في الوقت الذي كانت تكتب فيه هذه السطور كان مئات الألوف من المحتجين بهدف واحد في ذهنهم: إزالة مرسي من الحكم. لقد دعت حركة تمرد، والتي نظمت مسيرات ضخمة يوم الأحد 30 يونيو، الناس إلى الإحاطة بقصري الاتحادية والقبة ومراكز المحافظات بحلول الساعة الخامسة مساء وأعلنت أنها ستصدر بيان من قصر القبة في الساعة السابعة و النصف. هذه هي لغة العصيان.
الأبواب الأربعة لقصر القبة الرئاسي أصبحت الآن مقفلة بالسلاسل والأقفال من قبل المتظاهرين ويافطة هائلة تقول: “القصر مغلق بأمر من الثوار لحين وجود رئيس”. حركة تمرد أعلنت أن مرسي لم يعد الرئيس. العديد من المحافظات تمت السيطرة عليها أو محاصرتها من قبل الجماهير. المراكز الإقليمية والوطنية للإخوان المسلمين، لذراعها السياسية، حزب الحرية و العدالة، ولغيرها من الأحزاب الإسلامية اليمينية تمت مهاجمتها.
الجماهير تقاتل في الشوارع لإزالة مرسي بالحراك الثوري المباشر لأنهم يرون أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق الطموحات المغدورة لحركة 25 يناير 2011: الخبز، الوظائف، والديمقراطية. في نفس الوقت، هناك صراع أخر بين مختلف مكونات الطبقة الحاكمة وجهاز الدولة لاستغلال حركة الجماهير الثورية من أجل مصالحهم الخاصة.
القاهرة تعج بمختلف أنواع الإشاعات، النكران، والمعلومات الخاطئة مما يبين حالة الذعر في أوساط الطبقة الحاكمة والمناورات والمؤامرات التي تجري خلف الأبواب المغلقة. عدد الوزراء الذين يستقيلون من الحكومة يتزايد كل ساعة، ولكن يبدو أن المحصلة الحالية هي ستة بعد استقالة وزير الخارجية كامل عمرو. لقد تبع وزراء السياحة، البيئة، الاتصالات، الشؤون القانونية والري.
المتحدثان باسم الرئاسة، عمر عامر وإيهاب فهمي، استقالا أيضا. في لحظة معينة كان هناك تقارير متضاربة بأن الحكومة بأكملها استقالت وبأن رئيس الوزراء قدم استقالته أيضا، ولكن تم نفي هذا الأمر لاحقا. كان هنالك أيضا تقارير غير مؤكدة بأن قوات الأمن أعطت تعليماتها لأمن المطار بمنع الأعضاء القياديين في الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة من مغادرة البلاد. يوم الاثنين كان هناك تقارير، أيضا غير مؤكدة، بأن قوات الأمن اعتقلت 15 من الحراس الشخصيين للزعيم الإخواني خيرت الشاطر. أكثر من 100 دبلوماسي وقعوا بيان تضامن مع مطالب الشعب مثل الجرذان التي تقفز من سفينة غارقة.
جنرالات الجيش، الذين عقدوا صفقة مع قادة الإخوان المسلمين وقت الانتخابات الرئاسية العام الماضي، قرروا الآن أن مرسي غير قادر على السيطرة على الجماهير ويجب إقصائه. مهلة الجيش ضد مرسي مليئة بالكلمات اللطيفة عن شعب مصر العظيم وعن ضرورة سماع صوته. ولكن ما تقوله في الواقع واضح جدا: جنرالات الجيش لن يسمحوا بالعبث و بالفوضى، على مرسي الرحيل ويجب جلب زعماء المعارضة إلى السلطة بشكل من أشكال حكومة الوحدة الوطنية. وزير الداخلية صرح بأنهم “متضامنون مع بيان الجيش”، مما يوضح عدم سيطرة الرئيس على أجهزة السلطة.
جنرالات الجيش غير معنيين على الإطلاق بإرادة الشعب وبالتأكيد لن يساعدوا في تحقيقها. ولكنهم مدركين ضخامة هذه الحركة وعدم إمكانية إيقافها بالقمع. وبنفس الطريقة التي أقصوا فيها مبارك في ثورة ال2011 لإنقاذ النظام، الآن يريدون من مرسي الرحيل، لنفس السبب.
العديد من المعلقين قالوا بأن مهلة الجيش تمثل انقلابا. الحقيقة أن أخر ما يريده جنرالات الجيش هو محالة فرض انقلاب عسكري على شعب ثائر وناهض لأنه أمر مستحل في الظرف الراهن. هذا هو ما يعنوه بقولهم: “إن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديمقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب”.
جنرالات الجيش مهتمون فقط بالدفاع عن سلطتهم ومصالحهم وبشكل عام عن النظام الرأسمالي الذي يتكلون عليه. يدركون أنه إن تمسك مرسي بالسلطة، فإن الخطر يكمن في أن يسقط بانتفاضة ثورية، مما بإمكانه أن يهدد أساس الدولة الرأسمالية واقتصاد السوق الحر.
بالإضافة إلى ذالك، هنالك بالتأكيد أجزاء من النظام السابق لم تتصالح نهائيا مع تركها للسلطة، لا بل وبشكل أقل مع مشاركتها أو تنازلها لأجزاء منها للإسلاميين. هنالك صراع يحتدم بين المكونات المختلفة للسلطة.
ولكن، هذا ليس سبب الانفجار الثوري الجبار للحركة الجماهيرية. السبب الحقيقي يكمن في مكان أخر، في الإدراك بأنه بعد سنتين ونصف من الثورة لم يتحقق شيء. في الحقيقة، 63% من السكان يعتقدون بأن أوضاعهم قد تدهورت. البطالة ارتفعت، الاقتصاد ينهار، هنالك انهيار في الأمن العام مع ازدياد في الجريمة، لم يتم تحقيق العدالة لشهداء الثورة…ليس هذا ما قاتل الشعب من أجله!
هذا هو بالضبط المزاج الذي التقطته حملة تمرد. الحملة، التي تقول أنها تقف من أجل “الكرامة، العدالة والحرية”، وضعت سبعة أسباب للمطالبة بإقصاء الرئيس: غياب الأمن، استمرار تهميش الفقراء والمحرومين، عدم تحقيق العدالة من أجل الشهداء، غياب كرامة الشعب و البلد، استجداء القروض من الدول الخارجية وإتباع أوامر الولايات المتحدة.
كلما أخذت الحملة بالازدياد بالقوة وازدادت جاذبيتها، اخذ مختلف أنواع الانتهازيين بالتسلق عليها. السياسيين البرجوازيين “الليبراليين” الذين رفضتهم الجماهير خلال الثورة مثل البرادعي، والمنشقون في اللحظة الأخيرة من دون أية رصيد مثل عمرو موسى، كلهم يناورن بمشهد مقرف ومقزز من أجل مكان على رأس الحركة.
المشكلة تكمن في أن قيادة هذه الحركة لا تملك بالفعل برنامج قادر على حل المشاكل الرئيسية التي سببت نهوض الجماهير. لقد قالوا بصراحة بأن برنامجهم هو استبدال مرسي برئيس المحكمة العليا، تشكيل حكومة إنقاذ والقيام بانتخابات جديدة خلال ستة أشهر. كل هذا ليس له فائدة. الثورة المصرية قامت بانتخاب رئيس ولكن هذا لم يحل أي شيء. المشكلة ليست في كون مرسي رئيسا فاشلا. سياسات مرسي كانت محكومة بالأزمة الحادة للرأسمالية المصرية، والمتفاقمة بسبب أزمة النظام العالمي. لا يوجد أية مساحة للمراوغة. لقد كان فشله نتيجة الأزمة الاقتصادية وليس العكس.
المشكلة الرئيسية هي أن الثورة المصرية بدأت، ولكنها لم تنتهي. السلطة والثروة لا تزال في أيادي الطبقة الحاكمة نفسها وهم لا يزالون يتحكمون بشكل محكم بجهاز الدولة الذي لم يحصل فيه حتى تطهير ديمقراطي بسيط (لم يحصل حتى تطهير برجوازي ديمقراطي). الصراع من أجل الديمقراطية الحقيقة والعدالة الاجتماعية ليس له حل ضمن حدود الرأسمالية. أية محاولة لإيجاد حل دستوري لهذه الأزمة الثورية سيعد فقط خيبات أمل جديدة للجماهير وبالنهاية أزمة ثورية جديدة.
مرسي يتحدث بطريقة صارمة حتى الآن وقد رفض بيان الجيش. في مسيرة في القاهرة، ألقى محمد البلتاجي، العضو القيادي في حزب الحرية و العدالة، خطبة نارية دعا فيها مناصري مرسي ليكونوا جاهزين للتضحية بأنفسهم دفاعا عن الرئيس: “قل الوداع لأمك، أبوك، وزوجتك، لأنك سوف تضحي بروحك للدفاع عن شرعية محمد مرسي”.
ولكن في حين أنه يحافظ على وجه صارم أمام مناصريه، يحاول مرسي بيأس التفاوض على حل يسمح له بالحفاظ على الأقل ببعض من السلطة. اقتراحه بإقامة استفتاء بخصوص استمرار الرئيس، وهو علامة ضعف، تم رفضه أصلا من قبل تمرد. يوم الاثنين قابل، برفقة رئيس الوزراء قنديل، رئيس الجيش عبد الفتاح السيسي والرجال الثلاثة من المقرر أن يتقابلوا مرة أخرى اليوم. هناك أيضا كلام عن مفاوضات بين البرادعي، كممثل عن المعارضة، وقنديل، عن الحكومة.
الولايات المتحدة قلقة بشكل واضح من هذه التطورات وتحاول أن تستخدم وزنها لتمنع النزاع من التصاعد إلى ثورة كاملة. يوم الاثنين، تحدث الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس اتحاد الأركان، إلى قائد الجيش المصري، السيسي. في نفس اليوم، تحدث أوباما مع مرسي لإعطائه تعليمات للقيام بشيء ما لتنفيس الوضع. البيان الرسمي للبيت الأبيض نقل بأن “الرئيس أوباما شجع الرئيس مرسي على اتخاذ خطوات توضح أنه متجاوب مع مطالبهم” أي ما يمكننا قراءته كالتالي “بحق السماء، قم ببعض التنازلات الهامة قبل فوات الأوان وأيضا بأنه “فهم أن الأزمة الحالية يمكن تجاوزها فقط من خلال العملية السياسية”، والذي يعني أن السقوط الثوري يجب تجنبه بأية ثمن.
هكذا هي الأمور. في حين أن القطاعات المختلفة من الطبقة الحاكمة وجهاز الدولة تتباحث بشكل مذعور من أجل الحل الدستوري، تتنامى ثقة الجماهير بقواها الذاتية وتزداد المساحة لوصول سياسات الطبقة العاملة إلى المقدمة بشكل أكبر. ما يمكن أن يحسم المأزق ويدفع بميزان القوى لصالح الجماهير الثورية هو الدعوة إلى إضراب عام وطني، والذي (بصياغة الدعوة إلى عصيان مدني جماهيري) تتم مناقشته بالفعل.
فقط إذا وضعت الطبقة العاملة نفسها في مقدمة الحركة، يمكن للأزمة الثورية أن تحل لصالح الجماهير.
الشعب الثائر خطف نصره منه مرتين في السنتين الأخيرتين. يجب أن لا يكون لدينا أية ثقة بجنرالات الجيش وممثلي النظام السابق، ولا بهؤلاء الذين حكموا خلال السنة الأخيرة بالتحالف معهم. على العمال والشباب الثوريين الثقة بقواهم الذاتية فقط.
يجب تشكيل لجان عمل ثورية على كافة المستويات، في كل مكان عمل، كل حي للطبقة العاملة، وفي كل مؤسسة تعليمية، ويجب ربطهم على كافة المستويات، المحلي، الإقليمي والوطني. على الشعب العامل خلق مؤسساته الثورية الخاصة به بحيث يمكنه مرة واحدة التخلص من جهاز الدولة الرأسمالية القديمة ومصادرة الثروة من الطبقة الحاكمة بالبدء من المكاسب المسروقة من طرف رأسماليي وجنرالات عهد مبارك.
- كل السلطة للعمال! صادروا الطبقة الحاكمة!
- من أجل لجان ثورية في كل مكان!
خورخي كارتن
الثلاثاء: 02 يوليوز 2013
عنوان النص بالإنجليزية:
Egypt on the Verge – the Revolutionary Movement of the Masses can only trust in its own Forces