إن انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير طرح الكثير من الأسئلة بين شباب الحركة وبين المتتبعين، بل وحتى بين قواعد الجماعة، وبالرغم من أننا نعتبر انسحاب هذه الجماعة من الحركة أمرا لا يعنينا بشكل مباشر كماركسيين، فإننا نساهم في توضيح الأمور وفق ما تسمح به المعطيات المتوفرة، وهي المهمة التي نعتبرها جزءا أصيلا من مهمتنا داخل الحركة.
يوم 18 دجنبر 2011، أصدرت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بيان تعلن فيه “توقيف انخراط” شبابها في حركة عشرين فبراير، رغم أنهم، حسب تعبير البيان، ما يزالون “مقتنعين بمشروعية مطالبها وبحق الشعب في الاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله”!!!
إن البيان المشار إليه أعلاه والطريقة التي كتب بها، وما حمله من تناقضات، وتوقيته، طرح الكثير من الأسئلة بين شباب حركة عشرين فبراير وبين المتتبعين، بل وحتى بين قواعد الجماعة الذين سقط عليهم القرار كصاعقة من سماء صافية.
في البداية يجب أن نوضح أن قرار جماعة ياسين الانسحاب من الحركة، لا يعنينا بشكل مباشر، كماركسيين، لأنه يخص تنظيما رجعيا معبرا عن الطبقة السائدة، تيار معادي للتقدم ومدافع شرس عن الملكية الخاصة والتبعية، وليس بالمطلق تيارا تقدميا ولا ديمقراطيا، كما أننا نعتبر أن انتمائه إلى الحركة في البداية كان مجرد تعبير عن طفولتها (الحركة) وأزمتها وتخلف وعيها… إن انسحاب جماعة ياسين من الحركة يشكل، من وجهة نظر الماركسيين، محطة نوعية في سيرورة تطور الحركة النضالية، ونقطة تحول هامة في مستوى وعي شباب الحركة في طريق تخلصهم من أوهامهم حول التيارات الأصولية، وهو ما يجب على اليسار أن يفهمه ويقدم الإجابات الضرورية لاستثماره من أجل تطوير الحركة وتعميق انغراسه في صفوف الجماهير بما يؤهله لإنجاز مهامه التاريخية.
لكن وبالنظر إلى الأسئلة الكثيرة التي خلقها بين شباب الحركة، الذين ينتظرون إجابات شافية، فإنه يتطلب منا الإسهام في توضيح الأمور، وفق ما تسمح به المعطيات المتوفرة، وهي المهمة التي نعتبرها جزءا أصيلا من مهمتنا داخل الحركة.
“مبررات” العدل والإحسان للخروج من الحركة
لم تقدم العدل والإحسان مبررات واضحة لخروجها من الحركة، لأنه ليست لديهم مبررات موضوعية يمكنهم من خلالها إقناع من راهن عليهم من الشباب والجماهير، وصدق الشعارات الديماغوجية التي زعموا أنها سبب انتماءهم إلى الحركة والدفاع عنها داخل الحركة ومع الحركة، أي: «[…] تحرير المغرب من قبضة الاستبداد ومن أجل بناء مغرب حر يسع جميع أبنائه بدون إقصاء ولا هيمنة، مغرب يدبر اختلافاته على أرضية الديمقراطية وسيادة الشعب». فلا تحرير المغرب من قبضة الاستبداد تحقق، ولا ديمقراطية ولا سيادة الشعب، كما أن كل المطالب الملحة التي دفعت بالجماهير إلى الخروج إلى الشارع، من بطالة وفقر وتشرد الخ، لم تجد حلا لها في أرض الواقع.
إن ما فبركته العدل والإحسان على عجل من “مبررات” لتغطية الأسباب الحقيقة لانسحابها هو قول البيان إن الحركة:
«حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي […]»
وهي المبررات التي لا يمكنها أن تقنع ولو طفلا صغيرا، إذ كيف يمكن لمن يرفض “كبح جماح الشباب” و”فرض سقف معين لهذا الحراك” أن يغادر الحركة ويفضل الانسحاب من الشارع؟ كان الأحرى لو أن هذا هو السبب حقيقي أن تصر جماعة الشيخ على البقاء في الشارع وتصعيد النضال بأشكال أكثر جذرية، وتطرح له سقفا أكثر علوا. لكن شيئا من هذا لم يحدث، مما يوضح أن هذا المبرر مجرد لغو لا طائل من وراءه إلا التغطية على الانسحاب والمهادنة بدخان من التجذر اللفظي الكاذب، موجه للاستهلاك الداخلي بين قواعدها الذين يتشكلون هم أيضا من شباب عاطلين وفقراء وكادحين.
وفي نفس سياق مبررات الانسحاب، أضاف البيان أنه يوجد داخل الحركة من يحاول: «صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية». مما يشكل تكرارا ممجوجا لنفس الاتهامات ضد اليسار التي طالما استعملها النظام وأبواقه ضد الحركة، وخاصة منهم الفيزازي والمغراوي والعدالة والتنمية، أي: نشر الإلحاد و”الشذوذ”، الخ.
ولإعطاء الدليل على المزيد من الالتباس والتناقض، سارع كاتبوا البيان إلى القول بأن قرار الانسحاب من حركة 20 فبراير
«غير موجه ضد أحد غير الاستبداد ومن يدور في فلكه الذي كان وسيظل في نظرنا المعضلة الجوهرية في البلد، وهو المعني الأول بهذا القرار الذي يقول له بأننا لن نكون أداة أو عامل تسكين أو جزءا من ديكور يؤثث الديمقراطية الوهمية المزيفة». ؟؟؟؟
أما لماذا لا يكون الانسحاب موجها ضد من يحاولون صبغ الحراك بلون إيديولوجي وهم السبب في لجوء الجماعة إليه، وكيف يمكن أن يكون الانسحاب من الشارع موجها ضد الاستبداد، فهي أسرار لا يعرفها إلا كاتبو البيان.
ويضيف البيان إن انسحاب شباب الجماعة من الحركة يأتي وهم ما يزالون:
«مقتنعين بمشروعية مطالبها وبحق الشعب في الاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله، [وسيبقون] داعمين لجهود كل قوى التغيير ومساهمين في التصدي لكل من يستهدفها ويضيق عليها».
مما يجعلنا نستشف مسألتين: الأولى هي أن الجماعة تحاول الحفاظ على لحمتها بقول الشيء ونقيضه، بين جناح الشباب والكادحين المتضررين فعلا من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة ولديهم مصلحة فعلية في مواصلة النضال، والذين أوقعهم سوء حظهم وضعف اليسار في قبضة الجماعة وأمثالها من التنظيمات البرجوازية الأخرى، وبين جناح القيادة التي “تورطت” في مساومات معينة استلزمت منها التخلي عن الخروج إلى الشارع لصالح ما أسماه البيان: “الوسائل المشروعة”.
والثانية: هي رغبتها في ترك الباب مواربا، حتى تعود متى رغبت للركوب على الأحداث، وهذا تكتيك ليس غريب عن الإسلاميين، إذ أن جماعة الإخوان المسلمين محترفة في هذا التكتيك، فبالرغم من عدم مشاركتها في بداية الثورة المصرية، إلا أنها تشارك في بعض الأحداث وتنسحب من الأخرى، والهدف الأساسي الذي يقيمون به مشاركتهم في الأحداث من عدمه هو إمكانية استفادتهم من المقاعد البرلمانية والمناصب الحكومية.
العدل والإحسان وحركة عشرين فبراير
قبل أن نسترسل في النقاش لا بد أن نفتح قوسا بخصوص الموقف الحقيقي للجماعة من حركة عشرين فبراير، لأنه هو المحدد في آخر المطاف لموقفهم من الانتماء إليها والانسحاب منها. وقد سبق لنا أن شرحنا موقفهم بالتفصيل في مقال سابق (أنظر: المغرب: هل “العدل والإحسان” تيار مناضل من أجل الديمقراطية؟).
إن قراءة مواقف العدل والإحسان الحقيقية المثبتة في كتابات صاحبها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك في أن العدل والإحسان تنظيم رجعي بالمطلق لا يتقاسم مع الحركة أيا من مطالبها الحقيقية، فلا هو تنظيم يعادي الاستبداد أو الحكم الفردي مبدئيا، كما يمكننا أن نرى بوضوح في مواقف شيخهم، ياسين، الذي يقول، في كتابه “الإسلاميون والحكم”، على سبيل المثال،
«من الإسلاميين من يتصور أنّ على الأمير أن يشاور ولا يتعدَّى الشورى قيد أُنملة. معنى هذا الشللُ التامُّ العامَّ. ومنهم من يأنَف من مسألـة الطاعة وكأنه يرى في كل حبل مفتول أفعى قاتلة لطول ما عانينا من الاستبداد».
وهكذا فليست الديمقراطية وحدها المرفوضة، بل حتى الشورى الملزمة للحاكم، باعتبارها سببا للشلل التام، والبديل طبعا هو الطاعة.
ولا هو تنظيم معاد للبيعة بشكل مبدئي، حيث يقول ياسين في هذا الصدد:
«البيعة من خصائص الحكم الإسلامي. هي عقدٌ يُلْزِمُ ذمة الأمير والمأمور، ويحدد مسؤولية الجانبين، ويوضح اختصاصات الحاكم وواجبـه، ويَحسم في مسألة أساسية من مسائل الحكم لا تزال الديمقراطية تتناولها بالتجربة والخطإ : هي مسألة القيادة».
ولا هو تنظيم ديمقراطي، ولا مشروعه الذي يطمح إليه مشروع ديمقراطي، لأن الديمقراطية من وجهة نظر شيخ التنظيم:
«[…] عقلنة للحكم، وحكمة إنسانية، وزبدةُ تجربة، وما شئت من فضائل حقيقية أو وهمية. كنا نبحث، ونحن في الحوار والمطارحة النظرية، عن عيوب الديمقراطية لولا أن مأخذنا عليها الجوهري ليس من كونها عقلنة للحكم في حاجة لاستكمال، وحكمة إنسانية تشينها الأخطاء اللازمة لكل اجتهاد بشري، وزبدة تجربة جرت وقائعها في مناخ اجتماعي تاريخي غير مجتمعنا وتاريخنا، فهي لذلك نبتة غريبة، أنّى لها أن تستنبت في أرض غير أرضها»
وهي «ترقيعٌ هو من أصله اقتراح ديمقراطية في بلاد المسلمين، والتنادي إلى تخليق هذه الديمقراطية الغريبة، عن وطنها وعن شروط حياتها ترقيع على ترقيع. غريبةٌ هي وغريبٌ مشروع تخليقها المقترحُ في ديارنا».
ولا هو طبعا تنظيم معاد للرأسمالية، السبب الحقيقي لكل المآسي من استغلال وبطالة وحروب وفقر، الخ. وحتى عندما يحاول أن يوهم العمال والكادحين بأنه يرفض الرأسمالية، تحت مسمى “اقتصاد إسلامي” مزعوم، لا يلبث أن يؤكد:
«إن رفض الرأسمالية لا يعني رفض وجود رؤوس أموال حرة، بل يعني رفض الأمراض الأنانية التي تطرأ على الفطر فتجمح بها. وإن رفض الرأسمالية لا يعني رفض المبادرة الحرة الشخصية أو الجماعية في شركات، إنما يعني إبعاد التضامنات الاحتكارية، ورفع الأسعار التعسفي، وطلب الربح المادي على حساب المصلحة الاجتماعية، واستعباد العامل الأجير واستغلاله».(عبد السلام ياسين: في الاقتصاد )
إنه لا يرفض في الرأسمالية إلا تمظهراتها بينما أسسها التي هي: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ورؤس الأموال الحرة، الخ. فإنه يعتبرها أساس الاقتصاد الذي يدافع عنه ويسعى إلى حمايته، ضد الاشتراكية التي يدعي كذبا أنها بإلغائها للملكية الخاصة ستؤدي إلى القضاء “على الاقتصاد وتحكم عليه بالفشل”. فيعمل على تقديم علاج أخلاقي طوباوي لتمظهرات المرض، مع الدفاع عن جذوره التي هي امتلاك وسائل الإنتاج من آلات ومناجم وأراضي من طرف طبقة تمثل أقلية في المجتمع، بينما تحرم الأغلبية إلا من البؤس.
كما أنه من المعلوم عنه انه ليس تنظيما معاديا حقا للتبعية للإمبريالية (الأمريكية منها على وجه الخصوص). وبالتالي فمن الطبيعي أنه عدو لدود لحركة عشرين فبراير ولم يكن التحاقه بها إلا لكي يستغلها لأهداف تكتيكية والحرص على عدم اتجاهها في مسارات ثورية تضرب مصلحة الطبقة السائدة، طبقة الرأسماليين الكبار، التي يعبر عن مصالحها.
أسباب خروج العدل والإحسان من الحركة
بالرغم من الصدمة التي خلقها، لشباب الحركة ولعموم المتتبعين، انسحاب الجماعة من الحركة في هذا التوقيت بالضبط، فإننا، نحن الماركسيون داخل الحركة، حتى وإن كنا لا نعلم بدقة توقيت انسحابهم، فإننا كنا نعرف أن جماعة ياسين لم تنتم إلى الحركة إلا من أجل الركوب عليها واستغلالها وفق تكتيكين اثنين، إما أن تؤدي الحركة إلى إسقاط شكل حكم محمد السادس فيستغلون الفرصة للوصول إلى الحكم، وإما أن تخلق لهم شروطا تفاوضية ملائمة للحصول على الشرعية، وهذا ما كنا قد عبرنا عنه في مقالنا الذي سبقت الإشارة إليه، حيث أوضحنا أن:
«العدل والإحسان تمتلك سيناريوهات متعددة لإمكانية تطور الحركة الحالية وعلى أساس تلك السيناريوهات تبني تكتيكاتها. فإذا ما تمكنت الحركة من الانتصار وإسقاط شكل حكم محمد السادس فإنها سوف تطرح نفسها بديلا يحمي النظام القائم، ومصالح البرجوازية والإمبريالية. إما لوحدها (التجربة الإيرانية) – وهذا مستبعد ربما – أو بتحالف مع جزء من العائلة المالكة (الأمير هشام مثلا) أو مع الجيش (بالأصح قادته). أما إذا لم يتحقق هذا السيناريو ولم تتمكن الحركة سوى من إنهاك النظام القائم وخلخلة موازين القوى فإن تكتيك العدل والإحسان سيكون هو الاستفادة من تلك الموازين لتشكيل حزب سياسي وفق شروط أخف من هاته التي يفرضها عليها النظام في الوقت الحالي.»
ويبدو أن العدل والإحسان قد وصلت إلى هذه القناعة الثانية، أي الاستفادة من موازين القوى القائمة، بدل الرهان على الحركة لإسقاط حكم محمد السادس، وهذا ما يتضح من تصريح أرسلان، لموقع كود الالكتروني، إذ يقول:
«بدأنا نشعر بأن الحركة، بالشكل التي هي عليه الآن، أدت ما عليها، ووصلت إلى سقف ما يمكن أن تعطيه، ولذلك نؤمن بأنه يجب أن نبحث جميعا عن فضاء آخر، ووسائل أخرى أكثر نجاعة للتدافع ولمحاولة انتزاع المكتسبات». (التشديد من عندنا)
وهكذا فإن أرسلان يقدم جانبا من أسباب انسحابهم من الحركة ألا وهو “استنفاذها لصلاحيتها” بالنسبة إليهم، وبطبيعة الحال لا يعني “استنفاذها للصلاحية” كونها حققت مطالبها في الديمقراطية والعدالة والكرامة والقضاء على الاستبداد، بل كونها أوصلتهم إلى موقع ملائم لينطلقوا إلى “فضاء آخر”: فضاء الشرعية واستعمال “وسائل أخرى أكثر نجاعة للتدافع ومحاولة انتزاع المكاسب”، أي وسيلة الحزب السياسي والانتخابات.
إن نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات، دون أن يحدث ذلك أي رد فعل ضدهم، مشابه لرد الفعل الذي كان ضد نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في بداية التسعينات، والانتصار الذي حققته النهضة ومشاركة السلفيين في الانتخابات (الحرام شرعا من وجهة نظرهم) إلى جانب الإخوان المسلمين واكتساحهم للمقاعد، كل هذا بمباركة القوى الامبريالية (الأمريكية، الفرنسية، البريطانية الخ) التي سارعت جميعها إلى تهنئة الفائزين وعبرت عن استعدادها “للتعاون” معهم، كل هذه المعطيات جعلت لعاب العدل والإحسان يسيل بشدة، إذ أن السؤال الذي يطرح الآن داخلهم بين تيار لا بأس به هو: “لم لا؟”، “وحتى متى سنبقى في الهامش”. وكما سبق لنا أن أشرنا :
«إن تشكيل حزب سياسي، بدون الشروط الصعبة والمذلة التي يفرضها عليها الآن النظام القائم كان دائما حلما يراود جماعة ياسين، وهو ما أكده فتح الله أرسلان، في نفس اللقاء [مع] المسؤولين في السفارة الأمريكية حيث قال إن جماعته: “طلبت سنة 1981 من الحكومة المغربية التحول إلى حزب سياسي، لكن السلطات المغربية رفضت ذلك”.»
وفي سياق تحديد المصدر الذي قدم للجماعة الضمانات الكافية لكي تتخلى بهذه الطريقة المضحكة وبذلك البيان الركيك عن “مشاركة” شبابها في الحركة. نجد بعض ملامح الإجابة في تصريح عبد الله بوانو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والنائب البرلماني عن الحزب ذاته، لهسبريس، أن قرار جماعة العدل والإحسان، توقيف المشاركة في حركة “20 فبراير”، تحية خاصة من الجماعة لحكومة العدالة والتنمية. وأضاف قائلا: “أعتقد أن هذه مناسبة لدخول الجماعة المعترك السياسي”.
إلا أن حزب العدالة والتنمية كما يقول أحد نشطاء حركة 20 فبراير، بموقع طنجة، السيد محمد المساوي في مقاله “المسكوت عنه في قرار انسحاب -العدل والإحسان- من حركة 20 فبراير“:
«لا يمكن له أن يحمل الجماعة على اتخاذ مثل هذا القرار، نعم قد تكون هناك مفاوضات في الكواليس مع بنكيران، لكن لابد من ضمانات حقيقية فبنكيران ليس ضمانة حتى لنفسه، وهذا ما يشير إليه البيان».
وفي هذا المقال الذي يبتدأ بسؤال عميق مفاده: هل فعلتها السفارة الأمريكية؟ يمضي في شرح موقفه قائلا:
«من خلال قراءتي أستبعد ذلك [المساومة بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية] وأظن أن الضمانة الوحيدة التي قد تجعل الجماعة تقبل الخضوع لترتيبات الكواليس هي ما قدمته السفارة الأمريكية لمسئولي الدائرة السياسية في الجماعة خلال الخمسة أشهر الماضية»
خصوصا أن السفارة الأمريكية عقدت العديد من اللقاءات مع جماعة العدل والإحسان، وهذا ما اعترف به السفير الأمريكي بالرباط صامويل كابلان لجريدة ليكونوميست، حيث اعتبر أن هذه اللقاءات كان الهدف من وراءها تقصي واستطلاع الطرق التي تفكر بها الجهات المعارضة للسلطة بالمغرب، ولو أنه استدرك قائلا إن هذه اللقاءات تتم بعلم وزارة الخارجية المغربية، التي يتم موافاتها بكافة التفاصيل قبل الاجتماعات، وهو الشيء الذي يوحي بأن السفارة كانت تقوم بدور الوسيط بين الجماعة والنظام المغربي.
أضف إلى هذا أن النقطة الثامنة في بيان الجماعة والتي تقول:
«8- دعوتنا المنتظم الدولي إلى الكف عن دعم أنظمة التسلط التي تتصدى لحق الشعوب في الحرية والكرامة والعدل، فالآليات الديمقراطية كل لا يتجزأ، وصيانة المصالح المشتركة لا تتم إلا في ظل حكم راشد يسنده شعب يملك الكلمة الأولى والأخيرة في تدبير شأنه العام».
تسير في نفس الاتجاه، اتجاه الاستقواء بالإمبريالية وطلب عونها في تمكين الجماعة من موقع يليق بما تقدمه من ضمانات لحماية النظام، ويأخذ بالاعتبار عدد رؤوس البشر التي تمتلكها.
وعليه فإننا لا نستبعد مطلقا أن تكون الإمبريالية الأمريكية، التي تربطها بالعدل والإحسان علاقات طيبة ووثيقة، عرابة هذا الاتفاق وراعيته، (بمساعدة أخوية من جماعة بنكيران ومستشاري الملك، ربما) خاصة إذا عرفنا أن موقف الأمريكان من الجماعة هو: «إن قبول الجماعة بالنظام الملكي، وتحولها إلى حزب سياسي معترف به قانونيا، سيزيد من الاستقرار في المغرب، لكنه سيقوي تأثير الإسلاميين في الحياة السياسية المغربية». (انظر مقالنا المشار إليه أعلاه)، بل هو الاحتمال الغالب والذي يقدم تفسيرا لذلك الغموض الذي يلف المسألة.
دور اليسار، دورنا
نعيد التأكيد مرة أخرى أننا، نحن الماركسيون داخل الحركة، نعتبر أن انسحاب العدل والإحسان محطة نوعية في مسار تطور الحركة وتخلصها من أصدقائها المزيفين، سواء اللبراليين أو الأصوليين. إنها فرصة تاريخية لتطور وعي الجماهير الكادحة المشاركة في الحركة والشباب، ستفتح بدون أي شك فرصة عظيمة لليسار لكي ينغرس في صفوف الكادحين ويكسب من بينهم قادة التغيير الاشتراكي للمغرب.
إنها فرصة تاريخية لليسار الثوري أن يشرح للجماهير طبيعة هذه التيارات والموقع الطبقي الذي تدافع عنه وعلاقاتها بالرأسمالية والاستبداد والإمبريالية. ليس فقط من خلال الأدلة الملموسة في المغرب وحده بل أيضا من خلال الأمثلة التي تقدمها لنا الثورات المصرية والتونسية والليبية، حيث يلعب الأصوليون دور رأس رمح الثورة المضادة، وكلاب حراسة مصالح الرأسمال المحلي والإمبريالي. ي.
من المحتمل جدا أن يصاب العديد من شباب الحركة، الذي لا يمتلك تكوينا سياسيا مسبقا، بالإحباط والصدمة؛ وقد تعرف الحركة في أول خروج لها بعد الانسحاب تراجعا نسبيا في عدد المتظاهرين، ليس لأن العدل والإحسان كانت توفر كما كبيرا للحركة، فهي بالعكس كانت تكتفي بإرسال تمثيلية هزيلة إلا فيما ندر، بل لأن دعايتها ستنظاف إلى دعاية الأعداء السابقين للحركة، وستكرر نفس مصطلحاتهم من “شذوذ” وإلحاد وما إلى ذلك، ولأن الجماهير ما تزال تتسائل ماذا حصل؟ إلا أن كل هذا الوضع مؤقت بطبيعته. فالمطالب الملحة التي خرجت على أساسها الجماهير إلى الشارع لن يخف منها انسحاب العدل والإحسان ولا تعبئتها المسممة ولا افتراءاتها. وسرعان ما سوف يستوعب الشباب والجماهير الدرس، وينطلقون إلى النضال مجددا.
في هذه الأثناء على اليسار الحقيقي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في البقاء في الشارع وطرح برامج واضحة تبين للجماهير الحل لمشاكلها.
على اليسار الحقيقي أن يستعد لتقديم كل التضحيات، مثلما هو حاله دائما، ويعبئ قواه من أجل المزيد من الانغراس في الأحياء العمالية والمعامل والجامعات والثانويات والبوادي، ويستنهض الجماهير الكادحة للنضال الثوري الذي سيدك نظام الاستغلال والاستبداد والاضطهاد.
على اليسار أن يعيد إحياء تكتيك الجبهة الموحدة، القائم على الضرب معا، والالتقاء على مطالب ديمقراطية واقتصادية معينة والعمل على تعبئة الجماهير حولها ومن أجلها.
ثم على النقابات العمالية أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في هذه اللحظة الدقيقة للدفاع عن العمال والفلاحين الفقراء وأبنائهم العاطلون والطلاب الخ. وعلى القوى اليسارية داخلها أن تناضل من أجل استعادة هذه التنظيمات لتعود أسلحة في يد الطبقة العاملة وليس وسائل للمساومة وتلجيم النضالات.
ونحن في رابطة العمل الشيوعي إذ ندعو إلى هذا نؤكد على استمرارنا في كل مواقع النضال وإلى جانب الحركة واستعدادنا لتقديم جميع التضحيات حتى تحقيق مطالب الشعب المغربي الكادح في التحرر والديمقراطية.
ونعتبر أنه ليس للثورة المغربية (والمصرية والتونسية، الخ) أي مخرج إلا التغيير الاشتراكي للمجتمع، الذي سيضع وسائل الإنتاج (الآلات والأرض والمناجم) في يد المنتجين الحقيقيين للثروة من عمال وفقراء الفلاحين، في ظل دولة الديمقراطية العمالية التي تسيرها الجماهير عبر مجالسها والنقابات المنتخبة ديمقراطيا في الأحياء والمصانع والمدارس والثكنات. هذا هو موقفنا الذي نتحرك على أساسه ونطرحه للنقاش أمام الشباب المناضل والعمال والمناضلين اليساريين والنقابيين.
- عاشت حركة عشرين فبراير!
- عاشت الثورة المغربية!
- عاشت الثورة في العالم العربي!
- من أجل فدرالية اشتراكية لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، جزء من الفدرالية الاشتراكية العالمية التي بدأ يلوح فجرها!
أنس رحيمي
24 دجنبر 2011