الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المحرقة في الدار البيضاء: “الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية”

المحرقة في الدار البيضاء: “الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية”

صباح يوم السبت 26 أبريل، اندلع حريق مهول، حوالي الساعة الحادية عشرة، بالمعمل (روسامور للأثاث المنزلي) الواقع بالحي الصناعي ليساسفة، الدار البيضاء، والمكون من أربعة طوابق، والذي كان يشغل قرابة 100 عامل وعاملة.

معمل روسامور الذي ينتج قطع الأثاث المنزلي، يستعمل في نشاطه العديد من المواد الخطرة الشديدة الاحتراق كالغراء وزيت الطلاء والإسفنج، الخ. لكنه يفتقد تماما لأية احتياطات ضد الحريق.

والحصيلة هي احتراق 56 عاملا وعاملة حتى الموت، إلى درجة أنه أصبح من المستحيل التعرف على الأغلبية الساحقة من بينهم. بعدما لم يتمكنوا من الفرار لأن رب العمل يقوم بإغلاق باب المصنع خلال ساعات العمل، كما أن البوابة التي تفضي إلى سطح المعمل مغلقة بسلسلة والنوافذ مسيجة بقضبان حديدية.

وقد أكد العديد من الشهود أنّ ظروف المصنع ونوافذه ساهمت في زيادة عدد الضحايا. حيث وصف أغلبية الناجين المصنع بأنّه كان “مصيدة للموت لا فكاك منها”، في الوقت الذي نقلت فيه الصحف المغربية عن مسؤول في هيئة الدفاع المدني قوله إنّ: “طبيعة تركيبة المصنع أعاقت كثيرا من مهمتنا” وأضاف قائلا: “المرور عبر المداخل كان مستحيلا حيث تمّ وضع حواجز إسمنتية عليها ربما في مسعى لمراقبة العمال ومنعهم من الخروج بأغراض ربما تكون تابعة للمصنع.” كل الظروف كانت متوفرة لحدوث المحرقة.

موتهم المأساوي استمرارية لحياة مأساوية هي أيضا. فقد كان هؤلاء البؤساء يشتغلون في ظل ظروف بالغة السوء، أغلبيتهم لا يتوفرون على أية حقوق من قبيل الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية ، بل ولا حتى أوراق رسمية تثبت اشتغالهم في ذلك المصنع. كل هذا إضافة إلى أجور الجوع المفروضة عليهم حيث أن أغلبيتهم كانوا يتقاضون ما بين 250 درهم إلى 300 درهم أسبوعيا (حوالي 25 – 30 دولار أمريكي)!

غالبية القتلى الـ56، نساء، حيث أن عدد النساء القتيلات بلغ، حتى صباح الأحد، 35. إضافة إلى العديد من الجرحى الذين أصيبوا بحروق وبكسور وجروح متفاوتة الخطورة بعدما جازفوا بحياتهم بالقفز من علو مرتفع (المبنى مشكل من أربعة طوابق) هربا من ألسنة النيران.

أغلبية الناجين من هذه المحرقة يعانون من اختلالات نفسية لهول ما قاسوه وما رأوه. وحسب تصريحات أطباء نفسيين فإن بعض هؤلاء لن يتخلصوا من مشاكلهم النفسية أبدا.

ليس هذا حادثا معزولا على الإطلاق! فقبله بأسابيع قليلة وقع حادث مروع آخر، أواسط شهر مارس، في ورشة للبناء، قتل خلالها 18 عامل بناء تحت أكوام من الإسمنت والحديد بعد أن انهارت فوقهم عمارة في طور البناء لم تحترم فيها أدنى شروط مواصفات السلامة. كل الضحايا لا يتوفرون على تأمين صحي وغير مسجلين في الضمان الاجتماعي. ومباشرة بعده بساعات قليلة، صباح يوم الاثنين 28 أبريل، شب حريق آخر في مصنع للنسيج في نفس المدينة مخلفا احتراق ثلاثة عمال حتى الموت.

“سلامة العمال وصحتهم هي أخر ما يهتم به المشغِلون!” هكذا قال أحد مفتشي الشغل في تصريح له ليومية مغربية. وهذا بتواطؤ ومساهمة فعلية من طرف كل أجهزة الدولة البورجوازية: الداخلية، الشغل، الوقاية المدنية، الصحة… المسئولة عن تقديم التراخيص لبناء وتشغيل المعامل والمفترض فيها أنها مسئولة عن الرقابة.

وفي محاولة رخيصة لامتصاص الغضب والضحك على الذقون، أعلن نفس هؤلاء المسئولين عن المحرقة، عن تشكيل “لجنة تحقيق” في أسباب وملابسات الحادث، مكونة من نفس هؤلاء المسئولين!!

رجال الإطفاء يزيلون جثث بعض ضحايا الحريق/ صورة: AP

الطبقة العاملة المغربية وأغلبية المناضلين العماليين والنقابيين لا يزالون واقعين تحت تأثير الصدمة. ويسود جو من الحزن الرهيب. الشعور الغالب هو الذهول والأسى.

هذا طبيعي فحتى جثث أخواتنا وإخواننا المتفحمة لم تدفن بعد والحدث رهيب! لكن ينبغي علينا أن نستفيق بسرعة! ينبغي أن نحول مشاعر الحزن المشروع على رفاقنا إلى غضب طبقي على مضطهدينا، مصاصي دمائنا، المستهترين بحياتنا.

ينبغي على النقابات والأحزاب اليسارية أن تتحمل مسئوليتها وترد فورا وبشكل حازم من خلال تشكيل لجنة منتخبة ديمقراطيا، مكونة من عمال المصنع والنقابات، للتحقيق في ظروف الحادث والضغط من أجل معاقبة جميع المسئولين أيا كان موقعهم. والدعوة إلى تشكيل لجان عمالية منتخبة في جميع المصانع وأماكن العمل لممارسة الرقابة على ظروف العمل والمخاطر التي تحيق بالعمال. والدعوة إلى خوض إضراب عام وطني احتجاجا على ظروف العمل الوحشية المفروضة على العمال ومن أجل تحسين ظروف العمل.

ليست هذه سوى الخطوات الأولى الضرورية للرد على المستفيدين من شقاءنا نحن العمال وبؤسنا وموتنا. لكن الرد الجذري الحاسم رهين بالقضاء على أصل هذه الشرور والمآسي كلها: النظام الرأسمالي. رهين بتنظيم نضالات العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين من أجل إنجاز التغيير الاشتراكي للمجتمع.

أيها المناضلون الماركسيون، أيها المناضلون العماليون والشباب الثوري: ليس هذا الحدث سوى تأكيد لما نعرفه مسبقا عن أن الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية، وأنه لا خيار ممكن إلا الاشتراكية أو الهمجية! الهمجية هاهي أمامنا في أبشع صورها، فلنناضل من أجل الاشتراكية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *