عند الفجر قامت طائرة هيلكوبتير إسرائيلية بإطلاق صواريخ على الشيخ احمد ياسين عندما كان يغادر المسجد، مما أدى إلى مقتله هو وستة أشخاص آخرين على الأقل. وحسب قناة الجزيرة فإن «مراسل رويترز الذي سارع إلى مكان الحدث يوم الاثنين بعد سماعه ثلاثة انفجارات شديدة، وجد بقايا الكرسي المتحرك مخضبا بالدماء». بينما قال أحد شهود العيان الذي يسكن بجوار المسجد، لمراسلين يصف ما حدث خلال اللحظات الأولى بعد الانفجار الأول «لقد نظرت لكي أرى أين هو الشيخ احمد ياسين. لقد كان مستلقيا على الأرض، وكان كرسيه مدمرا. بينما يتدافع الناس يسارا ويمينا. بعدها سقط صاروخان آخران».
تمّ حمل ياسين إلى مستشفى الشفاء بغزة، لكن من الواضح أنه قد فات الأوان لإسعافه. ولقد قتل في الهجوم ستة أشخاص على الأقل بما فيهم اثنان على الأقل من حراسه الشخصيين. إضافة إلى عشرة جرحى.
واعترف الجيش الإسرائيلي فيما بعد بمسؤوليته عن العملية. لقد سبق لشارون أن صرح بأنه سوف يصعد من عمليات تعقب وفتل قادة حماس بعد سلسلة من عمليات الإرهاب الفردي التي قامت بها حماس ضد أهداف إسرائيلية، من بينها تلك التي استهدفت ميناءً استراتيجيّا الأسبوع الماضي والتي أودت بحياة عشرة أشخاص. حسب قناة BBC، فإن مصادر عسكرية إسرائيلية أكدت أن تنظيم الهجوم على الشيخ ياسين وإدارته، قد تم بإشراف شارون شخصيا!
إن هذا الحادث قد قضى نهائيا على أي أمل وأي إمكانية للوصول إلى أي نوع من التسوية للصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والدولة الإسرائيلية. إذ لا يمكننا الآن أن نتوقع سوى تصاعد التقتيل في كلا الجانبين.
بمجرد ما انتشر الخبر، خرج آلاف الفلسطينيين إلى الشوارع، والدموع تملأ عيون الكثير منهم، لإدانة إسرائيل والمطالبة بالثأر، في الوقت الذي أطلق فيه مقاتلون الرصاص في الهواء. ولقد امتدت موجة التظاهرات إلى باقي المناطق الفلسطينية الأخرى. وهناك أخبار عن وقوع مواجهات بين شباب فلسطيني وجنود إسرائيليين.
أدان مسؤولو السلطة الفلسطينية الهجوم. وقد صرح الوزير الأول احمد قريع قائلا: «إن هذا عمل أحمق وجد خطير. انه يفتح الباب على مصراعيه للفوضى. إن ياسين معروف باعتداله وبأنه كان يتحكم في حماس، ومن ثم فان هذا عمل خطير وجبان».
إن ياسين، الذي كان في أواخر الستينات من العمر، كان يلازم كرسيه المتحرك منذ تعرضه لحادثة عندما كان مراهقا، أدت إلى إصابته بالشلل. وكان أيضا مصاب بصمم جزئي. لقد حُكم عليه سنة 1989من طرف القضاء الإسرائيلي بالسجن مدى الحياة بسبب تأسيسه لحماس وتحريضه الفلسطينيين على مهاجمة الإسرائيليين، لكن إسرائيل أطلقت سراحه سنة 1997، في إجراء مزعوم للتعبير عن حسن النوايا بعد فشل محاولة اغتيال قائد حماس خالد مشعل في الأردن.
إن هذه العملية كافية لفضح أهداف شارون الحقيقية. فلقد سبق له أن أعلن عن انه يخطط للانسحاب من غزة، لكنه تراجع وصرح أنه لا يزال يريد الحفاظ على تواجد في الشمال، وفي منطقة يريد إلحاقها بإسرائيل وكذلك على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر. إن “انسحابا” كهذا ليس في الواقع انسحابا. إن ما يحاول شارون تحقيقه هو جعل الفلسطينيين (أو على الأقل “السلطة الفلسطينية”) حراسا على أنفسهم. مما سوف يؤدي عمليا إلى حدوث مواجهات بين الفلسطينيين.
كما سبق لنا أن أشرنا، يوم الجمعة في مقال: «مشروع شارون يهدف إلى إشعال حرب أهلية بين الفلسطينيين في غزة» فان شارون سوف يكون «ومعه العديد من الأعضاء داخل دوائر الحكم، مسرورين لمغادرة غزة، تلك الرقعة الصغيرة والشديدة الفقر والتي تعتبر اشد مناطق العالم اكتضاضا. كل ما يشغله هو أن المعارضة، بما فيها حماس قوية جدا في غزة، سوف تتحكم في المنطقة بمجرد أن تغادرها إسرائيل».
و لهذا اتخذ شارون القرار ضرب قلب حماس. لكن المجانين فقط هم من يمكنهم أن يصدقوا أن هذه العملية سوف تقدم أي حل. فياسين سيتحول الآن إلى شهيد لحماس. وبدل أن تنخفض وتيرة التفجيرات الانتحارية، سوف تلعب، هذه العملية، دورا هاما في تسهيل مأمورية قادة حماس المسؤولين عن تجنيد الأعضاء الجدد. إذ سيكون هناك عدد اكبر من الشباب المستعدين للقيام بالهجومات فورا وهذا ما أكده أحد قادة حماس، عبد العزيز الرنتيسي، قائلا: «إن المعركة قد بدأت والحرب بيننا وبينهم قد بدأت. لقد قتلوا اليوم رمزا إسلاميا».
هنالك منطق ينظم كل هذا. فكما سبق لنا أن شرحنا في مقال سابق: «إسرائيل: تفجيرات أشدود: كيف تغذي الرجعية والإرهاب الفردي بعضهما الآخر» إن عمليات الإرهاب الفردي التي يقوم بها الانتحاريون الفلسطينيون، يتم استغلالها من طرف الرجعيين من أمثال شارون، والعكس صحيح، إذ تؤدي عمليات القمع، مثل هذه العملية الأخيرة، التي أدت إلى مقتل ياسين، إلى إشعال المزيد من الغضب ومن تم الرغبة في “رد الصفعة”، بين الفلسطينيين وخاصة بين الشباب المحرومين، الذين يعيشون في ظل ظروف اجتماعية رهيبة.
كم من العمال الإسرائيليين البسطاء سيكون عليهم الآن ترقب الأسوأ؟ أين ستحدث العملية الإرهابية المقبلة؟.. هذا ما يراهن عليه شارون. انه يتمنى استغلال رد فعل بعض الشباب الفلسطيني، ليعمل على تصعيد القمع ضد الشعب الفلسطيني بأسره. كما سيخدمه ذلك، ليبرر الجدار الذي يبنيه والذي يقطع عي منتصف جسد المجتمع الفلسطيني بأسره.
إن هذا الإجراء يهدف إلى جعل وضع الجمود الحالي أبديا. ليظل الشعب الفلسطيني مجبرا على العيش مسجونا في بيته، بدون عمل ولا ماء شروب.. الخ ويظل الشعب الإسرائيلي مركزا انتباهه على الرعب من حدوث انفجار في أية لحظة. ليبقى المخرج الحقيقي من هذا الوضع مفقودا. لقد صارت الحياة صعبة بالنسبة لكلا الطرفين. ففي الوقت الذي يُمنع فيه الفلسطينيون من الوصول إلى أماكن عملهم في الأراضي المحتلة، يرتفع معدل البطالة داخل إسرائيل وتهاجم الحكومة جميع المكاسب الاجتماعية التي حققها العمال عير عقود من النضالات. طالما استمر هذا الوضع هكذا سيظل كلا الشعبان يريان شروط عيشهم تسوء يوما بعد بوم. وهذا هو السبب الذي يجعل من قتل ياسين، جريمة دموية ضد الجماهير في كلا الشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي.
لقد رفض حكام الولايات المتحدة، بالطيع إدانة هذا العمل الإرهابي الإجرامي، الذي قامت به العصابة الحاكمة في إسرائيل، واكتفوا بدعوة كلا الجانبين إلى “ضبط النفس”! إذ بالنسبة لبوش وجماعته، يعتبر إرهاب الدولة مسألة شرعية. كما أن شارون لا يعمل سوى على تقليد ما يقوم به بوش على الصعيد الدولي. وينظر إلى تحركاته ضد حماس وباقي المنظمات الفلسطينية الأخرى، باعتبارها جزءً من “الحرب الشاملة ضد الإرهاب”. لقد رأينا كم حققت حرب بوش على الإرهاب، من نجاح في إسبانيا، فبدل أن تنجح في ردع التهديد الإرهابي، رأينا ما حدث من تقتيل بشع في مدريد حيث كان العمال الاسبان البسطاء، مجبرين على أداء ثمن المغامرات الإمبريالية لحكومتهم.
لم يعمل قتل ياسين سوى على صب الزيت على النار المشتعلة أصلا. إذ سوف يعيش كل من الإسرائيليين والفلسطينيين سلسلة من الكوابيس. وهذا ما يقدم الدليل، مرة أخرى، على أن المخرج الوحيد من هذا الفخ الدموي، هو سياسة مستقلة للطبقة العاملة. بالرغم من جميع الذئاب التي تعوي، ورغم أنف جميع من يسمَّون “عمليين” وعقلانيين، سوف لن نتوقف نحن عن شرح ضرورة أن يجد الشعب الإسرائيلي والفلسطيني مخرجا من المأزق المميت الذي يوجدون فيه، وهذا غير ممكن، إلا عبر خوض نضال موحد، تحت قيادة الطبقة العاملة، للقضاء على الكابوس الرأسمالي.
إنه واجب منظمات الحركة العمالية، في كلا الجانبين، أن تقدم البديل. والخطوة الأولى التي يجب القيام بها، للخروج من هذا الكابوس، هي تنظيم نضال جماهير كلا الشعبين، ضد كل من إرهاب الدولة والإرهاب الفردي، كما كان عليه الحال في إسبانيا، حيث خرجت العديد من التظاهرات ضد كل من الإرهابيين والإمبرياليين الذين أشعلوا الحرب ضد العراق.
ويمكن للحزب الشيوعي في إسرائيل أن يلعب دورا في هذا الصدد. إذ يمتلك فروعا في كل إسرائيل، كما يمتلك حضورا داخل النقابات. يتوجب عليه أن يأخذ المبادرة في دعوة الحركة العمالية في إسرائيل، إلى ضرورة التعبير عن معارضة عمالية لطرق شارون. فعمال إسرائيل ليس لديهم ما يكسبونه من كل تلك الممارسات. إن المطلوب هو تنظيم حركة جماهيرية حول شعارات: فلتسقط الحكومة الإرهابية ; فلتسقط الحكومة ; فلنضع حدا لإرهاب الدولة والإرهاب الفردي. ولن يتحقق هذا إلا عبر تعبئة الجماهير. لقد كان هذا ممكنا في إسبانيا. وهو ممكن أيضا في إسرائيل.
يوسي شوارتز و فريد وستون
22 مارس 2004
عنوان النص بالإنجليزية:
The Rulers of Israel have killed Hamas’ Shaikh Ahmad Yassin – A bloody crime against both nations