يوم أمس (الخميس: 28 أبريل 2011)، قتل 16 شخصا في انفجار قنبلة في المركز التاريخي لمدينة مراكش . معظم الذين قتلوا كانوا جالسين في مقهى يطل على ساحة جامع الفنا بمراكش، وهو المكان الذي عادة ما يكون مكتظا بالسياح الأجانب.
قليلة هي الأماكن التي يمكنها أن تكون أكثر رمزية من هذه الساحة التي يتم الترويج لها في جميع أنحاء العالم من قبل وزارة السياحة المغربية . ومعظم الضحايا هم من الأجانب.
يبدو أن الهجوم الإرهابي تم تنفيذه من طرف شخص واحد أو اثنين. وهذا أول هجوم إرهابي منذ تفجيرات 16 ماي 2003، التي قتل خلالها 43 شخصا في الدار البيضاء. وحتى الآن لم تعلن أي جهة رسميا مسؤوليتها عن الهجوم. سنة 2003 نفذ الهجوم من قبل 12 عضوا في شبكة إرهابية إسلامية مرتبطة بالقاعدة.
وقد استغلت الحكومة تلك الجريمة الوحشية، التي شهدها المغرب قبل ثماني سنوات، لوقف الإصلاحات الديمقراطية الخجولة التي أعلنها الملك الجديد عندما جاء إلى السلطة.
وشكل الهجوم بداية حملة شاملة ضد جميع النشطاء الإسلاميين، وتم الشروع في تفكيك شبكات إرهابية حقيقية أو وهمية. والأهم من ذلك هو أنه كان ذريعة للحد من الحقوق والحريات الديمقراطية، وتهديد حرية الصحافة وغيرها. واستخدم النظام مشاعر الاشمئزاز الشعبي العام ضد الهجوم الإرهابي لتوحيد كل المواطنين حوله باسم الوحدة الوطنية، وبالتالي تعزيز شرعيته، مؤقتا على الأقل، وبرر زيادة القمع ضد الاحتجاجات الاجتماعية التي وسمت على الفور بكونها “إرهابا”.
سياق ثوري
يختلف السياق السياسي الإقليمي والوطني الذي حدث فيه هذا الهجوم تماما عن نظيره قبل ثماني سنوات. المغرب الآن يعيش موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات السياسية على الصعيد الوطني للمطالبة بوضع حد للنظام المستبد. الشباب مسيّسون إلى حد كبير، ويشهد الصراع الطبقي عودة إلى الحياة في بعض القطاعات (مثل التعليم).
تشهد المنطقة موجة من الأحداث الثورية التي أدت بالفعل إلى سقوط دكتاتورين في تونس ومصر. وقد بلغت الأيام الوطنية للاحتجاجات ذروتها الأسبوع الماضي، الأحد 24 أبريل، في مظاهرات نظمت في أزيد من 100 مدينة وقرية في جميع أنحاء البلاد.
الحركة لا تزال تمتد وقد رفضت مناورات الملك، الذي وعد بإجراء ‘إصلاح دستوري’. وبالرغم من النفي الرسمي ، فإن النظام يفهم بوضوح احتمال أن تؤدي هذه التحركات إلى الإطاحة به هو أيضا ، كما حدث في بلدان أخرى في الشرق الأوسط ، وهو يقاوم ذلك.
قال “خبراء أمنيون” إن انفجار يوم أمس ينسجم مع محاولات المتشددين الإسلاميين ‘السابقة – والتي أحبطت الأجهزة الأمنية اغلبها- والهادفة إلى تقويض نظام الحكم في المغرب من خلال استهداف قطاع السياحة.
صرحت آنا موريسون أن: “معظم المؤامرات السابقة تم الكشف عنها في مراحلها المبكرة لأن السلطات المغربية تمتلك شبكة فعالة للغاية من المخبرين وصولا إلى مستوى الشارع “.
وأضافت: “ومع ذلك ، فإن تكرار المؤامرات… يعني أنه من المرجح أن تفلت بضعة محاولات من الشبكة”.
وفي الأسبوع الماضي، ظهر رجال، يدّعون أنهم أعضاء في جناح القاعدة في شمال إفريقيا على شريط فيديو بث على موقع يوتيوب، يهددون بمهاجمة المصالح المغربية.
وقال متحدث ملثم، عرف نفسه باسم أبو عبد الرحمن، إن الهجمات المخطط لها ستكون انتقاما لاعتقال إسلاميين من قبل السلطات المغربية. (المصدر: رويترز).
إستراتيجية التوتر
قال وزير الاتصال خالد الناصري لوسائل الإعلام إن المغرب يواجه الآن نفس التهديدات التي واجهها خلال شهر ماي 2003، وسوف يتفاعل معها بحرص. إن الرسالة واضحة!
لماذا لم يحدث أي هجوم منذ ثماني سنوات، والآن فقط تنفجر قنبلة لتقتل سياحا ومغاربة، في منطقة تعتبر على الأرجح واحدة من أكثر المناطق حماية في المغرب؟ لماذا يحدث هذا الآن في خضم أكبر تحد يواجهه النظام السياسي من قبل حركة الشباب الثوري؟ العديد من الناشطين في حركة الشباب 20 فبراير يوجهون أصابع الاتهام إلى النظام.
تتزايد الشكوك حول أن الأجهزة الأمنية قد تكون سمحت عمدا لخلية إرهابية أن تنفذ من خلال شبكتها . أو يمكنها أن تكون تلاعبت ببعض الشباب الإسلامي لتفجير الساحة السياحية. يشبه هذا “إستراتيجية التوتر” الشهيرة التي استخدمتها البرجوازية الايطالية بين سنوات 1964 و1980.
من خلال سلسلة الهجمات الإرهابية المدعومة من قبل الأجهزة السرية تريد الدولة خلق مناخ من العنف السياسي الذي سيبرر مزيدا من القمع والنظام الاستبدادي. إذا طرحت السؤال: “من المستفيد من الجريمة؟”، فستجد في غالب الأحيان مرتكب الجريمة. ومن الواضح أن هذا الهجوم يفيد مصالح النظام المغربي المحاصر.
بعد أسابيع من شبه غياب لقمع الاحتجاجات، نشرت تقارير يوم أمس على صفحات الفيس بوك عن شن قمع بوليسي وحشي في تطوان ومكناس. في المساء اقتحمت قوات البوليس كلية الآداب في مكناس وهاجمت الطلاب. ألقي القبض على بعض الطلاب، وجرح آخرون. في تطوان، وعلى الساعة الواحدة صباحا، هاجم البوليس اعتصاما ليليا تضامنيا مع معتقلي مظاهرات عشرين فبراير أمام المحكمة.
ليس من الواضح بعد ما إذا كان هذا الأسلوب عاما في بقية أنحاء البلاد. ولكنه يشكل بالتأكيد تحذيرا من طرف النظام: “لا تظنوا أنكم تتظاهرون في سويسرا. إنكم في المغرب وما زلنا نحن من يحكم”. قبل أسبوع حاول النظام ووسائل إعلامه إثارة حملة شوفينية ضد جبهة البوليساريو، لكنه فشل في ذلك.
إن هذا الهجوم الإرهابي يخدم مصلحة النظام لأنه سيُستخدم لتبرير القمع ضد الحركة الاحتجاجية. سوف يستخدم بالتأكيد في محاولة لحشد المواطنين وراء الملك، في الوقت الذي يتعرض نظامه للضربات.
سيقدم الملك نفسه باعتباره الشخص الوحيد والمؤسسة الوحيدة القادرين على ضمان الهدوء والاستقرار في البلاد. لكن التأثير المباشر، مع ذلك، سيكون هو مفاقمة التوترات وتصلب العلاقات بين الشباب الثوري والنظام. إن الشباب لن ينخدع مرة أخرى. لقد انفتحت مرحلة جديدة من الثورة في المغرب.
مراسل موقع الدفاع عن الماركسية في المغرب
الجمعة: 29 أبريل 2011
عنوان النص بالإنجليزية: