يوم 15 غشت 2013 نشرت منظمة اليسار الثوري المصرية على موقعها الالكتروني، مقالا هاما حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها الثورة المصرية، بعد قيام الجيش بفض اعتصام الاخوان المسلمين في رابعة العدوية والنهضة، مع ما خلفه ذلك من ضحايا في الجانبين.
ونظرا لأهمية التحليل الذي تضمنه المقال المذكور، قمنا بإعادة نشره بالكامل على موقعنا، مع نشرنا لقراءة هيئة تحرير موقع ماركسي في المقال كبداية لنقاش ماركسي بناء مع الرفاق في منظمة اليسار الثوري.
في البداية لا بد من التنويه بجدية الرفاق/ات في منظمة اليسار الثوري في التعامل مع الأحداث إذ عبروا على قدرة كبيرة على مواكبة الأحداث بالتحليل وصياغة المنظورات في هذه المرحلة العاصفة التي تتوالى فيها الأحداث بسرعة تصيب الكثير من التنظيمات والأشخاص بالتيهان وفقدان الاتجاه. إن هذه القدرة خاصية صحية جدا، وهي ضمانة النمو وكسب احترام الطلائع الثورية والجماهير.
كما نريد أن نعبر عن اتفاقنا المبدئي مع الأفكار الرئيسية المتضمنة في مقال الرفاق/ ات، من قبيل الحرص على فضح المنافقين – ومن بينهم بعض “اليساريين” أيضا- المتباكين على الدماء التي أريقت في الأيام الأخيرة، والذين يغضون الطرف عن الدماء التي أراقها ويريقها الإخوان، ويعملون على تحويل المسألة كلها إلى قضية مشاعر، عوض تقديم تفسير للأحداث وتقديم مقترحات حلول للجماهير لكي تتخلص من هذا الوضع وتواصل ثورتها.
كما نعبر على اتفاقنا معهم في موقفهم من الإخوان باعتبارهم جزء من الثورة المضادة وليسوا جزء من معسكر الثورة، كما سبق أن صورهم بعض اليساريين.
ونتفق أيضا مع تحليلهم لخطوة العسكر بعد 30 يونيو، باعتبارها خطوة لمنع تطور وتجذر الحركة الجماهيرية ولإعادة ترتيب البيت البرجوازي مجدداً لصالح استقرار واستمرار النظام.
وفي هذا السياق نقول إنه ليس من السهل على المرء أن يحتفظ بالبوصلة وبالقدرة على تقييم طبيعة القوى المتصارعة عندما تكون الأحداث تسير بسرعة هائلة، إلا أن الرفاق/ ات، والحق يقال، تمكنوا من ذلك، هذا ما لاحظناه في مقالهم السابق “تسليح الشعب هو الرد على الإرهاب المسلح“، حول الموقف من المشاركة في المظاهرات التي دعا إليها السيسي. عندما انقسمت قوى اليسار التي فقدت البوصلة إلى قسمين بعضها دعا إلى الخروج لتقديم “التفويض”/ الولاء وبعضها الآخر دعا إلى مقاطعة المظاهرات.
كان الرفاق/ ات قد كتبوا في مقالهم:
«سينزل الشعب جمعة 26، وسننزل معه، ليس لتفويض احد ولكن لطرح ضرورة تسليح الشعب ، استكمال الثورة، رفض المصالحة المشينة والجبانة مع تنظيمات العصابات المضادة للثورة، […]
الجماهير هى بطل المشهد، هى صانعة الثورة، وهى جيشها الجبار الذي لا يقهر، نحن أقوى بدون أدنى شك، ويجب ان نصمم على الاستمرار وعلى الانتصار، تسليح الجماهير، تسليح الثورة، تنظيم فرق الدفاع الشعبي الثوري ، لنحول جمعة 26 يوليو إلى محطة أخرى لانطلاق اقوى لقطار الثورة، وليس إلى محطة أخيرة يدخل بعدها فى جراج العسكر» .
وهو الموقف الثوري الصحيح الذي قطع بحزم مع أخطاء الخونة المنبطحين للعسكر وأخطاء العصبويين المقدسين للعزلة عن الجماهير.
وقد كنا في وقت سابق – 26 يوليوز الماضي – قد عبرنا لهم على اتفاقنا معهم في تحليلهم وتهنئتنا لهم على قدرتهم/ هن على التقاط الموقف الصحيح في فترة عاصفة مثل تلك، حيث قلنا: «نعم ينبغي الخروج إلى جانب الجماهير دون إعطاء تفويض للجيش والدعوة إلى تسليح الشعب. وهو ما يختلف عن مواقف أغلبية اليسار الذي بعضه انتج سياسة ذيلية للعسكر، والآخر انتج موقفا انعزاليا عن الجماهير، وكلاهما انتحر سياسيا».
نقول هذا وننتقل إلى نقاش النقاط التي لدينا بعض الملاحظات حولها في مقال الرفاق/ ات:
أولا العنوان: “هل حدث فجأة؟”
من الجيد أن نكتب للجماهير والطلائع السياق التاريخي/ الكرونولوجي للأحداث ونفسرها لكي نبين ما الذي أدى إلى ما يحدث الآن. لكن رغم ذلك فإنه لو كان من حقنا التدخل في مسألة اختيار العنوان لفضلنا أن نضع عنوانا مختلفا. لأن السؤال الذي تطرحه الطلائع الثورية الآن، حسب اعتقادنا، ليس هل حدث هذا فجأة أم لا، بل: لماذا حدث؟ وما العمل؟ وكيف نتدخل؟ ووفق أي برنامج وأية شعارات؟
الخطر الآن، من وجهة نظرنا، هو أن تصاب الجماهير بالخمول، وتتحول إلى متفرج سلبي على فيلم “أكشن”، أو أن تتجه للتعاطف مع طرف من أطراف الصراع. بل قد تصاب الفئات المتخلفة، والبرجوازية الصغرى والمتوسطة، بالتعب والرعب، وتصير قاعدة اجتماعية محتملة لنزعة بونابارتية، بحجة الدعوة إلى “الأمن” و”النظام” و”الهدوء”.
لذا ولكي نساعد الجماهير على الحفاظ على تأهبها ومبادرتها نرى أنه من الضروري الاستمرار دائما في التأكيد على الفكرة الرائعة التي دافع الرفاق/ات عنها في مقالهم السابق عندما قالوا:
«الجماهير هى بطل[ة] المشهد، هى صانعة الثورة، وهى جيشها الجبار الذي لا يقهر ، نحن أقوى بدون أدنى شك ، ويجب ان نصمم على الاستمرار وعلى الانتصار، تسليح الجماهير، تسليح الثورة، تنظيم فرق الدفاع الشعبي الثوري».
وألا نكف أبدا عن الاستشهاد بما سبق لهم أن أكدوا عليه حول أن:
«الجماهير وحدها هي التي أثبتت القدرة على التصدي، وعلى مقاومة العصابات […] لذلك يجب على الجماهير , ومن حقها , أن تحمل السلاح للدفاع عن الأحياء والميادين والمرافق العامة , يجب على الأحزاب ان تسلح أعضاءها , على اللجان الشعبية أن تتسلح , على الجماهير في الأحياء والمحافظات ان تشكل فرق دفاع شعبي منظمة ومسلحة , على العمال التسلح للدفاع عن المصانع والمرافق , سلحوا الثورة ,سلحوا الجماهير , ذلك هو طريق حماية الثورة من العصابات الارهابية المضادة وعدوانها».
«الشعب الذي استطاع اسقاط ثلاثة نظم وعدة حكومات في سنتين ليس ضعيفا يتنظر الحماية أو الوصاية من العسكر , ولن يقبل ان يتحول لمجرد مشجعين لمؤسسة لا تخلوا اهدافها من شبهة الالتفاف على الثورة , ولا تاريخها القريب من الجرائم فى حقنا»
«ان قوة الجماهير الشعبية وفرق الدفاع الشعبي في الاحياء والمدن والمحافظات هي ما نثق به , وهى من سوف يحمى الثورة فعلا ويمنع التأمر عليها»
«كل مناورات الجيش هدفها التصالح مع اعداء الثورة , لم شمل كل ابناء النظام , تصفية الثورة نفسها.»
إن ما تحتاجه الطلائع الآن، وما يحتاجه التنظيم الثوري أيضا، هو شعارات مكثفة واضحة تصير بمثابة “ماركة مسجلة”. مثلما كانت شعارات البلاشفة الثلاث إبان الثورة.
نرى أن الدعاية والتحريض يجب أن يركز على تسليح الجماهير، وخلق وتقوية لجان الدفاع الذاتي في الأحياء وأماكن العمل، إضافة إلى بعض المطالب الخبزية والديمقراطية الانتقالية، وهو ما لن توافق عليه البرجوازية ولا جيشها، وهو الذي سيفضح تهافت شعار “الجيش والشعب ايد وحدة”، فيظهره جيشا للبرجوازية وجهازا قائما على احتكار السلاح لخدمة طبقة بعينها ونظام بعينه. كما سيمكن في المقابل من إعطاء المبادرة للشباب الثوري وأجهزته الثورية.
ثانيا:
قال الرفاق/ات في مقالهم ما يلي:
«خرجت فرق واسعة من المولولين على دماء الإخوان التي أريقت في فض اعتصامي رابعة والنهضة، وهددتنا بفاشية العسكر التي ستستدير للانقضاض علينا بعد أن تفرغ من سحق الإخوان، وكأن الإخوان كانوا حائط دفاع عن الثورة وعن حرية الجماهير[…]»
إن التشهير بذلك الموقف المنافق والخاطئ مسألة ضرورية، لكن كان من الضروري، من وجهة نظرنا، لو أن الرفاق/ ات وضحوا المقصود بالخطاب. على من يتبنى مثل ذلك الموقف أن يتحمل مسؤوليته أمام الجماهير وأمام التاريخ، وقبل كل شيء أمام قواعده. المسألة لا تحتمل الغموض، علينا أن نوضح كل الحقيقة للجماهير.
إن الترفع عن التصريح بالجهات التي قالت هذا الموقف أو ذاك، تعبير عن رغبة صحية في التركيز على الجوهر، وعدم السقوط في المهاترات، الخ. هذا دافع نبيل. لكن المشكلة هي أن ذلك الترفع يمكن تلك “الجهات” من التنصل لاحقا من مسؤوليتها وإنكار أي علاقة لها مع موقفها الخاطئ، بعد أن يتضح خطأه.
ويمكننا أن نعطي في هذا الصدد مثال قيادة الاشتراكيين الثوريين التي طالما صفقت للإخوان باعتبارهم من معسكر الثورة للـ “المناضل الكبير خيرت الشاطر” إلخ في السابق، لتأتي الآن إلى إنكار أية علاقة لها مع ذلك الموقف، وتقول: “لم يدافع الاشتراكيون الثوريون عن نظام مرسي والإخوان المسلمين […]”
علينا أن نسهل مأمورية القواعد المخدوعة لتحسم مع قيادات شاخت وفقدت الاتجاه، وفي نفس الآن نميز أنفسنا بحسم عن هذا وذاك.
ثالثا:
نجد في مقال الرفاق:
«ولكن الإخوان، الذين حملتهم أكتاف الجماهير ودماء الشهداء إلى كرسي الحكم، سرعان ما استداروا ضد الجماهير، تحولوا إلى رأس رمح الثورة المضادة، استخدموا العضوية الواسعة لتنظيمهم في قمع الاحتجاجات الجماهيرية، توارى العسكر بذكاء من المشهد وتركوا الإخوان يلفون الحبل، بالقمع تارة وأخطاء الإدارة تارة أخرى، حول رقابهم، وكان الإخوان مسرفي الكرم في القمع وسوء الإدارة، هكذا حفرت السلطة الإخوانية قبرها بيدها، وكان الوضع كله في انتظار التصريح بالدفن على وجه السرعة»
من وجهة نظرنا على الماركسيين أن يوضحوا مسألة جوهرية في هذا السياق، وهي أن ما حدث للإخوان عند صعودهم للسلطة لم يكن نتيجة “أخطاء في الإدارة”، أو مسألة غباء أو ذكاء، إنها قضية مرتبطة بالموقع الطبقي والمصالح التي يدافعون عنها.
علينا أن نوضح أنهم حزب برجوازي يقف على أساس الرأسمالية، وبالتالي فإن فشلهم نابع من استحالة وجود حلول لمطالب الجماهير على قاعدة الرأسمالية والملكية الخاصة التي يدافعون عنها.
وهذا ما سبق لنا أن وضحناه في مقال الرفيق علي زادة ردا على الاشتراكيين الثوريين تحت عنوان: “مصر: الاشتراكيون الثوريون الخطوة المقبلة ماذا يجب ان تكون؟”
حيث نقول مثلا:
«مشكلة طريقة رفيقنا في طرح المسألة هي في كونه يظن أن مسألة السياسات ليست سوى مسألة إرادة. إنه يعتقد أن الإخوان المسلمين يطبقون السياسات النيوليبرالية لأنهم اختاروا أن يفعلوا ذلك. فإذا لم يرغبوا في القيام بذلك، وإذا ما أوقفوا اتفاقهم مع الجيش وكبار رجال الأعمال، سيمكنهم فرض ضرائب على الأغنياء وبناء دولة الرفاهية وكذلك خلق مناصب الشغل.
لكن المشكلة هي أن الرأسمالية ككل وكنظام عالمي تعيش في أزمة. هذه الأزمة، في جوهرها، هي أزمة فائض الإنتاج، والتي هي في آخر التحليل ناجمة عن عدم قدرة العمال على شراء قيمة ما ينتجونه. وينعكس هذا الوضع في الاقتصاد العالمي اليوم على شكل فائض ضخم في الإنتاج. ففي صناعة السيارات الصينية على سبيل المثال، في نهاية عام 2011 كانت هناك 6.000.000 وحدة فائضة. وهو ما يشكل ضعف عدد السيارات المباعة في ألمانيا عام 2012. وبشكل عام لا تشتغل الصناعة الصينية، وفقا لصندوق النقد الدولي، سوى بمعدل 60% من طاقتها الحقيقية.»
و«إن مسألة السياسة البرجوازية، في الواقع ليست خيارا، بل هي ضرورة في ظل الرأسمالية. وبالطبع كلما ضربت الأزمة المجتمع أكثر كلما صار هامش المناورة أضيق. إن الإخوان المسلمين واللبراليين ينفذون أولا وقبل كل شيء سياسات بورجوازية، لأنهم هم أنفسهم برجوازيون أو أنهم الممثلون المباشرون لفئات من البرجوازية. لكن ثانيا، وهو الأهم في هذه المرحلة، لأنه لا يوجد أي طريق آخر أمامهم. فماذا يمكنهم أن يفعلوا من أجل الحفاظ على الرأسمالية المصرية واقفة على قدميها، إذا لم يهاجموا مستويات المعيشة؟ إن النموذج التركي الذي تحدثوا عنه غير ممكن في مصر اليوم حيث هناك أزمة واسعة النطاق. في الواقع حتى في تركيا بدأت الأزمة الآن تدفع الحكومة تدريجيا إلى تطبيق تخفيضات في مخصصات الرعاية الاجتماعية.»
إن هذا التأكيد، بالإضافة إلى صحته وعلميته، سيمكن الماركسيين من رفع وعي الطلائع وتخليصها من الرهان على التيارات البرجوازية جميعها، ويعزز الثقة في المشروع الاشتراكي وضرورته، لذا علينا أن نضعه دائما على رأس شعاراتنا.
رابعا:
قال الرفاق في مقالتهم: “لم يكن الإخوان – على الأقل لحظة السقوط – أحد طلائع قوى الثورة”.
نرى أن الجملة الموجودة بين عارضتين (- على الأقل لحظة السقوط -) خاطئة وتشوش على ذهن العامل الواعي والشباب الثوري. بينما الواقع هو أن الاخوان المسلمين لم يكونوا أبدا طليعة ثورية لا لحظة السقوط ولا قبلها ولا بعدها ولا منذ تأسيسهم ولا في أية لحظة من لحظات وجودهم، سواء في مصر أو خارجها.
وحتى عندما ركبوا على الثورة فإنهم قاموا بذلك ليس لإيمانهم بمطالبها أو دفاعهم عنها بل لأهدافهم الخاصة التي سبق للرفاق أن شرحوها بما يكفي في عدة مقالات.
طبعا قد تكون قواعدهم، المشكلة أساسا من شباب فقير الخ، شاركت في الثورة جنبا إلى جنب مع بقية الجماهير، لكنهم لم يقوموا بذلك باعتبارهم اخوانا مسلمين بل باعتبارهم فقراء وكادحين.
خامسا:
كتب الرفاق في مقالهم:
«هكذا جاءت بيانات السيسي التي هلل لها الجماهير، وبذلك تحولت صورة العسكر من قوة قمع لفرسان تحرير، ولكن خطئاً استراتيجياً رافق هذا المشهد، اكتفى العسكر بإعلان عزل مرسي، قبل ودون المساس بالقوى التي يستند إليها، لم يفض فوراً اعتصام رابعة وتعتقل القيادات الميدانية، لم تمس الكوادر الوسيطة أو الأموال، وانتظر العسكريون أن تتفاوض الجماعة على ما يشبه خروج آمن وعدم مصادرة لوجودهم السياسي، رغم ان الإخوان أعلنوا تمرداً مسلحاً من اليوم الأول، فبدلاً من التصدي لهم، في هذا الظرف المناسب، وقع الجيش في تردد مميت، فتحت ضغط تردده الخاص، وضغوط الأمريكان، تُركت العصابات الإخوانية تستعرض قوتها وسلاحها، وتعبئ أنصاراً وتكسب متعاطفين، تقيم المتاريس وترتب الصفوف، وتشن هجوماً تلو الآخر، وتصرخ مستحثة الدول الغربية للتدخل، وهي تهدد المجتمع كله بتكرار السيناريو السوري أو العراقي».
من وجهة نظرنا من غير الصحيح الحديث عن خطأ استراتيجي قام به العسكر عند إعلانه “عزل مرسي، قبل ودون المساس بالقوى التي يستند إليها […]”
لأن ما قام به العسكر منسجم مع مصالحه وأهدافه. لأنه لا يريد القضاء على الاخوان بل يريد إضعافهم فقط، مع الاستمرار في استعمالهم فزاعة ضد أي قوى أخرى.
لم يعمل على فض الاعتصام ولم يجفف منابع تمويلهم ولم يحاكمهم بجرائمهم، لأنه أساسا يريدهم أن يستمروا في ما يقومون به، حتى يخلقوا وضعا ملائما لتدخله. وهذا ما سبق للرفاق أنفسهم أن أشاروا إليه في مقالهم السابق ذكره حيث أكدوا أنه:
«بعد أن ظهر وزير الدفاع بمظهر البطل القومي يوم ٣ يوليو، تباطأت قوات الجيش والشرطة في الظهور أو التدخل في مواجهة عنف الجماعة الإسلامية في محافظات الصعيد، والسلفية الجهادية في سيناء، وعصابات الاخوان في القاهرة والجيزة واغلب المحافظات»
و«ويخرج السيسي مدعيا بطولة جديدة طالبا تفويضا شعبيا في مواجهة الاعتداءات الاخوانية , إن ما يحدث فى سيناء لا يجعلنا نطمئن إلى أن تلك القوات, بحالتها هذه, قادرة على – أو حتى لديها نية حقيقية في – ردع تلك العصابات , ذلك المشهد المسرحي – طلب التفويض الشعبي – لا يقدمنا خطوة واحدة إلى الأمام , وسيعطى السيسى , ومن خلفه الجنرالات , شرعية اكبر فى التدخل وفى الهيمنة على المسار السياسي والثورة , ليس هدفهم بالقطع هو حماية الثورة أو استكمالها , لقد بدأت السلطة المؤقتة بمحاولة حصار حرية التظاهر , هذا المكسب الذي حققته الثورة , وبعد قليل سيمنع الإضرابات والاعتصامات , وخطوة بعد خطوة نعود عبيدا ومحاصرين مرة أخرى».
بل هو ما لمحوا إليه حتى في هذا المقال – لكن باحتشام- عندما قالوا: «الخطيئة الثانية للعسكر بعد التقاعس “العمدي” عن التصدي لهجمات عصابات الإخوان». حيث أشاروا إلى التقاعس العمدي (لكن لسبب ما وضعوه بين مزدوجتين).
إن ما قام به العسكر تطبيق حرفي لما اشار إليه تشومسكي في مقاله: “الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير”، حيث أشار إلى استراتيجية “خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول” إذ قال: «هذه الطريقة تدعى أيضا “مشكلة – ردة فعل – حلول” نخلق أولا مشكلا، حالة يتوقع أن تحدث ردة فعل معينة من طرف الجمهور، بحيث يقوم هذا الأخير بطلب إجراءات تتوقع قبولها الهيئة الحاكمة. مثلا، غض الطرف عن نمو العنف الحضري، أو تنظيم هجمات دموية، حتى يطالب الرأي العام بقوانين أمنية على حساب الحريات. أو أيضا: خلق أزمة اقتصادية لتمرير – كشر لا بد منه – تراجع الحقوق الاجتماعية وتفكيك المرافق العمومية».
ثم إن كل الفقرة التي ننتقدها الآن مصاغة بطريقة تخلق احتمال إساءة تفسيرها بحيث تظهر الماركسيين المصريين وكأنهم يدافعون عن تدخل العسكر وينظرون له – من التنظير- ويقترحون تصحيح بعض “أخطاءه”، الخ. كالقول مثلا: «[…] رغم ان الإخوان أعلنوا تمرداً مسلحاً من اليوم الأول، فبدلاً من التصدي لهم، في هذا الظرف المناسب، وقع الجيش في تردد مميت […]». بينما علينا أن ندقق في اختيار عباراتنا لكي يبقى موقفنا من العسكر واضحا لا يحتمل التأويل أو سوء الفهم.
سادسا البديل:
انسجاما من الرفاق مع التقليد الماركسي الأصيل المتمثل في تقديم البدائل دائما وعدم الاكتفاء بالتنظير والتفسير، لأن مهمتنا هي تغيير العالم، قاموا في نهاية مقالهم/ هن بطرح شعارات سياسية لتصورهم للبديل. وقد جاءت كما يلي:
- السير في خط بناء الحركة الجماهيرية والتنظيم الثوري
- جبهات المعارك الثورية المستقلة عن البدائل البرجوازية
- السعي لتنظيم وتوجيه الموجة الاضرابية الصاعدة
- إلتقاط كل حدث وكل خطأ للنظام، وكل أزمة تصنعها سياساته وتحويلها لفرصة للتعبئة ضده وتشهير واضح بالرأسمالية ككل، مستثمرين في ذلك عجز بدائلها (العسكري، الديني، الليبرالي) وإفلاسهم.
- التقدم نحو بديل اجتماعي اشتراكي ثوري واضح
- السير الثوري والمستقل هو ما يمهد فعلاً لوضع قطار الثورة على قضبانه الصحيحة
إننا قبل كل شيء نبدي اتفاقنا التام مع كل تلك الشعارات، إلا أننا كنا نفضل لو تم طرحها بطريقة مختلفة تراعي طبيعة السياق وطبيعة المخاطب الذي تتوجه إليه بالخطاب.
وهذا ما نظن أنه غير متوفر في المقال، حيث تختلط مطالب المفروض أنها موجهة للجماهير: “جبهات المعارك الثورية المستقلة عن البدائل البرجوازية” الخ، بمطالب وتوجيهات المفروض أنها موجهة إلى الداخل وتكتيكات علينا اتخاذها في الوضع الحالي: “السير في خط بناء الحركة الجماهيرية والتنظيم الثوري” و”إلتقاط كل حدث وكل خطأ للنظام، وكل أزمة تصنعها سياساته وتحويلها لفرصة للتعبئة ضده […]” الخ
السؤال الذي علينا أن نطرحه عند صياغة الشعارات والتوجيهات هو: من المقصود بالخطاب، وماذا نريد أن نقول له، وما الغاية؟
فإذا كان المقصود هو الجماهير فعلينا أن نطرح لها شعارات من قبيل دعوتها إلى عدم الثقة في طرفي الصراع، والثقة فقط في قوتها الخاصة، ودعوتها إلى التنظيم في مجالس الخ.
أما إذا كان المقصود بالخطاب هو الطلائع الثورية من الشباب الباحث عن بديل فمن المطلوب أن ندعوهم إلى الالتحاق بنا في النضال من أجل بناء القيادة الثورية، والتكوين النظري السياسي والتنظيم، الخ.
بينما إذا كان المقصود بالخطاب هم التيارات اليسارية الأخرى فالمفروض أن ندعوها إلى جبهة عمالية موحدة، على قاعدة مطالب محددة، وفق شعار نسير متفرقين ونضرب معا.
أما الخطاب الموجه إلى مناضلينا ومناضلاتنا فيجب أن يكون بالدعوة إلى المزيد من الانغراس في الجماهير والحرص على تقوية التنظيم وكسب مناضلين ومناضلات جدد، وتكوينهم/ هن على أساس الماركسية وفي خضم الممارسة العملية، الخ.
وليس من الضروري في هذا السياق الحديث عن تكتيكاتنا من قبيل: “إلتقاط كل حدث وكل خطأ للنظام، وكل أزمة تصنعها سياساته وتحويلها لفرصة للتعبئة ضده وتشهير واضح بالرأسمالية ككل، مستثمرين في ذلك عجز بدائلها (العسكري، الديني، الليبرالي) وإفلاسهم”. إذ أن هذا النوع من الخطاب مرتبط بالتكتيكات الداخلية للمنظمة والتي لن يفيد أحد التعرف عليها.
خاتمة
إن هدفنا من وراء هذه الملاحظات هو تبادل الخبرات والأفكار بين الماركسيين/ ات من أجل تطوير التجربة الجماعية لما فيها مصلحة قضية بناء القيادة الثورية التي ستقود الطبقة العاملة وبقية الكادحين نحو حسم السلطة السياسية وبناء المجتمع الاشتراكي.
وغني عن الذكر أن أهم ما نحتاجه في هذه المرحلة العاصفة هو الوضوح النظري وصحة البرنامج والتكتيكات. ففي ظل هذه المرحلة التي انفتحت امامنا يمكن لمجموعة صغيرة تمتلك برنامجا صحيحا وتكتيكات صحيحة وقيادة متبصرة أن تنمو وتتطور بسرعة، وفي المقابل يمكن ولو لحزب كبير لكن بدون بوصلة وبتكتيكات خاطئة أن تفككه الانشقاقات والأزمات ويتحول إلى هباء، وقد أعطانا التاريخ عدة أمثلة عن هذه الحقيقة.
ومن خلال تتبعنا للإنتاجات النظرية لرفاقنا ورفيقاتنا في منظمة اليسار الثوري نرى أنهم يمتلكون كل مقومات التحول إلى منظمة كبيرة ستكتسب أسماع واحترام وتعاطف الطلائع الثورية والعمال المصريين. فإلى الأمام.
موقع ماركسي
السبت: 17 غشت 2013
تعليق واحد
تعقيبات: مصر: إلى الرفاق في هيئة تحرير ماركسي – ماركسي