منذ 18 ماي 2011 إلى حدود اللحظة، ما زال الرفيق محمد غلوط، المناضل الطلابي المنتمي إلى فصيل النهج القاعدي الديمقراطي، في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، يقبع داخل زنازن الدكتاتورية ويتعرض بشكل منهجي للتعذيب الوحشي، ونحن إذ ندين القمع الهمجي الذي يتعرض له، نطالب باطلاق سراحه فورا، وننشر شهادته حول التعذيب الذي تعرض له.
حفلات وسهرات بالجملة (“موازين”، “لالة العروسة”، “أستوديو2M”، “ستار أكاديمي”، …الخ)، وشعارات طنانة وبالجملة كذلك (“دولة الحق والقانون”، “طي صفحة الماضي”، “العهد الجديد”، “الانتقال الديمقراطي”، …الخ)، وخوصصة كل القطاعات (صحة، تعليم، سكن الخدمات الاجتماعية، …الخ)، وتجويع، تشريد، حكرة، قمع، تنكيل، اعتقال، اختطاف، بل وتقتيل أبناء الشعب المغربي بشكل يومي، هذا هو واقع المغرب، وهذه هي توصيات الامبريالية العالمية ودواليبها المالية للأنظمة التبعية، ولذلك فهم يكثرون الحديث وقالوا لنا عن دولة “الحق والقانون”، دولة “حقوق الإنسان”، وقالوا لنا وتحدثوا عن مغرب “القرن 21″، مغرب “الألفية الثالثة”، مغرب “العهد الجديد”، مغرب “ملك الفقراء”، مغرب “الانتقال الديمقراطي”، مغرب “طي صفحة الماضي”… كلنا سمعنا ولازلنا نسمع هاته الشعارات وبشكل يومي، حتى أصبحت سمفونية معتادة ومحفوظة عن ظهر قلب لدى الجميع صغارا كانوا أم كبارا، لكن هل هذه هي الحقيقة؟
صحيح وصحيح جدا على أن هناك حق، هناك قانون وهناك حقوق إنسان، هناك، وهناك، … الخ، لكن حق من وقانون من؟ حق الإنسان البرجوازي، الإنسان المالك لوسائل الإنتاج، حق الإنسان المستغل، وقانون يحمي مصالح التحالف الطبقي المسيطر، أما الجماهير الشعبية بكل فئاتها وطبقاتها (عمال، فلاحين، معطلين، طلبة، تلاميذ، … الخ)، فلها التجويع، التشريد، الحكرة، التنكيل، القمع، الاعتقال، الاختطاف والقتل، وسأحاول من خلال شهادة تعذيبي هاته أن أكشف الوجه الحقيقي للنظام القائم، وطبيعة تعاطيه مع كل المطالب والأشكال النضالية للجماهير الشعبية، كما سأحاول أن أكشف زيف الشعارات التي يتغنى بها (النظام القائم)، ويطبل لها حلفاؤه وكل المتكالبين على قضية الشعب، كما أناشد كافة المعتقلين السياسيين عبر ربوع الوطن الجريح إلى أن يخرجوا شهادات حول ما تعرضوا له من تعذيب نفسي وجسدي من لحظة اعتقالهم وما يعانونه من داخل زنازن النظام الرجعي إلى الرأي العام الوطني والدولي، مساهمة منا في كشف الجرائم التي ارتكبت ولازالت ترتكب في حق أبناء الشعب المغربي، وفي حق كل من يقول لا للسياسات الطبقية للنظام الرجعي ويطرح البديل الحقيقي.
فاعتقالي لم يكن بمحض الصدفة، بل هو ضريبة انتمائي إلى صف وخندق الجماهير الشعبية، ضريبة انتمائي إلى الفصيل الثوري الماركسي اللينيني النهج الديمقراطي القاعدي، الذي يبقى المستهدف من هذه الهجومات والمؤامرات والدسائس التي تحاك ليل نهار، في إطار المزيد من تكثيف الحظر العملي على الإطار المنظم للحركة الطلابية، والذي في جوهره استهداف لقضية الشعب المغربي، خصوصا واستمرار الفعل النضالي والذي يعرف دينامية وتجدر، وإفرازات نوعية بدأت تتشكل في مسار انتفاضة الشعب المغربي ما قبل وما بعد 20 فبراير (وما اللجان الشعبية إلا نموذج ساطع).
تجويع، تشريد، بطالة، حكرة، تنكيل، قمع، اعتقال، اختطاف، تقتيل، …الخ، عناوين بارزة لطبيعة النظام الرجعي وتاريخه الدموي المشهود في تعاطيه مع نضالات الشعب المغربي (58، 59، 65، 81، 84، 90، 2007، 2011، …الخ)، وما تعاطيه يوم الأربعاء 18 ماي (يوم اعتقالي)، مع مسيرة الجماهير الشعبية والطلابية، التي انطلقت من حي الليدو الشعبي، لخير دليل، حيث عوض تقديم إجابة تشفي غليل الجماهير المنتفضة على الأوضاع المزرية التي تعيشها، والتي وصلت إلى حدود انهيار مجموعة من البراريك التي تقطنها (الجماهير الشعبية بحي الليدو الشعبي)، جراء التساقطات المطرية التي تحولت إلى فيضانات في ظل غياب البنيات التحتية الأساسية، تم جلب قوى القمع وبمختلف تلاوينها وأشكالها السرية منها والعلنية، تمترست وحاصرت كل الأمكنة التي يمكن أن تمر منها المسيرة، إلا أن الجماهير الشعبية بحي الليدو كان لها رأي آخر، إنقاذ ما يمكن إنقاذه أولا جنبا إلى جنب رفقة الجماهير الطلابية التي التحقت بحي الليدو من بعد ما تم رفع الاعتصام الذي كان أمام إدارتي كلية الحقوق والعلوم على أرضية الملف المطلبي الشامل للجماهير الطلابية في مستوياته الثلاث (بيداغوجيا، ماديا وديمقراطيا)، انسجاما وشعار المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب “لكل معركة جماهيرية صداها بالجامعة”، بعدما تم إنقاذ مجموعة من الأطفال، النساء والشيوخ وأمام استمرار تأزم الوضعية، وفي ظل غياب ادني إجابة من طرف “المسؤولين”، انطلقت مسيرة حاشدة للجماهير الشعبية والطلابية كانت متجهة للبحث عن حل يشفي غليل الساكنة المنكوبة، لكن مع وصولها (المسيرة) إلى حي “الأطلس”، وجدت جدارا قمعيا يقف أمامها، فما كان من الجماهير إلا الإعلان عن الاعتصام، لكن النظام القائم انسجاما وطبيعته اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية، سيشن هجوما قمعيا خلف إصابات خطيرة في صفوف الجماهير الطلابية وأبناء الشعب، واعتقالات بالجملة (أزيد من 40 معتقل)، كنت أنا والرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي من بينهم.
أول شيء يجب أن يعرفه الجميع هو أن اعتقالي تم من طرف أجهزة القمع السرية، أمام مرأى ومسمع الجميع، وسط الجماهير الشعبية ولي الشرف في اعتقالي على قضية ومصير شعب كادح بأكمله، ومن لحظة اعتقالي (حوالي السادسة مساءا)، سينطلق مسلسل التعذيب النفسي والجسدي بشتى الطرق والآليات، فأول شيء ستقدم عليه أجهزة القمع هو الضرب في مختلف أنحاء جسمي بمختلف الوسائل (العصي، السلاسل، الأرجل، الأيدي، …الخ) وبكل وحشية وهمجية، هذا الضرب وبهذه الطريقة استمر بساحة الأطلس إلى غاية فقداني الوعي وإغمائي، بعدما استفقت واسترجعت الوعي، وجدت نفسي بسيارة القمع وبيدي الأغلال وعلى عيني “البانضة” تحجب عني رؤية من حولي ومن هو معتقل معي، إلا صراخ الرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي نتيجة التعذيب الذي تتعرض له بدورها، كان دوي سيارة القمع التي كنا بها، آنذاك فهمت أن الاعتقال لم يطلني لوحدي.
الضرب في مختلف أنحاء الجسم والكلام النابي من قبيل: “عييتي ما طير أولد الق## وشديناك”، “هاد الليلة تكلس على القرعة أز##” ….الخ، استمر في سيارة القمع وإلى غاية ولاية القمع التي كانت تشهد حالة استنفار قصوى، استنتجتها من جهاز اللاسلكي “صانفيل” الذي كان يسمع صوته للكل، وبدأ في المكان (ولاية القمع) الضرب والرفس والركل وبكل الآليات لم يتوقف ولم أكن أعرف من وكم عدد رجال القمع المستعملين في ذلك، ثم أخذت وأنا معصب العينين ولا أعرف إلى أين، اللهم معرفتي بالمكان بشكل عام وهو ولاية القمع، وفي كل توقف بي في مكان معين أشبع ضربا وسبا وكلام ساقط، هذا التعذيب لم يكن كافيا بالنسبة لهم، بل بدؤوا في التبول علي في كافة أنحاء جسمي وفتح أحدهم فمي وبدأ أخر بالتبول مباشرة في الفم وأمروني بأن أشربه تحت الضرب والسب والشتم والكلام الساقط، هذه الأشياء لم يستحملها جسمي لحالتي الصحية المتدهورة وسقطت في غيبوبة، ولما استفقت وجدت نفسي بمستشفى الغساني، وسط 10 من رجال القمع بزي مدني، بالإضافة إلى طبيبين ومجموعة من الممرضين الذين قدموا لي الإسعافات اللازمة، فرفض رجال القمع تسجيلي بمدخل المستشفى وكذا لحظة الخروج منه نظرا لحالتي الصحية المتدهورة جراء التعذيب، حيث لم أقدر على المشي خصوصا رجلي اليمنى ويدي اليسرى ورأسي ووجهي وكل أنحاء جسمي الذي كان موشوما بعلامات التعذيب الجسدي، ومباشرة بعد إخراجي من المستشفى أعادوا لي الأغلال في اليدين و”البانضة” على مستوى العينين ووضعوني في سيارة القمع لإرجاعي إلى ولاية القمع، وبمجرد وصولي إليها بدأ من جديد مسلسل التنكيل والقمع مع مختلف الأجهزة، في البداية كانت تأخذ صور لي مع من يريد من أجهزة القمع، وطلبوا مني أن أبتسم لحظة أخذ الصور، ثم بعدها أعادوا لي “البانضة” ولم أكن أدري أين يتوجهون بي ولم أكن أعلم كذلك أين هي الرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي، وأين هم الذين تم اعتقالهم، فقد كنت لوحدي أقاوم الجلادين الذين لا شفقة ولا رحمة في قلوبهم، إنسان بالجثة لكن في الواقع فهم كالآلة، يأمرون فينفذون، وتبقى اللحظة الراسخة في ذهني والتي لن أنساها مدى حياتي هي لحظة تجريدي من ملابسي بشكل نهائي فأصبحت كما أنجبتني أمي، فأمر أحدهم الجلادين باغتصابي قائلا: “هز ديك الزرواطة وحشيها لمو ف##”، فبدأ أحدهم ينفذ ما قيل له بواسطة “الزرواطة” وأنا أصرخ بأعلى صوتي ولا من يجيب حتى بدأت أنزف دما، وهم يتلذذون بهذا المشهد كأنهم يتفرجون على مسرحية هزلية، ويقولون: “تفرج لمك باش تعرف بشحال كيطيح إسقاط النظام”، ولازلت إلى حدود كتابة هذه الأسطر أنزف دما من “مؤخرتي” خصوصا لحظة دخولي إلى المرحاض، التعذيب والتنكيل استمر ليلة الأربعاء إلى وقت متأخر من الليل، وأفواج من رجال القمع يدخلون إلى المكان الذي أنا فيه ليشاهدوا ما جرى ولا تسمع إلا: “راك معلم أالعلوي”، “الله يعطيك الصحة أالحاج”، اسمان يترددان في ولاية القمع والكل اسمه إما “العلوي” أو “الحاج”، لكي يموهوا اسمهم الحقيقي عن المعتقلين السياسيين، بعد هذا الشوط الأول من التعذيب من لحظة اعتقالي بحي الأطلس والذي امتد إلى وقت متأخر من الليل بولاية القمع سيأمرهم أحدهم بأن ينزلوني إلى “لاكاب” على أمل أن يتجدد اللقاء صباح يوم الخميس، ومن المكتب الذي كنت به إلى “لاكاب” حملوني وأنا معصب العينين وأمروا أحد رجال القمع الذي كان حارسا لـ”لاكاب” أن يجردني من “سمطة السروال” وكذا “سيور ديال السبرديلة” ويودعني لوحدي في الزنزانة الانفرادية، رمقت الرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي بإحدى الزنزانات وعلامات التنكيل والقمع بادية على جسمها، وقد علمت فيما بعد أن الأكل وصلنا أنا والرفيقة من طرف الجماهير الطلابية، لكن أجهزة القمع كان لها رأي أخر، حيث لم نتسلم أي شيء فمضى يوم الأربعاء دون مأكل ولا مشرب ولا حتى أفرشة نمت على الأرض وأنا مبلل تماما.
في صبيحة يوم الخميس 19 ماي 2011، سيأخذونني أنا والرفيقة لتجديد القمع والتنكيل لليوم الثاني على التوالي، ولحظة أخذنا تهامسنا أنا والرفيقة وطمأنتها على حالتي الصحية بغية رفع معنوياتها، وفور خروجنا من “لاكاب” تحت السب والشتم تم تفريقنا ومن تلك اللحظة لم أراها، حيث أخذت وأنا معصب العينين ولا أقوى على المشي وكلي أنزف دما خصوصا من “مؤخرتي” حيث كان أثر الدم باديا على “السروال”، اقتادوني إلى أحد المكاتب وأمروني بالجلوس من أجل الحديث واستنطاقي، خطف أحدهم الكرسي، فوقعت وقال أحدهم وهو يشنقني “إلا متكلمتشي معنا نصيفطوك للقبور” فبدأ مسلسل الاستنطاق، وأول ما بدؤوا به هو عن حياتي الشخصية والعائلية مثل: “شنوا سميتك؟ شحال عمرك؟ فين قريتي حتى شديتي الباك؟ شنو سميت باك؟ ومك؟ وشحال عندك ديال خوتك؟ شنو هي الحالة العائلية ديالك؟ واش عندك سوابق؟ شنو هو اللقب لكيعيطوليك به؟”
ولحظة الإجابة عن هذه الأسئلة عن حياتي الشخصية والعائلية، وصلت إلى اللقب وعند قولي “هرمومو”، نطق أحدهم وهو يصرخ بأعلى صوته “دين موك ياك ما سحابليك درتوا انقلاب ف 1971، وباغي ديرولي من الجامعة في 2011” فأمرهم قائلا: “وريو لمو بشحال كيطيح إسقاط النظام” فنفذوا ما قيل لهم على وجه السرعة وهم يضربون بما أوتوا من قوة وكأنهم كما يقال في لغة الدارجة “كيقتلوا الحلوف”، حتى أسقطوني مغمى علي، ولحظة استرجاعي الوعي، قال مجددا “على سلامتك هكا غادي نبقا مع مك، ولو نبقاو سيمانى”، فمن الحالة العائلية والشخصية انتقلوا إلى التحاقي بالجامعة وتحدث مجدد قائلا: “عاود منين جيت لفاك في 2003″؟ كيفاش درتي حتى وليتي قاعدي؟ وشكون لي ناقش معاك؟ فين كنتوا كتناقشوا وكتجمعوا؟ غادي تعاودنا على 7 – 8 فبراير 2005؟ وغادي اتعاودنا على 23 ماي 2007؟ وغادي تعاودنا على 15 نونبر 2008؟ وغادي تعاودنا على 2 يناير 2009؟ غادي اتعاودنا على مقاطعة الامتحانات 11-12 فبراير 2009؟ وغادي تعاودنا على 23 فبراير 2009؟ وفين مشيتي حتى فلتي داك النهار؟ وغادي اتعاودنا على 27 مارس 2009؟ نهار تشد أيوب النجار؟ وغادي تعاودنا على المحاكمة ديال 3 طالبات؟ وغادي تعاودنا على الاقتحام ديال الحي الجامعي والجرد لي كديروا والدروج ليكيبيعوا فيهم الطلبة؟ وغادي اتعاودنا على “التجديد الطلابي” وشنوا درتوا ليهم العام ليداز حتى نقزوا من الحي الجامعي؟
وفي كل جواب عن السؤال كان الضرب والرفس والتنكيل هو العنوان البارز، فمن غرفة “الما والريح” إلى “الطيارة” إلى “الفروج” كلها أشكال تعبر عن الطبيعة الدموية للنظام الرجعي، حتى فقدوا أعصابهم وأمر أحدهم قائلا: “أرا داك الضو هذا لموا راسوا قاصح” ولما تسلم منهم العصى المغناطيسية أمرهم بإعادة طرح الأسئلة سؤالا وأنا أجاوب وفي السؤال الأول عن التحاقي بالجامعة سنة 2003، لما أجبت وبدأت في الحديث، قاطعني قائلا: “كتكدب دين مك” وبدأ بتلك العصى يضرب في الأماكن التي أشكوا من ضرر فيها وخاصة رجلي اليمنى ويدي اليسرى، وفي كل ضربة أحس بجسمي يضيء ويرتعش كله وأنا أصرخ، ولا من يجيب كذلك، واستمر هذا المسلسل من التعذيب حتى ساعات متأخرة من ليلة الخميس 19 ماي 2011، وهم لم يصلوا بعد إلى هذه السنة وما وقع فيها، تحدث أحدهم قائلا: “بركة علينا هد النهار، راه حنا مواكلينش من الصباح، هبطوا الكلب حتى الغدا” وأضاف “غدا انصفطوا موك الأخرة، غدي نديروا لموك الموتة ديال القط” كما أضاف احدهم “حتى نتا ديما كتقول طريق النضال صعب وشائك إما لنهايته أو إلى نهايتنا وغدا غدي تكون النهاية ديالك إلا مهضرتيش” فأخذوني إلى “لاكاب” والأغلال في يدي و”البانضة” وأمروا حارس القمع بوضعي في زنزانة انفرادية ومنعي من الأكل والأفرشة، وفي لحظة مروري أنا وحراس القمع رمقت الرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي نائمة إلى جانب إحدى معتقلات الحق العام، فتم إيداعي تحت السب والشتم في زنزانة منفردة بدون أكل أو شرب أو أفرشة، فمرت الليلة أو ما تبقى من الليلة الكنسة، وفي صبيحة اليوم الموالي أي الجمعة 20 ماي 2011 وفي ساعات باكرة تم أخدنا أنا والرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي من بعدما ردوا لنا “سمطة السروال” و”سيور ديال السبرديلة” والنظارة بالنسبة للرفيقة، فكبلوا لكل منا يده بالأغلال، فأخذوني معصب العينين إلى أحد المكاتب لاستكمال الاستنطاق، فلما وصلنا إلى المكتب أمرهم وأخبرهم أحدهم بأنه سيتم تمديد “الحراسة النظرية” طيلة هذا اليوم، على أنه سيتم أخذي والرفيقة إلى “محكمة الاستئناف” للقيام بالبرتوكول لا أقل ولا أكثر، فقال لي أحدهم “عند موك الزهر هذا الصباح غادي تطلع المحكمة ومنين اتجي غادي نقدوا ليك شغل عاوتاني”.
فكلفوا مجموعة من رجال القمع لأخذنا إلى “محكمة الاستئناف”، ولحظة خروجنا أمرهم مجددا قائلا: “لبسوا لمو شي فيستا باش يتغطى داك الدم” فأحضر أحدهم “فيستا” وألبسوني إياها كي يتستروا على الجرائم التي قاموا بها، ليس التستر في العلاقة “بالمسؤولين في المحكمة” وإنما التستر لكي لا يرى من في المحكمة من أبناء الشعب ذلك، ولحظة وصولنا إلى المحكمة شاهدت حصارا قمعيا يحاصر المكان تحسبا لحضور الجماهير الطلابية والشعبية، وبينما أنا والرفيقة في “المحكمة” ننتظر تمديد “الحراسة النظرية” لأننا كنا نعرف ما الهدف من المجيء إلى هذا المكان، شاهدت أبي يقترب منا، فمنعه رجال القمع من مواصلة السير نحونا وأمروه بالخروج نهائيا، ولحظة إدخالي أنا والرفيقة إلى “الوكيل العام للملك” قال لي “على سلامتك أسي غلوط ولا شنوا نقولك أسي هرمومو، مالك أولدي فين ما كان شي ضوصي كلقاك انتا مولاه”، “أش كتقول أولدي في هاد شي”، فأجبته على أنني أنتمي إلى منظمتنا العتيدة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب وعلى أنني أنتمي كذلك إلى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي وأشارك الجماهير الطلابية والشعبية في التظاهرات داخل وخارج أسوار الجامعة، فقاطعني قائلا “كتشارك ولا كتأطر؟” فأجبته بأنني أشارك وأؤطر التظاهرات، من بعدها مر إلى الرفيقة وقال لها “أونتي أبنتي مازالا صغيرة أش داك لهادشي وشنو كتقولي نتي” فأجابته “أنا طالبة اوطمية” فقاطعها “شنو هي أوطمية؟” فأجابته “بأن طالبة أوطمية تعني الانتماء إلى الإتحاد الوطني لطلبة المغرب” فسألها “هل هذا صحيح؟” فأجابته الرفيقة بأنها تنتمي إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعلى أنها تشارك في التظاهرات داخل وخارج أسوار الجامعة فسألها عن عدد التظاهرات التي شاركت فيهم، فقالت له بأنها شاركت في جل التظاهرات، ومن بعد وقع على وثيقة التمديد لمدة إضافية أخرى، وأخرجونا بغية إرجاعنا إلى ولاية القمع، وفي لحظة خروجنا من باب “المحكمة” وجدنا الطلاب الذي استطاعوا الوصول إلى باب “المحكمة” وهم يحثوننا على الصمود والدفاع عن قضية الشعب، وبسرعة كان رد الفعل من طرف قوات القمع بإيداعنا داخل سيارة القمع والاتجاه بسرعة صوب “الولاية” من أجل استكمال أطوار الاستنطاق وأشواط التعذيب كذلك، وبمجرد وصولنا إلى ولاية القمع، أنا والرفيقة مكبلين بالأغلال تم تفريقنا ولم أعرف إلى ين ذهبوا بالرفيقة، فأدخلوني معصب العينين ومكبل اليدين وأنا لا أدري إلى أين أمشي، ولا أستطيع أصلا مواصلة المشي من كثرة الآلام التي كنت أحس بها على مستوى رجلي اليمنى، فأخذوني إلى أحد المكاتب، وقد عرفته على أنه مكتب من خلال طرق الباب، وفي دخولي قالي أحدهم “على سلامتك أسي هرمومو، أشنوا غدي تهضر معنا ولا غادي نهتكوا دين موك هاد النهار، رحنا عاد غادي نبداو فالصح”، فبدأ بطرح الأسئلة، وقال لي: “غدي اتجاوب على قد السؤال، وما نبغيش تدير لي كيف البارح ولا تبقى تجاوبني بسؤال، حيت أنا لي كنسول ما شي نتا”، فبدأ بطرح الأسئلة وكانت على الشكل التالي: “غادي اتعاودنا على هاذ العام بالتدقيق من لأول حتى تشديتي، وغادي تعاودنا على ميسور وشنو كنت كدير تما؟ وغادي تعاودنا على هرمومو وشنو درتي تما؟ وغادي تعاودنا على لجنة المعتقل، وعنداك تقولي داكشي لكتقول للطلبة لجنة أوطمية أو تقولي كتضامنوا بها مع الجماهير الشعبية، غادي تقولي شنو هي بالتدقيق؟ شكون فيها؟ وغادي تقولينا فين مشيتي هاد العام خارج فاس؟ وغادي التقول لينا شنو مشيتي دير في كل ما شيء؟ وغادي تقولينا شكون هما القاعديين؟ وفين هما؟ وفين كتجمعوا؟ وفين عندكوم الدار؟ وشكون كيكتب البيانات؟ وشكون كيمولكوم؟ وعلاقتكم بالمواقع الجامعية؟ وشكون كينسق بين المواقع؟ وموقفكم من الصحراء؟ وعلاقتكم بالطلبة الصحراويين؟ وشنو هي حركة 20 فبراير؟ واش عندكوم شي علاقة بشي 20 فبراير لي جا عندكوم نهار الندوة؟ وعلاش داك الشعار بضبط؟ وعلاقتكم بهادوك لليحضروا واحد واحد؟ وشنو داكشي لي اقترحتوه فالندوة؟ وشكون لي فداك اللجان الشعبية؟ وشنو عوالين تديروا؟ ولا شنوا كنتوا مقررين اديروا فالجامعة وعلى برا من الجامعة؟ غادي اتقولنا شكون القاعديين لعندهم تأثير فالجامعة وكياثروا فالطلبة؟…..إلخ، وفي كل مرة كنت أتحدث يكون الضرب والتنكيل هو الإجابة، حتى إنهم كانوا يفقدون أعصابهم فكلما يشتد الضرب والتعذيب فإنني يغمى علي ويضطرون إلى التوقف في انتظاري حتى أسترجع الوعي، فأزيد من أربع مرات وأنا يغمى علي، ولم يجدوا معي أي حل لأن جسمي كله موشوم بالضرب والقمع والتنكيل، فلما استفقت من الغيبوبة للمرة الرابعة تحدث أحدهم في محاولة يائسة لإخافتي: “اليوم نقتلوك أالكلب هضر حسلك”، فأجبتهم شنو بغيتوا تسمعوا، فقال أحدهم “دينموك راك عارف كولشي نتا فيك وزير الداخلية، وزير الإسكان، وزير الخارجية، وزير العدل، راك عارف الصغيرة والكبيرة”، فاستمروا في تعذيبي، ففقدوا السيطرة على أعصابهم، فمنهم من يبصق علي ومنهم من يحاول شنقي ومنهم من يسقطني أرضا ويبدؤا في الضرب في كل أنحاء جسمي، ومنهم من حرقني في رجلي اليمنى وبالضبط في المكان الذي كان يؤلمني وينزف دما بواسطة “الكارو”، كلها أشكال للتعذيب زد على ذلك التعذيب النفسي من قبيل اعتقال أسرتي في حالة عدم تكلمي وقول الحقيقة، هناك تأكدت من فكرة أساسية على أن القاعديين قوة ترهب النظام، وعلى أن لا القمع ولا الاعتقال ولا القتل، قادر على ضرب القاعديين، وكلما تذكرت الرفاق والرفيقات والجماهير الطلابية وتذكرت قضية الشعب المغربي وكم قدم من تضحيات جسيمة (اعتقالات بالجملة، قرون من السجون، مختطفون بالجملة، والآلاف من الشهداء،..) عرفت بأنني لم أقدم شيئا بالمقارنة مع ما قدم الشعب المغربي من تضحيات وأنني ليس لدي ما سأخسره، التنكيل تم التنكيل بي، القمع تم قمعي، الاعتقال وأنا معتقل، التعذيب تم تعذيبي وبطرق وحشية وهمجية ولا رحمة فيها ولا شفقة، كل هذه الأشياء استحضرتها من أجل قضية الشعب التي أناضل من أجلها، ويستمر التعذيب ولا من مجيب ولا من يحرك الساكن لأنني صراحة كنت لا أقوى حتى على الحديث، الجوع والبرد من جهة والتعذيب من جهة أخرى، وفي وقت متأخر جاء أحدهم بعدما فتح الباب وصاح “العلوي أجي” ولما رجع المسمى “العلوي” أمرهم بإنزالي إلى “لاكاب” بمجرد وصولي إلى “لاكاب” وأنا لا أقوى على المشي أو الحديث وضعت إلى جانب سجينين في زنزانة قرب التي كانت بها الرفيقة فاطمة الزهراء المكلاوي، وقد أعطاني احد السجناء علبة عصير وعلبة حليب وخبزتان وقطعتي جبن، فاقتسمت تلك الأشياء مع الرفيقة، انتظرت حتى يفتح حارس القمع الباب ليخرج السجناء إلى المرحاض، فأعطيتها ما اقتسمناه خفية من حارس القمع وأنا أبتسم لها وهي تسألني عن حالتي الصحية.
ويأتي اليوم الأخير في ولاية القمع السبت 21 ماي 2011، فبعد أن جهزوا ملفا مفبركا، أمروني بأن أوقع على ما تم تدوينه من طرفهم وبمجرد قولي “علاش غادي نسني، خاصني نقرا بعدا” وأنا لن اتمم الجملة حتى وجدت نفسي ملقى على الأرض وهو يشنقني من عنقي ويقول “غادي تسيني وتمشي تقود ولا غادي نبداو” وتحت التعذيب قمت بالتوقيع على ملف لم أراه ولم أعرف محتواه، إلا في “محكمة الاستئناف” لحظة إدخالنا أنا لوحدي أولا ثم الرفيقة فاطمة الزهراء ثانيا إلى “قاضي التحقيق” فقال لي: “انتا هو محمد غلوط الملقب بهرمومو؟”، “انتا متهم بالتهم التالية: وبدأ يسرد في مجموعة من التهم تتصدرهم: تهديد أمن الدولة، الاحتجاز عن طريق طلب فدية، محاولة القتل، احتجاز عقار، الانتماء إلى منظمة غير شرعية، توزيع مناشير، الضرب والجرح، وضع المتاريس، التجمهر المسلح، إهانة موظفين عموميين أثناء مزاولتهم لمهامهم، الخروج في تظاهرات غير مرخصة، …إلخ، وكثيرة هي التهم، ولما انتهى سألني بحضور المحامي، “ماذا تقول في هذا الشأن؟”، فأجبته على أنني أنتمي إلى الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأنتمي إلى الفصيل الماركسي اللينيني النهج الديمقراطي القاعدي، وأشارك في التظاهرات داخل وخارج أسوار الجامعة، فسألني “هل تشارك أم تؤطر؟” فقلت أشارك وأؤطر تظاهرات أوطم كل من حقه أن يؤطر لأن من بين مبادئ الإطار الجماهيرية والديمقراطية، فقال لي أحد مساعديه بأن يدون ما قلته مع إبقائي رهن الاعتقال الاحتياطي وحدد جلسة التحقيق التفصيلي الأولى في 16 يونيو 2011، بعد انتهاء مساعده من التدوين أمرني بان أوقع على المحضر، وبعد إخراجي تم إدخال الرفيقة التي تم إطلاق سراحها مؤقتا وحدد لها نفس التاريخ للتحقيق التفصيلي.
إلى هنا تكون قد انتهت جولات وأشواط التعذيب النفسي والجسدي بولاية القمع بعد أربعة أيام ستظل مشهودة في ذاكرتي، وتعرفت عن قرب وبشكل عملي عن ما كنت أسمع وأقرأ حول الاعتقال السياسي وما يعانيه المعتقلين السياسيين بمخافر القمع، ليستمر التعذيب وبشكل آخر ويستمر معه صمودي ودفاعي عن قضية الشعب المغربي بزنازن النظام الرجعي التي وصلت لها يوم السبت مساءا وبالضبط “السجن المحلي عين قادوس، فاس” حيث أدخلوني بعدما التقطوا لي صورا وبصمات اليد والأصابع العشرة، وأعطوني رقم 70840 كرقم للاعتقال، وأودعوني لما تبقى من يوم السبت وطيلة يوم الأحد 22 ماي 2011، غرفة “الضيافة” التي تكدس فيها أزيد من 70 معتقل كأنهم سردين في علبة مصبرة، فتجد النقاش والجدال وربما السب والشتم وأحيانا تصل إلى تبادل الضرب حول مساحة كل معتقل فيبدأ “الحساب”، “شبر وأربعة أصابع لكل معتقل” [حوالي 30 سنتمترا] فتصوروا معي هذه المساحة أهي للنوم أم للجلوس أم ….إلخ، ربما هي للنملة الواحدة؟، وطيلة ليلة الأحد نمت بجنب المرحاض بل الأكثر من ذلك فدرج المرحاض أستعمله كوسادة، فقررت أن تمر الليلة الأولى على شكل اعتصام كرفض مني لتلك الحالة، من بعد هاتين الليلتين سيتم تفريقنا على أربعة أحياء موجودة (الحي الجنائي، الحي الجنحي، الحي الجديد، حي التوبة)، فتم إلحاقي بالحي الجنحي أو ما يعرف في أعراف السجن “بكارتي عراب” وبالضبط الزنزانة رقم 7، وبمجرد دخولي طلب أحدهم مني أن أمده بـ 200 درهم، من أجل مساعدتي على إيجاد مكان لأن الغرفة كان بها 84 سجينا، فلما رفضت وضعوني بالمرحاض الذي اختنقت به أزيد من 3 مرات ولولا مساعدة بعض سجناء الحق العام لما أصبح الصباح علي، وفي اليوم الموالي أي الثلاثاء رفضت الالتحاق بالزنزانة رقم 7، فأخذوني عند مدير “السجن المحلي عين قادوس” الذي في أول حوار معه سوف يتنازل ويأمرهم بنقلي إلى الحي الجنائي أو ما يعرف “بالكارتي فرانسيس” وبالضبط إلى الزنزانة رقم 34، مع 5 من معتقلي الحق العام، هذه الزنزانة التي لازلت بها إلى حدود كتابة هذه الأسطر، وأعدكم بكشف المزيد من خبايا زنازن النظام الرجعي سواء تعلق الأمر بمستجداتي وخطواتي النضالية المستقبلية أو ما يتعرض له السجناء بشكل عام، وذلك في القريب العاجل وبشكل دوري.
…….. وتستمر المعركة في القلعة الثانية.
المعتقل السياسي محمد غلوط (هرمومو)
رقم الاعتقال 70840
السجن المحلي فاس في: 08 يونيو 2011