الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: النظام الدكتاتوري يؤكد طبيعته من خلال تأكيد الأحكام ضد معتقلي الريف!

المغرب: النظام الدكتاتوري يؤكد طبيعته من خلال تأكيد الأحكام ضد معتقلي الريف!

في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة، 05/04/2019، أعلنت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء، تأييدها للأحكام التي كانت المحكمة الابتدائية قد أصدرتها، يوم الثلاثاء 26 يونيو 2018، في حق معتقلي حراك الريف والصحفي حميد مهداوي، والتي تقضي بتوزيع أزيد من 300 سنة سجنا نافذة عليهم، 20 سنة في حق أربعة معتقلين و15 سنة في حق ثلاثة معتقلين و10 في حق سبعة معتقلين، وما إلى ذلك.

وباستثناء الصحفي حميد المهداوي الذي حكم عليه بدوره بثلاث سنوات نافذة، كان جميع المعتقلين الآخرين قد قرروا مقاطعة المحاكمة جملة وتفصيلا، وذلك في تحد بطولي من جانبهم لأجهزة الدكتاتور.

كانت التهم التي وجهت إليهم كثيرة وسريالية وثقيلة من بينها: “المشاركة في جناية تدبير مؤامرة للمس بالسلامة الداخلية للدولة… وجناية عرقلة سير ناقلة بغرض تعطيل المرور والمشاركة في ذلك… وجناية القيام بشكل متعمد بتهديدات وأعمال عنف ضد الموجودين على متن طائرة خلال تحليقها قصد المس بسلامتها…”، وكل ذلك فقط لأنهم تظاهروا سلميا للمطالبة ببناء مستشفى وجامعة وتوفير مناصب الشغل لشباب المنطقة ورفع التهميش عنها؛ أما الصحفي المهداوي فقد وجهت إليه تهمة: “عدم التبليغ عن جريمة من شأنها المس بالسلامة الداخلية للدولة”، وذلك لأنه لم يبلغ عن مكالمة هاتفية قال له فيها شخص مجهول إنه “ينوي أن يدخل دبابات وأسلحة روسية إلى المغرب لإشعال ثورة في منطقة الريف”!! بينما الحقيقة هي أنه كان صحفيا “مزعجا” بمقالاته وتصريحاته.

من يعرفون الطبيعة الحقيقية للنظام القائم، باعتباره نظاما دكتاتوريا قمعيا همجيا، يدافع عن مصلحة أوليغارشية طفيلية صغيرة لا تمتلك أية شرعية، وبالتالي مرعوبة ولا وسيلة في يدها للبقاء في السلطة سوى القمع ثم القمع ثم القمع، كانوا يتوقعون مثل هذه الأحكام. وهذا ما عبر عنه حتى معتقلو الحراك الأشاوس الذين رفضوا حضور المحاكمة، وأكدوا رفضهم طلب متابعة الحكم أمام محكمة النقض.

لكن الأغلبية الساحقة من الجماهير، سواء في الريف أو في بقية مناطق المغرب، كانوا يأملون أن يتم إطلاق سراح المعتقلين، أو على الأقل تخفيف أحكامهم، لأنهم لم يقوموا بما يستوجب اعتقالهم ولو ليوم واحد. هؤلاء نزلت عليهم الأحكام كالصاعقة، لذا من الطبيعي أن يعيشوا فترة من الصدمة التي ستتحول حتما إلى غضب، ثم إلى تحد، ثم إلى رد فعل على شكل نضالات جديدة، بعد أن يتعلموا أنه لا يمكن انتظار أي شيء من هذا النظام وأن الحل الوحيد هو النضال…نعم إن الخسارة فادحة، لكن كل الدروس مفيدة وخاصة تلك التي نقدم ثمنا غاليا من أجل تعلمها.

يريد النظام الدكتاتوري بهذه الأحكام أن يكسر إرادة المعتقلين وعائلاتهم، كما يريد أن يبعث برسالة إرهاب واضحة للجميع بأن القبضة الحديدية ستنزل على كل من سولت له نفسه أن يحتج على سياسة التقشف والغلاء والتهميش ومختلف الهجمات الأخرى على الكادحين.

لكن كل ذلك القمع وتلك الأحكام لم تؤد إلى ما كان يأمله منها… فمعنويات المعتقلين مرتفعة وأسر المعتقلين صامدة، والشباب ازداد تحديا ووعيا بأنه يواجه نظاما فاسدا، وهو ما ظهر في الشعارات التي رفعت داخل المحكمة نفسها وفي المسيرات الطلابية التي خرجت في ساعات متأخرة من ليلة الجمعة/ السبت في بعض المواقع الجامعية (وجدة…). إن كل المؤشرات تبين أن أسوء كوابيس الحاكمين سرعان ما ستصبح حقيقة.

اللبراليون مرعوبون من تبعات هذا الاستفزاز ضد الجماهير الغاضبة، فقد علق الناطق الرسمي لحزب الاستقلال، عادل بنحمزة، على الأحكام، بنبرة كلها خوف وقلق، أنه «يبدو هناك إصرار على دفع الأمور نحو مزيد من التعقيد والتوتر في تجاهل فاضح للأوضاع التي تعرفها البلاد حيث تظهر هناك بؤر توتر كثيرة لا يمكن تجاهلها، كما أن هناك تجاهلا للسياق الإقليمي… بما يجعلنا غير مطمئنين على المستقبل…».

لكن لكي لا ننسى ولكي لا يخادعنا أحد بالأوهام، لا بد أن نؤكد أن هذه الأحكام قد صدرت باسم الملك، كما أنها صدرت في عهد حكومة تضم الإسلاميين (في شخص العدالة والتنمية) والستالينيين (في شخص حزب التقدم والاشتراكية) وحزب الاتحاد الاشتراكي، وأن هيئة الدفاع عن الدولة تشكلت من قياديين في الاتحاد الاشتراكي. وأن تلك الأحزاب، إلى جانب أحزاب يمينية ولبرالية عديدة، كانت قد وقعت بيانا تتهم فيه المعتقلين بالخيانة والنزعة الانفصالية، وبالتالي فإنهم جميعا يتحملون المسؤولية في ما يحصل، ولا مجال للمناورة أو النفاق.

كنا قد نشرنا، يوم 28 يونيو 2018، أي مباشرة بعد صدور الأحكام عن المحكمة الابتدائية، مقالا تحت عنوان “المغرب: لنناضل لإطلاق سراح معتقلي حراك الريف، لنناضل ضد الدكتاتورية“، نعتبر أن خلاصاته ما تزال ذات راهنية كبيرة حتى وقتنا الحالي، حيث أكدنا فيه على أن قناعة المعتقلين بعدالة قضيتهم واقتناعهم بحتمية النصر في النهاية، مهما طال الزمن، هي أفضل حصانة ضد مناورات النظام وخططه لكسر صمودهم. كما أكدنا أننا، نحن المناضلون النقابيون والسياسيون الجذريون والمثقفون الثوريون وعموم الشباب المكافح، نتحمل المسؤولية في دعم صمود المعتقلين وأسرهم، عبر استمرار النضال من أجل إطلاق سراحهم ودعمهم ماديا ومعنويا وإعلاميا، بحيث يصير اعتقالهم جمرة حارقة في يد النظام الدكتاتوري. وقلنا إنه “لا بد أن نجعل النظام معتقلا عندهم وليسوا هم المعتقلين عنده”.

أشرنا إلى ضرورة الاستمرار في تنظيم الوقفات الاحتجاجية والدعوة إلى إضراب وطني سياسي عام شعاره النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين فورا وبدون أي قيد أو شرط والاستجابة لمطالب الحراك في كل مناطق المغرب، والدعوة إلى إسقاط الحكومة الشكلية وحل البرلمان المزور، ومحاسبة المسؤولين عن سياسة التهميش والقمع ونهب ميزانيات المشاريع التي لم تنجز…

وقلنا إنه لا بد من نضال واع ومنظم وطويل النفس، إن كنا نريد فعلا تحقيق النصر ضد هذا النظام الدموي الدكتاتوري القمعي. وأن الضمانة الوحيدة ضد استمرار القمع السياسي والتضييق على الحريات، هي النضال من أجل بناء نظام جديد يقوم على انتزاع السلطة والثروة من يد الأقلية الطفيلية التي تحكم الآن ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال والفلاحين.

وأكدنا أنه لا إمكانية لأي ديمقراطية في ظل النظام القائم، مما يقتضي بالضرورة العمل الآني على بناء قيادة ثورية، من بين طلائع النضال الجماهيري، تسترشد ببرنامج اشتراكي ثوري. وذلك لكي ننتقم لكل من قُتلوا ومن شُردوا ومن اعتُقلوا وقيادة نضالات شعبنا إلى النصر.

هذا ما قلناه آنذاك، وهو نفس ما نؤكد عليه اليوم كذلك، خاصة في ظل ما نشهده اليوم من نهوض نضالي عمالي وشبابي عارم لم تشهده البلد منذ سنوات، وما تشهده الجزائر من احتجاجات شعبية عظيمة تلهم بانتصاراتها المتوالية الشباب والعمال المغاربة، وتنبأ بربيع جديد، ربيع الشعوب التواقة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

أنس رحيمي
06 أبريل 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *