منظورات الوضع في مصر

هذا المقال في الأصل عرض قدمه الرفيق محمد حسام،  عضو هيئة تحرير موقع marxy.com ومجلة “الحرية والشيوعية”، في الجامعة الماركسية بالعربية 2023، التي انعقدت اعمالها شهر مارس الماضي، أثناء جلسة المنظورات العالمية.


تعيش مصر تحت وطأة الديكتاتورية العسكرية بقيادة الديكتاتور عبد الفتاح السيسي منذ ما يقارب العشر سنوات الآن، ويشهد النظام الرأسمالي في مصر أعمق أزماته، ارتفع التضخم لأعلي مستوياته على الإطلاق، حيث تجاوز 40% حسب الأرقام الرسمية، فوضى كبيرة في السوق، قفزات مهولة في أسعار كل المنتجات والخدمات، فيما شكل صدمة اجتماعية للمجتمع المصري كله ليس فقط للفقراء، تقشف وهجمات اجتماعية مستمرة، وقمع سياسي شرس مستمر.

لفهم ما يحدث حاليًا في مصر ينبغي وضع سنوات الثورة المصرية وهزيمتها في الاعتبار. نظام عبد الفتاح السيسي هو نظام استبدادي عسكري يحكم لصالح بقاء النظام الرأسمالي، قام على أنقاض الثورة المصرية عام 2011، واستغل نقطة ضعفها الأساسية، وهي غياب القيادة الثورية، وإرهاق المجتمع من حالة الحركة التي لم تجلب النتائج المرجوة، وتهديد الإسلاميين والإرهابيين للمجتمع، هؤلاء الرجعيين الإسلاميين الذين انخرطوا في موجة من العمليات الإرهابية ضد الجميع منذ 2013 (ليس فقط ضد الدولة ولكن أيضًا ضد المجتمع بشكل عام وبشكل خاص الأقليات الدينية)، في الواقع لقد ساعد هؤلاء الرجعيون النظام في الإجهاز على الثورة المصرية وإعاقة الحركة الجماهيرية.

استغل عبد الفتاح السيسي كل هذا لتقديم نفسه ونظامه كحكم بين الطبقات، وممثل للأمة المصرية، للعودة للاستقرار، أى عودة استقرار النظام الرأسمالي في مصر عن طريق الإجهاز على الثورة.

لفترة من الزمن كان يبدو أن النظام العسكري في مصر راسخ، انتشر اليأس والتشاؤم في كل مكان، الجماهير منهكة وعلى استعداد للتشبث بأى أمل حتى وإن كان وهميًا، النظام استغل وما زال يستغل خوف المجتمع المبرر من الإسلاميين والإرهابيين ليبطش بالجميع ويحكم قبضته على المجتمع، وينشر الخوف والصمت بالسقوف الحديدية “السجون”، صُدم المجتمع المصري حينها بأكبر وأعنف موجات الثورة المضادة في التاريخ المصري الحديث.

لكن في النهاية لم يكن لدي نظام عبد الفتاح السيسي أى حلول للخروج من أزمة النظام الرأسمالي المصري، إلا بتحميلها على أكتاف العمال والفقراء. لفترة استطاع النظام تحقيق نوع من الاستقرار في الاقتصاد، بشكل نظري على الأقل وبالطبع غير محسوس من قبل الجماهير لأنه جاء على حسابهم، عن طريق تدخل الدولة بمؤسساتها المختلفة بأموال الجماهير لإنقاذ النظام ومحاولة دفع عجلة السوق للدوران، عن طريق التوسع في أعمال البنية التحتية والبناء بشكل أساسي، لكن هذا كان فقط على حساب تجهيز التربة لأزمة أعمق، مشاريع مكلفة للغاية وغير مدروسة ذات عوائد مالية ضعيفة، هذا إن كان لها عوائد أصلاً، جبل مهول من الديون يقلص هامش المناورة للديكتاتورية العسكرية الحاكمة ويجعل الاقتصاد المصري ضعيف جدًا أمام التقلبات الخارجية وأزماتها، تقشف مستمر منذ سنوات قلص القوة الشرائية للجماهير وأصاب السوق بركود ملحوظ، طباعة نقود بلا حساب زرعت التضخم في أسس الاقتصاد المصري.

واليوم يبدأ النظام تحت وطأة أزمته في التحرك نحو تنفيذ أكبر خطة خصخصة في تاريخ البلاد، حيث يبدأ في بيع البلد بالقطعة لكي يحل أزمته، طبعًا مع مزيد من الاستدانة. هذه الإجراءات قد تجعل النظام يتفادي الإفلاس حاليًا، لكن أيضًا ومجددًا هذا على حساب تجهيز التربة لأزمة أعمق وأعمق.

تعيش الديكتاتورية العسكرية الحاكمة أضعف لحظاتها، وتتزايد الشكوك من قبل الطبقة السائدة حول قدرة عبد الفتاح السيسي على خدمة نظامهم ومصالحهم، كما ظهر في الخلاف المصري-السعودي، والخلافات بين البيروقراطية العسكرية ورجال أعمال الداخل والخارج حول حصة كل منهم في الاقتصاد، وتحميل كل طرف مسؤولية الأزمة الحالية للطرف الآخر، وطبعًا العمال والفقراء هم الذين دائمًا ما يدفعون الثمن. يقيم عبد الفتاح السيسي نظامه على موازنة دقيقة للقوى الاجتماعية والطبقية المتناقضة والمتصارعة، وأي خطوة خاطئة سوف تؤدي لتفاقم الأمور، وبدأت الأمور تخرج عن سيطرته بشكل ملحوظ.

هذا في ظل تدني مستويات شعبية النظام، والديكتاتور عبد الفتاح السيسي بشكل خاص. تحمل الجماهير الآن السيسي مسؤولية كل ما يحدث، أصبح لعن وسب الديكتاتور سُنة مصرية على كل لسان تقريبًا، حتى وإن كان بدون ذكر إسمه بشكل مباشر احيانًا لتلافي المخبرين، حيث يُجري سب “الأخ الكبير” بالضمير الغائب. لقد أفلس النظام بشكل كامل وبدأ يشعر بالخطر، وهذا ما يظهر في كلمات ومؤتمرات السيسي التي لا تنتهي، وهو ما يدفعه حاليًا لإعادة استخدام ورقة “حماية المجتمع من الإرهاب” و”منع الفوضى” بكل قوته، وكالعادة يعيد استغلال بكل خسة دماء الجنود والظباط الذين قتلوا في ميدان مواجهة الارهاب لتدعيم وجوده، لكن لم تعد تلك الدعاوى تلقى آذان صاغية ولم يعد لها تأثير يذكر بين الجماهير كما الماضي.

نستطيع أن نقول الآن إن الجماهير العاملة المصرية في نهاية مرحلة التعافي من الهزيمة الثقيلة للثورة، حيث بدأنا نشهد تحركات عمالية ومهنية متصاعدة وإن كانت متناثرة، تحركات متركزة على الجبهة الاقتصادية ضد الخصخصة ومن أجل رفع الأجور ومن أجل وقف تدهور مستويات المعيشة وضد الهجمات الاجتماعية المختلفة الأخرى، وسوف تستمر تلك الحركات وتتزايد مع الوقت، وقد تنتقل إلى الجبهة السياسية في المستقبل القريب. وما يبطئ عملية التعافي تلك هي حالة التصحر السياسي التي تشهدها مصر منذ هزيمة الثورة، بسبب القمع الوحشي من جانب وانحطاط الإصلاحيين والقادة النقابيين من جانب آخر.

صحيح أننا الآن لسنا أمام وضع ثوري في مصر، ولا حتى وضع ما قبل ثوري، لكن كل العوامل تدفع بقوة في ذلك الاتجاه، ويمكن أن  تسير الأحداث بسرعة ويتغير كل شيء في وقت قليل، وهذه هي طبيعة العملية التاريخية، قد تمر عقود يكاد يبدو أن لا شيء يحدث فيها، ثم يأتي يوم يزن أكثر من عقد من الزمان، وهذا ما يحدث الآن وما نحن مقبلين عليه في مصر، مر بالفعل عقد من الزمان يبدو ظاهريًا أن لا شيء حدث في مصر خلاله، لكن سيأتي يوم ينفجر فيه كل ما كان يختبأ ويتراكم خلف المظهر الساكن للأحداث، خصوصًا مع عدم وجود أفق لنهاية الأزمة الحالية والهجمات الاجتماعية والطبقية التي لا تنتهي.

غضب الجماهير يجد بالتدريج طريقة للتعبير عن نفسه، والجماهير تتعلم من التجربة كيف تتجاوز القبضة الأمنية وتنهض لمواجهة النظام، كما قال لينين: “الحياة تعلم”، والتجربة تعلم الجماهير المصرية بطريقة قاسية الآن أن لا سبيل لعيش حياة كريمة وإنسانية إلا بإسقاط النظام الرأسمالي والديكتاتورية العسكرية التي تحميه.

الغضب والكراهية أصبحوا موجودين في المجتمع بشكل ملحوظ، مع بداية تعافي الجماهير العاملة، والتي ستزداد قوة مع الوقت. الثورة والانفجار الاجتماعي مزروعين في أسس الوضع الحالي، والنظام يجلس على برميل بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وكلما تأخر هذا الانفجار كلما كان أشد عندما يأتي، وسوف يأتي يقينًا: كما يلي النهار الليل. كل ما يحدث يدفع بقوة وعي الجماهير والحالة المزاجية لهم للتغير بتجاه ثوري، خصوصًا الشباب الغير ملوثين بالهزيمة. النهوض الثوري في مصر أصبح مسألة وقت، وهذا لا يعني مسيرة من الحركات والانتصارات التي لا تنقطع، بالعكس سوف نشهد مزيد من التقشف ومن القمع، لكن أيضًا سنشهد مزيد من المقاومة والنضالات التي سوف تؤدي لأحداث عظيمة مقبلة.

وهذا ما يجب أن نستعد له بأقصى سرعة ممكنة، يجب أن نتأكد من تلافينا لنقطة الضعف الرئيسية في الثورة الماضية، وهي غياب الحزب الثوري والقيادة الثورية، ونقطة البداية هي بدراسة النظرية الماركسية، هذا ليس ترف، “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية. إننا لا نبالغ مهما أكدنا على هذه الفكرة في وقت يسير فيه التبشير الشائع بالانتهازية جنبًا إلى جنب مع الافتتان بأضيق أشكال النشاط العملي”، والآن في مصر لدى طليعة العمال والشباب الوقت الكافي لدراسة النظرية الماركسية والتجهز قبل الحركة المقبلة، صحيح أن القبضة الأمنية تمنعنا من التحرك والتوجه للطبقة العاملة والشباب بحرية لكن هذا سوف يتغير لا محالة في وقت من الأوقات. 

نحن متفائلون بالمستقبل، والأكيد أننا الوحيدون المتفائلون في مصر الآن، وبقدر جاهزيتنا النظرية والسياسية والتنظيمية قبل الانفراجة الحقيقية للحركة بقدر سرعة استطاعتنا لاكتساب شرعية وجود التيار الماركسي بين صفوف العمال والشباب حينها، وهو ما سيكون نقطة انطلاق لما هو أكثر. هذا ما يجب أن يستحوذ على أذهان طليعة العمال والشباب في مصر الآن، ندعو الجميع للانضمام إلينا في هذا النضال العظيم وهذه المهمة الملحة التي تستحق أن يفني المرء فيها حياته: مهمة بناء القيادة الثورية.

الحرية للمعتقلين السياسيين!

تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!

تسقط حكومات رأس المال!

من أجل بناء منظمة ماركسية ثورية!

لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!

محمد حسام

16 مارس/آذار 2023