يوم 13 أكتوبر 2014، وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ المغرب، قررت المركزيات النقابية الثلاث الأكثر تمثيلية: الإتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل (جناح العزوزي)، خوض “إضراب وطني إنذاري عام في الوظيفة العمومية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري و التجاري والصناعي والفلاحي وشركات القطاع الخاص بكل القطاعات المهنية لمدة 24 ساعة يوم 29 أكتوبر 2014”.
ويوم الثلاثاء، 14 أكتوبر، أصدرت تلك المركزيات بلاغا نقابيا للرأي العام توضح فيه الأسباب والدواعي التي فرضت اتخاذ قرار الإضراب حيث قالت إنها “تسجل استمرار قيام أسباب الاحتقان الاجتماعي التي فرضت اتخاذ هذه القرارات النضالية، والمتمثلة أساسا في: ضرب القدرة الشرائية لعموم المأجورين والفئات الشعبية بالزيادات المتتالية في الأسعار، استمرار مسلسل انتهاك وخرق الحريات النقابية وطرد المسؤولين النقابيين ومحاكمتهم وتسريح العمال وتشريد عائلاتهم، تجميد الحكومة للحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية.
وحددت مطالبها المستعجلة في مجموعة من النقاط، على رأسها: زيادة عامة في الأجور والزيادة في معاشات المتقاعدين، وتطبيق السلم المتحرك؛ تخفيض الضغط الضريبي عن الأجور؛ وتأمين الخدمات العمومية من قبل الدولة؛حماية الحريات النقابية وحماية القوانين الاجتماعية و في مقدمتها حق الانتماء النقابي وحق الإضراب، وتطبيق مدونة الشغل؛ إصلاح شامل لمنظومة التقاعد ، والتراجع عن الإصلاح المقياسي الذي يكتفي بتقديم ثالوث الموت للموظفين؛ تعميم الحماية الاجتماعية، والسهر على إجبارية التصريح بالمأجورين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ تلبية المطالب القطاعية والفئوية، و إرساء أسس التفاوض الجماعي على مستوى كل القطاعات، وضع حد للعمل المؤقت و العمل الهش والعمل بالمناولة و ضمان الاستقرار في العمل”.
كما نددت “بإصرار الحكومة على تعطيل آلية الحوار الاجتماعي وحملتها مسؤولية الاحتقان الاجتماعي وأساليبها في التهرب من معالجة ملفات مجتمعية، واتخاذها لقرارات أحادية دون استشارة الحركة النقابية.
ثم أصدرت نفس النقابات، يوم 16 أكتوبر 2014، نداء إلى الطبقة العاملة المغربية أكدت فيه دعوتها إلى الإضراب “بسبب تعنت الحكومة وتهربها من تحمل مسؤولياتها السياسية والاجتماعية، وتنكرها لالتزاماتها ووعودها، وإجهازها على المكتسبات الاجتماعية والمادية للأجراء، وانتهاكها للحريات النقابية دون مراعاة للوضع الاجتماعي الهش لعموم المواطنين متمادية في سياستها غير الواضحة الأفق المبنية على ضرب القدرة الشرائية عبر الزيادات المتتالية في الأسعار والضرائب وتجميد الأجور والتعويضات .
ودعت “كل العاملات والعمال في كل القطاعات العامة والشبه العامة والخاصة، إلى التعبئة والمشاركة المكثفة في المحطة النضالية التاريخية ليوم 29 أكتوبر 2014، للدفاع عن الحقوق والمطالب العمالية المشار إليها أعلاه، إضافة إلى مطلب إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرم العمل النقابي، تأمين الخدمات العمومية من طرف الدولة، والنهوض بأوضاع المرأة الأجيرة، والمرأة عموما. تلبية المطالب القطاعية والفئوية، وسن سياسة اجتماعية لمعالجة ظاهرة التشغيل والبطالة، وخاصة في أوساط حاملي الشهادات العليا، وتلبية الملفات المطلبية للمتقاعدين والاعتناء بأوضاعهم الاجتماعية،
وحملت الحكومة “مسؤولية ما آل إليه الوضع الاجتماعي من تدهور قد يهدد التماسك المجتمعي” وحذرتها “من مغبة التمادي في تجاهل مطالب الطبقة العاملة وحركتها النقابية”. وأكدت “على مواصلة النضال العمالي لردع السياسة اللاديمقراطية للحكومة”.
الالتحاق بالإضراب
مباشرة بعد ذلك، وفي تطور هام أيضا أعلنت السكرتارية الوطنية للاتحاد المغربي للشغل – التوجه الديمقراطي، في بلاغ لها يوم 15 أكتوبر 2014، قرار المشاركة في الإضراب العام الوطني ليوم 29 أكتوبر 2014، ودعت إلى التعبئة الشاملة في إطار جبهة نقابية واجتماعية موحدة لإنجاح هذه المعركة الوطنية التاريخية. وحذرت من “المناورات المخزنية والانتهازية الساعية إلى التراجع عن تطبيق قرار الإضراب العام في وقته المحدد”.
وبالتالي أعلنت “تعليق تنفيذ قرار الإضراب الوطني في القطاع العمومي ليوم 30 أكتوبر مع المسيرة الوطنية لنفس اليوم”. و”المشاركة بقوة وحماس في تفعيل قرار الإضراب العام الوطني الإنذاري ليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2014 بهدف التصدي للإجراءات والمخططات العدوانية ضد الحريات والمكتسبات والحقوق الشغلية والمستوى المعيشي للجماهير الشعبية”.
وأكدت أن “التوجه الديمقراطي، يسعى من خلال المشاركة في المعركة الوطنية ليوم 29 أكتوبر، بالخصوص إلى:
- التنديد بضرب القدرة الشرائية لعموم الشغيلة والجماهير الشعبية من خلال الزيادات المتتالية والمتواصلة في الأثمان في ظل جمود الأجور والمداخيل، والمطالبة بالزيادة العامة في الأجور ومعاشات المتقاعدين/ات وفقا لغلاء المعيشة وبالتخفيض من الضغط الضريبي.
- التنديد بالهجوم على الحريات العامة وعلى الحريات النقابية بشكل خاص وفي مقدمتها حق الإضراب (وما يتعرض المضربون من طرد وقمع واعتقال ومحاكمات واقتطاع من الأجور…) والحق في التنظيم النقابي (رفض تسليم وصولات الإيداع القانونية وطرد أعضاء المكاتب النقابية، …)
- التنديد بضرب استقرار العمل وفي مقدمته التسريح الفردي والجماعي للعمال وتعميم العمل المؤقت والهش ونظام العمل عبر شركات الوساطة.
- التنديد بالانتهاك الممنهج لقوانين الشغل على علاتها وبضغط الباطرونا لإدخال تعديلات تراجعية على مدونة الشغل.
- التنديد بالمخطط الحكومي للتراجع عن مكاسب الموظفين/ات المرتبطة بنظام المعاشات المدنية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (الثالوث الملعون المتجسد في الزيادة في الإقتطاعات من الأجور والتقليص من قيمة المعاشات مع رفع سن التقاعد) والمطالبة بجعل حد للحيف ضد المتقاعدين/ات المرتبطين بنظامي الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبإصلاح شامل وعادل لنظام التقاعد وبتعميم الحماية الاجتماعية على كافة الشغيلة وسائر المواطنين/ات.
- تلبية المطالب القطاعية والفئوية من خلال إرساء أسس التفاوض الجماعي مع ممثلي/ات القطاعات والفئات المعنية.
- تنفيذ الحكومة للاتزاماتها بدءا باتفاقية 26 أبريل 2011 وفي مقدمتها توحيد الأدنى للأجور في الفلاحة والصناعة.
- فتح أبواب التشغيل الواسع داخل الوظيفة العمومية والقطاع العمومي أمام المعطلين/ات حاملي الشهادات.
ودعت “مناضلي/ات التوجه الديمقراطي إلى التعبئة اليومية والشاملة من أجل إنجاح الإضراب العام الوطني الوحدوي للشغيلة على مستوى سائر القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص ويناديهم إلى العمل يدا في اليد، مع سائر المناضلين/ات النقابيين المخلصين لمطامح الطبقة العاملة داخل مختلف المركزيات النقابية، من أجل إنجاح الإضراب العام الوطني؛ هذا ما يتطلب من المناضلين/ات النقابيين وغيرهم تشكيل تنسيقيات محلية وقطاعية لتجسيد الوحدة النضالية على المستوى القاعدي ولإنجاح معركة 29 أكتوبر ولمواصلة التعبئة بعد ذلك على اعتبار أن إضراب 29 أكتوبر هو إضراب إنذاري مفتوح على معارك وطنية أخرى”.
كما طالبت “سائر القوى الديمقراطية ــ سياسية وحقوقية ونسائية وشبابية وثقافية وجمعوية أخرى ــ وكذا حلفاء الطبقة العاملة وسط الطلبة والمعطلين/ات وتنسيقيات حركة 20 فبراير إلى التعبئة من أجل دعم قرار الإضراب العام الوطني والعمل على إنجاحه خاصة وأنه يدخل ضمن النضال من أجل تحسين ظروف معيشة الشغيلة وكافة الجماهير الشعبية التي يشكل جزءا من النضال العام ضد الفساد والظلم والاستغلال والاستبداد ومن أجل فتح الباب لتشييد مغرب الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان للجميع.”
المزيد من الالتحاقات
يوم 16 أكتوبر، وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ المغرب كذلك، أعلنت نقابتان أخريتان هما الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفيدرالية الديمقراطية للشغل (جناح الفاتحي)، التحاقهما بإضراب 29 أكتوبر، حيث ذكر بلاغ مشترك لهما مشاركتهما في الإضراب الذي يأتي حسب بلاغهما: للاحتجاج على “التجاهل الحكومي للمطالب العادلة لعموم المأجورين المغاربة، وتعنتها في فرض منظورها التجزيئي والتراجعي لإصلاح أنظمة التقاعد واستهدافها لمأجوري القطاع العام لتأدية فاتورة أزمة الصندوق المغربي للتقاعد”. وأيضا ضد “استمرار تدهور القدرة الشرائية جراء الزيادات المتتالية لأسعار المواد الاستهلاكية والطاقية وإقرار ضرائب جديدة، وتجميد الأجور، وإغلاق كل سبل تحسين الدخل” وكذا “استمرار خرق الحقوق والحريات النقابية والتسريح الفردي والجماعي للعمال وإغلاق المؤسسات الإنتاجية” و”تجميد الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية والتنكر للالتزامات في خرق سافر للاتفاقات” و”استفراد الحكومة في اتخاذ قرارات خطيرة تستهدف حقوق ومكتسبات الشغيلة (التقاعد – المقاصة…)” وحملتا “الحكومة مسؤولية “تأجيج الوضع الاجتماعي جراء تعنتها في قراراتها اللاشعبية”.
هذه بدون شك لحظة تاريخية في تطور العمل النقابي والكفاح العمالي بالمغرب. وهي دليل على التحولات النوعية التي يعرفها الصراع الطبقي بالمغرب. لم يسبق أبدا أن دخلت النقابات بالمغرب في إضراب عام وطني بهذا الشكل الوحدوي الرائع. وسيكون لها ما بعدها. المهم الآن بالنسبة لنا هو الدفاع عن هذا المكتسب وتعميقه وتطويره في أفق وحدة تنظيمية حقيقية ضد كل النزعات الانشقاقية.
نحن كماركسيين نحيي الدعوة إلى الإضراب العام ونعلن إنخراطنا فيه، ونحيي كذلك الوحدة النقابية. لكن يجب عدم اللعب بالإضراب. ينبغي التعمل معه بكل جدية. ينبغي تنظيمه وتوفير كل الشروط لإنجاحه. إن انتصاره سيعني انتصار الطبقة العاملة على أعدائها وسيرفع معنويات الجماهير الكادحة عموما، لكن انهزامه سيعني نكسة كبيرة لن يربح من ورائها سوى أعداء الطبقة العاملة وأعداء النضال النقابي. إنها مسألة مصيرية، ولحظة تاريخية، لذا ينبغي التعامل معه بهذه الطريقة بالضبط.
السياق
يأتي هذا الإضراب في سياق هجمة طبقية شرسة تنظمها حكومة الرأسماليين وخدمهم الأوفياء ليس فقط على ما تبقى من مكتسبات هزيلة، وخاصة تلك التي تحققت في أعقاب حراك السنوات الثلاثة الأخيرة، بل كذلك ضد حتى شروط البقاء البيولوجي للجماهير، من خلال الزيادات المتزايدة في الأسعار وفي الضرائب وتفكيك أنظمة الحماية الاجتماعية كصندوق المقاصة الخ. والحكومة إذ تنفذ هجوماتها هذه لم تلق بالا للقيادات النقابية المرعوبة من النضال ودعواتها إلى “التعقل” و”فتح باب الحوار”، وما إلى ذلك.
كما أن يأتي في سياق نهوض نضالي شعبي تشهده أغلب المناطق والجهات بوتيرة متفاوتة، على قاعدة مطالب مختلفة: ضد ضرب الحق في التعليم، ضد التهميش، المطالبة بالبنية التحتية الخ، والتي هي في أغلبها تحركات خارج الإطارات النقابية.
وقد انعكس هذا الوضع داخل النقابات إذ أن القواعد العمالية مارست وتمارس ضغطا كبيرا على قياداتها من أجل التحرك، وهو ما فجر أزمات عديدة داخل النقابات. فالقيادات البيروقراطية تخشى النضال أكثر مما تخشى الهجومات الحكومية، لذلك تراها متشبثة بالصمت وتكبيل كل تحرك بل وحتى قمعه. أما القواعد النقابية والقيادات الأكثر قربا من الجماهير فتضغط من أجل أن تتحمل النقابات مسؤوليتها. وهو الضغط الذي أجبر القيادات في آخر المطاف، وبعد مماطلة طويلة، على الدعوة إلى التحرك، لأنها تعلم أن أي تأخر من طرفها اليوم عن تلك الدعوة كان سيؤدي بها إلى مأزق خطير أمام قواعدها. فدعت إلى التحرك مضطرة وعلى مضض، ويظهر منذ الآن أن طريقة التعبئة التي تنهجها ومستوى التنظيم الذي تقوم به لهذا الإضراب ليس له من هدف سوى أن تقبض على العصا من الوسط. تنفيذ الإضراب لإرضاء هؤلاء (العمال والقواعد النقابية) وتقليص نسبة المشاركة فيه لكي ترضي أولئك (البرجوازية ودولتها).
ضرورة المشاركة
إذا كانت القيادات البيروقراطية الوطنية تريد لهذا الإضراب أن يبقى في حدود توجيه رسالة إلى الحكومة من أجل “فتح باب الحوار”، فإن البورجوازية ودولتها تريد له أن يفشل بشكل كامل، حتى يخلق ذلك مناخا من الإحباط يسمح لها بمواصلة هجوماتها بشراسة أكبر. لذلك فإنه على كل عامل واع ألا يخطأ الجهة الصحيحة من المتراس. يجب العمل على الانخراط بكثافة وبمبدئية في الإضراب العام وإنجاحه.
نحن الماركسيون نتفهم الشك الذي يواجه به الشباب والعمال الكفاحيون مبادرات البيروقراطية وأهدافها من وراء الإضراب الحالي. بل إننا نؤكد لهم أن هدفها الحقيقي هو تحويله إلى محطة لتنفيس الاحتقان والغضب الذي تراكم فصار يهدد نظام أسيادها ويهدد مصالحها. كما تريد منه فقط أن يكون وسيلة للضغط على الحكومة حتى تجلس معها على طاولة الحوار لكي يتباحثوا وراء الأبواب المغلقة أفضل السبل الكفيلة لإدامة نظام الاستغلال والقهر.
لكننا في نفس الآن نؤكد على أن إنجاح الإضراب مهمة ملحة مطروحة على كاهلنا نحن العمال والشباب الثوري، ليس فقط ضد البورجوازية والحكومة، بل كذلك ضد القيادات النقابية البيروقراطية المتعاونة معها. فنجاح الإضراب دليل على قوتنا وعلى أننا نحن المنتجون الحقيقيون للثروة، فبدون عملنا لا يمكن لأية آلة أن تتحرك أو أي قطار إن يسير أو أية مؤسسة أن تفتح أبوابها، بينما ليس البورجوازيون وممثلوهم سوى طفيليات ضارة تعيش على حسابنا نحن المنتجين. سنقوم بالإضراب فليقم هؤلاء الطفيليون بتحريك آلة الإنتاج إن استطاعوا.
إن نجاح الإضراب نجاح لنا، ونجاح لوحدتنا وخطوة مهمة في مسيرة نضالنا ضد النظام الرأسمالي. لذا يجب علينا الانخراط في الإضراب وفي نفس الوقت الوقوف في وجه كل من يحاول أن يحوله ويحولنا معه إلى ورقة ضغط في لعبة تبادل المصالح واقتسام الكعكة. وذلك من خلال تنظيم قوانا في لجان معارك منتخبة من القاعدة إلى القمة والتنسيق بينها على الصعيد المحلي والجهوي والوطني.
إنه إضرابنا نحن العمال، وهو إضراب وطني يشمل كل القطاعات، وليست هناك من قيادة مركزية يمكنها أن تسيره من بعيد، بغض النظر عن نواياها الطيبة ومدى براعتها. لذا يتوجب خلق لجن إضراب منتخبة في المقاولات وبإشراك أقصى عدد من العمال في تسيير الإضراب.
علينا أن نفرض عدم إمكانية إجراء أي حوار إلا بموافقة القواعد العمالية وعدم توقيع أي اتفاق أو الدخول في أي مفاوضات إلا بعد فتح نقاش ديمقراطي موسع داخل الأجهزة النقابية وأماكن العمل عبر تنظيم جموعات عامة جماهيرية تقريرية، من القاعدة إلى القمة. يجب أن يكون واضحا أن قيام قياداتنا النقابية بأي تنازل دون علم القواعد النقابية وجماهير العمال وموافقتها جريمة موجبة للطرد من إطاراتنا النقابية، وبهذا نحصن أضرابنا وأشكالنا النضالية من جميع الخونة والمتخاذلين.
مابعد الإضراب؟
إن المطالب التي سنخرج لتنفيذ الإضراب على أساسها عادلة وآنية وملحة ولا إمكانية للتراجع عنها. فمسألة الزيادة العامة في الأجور والزيادة في معاشات المتقاعدين وتطبيق السلم المتحرك وتخفيض الضغط الضريبي عن الأجور وتأمين الخدمات العمومية من قبل الدولة وحماية الحريات النقابية وغيرها، مطالب لا يمكننا نحن العمال أن نتراجع عنها أو أن نؤجلها.
لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه منذ البداية هو: ما العمل في حالة ما إذا استمرت الحكومة في تعنتها؟ خاصة وأن كل التصريحات التي تقوم بها الحكومة توضح بشكل جلي أنها لن تتنازل، فبنكيران صرح أن “إصلاح” صندوق التقاعد سيتم حتى ولو أدى ذلك إلى سقوط الحكومة.
من الجلي أنه لا يمكن تحقيق مطالبنا الملحة والعاجلة في ظل موازين القوى الحالية، كما أنه من الجلي أنه لا يمكننا تحقيقها مع استمرار الحكومة الحالية. ما العمل إذن؟ هل سنقوم بالإضراب وبعده نعود إلى منازلنا خانعين، وتكون طلقتنا قد ضربت في الفضاء؟ كلا ! لأننا إن فعلنا ذلك سنكون قد ارتكبنا خطأ فادحا وأعطينا لعدونا الطبقي الفرصة للإجهاز علينا. يجب علينا بالعكس أن نكون مستعدين لمواصلة النضال عبر تنظيم إضراب عام آخر وآخر وآخر، أكثر تنظيما وأطول مدة ومصاحبا بخطوات نضالية أكثر جدية في أحيائنا العمالية وأماكن العمل.
علينا أن نبدأ منذ الآن في الاستعداد لتنظيم إضرابات تكون مصاحبة بمسيرات شعبية واعتصامات في أماكن العمل، وخطوات تصعيدية مشابهة يتم تقريرها بشكل ديمقراطي في تجمعاتنا العامة في النقابات ولجان المعارك، الخ.
وبما أن الحكومة الحالية ترفض أي تنازل، واعتبرت أنها تخوض ضدنا معركة وجود، فإن فرض مطالبنا يجب أن يكون على أنقاضها. يجب أن يكون للإضرابات القادمة شعار مركزي واحد: إسقاط الحكومة، وحل البرلمان المزور الحالي الذي تستمد منه شرعيتها وساندها في تمرير كل سياساتها الرجعية.
لكن إسقاط الحكومة يطرح على بساط البحث بشكل مباشر مسألة طبيعة الحكومة التي يجب أن تصعد وتحل محلها. هل يمكن تحقيق تنازلات جدية لصالح العمال والفلاحين وعموم الففراء في ظل حكومة برجوازية أخرى؟ كلا، لأن تطبيق سياسة التقشف والهجوم على مكتسباتنا ليست سياسة مرتبطة بحكومة حزب العدالة والتنمية أو ببنكيران، كما يريد البعض أن يصور لنا. إنها سياسة طبقية تخدم مصالح طبقة الرأسماليين وليس مصالح حزب واحد من الرأسماليين فقط. وعليه فإن تطبيق سياسات بديلة يتطلب صعود حكومة عمالية تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي.
إن البديل الحقيقي هو النضال من أجل حل برلمان الرأسماليين وتجار المخدرات والوصوليين هذا، الذي يشكل سندا لكل السياسات الرجعية وإقامة جمعية تأسيسية ثورية منتخبة من طرف العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، جمعية تأسيسية تمثل فعلا صوت الشعب ومطالبه. تنبع عنها حكومة عمالية تنفذ سياسات في صالح الفقراء وتحمل أزمة النظام الرأسمالي للرأسماليين أنفسهم، وليس لنا نحن العمال والفقراء.
يعتبر الإصلاحيون والمشككون من كل نوع أن مطلب إسقاط الحكومة وحل البرلمان الحاليين وإقامة حكومة بديلة مطلب طوباوي. لكن الواقع هو أن هؤلاء الأشخاص الذين يقسمون بالواقعية في كل لحظة يمثلون أبشع أنواع الطوباوية والعيش في الأوهام، إنهم يعتقدون أنه من الممكن إيجاد حل وسط بين من يطالب بالزيادة في الأجور وبين من يطالب بالزيادة في الأسعار، بين من يريد تحميل فاتورة أزمة الرأسمالية للبرجوازية وبين من يريد تحميلها للعمال، الخ . كما أنهم يعتقدون، أو يحاولون جعلنا نعتقد، أن الوضع الطبيعي هو أن تحكم أقلية قليلة من الطفيليات وتتحكم في مصير الأغلبية الساحقة. ثم إنهم لا يثقون في قوتنا نحن الطبقة العاملة وعموم الكادحين ونضجنا لأخذ مصيرنا بين أيدينا، لذا فالوضع الطبيعي، من وجهة نظر هؤلاء الأشخاص، هو أن يحكمنا أعدائنا. لكن إضرابنا هذا يوضح أننا فعلا من نسير المجتمع، فعندما نقرر أن نتوقف عن العمل يتوقف كل شيء.
مناضل عمالي
الأحد: 26 أكتوبر 2014