الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: نعم للحق في الهجرة، لكن الحل الحقيقي هو النضال هنا من أجل التغيير!

المغرب: نعم للحق في الهجرة، لكن الحل الحقيقي هو النضال هنا من أجل التغيير!

تتسارع الأحداث بشكل يومي بخصوص الهجرة، فأثناء كتابة هذا المقال قامت قوات النظام بإطلاق الرصاص الحي على قارب يضم مهاجرين متسببا في جرح 4 مواطنين ووفاة فتاة، إن هذا النظام المجرم لم يكتفي بدفع الشباب إلى الهامش والانتحار والفرار بل أصبح يترصدهم برصاصه، ننشر مقالنا هذا والذي نظمنه موقفنا من الهجرة والأسباب الكامنة ورائها، على أن ننشر مقالا آخر بخصوص أخر التداعيات حول إطلاق الرصاص الحي على مهاجرين عزل في أقرب فرصة.

نشطت في الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة من الهجرة “السرية”، التي في الواقع لم تعد سرية على الإطلاق. وصار هناك مئات الشباب، بل الآلاف، رجالا ونساء، وحتى أطفالا، وأحيانا أسر بأكملها، يرابطون في شواطئ المدن الشمالية، على أمل أن تأتي تلك القوارب السريعة لتبعدهم من الجحيم الذي يعيشونه في وطنـ”هم”.

قد تكون هذه أكبر موجة هجرة في العالم يعرفها بلد لا يعيش حالة حرب معلنة ويؤكد مسؤولوه أنه بلد “الاستقرار” و”الأمن” و”التنمية البشرية”. وحتى في تلك البلدان التي يطلق على دولها اسم “الدول الفاشلة”، مثل سوريا وليبيا والعراق الخ، لا تصل الظاهرة إلى هذا الحجم!! بل لقد بدأت تلك البلدان تعرف هجرة معاكسة إذ صار الكثير من النازحين السابقين في العودة إلى مدنهم وقراهم رغم الدمار الذي ما زالت عليه. هذا وكان مكتب الدراسات الأمريكية “مجموعة بوسطن الاستشارية” (BCG) قد أكد في تقرير له أن “80% من الشباب المغاربة يرغبون في مغادرة المغرب نحو دول أخرى”.

إن هؤلاء الشباب الذين يرمون بأنفسهم في البحر، وهم يعلمون أن هناك احتمالا كبيرا لأن يموتوا، على أمل الوصول إلى الضفة الأخرى لا بد أنهم يعيشون في ما يشبه الجحيم، أو ربما أسوء، إذ لو توفرت لهم ظروف العيش الكريم في بلدهم ما كانوا ليفكروا في أن يغامروا بكل شيء كما يفعلون الآن.

وهذا ما أكده نفس التقرير المذكور، حيث أرجع رغبة المغاربة في مغادرة أرض الوطن، إلى «أسباب اجتماعية تتمثل في قلة فرص الشغل، وعدم توفر فرص للعمل، والظروف الاجتماعية القاسية التي يعيشونها، مشيرا إلى أنه منذ بداية سنة 2000 إلى اليوم، غادر ما بين مليون ونصف المليون إلى مليوني مواطن المغرب، نحو عشرات الدول، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي» (نفسه).

إن الشباب يعيش أوضاعا مأساوية بكل المقاييس، وهذا ما كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (الرسمي) قد اعترف به في تقرير له حيث قال: «بأن الفقـر والبطالـة فـي صفـوف الشـباب والفـوارق أصبحـت تتجـاوز حـدود المقبوليـة».

كما ساق موقع فرانس 24 تقريرا، تحت عنوان معبر وهو: “المغرب: البطالة في صفوف الشباب “قنبلة موقوتة” وسبب رئيسي للقلق الاجتماعي”، قال فيه: «إن معدل البطالة في المملكة تخطى في نهاية 2017، 10,2% مقابل 9,9% عام 2016. وتطال البطالة خصوصا الشبان الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما (26,5%) مع معدل وصل إلى أكثر من 42% بين شبان المدن»، وحذر من أن ذلك «ينذر بتنامي مشاعر “الاستياء والإحباط”».

تجدر الإشارة إلى أن هذه الموجة من الهجرة تأتي مصاحبة لارتفاع كبير في معدلات الانتحار، خاصة بين الشباب. وفي هذا الصدد كان موقع 360 الالكتروني، المقرب من الدوائر الرسمية، قد نشر تقريرا لمنظمة الصحة العالمية يقول إن المغرب يحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد حالات الانتحار بعد السودان، وذلك بنسبة 5,3 في كل 100 الف نسمة، متخلفا حتى عن العراق وسوريا اللتان تسجلان معدلات أقل من المغرب من حيث عدد الانتحارات.

إن هذا أكبر دليل على إفلاس النظام القائم وهذه أكبر إدانة للسياسات التي يتبعها في كل المجالات. شباب في عمر الزهور، في أوج العطاء والانفتاح على الحياة والقدرة على الانتاج، كل ما يطمحون له هو فرصة لكي يصيروا منتجين ويحققوا ذواتهم ماديا ومعنويا، يحطمهم هذا النظام المجرم ويرمي بهم إلى الهامش والتدمير الذاتي بالمخدرات والانتحار والفرار. إن نظاما لا يستطيع أن يوفر للعبيد حتى ظروف بقائهم عبيدا نظام مجرم وخطير ويجب أن يزول فورا.

لا بد أن الدولة مساهمة بشكل كبير في تشجيع هذه الموجة الأخيرة من الهجرة. فالنظام يعلم أنه جالس على جبل من البارود، وأن هؤلاء الشباب المحرومين العاطلين الغاضبين سينفجرون عاجلا أو آجلا، وهو مرعوب من موجة ثورية جديدة. لذلك فإنه بتغاضيه عن التصدي لها يضرب الكثير من العصافير بحجر واحد:

إنه بذلك يعمل على تخفيف الاحتقان برمي “فائض” الشباب في البحر لكي يموتوا فيرتاح منهم أو يصلوا إلى الضفة الأخرى فيتخلص من همهم، وربما يتحولون مستقبلا إلى بقرة حلوب كما هو حال نظرائهم الذين سبقوهم.

كما أن الشباب الذين سيبقون هنا سيستمرون في التحديق في الأفق عسى أن يأتيهم المخلص أو أن يتمكنوا بطريقة أو بأخرى من الفرار، وبهذه الطريقة سينشغلون ولو مؤقتا عن الاحتجاج أو النضال من أجل حقوقهم هنا.

إضافة إلى أن تلك الأجساد البشرية المنهكة التي تصل إلى الضفة الأخرى بتلك الأعداد الهائلة وتلك الجثث التي يرمي بها البحر على شواطئ أوربا، يعتبرها ورقة ضغط قوية في يده لكي يفرض على أوربا أن تقدم له المزيد من المساعدات المالية واللوجيستية بحجة أنه غير قادر على وقف موجة الهجرة دونها، كما أنه بذلك يقدم لها تحذيرا لما يمكن أن يحصل في حالة ما إذا تركته يسقط، وبذلك تستمر في الرهان عليه سياسيا وتتغاضى عن جرائمه، باعتباره الكلب الوفي الذي يحمي حدودها الجنوبية من الاجتياح. إلا أنه بمجرد ما سيتوصل إلى اتفاق معها سيعيد إحكام قبضته على الحدود، في لعبة إجرامية لا تنتهي.

لكن كل ألاعيب النظام والطبقة السائدة وأسيادهم الإمبرياليون غير قادرة على تخليصهم من مصيرهم المحتوم. إن النظام الرأسمالي مفلس على الصعيد العالمي وغير قادر على تقديم أي حل، وبالتالي فإنه محكوم عليه بالزوال.

إن الوضع الذي نعيشه اليوم وضع ما قبل ثوري من الناحية الموضوعية. ماذا نعني بذلك؟ إن الوضع ما قبل الثوري، كما سبق للينين أن شرح هو: وضع تكون فيه الجماهير قد صارت غير قادرة على العيش كما من قبل، وتكون فيه الطبقة الحاكمة قد صارت غير قادرة على أن تحكم كما من قبل. وهذا بالضبط ما نراه اليوم في المغرب. وقد عبرت الجماهير الشعبية عن رغبتها في التغيير بكثير جدا من النضالات والاحتجاجات والإضرابات، لكنها لم تتمكن من تحقيق هدفها، ليس بسبب نقص البطولة والكفاحية، ولا بسبب قوة مزعومة لهذا النظام المتهالك، بل بسبب غياب القيادة الثورية، الحزب الماركسي الثوري القادر على توحيد كل تلك النضالات وقيادتها ببرنامج اشتراكي ثوري لتمكين الطبقة العاملة من حسم السلطة بين أيديها وهذه هو ما يجب علينا أن نعمل على بنائه.

إن من يسخرون من هذا المنظور هم إما عجزة محبطون أنهكتهم الهزائم المؤقتة وجعلت منهم مرتابين كلبيين لا أمل في شفائهم، أو هم عملاء واعون للنظام القائم يحاولون وسعهم إبعاد الشباب عن الحل الحقيقي الدائم والجذري للمشاكل التي يواجهها. أما نحن الماركسيون فمقتنعون بأنه منظور علمي ممكن وراهني وضروري. من أين تأتينا هذه القناعة؟ إنها تأتي من قراءتنا العلمية للواقع في عمقه وحركيته، في سياقه المحلي والإقليمي والأممي¹. يكفينا في هذا الصدد أن نذكر بأن مفكري البرجوازية الأذكياء توصلوا إلى نفس الخلاصة إذ لا يتوقفون عن الحديث عن “القنبلة الموقوتة”، ويحذرون من “الانفجار الاجتماعي” الخ الخ.

موقفنا نحن الماركسيين من الهجرة، بجميع أنواعها، هو أنها حق أساسي نناضل ضد أي تضييق عليه تحت أي مبرر، لأنه ليس من حق أي كان أن يفرض على إنسان آخر البقاء في مكان ما بدون إرادته. وفي نفس الآن نناضل ضد عصابات تهريب البشر التي تستغل مآسي هؤلاء الفقراء لكي تتاجر فيهم وغالبا ما تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة والموت، كما نناضل لكي تتم الهجرة في ظروف إنسانية تحترم الحق في الحياة والكرامة.

نعتبر أنه من حق العمال أن يختاروا بملء إرادتهم المكان الذي يريدون أن يبيعوا فيه قوة عملهم، فالعمال لا وطن لهم. وفي هذا الصدد ليس هؤلاء الشباب الذين يريدون الهجرة أناس ميؤوس منهم، كما يصورهم بعض العصبويين اليسراويين، بل هم أناس شجعان أغلبهم ناضل طيلة السنوات الأخيرة من أجل “الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية” بكفاحية منقطعة النظير لكن نضالاتهم ضاعت هباء. وليست محاولتهم الهجرة إلا تعبيرا عن استمرارهم في الاحتجاج على أوضاعهم، ويكفينا أن نرى أنهم ما زالوا لم ينسوا شعارات حراك عشرين فبراير، بعد أن حوروها بسخرية قاتمة، حيث رفعوا في بعض المناسبات شعارات من قبيل: “الشعب يريد الحركة فابور” (أي: الشعب يريد الهجرة مجانا)، الخ.

لكننا نقول لهؤلاء الشباب الشجعان، الذين لا يرهبهم الموت في البحر بحثا عن الكرامة وعن تحسين أوضاعهم في الضفة الأخرى، إن الفرار ليس حلا. إن الحل الحقيقي والدائم هو البقاء هنا والنضال هنا لتغيير الأوضاع هنا، لأجل إسقاط هذا النظام المجرم والطبقة الرأسمالية التي حولت هذا البلد الرائع إلى جحيم وإقامة نظام ثوري يضع السلطة والثروة في يد الشعب ويجعل خيرات البلد في خدمة كل أبنائه وبناته. أيها الشباب: إن الحل الحقيقي هو الثورة الاشتراكية التي بفضلها سوف نبني مغربا قادرا على توفير العمل لكل عاطل والسكن لكي مشرد والخبز لكل جائع. فلنناضل من أجل هذا المشروع الذي هو المشروع الوحيد الذي يستحق أن يحيى الإنسان من أجله وأن يموت في سبيله.

هوامش:

[1]: يضيق المجال هنا عن التفصيل في هذه النقطة لذلك نلتمس من القارئ أن يطلع على وثيقة منظورات عالميةومنظورات المغرب وغيرها من أدبياتنا التي حللنا فيها تلك الأوضاع بالتفصيل.

أنس رحيمي
27 شتنبر 2018