توصلنا في موقع ماركسي برد من طرف منظمة اليسار الثوري على الملاحظات التي أبديناها حول مقالهم الهام “هل حدث فجأة؟“، وإذ ننشره في موقعنا نحيي رفاقنا في اليسار الثوري على ردهم هذا، والتفاعل الايجابي الذي يعتبر تقليدا ماركسيا أصيلا الذي نتمنى أن يتواصل.
الرفاق والرفيقات في هيئة تحرير ماركسي استقبلنا ببالغ التقدير ملاحظاتكم حول ما جاء في بعض إصداراتنا، وهو ما نثمنه للغاية، إذ بذلتم الجهد وأعطيتم هذا القدر من الاهتمام في القراءة التي نجمت عنها هذه الملاحظات.
ومن دواعي الشرف أن نلقى منكم هذا التفاعل الايجابي خاصة وأن رؤانا وتوجهاتنا شديدة التقارب، وهو ما يدفع عملنا معاً إلى التقدم والتطور، آملين ومصممين على الانتصار وعلى تسييد رؤانا تلك وسط الشبيبة الاشتراكية المناضلة والجماهير جيش الثورة وقواها الفاعلة.
مع تكرار تقديرنا وشكرنا لما أسبغتموه علينا من صفات إيجابية، نتمنى أن نكون نستحقها فعلاً، خاصة وأن المشهد شائكٌ وشديد التعقيد، والسير فيه يتطلب انتباهاً وحذراً شديدين، نشير إلى النقط التالية:
1)- إن الاسم استخدم في سياق الرد على هؤلاء الذين تصرفوا وكأنهم فوجئوا بفض الاعتصامات، أو توقعوا مثلاً أن يكون فضاً سلمياً رغم مظاهر الصراع المحتدم، ورغم تسلح الطرفين ووقوع عدة معارك مسلحة بالتزامن تقريباً مع وقت الفض، لذلك جاء العنوان في صيغة سؤال استنكاري ساخر، “هل حدث فجأة؟!”
2)- نوافقكم ما أوردتموه حول الخطر المحتمل من أن ترهق الجماهير أو تركن إلى مشاهدة سلبية أو تعاطف مع طرف أو آخر من المتصارعين، وأثر الأحداث على البرجوازية الصغيرة الذي قد يدفعها لحمل “بونابرت” ينوب عنها في استعادة الاستقرار.
هو خطر قائم لا شك، وإن كنا نعتقد إنه ليس طريقاً سهلاً، فعلى البونابرت أن يخاطب قوى متنوعة (من بينها البرجوازية الصغيرة) وأن يسانده الريف بقوة (مبعوث الفلاحين) وأن يعتمد على قدرة عالية في المناورة بين الطبقات، وأن تكون المناورة – المستندة إلى قمع متوازن في جميع الاتجاهات – وليس القمع الذي تسعى المناورة لتبريره هو وسيلته الرئيسية في الإدارة الاجتماعية، وفي القلب من ذلك أن يقمع وهو يقدم الإصلاحات هنا وهناك.
لذلك وبالانطلاق من تحليل ملموس لقدرة البرجوازية المصرية ودولتها، وأزمتها الاقتصادية، وتعقيدات وضع الجيش، والحيوية الهائلة لدى الحركة الجماهيرية، نعتقد صعوبة أن يتقدم بونابرت لفرض الاستقرار، سيحاول العسكر طبعاً، لكنهم سيعتمدون على القمع المكشوف وليس المناورة الطبقية. ومن يمكن تصوره كبونابرت محتمل (الناصري القومي حمدين صباحي) إن صعد إلى سدة الحكم، ستكون أزمته أشد وأصعب، سيلتزم بسياسات النيوليبرالية ويسعى لخداع الجماهير بمجرد الرطانة الخطابية، ولن يساعده العسكر أو ممثلو رأس المال في تقديم إصلاحات واسعة يحتاجها تسكين الأوضاع، ولن يفكر في تصادم معهم أو إجراء تأميمات جزئية تدخله في معارك أو تثير مخاوف المستثمرين.
ومن ثم ورغم ورود الخطر من الناحية النظرية، لكنه أمر إن حدث سينهار قبل أن يستقر، وفرصه العملية شديدة الصعوبة، دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية لن تستقر أوضاع النظام أو حكمه، وليس ثم إصلاحيون راديكاليون بين صفوف الطبقة أو تيارات البرجوازية الصغيرة.
ونأمل أن تراجعوا كراسنا تحت اسم “إعلان دستوري أم انقلاب بونابرتي“.
3)- بخصوص ملاحظتكم حول بيان من نقصد كشفهم.. إلخ، معكم الحق في ذلك، إلا أننا نقدم نقدنا لهم ضمن معادلة شائكة، فأغلب هؤلاء، اشتراكيون ثوريون أو تيار التجديد الاشتراكي، يتعرضون في ذات الوقت إلى حملة تشويه سافلة من الستالينيين والقوميين الذين يصورونهم كعملاء للإخوان وللأمريكان وخلايا إخوانية نائمة ومأجورين وخونة.. إلخ، ويوسعون حملتهم تلك لتشمل “التروتسكيين” بدون تمييز، مما يدفعنا أحياناً لموقف الدفاع عن الاشتراكيين الثوريين في وجه حملات التخوين والاتهامات الباطلة بالعمالة، خاصة أنها تصدر من أطراف تؤيد بلا تحفظ الدولة والمؤسسة العسكرية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى كثيراً ما تتسم بيانات الاشتراكيين بالمراوغة، والهروب من الإجابة على الأسئلة الجوهرية، والكثير من المواقف تظهر في شكل تصريحات “فردية” من أعضائهم.
من ثم نضع في اعتبارنا تلك الحملات القذرة، وأيضاً لن نتتبع تصريحات “فردية” هنا أو هناك، وهو أمر يهدر الوقت والجهد، ورغم أننا نتعرض لحملات تشويه غير معلنة من الاشتراكيين أنفسهم، إلا أننا نكتب في ظل تلك المعادلة المعقدة، مضطرون إلى كتابة نقد يهتم أكثر بالموضوع، ومن ثم يشمل الاشتراكيين الثوريين، وتيار التجديد الاشتراكي، والحقوقيين، وأيضاً القوميين والستالينيين، فبعضهم مستقطب حول حماية الإخوان، وبعضهم مستقطب حول تأييد غير مشروط للعسكر، ونحن نهاجم الاتجاهين معاً وإن كنا نترقب المواقف الفجة لنقدها وتسمية أصحابها بدون مواربة.
4)- بخصوص ملاحظتكم عن “سوء الإدارة والأساس الطبقي”، لا نختلف معكم بالطبع، إلا أن أدبياتنا حافلة بهذا المنظور حول طبيعة الإخوان المسلمين الطبقية، وحيث أن لكل مقامٍ مقال، فقد كنا نتحدث في “أزمة حكم” الإخوان، ومن ثم ركزنا على هذا الجانب “شدة القمع، وأخطاء الإدارة”، وأشرنا إلى القمع باعتباره فعل ثورة مضادة يخوضونها دفاعاً عن النظام الطبقي، وإلى مشروعهم الطبقي… إلخ.
فمن المؤكد أن أزمة النظام لا تعود إلى ذكاء أو غباء سلطة ما، ولكن العوامل المكونة لأزمة النظام يجب وضعها في الاعتبار وليس فقط الاكتفاء بترديد أن ذلك يعود إلى الأساس الطبقي – تحليل ملموس لوضع ملموس – هذا ما نعتقد.
5)- بخصوص تحفظكم على عبارة “على الأقل لحظة السقوط” نتفق مع تحليلكم بالقطع، ولكننا فكرنا بمنطق “ما هو جوهري الآن” لنتحاشى جدلاً قد يثار حول وضعهم وهم في المعارضة، أو في الطور الأول من الثورة.. ومن ثم ركزنا على ما نواجه الآن، أياً ما كان تقدير الآخرين في السابق.
ومجدداً نشير إلى مجمل مواقفنا وأدبياتنا التي تؤكد ما أشرتم إليه حول الإخوان، إن بياناً مثل ذلك يخاطب مشوشين ومترددين وليس فقط رفاق، ويسعى لكسبهم على موقف محدد، له أثره بالقطع في سيرورة الصراع ونتائجه، وهذا ما دعانا للتأكيد بين مزدوجين أن – بغض النظر عن أي تصورات سابقة – الإخوان كما هم في هذه اللحظة – على أقل تقدير – العدو الذي يجب أن نواجهه.
6)- بخصوص ملاحظة الخطأ الاستراتيجي للعسكر في مواجهة الإخوان، نتفق مع ملاحظتكم بوجه عام، وقد وردت في أدبياتنا من قبل، راجعوا بياننا “30 يونيو .. إبهار المشهد وتعقيداته” وما يليه من مواقف معلنة.
إلا أننا لا يجب أن نغفل وجود تناقضات داخل المعسكر الطبقي للنظام، والتي لا تسير دائماً بتوافق مع الأهداف المرغوبة؛ شدة مقاومة الإخوان، المواجهات المسلحة، الضغوط الدولية، الانقسام في موقف الإدارة الأمريكية وأثره.. عوامل عديدة لا يمكن إغفالها، قد تدفع بتناقضهم الداخلي إلى مدى أبعد مما يتطلبه استقرار النظام.
ونحن نراقب التفاصيل والتناقضات، ولا يمكن أن نغفلها في التحليل، دون مساس بالجوهر والأهداف، ونعتقد أن هذا ما التزم به البيان. إن وصف “تردد” هذا القسم أو ذاك من الطبقة الحاكمة، أمرٌ شائعٌ وصحيح في كلاسيكيات الماركسي، ويساعد على فهم وتقييم مجريات الصراع.
وجدير بالذكر أنه الآن تتردد شائعات حول صدور قرار رئاسي أمس بوضع جماعة الإخوان على قائمة لائحة الإرهاب في مصر، والأمر بمصادرة أموالهم، كما أن الصحافة والخطاب الرسمي تصفهم بالجماعة الإرهابية، وهو أمرٌ له تبعاته وأثره العميق حتى لو أراد العسكر الالتفاف حوله عند ورود تسوية ما مع الإخوان.
إن الحاجة إلى تنظيم ديني يمكن استخدامه، في مصر أو غيرها، لا يتوقف على جماعة الإخوان فقط، ثمة عديدين مرشحين لهذا الأمر، ولن يختفي هذا الهدف بالضغط على الإخوان، خصوصاً إذا اضطرت تناقضات المشهد النظام لهذا.
أيضاً، لا نرى في التقاعس “العمدي” الوصفة التشومسكية، بل ما أسلفتموه من إشارة – وما سبق أن تردد في أدبياتنا – أن العسكر لم يكونوا راغبين فعلاً سوى في التفاوض، وقد أملى عليهم تشدد الإخوان من جهة، واحتمال أن تتسع المقاومة الجماهيرية – التي تضغط عليهم أيضاً من جهة أخرى – إلى مدى يفقدهم القدرة على السيطرة، ومن ثم يفلت زمام الأمر كله، وفي مقدمته الحركة الجماهيرية، من يدهم.
كانت الجماهير تسخر من الجيش ومن التفويض ومن السيسي وتخوض المعارك بأجسادها، توسع ذلك وآثاره كان يهدد بالكامل هيمنة العسكريين على المشهد، وقدرتهم على ترتيب البيت البرجوازي كما يرغبون.
7)- بخصوص ملاحظتكم الأخيرة “الخطاب والمخاطب”، تختلف تقديراتنا في هذا الأمر؛
فنحن نعتقد أنه من الأهمية بمكان دعوة الجماهير إلى الأعمال الإيجابية، تشكيل تنظيمات قاعدية قائدة مثلاً، السعي لبناء بديلهم الثوري أو حزبهم الطبقي، أو كل ما يمكن أن يدفع بهم لتجاوز رد الفعل العفوي أو الأدوار الثانوية، نحن نسعى لجعل الطليعة الثورية، العمالية والشعبية، قائداً فعلياً بقدر ما يمكن، لذلك نطرح أغلب تصوراتنا إليها مباشرة، ما يخص الشأن الداخلي نسعى أن يكون قاصراً على ما هو ضروري لتأمين العمل والرفاق، ولا نتوسع في حصر ما هو غير ضروري حصره.
ولا نستثني من ذلك الخطاب الموجه لمنظمات صديقة، طالما يتعلق بشأن عمل جماهيري، كالدعوة لبناء جبهة اشتراكية على أسس طبقية، ليس لدى الماركسية أسرار معبد أو لغة كهان، كل شيء – باستثناء ضرورات السرية – يجب طرحه مع الجماهير وإشراكها فيه، خاصة لو كان متعلقاً بقضاياها المباشرة، مع مراعاة تناسب الخطاب مع الظرف فحسب.
مهمة بناء البديل الثوري، هي مهمة مطروحة على الجماهير وعلى النخب الثورية في ذات الوقت، فضلاً عن وجود حلقات كثيرة تميل إلى خطاب اليسار مبعثرة هنا وهناك، وقد يساعدها خطابنا المفتوح هذا على تلمس الطريق الصحيح، قد لا نصل إليها أبداً بأجسادنا، ولكن فرص وصول خطابنا إليها أكبر.
لعوامل السرية ومخاوف الاختراق الأمني فنحن لا نفتح باب العضوية غير المشروطة، بل نرشح ونختبر مصداقية من نستهدفه أو من يسعى إلينا. ومن ثم نتطلع أن يكون حملة أفكارنا والمتعاطفين معنا أضعاف أضعاف عددنا، وأن يساعد الخطاب الثوري الواضح على تقريب المسافة مع من تتوافر فيه شروط الانضمام إلينا. نحن نسعى مثلاً أن تتعلم الحلقات، وكذلك الأفراد، نهج الدعاية الثورية وسبلها، من خلال ذكر هذه التفاصيل، وهذا مفيد جداً بلا شك.
تحياتنا الرفاقية الودودة، مع أمل أن يستمر التفاعل الرفاقي بيننا، ولا ننكر أننا قد استفدنا من كل ملاحظاتكم بقدرٍ أو بآخر.
اليسار الثوري
الأربعاء: 21 غشت/أغسطس 2013