الرئيسية / دول العالم / أوروبا / إسبانيا / إسبانيا: حركة العمال والطلبة تهزم اليمين

إسبانيا: حركة العمال والطلبة تهزم اليمين

شهدت إسبانيا الشهر الماضي تغير فجائي في الوضع السياسي بأكمله بحيث سيكون له تأثيرات وانعكاسات داخلية ودولية. فالقوة والصلابة الظاهرية للحزب الشعبي (حزب اليمين) وحكومته تم كنسها في أيام قليلة من قبل حركة الملايين من العمال والشباب، وتجسدت بشكل فوري في نتائج انتخابات 14 مارس.

لن يكون من السهل فهم هذه النتائج بدون الأخذ في الاعتبار كل أشكال المواجهة مع سياسة الحزب الشعبي في السنوات الماضية، تلك التي أضيف إليها هجوم 11 مارس في مدريد وما استتبعه من أداء الحكومة بشكل مخزي، وهو ما أثمر في النهاية وبشكل فجائي في أيام قليلة. في بعض الحالات يمكن تركيز تاريخ سنوات فقط في بعض الأيام.

كشف اعتداء 11 مارس الوحشي في أحياء عمالية وما نتج عنه من 200 قتيل وأكثر من 1500 جريح، وكذلك التلاعب الفظ والمثير للاشمئزاز بهذه الجريمة من قبل الحزب الشعبي من أجل الخروج بربح انتخابي، كشف عن الغضب العميق الكامن بين صفوف العمال، وقد عبر بشكل فعلي شعار “الحرب حربهم والموتى موتانا” عن الحالة النفسية لمئات الألاف من المتظاهرين في الشوارع. لقد قامت هذه الحكومة بالدعم غير المشروط للحرب الإمبريالية في مواجهة المعارضة الجماهيرية للملايين، متسببة في مجزرة في العراق، وواضعة الإسبان في الوقت نفسه في مواجهة مع المجموعات الإرهابية المتشددة. لم تأخذ الحكومة في الاعتبار المعارضة الضخمة التي كشفت عنها المظاهرات الجماهيرية، فقد كان الهم الوحيد فقط هو مشاركتها في قمع الشعب العراقي وفي أرباح الشركات متعددة الجنسيات.

لقد تم كسب انتخابات 14 مارس بأصوات اليسار وليس بأصوات الوسط:

من العناصر الأكثر بروزاً في انتخابات 14 مارس كانت زيادة المشاركة ب 8.5 نقطة مقارنة بانتخابات عام 2000، فلقد زادت المشاركة من 68.71% إلى 77.21%، وهو ما يعني 2.5 مليون صوت إضافي.

هذه الظاهرة كانت هي السبب في تكذيب كل الأفكار التي تزعم نقص الوعي العمالي والشبابي، فلا تتفق وحقيقة الحركات الجماهيرية في السنوات السابقة، لكن في نفس الوقت هذه المقولات كان يرددها القادة الإصلاحيين للطبقة العاملة وبعض نشطاء الوسط بشكل مستمر.

ومنذ شهور لم يكف قسم كبير من “الخبراء” والمحللين السياسيين على ترديد مقولة أنه لكي يربح الحزب الاشتراكي يجب عليه أن يكسب أصوات “الوسط”. على أساس هذه الفكرة كان المراد هو تبرير رسالة في غاية البساطة، هي التي تتعلق بالمجال الاقتصادي وتم ترجمتها في اقتراحات ليست يسارية بأي حال من الأحوال وهي نفسها الاقتراحات التي قبلها قادة اللجان العمالية (CCOO) والاتحاد العام للعمل (UGT) –وهم المعروفين بيساريتهم- بدون أي تحفظات ملموسة.

الآن وبعد النصر الانتخابي، بادر نفس الباحثين عن صوت “الوسط” إلى الإشارة إلى أهمية هذا العنصر فيما يقرب من 11 مليون صوت التي حصل عليها الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE). وعلى هذا الأساس يمكن أن نقرأ ما يلي: «لكن لا الأصوات الجديد ولا المشاركة الأكبر يمكن أن يفسروا بشكل كافي أسباب الزيادة في أصوات الحزب الاشتراكي (PSOE)، فقط التغير في أصوات بعض أقسام اليمين نحو اليسار هي التي يمكن لها ان تفسر هذا التحول الانتخاب»  (El Pais 16/3/4)

للرد على هذا التحليل الذي ليس له أي علاقة بالواقع، من الأفضل الإشارة إلى بعض الوقائع: لقد خسر الحزب الشعبي 690.000 صوت وهو ما يمثل 6.7% من الأصوات التي حصل عليها عام 2000 ومحافظاً بذلك على 93.3% من أصواته. في نفس الوقت كسب الحزب الاشتراكي ما يقرب من “ثلاثة ملايين صوت” زيادة على ما حصل عليه عام 2000. إذن كيف يمكن تأكيد هذا الوهم الخاص “بقسم من أصوات اليمين” إذا لم يكن فقط لمحاولة التقليل من أهمية التحول اليساري الذي أثمر عن ذلك، وهو المظهر الرئيسي والمهيمن في تلك الانتخابات؟

يتأكد هذا بشكل أكثر وضوحاً إذا قمنا بتحليل أكثر قرباً للنتائج. نأخذ على سبيل المثال البيانات الخاصة بمدريد، حيث يعيش قسم كبير من الطبقات المتوسطة وصغار التجار والمهنيين مع أقسام كبيرة من عمال المصانع وعمال البناء وعمال الخدمات. نظرياً ووفقاً لـ”الخبراء المحللين” فإن هذه الطبقات هي الأصوات الأكثر وضوحاً لـ”الوسط”. لكن فلنلق نظرة على المعطيات الواقعية: زادت المشاركة في مدريد بنسية 8.59% بحيث وصلت إلى 80.67% وهو ما يعني 63.376 زيادة في عدد الأصوات مقارنة بسنة 2000. يخسر الحزب الشعبي 66.749 صوت ويخسر الاتحاد اليساري (IU) 63.376 صوت، هذه الأصوات الأخيرة وبحق والخاصة بالاتحاد اليساري قد فقدت لصالح الحزب الاشتراكي. لكن في المقابل يكسب الحزب الاشتراكي 507.286 صوت زيادة عن أصواته في عام 2000. مع هذه المعطيات لا يمكن النظر بجدية إلى الدور الذي لعبته أصوات “الوسط” في الزيادة الضخمة لأصوات الحزب الاشتراكي في مدريد.

تراجعت أيضاً وبشكل واضح نسبة الامتناع عن التصويت التي شهدتها انتخابات السنوات السابقة والتي كانت تتسبب في فوارق بين أصوات اليسار واليمين، وهو ما يؤكد أن الزيادة الرئيسية في المشاركة كان مصدرها العمال والشباب.

نتيجة أخرى يمكن استخلاصها من تحليل البيانات الانتخابية وهي أن الأغلبية العظمى من الطبقات المتوسطة والتي ساندت الحزب الشعبي (PP) انتخابياً من قبل، استمرت في دعمه في انتخابات 14 مارس. فكما أوضحنا في مرات سابقة فإن الطبقات المتوسطة هي قطاع غير متجانس، يتذبذب بشكل مستمر ما بين البرجوازية والطبقة العاملة، ويتبع من يعتقد ان بإمكانه حل مشاكله.

رغم أنه القطاع الأكثر تذبذباً في المجتمع، يوجد من بين صغار المزارعين الذين يعانون من عدم الأمان فيما يخص المستقبل، أو الفنانين أو المثقفين الرافضين للأشكال الفاشية والرجعية وهم الأكثر حساسية لمثل هذا الأداء من قبل الحزب الشعب، من أعلن قطيعته مع اليمين في هذه السنوات.

في نفس الوقت فقد احتفظ الوضع الاقتصادي إجمالاً على استقراره إلى حد ما في هذه السنوات بالنسبة لكثير من التجار وصغار المستثمرين والمهنيين الذين استطاعوا أن يستثمروا بطريقة مدرة للربح في البورصة أو في مضاربات الإسكان. بالطبع لا ترى هذه القطاعات سبباً في تغيير الحكومة وبالتالي استمروا أوفياء للحزب الشعبي، لا سيما وأنهم يعتقدون أنه بسبب الحزب الاشتراكي قد يتدهور الوضع في هذا المجال وهو ما ألح عليه “أثنار” والحزب الشعبي بإصرار.

الخبرة المستخلصة من حكومات الحزب الشعبي:

بفضل هذا الوضع الاقتصادي وسياسة عدم التحرك التي مارسها قادة النقابات وخاصة في ظل أول هيئة تشريعية للحزب الشعبي، استطاع هذا الأخير الاحتفاظ في السنوات السابقة بالحكومة مع استمراره في ارتكاب سلسلة من الاعتداءات على المكتسبات الاشتراكية وحقوق العمال والحريات الديمقراطية وعلى الأخص ما يتعلق منها بقضايا الجنسية.

إن موقف قادة اليسار السياسي والنقابي الإصلاحيين، بقبولهم هذه الاعتداءات باعتبارها أخف الضررين وبتخليهم عن الصراع، كان مصدر شؤم لأنه ساعد على التسبب في الخمول والبلبلة ما بين قطاعات واسعة، اتخذت القرار في ظل هذا السياق بعدم مشاركتها في انتخابات سنة 2000. فوجد اليسار نفسه في وضع انتخابي أضعف مع خسارة ثلاثة ملايين من الأصوات بين الحزب الاشتراكي والاتحاد اليساري وهو ما جعل ممكناً انتصار الحزب الشعبي بأغلبية مطلقة بصرف النظر على أن الزيادة تمثلت فقط في نصف مليون صوت.

وبدلاً من أن يستخلص يسار الحزب الاشتراكي والقادة النقابيين الدروس الصحيحة من الفترة السابقة والتي قادت بالحزب الشعبي إلى الحصول على الأغلبية المطلقة، توصلوا إلى كل ما هو مناقض وذلك باستمرارهم في ارتكاب الأخطاء السابقة: السعي إلى التحالف مع اليمين وإرضاءه، باعتبارها الطريقة الرئيسية–وفي بعض الأحيان الوحيدة- لمواجهة اعتداءات الحكومة الشرسة.

لكن هذا لم يمنع العمال من تنظيم أنفسهم لتحسين الأجور ومواجهة الفصل من العمل ولتجنب انتكاسات أكبر في ظروف العمل في الشركات، واجدين أنفسهم في كثير من الحالات في خضم النضال ضد أصحاب الشركات والحكومة وبدون دعم حقيقي من قادة النقابات. من الأمثلة الأكثر وضوحاً على مقاومة وشجاعة الطبقة العاملة، هي الحالة الخاصة بـ 1500 عامل من شركة “سينتل” اعتصموا عام 2001 مدة 187 يوم في مدريد.

بصرف النظر عن موقف القادة، فإن فكرة فرملة الحزب الشعبي بواسطة الإضراب العام كانت تكتسب أهمية ووضوحاً بشكل تدريجي بين صفوف مئات الآلاف من العمال. إن الضعف يولد العنف. لقد عبرت الحكومة عن رغبتها في السعي إلى فرض التزامات أكبر على النقابات فأصدرت “المرسوم بقرار تغيير قانون العمل”. وفي الواقع أرادت أن تقيس قوة الطبقة العاملة من خلال ضعف قادتها، إلا أنها منيت بهزيم مدوية.

إضراب 20 يونيو يغير الوضع:

مثل إضراب 20 يونيو 2002 نجاحاً سواء من حيث نسبة المشاركة أو من حيث إظهار قوة الطبقة العاملة. اضطرت الحكومة إلى سحب كل قراراتها تقريباً، وإذا لم يتم ذلك بشكل كامل فقد كان سببه –ومرة أخرى- هو ترددات القادة في الاستمرار قدماً في الصراع.

غير إضراب 20 يونيو كل الوضع، فقد كشف عن البيئة الحقيقية الموجودة بين الطبقة العاملة وأظهر بوضوح استعدادها للنضال، وكشف في أي جانب تقبع موازين القوى. هكذا ومن خلال خبرتها القاسية، تعلمت درساً جيداً: فلا الحكومة ولا اليمين هم بنفس القوة التي كان يصورها قادتهم.

أثر كل هذا بشكل حاسم على مسار الشهور والسنوات التالية. تفاقمت المشاكل بدءاً من كارثة البرستيج (على سواحل غاليثيا) مروراً بخطة تقسيم المياه الوطنية ثم القانون بتعديل النظام الجامعي ثم قانون تعديل نظام التعليم وأخيراً حرب العراق. لكن كان حاضراً رد الطبقة العاملة والشباب: تحركات جماهيرية بالملايين في الشوارع وإضرابات ومظاهرات، ودائماً كان دعم ومشاركة القادة العماليين يأتي بعد بدء الصراع.

كانت نتيجة هذا التحرك الديناميكي هو القطع المتنامي بين السياسة الرسمية والحياة الواقعية، وفي كثير من الحالات بين مسار القادة وواقع الصراع في المصانع. وتكشف هذا الوضع في أحداث تراجيدية مثل تلك الخاصة بشركة “ريبسول” في “بويرتويانو” تلك التي أسفرت عن وفاة عدد من العمال بسبب نقص في إجراءات الأمان. وعندما دعى قادة اللجان العمالية والاتحاد العام للعمل إلى الهدوء وسط هذه التراجيدية وقللوا من مسئولية الشركة متعددة الجنسيات من أجل وقف الإضراب الذي كان يمضي قدماً، تم طردهم من قبل العمال الذين تظاهروا في ذكرى الضحايا.

من هنا فإن تجربة السنوات الأخيرة والتي تسببت في كل هذه الأحداث هي التي أدت في النهاية إلى الهزيمة الانتخابية للحزب الشعبي.

تقاليد الطبقة العاملة:

عندما تتحرك الطبقة العاملة فإنها تعود إلى تقاليدها القديمة، تلك التي كان يعتقد أنها لم تعد بعد على قيد الحياة لأنها تنتمي إلى أيام قديمة وبعيدة اختفت إلى الأبد.

إن الأحداث التي تعاقبت سريعاً منذ الخميس الدامي لـ 11 مارس وحتى يوم الأحد 14 مارس (الانتخابات) كشفت عن هذه الملامح، التي يمكن أن نرى سوابق لها–عدا بعض الاختلافات الراجعة لعامل الزمن والأحداث- في الصراع الثوري ضد ديكتاتورية فرانكو وحتى في الصراع الراجع لسنوات الثلاثينيات المتمثل في المواجهات الكثيرة التي تصدى لها اليسار ضد الرجعية.

خرج المئات من العمال والشباب إلى الشارع بشكل عفوي أو شبه عفوي في اليوم السابق على الانتخابات (وهو ما يسمى بيوم التفكير!!!). تزايدت الأعداد بشكل تدريجي في المظاهرات ضد أكاذيب ووقاحة الحزب الشعبي. تم احتلال الشوارع وقطع المرور، فاختارت الحكومة –أو لم يكن لها سبيل آخر- عدم القيام بأي رد فعل في مواجهة المتظاهرين، تلك المواجهات التي كان من الممكن في حالة حدوثها وفي ظل الحالة النفسية التي كان يموج بها المتظاهرين أن تعمل على تدهور الأمور بدرجة أكبر بكثير. لكن ما أروع ما حدث في هذا اليوم!! عكست الشعارات الراديكالية لهذه المظاهرات القفزة في الوعي لدى مئات الألاف من الشباب والعمال، وهو أيضاً ما انعكس بوضوح أثناء المظاهرات المناهضة للحرب. لقد تمت الإطاحة بكل البقرات المقدسة لـ “الديمقراطية البرجوازية” مثل: احترام المؤسسات ودور وسائل الإعلام وشرعية الانتخابات باحترام يوم التفكير هذا، واحترام المجلس التشريعي، كل هذا تم تحطيمه من قبل الفعل المباشر للآلاف الذين وقفوا خلف الحواجز الموضوعة أمام مقر الحزب الشعبي.

تقاليد اليمين:

شهدنا خلال السنوات الماضية أداء اليمين انطلاقاً من الشعار الشهير “نحو الوسط” للمرحلة الأولى من حكم الحزب الشعبي، وحتى وصوله إلى شعار “إسبانيا واحدة، كبيرة وحرة” ذلك المعبر عن القومية الإسبانية في أشد أشكالها عنفاً والتي صنعوا منها حليتهم في سنواتهم الأربعة الأخيرة. لقد كان لهذه الخبرة في المقام الأول تأثيراً كبيراً عبى الأجيال الجديدة والتي وصلت إلى تصديق الدعاية القائلة بـ “حداثة” اليمين وعدم وجود فوارق بينهم وبين اليسار. إلا أن خبرة هذه السنوات ساعدت في الكشف لكثير من الشباب عن الطبيعة الرجعية لليمين. لقد قاموا بتقييد الحريات عن طريق قوانينهم القمعية واضعين الشباب في موضع الشبهة دائماً ومعتبرين إياهم إما مجرمين أو سكارى أو كسالى لا يرغبون في التعليم. على المستوى الوطني قاموا ببعث القومية الإسبانية الأكثر رجعية، مستخدمين “الإرهاب” لتبرير كل سياساتهم ولسحق أي حركة ساعية للدفاع عن الحقوق الديمقراطية وما يتعلق منها بالجنسيات.

على المستوى الاجتماعي، فإن مصالحهم الطبقية كانت جلية في كل خطوة اتخذوها: مثل القرار بتعديل قانون العمل ومثل الاقتطاعات في معونة البطالة ومعونة الزراعة في الإقطاعات الأندلسية القديمة التقليدية وذلك في مواجهة عمال المياومة، ومثل العقود ذات الشروط غاية في السوء وأيضاً محاباة المضاربين…الخ.

تزايد الاستقطاب الاجتماعي:

لقد ساعد اليمين بسياسته على أن يصل الاستقطاب الاجتماعي في سنوات قليلة نسبة لم يصل إليها في العقود السابقة. من هنا فإن الوضع الحالي هو مثير للقلق من جانب البرجوازية التي تعتبر من الخطورة بمكان على مصالحها أن تستعيد الطبقة العاملة طريق التحرك. لقد كانت البرجوازية الإسبانية تاريخياً ودائماً ضعيفة، وفي اللحظات الحرجة احتاجت دعم القطاعات الأكثر إصلاحية من حركة الطبقة العاملة لاستمرارها في الحكم. وأصدق مثال على هذا كان عملية التحول الإسباني منذ ثلاثين عام. لكن هذه الزيادة في الاستقطاب الاجتماعي لم تكن فقط هي نتاج التشدد السياسي للحزب الشعبي، إنما تجد جذورها في الظروف الحالية للرأسمالية سواء على المستوى القومي أو على المستوى الدولي. نفس هذا الوضع يمكن أن نجده الآن على مستوى كل العالم من أمريكا اللاتينية وحتى أوروبا. ولا يجب أن ننسى أننا شهدنا في السنوات الماضية حركة إضرابية أثرت على كل أوروبا تقريباً، وكذلك مظاهرات جماهيرية مناهضة للحرب في كل العالم. هذه هي الظروف التي أسفرت عن كل حوادث هذه الأيام في إسبانيا والتي لها انعكاساتها على المستوى الدولي.

الحكومة القادمة للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني:

هذه النتائج يمكن البدء في رصدها مع إعلان “ثاباتيرو” (رئيس الحكومة) بالوفاء بوعده بسحب القوات الإسبانية قبل يوم 30 يونيو إذا لم يكونوا تحت قيادة الأمم المتحدة. وهو ما سيكون له تأثيرات على الولايات المتحدة فيما يتعلق بوضع إعادة انتخاب “بوش” موضع الشك، وكذلك في تزايد الصعوبات أمام “بلير” في إنجلترا وأيضاً في كل البلاد التي شاركت في الاحتلال.

هكذا فإن اعتداء 11 مارس الوحشي أظهر بوضوح أن دعوة “حرب ضد الإرهاب” لم تكن فقط الحل، وإنما كانت السبب في زيادة الإرهاب في كل العالم.

إن مطلب ملايين العمال والشباب الذين تحركوا في هذه الأيام لهو واضح بالنسبة لحكومة الحزب الاشتراكي، وسيكون من الصعب جداً المناورة بورقة الأمم المتحدة كتبرير لعدم الامتثال لهذا المطلب. لقد وصل الحزب الاشتراكي إلى الحكم على أكتاف حركة جماهير اليسار، والآمال في هذه اللحظة لهي عريضة، ليس فقط فيما يتعلق بانسحاب القوات وإنما كذلك في كل النواحي. إن تغيير السياسة التي تبناها الحزب الشعبي فيما يتعلق بالمساكن والصحة والتعليم والهجرة والقضية القومية وحقوق العمال لهي مطلب الإحدى عشر ملايين من الأصوات.

على الرغم من أن النتائج الانتخابية حملت إلى البرلمان أغلبية يسارية، بما في ذلك ما حصل عليه ثلاثي كاتالونبا من أغلبية مطلقة، فإن “ثاباتيرو” قد شكل حكومة فردية معتمداً فقط على عدد النقاط. من هنا فلم تختف بعد حدة التوتر والخلافات التي ظهرت على السطح في الشهور الأخيرة، وما أعلنه “بونو” و”إيبارا” أكثر من مرة وضع سكرتير الحزب الاشتراكي أمام صعوبات. ورغم ان الأوضاع قد تغيرت الآن، فلن تختفي الاختلافات بين مختلف قادة الأحزاب بين عشية وضحاها.

أهمية برنامج اشتراكي حقيقي:

إن كل المطالب المطروحة على عاتق الحكومة الجديدة لهي عادلة وضرورية، وكذلك فإن الآمال في الوفاء بها كلها لهي عريضة. ولقد عكست بالفعل صيحة “لا تحبطنا” تلك التي رددتها الجماهير أمام مقر الحزب الاشتراكي ليلة فوزه بالانتخابات عن هذه الحالة المعنوية. لكن وفي نفس الوقت فإن الضغوط من القطاع الآخر من أصحاب العمل ومن الشركات المتعددة الجنسيات ومن الكنيسة سيكون لها تأثير، كما أثبتت خبرة الحكومات الحزب الاشتراكي السابقة.

من هنا فإذا أرادت الحكومة الاستجابة لمتطلبات الطبقة العاملة، عليها مواجهة أي ضغط قد يضع تنفيذ متطلبات قاعدته موضع الشك. ولتحقيق هذه الاحتياجات الضرورية، سيكون من الحتمي اللجوء إلى الموارد الاقتصادية التي تملكها البنوك والشركات متعددة الجنسيات والذين بالطبع سوف يعارضون بأظافرهم وأسنانهم أي مس بمصالحهم “المقدسة”. من هنا فلن يكون من الممكن اعتماد أي سياسة وسطية.

إذا رفض وعاند ذوو الامتيازات في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لمشاكل مثل السكن وإخراج الدين من المدارس وجعل التعليم شامل وعلمي وعلماني ومجاني، والحق في تأمين صحي عام وذي جودة، فإن هذه الموارد الاقتصادية اللازمة للرفاهية الاجتماعية لصالح غالبية المجتمع سيكون من الضروري انتزاع ملكيتها ووضعها تحت سيطرة العمال. ولتحقيق ذلك لابد من الاعتماد على قوة تحرك الملايين من العمال والشباب الذين أظهروا استعدادهم للنضال. في نفس الوقت سيكون ذلك هو أفضل طريق لكسب قطاعات واسعة من الطبقات المتوسطة التي سوف ترى أمام عينيها حكومة قوية لها قاعدة شعبية ولديها التصميم على البدء بشكل حقيقي في التغيير ووضع حد لأمراض ومظالم المجتمع الحالي.

النضال من أجل الاشتراكية:

يتميز العمال بعمليتهم وقدرتهم الكبيرة على التعلم من خبراتهم. ففي هذه اللحظات كان الهدف المباشر هو طرد الحزب الشعبي من الحكومة ولهذا لم يترددوا لحظة في التصويت لصالح الحزب الاشتراكي. لكن أولاً وأخيراً فإن الطبقة العاملة بحاجة إلى مؤسساتها السياسية والنقابية. ومن أجل النضال اليومي للدفاع عن نفسها في مواجهة اليمين، لا تكفي المعركة العفوية إلى حد ما، بما في ذلك في اللحظات الأكثر حسماً للمعركة، من هنا فإن التنظيم لا غنى عنه.

إن الواقع الحالي –وكما رأينا في كثير من الحالات- والمتمثل في أن الأداء السياسي لقيادات التنظيمات التقليدية الجماهيرية للطبقة العاملة لا يعتبر بأي حال من الأحوال صحيحاً، بل على العكس فقد تحولوا إلى داعمين للنظام الرأسمالي، من هنا فقد نتج عنه غياب مشاركة العمال في هذه التنظيمات، وهو ما ساعد بدوره على زيادة قوة البيروقراطية وبالتالي زعزعة حركة الطبقة العاملة.

إن الرأسمالية هي المسئولة عن الوضع الحالي للحروب والجوع والبطالة…الخ، وباختصار عن الافتقاد إلى مستقبل كريم للغالبية العريضة من المجتمع. في الوقت الحالي يوجد فائض من الوسائل المادية ما يكفي للقضاء على هذه الأمراض في كل الكرة الأرضية. فمن الممكن الحصول على إنتاج يكفي لإشباع كل الحاجات الأساسية وأكثر منها. العائق الوحيد يتمثل في النظام الحالي للإنتاج: وهي الرأسمالية. فقط بوضع هذه الإمكانيات الحالية لسد احتياجات الغالبية وليس على العكس لخدمة أقلية مستفيدة، يمكن وضع حد لهذا النظام. فقط مع التحول الاشتراكي للمجتمع يمكن لنا أن نحقق حياة تستحق العيش فيها.

انضم إلى ماركسيي “المناضل” لتقوية الصراع من أجل الاشتراكية.

الميلتانتي
17 مارس 2004

عنوان النص بالاسبانية:

La movilización de los trabajadores y la juventud derrota a la derecha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *