يوم الثلاثاء 25 شتنبر 2018، قامت قوات البحرية الملكية بارتكاب جريمة بشعة ضد مجموعة من الشباب المغاربة العزل الذين كانوا يحاولون الهجرة إلى اسبانيا عبر قارب سريع، حيث عملت على إطلاق الرصاص الحي عليهم بشكل مباشر وبنية القتل، كما يظهر من خلال الأماكن التي أصيب فيها الضحايا، مما تسبب في مقتل شابة تبلغ من العمر 22 سنة (حياة بلقاسم)، وإصابة ثلاثة شباب آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. لتتأكد مرة أخرى الطبيعة الدموية لهذا النظام الدكتاتوري المجرم ويتضح مرة أخرى كم هو دم المغاربة رخيص بالنسبة للحاكمين.
لا يمكن لأحد أن يتصور حجم المعاناة والرعب الذي عانته تلك الشابة البريئة، ورفاقها في القهر، خلال تلك اللحظات المخيفة وهم في مرمى الرصاصات المجرمة، قبل أن تسقط هي شهيدة، وتقطع يد الآخر ويجرح البقية.
ما هو “الذنب” الذي ارتكبته حياة ورفاقها لكي يستحقوا هذا العقاب القاسي؟ لا شيء. فحتى كلاب النظام في الإعلام ومواقعه الرسمية لا ينسبون إلى هؤلاء الشباب أية جريمة ولا يزعمون أنهم شكلوا خطرا من أي نوع كان! “جريمتهم” الوحيدة هي أنهم حاولوا الفرار بعد أن سدت في وجههم الآفاق بسبب سياسات الطبقة الحاكمة، مما يعني أنه حتى بقوانين هذا النظام الدكتاتوري نفسه لا يستحقون سوى بضعة أشهر من الحبس أو غرامة ما، الخ.
إننا أمام جريمة وحشية ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية: جريمة قتل عزل أبرياء بالرصاص الحي وهم في حالة فرار. ولا بد من معاقبة المسؤولين عنها عاجلا أم آجلا ! لا بد من معاقبة من أمر ومن نفذ. وفي هذا الصدد يجب أن نوضح أن إطلاق الرصاص الحي من طرف القوات المسلحة يخضع لقوانين صارمة تقتضي صدور أوامر واضحة مباشرة من القيادة العليا بذلك. وعليه فإن المسؤولية تقع مباشرة على القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية كما تقع على الجنرالات الكبار، ناهيك عن المنفذين المباشرين.
لا بد من الإشارة إلى أن الجيش الملكي مؤسسة رجعية بالمطلق، تأسس تاريخيا على جثث أعضاء حركة المقاومة وجيش التحرير، ثم قام بارتكاب جرائم فضيعة في الريف سنة 1959 والأطلس المتوسط سنة 1973 والدار البيضاء سنة 1981 ، ثم الريف مجددا وتطوان ومراكش وغيرها سنة 1984 ، ثم فاس سنة 1991، ناهيك عن مختلف الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب الصحراوي، وها هو يشارك اليوم في تقتيل الشعب اليمني بقيادة السعودية، الخ.
كما لا بد من الإشارة كذلك إلى أن هذه الجريمة ليست حدثا معزولا، حيث أن التقتيل سياسة ممنهجة عند النظام القائم، والشعب المغربي رهينة آلة جهنمية للقتل شعارها: “تناضل تقتل، تحتج تقتل، بل وحتى إن حاولت الفرار تقتل”. فعشرات الشباب من حركة عشرين فبراير قتلوا بدم بارد، كما قتل عشرات الطلاب أثناء احتجاجات سلمية، ومؤخرا قتلت سيدة في مدينة أزرو خنقا بقماش العلم الملكي على يد القوات المساعدة، أثناء مشاركتها في احتجاج سلمي للنساء السلاليات ضد محاولات مافيا العقار الاستيلاء على أراضيهم. والقائمة ستبقى مفتوحة ما بقي هذا النظام المجرم قائما.
لكن الملاحظ هو أن هذه الجريمة بكل بشاعتها لم تحرك ساكنا عند السيدات زعيمات الحركة النسوانية وعشرات الأحزاب السياسية وقيادات النقابات، بل وحتى جماعة العدل والإحسان، التي يراهن عليها بعض أغبياء اليسار ويعتبرونها قوة معارضة بل و”ثورية”. لقد تعاملوا جميعا وكأن الأمر لا يعنيهم أو أنه حدث وقع في جزيرة في أقصى الأرض، في احترام منهم للخطوط الحمراء التي يرسمها النظام وسعيا منهم إلى الحفاظ على الوضع الراهن والوقوف في صف التناوب على التقاط فتات موائد الحاكمين.
لكن في الجهة الأخرى خلقت هذه الجريمة ردة فعل غاضبة قوية فورية من طرف الشعب المغربي، وخاصة الشباب الكادح، حيث شهدت تطوان، يوم الجمعة 28 شتنبر، مسيرة حاشدة رفع الشباب خلالها شعارات قوية تطالب بمحاسبة القتلة، وشعارات أخرى مثل: “الشعب يريد إسقاط الجنسية” و”حياة مقتولة والدولة المسؤولة”، الخ.
كما اتسعت رقعة التضامن لتصل إلى الدار البيضاء حيث خرج الشباب في شكل احتجاجي ضد الجريمة والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها، وعبرت بعض مجموعات الألتراس مثل: البلاك أرمي والشارك فاميلي، عن تنديدها بالجريمة ومرتكبيها.
وهذا ليس من قبيل المصادفة، فجميعهم ساخطون على الأوضاع الاجتماعية المزرية في ظل الفوارق الاجتماعية الهائلة والفقر والبطالة وانسداد الآفاق، رغم أن المغرب بلد غني من حيث الموارد الطبيعية والبشرية. إذ يتوفر على واجهتين بحريتين تبلغ مساحتهما أزيد من 3500 كلم، ويتميز بتنوع كبير في موارده البحرية إذ يبلغ أكثر من 500 نوع من الأسماك. وهو ثالث مصدر عالمي للفوسفات، ويتوفر على %75 من الاحتياطي العالمي. كما يعد رائدا فيما يخص معدن الكوبالت، إذ يتوفر على أحد المناجم النادرة لإنتاج الكوبالت على صعيد القارة الإفريقية. ناهيك عن الذهب والفضة، وما إلى ذلك.
إن هؤلاء الشباب رأوا في “حياة بلقاسم” ورفاقها رمزا لهم جميعا، فكلهم يتشاركون نفس الأوضاع البئيسة ونفس القهر ونفس الحلم بالهجرة بحثا عن الكرامة والشغل، فتماهوا مع مصيرها لأن ما حصل لها كان يمكن أن يحصل لأي واحد منهم.
كثيرا ما يلوم بعض أدعياء المعرفة أو المدافعين عن النظام القائم هؤلاء الشباب بسبب رفعهم لشعار “Viva España” (عاشت اسبانيا)، أو لأنهم يرفعون أحيانا العلم الاسباني، الخ. ويتهمونهم بالجهل أو بالخيانة الخ الخ. إن هؤلاء الشباب إذ يرفعون تلك الشعارات أكثر وعيا بكثير من هؤلاء الجهلة الأدعياء، إنهم يرفعونه وليس المقصود بكلامهم عن “اسبانيا” دولتها وأجهزتها القمعية، التي تعتبر شريكة في فرض الحصار عليهم من خلال تطبيق سياسة هجرة متشددة؛ كما أنهم لا يقصدون بشعاراتهم الطبقة البرجوازية الإسبانية، التي يعرفون وجهها القبيح وطبيعتها الاستغلالية في معامل طنجة والبيضاء وغيرها، بل يقصدون تلك المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة الاسبانية بنضالات ثورية طويلة ضد الدكتاتورية والاستغلال، سواء ضد نظام فرانكو الدكتاتوري أو ضد نظام دستور 1978.
لذلك فإن شعاراتهم، وبالرغم من كل شيء، تعبير عن طموحات ثورية عظيمة قادرة، إن توفرت لها القيادة الثورية والبرنامج الاشتراكي، أن تجعل منهم قوة ثورية جبارة. وهذه هي المهمة التاريخية التي ينبغي التركيز عليها.
لابد من الانتقام لمقتل حياة، مثلما لا بد من الانتقام لمقتل السيدة فضيلة وأمي فتيحة ومناضلي حركة 20 فبراير ومحسن فكري وغيرهم وغيرهم من ضحايا هذا النظام المجرم. والطريقة الوحيدة للانتقام هو مواصلة النضال والعمل الدؤوب من أجل بناء القيادة الثورية، فأزمة الحركة الجماهيرية هي أزمة القيادة الثورية.
أنس رحيمي
01 أكتوبر 2018
تعليق واحد
تعقيبات: المغرب/إسبانيا: الموقف الطبقي من المواجهة الديبلوماسية وأزمة الهجرة في سبتة – ماركسي