في نفس الوقت الذي يعلن فيه شارون للعالم، عزمه على “الانسحاب” من غزة وأجزاء من الضفة الغربية، يواصل العمل بطريقة لا يمكنها إلا أن تسبب في حدوث مواجهة أكبر. وعلى كل حال، ليس انسحابه المزعوم شيئا حقيقيا. إذ مقابل الانسحاب من بعض أجزاء الأراضي الفلسطينية، يستعد شارون لضم أجزاء أخرى من أراضي الفلسطينيين. الشيء الذي لن يؤدي سوى إلى إثارة غضب الفلسطينيين أكثر فأكثر.
لقد توعدت حماس بضرب إسرائيل. وهكذا سوف يموت أناس أبرياء آخرون من كلا الجانبين. لكن وبالرغم من أن تأثير التفجيرات داخل إسرائيل هي أنها تجعل العديد من الإسرائيليين العاديين يعتقدون أن طرق شارون تمثل الجواب الأمثل، فإنه ومع مرور الوقت، يبدأ أكثر العناصر وعيا داخل الطبقة العاملة الإسرائيلية، يرون أن الطريق الذي يقودهم إليه شارون ليس في الواقع سوى درب مظلم. لا يقدم أي حل حقيقي للمشكلة. لقد تلقينا من إسرائيل هذا التعليق حول عملية الاغتيال الأخيرة، لقائد حماس الرنتيسي، كتبها أحد اليهود الإسرائيليين. لابد أن هناك العديد ممن يشاطرونه الرأي. والمهمة الرئيسية الآن، هي تجميع هؤلاء الأشخاص المشتتين، معا وتحويلهم إلى معارضة اشتراكية حقيقية داخل إسرائيل. (إشارة هيئة تحرير الموقع).
إذن لقد قتلت إسرائيل زعيما آخر لحماس. وقد صرح عضو في حزب الليكود الحاكم “إننا قمنا بذلك لحماية شعبنا” ووصل إلى حد القول (الكلام ليس مقتبسا من نفس الخطاب) «إن الوضعية مستحيلة الآن. فكلما ذهبت إلى أحد المطاعم، يجب أن تخضع للتفتيش». إن هذا يوضح بالضبط جوهر المشكل بأكمله، في الصراع بين الدولة الصهيونية إسرائيل والفلسطينيين.
نعم صحيح إنني كلما ذهبت إلى البنك أو إلى سوق ممتاز، يتم تمرير جهاز السكانير على جسدي. لكننا، زوجتي وأنا، نتلقى معاشاتنا بانتظام كل شهر، كما أن السوق الممتاز مليء بالبضائع مثله مثل (TESCO’S) في المملكة المتحدة، بينما الناس في غزة يموتون جوعا، وهذا هو الشيء الذي لا يذكره هؤلاء السياسيون الأغبياء ولا يعرفه اغلب الإسرائيليين، أو انهم لا يهتمون بمعرفته!
كيف يمكن للمرء مقارنة الورطة التي يعيشها القاطنون في غزة، بالوضع الأمني داخل إسرائيل ؟ لقد تم إعلام الأمم المتحدة أن السفن التي كانت تستعملها لحمل الغذاء إلى غزة، لن يتم السماح لها مجددا بالرسو في ميناء غزة، لان حماس حاولت أن تنظم هجوما على إسرائيل، بواسطة ضفادع بشرية، انطلاقا من هناك. وهو الاجراء الذي سيفاقم اكثر بؤس سكان غزة .
أطلق شارون على السيد عبد العزيز الرنتيسي، اسم إرهابي وقال «كان يجب أن يموت، فيداه ملطختان بدماء اليهود». ما الذي يعطي لشارون الحق في تسمية أي كان إرهابيا بسبب كون يديه ملطختان بالدماء ؟ إن يدي شارون ملطختان بدماء الفلسطينيين إلى درجة انه إذا ما أراد غسلهما في نهر الأردن، سوف يحول لون مياهه إلى الأحمر. إن هذه غطرسة الإمبرياليين، غطرسة قومية تشعر بكونها افضل من الآخرين، فقط بسبب أنها الأقوى.
و في سياق الحديث عن الأيدي الملطخة بالدماء، فجميعنا لدينا دماء فوق أيدينا، حتى أنا الذي لم أقتل في حياتي أي شيء ما عدا البعوض الذي يكاد يصيبني بالجنون في فصل الصيف. فكوني قادر على الجلوس هنا وعلى تدبيج هذه المقالة هو نتيجة لقتل العرب، هؤلاء العرب الذين لم يُطلب منهم أبدا، أو يطلبوا من اليهود أن يأتوا إلى هنا.
نعم إن اليهود يُقتلون من طرف العرب، هذه حقيقة، وكما أنه من الأكيد أن الشمس سوف تشرق غدا صباحا، من الأكيد أن يهودا آخرين سوف يقتلون ردا على اغتيال الرنتيسي. وسوف يعبر صديق السيد شارون، السيد جورج ولكر بوش، طبعا عن صدمته وفزعه مدينا هذه العملية، مستعملا بعض العبارات المزخرفة الجديدة التي تعلمها من كلبه الوفي توني بلير. يقول المثل يمكنك أن تحكم على المرء إذا عرفت أصدقائه. ماذا يمكنني أن أضيف ؟
إن شارون لا يريد حلا عادلا لهذا الصراع الأبدي. بل ما يريده هو تجويع، قمع وإهانة واستعباد الفلسطينيين في تلك الدولة التي سوف يحصلون عليها ليقبلوا بكل ما تريده إسرائيل.
لقد سبق لمستشار شارون أن قال «إذا ما اعتقد الفلسطينيون انهم سوف يمكنهم، في الدولة التي ستكون لهم، أن يطوروا صناعتهم العالية التكنولوجيا، فانهم مخطئون. كلا انهم سوف يشتغلون لمصلحتنا». وقد دمر الجنود الإسرائيليون خلال الحصار السيئ الذكر لجنين، بناية للتكنولوجيا العالية كان قد شيدها أحد الأمريكيين من اصل فلسطيني هناك. لقد كانت مبعث فخر واعتزاز السلطة الفلسطينية. إنني أتسائل أي خطر يمكن لهذا التطور أن يشكله على إسرائيل، التي تُصنّع فيها جميع الأسماء الكبيرة للحواسيب في العالم، بدأ من IBM، إلى مايكروسوفت Microsoft، بالإضافة إلى العديد من الصناعات العالية التكنولوجيا الخاصة بها ؟ طبعا الجواب هو، لا شيء! إن هذا لا يعمل إلا على توضيح الطبيعة الحقيقية “لخارطة الطريق” الإسرائيلية. فهؤلاء الجنود لم يكونوا ليدمروا تلك البناية لولا أنهم تلقوا أوامر بذلك.
في هذا المساء سيخلد يوم المحرقة Holocaust، حيث نتذكر اليهود الذين قتلهم هتلر. وخلال الأسبوع المقبل سوف يخلد يوم ذكرى جميع هؤلاء الذين قتلوا في حروب إسرائيل مع جيرانها في الماضي والحاضر، العسكريين منهم والمدنيين. وفي ختام يوم الذكرى هذا، سوف يكون هناك احتفال حيث ستصدح الأبواق، وستضيئ الألعاب النارية السماء، ليبدأ الاحتفال بالعيد السادس والخمسون لاستقلال إسرائيل. سيكون الجميع “سعداء”، ما عدا أنا. لأنني لا أستطيع أن افهم كيف يمكن لشعب عانى كثيرا، لمدة طويلة، أن يتصرف مع جماعة أخرى من البشر، بنفس طريقتنا.
يمتلك اليهود والعرب العديد من الأشياء المشتركة. فقبل كل شيء نحن حسب التوراة أبناء عمومة. وتشترك اللغتان في العديد من الكلمات المتشابهة، بل وأحيانا هي نفسها. من هذه الكلمات نجد الرحمة، العطف، الشفقة. يبدو لي انه يجب علينا، في نفس الآن الذي نطلب فيه نحن اليهود من العالم أن يتذكر كيف تمت معاملتنا بدون رحمة، أن نظهر نحن شيئا من الرحمة.
موردخاي بيرغوت Mordachai Pergut
18 أبريل 2004
العنوان الأصلي للمقال:
Israel after assassination of Hamas leader Rantissi Stripped naked down to the bone