الرئيسية / دول العالم / أوروبا / إسبانيا / الانتخابات الإسبانية: “الكتلة التقدمية” تقاوم هجمة اليمين، لكنها تتلقى إنذارا أخيرا

الانتخابات الإسبانية: “الكتلة التقدمية” تقاوم هجمة اليمين، لكنها تتلقى إنذارا أخيرا

لقد أسفرت الانتخابات الإسبانية المبكرة، يوم 23 يوليوز، عن نتائج غير متوقعة. إذ فشل كل من الحزب الشعبي اليميني وحزب فوكس (VOX) اليميني المتطرف في الحصول على الأغلبية المطلقة التي تنبأت بها استطلاعات الرأي. وقد أدى حشد التصويت لصالح اليسار في اللحظة الأخيرة، لمنع دخول أقصى اليمين إلى الحكومة لأول مرة، وإلى التصويت لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حقق نتيجة أفضل مما كان متوقعا، مما أدى إلى برلمان معلق. سيكون تشكيل حكومة جديدة أمرا معقدا وقد يؤدي إلى إعادة الانتخابات، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الطبقة السائدة الإسبانية إلى حكومة قوية لمواجهة الركود القادم. هذه المقالة التي كتبها الرفاق أعضاء منظمة الصراع الطبقي (Lucha de Clases) -الفرع الإسباني للتيار الماركسي الأممي- تشرح أسباب هذا السيناريو.


صمد التحالف الذي يسمى بـ”الكتلة التقدمية” -المكونة من الحزب الاشتراكي  وسومار (SUMAR: ائتلاف على يسار الحزب الاشتراكي  يضم Unidas Podemos بقيادة يولاندا دياز)- في وجه هجوم اليمين. صارت هزيمة هذا الأخير ممكنة بفضل التعبئة المكثفة لأصوات اليسار خلال الأيام القليلة الماضية قبيل الحملة الانتخابية. كما أن نتيجة الانتخابات ترسل تحذيرا أخيرا للحكومة حول أن سياستها الرامية إلى تدبير الأزمة الرأسمالية لا تؤدي إلى حل المشكلات الملحة لأسر الطبقة العاملة. لكن الصراخ حول أن “ذئب اليمين المتطرف قادم” قد لا يكون فعالا في المرة القادمة.

لا يمكن أن يكون هناك أي حل حقيقي للمشاكل الاجتماعية والديمقراطية الحادة التي تواجهها إسبانيا ضمن الحدود الضيقة للرأسمالية الإسبانية المتخلفة، ببرجوازيتها الجشعة والطفيلية، وجهاز الدولة الرجعي والانتقامي، وفي سياق أزمة رأسمالية عالمية جديدة. إن حل مشكلة الإسكان والتوظيف الهش، وارتفاع تكلفة المعيشة والطاقة، والظروف الشبيهة بالعبودية التي يعيشها شباب الطبقة العاملة والعمال المهاجرون، والمسألة الوطنية الكتالونية والباسكية، والمؤامرات الرجعية للطبقة القضائية والشرطة، والمَلَكية الفاسدة التي تعلو على الحكومة المنتخبة من قبل الشعب، تتطلب مواجهة الرأسماليين الكبار وجهاز الدولة الفرانكوية الجديدة بسياسات اشتراكية شجاعة وتعبئة شعبية. لكن لا يوجد بين القوى التي تشكل ما يسمى بـ “الكتلة التقدمية” من هو على استعداد للقطيعة مع النظام الرأسمالي وشن نضال حاسم ضده.

ومع ذلك فإننا نتفهم تماما شعور الارتياح الذي يحس به الملايين من العمال والشباب الشرفاء وهم يرون اليمين الرجعي يتمرغ في الوحل. سيؤدي هذا بلا شك إلى زيادة ثقة تلك الفئات من الطبقة العاملة التي تعبأت، والتي شعرت بقوتها، والتي ستوجه، على المدى القصير، ضربة معنوية لقوى الردة الرجعية الظلامية.

لكن هذا الشعور بالثقة والقوة يجب أن يوجه، الآن أكثر من أي وقت مضى، نحو النضال ضد الاستغلال ونحو الدفاع عن كرامة أحياء الطبقة العاملة التي تتعرض للهجمات. يجب توجيهه إلى النضال ضد سوء المعاملة والعنف الذي تعاني منه النساء. ويجب أن يتوجه ضد سياسات هذه الحكومة الرجعية والموالية للإمبريالية (تورطها في الحرب في أوكرانيا، وخيانتها للشعب الصحراوي، إلخ)، وضد التشريعات الرجعية الذي حافظت عليها هذه الحكومة “التقدمية”، على الرغم من حصولها على الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي الأخير، مثل إصلاح قانون الشغل وقانون التكميم القمعي الذي أدخله الحزب الشعبي.

نتيجة تدل على استقطاب شديد

إذن ما الذي يجب أن نفهمه من انتخابات 23 يوليوز، وما هي المنظورات التي ستفتحها؟

حصل الحزب الشعبي وحزب Vox اليميني المتطرف وحلفاؤهما على 171 مقعدا. وفي الوقت نفسه، حصلت الكتلة التي تدعم حكومة حزب العمال الاشتراكي وأونيداس بوديموس على 172 مقعدا في المجلس التشريعي الأخير. الاستقطاب بين الكتلتين شديد. أما المقاعد السبعة المتبقية، التي تكمل إجمالي 350 مقعدا في البرلمان، فتعود إلى حزب معا من أجل كتالونيا (Junts per Catalunya) المؤيد للاستقلال بزعامة بويجديمونت، المنفي في بلجيكا والمطلوب من قبل نظام العدالة الإسباني.

يبدو كما لو أن الحزب الاشتراكي وحزب سومار يمكنهما تجديد حكومتهما الائتلافية بسهولة، أمام تأوهات اليمين. لكن مثل هذا الاحتمال يعتمد على قرار الحزب الكتالوني المؤيد للاستقلال، معا من أجل كتالونيا ، الذي سيحتاج فقط إلى الامتناع عن التصويت على تنصيب الحكومة الجديدة. وهذا شيء غير مؤكد بأي حال من الأحوال في الوقت الحاضر.

في هذه اللحظة يطالب حزب معا من أجل كتالونيا ، كشرط للامتناع عن التصويت، بالعفو عن جميع النشطاء المؤيدين للاستقلال المدانين بالمشاركة في الحركة الجماهيرية حول استفتاء الاستقلال الكتالوني في 01 أكتوبر 2017، وفي النضالات اللاحقة ضد قمع الدولة. كما طالب بإجراء استفتاء ملزم على استقلال كتالونيا . لكن هذا المطلب الأخير هو “خط أحمر” لن يتخطاه سانشيز أبدا لأنه سيمثل تحديا مباشرا للنظام الرجعي الرأسمالي الإسباني. سنرى في الأسابيع القادمة كيف ستسير الأمور.

كان إقبال الناخبين أعلى بكثير مما كان متوقعا، حيث تجاوز 70 %. تعتبر هذه النسبة عالية بالنظر إلى أن هذه الانتخابات المبكرة كانت غير متوقعة، وبسبب حالة الإحباط المعنوي لليسار، وبالنظر إلى أن العديد من الإسبان كانوا يقضون عطلهم. في ظل هذه الظروف يعكس الإقبال تلك التعبئة الواسعة النطاق لليسار التي تم إطلاقها في الأيام القليلة الماضية بهدف منع وصول تحالف الحزب الشعبي وVox إلى السلطة، بكل سياساته الشديدة الرجعية.

فازت الكتلة اليمينية الإسبانية (الحزب الشعبي وVox) مع حلفائها الإقليميين (ائتلاف كناريا من جزر الكناري وحزب UPN من نافارا) بنسبة 46.11 % من الأصوات (11.29 مليون صوت). وحصلت كتلة الحزب الاشتراكي- سومار على 44.01% (10.78 مليون صوت). حصل حلفاء هذه الأخيرة (القوميين الكتالونيين والباسكيين والغاليسيين والأحزاب المؤيدة للاستقلال، باستثناء حزب معا من أجل كتالونيا ) على 4.99% (1.22 مليون صوت).

في المجموع، سيعطي هذا الحزب الاشتراكي وسومار وحلفاؤهما 49 % من الأصوات (12 مليون صوت). وحتى لو تمت إزالة حزب PNV، حزب البورجوازية الباسكية، من هذه “الكتلة”، سيكون عند الكتلة الإسبانية الرسمية (الحزب الاشتراكي وسومار) وأحزاب اليسار -الحزب الباسكي (EH Bildu) والحزب الكتالاني (ERC) والحزب الغاليسي (BNG) – ما يصل إلى 47.88 % و 11.73 مليون صوت، وبالتالي سيتغلب أيضا على الكتلة اليمينية.

ومقارنة بالانتخابات العامة السابقة، في نوفمبر 2019، رفعت الكتلة القومية الإسبانية اليمينية أصواتها بنحو 700 ألف صوت، فيما خسرت الكتلة الحكومية وحلفاؤها 140 ألف صوت. ومع ذلك فإنه يجب وضع مكاسب اليمين القومي الإسباني وحلفاؤه في سياقها. فخلال الانتخابات العامة، في أبريل 2019، حصل اليمين على نفس عدد الأصوات التي حصل عليها الآن، 11.3 مليون، وقد خسر الانتخابات في ذلك الوقت أيضا.

وبعبارة أخرى فإن اليمين قادر على حشد قواعده باستمرار أثناء الانتخابات، في حين أن القاعدة الانتخابية للكتلة اليسارية الرسمية تتأرجح بسبب الافتقار إلى الحافز بفعل سياسات الحكومة.

نتائج كتلة الحزب الاشتراكي – سومار وحلفائها

لم يكن أداء الكتلة “التقدمية” ككل سيئا كما كان متوقعا، على الرغم من حدوث تراجع كبير إلى حد ما من قبل سومار (التي تجمع بقايا الأحزاب المتموقعة على يسار الحزب الاشتراكي: أونيداس بوديموس وماس باييس وكومبروميس). حصل هذا الائتلاف اليساري على ثلاثة ملايين صوت (12.31%) و 31 مقعدا. يمثل هذا خسارة 700.000 صوت (أو 7 مقاعد) مقارنة بانتخابات نوفمبر 2019. وفي المقابل فقد زاد الحزب الاشتراكي في الواقع من أصواته. إذ حصل على 7.76 مليون صوت (31.7%، أو 122 مقعدا)، مقارنة بـ 6.8 مليون (28% أو 120 مقعدًا) في نوفمبر 2019. وهكذا يمكننا أن نرى من الذي كسب سياسيا من الحكومة الائتلافية، ومن تمكن من أن يجمع حول نفسه ما يسمى بـ”التصويت المفيد” ضد اليمين.

لقد دفع حزب سومار ثمنا باهظا لافتقاره إلى الاستقلال السياسي والبرنامجي، وتقبل كل خيانات البرنامج الأصلي للحكومة، والذي كان أصلا برنامجا معتدلا منذ البداية، وكل التنازلات التي قدمها الحزب الاشتراكي للطبقة السائدة ولإمبريالية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الشؤون الخارجية. بقي سومار تحالفا غير متجانس من العديد من المجموعات، كلها تقريبا مجموعات إقليمية، بدون قواعد، باستثناء إزكييردا أونيدا. وقد تحولت بوديموس إلى مجموعة هامشية داخل سومار، حيث أعيد انتخاب خمسة فقط من نوابها المنتهية ولايتهم في قائمة سومار الانتخابية، مما يؤكد تدهورها الذي لا رجعة فيه.

وكانت هناك تحولات كبيرة في جانب الأحزاب القومية الباسكية والكتالونية، مقارنة بانتخابات نوفمبر 2019. كانت كتالونيا  واحدة من المناطق القليلة التي ارتفعت فيها أعداد الامتناع عن التصويت (مع 350 ألف ناخب أقل). كان هذا هو الحال بشكل خاص في أكثر المناطق قومية وتأييدا للاستقلال، وهو ما يعبر عن الإحباط في هذا المعسكر في مواجهة ما يعتبرونه خيانة من قبل حزب ERC بعودته إلى “الحكم الذاتي”. كما يعكس عدم وجود بديل حقيقي من قبل حزب معا من أجل كتالونيا  وحزب CUP (حزب استقلالي كتالوني يساري راديكالي) الذي فقد مقعديه.

وهكذا فإن الأحزاب المؤيدة للاستقلال انتقلت من 1.67 مليون صوت في نوفمبر 2019 إلى 954 ألف صوت فقط الآن. جزء من هذه الأصوات، وقبل كل شيء من ERC، كانت أصواتا عمالية عادت للحزب الاشتراكي، والذي زاد أصواته في كتالونيا  بأكثر من 400.000، وحصل على أصوات أكثر من أي حزب آخر هناك، مع 1.21 مليون صوت. كما كسب أيضا ما يقرب من 100.000 صوت من أدا كولاو (عمدة برشلونة السابقة)، والتي اندمجت أيضا في سومار.

على الرغم من الانتكاسة التي تعرضت لها الأحزاب المؤيدة للاستقلال، فقد كانت كتالونيا حاسمة، إلى جانب بلاد الباسك، في إلحاق الهزيمة باليمين على المستوى الوطني. ففي كتالونيا  حصلت الأحزاب الداعمة للحكومة المركزية على 33 مقعدا مقابل 8 لليمين الإسباني. وبشكل عام فقد حصل اليسار الإسباني (الحزب الاشتراكي وسومار) واليسار الكتالوني (ERC و CUP) على 64.5 % من الأصوات في كتالونيا .

في حالة إقليم الباسك، تفوق حزب اليسار الباسكي EH Bildu على حزب اليمين الباسكي PNV، بحيث وصل إجمالي أصوات اليسار الإسباني (الحزب الاشتراكي وسومار) والحزب الباسكي (EH Bildu) إلى 60 % من الأصوات في أوسكادي Euskadi و 56 % في نافارا. وهناك حصلت الأحزاب الداعمة للحكومة المركزية على 19 مقعدا مقابل 4 لليمين.

من المهم تسليط الضوء على أنه بين كتالونيا  وبلاد الباسك، فاز ما يسمى بـ “الكتلة التقدمية” بما مجموعه 40 مقعدا أكثر من كتلة الحزب الشعبي وVox! وبالتالي فلولا المساهمة الحيوية لكلا المنطقتين، لكانت كتلة الحزب الشعبي وVox قد انتصرت في إسبانيا ككل.

بعد أن حدد الجناح اليميني الإسباني الاستقلال، والقومية الكاتالونية والباسكية بشكل عام، باعتباره العدو الأول، فلا شك في أن المسألة القومية لعبت دورا كبيرا في التجذر وحشد الأصوات في كلا المنطقتين في مواجهة تهديدات اليمين. وعلاوة على ذلك توجد في كلا المنطقتين نسبة عالية من العمال الصناعيين، وكان تصويت العمال عاملا حاسما.

يدل هذا، مرة أخرى، على الطابع التقدمي والديمقراطي والثوري للنضال من أجل الحقوق القومية الديمقراطية، ولا سيما حق تقرير المصير في كلا المنطقتين، والذي يجب أن تدافع عنه الطبقة العاملة الإسبانية بأكملها دون قيد أو شرط، كجزء من نضالها العام ضد اليمين الفرنكاوي، والنظام الملكي الفاسد، والطبقة الرأسمالية الإسبانية المتخلفة.

نتائج اليمين

على الرغم من أن حزب الشعب يتباهى بحصوله على ثلاثة ملايين صوت إضافية (وصل إلى 8 ملايين)، فإن نقطة انطلاقه كانت المستوى المنخفض جدا الذي وصله في الانتخابات العامة لعام 2019. وكما كان متوقعا فقد استقطب الحزب الشعبي الأصوات المتبقية من سيودادانوس (حزب يميني “معتدل”) اعتبارا من نوفمبر 2019، بما يزيد قليلا عن 1.6 مليون صوت. كما حصد 600 ألف صوت آخر من فوكس، واستعاد 800 ألف صوت آخر من اليمينيين الذين امتنعوا عن التصويت في انتخابات نوفمبر 2019.

كان الخاسر الأكبر في الانتخابات هو حزب فوكس اليميني المتطرف، إذ خسر 600 ألف صوت و 19 مقعدًا. وعلى الرغم من تراجع القوى التي يتألف منها سومار، فإن فوكس لم يتجاوزها سوى بـ 19000 صوتا منها، في ما شكل عمليا تعادلا في المركز الثالث، عند حوالي 12.4 %.

هذا التراجع الواضح لحزب Vox يفند ادعاءات قطاعات معينة من اليسار الذين يتحدثون عن “صعود الفاشية”. لن تتمكن المواقف المجنونة والفظة لحزب Vox من أن تصبح أبدا موقفا مهيمنا في مجتمع تشكل فيه الطبقة العاملة الأغلبية الساحقة من السكان. لديه قاعدة اجتماعية ضيقة للغاية، مشكلة من ملاك الأراضي الهستيريين الرجعيين الصغار والمتوسطين، وبيروقراطية جهاز الدولة الفرانكاوية الجديدة، من القضاة والشرطة والجيش، والتي يمكن أن تجر أحيانا بعض الفئات المتخلفة والمهمشة من الطبقة العاملة.

من الأكيد أن اليمين تعرض لانتكاسة كبيرة. حيث أنه دخل في حالة من الزهو والغطرسة، فأظهر طبيعته الرجعية الحقيقية للمجتمع خلال الحملة الانتخابية، من خلال إلقاء خطب عنيفة وأكاذيب صريحة، وبدأ يهدد بالتراجع عن بعض الإصلاحات الاجتماعية التقدمية التي أتت بها حكومة الحزب الاشتراكي- أونيداس بوديموس، وفي حالة Vox إطلاق النكات المؤيدة للعنف ضد النساء، بل وحظر العروض الموسيقية والمسرحيات لأسباب أيديولوجية في بعض المدن والبلدات التي فاز فيها مؤخرا في الانتخابات البلدية. لقد أيقظت هذه الممارسات الغريزة الطبقية والمشاعر الديمقراطية لفئات اليسار التي لم تكن لديها دوافع في السابق، والتي ردت في اللحظة الأخيرة لمنع انتصار الحزب الشعبي وفوكس.

في الواقع، القاعدة الاجتماعية لليمين غير متجانسة على الإطلاق. فهي تتراوح بين الرجعيين البورجوازيين الصغار المجانين المأزومين، وفئات قليلة من عمال ذوي الامتيازات الذين يمتلكون عقلية برجوازية صغيرة، وشرائح متخلفة ويائسة من الطبقة العاملة، بل وحتى بعض الفئات النزيهة لكن غير المسيسة من الجماهير الذين أضر بهم عدم الاستقرار والافتقار إلى البدائل، ويريدون فقط تجربة “حكومة جديدة”، بسبب يأسهم.

يمكن لحكومة يسارية حازمة، تعمل على التصدي، بطريقة جذرية وعن قناعة، للمشاكل التي يواجهونها، أن تفصل بين العناصر الأكثر سلامة ونزاهة من البرجوازية الصغيرة والعمال المتخلفين سياسيا، وبين بقية الرعاع الرجعيين، الذي سيتحولون إلى مهمشين عاجزين.

عندما تم التواصل مع الأسر العمالية، وحدت النضالات حول القضايا الاجتماعية مئات الآلاف في الشوارع، كما رأينا خلال الاحتجاجات الرائعة من أجل الخدمات الصحية العمومية في مدريد. ووقفت في الوقت نفسه ضد محاولات اليمين استعراض القوة في العاصمة. وهو ما يوضح لنا ميزان القوى الحقيقي داخل المجتمع الإسباني اليوم.

ومن جهة أخرى يظهر حقيقة أن قوى النضال الاجتماعية الرائعة التي تحبل بها طبقتنا هي قوى سلبية وغير معبئة ومحبطة بسبب سياسات الحكومة “التقدمية” والنقابات العمالية الكبرى، والذين انتهوا جميعا إلى قبول شروط أرباب العمل والأثرياء وذوي السلطة بشأن كل المسائل الحاسمة.

لكن دعونا لا نخدع أنفسنا. لقد اقترب اليمين كثيرا من تحقيق الأغلبية الحكومية. وقد كانت هذه مسؤولية الحكومة بالكامل، التي فشلت في تقديم بديل للفوضى الرأسمالية التي دفعت الفئات الدنيا من البرجوازية الصغيرة والقطاعات المتخلفة سياسيا واليائسة من الطبقة العاملة إلى أحضان اليمين.

لقد بدأ العديد من الناس الشرفاء في التشكيك في الدور الجبان والإجرامي للحزب الاشتراكي، والصمت المتواطئ لزعيمة سومار، يولاندا دياز. رأينا ذلك في الطريقة التي اصطف بها الحزب الاشتراكي مع اليمين في مسألة قانون “فقط نعم تعني نعم”، بشأن مسألة العنف الجنسي ضد النساء. ورأينا ذلك في الطريقة الجبانة التي دافعت بها الحكومة عن اتفاقاتها مع الأحزاب الباسكية والكتالونية المؤيدة للاستقلال. لم يؤد ذلك إلا إلى تقوية القومية الإسبانية الرجعية، وتعميقها بين الفئات المتخلفة من العمال.

هذا لا يعني أننا ندافع عن محتوى تلك المواثيق التي تتكون بشكل عام من سياسات معتدلة واشتراكية ديمقراطية، وتسعى، في أفضل الأحوال، إلى انتزاع القليل من الفتات من موائد الأغنياء. بل نقول هذا لأن اليمين استخدم ذلك لتشويه الحقوق الديمقراطية والقومية للكتالونيين والباسكيين في نظر غالبية السكان. لقد نفخ ذلك الرياح في أشرعتهم، كما رأينا في الحملة الانتخابية.

خلاصات

كما قلنا في البداية، سانشيز ويولاندا دياز مخطئان إذا اعتقدا أن ما يقرب من 11 مليون صوت التي حصلا عليها تعني الموافقة على سياساتهما. إن الشباب على وجه الخصوص متشكك جدا تجاه هذه الحكومة.

هناك استياء ونفاد صبر وانزعاج من تراجع القوة الشرائية، واستحالة الحصول على سكن لائق والحصول على وظيفة مستقرة بأجر جيد، وبشكل عام حول ما سيجلبه المستقبل. هناك رفض للارتباطات المتنامية بالسياسات العسكرية لحلف شمال الأطلسي والإمبريالية الأمريكية، وخيانة الوعود التي لم يتم الوفاء بها مثل إلغاء إصلاح قانون الشغل الذي طبقه الحزب الشعبي وقانون الكمامة، وكذلك الابتزاز من قبل القضاة الرجعيين، وما إلى ذلك.

مئات الآلاف من الناس، من أكثر الفئات تقدما من الطبقة العاملة والشباب، حركتهم غريزة طبقية سليمة مفادها أنه عليهم أن يتصدوا مرة أخرى لليمين الرجعي. لكنهم أصدروا كذلك تحذيرا أخيرا لهذه الحكومة، مفاده أنها إذا لم تحدث تحولا واضحا في سياساتها، إذا لم تتخل عن سياسة الفتات والشعارات الفارغة، وتبدأ بجدية في معالجة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الشباب والطبقة العاملة بشكل يومي فإنه لا يمكنها أن تعتبر دعم الجماهير العمالية أمرا بديهيا وإلى أجل غير مسمى، فهم قد لا يأتون للإنقاذ في المرة القادمة.

لكن هذا يعني شن النضال بشجاعة ضد كبار الرأسماليين وجهاز الدولة الرجعي، والتخلي عن السياسات المؤيدة للإمبريالية المتبعة حتى الآن. لكن ذلك بالضبط هو ما أوضحت حكومة الحزب الاشتراكي وسومار أنها لن تفعله. ففي مواجهة الركود الرأسمالي العالمي الذي يلوح في الأفق مرة أخرى، والديون العامة المرتفعة التي تجتاح جميع الاقتصادات الوطنية، ستضطر الحكومة إلى تطبيق سياسة الاقتطاعات والهجمات ضد الطبقة العاملة، مثل تلك السياسات التي تطالب بها بالفعل المفوضية الأوروبية في بروكسل. هذا هو السبب في أننا مضطرون للتحذير مقدما: إذا نجح سانشيز في تشكيل حكومة جديدة، فستعتمد حكومته على أغلبية أضعف وأكثر هشاشة مما كانت عليه في ولايتها السابقة. إنها ستحبط حتما التوقعات الشعبية، وسيؤدي ذلك بحكومته إلى أزمة وعدم استقرار وفشل أكيد.

تواجه الطبقة السائدة الإسبانية أسوء وضع ممكن. ففي خضم الأمواج العاصفة التي تلوح في الأفق، هي بحاجة إلى حكومة قوية لا تتردد في تطبيق السياسة الأكثر ملاءمة لمصالحها. لن يحدث ذلك مع حكومة الحزب الاشتراكي وسومار، كما لن يتم ذلك من قبل حكومة الحزب الشعبي وفوكس إذا فازا بإعادة الانتخابات في الأشهر المقبلة، حيث سيكون هناك معدل امتناع مرتفع بسبب الإرهاق المتراكم واليأس، وسيحصلان على أغلبية هشة. وفي الحالة الأخيرة ستنظر جماهير الطبقة العاملة إليها، منذ اللحظة الأولى، باعتبارها حكومة يمينية، وتعاملها باشمئزاز كبير وكراهية وانعدام ثقة.

كل هذا ينذر بفترة عدم استقرار وتشنجات واشتداد حدة الصراع الطبقي في إسبانيا. وفي مواجهة فشل الاشتراكية الديمقراطية الغارقة في الأزمة، وغير القادرة على تقديم إصلاحات كبيرة والمستسلمة بشكل أساسي لمصالح الطبقة السائدة، أصبح من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، إعداد بديل شيوعي، يوحد أكثر قطاعات الطبقة العاملة تقدما والشباب الناشطين في الحركات الجماهيرية لإيصال هذه الأفكار إلى أوسع فئات الطبقة العاملة. انضموا إلى التيار الماركسي الأممي للمساهمة معنا في هذه المهمة!

منظمة الصراع الطبقي – الفرع الإسباني للتيار الماركسي الأممي

 25 يوليوز 2023

ترجم عن النص الانجليزي:

Spain elections: ‘Progressive Bloc’ resists onslaught of the right, but receives a final warning