على الرغم من أن هذا المقال قد كتب يوم الاثنين 01 يوليوز، ونشر على صفحات موقع الدفاع عن الماركسية في نفس اليوم، وبالتالي قبل الإعلان الرسمي عن إسقاط حكم محمد مرسي، فإنه توقع بوضوح مجمل الأحداث التي وقعت لاحقا، كما أنه يتضمن تحليلا ماركسيا يفسر الموقف الذي على الماركسيين والعمال والشباب الثوري اتخاذه تجاهها. إنه مقال يحتفظ بكل راهنيته لذلك نعمل على إعادة نشره باللغة العربية لقراءنا والمتعاطفين معنا.
لقد نهض الشعب المصري مرة أخرى ضد الدكتاتورية والفقر والفساد. يوم أمس، 30 يونيو، اكتسح ملايين المتظاهرين الشوارع في كل المدن الكبرى والبلدات من المناطق الريفية في صعيد مصر إلى المعاقل الصناعية في دلتا النيل وصولا إلى المناطق المتواجدة في الشمال. وقد وجد محمد مرسي والإخوان المسلمون، الذين اعتبرتهم الدول الغربية منقذي الرأسمالية المصرية، أنفسهم عاجزين تماما أمام الثورة. إن مصير مرسي الآن بين أيدي الحركة التي لديها كل الفرص لكنسه جانبا.
وقبل تحركات يوم أمس، اندلعت احتجاجات في القاهرة والإسكندرية وعدة محافظات مصرية، بما في ذلك الدقهلية والشرقية والزقازيق. تم حرق العديد من مقرات جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي حزب الحرية والعدالة في دلتا النيل والإسكندرية ونهبها، في الوقت الذي أدى تواصل الاشتباكات بين أنصار مرسي والثوار إلى سقوط العديد من القتلى ومئات الجرحى.
منذ الصباح الباكر ليوم 30 يونيو تجمع آلاف المصريين في الساحات وأمام المباني الرسمية في جميع أنحاء البلاد. وفي الغربية أغلق المتظاهرون أبواب عدة مبان لمجلس المدينة وعلقوا عليها لافتات كتب عليها “مغلقة بأمر من الثورة.”
لكن ومع مرور الوقت – وأمام تفاجئ الجميع – اتخذت الحركة أبعادا ضخمة، أكبر من أي شيء شهدناه منذ بداية الثورة. في القاهرة، كان ميدان التحرير وجميع الطرق المؤدية إليه مكتظة تماما. كما يمكن أن نرى نفس الحشود في مصر الجديدة حول القصر الرئاسي حيث بدت وكأنها طوفان بشري غطى الشارع الواسع على مرمى البصر.
كانت المسيرات تأتي من كل ركن من أركان المدينة في تيار يبدو بدون نهاية. وقد ضمت مسيرة في الجيزة – بقيادة المرشح الرئاسي الناصري حمدين صباحي ورئيس المركزية النقابية الحديثة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ، كمال ابو عيطة- عشرات الآلاف من المتظاهرين.
واندمجت هذه المسيرة مع مسيرة أخرى كانت بقيادة زعيم المعارضة الليبرالية محمد البرادعي في ساحة النهضة في نهاية الشارع.
وعند مرورها أمام مركز شرطة الدقى تلقى المحتجون تحايا ضباط الشرطة من ذوي الرتب الصغرى الذين كانوا يقفون أمام مركز شرطة الدقى يحملون أعلاما لدعم المحتجين، وكان بعضهم يحمل لافتات موجهة إلى الرئيس مع رسالة واحدة: “ارحل!”
كما شارك شباب الالتراس الاهلاوى، مشجعو نادي الأهلي بالقاهرة، بقوة في الاحتجاج باستخدام أغانيهم والليزر الأخضر مما رفع من الحماس أكثر.
وكانت الشعارات التي رفعت موجهة أساسا ضد الإخوان المسلمين ودفاعا عن الثورة والمطالبة بسقوط النظام. والشعارين الأكثر شعبية كانا هما شعار: “ارحل!” وشعار انتفاضة 25 يناير ضد مبارك: “الشعب يريد إسقاط النظام!”
كان هناك أشخاص من جميع المشارب، من ربات البيوت إلى العمال والطلبة، من الملحدين والعلمانيين إلى المسلمات المحجبات بالكامل، الرجال والنساء، صغارا وكبارا. وفي طريقهم إلى ميدان التحرير أو القصر الرئاسي توقف العديد من المتظاهرين من أجل مصافحة الجنود الذين يحرسون المباني الرئيسية والتقاط الصور معهم. وحسب تقرير لرويترز فقد صعد على الأقل ستة من ضباط الشرطة رفيعي المستوى إلى المنصة بميدان التحرير لدعم المتظاهرين. ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، انضم ضباط الشرطة إلى المتظاهرين في الاسكندرية، بل وقد استقل بعضهم حتى سيارات الشرطة.
من الواضح أنه كان لسنتين من النشاط الثوري المكثف من قبل الجماهير تأثير على جهاز الدولة. في وقت سابق من العام كان هناك إضراب وطني لضباط الشرطة احتجاجا على استخدامهم لقمع الشعب. وهناك أيضا تقارير عن نقابات للشرطة يجري تشكيلها، خصوصا من قبل العناصر الشابة.
وحسب تقارير من الإسكندرية، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع، قالت ياسمين فتحي على موقع الأهرام أون لاين إن مكان الاحتجاج كان “مكتظا، وكان الناس عاجزين عن التحرك”. وأضافت أن الآلاف والآلاف من المتظاهرين ما زالوا يتدفقون الى المنطقة..
وقال احد المتظاهرين الشباب، وائل نبيل، للمصدر نفسه في الإسكندرية، إنه عازم على الاستمرار في الاحتجاج إلى أن يرحل مرسي، حتى ولو كان ذلك يعني الانتظار لمدة عام كامل.
“كان مبارك يقمعنا، لكنه على الأقل قدم لنا الخدمات؛ إنه على الأقل لم يقطع علينا الكهرباء والماء والبنزين مثلما يحصل الآن.”
وأضاف نبيل: “لم يتغير شيء؛ فراتبي لم يرتفع. وزوجتي حامل كيف سيمكنني توفير حاجيات طفلي؟”
في مدينة المحلة معقل البروليتاريا الصناعية تجمع مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة الشون. وقال الناشط العمالي البارز كمال الفيومي لموقع الأهرام أون لاين في وقت مبكر من اليوم:
“لا يجرؤ الإخوان المسلمون على تنظيم الاحتجاجات في المحلة. لقد صوت سكان المدينة ضد الدستور وضد الرئيس مرسي وهم يرفضون وجود الجماعة في السلطة.
“إني أتوقع خروج حوالي مليون شخص إلى شوارع المحلة بعد ظهر هذا اليوم.
“فقط 10 % من عمال شركة مصر للغزل والنسيج المملوكة للدولة في المحلة هم من يعملون اليوم، بينما سيشارك الآخرون في الاحتجاج.
“إن الرئيس محمد مرسي مبارك فشل في الوفاء بأي من وعوده الانتخابية.
“لقد ساهمت المحلة بكثافة في إزالة مبارك من السلطة، وستفعل نفس الشيء مع مرسي.”
وأضاف أنه سيتوجه في وقت لاحق مرة أخرى إلى المنطقة الصناعية في مدينة المحلة غدا (الاثنين)، و”بحلول ذلك الوقت، إذا لم يتم اسقاط النظام سننضم إلى الاعتصام وسندعو إلى العصيان المدني.”
من بين الشعارات التي هتف بها المحتجون في ساحة الشون في المحلة كان هناك شعار: “عبد الناصر قالها زمان… الإخوان ملهمش أمان”، وهو الشعار الشهير في إشارة إلى الرئيس اليساري القومي الراحل جمال عبد الناصر الذي يشهد إرثه تصاعدا للشعبية في مصر.
نفس الوضع شهدته مدينة المنصورة المجاورة، وفي محافظة الشرقية وفي السويس.
في دمياط بشمال مصر، ذكر حاتم البياع من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن المتظاهرين في المدينة، والذين يقدر عددهم بعدة آلاف، استولوا على مقر المحافظة ومكاتب مديرية التربية والتعليم. وبالتنسيق مع الموظفين داخل مكاتب المحافظة، خطط المحتجون المناهضين لمرسي لاحتلال المباني الحكومية الأخرى لمنع محافظ دمياط المعين مؤخرا طارق فتح الله خضر من دخول مكتبه. وفي سياق مماثل تم إغلاق سبعة مبان لمجلس المدينة من قبل المحتجين في محافظة المنوفية.
تكشف هذه الأمثلة عن مزاج التمرد الذي يتزايد مع عدم اقتصار الجماهير على الاحتجاجات في الشوارع بل قيامها باتخاذ إجراءات مباشرة ضد مؤسسات الدولة.
ووفقا لوزارة الداخلية كان هناك 3 ملايين محتج في الشوارع في حين قدر مسؤولون في جيش المجهولين (anonymous) الرقم بحوالي 14 مليون محتج. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التأكد من هذه الأرقام فإنه من الواضح أن هذه كانت واحدة من أكبر الاحتجاجات في تاريخ مصر. إن هذه المظاهرات من حيث النطاق تمتد أكثر حتى من ثورة عام 2011 لأنها اكتسبت طابعا جماهيريا في جميع أنحاء مصر، بينما في عام 2011 تجمعت الأغلبية الساحقة من الناس في ميدان التحرير.
ميزان القوى
قام الإخوان المسلمون، الذين رأوا العاصفة قادمة، بحشد قواتهم على مدى الأسبوع الماضي. وقد تمكنوا في عدة مناسبات من جمع حشود من عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف. نظمت القوى الإسلامية اعتصاما أمام مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر بالقاهرة يوم الجمعة وبقيت هناك حتى مظاهرة يوم الأحد. كما نظمت مسيرة حاشدة مماثلة الأسبوع الماضي، والتي ضمت مئات الآلاف.
كان التحرك على درجة عالية من التنظيم وكان محاطا بعصابة من الحراس يرتدون ملابس واقية ويحملون الهراوات. كان من المفترض أن يكون هذا النشاط “لأغراض دفاعية” فقط، لكن تأكد أن ذلك مجرد كذب حيث تعرض العديد من المتظاهرين للهجوم من قبل بلطجية إسلاميين يرتدون ذلك الزي.
حقيقة أن مرسي ما زال قادرا على حشد بعض القوى تدل على أنه ما يزال يمتلك نواة صلبة من المؤيدين. لكن حجم تجمعاتهم ظهرت باهتة بالمقارنة مع الملايين التي خرجت ضدهم يوم أمس. وتأكد هذا من حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين استخدموا كامل وزن أجهزة الدولة لضمان إقبال كبير.
وكما أشار احد قراء الجارديان:
“إن ما فشل صحفيو الجارديان في الإشارة إليه هو ما يلي: قد يكون هناك 20,000 أو أكثر من أنصار مرسي في مصر الجديدة لكنهم يمثلون كل قاعدة جماعة الإخوان المسلمين الذين تم نقلهم بالحافلات من جميع أنحاء البلاد، وقدمت لهم الإغراءات المالية والغذائية ليصلوا. وعلى النقيض من ذلك فإن الاحتجاجات في ميدان التحرير، وأمام وزارة الدفاع، وطنطا، والإسكندرية، وميناء السويس، والمنوفية، والمحلة، وغيرها، تتكون من أناس لم يتلقوا الحلويات ولم يتم تنظيمهم من قبل أي حزب أو طائفة دينية . كان ميدان التحرير ممتلئا بالكامل في الساعة 16:00 عندما تكون درجات الحرارة أكثر من 30 درجة مئوية. تخيلوا حجم الحشد خلال المساء عندما يكون الجو أكثر برودة “.
محنة الجماهير
بعد أكثر من سنة على وجود الإخوان المسلمين في السلطة اتضح لمعظم المصريين أن لا شيء جوهري قد تغير في المجتمع. فالطبيعة غير الديمقراطية للنظام ما تزال كما هي. مازال جهاز الدولة القديم ثابتا في مكانه والمسؤولون عن مقتل مئات الشهداء خلال الثورة لم يقدموا إلى المحاكمة. الفساد والمحسوبية في ازدهار – على الرغم من أنهما قد صارا الآن لصالح المكون الملتحي من الطبقة الحاكمة.
ما يزال آلاف المناضلين في السجن. وتقمع المظاهرات السلمية كل يوم والهجمات الطائفية الدينية آخذة في الازدياد. خلال الأسبوع الماضي فقط تم قتل أربعة مسلمين شيعة بوحشية على يد غوغاء من الإخوان والسلفيين المتطرفين. وجاء ذلك بعد فترة كاملة من التحريض ضد الشيعة من قبل العديد من رجال الدين السلفيين المعروفين. وعلى الرغم من أن مرسي قد أدان الجريمة فإنه لم يفعل الكثير بخصوص هذا الموضوع. يبين هذا أيضا كيف أن مرسي صار يعتمد بشكل متزايد على التيار السلفي المتطرف مع شعوره بالضعف المتزايد على مدى العام الماضي. وقد استقال عشرات من الوزراء ونواب الوزراء من حكومته ولم يتبق معه سوى العناصر الأكثر تطرفا.
وفي الوقت نفسه يرخي الوضع الاقتصادي بثقله مثل جبل هائل على كاهل الجماهير. البطالة والجوع والفقر آخذون في الارتفاع بسرعة. تمثل البطالة اليوم أكثر من 13 %، مقارنة مع معدل 9 % في عام 2010. وتظهر أحدث البيانات أن ربع السكان يعيشون في الفقر، وهذا الرقم آخذ في الارتفاع.
في استطلاع أجري مؤخرا، عندما سئل المستجوبون عن ارتياحهم لحكومة مرسي جاءت الإجابات دامغة: ففيما يتعلق بمسألة الارتياح لكفالة الحكومة للحقوق والحريات عبر 27٪ عن رضاهم، بينما عبر 72٪ عن عدم رضاهم. أما عن السؤال حول الرضا على قدرة الحكومة على خلق فرص اقتصادية: عبر 25٪ من المستجوبين عن رضاهم، مقابل 74٪. وعن سؤال حول الرضا على إجراءات الحكومة لحفظ أمن المواطنين والحفاظ على النظام: عبر 26٪عن رضاهم، مقابل 74٪. وعن سؤال حول الرضا على إجراءات الحكومة لدعم الخدمات التي تساعد في تقديم الرعاية الأسرية في مجال الصحة، والتعليم، الخ: عبر 26٪ عن رضاهم، مقابل عدم رضا 74٪.
بسبب خيبة أملهم في حكم الإخوان المسلمين وانسحاقهم تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، خرج العمال والفقراء والشباب، بل وحتى أجزاء كبيرة من أبناء الطبقات الوسطى، يوم الأحد للتعبير عن غضبهم وسخطهم. وقال أحد المشاركين في ميدان التحرير:
“لقد قتل أخي في شارع محمد محمود قبل 18 يوما، كان عمره 25 سنة فقط، كان اسمه مصطفى. لو كان لدي المال كنت سأغادر البلد وأسافر إلى الخارج لأنه لا يوجد عمل هنا، على الرغم من أني أمتلك شهادة. إن المصريين يعيشون حاليا في فقر مدقع. لم تجد العدالة مجراها بعد موت أخي، ليس هذا ما طالبت به الثورة. أشعر وكأن مرسي يعيش في عالم آخر، إنه يتخذ قرارات غير شعبية ويستمر في قول أشياء غير شعبية مثل الإشادة بنفس قوات الشرطة الذين كانوا مسؤولين عن موت أخي “.
في مكان آخر في ميدان التحرير، قالت خيرية، وهي ربة بيت عمرها 37 سنة من مدينة الشيخ زايد، والمتواجدة في الشارع مع زوجها، وهو سائق سيارة أجرة، و تحمل ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات على كتفها، لموقع الأهرام أون لاين إنها تريد أن يرحل مرسي فورا وأن يأخذ الجيش السلطة، لأن مرسي تسبب في نزيف البلاد.
وأضافت خيرية: ” نرى الكثير من الناس في الشوارع يأكلون القمامة والكثير من الناس يبقون في المنزل لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل”، وأكدت أنها في طريقها إلى ميدان التحرير من أجل “القتال حتى آخر لحظة.”
انعدام الثقة في القادة
اندلعت أول حركة كبيرة ضد حكومة مرسي في شهر دجنبر 2012، لكنها توقفت نظرا لعدم وجود قيادة. ليس لمن يسمون بقادة المعارضة أي بديل يقدمونه ولا أية خطة لتطوير الحركة إلى الأمام. وبسبب خوفهم من احتمال فقدانهم للسيطرة على الحركة، رفضوا الدعوة إلى الإضراب العام أو تقديم خطة معركة ذات مصداقية. وبدلا من ذلك لجئوا إلى الدعوة لعقد الاجتماعات والمزيد من المناقشات مع مرسي في حين عملوا على تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني مع عمرو موسى السياسي الذي له علاقات مباشرة مع النظام القديم.
وفي نهاية المطاف أدى هذا الركود وعدم وجود منظورات بالحركة إلى التوقف وفتح فترة من التعب والتراجع طيلة فصل الربيع حيث لم تقع احتجاجات كبرى – على الرغم من حدوث العديد من الإضرابات والمظاهرات الصغيرة المعزولة. وفي حين استمرت المشاكل الرئيسية في المجتمع قائمة، لم تر الأغلبية الساحقة من السكان أي بديل تنتظم حوله. في الواقع كان هناك رد فعل ضد المؤسسات السياسية برمتها.
وقد عبرت إحدى المتظاهرات عن هذه المشاعر، في تصريح لموقع الأهرام أون لاين يوم الأحد، حين قالت إنها لم يعجبها أي من المرشحين للرئاسة في العام الماضي، مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي، “لا أعتقد أن أيا منهم يصلح لهذا المنصب، يجب أن يكون الرئيس شخصا خارج أي من الحركات السياسية القائمة “.
وقد تأكد هذه أيضا في استطلاع حديث للرأي أجري بين 5000 مستجوب. ففي ردهم على سؤال حول مصداقية الشخصيات السياسية، سجلوا جميعهم، بمن فيهم مرسي، أقل من 30٪، في حين سجل الإسلامي الليبرالي أبو الفتوح، 33 ٪.
كان السياسيان الوحيدان اللذان حصلا على درجات عالية هما جمال عبد الناصر وأنور السادات (بنسبة 73 ٪ و 93 ٪ على التوالي) وكلاهما متوفيان. الشخص الوحيد الذي ما يزال على قيد الحياة والذي تمكن من تسجيل نقاط مصداقية عالية هو باسم يوسف، الذي يقدم برنامجا انتقاديا سياسيا شهيرا مماثلا لبرنامج جون ستيوارت الأمريكي ديلي شو.
ليس الوضع أفضل بين قوى اليسار. فكما سبق لنا أن شرحنا من قبل، تبنت قيادة حزب الاشتراكيين الثوريين، الذي هو أكبر مجموعة يسارية ويمتلك قاعدة كبيرة من الشباب، موقفا إجراميا أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة من خلال تقديمها للدعم لمحمد مرسي في الجولة الثانية.
في ذلك الوقت كتب سامح نجيب، القيادي في جماعة الاشتراكيين الثوريين:
“إن انتصار مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، يعد إنجازا كبيرا في مسار دحر هذه الثورة المضادة ودحر هذا الانقلاب. إن هذا في الوقت الراهن انتصار حقيقي للجماهير المصرية وانتصار حقيقي للثورة المصرية.
“قد لا يبدو هذا واضحا ظاهريا. فالكثير من الناس، وخاصة في الغرب، وأيضا هنا، يتبنون موقف كراهية الإسلام مما لا يسمح لهم بأن يروا طبيعة الإخوان المسلمين … ”
واليوم صار من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين يمثلون ثورة مضادة رأسمالية خالصة ولا شيء غير ذلك. لو أن قادة الاشتراكيين الثوريين أوضحوا هذا في ذلك الوقت، اقتداء بالبلاشفة في روسيا خلال فترة ما بين فبراير وأكتوبر عام 1917، كانوا سيتمكنون من النمو على نطاق واسع خلال العام الماضي، وسيكونون الآن قادرين على لعب دور حاسم. لكن موقفهم أدى فقط إلى عزلهم عن الحركة لأنه يسير في اتجاه مناقض تماما لمسار الواقع كما يظهر اليوم.
تمرد
لم تقدم أي من القوى السياسية الرئيسية في مصر طريقا للمضي قدما للثورة أو بديلا سياسيا حقيقيا. من أعراض هذا الواقع أن المبادرة للدعوة إلى اليوم الاحتجاجي لم تأت من أي من الجماعات السياسية القائمة بل من منظمة قاعدية تتألف من نشطاء عاديين من مختلف أنحاء مصر. بدأت منظمة تمرد حملة جمع توقيعات لإسقاط الرئيس مرسي. كان هدفها الأصلي جمع 15 مليون توقيع قبل احتجاجات 30 يونيو – التي تمثل الذكرى الأولى لانتخاب مرسي. لكنهم تمكنوا في النهاية من جمع 22 مليون توقيع. بينما لم يحصل مرسي سوى على 13 مليون صوت خلال الجولة الثانية من انتخابات العام الماضي، في حين حصل على خمسة ملايين صوت فقط في الجولة الأولى (من أصل ما مجموعه 50 مليون ناخب مسجل).
وهذا يفضح أيضا نفاق مرسي عندما يدعي أن لديه “الشرعية الديمقراطية”، لأنه تم “انتخابه من قبل غالبية المصريين”. إن تأييد مرسي اليوم هو بالتأكيد أقل بكثير من تلك الخمسة ملايين صوت التي حصل عليها خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
النظام في أزمة
لقد تم إبطال شرعية حكومة مرسي، ليس بالوثائق القانونية ولا بصندوق الاقتراع، بل في الشوارع حيث قام الملايين من المؤيدين للثورة باستعراض عظيم للقوة.
وبينما أبدى مرسي عموما موقفا متعجرفا جدا تجاه مطالب الشارع، فقد كان واضحا أنه واقع تحت الضغط. وعلى الرغم من أنه رفض إعطاء أي تنازلات جدية فقد قال ” إنني أقدم اليوم كشف حساب عن السنة الأولى لحكمي، بكامل الشفافية، إلى جانب خريطة طريق. بعض الأشياء تحققت والبعض الآخر لم يتحقق. لقد ارتكبت أخطاء بشأن عدد من القضايا”. ويقال إنه في نفس الوقت كانت هناك طائرة في القصر مستعدة لإجلاء الرئيس إذا لزم الأمر. حتى زعيم حزب النور السلفي كان أكثر اطلاعا على الوضع حيث حث مرسي على تقديم تنازلات لتجنب إراقة الدماء.
كما أوضحنا مرات عديدة من قبل، لا يمكن للإسلاميين أبدا حل أي من مشاكل الثورة بسبب أن المشاكل الرئيسية مثل الفقر والبطالة تجد جذورها في النظام الرأسمالي وليست مقتصرة على مصر. وكما توقعنا فإن الإخوان المسلمين باعتبارهم مدافعين عن النظام سيتواجهون في نهاية المطاف مع الثورة. إن ما نشهده ليس فقط بداية النهاية لمحمد مرسي، بل أيضا لتيار الإسلام السياسي الذي انفضح بكونه مجرد حركة برجوازية رجعية.
إن الضغط من الأسفل يسبب انقسامات في الأعلى. كانت هناك خلال التحركات عدة دعوات للجيش للتدخل وتولي السلطة. لكن في حين كانت قيادات الجيش ترفض إلى حدود الأسبوع الماضي القيام بذلك، وقالت إنها ستعمل فقط على ضمان النظام – مما كان يشكل تحذيرا ضد الثورة – فقد تغيرت لهجتها في الأيام التي سبقت 30 يونيو.
قال مصدر عسكري رفيع لصحيفة الغارديان يوم الخميس إن الجيش لا يريد أن يتدخل. لكنهم ذكروا أنه إذا كانت احتجاجات يوم الأحد واسعة النطاق ومطولة كتلك التي أشعلت ثورة 2011 بمصر، وإذا اندلعت مواجهات خطيرة بين أنصار مرسي ومعارضيه، فإن الجيش قد ينظر إلى الاحتجاجات باعتبارها أكثر شرعية في التعبير عن إرادة الشعب من الانتخابات التي أوصلت مرسي إلى منصبه قبل عام – وبالتالي سيتدخل لتسهيل انتقال السلطة إلى حكومة انتقالية تكنوقراطية.
بينما تتم كتابة هذه السطور أصدر الجيش بيانا جاء فيه أن “إن القوات المسلحة تمهل جميع القوى السياسية 48 ساعة كفرصة أخيرة لحل المشاكل القائمة وإلا فإنها ستعلن عن خريطة للمستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها بمشاركة جميع الأطراف بما فيها الشباب، ودون إقصاء لأحد.”.
لدا الجيش المصري تقليد طويل من التدخل في السياسة. لكن هذا لم يكن فقط كقوة مضادة للثورة. إن الجماهير في مصر وخاصة الجنود والضباط ذوي الرتب الدنيا يتذكرون جيدا أن انقلابا عسكريا هو الذي أدى قاد ثورة عام 1952 وأطاح بنظام الملك فاروق الممقوت. ليس الجيش معزولا عن ضغوط المجتمع، بل يعكس نفس الضغوط. إن الجنرالات الذين أحسوا بالأرض تهتز تحت أقدامهم سارعوا لكي لا يظهروا عراة بدون جيش. إن ما تظهره ردة فعل قيادات الجيش – التي تشكل جزءا من الطبقة الحاكمة في مصر – حقا هو القوة كاسحة للثورة وضعف البرجوازية.
في ظل هذه الظروف سوف يهدف تدخل جنرالات الجيش إلى منع الثورة من التقدم أبعد، وتقديم نوع من المخرج الدستوري للأزمة الثورية، ربما عن طريق تشكيل حكومة تسيير الأعمال، تضم بعض الشخصيات من المعارضة الليبرالية والبرجوازية مع الدعوة إلى انتخابات مبكرة. إن آخر شيء يريده جنرالات الجيش هو قيام الجماهير الثورية بالإطاحة مرسي بقواتها الخاصة. هذا هو معنى بيانهم. إن ما يقولونه لمرسي هو: إذا كنت لا تستطيع السيطرة على الجماهير، فرجاء تنحى جانبا ولا تجعل الأمور أسوء، وإلا فإننا سوف نتدخل.
على الحركة أن تمضي قدما
يوم أمس أصدرت لجنة تنسيق 30 يونيو قرارا تقول فيه: “نشكر الشعب المصري الذي ثار بالملايين من أجل مصر حرة، حرة من الفاشية والاستبداد والظلم”، وقامت في نفس الوقت بالتنديد بمرسي قائلة: “الرئاسة أصدرت بيانا يقلل من شأننا ومن شأن مطالبنا المشروعة ومن المليون شخص الذين تظاهروا في جميع ساحات مصر.”
وعدت اللجنة “بالوقوف إلى جانب الناس ومطالبهم العادلة” وإلى اتخاذ مزيد من الإجراءات “بجميع الوسائل الديمقراطية التظاهر والاعتصامات والإضرابات ومحاصرة كل مؤسسات الدولة. ونطالب بمحاكمة جميع المسؤولين عن التعذيب والقتل والتحريض ضد الشعب والدعوة إلى الإرهاب الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين “.
نحن ندعم تماما هذا القرار. في الواقع لقد قامت الجماهير بالفعل في العديد من البلدات والمدن باحتلال مقرات المحافظين ومنعهم من أداء وظيفتهم.
تماما كما في ثورة 2011، إن إعلان إضراب عام أمر حاسم من أجل إسقاط النظام. ومن أجل التنسيق لهذا، ينبغي تشكيل لجان معارك في كل مصنع وحي والتنسيق بينها على المستوى الإقليمي والوطني.
يتزايد الضغط في المجتمع المصري والثورة تعود بقوة. وينبغي أن يكون هذا أيضا درسا لجميع أولئك المشككين الذين أعلنوا أن الثورة ماتت، وصاروا يشتكون من أن الثورة قد أفسحت الطريق للردة الإسلامية والرجعية. يكمن في عمق هذه المزاعم انعدام الثقة في قدرة الجماهير العاملة على استنتاج خلاصات ثورية متقدمة من تجربتهم الخاصة.
في الواقع، إن احتجاج يوم أمس يظهر المستوى المتقدم لوعي الجماهير وانخفاض مستوى وعي من يسمون بالقادة. ففي كل خطوة قطعتها الثورة لم يكن قادة هم من دفعوا الثورة إلى الأمام بل القواعد، في حين شكل القادة عبئا على كاهل الثورة. وحقيقة أن الحركة الحالية لها جذورها بين القواعد هو دليل قوي على ذلك.
لا يمكن للجماهير أن تثق سوى في قواتها الخاصة. لا يمكن لا لقيادات الجيش ولا للإخوان أو لأي من القوى البرجوازية الأخرى أن تقدم أي حل لأي من المطالب الملحة لعمال وفقراء مصر لأنها تمثل نفس النظام الرأسمالي الذي هو سبب مآسيهم. فقط عن طريق الاستيلاء على السلطة بأيديهم، وتخليص أنفسهم من أغلال المجتمع الرأسمالي سيتمكنون من تحقيق الإمكانيات الحقيقية التي يحبل بها المجتمع المصري.
- فليسقط مرسي!
- لا ثقة في قيادة الجيش!
- لا ثقة في الفلول!
- لا تثقوا إلا في قواتكم الخاصة!
- شكلوا لجان المعارك ونظموا إضرابا عاما لإسقاط الحكومة!
- كل السلطة للعمال والشباب الثوري!
عنوان النص بالإنجليزية:
Egypt: Millions on the streets marks the beginning of the end for Morsi