الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: من سيدفع فاتورة الأزمة؟

المغرب: من سيدفع فاتورة الأزمة؟

بعد شهور عديدة من الخطابات المطمئنة حول “الاستثناء المغربي”، وأن “المغرب بمنأى عن الأزمة الاقتصادية بفضل مناعته الاقتصادية” بل وكون “المغرب بلد محفوظ بلطف الله” [حسب بنكيران] انتقل المسؤولون إلى خطاب “جديد” يتحدث عن الأزمة الخانقة التي صاروا يقدمون بإسهاب الأرقام على عمقها. ودون أي تفسير لصمت الأمس، بدأوا يتحدثون عن “الصراحة مع المغاربة” و”الشفافية”، الخ. فهل حقا ما دفعهم إلى تغيير الخطاب المتفائل السابق بخطاب الأزمة هو استيقاضة ضمير ورغبة في الوضوح؟ وما هي الإجراءات التي يقترحونها للخروج من الأزمة؟ وما هو البديل الذي يطرحه الماركسيون؟

الأزمة

في الآونة الأخيرة انخرط المسؤولون في الدولة في غناء نشيد واحد: الأزمة على الأبواب. وبدل تلك الابتسامات المطمئنة التي طالما وزعوها علينا بكرم عبر شاشات التلفاز، لبسوا جميعا قناع الجدية وصاروا يتحدثون بالأرقام عن عجز الميزان التجاري والبطالة، الخ. وفي هذا السياق قدم نزار بركة وزير الاقتصاد والمالية عرضا أمام لجنة المالية والقطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، كشف فيه عن بعض الأرقام بخصوص الاقتصاد المغربي خلال الستة أشهر الأولى من عمر الحكومة.

الأرقام التي قدمها صدمت الكثيرين، فقد أعطت صورة قاتمة عن كل المجالات بما فيها تلك التي كان المسؤولون يتغنون بكونها “قاطرة النمو” و”ضمانة المغرب للنجاة من الأزمة العالمية” أي: السياحة وتحويلات المهاجرين بالخارج، والفوسفاط. حيث أشار إلى أن القطاع السياحي تراجع هذه السنة ب 1,6% مقارنة مع السنة الماضية. وبدورها شهدت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ترجعا كبيرا ب 4,6%.

أما البطالة فقد ارتفعت من 9,1% خلال الفصل الأول من السنة الماضية إلى 9,9 خلال نفس الفترة من هذه السنة، حيث انتقلت في المجال الحضري من 13,3 إلى 14,4%، ارتفعت معه بطالة الشباب من 18,9 إلى 20,9%، وعلى مستوى حاملي الشهادات بنسبة 19,9 عوض 17,8% من نفس الفترة من السنة الماضية.

وبخصوص السيولة النقدية، أكد أنها تعرف تضخما كبيرا في الخصاص حيث وصل احتياطي العملة الصعبة 60,4 مليار درهم، مما قلص من مستوى تغطية هذه الموجودات لواردات السلع والخدمات إلى حوالي 4 أشهر، وهو ما اعتبره خطرا على الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن توقعات التضخم لسنة 2012، بلغ 1%، وسيصل إلى 1,5% مع نهاية السنة. كما أن مستوى العجز التجاري ارتفع إلى قرابة 100 مليار درهم في ستة أشهر.

وفي هذا السياق تتوقع السلطات أن يتراجع النمو في المغرب إلى 2,4% خلال 2012 مقابل 5% العام 2011، وخصوصا جراء تراجع الاستهلاك وتدهور النشاط السياحي في غمرة الأزمة في منطقة اليورو.

الشفافية والوضوح؟!

مرت الآن حوالي أربع سنوات على اندلاع أزمة الرأسمالية العالمية، وطيلة هذه المدة استمر المسؤولون يرددون نفس الأكاذيب حول أن المغرب بعيد عن الأزمة لهذا السب أو ذاك. لكنهم فجأة صاروا يزعقون بصوت واحد: “هناك أزمة، هناك أزمة”. هل يعود هذا لرغبة في إراحة ضمير معذب بالكذب، خاصة من طرف حكومة إسلامية تعرف أن من يكذب “مصيره جهنم”، أم أن هناك أسباب أكثر جدية؟

حسب تصاريح المسؤولين الحكوميين فالسبب طبعا هو الرغبة في “الصدق والوضوح مع المغاربة”، وهذا ما أكده أكثر من وزير أمام أعضاء الغرفتين أثناء الإجابة عن الأسئلة الشفوية. إن هذه التصريحات دليل إدانة آخر في حق نفس المسؤولين الذين طالما قالوا بالأمس عكس ما يقولونه اليوم، كما أنه دليل إدانة ضد الحكومات السابقة التي شارك فيها أغلب الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية، بل إنه دليل إدانة بالخصوص ضد الملك الذي لا يتوقف عن التغني في كل خطاباته “بالمنجزات والتقدم الذي تحقق في ظل جلالته”.

قد يتبادر لذهن البعض أن الوضوح الحالي واحدة من حسنات الحكومة الجديدة، والتي رغم كل شيء تختلف عن سابقاتها، على الأقل في قول الحق. لكن مهلا أليست “الحكومة الجديدة” هي نفس الحكومة القديمة، بنفس الأحزاب، بل ونفس الأشخاص أيضا، مع تطعيمها بحزب الإسلاميين الذي ليس في الواقع سوى حزب ملكي آخر جاء دوره لاقتسام منافع المقاعد الوزارية؟ كما أن الحكومة وباعتراف رئيسها لا تعمل سوى على تطبيق “توجيهات جلالته”، وبالتالي لا يمكن الحديث عن سياسة جديدة، أو عن أن “الوضوح” المفاجئ قيمة مضافة جاءت بها حكومة الملتحين.

في الواقع إن الرأسماليين لا يهتمون بالشفافية والوضوح وكل المفاهيم الأخلاقية المجردة، إنهم أناس عمليون جدا، وكل ما يشغل بالهم هو الحفاظ على مصالحهم الطبقية، واعتصار الأرباح من كدح العمال ونهب ثروات البلد. إن السبب الحقيقي وراء “الوضوح” و”الشفافية” هو إقناع العمال وعموم الكادحين بأن المغرب في خطر، وخلق جو من الرعب، لتحضيره لتقبل الإجراءات التقشفية القاسية التي ستنزل بها الحكومة تباعا.

إن الحكومة الملتحية ذات المرجعية الإسلامية لا تعمل في الواقع سوى على تطبيق سياسات لبرالية معروفة جيدا ومجربة عند حكومات أخرى في الغرب والشرق، إنها نفس السياسات التي شرحها نعوم تشومسكي في مقاله: ” الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير”، حيث يقول إن من بين تلك الاستراتيجيات:

خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول” ويشرحها قائلا: “هذه الطريقة تسمى أيضا “مشكلة – ردة فعل- حلول” نخلق أولا مشكلا، حالة يتوقع أن تحدث ردة فعل معينة من طرف الجمهور، بحيث يقوم هذا الأخير بطلب إجراءات تتوقع قبولها الهيئة الحاكمة. مثلا، غض الطرف عن نمو العنف الحضري، أو تنظيم هجمات دموية، حتى يطالب الرأي العام بقوانين أمنية على حساب الحريات. أو أيضا: خلق أزمة اقتصادية لتمرير تراجع الحقوق الاجتماعية وتفكيك المرافق العمومية- باعتبارها شرا لا بد منه-“.[1]

هذا بالضبط هو الهدف الذي تريد الطبقة السائدة تحقيقه من خلال تكثيف الحملة الدعائية حول وجود الأزمة، وقصفنا ليل نهار بأرقام تصيب بالدوار ومصطلحات بعضها في المتناول وبعضها الآخر عسير الفهم. إنها تريد خلق شعور بالذعر والرغبة في حل “يقي البلاد والعباد من السكتة القلبية”.

إنهم لا يريدوننا أن نفكر، فنطرح الأسئلة عن المسؤول، والبدائل الممكنة، الخ. إنهم يريدوننا أن نشعر بالرعب، ونفقد القدرة على التفكير، فنتضرع لمن “يفهمون أكثر” لكي يقدموا لنا الحلول. هنا يظهر وزراءنا ومسؤولونا على الشاشة وعلى صفحات الجرائد الرسمية و”المستقلة” إضافة إلى الكثير الكثير من “الخبراء” و”الباحثين الأكاديميين” لكي يخلصوننا. فيفسرون أن الأزمة حقيقة وأن من بين أسبابها “ارتفاع استهلاك الأسر”، الذي من أهم أسبابه “ارتفاع الأجور”، وغير ذلك من الشروحات. ثم يتفضلون بتقديم الحلول الناجعة، والتي لولا طيبوبتهم لما كانوا قدموها، كل هذا “بلا جميل” ودون انتظار كلمات الشكر من أحد، إذ دافعهم هو خدمة “المصلحة العامة” فقط لا غير.

ولكي تكتمل هذه الوصفة لا بد أن تتزامن مع وصفة أخرى هي تقديم التصريحات المتضاربة في نفس الوقت، والتراجع عنها، قول الشيء وتكذيبه، أو على الأقل الادعاء بأنه لم يفهم جيدا أو تعرض للتحوير من طرف صحفي سيء النية، ثم إعادة قوله بطريقة أخرى. مثلما هو الحال مع التصريحات بخصوص خصخصة التعليم، والتصريحات بخصوص الزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية، الخ. كل هذه التكتيكات التي صارت رائجة في الآونة الأخيرة، تهدف إلى خلق البلبلة في أذهاننا نحن العمال والفقراء، لكي تؤدي بنا إلى اللامبالاة. كما أنهم يطمحون إلى جس نبضنا وردود فعلنا، ليعرفوا هل هو الوقت المناسب لتمرير المخططات أم عليهم الانتظار أكثر، وما هي الاحتياطات التي عليهم أن يتخذوها. إضافة إلى أن كثرة التصريحات المتضاربة والتكذيبات تجعل المتلقي يتعايش مع الوضع فيصير بالنسبة إليه مجرد خبر، مثلما هي أخبار القتلى والحروب التي تذيعها القنوات التلفزية، والتي تفقد أهميتها وتأثيرها بكثرة ترديدها.

وفي هذا السياق ليس هناك اختلاف في درجة الصدق بين الحكومة الحالية والحكومات السابقة، بل الاختلاف هو مجرد اختلاف تكتيكي وشكلي. إذ أن الحكومة السابقة هي أيضا كانت تتحدث عن الظرفية العالمية لتحضر للهجوم على حقوق ومكتسبات الشعب المغربي، لكنها تفاجأت بالثورة التي اندلعت في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والنهوض الثوري في المغرب، فاضطرت إلى التراجع عن مخططات الهجوم “في انتظار مرور العاصفة”. والحكومة الحالية بدورها عند صعودها وعدت بالنمو الصاروخي والتشغيل المكثف ومحاربة الفساد الخ. كل ذلك كان بفعل اللهيب الثوري المشتعل في الشوارع. أما الآن فقد أحسوا بتراجع الحراك الشبابي والشعبي، فقرروا أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم.

إن “وضوحهم” و”شفافيتهم” إذن هو طبول تدق لشن الحرب علينا نحن العمال والفلاحون الفقراء والشباب. مثلما كان الحال عليه كل مرة، كلما بدأ المسؤولون في الحديث عن الأزمة، والسكتة القلبية، كلما جاءت إجراءات تقشفية قاسية، نؤدي ثمنها غاليا في خبزنا ومناصب شغلنا وظروف عيشنا ودراستنا. وهذا هو ما يحضر له وزراء”نا” اليوم.

قد يبدو للبعض أننا نقدم صورة أكثر قتامة مما هي عليه في الواقع، خاصة وأن وزراء”نا” المحترمين يقسمون بأغلظ الأيمان أنهم لن يطبقوا سياسة تقويم الثمانينات الهيكلي. إلا أن دراسة الأزمة الاقتصادية الحالية المنتشرة على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني، والتي تعتبر أشد أزمة عرفتها الرأسمالية منذ الانهيار العظيم (1929)، ومقارنتها بأزمة الثمانينات، يجعلنا متأكدين من أن مصلحتهم الطبقية لا تجعلهم يكتفون بتطبيق سياسة تشبه التقويم الهيكلي الذي طبق في الثمانينات، بل اللجوء إلى إجراءات أكثر شراسة. إن المحدد في مسألة المدى الذي يمكنهم أن يصلوه في هذا الصدد هو طبيعة وحجم النضالات التي نخوضها وسنخوضها في الشوارع والجامعات وأماكن العمل.

فلنعمل على إلقاء إطلالة على بعض “الحلول” التي يقدمونها للأزمة.

“حلول” الطبقة السائدة للأزمة

في سياق الحلول التي يقدمها المسؤولون للأزمة أكدت وزارة الاقتصاد والمالية، أن الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات العاجلة لمواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية على التوازنات المالية للدولة، وقسمتها إلى إجراءات ستتخذ على “المدى القصير” وإجراءات أخرى على “المدى المتوسط”

بخصوص “الإجراءات على المدى القصير”. ستعمل الحكومة على تعبئة كل التمويلات الخارجية المتاحة (سحوبات الخزينة: 13,6 مليار درهم)، واللجوء إلى السوق المالي الخارجي بمبلغ يتراوح ما بين 0,7 و1 مليار دولار، ودراسة إمكانية اللجوء إلى تغطية مخاطر ارتفاع أسعار الغازوال للحد من تأثيرها على تفاقم العجز التجاري.

ولم ينس وزير المالية أن يذكرنا أن “الحلول” ستتضمن تنازلات جديدة للرأسماليين، أو على حد تعبيره “اعتماد مقتضيات قانونية لفائدة الإنتاج الوطني والمقاولات الصغرى والمتوسطة”. أي المزيد من التسهيلات فيما يتعلق بقوانين الاستغلال واعتصار الطبقة العاملة (بما فيها قانون الإضراب). وليست الإشارة هنا إلى “المقاولات الصغيرة والمتوسطة” إلا من أجل ذر الرماد في العيون، إذ ليس هناك من مقتضيات قانونية لصالح هذه الأخيرة إلا واستفادت منه أكثر كبريات الشركات والمؤسسات المالية، التي تدفع بالصغيرة والمتوسطة إلى الدمار والإفلاس، خاصة في ظروف الأزمة.

أما على المدى المتوسط، فقد أشار وزير المالية إلى أن الحكومة ستتخذ إجراءات لتحسين العرض التصديري، من خلال وتيرة المخططات الإستراتيجية، خاصة الموجهة منها للتصدير وتسريع إنجاز واستغلال الأقطاب الفلاحية والمناطق الصناعية المندمجة، والدفع بالمهن العالمية الجديدة للمغرب، تحسين تنافسية المنتوج المغربي من خلال تقليص تكلفة الإنتاج، ودعم وترويج المنتوجات المغربية، وتطوير نظام لتأمين الصادرات والعمل على وضع آليات لتأمين الاستثمارات من أجل الولوج للأسواق الجديدة”. (خط التشديد من عندنا).

إن الحديث عن “تحسين العرض التصديري” هو حديث عن المزيد من ربط الاقتصاد المغربي بالخارج. إنه يعني المزيد من التبعية للسوق الخارجية وتقلباتها، والتمادي في إهمال السوق الداخلية، والأمن الغذائي. إنها نفس السياسة التي طبقت منذ أكثر من نصف قرن وأدت إلى هذه الأوضاع الكارثية التي وصل إليها البلد، خاصة إذا ما قرأناه في سياق التصريحات الحكومية التي تؤكد على تحضيرها لفتح التعليم العالي للرأسمال الخارجي إضافة إلى سعيها إلى خصخصة شركة الخطوط الجوية “لارام”.

كما أن الحديث عن تشجيع “الأقطاب الفلاحية” لتحسين العرض التصديري لا يعني سوى التمادي في نفس سياسة تشجيع الملاكين الكبار والمؤسسات الكبرى على الاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء وتسريع خرابهم، عبر كل الوسائل “القانونية” وغير القانونية، من أجل فتح المجال أمام إقامة مشاريع فلاحية كبرى للمنتجات الموجهة للتصدير، من بواكر وحوامض وزهور، الخ التي تستنزف مواردنا المائية والبيئية بينما نعاني من نقص حاد في إنتاج الحبوب وغيرها من المحاصيل الأساسية لأمننا الغذائي، والتي نضطر لاستيرادها بالعملة الصعبة.

ومن الإجراءات الكارثية التي ستلجأ إليها الحكومة نجد الاستدانة المكثفة. حيث أعلنت الحكومة تمكنها من الحصول على خط ائتماني وقائي من طرف صندوق النقد الدولي بقيمة 6,2 مليار دولار أمريكي لمدة سنتين. وعلى المدى القصير ستلجأ إلى السوق المالي الخارجي، لاستدانة مابين 0,7 ومليار دولار، وذلك من أجل الحفاظ على مستوى الموجودات الخارجية في حدود 140 مليار أو ما يوازي 4 أشهر خلال سنة 2012.

كما أشارت مصادر حكومية إلى أن المغرب يعتزم بيع سندات سيادية تساوي مليار دولار على الأقل ربما في شهر أكتوبر، حيث من المفترض أن تشارك هيئات استثمارية من مجلس التعاون الخليجي بالنصف تقريبا.

لكن عفوا ألم يقل بنكيران إنه لن يقترض، وكان ذلك هو المبرر الذي قدمه لنا لكي نبتلع الزيادة في المحروقات وبالتالي في كل الأسعار؟ نعم هذا صحيح! لكن المشكلة ليست في بنكيران بل في الذين صدقوه عندما قال ذلك، مثلما يمكن أن يصدقوه عندما يقول اليوم إن الاستدانة لن تؤدي إلى إجراءات تقشفية قاسية.

إن تكلفة فتح ذلك الخط الائتماني من طرف صندوق النقد الدولي هو 7 ملايير سنتيم عن كل سنة، ليس كفوائد ولا مقابل أصل الدين، بل فقط كهدية شكر من المغرب لصندوق النقد الدولي على تكرمه بفتح ذلك الخط الائتماني، سواء استفاد المغرب أم لم يستفد. أما نسبة الفائدة التي سيتوجب على المغرب دفعها في حالة سحبه لمبلغ ما فستكون 3% عن كل قرض!!

إن هذا الاقتراض المكثف سيزيد في تعميق التبعية وتسهيل نهب ثروات الوطن من قبل الشركات الامبريالية والمؤسسات المالية، خاصة إذا ما نظرنا إليه في سياق التصريحات المشار إليها أعلاه حول فتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية في قطاعات إستراتيجية كالتعليم، الخ.

ويأتي هذا القرض في سياق تأكيد الحكومة على عدم رغبتها في محاربة الفساد، فبنكيران صرح مرارا أنه ليس مستعدا لمطاردة العفاريت والأشباح (رغم انه يظهر حماسا كبيرا في مطاردة المعطلين في شوارع الرباط وغيرها). إن هذه التصريحات تعتبر ضوءا أخضر لتبديد تلك الأموال ونهبها مجددا كما نهبت الأموال الأخرى، ومن ثم استخلاصها هي وفوائدها من لحمنا ودمنا وقوتنا اليومي.

سوف يفرضون علينا إجراءات قاسية من أجل تدبير أزمتهم. سيعملون على الزيادة في الضرائب، والرفع من الأسعار وتخفيض قيمة العملة، واقتطاع ميزانية الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة، الخ. وليست التلميحات الحالية للمزيد من عمليات الخصخصة (التعليم، الخطوط الجوية، الخ) سوى غيض من فيض.

وفي هذا السياق قامت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين التابعة لحزب الاستقلال (المشارك في الحكومة بعدة وزارات من بينها وزارة المالية) باقتراح مجموعة من التدابير ” للخروج من انعكاسات الأزمة الاقتصادية وتوفير الموجودات من العملة الصعبة” من بينها التخفيض التدريجي لقيمة الدرهم للتأثير على الواردات، ووقف ارتفاع الأجور للحد من الاستهلاك، وإعادة توجيه استثمارات الدولة لتمويل الأشغال الكبرى والقطاعات المصدرة كالسياحة وصناعة السيارات وترحيل الخدمات من أجل تسريع وتيرة إنجازها”. أي حلها على حسابنا نحن الفقراء وعلى حساب أجورنا، بينما توجه الاستثمارات ليس للمستشفيات والمدارس ولبناء المساكن للمشردين، بل لتمويل مشاريعهم وضخ الأموال في أرصدتهم. هكذا تكون التضحية المتبادلة للخروج من الأزمة.

ومن أجل تمرير هذه المخططات سيعملون على قمع كل الأصوات. كما أن الاستبداد سيحاول أن يصير أكثر شراسة. نعم إن موازين القوى الحالية لا تسمح لهم بأن يطبقوا كل ما يريدونه دفعة واحدة، لكن هذا هو هدفهم الحقيقي.

إن الطبقة السائدة وممثلوها السياسيون خائفون من استفزاز الطبقة العاملة عبر هجوم مباشر، لذا يعملون كل ما في مستطاعهم لتأجيل المواجهة الحاسمة، وتمرير المخططات جرعة جرعة، بعد التحضير لها بالكثير من الأكاذيب والمسوغات. لكن حتى متى. إن ساعة دفع الحساب ستحين عاجلا أو آجلا. وفي ظل الأزمة العالمية الحالية، ليس هناك من هامش كبير للمناورة. وبالتالي فإن ساعة المواجهة الطبقية تقترب بسرعة هائلة.

لن ندفع فاتورة أزمتهم

ينصحنا السادة الاصلاحيون بالصبر، فغدا سيصير كل شيء جيدا، وستتحسن الظروف وتصبح التضحيات ذكريات من الماضي.. لكن هل هذه الإجراءات كفيلة بإخراج المغرب من التخلف، والقضاء على الأمية، وتوفير مناصب الشغل للعاطلين والسكن للمشردين والخبر للجائعين؟ لو أن الأمر كذلك، لكان من المعقول تحمل بعض التضحيات، لكن هذا مستحيل.

لن تؤدي هذه الإجراءات سوى إلى المزيد من تعميق الأزمة ومفاقمة التبعية والتخلف والفقر. فالديون التي ستغرقنا فيها “حكومة جلالته” قد تؤجل انفجار الأزمة لكن فقط على حساب انفجار أشد وأشرس. كما أنه سيحين موعد سدادها وسداد الفوائد المتراكمة. من أين سيأتون بتلك المبالغ؟ طبعا لن يأتوا بها من جيوبهم أو من ميزانيات القصور، أو على حساب أرباحهم. سيأتون بها من جيوبنا نحن الفقراء. هذه هي الوصفة الوحيدة التي تعرفها الرأسمالية. وهي الوصفة التي تكتبها لكل “الاقتصادات المريضة” بما في ذلك أوربا (اليونان، اسبانيا).

فبعد أن يفرضوا علينا تحمل كل تلك التضحيات، ويستعيد نظامهم عافيته ويبدأون مجددا في مراكمة الأرباح الهائلة، ما هي الجائزة التي نحصل عليها؟ هل يقتسمون معنا ثمار الازدهار مثلما هم الآن يطلبون منا اقتسام أشواك الأزمة؟ كلا طبعا. فالمالكون وحدهم من يستفيدون، أما نحن فليس لدينا سوى قوة عملنا لا نحصل على فرصة لبيعها إلا إذا اقتضت مصلحتهم شراءها منا بثمن يحددونه هم وتحدده قوانينهم.

في ظل الرأسمالية ليست هناك من إمكانية لتحقيق إصلاحات جدية. وقد استفادت الطبقة السائدة في المغرب من فرصة إثبات ما يمكنها تحقيقه استمرت أكثر من خمسين سنة. لكنها أثبتت فقط أنها سبب للتخلف والاستغلال والاستبداد ونهب ثروات الوطن.

إذن لماذا علينا أن نتحمل نظاما كهذا؟ لماذا علينا أن نتحمل نظاما لا يعيش إلا بتدمير مناصب شغلنا، وبيئتنا؟ لماذا علينا أن نتحمل تبعات أزمة نظام يستفيدون منه هم فقط، في الرخاء وفي الأزمة، بينما لا ينالنا نحن سوى الاستغلال والفقر والبطالة والجوع والتلوث؟ يجب أن يكون شعارنا نحن هو: “لن ندفع فاتورة أزمتهم“.

البديل الذي نقدمه نحن الماركسيون

بالنسبة للإصلاحيين و”الخبراء الأكاديميين” ناهيك عن الممثلين السياسيين للطبقة السائدة، ليس هناك من بديل عن النظام الرأسمالي. وبالتالي فإنه عندما يكون غارقا في أزمة يتوجب علينا أن نتحمل التضحيات لكي نخرجه من الأزمة، على أمل الحصول على جزاء صبرنا في “أوقات الرخاء”. إذ ليس هناك من مخرج آخر.

أما بالنسبة لنا نحن الماركسيين ليس النظام الرأسمالي سوى نظام عابر مثله مثل أنظمة سابقة عليه. تحين ساعة زواله عندما يفقد شرعية وجوده، أي يصبح عاجزا عن تطوير قوى الإنتاج. وقد فقد شرعيته هاته إذ صار كابحا لتطور قوى الإنتاج ليس بسبب هذا الإجراء أو ذاك، لهذه الحكومة أو تلك، بل لأسباب بنيوية فيه: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وحدود الدولة القطرية.

إن الاختلاف بيننا وبينهم ليس حول وجود الأزمة، فهذه مسألة طالما أكدنا عليها قبل وقت طويل من اعترافهم بها. بل الاختلاف يوجد في الإجابة عن سؤال: ما العمل للخروج من الأزمة، ومن سيدفع فاتورتها؟ وفي سياق الإجابة عن هذا السؤال نمتلك نحن الماركسيين بديلا متكاملا، سنعمل في ما يلي على الإشارة إلى خطوطه العريضة.

فبالنسبة لمسألة المديونية نعتبر أنه يجب التوقف فورا عن الاستدانة وعن أداء ثمن الديون التي اقترضت في الماضي وفوائدها. إن تلك الديون التي اقترضت باسمنا، نحن العمال والفلاحون، لم نستشر فيها ولم نوافق عليها ولم نستفد منها، كما أننا أدينا ثمنها أضعافا مضاعفة وما نزال، من خلال تخصيص قسم كبير من الميزانية لأدائها. إن الاستمرار في هذا المسار جريمة في حق الشعب المغربي يجب محاكمة المسؤولين عنها.

إننا نطالب بالتوقف فورا عن أداءها وتوجيه الأرصدة المخصصة لخدمتها لتمويل المشاريع الاجتماعية وأشغال البنية التحتية وتحسين شروط عيش الكادحين.

أما فيما يخص الأجور، فنحن ندين هؤلاء المشعوذين الذين يدعون أن الرفع من أجور الكادحين هو ما يؤدي إلى الأزمة، إذ العكس هو الصحيح حيث أن الرفع الجدي في الأجور سيشجع على الاستهلاك وبالتالي سيرفع الطلب بشكل كبير مما يشجع على الإنتاج. إن المشكلة ليست في الرفع من أجور الكادحين، بل في تلك الأجور المبالغ فيها التي يتقاضاها كبار المسؤولون، والتي بالإضافة إلى كونها ترهق الميزانية العامة فإنها تذهب إلى الادخار والإقبال على السلع الكمالية المستوردة.

إننا في هذا السياق نطالب بالرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 6000 درهم شهريا، على الصعيد الوطني وفي جميع القطاعات، بدون استثناء، مع تطبيق السلم المتحرك للأجور بحيث ترتفع الأجور تلقائيا مع أي ارتفاع في الأسعار. وتحديد أجور موظفي الدولة بحيث لا يتقاضى أي موظف- أيا كان- أجرة أعلى من أجرة العامل المؤهل.

كما نرفض سياسة الخصخصة، التي نعتبرها سياسة إجرامية أدت إلى منح قطاعات اقتصادية حيوية ومربحة للرأسماليين المحليين والأجانب. وهي القطاعات التي بذل الشعب المغربي لبنائها ما لا يقاس من التضحيات. إننا نطالب بالتوقف فورا عن عمليات الخصخصة التي تسعى الحكومة للقيام بها، سواء في التعليم أو غيره من القطاعات. كما نطالب بإعادة تأميم القطاعات الاقتصادية التي تم تأميمها بدون أي تعويض (ما عدا صغار المساهمين)، ووضعها تحت رقابة ممثلي العمال والنقابات، ومحاكمة المسؤولين عن بيعها.

كما نطالب بتأميم الأراضي الزراعية والمنشآت الفلاحية الكبرى ووضعها تحت رقابة مجالس العمال والفلاحين، وتطبيق مخطط إنتاجي لخدمة الحاجيات الغذائية الوطنية، في تناغم مع الموارد البيئية.

ونطالب بتأميم ملكيات كبريات الشركات العقارية والملاكين الكبار للأرض. إن هذا الإجراء هو الوحيد القادر على القضاء على المضاربة العقارية، والأرباح الطفيلية التي يحققها هؤلاء على حساب الكادحين. كما أنه هو الإجراء الوحيد القادر على تحقيق مشاريع سكنية توفر المأوى اللائق لكل المحتاجين.

نحن لسنا هنا بصدد التفصيل في كل نقاط البرنامج الثوري الذي نقترحه على العمال والشباب الثوري، والذي يمكن الاطلاع عليه في وثيقة خاصة به (رابطة العمل الشيوعي: البرنامج الانتقالي)، بل نعمل فقط على تقديم بعض الخطوط العريضة التي نريد من خلالها إعطاء الدليل على أن البديل عن النظام الرأسمالي ممكن ومتوفر.

لكن هذه السياسة لا يمكن أن تطبقها حكومات الرأسماليين، سواء كانت أصولية أو لبرالية. إنها سياسة لا يمكن تطبيقها إلا على يد حكومة العمال والفلاحين، حكومة تعمل على مصادرة كبريات الشركات الصناعية والمالية والمنجمية والأبناك ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية لمجالس العمال والفلاحين والنقابات العمالية، وتضع مخططا اشتراكيا للإنتاج في خدمة مصالح الأغلبية الساحقة.

فلنجعلهم يدفعون ثمن أزمة نظامهم ولنبن نظامنا. هكذا نتمكن من القضاء على الأزمة بالقضاء على سببها الجوهري: النظام الرأسمالي. ونقضي على كل المظاهر المرتبطة بها من فقر وأمية وتخلف واستغلال.

رابطة العمل الشيوعي
السبت: 11 غشت 2012

هوامش:

[1] الاختلاف الوحيد هو أن الحكومة لا تختلق وجود الأزمة، فالأزمة موجودة فعلا وعميقة جدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *