بمحاكمة حراك الريف يكون النظام قد أطلق كل رصاصاته، علينا أن نردّ الهجوم
كما الصاعقة نزلت على أبناء الشعب المغربي تلك الأحكام التي تلاها قضاة الدكتاتور في حق معتقلي حراك الريف، مساء يوم الثلاثاء 26 يونيو 2018. أحكام وصلت إلى عشرين سنة، وكأننا أمام قتلة أو منظمي انقلاب أو مجرمي حرب.
أطل قاضي الدكتاتور، بعيني ذئب جائع لنهش اللحم البشري، وصار يتقيأ ما توصل به من أسياده: « باسم جلالة الملك […] تصرح المحكمة علنيا، ابتدائيا […] بمؤاخذة [المعتقلين] بالمشاركة في جناية تدبير مؤامرة للمس بالسلامة الداخلية للدولة… ومن أجل جناية عرقلة سير ناقلة بغرض تعطيل المرور والمشاركة في ذلك… ومن أجل جناية القيام بشكل متعمد بتهديدات وأعمال عنف ضد الموجودين على متن طائرة خلال تحليقها قصد المس بسلامتها…». وغيرها من التهم السريالية التي اخترعها عقل إجرامي في حق شباب كل ذنبهم هو التظاهر السلمي والمطالبة بمستشفى وجامعة وحياة كريمة. فوزع عليهم أزيد من 300 سنة سجنا نافذة !!!
وجاءت الأحكام على الشكل التالي:
20 سنة سجنا نافذا (04 معتقلين) |
ناصر الزفزافي نبيل احمجيق سمير أغيد وسيم البوستاتي |
15 سنة نافذة (03 معتقلين) |
محمد بوهنوش زكرياء أضهشور محمد الحاكي |
10 سنوات نافذة (07 معتقلين) |
محمد جلول عمر بوحراس صلاح لشخم جمال بوحدو أشرف اليخلوفي بلال أهباض كريم أمغار |
05 سنوات نافذة وغرامة نافذة قدرها 2000 درهما (10 معتقلين) |
إلياس الحاجي ربيع الأبلق محمد المجاوي الحسين الإدريسي سليمان الفاحيلي الحبيب الحنودي شاكر المخروط عبد العالي حود محمد الأصريحي إبراهيم أبقوي |
03 سنوات نافذة وغرامة نافذة قدرها 2000 درهما (08 معتقلين) |
إبراهيم بوزيان عثمان بوزيان فؤاد السعيدي عبد الحق صديق يوسف الحمديوي محمد المحدالي محمد الهاني محمد النعيمي |
سنتان نافذة وغرامة نافذة قدرها 2000 درهما (19 معتقلا) |
خالد البركة نوري أشهبار عبد اللطيف الموساوي رشيد أعماروش عبد الخير اليسناري محمد فاضيل فهيم غطاس أحمد الهزاط جواد الصابري عبد المحسن أتاري جمال مونا جواد بلعلي محمد مكوح بدر الدين بولحجل عبد العزيز خالي أحمد الحاكيمي أنس الخطابي امحمد عدول جواد بن زيان |
سنة نافذة وغرامة نافذة قدرها 2000 درهما (معتقل واحد) |
زكرياء قدوري |
5000 درهم غرامة (معتقل واحد) |
عبد المنعم اسرتيحو |
لقد دخلت هذه المحاكمة التاريخ باعتبارها مثالا من أبشع الأمثلة عن الظلم والدكتاتورية، والمدى الذي يمكن للطبقة الرأسمالية أن تصله في الدفاع عن مصالحها. وبالحديث عن التاريخ علينا ألا ننسى في هذا الصدد أن الحكومة التي صدرت بواسطتها هذه الأحكام هي ائتلاف يضم الإسلاميين (في شخص العدالة والتنمية) والستالينيين (في شخص حزب التقدم والاشتراكية) وحزب الاتحاد الاشتراكي، وأن هيئة الدفاع عن الدولة تشكلت من قياديين في الاتحاد الاشتراكي. كما يجب ألا ننسى أن تلك الأحزاب وغيرها من أحزاب اليمين كانت قد وقعت قبل مدة بيانا تتهم فيه المعتقلين بالخيانة والنزعة الانفصالية، ممهدة بذلك الطريق للأحكام التي صدرت اليوم.
كما يجب التنويه والإشادة بالمواقف التي عبرت عنها أحزاب اليسار (فدرالية اليسار والنهج الديمقراطي) إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الانسان، والذين نددوا جميعا بهذه الجريمة في حق المعتقلين وفي حق الشعب المغربي بأسره.
حيث قالت منسقة فيدرالية اليسار الديمقراطي، الرفيقة نبيلة منيب، عنها إنها “انتكاسة حقوقية تعود بِنَا لسنوات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، كما قال الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، الرفيق عبد السلام العزيز، إن الأحكام “جائرة، وتذكرنا بأحكام سنوات الجمر والرصاص، وتضرب في الصميم مصداقية كل المؤسسات”. وطالبت الفيدرالية بالإفراج الفوري عن كل السجناء وإيقاف كل المتَابعات. وكان الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، الرفيق المصطفى براهمة، قد صرح إن تلك الأحكام جائرة وانتقامية واعتبرها قاسية وأن المغرب لم يعرفها إلا في سنوات الرصاص. كما ندد المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في بلاغ له بتلك الأحكام وعبر عن تضامنه مع المعتقلين وعائلاتهم وطالب بإطلاق سراحهم. واعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المحاكمة جائرة وانتقامية، والتهم ملفقة ومطبوخة ونددت بها وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين والاستجابة لمطالبهم.
سيسجل التاريخ كل هذا، خاصة إذا تحمل اليسار والنقابات العمالية مسؤوليتهم التاريخية في النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن سجنهم وتعذيبهم، كجزء من النضال من أجل الاستجابة لكافة المطالب الاقتصادية والسياسية للحراك الشعبي. هذه هي الفرصة التاريخية وعلى اليسار المكافح اقتناصها.
يريد النظام من وراء هذه الأحكام القاسية كسر المعتقلين وعائلاتهم، كما يريد أن يبعث برسالة إرهاب واضحة للجميع بأن القبضة الحديدية ستنزل على كل من سولت له نفسه أن يحتج على سياسة التقشف والغلاء والتهميش ومختلف الهجمات الأخرى على الكادحين. لكن لسوء حظه أتت المحاكمة بنتائج عكسية، إذ أن معنويات المعتقلين مرتفعة وهو ما يتضح من خلال الأخبار التي يحملها محاميوهم وعائلاتهم وأصدقاؤهم، كما أن أسر المعتقلين صامدة وكل تصريحاتهم تحد وإصرار. ولم يكن لتلك الأحكام النتائج التي كان يرجوها النظام على نفسية الشباب، إذ بدل الخوف كل ما نراه في الشوارع هو الاستنكار والغضب والتحدي، وقد خرجت العديد من المسيرات والوقفات المنددة بالدكتاتورية والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والاستجابة لمطالب الحراك.
كان اختيار النظام لهذا التوقيت بالذات قائما على وهم أنه اللحظة المناسبة، فالوقت وقت عطلة والثانويات والجامعات فارغة أو تكاد، والعمال وعموم الكادحين مشغولون بالكفاح من أجل البقاء في ظل الغلاء المهول والأزمة الخانقة. وبالفعل من الممكن أن تخلق هذه الظرفية للنظام فترة هدنة، لكنها لن تكون أكثر من فترة هدنة قصيرة.
دعونا نرى الصورة كاملة: يعرف المغرب في الآونة الأخيرة استمرار حملة مقاطعة ناجحة لمنتوجات بعض الشركات الاحتكارية والتي لها علاقات لا تخفى مع القصر والإمبريالية، كما أن الحملة تتوسع وامتدت إلى المهرجانات التي تبذر فيها أموال الشعب المغربي، وخاصة موازين التي يشرف القصر بشكل مباشر عليها. وجاء الحكم كذلك في ظل ظرفية تتميز ببداية بشائر نهوض عمالي (إضرابات ووقفات) واستمرار التحركات الشعبية في بعض المناطق كجرادة ومظاهرات الشباب العاطلين والأساتذة المتعاقدين، الخ.
سبق لنا أن قلنا في مقالات أخرى إن الخوف قد غير معسكره بشكل نهائي. لقد انتقل الخوف من معسكر الجماهير إلى معسكر النظام، وليست حتى هذه الأحكام سوى دليل على مدى الرعب الذي يشعر به الحاكمون من احتمال نهوض شعبي كفاحي يعلمون جيدا أنه سيكون قادرا على إسقاطهم بسهولة. إن وعيهم بضعفهم هو ما يفسر تطرفهم في الإجراءات التي يتخذونها لوأد كل حركة في مهدها ومنعها من التطور والامتداد. حتى متى سيبقى هذا “العلاج” ناجعا؟ ليس لوقت طويل بكل تأكيد.
إن فرض الصمت على الحركة الجماهيرية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وتطبيق سياسة تقشف وحشية، يقتضي ردة رجعية شاملة وتحطيما ساحقا للحركة، وهذا مستحيل في ظل موازين القوى الحالية. النظام القائم متأزم وينتقل من فشل إلى آخر داخليا وخارجيا، قاعدة دعمه في تقلص مستمر وانفضاحه يسير بوتيرة تدفعه إلى اليأس. ثم إن المغرب لم يعد مشكلا من 80% من سكان البوادي، كما كان الحال عليه في السبعينيات، ولم تعد الأحزاب الإصلاحية تمتلك تلك الشعبية التي كانت تمتلكها آنذاك لتستعملها لدعمه ولجم الحركة الشعبية الصاعدة.
إن القول بأننا عدنا لسنوات الجمر والرصاص عند وصف ما يقع اليوم، مفيد من الناحية الدعائية لفضح الطبيعة الحقيقية للنظام القائم والذي لم يتغير فيه أي شيء من حيث الجوهر. لكنه رغم ذلك ليس صحيحا بشكل كامل، لأن التاريخ لا يعيد نفسه، ولا يعود إلى الوراء. تحاول الطبقة السائدة جاهدة بالفعل أن تعيد عقارب الزمن إلى الوراء وتحكم بالطرق القديمة المجربة، لكن التاريخ عندما يكرر نفسه يكرر نفسه كمهزلة، وهذا ما يحدث الآن أمامنا. ليست محاولاتهم الظهور بمظهر القوي والمتحكم سوى مهزلة مخزية، وليس نظامهم المتهاوي سوى نسخة باهتة مثيرة للرثاء عن نظامهم السابق، في مواجهة حركة جماهيرية شابة متخلصة من هزائم الماضي وإحباطاته ولا قدرة للإصلاحيين ولا اللبراليين على التحكم فيها.
إن الممثلين الأذكياء للنظام القائم يفهمون هذا جيدا ويحذرون من مغبة السير في هذا الاتجاه، ولنأخذ على سبيل المثال الأمير المطالب بالعرش، هشام، الذي عبر في تدوينة له عن خوفه من الانعكاسات المحتملة لتلك الأحكام على بقاء نظامهم، إذ قال إنها: “مؤلمة وقاسية وتجعل الرؤية تضيق والغبن يتفاقم”، وأضاف: “أنها لا تعتبر المعالجة الأنسب لثقافة الاحتجاج الاجتماعي التي تترسخ في المغرب” ودعى: “إلى البحث عن الطريق الأنجع […] لتأمين الاستقرار”، فهو يعلم أن تلك الأحكام لا يمكنها القضاء على الاحتجاجات الجماهيرية كما لا يمكنها أن تأمن استقرار نظامهم لمدة طويلة.
والآن لا بد أن النظام يحضر للمرحلة المقبلة، ليحسم المعركة لصالحه ويثبت هيبته. سوف يعمل على واجهات متعددة: سيحاول قمع الوقفات الاحتجاجية وسيعمل جاهدا على كسر صمود المعتقلين وعائلاتهم وتلاحمهم، سيعزل المعتقل عن الآخر، ويسلط عليه أشكالا من التعذيب النفسي والجسدي والترغيب والترهيب، لينتزع منه أي تنازل ليستعمله لكسر الآخرين. وسيحاول أن يضرب هذا بذاك. سيدفع بعملائه لكي يروجوا لأوهام الخلاص الفردي وتخفيض سقف المطالب وطلب العفو لتخفيف الأحكام، الخ.
إن الحصانة ضد هذه المناورات الخبيثة هي قناعة المعتقلين بعدالة قضيتهم واقتناعهم بحتمية النصر في النهاية، مهما طال الزمن. لكن في نفس الآن نتحمل نحن المناضلون النقابيون والسياسيون الجذريون والمثقفون الثوريون وعموم الشباب المكافح المسؤولية في دعم صمودهم. إن الضمانة هي استمرار النضال من أجل إطلاق سراحهم ودعمهم ماديا ومعنويا وإعلاميا، بحيث يصير اعتقالهم جمرة حارقة في يد النظام الدكتاتوري، لا بد أن نجعل النظام معتقلا عندهم وليسوا هم المعتقلين عنده.
لا بد من تشكيل لجان دعم المعتقلين وأسرهم، ماديا ومعنويا وقانونيا وإعلاميا، تكون هياكل ديمقراطية مفتوحة أمام الجماهير والعمل على التنسيق بينها محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.
لا بد من الاستمرار في تنظيم الوقفات الاحتجاجية والدعوة إلى إضراب وطني سياسي عام شعاره النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين فورا وبدون أي قيد أو شرط والاستجابة لمطالب الحراك في كل مناطق المغرب، وهو ما لا يكتمل إلا بالدعوة إلى إسقاط الحكومة الشكلية وحل البرلمان المزور، ومحاسبة المسؤولين عن سياسة التهميش والقمع ونهب ميزانيات المشاريع التي لم تنجز…
لا بد من نضال واع ومنظم وطويل النفس، إن كنا نريد فعلا تحقيق النصر ضد هذا النظام الدموي الدكتاتوري القمعي. إن الضمانة الوحيدة ضد استمرار القمع السياسي والتضييق على الحريات هي النضال من أجل بناء نظام جديد يقوم على انتزاع السلطة والثروة من يد الأقلية الطفيلية التي تحكم الآن ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال والفلاحين. لا إمكانية للديمقراطية في ظل النظام القائم. وهذا ما يقتضي بالضرورة العمل الآني على بناء قيادة ثورية نابعة من بين نفس هؤلاء الشباب المكافحين، تسترشد ببرنامج اشتراكي ثوري. لكي ننتقم لكل من قتلوا ومن شردوا ومن اعتقلوا علينا أن نعمل على بناء تلك القيادة الثورية وقيادة نضالات شعبنا إلى النصر.
أنس رحيمي