إن الطريقة الوحيدة لإنجاز الثورة إلى النهاية، هي العمل من تحت إلى فوق. إن المهمة الأكثر استعجالية، هي تشكيل لجان معارك – لجان للدفاع عن الثورة. لكن هذه اللجان، يجب أن تكون مسلحة. إن الشعار الآني الذي يجب أن يرفع، هو تشكيل مليشيات شعبية. لا يمكن للثورة أن تدافع عن نفسها ضد أعدائها إلا إذا سلحت نفسها.

  70.   لقد دعا تشافيز إلى تسليح العمال. لقد صرح: « يجب على كل صياد وعلى كل طالب وكل عضو من الشعب، أن يتعلم كيف يستعمل البندقية، لأن مهمة الدفاع عن سيادة الأرض الفنزويلية المقدسة هي مهمة الشعب المسلح، إضافة إلى القوة المسلحة الوطنية ». إن هذا صحيح جدا. لأن شعبا غير مستعد للدفاع عن حريته والسلاح في يده، لا يستحق أن يكون شعب حرا. من الواجب تسليح الشعب، ليس فقط للدفاع عن الثورة ضد أعدائها الداخليين والخارجيين، بل أيضا لإنجاز الثورة حتى النهاية والدفاع عن الحقوق الديموقراطية للشعب.

  71.   يتوجب، حالا، تحويل كلمات الرئيس تشافيز إلى واقع. بالنظر إلى حجم التهديد الذي يشكله الأعداء الداخليون والخارجيون للثورة، يتوجب على الحكومة أن تفتتح مدارس خاصة بالتدريب العسكري للجماهير. يجب على الضباط الأكفاء، المخلصين للثورة، أن يقدموا التداريب الضرورية في كيفية استعمال السلاح والتكتيكات والاستراتيجية. إن الطريقة الوحيدة لمواجهة التهديدات، هي تشكيل ميليشيات جماهيرية شعبية. يجب على كل حي عمالي وكل مصنع وكل قرية وكل مدرسة أن يصير حصنا للثورة مستعدا للقتال من أجلها.

  72.   تعتبر مسألة الدولة المسألة الأكثر جوهرية. إن الرئيس تشافيز نفسه قد اشتكى من العراقيل التي تزرعها البيروقراطية، بشكل منهجي (عراقيل برلمانية من طرف المعارضة، القضاة الرجعيين، الشرطة..الخ)، لا يمكن للثورة أن تعتمد على البيروقراطيين والموظفين الذين ورثتهم عن العهد السابق. لا يمكن لها أن تضع ثقتها في القضاة الذين عينهم النظام السابق. لا يمكن لبيروقراطيي الدولة السابقين أن يصفوا أنفسهم بأيديهم، فليس هناك شيطان يقلم أظافره بنفسه! ما يجب القيام به هو أخذ مكنسة كبيرة والبدء في كنس كل هذه الزبالة. إن نظاما اجتماعيا جديدا، يتطلب نوعا جديدا من الإدارة، إدارة ديموقراطية حقيقية تنبع من الشعب نفسه وتعكس آماله وتطلعاته.

  73.   لقد قامت الحكومة بإجراء تطهير جزئي لجهاز الدولة. وهذا شيء إيجابي، لكنه غير كاف. من الضروري إقصاء جميع المحافظين وجميع حلفاء الثورة المضادة، الظاهرين والمستترين، من مواقع السلطة والنفوذ. يجب أن تصير جميع السلطات بين أيدي ثوريين مخلصين أعطوا الدليل، في الممارسة، على ولائهم لقضية الشعب. إن التطهير الجدي لجهاز الدولة ممكن فقط إذا ما تم من تحت، أي بمبادرة من الجماهير نفسها. إن الجماهير متشوقة للبدء في العمل لإزاحة كل العراقيل التي تكبح الثورة عن التقدم وإنجاز جميع أهدافها. إن مفتاح النجاح يتمثل في تطوير وتوسيع الحركة الجماهيرية وإعطائها شكلا منظما.

  74.   إن الطريقة الوحيدة لدفع الثورة إلى الأمام، هي القيام بذلك من تحت إلى فوق. يجب أن يعطى للحركة الجماهيرية شكلا وتعبيرا منظما. وهذا غير ممكن إلا بتشكيل لجان المعارك المنتخبة ديموقراطيا في جميع أماكن العمل والأحياء العمالية والإدارات ومصافي النفط والبوادي. ويجب أن يتم الربط بين هذه اللجان على جميع المستويات (محليا، جهويا ووطنيا). فقط هكذا يمكن وضع الأسس لبناء سلطة جديدة في المجتمع: سلطة العمال.

  75.   إن المهمة الأولى، لهذه اللجان، هي تنظيم النضال ضد الثورة المضادة. يجب أن تقوم بحراسة الأحياء العمالية، التصدي للجرائم وعمليات التخريب، إلقاء القبض على أنصار الثورة المضادة وحفظ الأمن. يجب أن تتحكم في وسائل النقل والتزود بالمؤن وغيرها من الحاجيات الضرورية، وتراقب الأسعار وتجتث المضاربات والرشوة والفساد وغيرها من التجاوزات، وكذا ضمان توزيع عادل يستفيد منه الجميع. هكذا سوف تتمكن الجماهير من اكتساب الخبرة في ممارسة الرقابة والإشراف والتنظيم، مما سيهيئها للقيام بالمهام الأكبر عندما سوف يحين الوقت الذي سيصبح عليها فيه المساهمة في تسيير المجتمع.

  76.   إن شرطة العاصمة كاراكاس، وغيرها من قوات الشرطة، توجد تحت نفوذ المعارضة. ومن المعروف أنها تشكل مركزا للأنشطة المعادية للثورة. إنها تعمل كما لو كانت دولة داخل الدولة، تقوم بالتحريض ضد الحكومة، تغتال الجماهير وتتسبب في القلاقل. إن هذا أمر غير مقبول نهائيا. يجب حل هذه القوات الرجعية وتعويضها بميليشيات شعبية تحت رقابة اللجان الثورية المحلية والنقابات العمالية.

  77.   إننا نناضل من أجل ديموقراطية حقيقية، أي ديموقراطية عمالية، كما وضح خطوطها لينين ووضعها البلاشفة موضع التطبيق، سنة1917:

    1.   ‌انتخابات حرة وديموقراطية لجميع موظفي الدولة مع الحق في إلغاء تفويضهم.

    2.   تحديد أجور الموظفين، يجب ألا تتجاوز أجرة عامل مؤهل؛ يمكن التعويض عن التكاليف المشروعة، لكن يجب أن يتم هذا تحت الرقابة.

    3.   تسليح الشعب، وتذويب الجيش في الميليشيات الشعبية.

    4.   إشراك جميع الجماهير في القيام بمهام إدارة الإنتاج وتسيير المجتمع والدولة.

  78.   إذا ما انتصرت الثورة المضادة، فإن الوضع سوف يكون مأساويا على شعب فنزويلا. إذ ستُمزق قناع “الديموقراطية” المبتسم الذي تحمله لتُظهر وجه الرجعية البشع. إن الرأسماليين متعطشون للانتقام من جميع الهزائم والإهانات التي تعرضوا لها خلال هذه السنوات. وسوف يعملون على تعليم العمال والشعب الكادح درسا لن ينسوه أبدا. سوف يمارسون انتقاما رهيبا من الجماهير. سوف يسحقون الثورة ويحولونها إلى رماد. إن هذا منظور رهيب، لكنه حتمي وكل شيء يتوقف على الطبقة العاملة وقيادتها.

  79.   إن ما يتوجب امتلاكه هو برنامج ثوري حازم، مبني على أسس علمية. ليس هناك من نظرية يمكنها تحقيق هذا إلا الماركسية. لا تكفي الشجاعة وحدها لكسب صراع الحياة أو الموت هذا، فالتاريخ أعطانا أمثلة عديدة عن هزيمة جيوش شجاعة وكثيرة العدد، على يد جيوش أقل عددا، لكنها مدربة جيدا ومسيرة من طرف قادة ذوي خبرة.

  80.   من الخطأ الفادح معارضة النضال من اجل الديموقراطية والنضال ضد الإمبريالية بالنضال من أجل الاشتراكية. إذ أن النضال من أجل الديموقراطية الثورية، لا يمكنه أن ينتصر إلا إذا تحول إلى نضال ضد ديكتاتورية الرأسمال. ومن تم، فإنه لكي ينتصر النضال من أجل الديموقراطية، يجب أن يقود مباشرة إلى نضال من أجل سلطة العمال ومن أجل الاشتراكية. ليس هنالك من “طريق وسط” وجميع المحاولات للبحث عن طريق ثالث، سوف تؤدي، بالضرورة، إلى الكارثة. سوف تؤدي إلى تصفية الثورة والتدمير الكلي للديموقراطية في فنزويلا.

  81.   هنالك بعض ممن يسمون أنفسهم ماركسيين، لكنهم تخلوا في الواقع كليا عن الموقف الثوري للماركسية. “فماركسيتهم” ليست سوى تجريد خالص وذات طبيعة أكاديمية، ليس لها أي علاقة بواقع الصراع الطبقي. إنهم يفبركون جميع أنواع البراهين “النظرية” “الذكية” للتدليل على أن فنزويلا ليست مهيأة للاشتراكية، أو أن الوقت لم يحن بعد (بالنسبة لمثل هؤلاء الناس لن يحين الوقت أبدا) كما يفبركون مئات البراهين الأخرى لإقناع العمال بعدم محاولة حسم السلطة. إنهم في الواقع لا يثقون في الطبقة العاملة ولا في الثورة. إنهم يخافون من الثورة المضادة، يخافون من الإمبريالية، ويخافون حتى من صدى صوتهم هم، ويأملون لو يصدرون خوفهم هذا إلى العمال.

  82.   في الواقع، إن الوضعية الآن، في فنزويلا، ناضجة تماما لحسم السلطة من طرف الطبقة العاملة. فمن جهة، عبرت البرجوازية عن عجزها التام عن الحكم ومن جهة أخرى، فإن الثورة لم تنجز حتى النهاية. والنتيجة الوحيدة الممكنة، لمثل هذه الوضعية، هي الفوضى. لقد وصلت الثورة إلى نقطة أصبح فيها استمرار اشتغال النظام الرأسمالي، بطريقة عادية، مسألة مستحيلة. الرأسماليون يسحبون أموالهم وينظمون إضرابا عن الاستثمار. فقط المصادفة السعيدة المتمثلة في ارتفاع أسعار البترول، هي من مكن الحكومة من الحفاظ على ما يشبه الحياة الطبيعية للاقتصاد. لكن هذه الوضعية، الغير مستقرة، لا يمكنها أن تدوم إلى الأبد. إن الصراع بين الطبقات يهدد بحدوث وضع من الركود والأفول. لذا يتوجب أن يحسم الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك.

  83.   إن الحجج المقدمة للتدليل على أن فنزويلا غير مهيأة للاشتراكية، لا تصمد أمام الاختبار. ففنزويلا بلد غني من حيث الثروات، باحتياطي كبير من النفط وغيره من المعادن. وتشكل الطبقة العاملة فيه أغلبية ساحقة من السكان. لقد أبان العمال عن شجاعة عالية، وعن روح خلاقة وثورية. لقد أبانوا عن رغبتهم في تغيير المجتمع، وأخذ زمام الصناعة. إن ما ينقص هو قيادة شجاعة.

  84.   إن العناصر الانتهازية، المختبئة وراء اسم الاشتراكية، تصر على القول بأن الطبقة العاملة ليست واعية بما فيه الكفاية للقيام بالتحويل الاشتراكي للمجتمع. ليس هذا سوى تعبير عن جهل عناصر برجوازية صغيرة ليس لها أية معرفة، أو علاقة، بالطبقة العاملة. إن جميع تجارب الطبقة العاملة الفنزويلية، خلال السنوات القليلة الماضية، تثبت بالضبط عكس ذلك. إن نقص الوعي في الثورة الفنزويلية، ليست مشكلة الطبقة العاملة، بل مشكلة قيادة الحركة العمالية، التي تتأخر عن الطبقة وتعجز عن استخلاص الدروس الضرورية.

  85.   وراء الثورة المضادة تقف قوة الإمبريالية الأمريكية. إذ أن خيوط جميع المكائد والمؤامرات والدسائس، تحاك داخل أروقة السفارة الأمريكية ووكالة المخابرات. إن الإمبريالية الأمريكية تعادي الثورة البوليفارية بشراسة، لكون هذه الثورة قد أيقضت الجماهير الفقيرة والمحرومة وقدمت لهم أملا جديدا وإحساسا بقوتهم وكرامتهم. إن واشنطن مرعوبة لأن هذا يلعب دور نقطة جذب ومنبه لعمال وفلاحي أمريكا اللاتينية كلها. لذا فإنها مصرة على هزم الثورة وسحقها.

  86.   لقد ظهر موقف واشنطن من الثورة خلال الانقلاب الأول، عندما سارعت إلى الاعتراف بعصابة الثورة المضادة. إن هذا يفضح النفاق الكاذب الكامن وراء خطاباتهم حول “الديموقراطية”. إذ أن واشنطن، لا تؤيد، كما هي العادة دائما، إلا “الديموقراطية” التي تخدم مصالحها. وعندما لا تعجبها الطريقة التي تصوت بها الأغلبية، فإنها تعمل على دعم الانقلابات المضادة للثورة والأنظمة الديكتاتورية. أما حقيقة أن الانقلاب، الذي حدث في كاراكاس، قد استهدف حكومة منتخبة ديموقراطيا، فلم يكن سوى تفاصيل لا تستحق الانتباه.

  87.   يعلم الجميع أن واشنطن تقف وراء كل العمليات التي تقوم بها الثورة المضادة في فنزويلا. لا أحد يمكنه أن يجهل هذا الواقع. لكن لا يزال هناك بعض من يتخيلون أن الإمبريالية الأمريكية يمكنها أن تترك فنزويلا وشأنها إذا ما تم إيقاف الثورة. إن هذا يشبه منطق ذلك الطفل الصغير الذي يسمع أصواتا في الليل فيعمل على تغطية رأسه تحت الوسادة، يعتقد أنه إذا ما ظل بدون حراك وأغلق عينيه فسوف يصبح في مأمن. لكن الناس الراشدين يعلمون أنه لمواجهة الخطر، لا يجب إغلاق العينين.

  88.   يتفق الجميع على أن الإمبريالية هي ألذ أعداء الثورة البوليفارية. لكن ما هي الإمبريالية؟ إن الإمبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية. إنها نظام علاقات عالمية مبني على سيطرة حفنة من الشركات الكبرى (أغلبها أمريكية) على الكوكب بأسره. إن العمليات العسكرية، التي تقوم بها الإمبريالية، ليست سوى تعبير عن مصالح هذه الشركات الكبرى. مركز قيادة الإمبريالية موجود في واشنطن، لكن لديها عملائها المحليون في فنزويلا (الذين هم أصحاب الأبناك والرأسماليون الفنزويليون). إن البرجوازية الفنزويلية ترقص على أنغام واشنطن. ومن تم فإن النضال الجدي ضد الإمبريالية مستحيل دون نضال حازم ضد البرجوازية.

  89.   إن الإمبريالية الأمريكية تحضر علانية لهجومات جديدة ضد الثورة الفنزويلية. تعمل على نشر الدعاية الكاذبة بأن فنزويلا تدعم قوات (F.A.R.C.) الكولومبية. إن هذا استفزاز يهدف إلى تحضير الشروط لتدخل عسكري كولومبي ضد فنزويلا مستقبلا. إن اتهام الحكومة الفنزويلية بالضلوع في دعم “التيارات الإرهابية”، هو دليل آخر على أن الولايات المتحدة تحضر لشن اعتداء مسلح على فنزويلا، باستعمال الجيش الكولومبي والقوات الشبه عسكرية. إن تصريحات مجلس الشيوخ الكولومبي الأخيرة، تسير بوضوح في نفس الاتجاه. لدينا الآن دليل واضح على أن العصابات الفاشية، الشبه عسكرية الكولومبية، تنشط على أرض فنزويلا. وسيتم استعمالهم كقوات مواجهة في خدمة الثورة المضادة. إن هذه الوقائع تزيد من ملحاحية مطلب تسليح الجماهير.

  90.   لضمان مستقبل الثورة الفنزويلية، من الضروري توجيه هزيمة ساحقة للثورة المضادة الداخلية. ينبغي القضاء نهائيا على الطابور الخامس الذي يمكن الإمبريالية الأمريكية من قاعدة لعملياتها ضد الثورة، والمتورط فعليا في عمليات التخريب والذي يتآمر، بنشاط، مع إرهابيي الثورة المضادة الخارجيين، لإغراق البلد في الفوضى والدماء. يتوجب إنجاز الثورة حتى النهاية. هذه هي الخطوة الأولى.

  91.   ” لكن الأمريكيين سوف يغزوننا!” هكذا سوف يصيح في وجهنا منتقدونا. إن هذا المنطق مبني على أنه إذا لم نقم بشيء، فإننا سنتلافى هجومات الرجعية والإمبريالية علينا. لكن العكس بالضبط هو الصحيح.

  92.   طبعا، نحن لا نريد أية مواجهة مع الولايات المتحدة ولا مع كولومبيا. لكن طريقة تلافي حدوث مثل هذه المواجهة، ليست في إتباع نصيحة الإصلاحيين، بل على العكس تماما. إذ بقدر ما كان موقف الشعب الفنزويلي حازما، وبقدر ما أبان عن استعداده للقتال، بقدر ما تناقصت شهية الإمبريالية الأمريكية للدخول في مغامرة عسكرية جديدة. وعلى النقيض من ذلك، بقدر ما ساد التذبذب وبقدر ما كانت المواقف أكثر استسلامية، بقدر ما ازدادت ضغوط صناع الحرب داخل إدارة بوش من اجل التدخل.

  93.   إن الإمبريالية الأمريكية، وبالرغم من قوتها الهائلة، لا تملك في ظل الشروط العالمية الحالية، سوى هامش ضئيل للمناورة. فلقد غرقت في مستنقع مغامراتها العسكرية في العراق وأفغانستان. كما أن الجو السائد بين الجماهير في الولايات المتحدة قد صار أكثر فأكثر نقدية. ومن تم فإنه من المستبعد أن تقوم بشن تدخل عسكري مباشر في فنزويلا، ولو في مستوى التدخل الذي نظمته في هايتي. إنها تفهم أن فنزويلا ليست هايتي وبأنها سوف تواجه هناك مقاومة جماهيرية.

  94.   إن قوة الإمبريالية الأمريكية كبيرة، لكنها ليست غير محدودة. ففي العراق يواجه الغزاة الأمريكيون انتفاضة عامة للجماهير، لا يمكنهم هزمها بالرغم من كل قوتهم العسكرية. لو أنهم تعرضوا لانتفاضات في كل مكان، لما كان بامكانهم التدخل.

  95.   لقد سبق لنابليون أن أكد على الأهمية الكبيرة للمعنويات في الحرب. إن المسألة لا تتعلق فقط بالأسلحة والتكنولوجيات العسكرية، بل بالرغبة في القتال وتحقيق النصر. لقد أظهرت الجماهير عن استعدادها للقتال من أجل الدفاع عن الثورة. وقد هزموا الثورة المضادة في مناسبتين اثنتين. كم سيكون حماسهم في القتال أكبر عندما ستكون السلطة في يدهم؟ إن أية محاولة لشن تدخل عسكري في فنزويلا، ستواجه بالإضرابات والمظاهرات والانتفاضات. إن العراق يعطي الدليل على أنه من المستحيل إخضاع شعب بأسره، عندما يكون مسلحا ومعبئا للقتال. إلا أن أفضل دفاع هو السياسة الأممية.

  96.   من الصحيح أن الإمبريالية الأمريكية تمتلك قوة هائلة واحتياطي كبير. لكن هل للثورة الفنزويلية أي احتياطي؟ نعم لديها احتياطي ضخم من الدعم بين جماهير المسحوقين والمضطهدين في أمريكا اللاتينية والطبقة العاملة في العالم بأسره. لهذا يعتبر تبني سياسة أممية مسألة ضرورية. إذ بعد أن تأخذ الطبقة العاملة في فنزويلا السلطة، يجب أن توجه نداءا لعمال باقي القارة للسير على نهجها.

  97.   في كل أمريكا اللاتينية يوجد الفقر والجوع والسخط. لذا فإن النداء الثوري لن يضيع سدى. سوف يصاب الإمبرياليون والرجعيون بالشلل إذا ما انفجرت حركة ثورية عامة ضدهم. وسوف يكون لهذا الوضع انعكاسات جدية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي بدأ الجو السائد بين الجماهير فيها يتغير، كنتيجة لمغامرة بوش في العراق.

  98.   لا يمكن للثورة البوليفارية أن تنتصر ما دامت لم تتجاوز حدود الرأسمالية. كما لا يمكنها أن تحصن نفسها داخل الحدود الضيقة للدولة الوطنية. يمكن للثورة البوليفارية أن تبدأ في فنزويلا، لكن انتصارها النهائي رهين بإسقاط حكم المستغِلين في كل أمريكا اللاتينية وخارجها.

  99.   إن المشروع الأصلي لسيمون بوليفار (ذلك الابن العظيم للشعب الفنزويلي) لم يكن هو تحقيق ثورة وطنية، بل ثورة توحد كل شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي. لقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للقارة تحقيق استقلال حقيقي، وتحقيق الحرية والازدهار. لكن مشروع بوليفار تمت خيانته من طرف البرجوازية والأرستقراطيين. لقد قامت الأوليغارشية الجشعة والفاسدة، ببلقنة أمريكا اللاتينية، مقسمة إياها إلى دول وطنية، كثيرا ما تنفجر بينها حروب حدودية. إن هذا أضعف، بشكل مأساوي، أمريكا اللاتينية وجعلها تسقط تحت سيطرة الإمبريالية التي استنزفت ثرواتها ودمرت إمكانياتها العظيمة وأغرقت شعبها في البؤس والقنوط.

  100.   لقد استعاد مشروع بوليفار، في توحيد كل أمريكا اللاتينية، آنيته. إنه الطريق الوحيد الذي يقود إلى الأمام. لكن هذا المشروع مستحيل التحقيق إطلاقا في ظل الرأسمالية. لقد قضت البرجوازية مائتي سنة، تقريبا، أرتنا فيها ما يمكنها القيام به، وها هي تعرضت للإفلاس. فقط البروليتاريا، بالتحالف مع الفلاحين الفقراء وفقراء المدن وجميع المستغلين، هي من يمكنها أن تحقق هذا المشروع. وللقيام بهذا، يتوجب عليها مصادرة أملاك كبار أصحاب الأراضي والرأسماليين وبناء فيدرالية اشتراكية لأمريكا اللاتينية.

  101.   سوف يمكن، لأول مرة، استثمار الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تتوفر عليها أمريكا اللاتينية، عندما سيتم تجميع الثروات الاقتصادية التي تتمتع بها، عبر مخطط اشتراكي شامل. مقارنة مع هذا، سوف تبدو محاولات البرجوازية، البائسة، الضئيلة، من قبيل ((Mercosur مجرد تفاهات. إذ خلال مخططين خماسيين اثنين سيتم تجميع ما يكفي من الثروات لإحداث تحويل كلي لحياة ملايين الرجال والنساء والأطفال. هذا هو المستقبل الذي نقدمه لجماهير أمريكا اللاتينية. وهو القضية الوحيدة التي تستحق أن يناضل الإنسان من أجلها. وبمجرد ما ستدرك الجماهير الإمكانيات المتوفرة، فإنها سوف تقاتل بشراسة لا تقهر. أما الإمبريالية الأمريكية فإنها، عندما ستواجه بانتفاضات ثورية عامة في كل أمريكا اللاتينية، سوف تصبح عاجزة عن فعل أي شيء. فإذا لم يكونوا قادرين عن إخضاع العراق، فإنهم أعجز من أن يخضعوا كل أمريكا اللاتينية. وبدل أن يتدخلوا في أمريكا اللاتينية سوف يواجهون بتحركات ثورية حتى في الداخل.

  102.   سوف يقول المتشائمون: ليس هذا سوى يوتوبيا. لكن اليوتوبيا الحقيقية هي الاعتقاد بأنه إذا ما أظهرنا “الاعتدال” فإننا سوف نتلافى الثورة المضادة. إن الشروط لقيام ثورة اشتراكية في فنزويلا قد نضجت، وهي تنضج في كل أمريكا اللاتينية. ما ينقص هو وجود قيادة شجاعة تريد الثورة وتعمل من أجلها. إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “واقعيين” والذين يحاولون إيقاف الثورة في منتصف الطريق، إنما يلعبون دور الثورة المضادة، بغض النظر عن نواياهم. إن ما يدعون إليه هو أسوء أنواع اليوتوبيا.

  103.   إن الوضعية في مجملها تدعو الطبقة العاملة لأخذ السلطة بين يديها. وهي المهمة التي ستكون أسهل بما لا يقاس لو أنه كان هناك تيار ماركسي قوي، داخل الحركة البوليفارية، يدفعها في هذا الاتجاه. لكن الحركة الآن لازالت مرتبكة وبرنامجها غير واضح. يجب أن يتم حسم هذا الارتباك في أسرع وقت ممكن، كما يجب أن تحدد أهداف الحركة بأكثر ما يكون من الوضوح.

  104.   إن الماركسيين موجودون، لكنهم لا يزالون أضعف من أن يوفروا مثل هذه القيادة. إن المهمة الأكثر استعجالا الآن هي التغلب على هذا الضعف بأسرع ما يمكن وتوحيد جميع القوى الماركسية الحقيقية، باعتبارها الجناح الثوري الأكثر حزما في الحركة البوليفارية. لقد شكل توحيد التيار (El Militante) و(El Topo Obrero) خطوة هامة في هذا الاتجاه. لكنها ليست سوى الخطوة الأولى. يجب أن تليها خطوات أخرى.

  105.   إن الخطر الأكبر الذي يتهدد الماركسيين الفنزويليين، هو فقدان الصبر والسقوط في العصبوية والنزعة اليسراوية المتطرفة. إن التيار الماركسي الثوري يشكل، في وقتنا الحاضر، أقلية داخل الحركة الجماهيرية. لذا يجب علينا أن لا نفرض حلولنا على هذه الحركة. يجب علينا أن نقاوم الرغبة في مواجهتها بالإنذارات (Ultimatums). يجب علينا أن نكون صبورين مع الجماهير، نناضل جنبا إلى جنب معهم لكسب احترامهم وثقتهم. يجب أن يكون شعارنا هو شعار لينين سنة 1917: اشرح بصبر!.

  106.   يجب أن نجعل من أنفسنا جزءا من الحركة الجماهيرية ـ أقصى يسار الحركة البوليفارية. “لكن هذا يعني التضحية باستقلالية حزبنا”، هكذا سوف يقول العصبويون. إن مسألة استقلالية الجناح الماركسي هي، في الواقع، مسألة استقلالية سياسية وليست تنظيمية. يجب علينا أن نحافظ على استقلاليتنا المطلقة في ما يخص أفكارنا وبرنامجنا وسياساتنا وطرقنا في العمل. لكن يجب علينا، أيضا، أن نناضل من أجل إيصال هذه الأفكار إلى الحركة الجماهيرية، لتخصيبها بالأفكار الماركسية والنضال من أجل كسب الأغلبية. إن الشروط ناضجة للقيام بهذا العمل، إذ أن التجربة الملموسة لجماهير الشغيلة، خلال السنوات القليلة الماضية، تدفع بهم نحو استخلاص أكثر الخلاصات تقدما.

  107.   إن المهمة الأولى هي كسب العمال الطليعيين والشباب الذين ينشطون داخل وحول المنظمات الثورية (الحلقات البوليفارية، التجمعات الثورية، الاتحادات الديموقراطية..الخ). يتوجب علينا في البداية كسب العناصر الطليعية، ثم وعبرهم يمكننا الوصول إلى الجماهير. إننا نقول لمناضلي الحركة بأننا ـ نحن الماركسيون ـ نشكل بدورنا جزءا من الحركة. نحن مستعدون للعمل من أجلها، لبنائها، لتقويتها وللنضال إلى جانبكم ضد أعدائنا المشتركين. إننا لا نسعى لفرض أفكارنا. إن كل ما نطالب به هو الحق في الدفاع عن موقفنا الطبقي المستقل والدفاع عن أفكارنا داخل الحركة.

  108.   ليس هناك من تناقض بين مهمة بناء التيار الماركسي الثوري، وبين المشاركة بنشاط داخل الحركة البوليفارية. في الواقع إن المهمتين متلازمتين. إذ يتوجب على الماركسيين أن يعملوا جنبا إلى جنب مع الجماهير، دافعين بالحركة إلى الأمام، ويشرحوا، في كل مرحلة، ما يتوجب على الحركة القيام به لإحراز النصر.

  109.   إن الشرط الأول لنجاحنا هو تكوين الكوادر. إن الشيء الوحيد الذي يميزنا عن باقي مكونات الحركة، بجانب كوننا العناصر الأكثر نضالية وثورية، هو موقفنا الحازم من النظرية والأفكار. إن الماركسية هي اشتراكية علمية والموقف العلمي ضروري للطبقة العاملة إذا ما أرادت تحقيق النصر. لدينا فهم واضح للأحداث الوطنية والدولية، ولدينا طريقة اشتغال واستراتيجية منسجمين. بينما جميع التيارات الأخرى مرتبكة ولديها انعدام الوضوح واللبس، إضافة إلى افتقادها المطلق لاستراتيجية منسجمة. إن نتائج هذا الوضع سوف تظهر عند ما ستتطور الأحداث. عندها سيبدأ العمال والشباب في استيعاب تفوق النظرية الماركسية من خلال تجربتهم الخاصة.

  110.   إما تحقيق أعظم الانتصارات وإما تكبد أسوأ الهزائم ـ هذا هو الخيار المطروح أمام الثورة الفنزويلية.

ألان وودز
20 ماي 2004

عنوان النص بالإنجليزية :

Theses on revolution and counterrevolution in Venezuela.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *