وصل العنف ضد النساء في مصر إلى مستويات غير مسبوقة، حيث قُتل عدد من النساء في الفترة الماضية على يد أزواجهن أو أقاربهن أو زملائهن الذكور، بخلاف كل المظاهر الأخرى للعنف ضد النساء التي يتعرضن لها يومياً. هذا التوحش هو علامة على نظام اجتماعي مأزوم يلقي بثقله على النساء، إن العنف المتصاعد ضد النساء هو جزء من السيرورة العامة لانحطاط المجتمع في السنوات الأخيرة في ظل الدكتاتورية العسكرية. في هذا السياق ننشر هذه المقالة الهامة للرفيق ديجان كوكيتش، التي نشرت على موقع “الدفاع عن الماركسية” في اليوم العالمي للمرأة 08 مارس 2022، وتمت إعادة نشرها في العدد العاشر لمجلتنا “الحرية والشيوعية”، المجلة العربية للتيار الماركسي الأممي.
يشرح الرفيق ديان في هذه المقالة تدهور وضع النساء في مصر منذ انحسار الحركة الجماهيرية في 2013، كما يبين نفاق الدولة والمؤسسات الدينية في التعامل مع تلك المأساة المستمرة، وعقم وعجز الأساليب الإصلاحية التي لا تؤدي إلى حل حقيقي لهذه المسألة الهامة والجدية، وأن الحل الوحيد هو التوجه للطبقة العاملة، وفي فهم أن النضال من أجل تحرر النساء هو جزء من النضال الطبقي والتحرر من المجتمع الطبقي. يجب على الماركسيين أن يكونوا حازمين في هذه المسألة، رافعين شعار: لا اشتراكية بدون تحرر حقيقي للنساء، ولا تحرر حقيقي للنساء بدون الاشتراكية.
تصدرت الحركة التي أطلق عليها اسم: «حركة #MeToo المصرية» عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم منذ عام 2020، حيث يتم التشهير بأبرز المعتدين جنسيا عبر الإنترنت. في حين تراجع تصنيف البلد فيما يتعلق بمسألة العنف الجنسي واضطهاد النساء خلال السنوات الأخيرة. إن هذه المسألة مرتبطة بمصير الثورة المصرية. وعلى أولئك الذين يريدون تخليص مصر من العنف ضد النساء أن يتوجهوا نحو الطبقة العاملة ويطلقوا النداء: انتهى وقت السيسي!
في يوليوز 2020 ، أنشأت طالبة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حسابا مجهولا على منصة “Instagram” باسم “Assault Police”، حيث وصفت شخصا في فصلها بأنه مرتكب جريمة اغتصاب وابتزاز وتحرش جنسي. وفي غضون ساعات، تقدمت طالبات أخريات بقصصهن الخاصة عن نفس الشخص: أحمد بسام زكي. الشيء الذي فتح الباب على مصراعيه أمام نشر مئات القصص الأخرى من جميع أنحاء مصر، وتزايد الضغط على أحمد بسام زكي وأمثاله لكي تتم مقاضاتهم لارتكابهم جرائم عنف ضد النساء.
لدى حساب “Assault Police” الآن ما يقرب من 350 ألف متابع، ويقدم تحديثات منتظمة عن أبرز قضايا الاعتداء الجنسي ونصائح للنساء حول كيفية الإبلاغ عن تجاربهن. ونتيجة لنشاط الحساب على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت حالتان، منفصلتان لكن متعلقتان بنفس القضية، لمجموعات من الرجال من عائلات ثرية يصورون أنفسهم وهم يغتصبون شابات في فنادق فاخرة، بعد عدة سنوات من وقوع تلك الأحداث.
نضال النساء والثورة المصرية
لم ينشأ هذا النشاط الحالي عبر الإنترنت من العدم، كما أنه ليس مجرد انعكاس لتجربة هوليوود، بل هو أحد أعراض التأثير العميق للثورة المصرية على المجتمع. لقد دفعت الحركات الثورية، التي شهدتها مصر بين عامي 2011 و2013، بكل القضايا الملتهبة إلى السطح. الملايين من الناس الذين خنقهم النظام الدكتاتوري لعقود من الزمن، تمكنوا أخيرًا من التعبير عن رغباتهم واحتياجاتهم بشكل علني، وربطها بالرغبات والاحتياجات الجماعية للآخرين الذين تم استغلالهم وقمعهم. تمكنت النساء من أن يرين أخيرًا طريقة للخروج من أفظع أشكال الاضطهاد، وشعر الكثيرون للمرة الأولى أنه لم يعد يتعين عليهم المعاناة في صمت بعد الآن.
والآن، بعد هزيمة الثورة بسبب أزمة القيادة وتراجع الحركة الجماهيرية، فإن الرغبة في محاربة الاضطهاد التي استيقظت عند الكثيرين لم تختف مطلقا. وقد ظهر نفس المزاج في المظاهرات التي تطالب بسلامة النساء في الأماكن العامة وأماكن العمل، وكذلك ضد التحرش الجنسي. قامت النساء بالتنظيم الذاتي لحماية عربات المترو المخصصة للإناث فقط من المتسللين الذكور، وانتشرت دروس فن “Wen-Do” للدفاع عن النفس في جميع أحياء الطبقة المتوسطة في المدن.
كما تم نشر العديد من مقاطع الفيديو على فيسبوك لحوادث التحرش في الشوارع، مما يسلط الضوء على المحن التي تتعرض لها جميع النساء المصريات تقريبا بشكل يومي. وقد أحدثت مقاطع الفيديو هذه رد فعل عنيف من جانب العناصر المحافظة في المجتمع. ومع ذلك، فإن حقيقة أن هذه الفيديوهات تنتشر بسرعة وتزايد الدعم لضحايا التحرش، تقف في تناقض حاد مع الثقافة القمعية المعادية للنساء التي تسود منذ عقود في كل أركان النظام الحاكمة.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، ظهرت شابة فقيرة محجبة في برنامج تلفزيوني بارز لمناقشة نجاتها بعد تعرضها للاغتصاب الجماعي ومحاولة القتل في بلدة فرشوط بصعيد مصر. تبرأت من والدها -وهو عمل مخالف للغاية للعادات والتقاليد في مصر- لأنه لم يدعم قضيتها، وخاضت صراعا من أجل اتخاذ إجراءات ضد الذين اعتدوا عليها. لقد أحدثت تلك الحلقة صدمة عبر وسائل الإعلام الرئيسية.
نرى هنا إلى أي مدى وصل وعي النساء بفضل الثورة التي خلالها تمكنت الفئات المضطهَدة من المجتمع المصري من أخذ مصيرها بين أيديها. كانت هناك دعوات معينة لاتخاذ إجراءات بشأن قضايا النساء حتى قبل عام 2011، لكن الثورة كانت بمثابة تغيير جذري. لقد تغير المزاج في المجتمع بشكل جوهري. تجرأت الفئات الأكثر اضطهادا على تحدي الأعراف الاجتماعية المتخلفة، وتأكدت بجلاء إمكانية قيام حركات جماهيرية منظمة من الأسفل للتغلب على أجهزة الدولة القمعية.
الاضطهاد والثورة المضادة
في الوقت نفسه، يمكننا أن نرى العقبات التي تقف في وجه النساء في مصر، والحجم الهائل لاضطهادهن. 99% من المصريات اللاتي قابلتهن الأمم المتحدة في 2013 قلن إنهن تعرضن للتحرش الجنسي. من المحتمل أن نسبة 1% المتبقية هن نساء منعزلات في مجتمعاتهن المخملية الخاصة وسياراتهن التي يقودها سائق خاص محميات من أن يخضن تجربة الحياة الحقيقية في مصر.
عادة ما يتم إلقاء اللوم على النساء من قبل أفراد أسرهن على تعرضهن للاعتداء الجنسي، ففي المناطق الريفية يعتبر قيام أحد أفراد الأسرة الذكور بقتل المرأة ضحية الاغتصاب، لتجنيب الأسرة العار، أمرا معتادا. في استطلاع أجرته طومسون-رويترز عام 2013، صُنفت مصر على أنها أسوء مكان تعيش فيه النساء في الشرق الأوسط، حتى قبل السعودية، بسبب العنف وغياب الحقوق الإنجابية. الإجهاض غير قانوني في مصر في جميع الحالات (بما في ذلك لضحايا الاغتصاب) إلا عند استخدامه لإنقاذ حياة المرأة الحامل. وفي الوقت نفسه، هناك أكثر من سبعة وعشرين مليون امرأة مصرية ضحايا تشويه الأعضاء التناسلية “الختان”.
الغالبية العظمى من النساء مسؤولات أمام الذكور من أفراد أسرهن (وهذا ما يشجعه القانون)، ويخضعن لحقوق أقل في الميراث ومزايا الضمان الاجتماعي. هناك العديد من المقاهي والأماكن الاجتماعية الأخرى التي يُمنع دخول النساء إليها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومع ارتفاع الأصوات المناهضة لاضطهاد النساء، تلجأ الطبقة السائدة باستمرار إلى استخدام قضية النساء لتعزيز الثورة المضادة. لقد أجرى ضباط الجيش اختبارات العذرية ضد ناشطات أثناء تفريق التظاهرات عقب سقوط مبارك. وتسللت عصابات البلطجية إلى الاحتجاجات في ميدان التحرير ومواقع أخرى للقيام باعتداءات ممنهجة ضد النساء. عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين في السلطة، نشرت المحطات الإعلامية بشكل متكرر قصصا عن “انحرافات جنسية” بين المتظاهرين.
خلال السنوات الخمس الماضية، صعّد نظام السيسي من حملة القمع الجنسي، ضد النساء ومجتمع الميم، لإشعال نيران الرجعية. وفي عام 2015، تم اتهام اثنين من الراقصات الشرقيات البارزات بالفجور وألقي بهما في السجن لاختيارهما للملابس والإيماءات في مقاطع فيديو منشورة على موقع يوتيوب. حدث الشيء نفسه مع راقصة أخرى نشرت مقاطع فيديو على منصة “TikTok” العام الماضي، وتم اتهام الممثلة رانيا يوسف بالفحش بعد أن ارتدت فستاناً شفافا في مهرجان سينمائي في القاهرة عام 2018. بين عامي 2017 و2018، كانت هناك حملة قمع ضد مجتمع الميم (مرة أخرى تم استخدام “الفجور” كمبرر قانوني)، بما في ذلك عشرات الاعتقالات الفردية وتفريق حفل لفرقة “مشروع ليلى” اللبنانية المعروفة بنشاطها في مجال مجتمع الميم. أدى التلويح بأعلام قوس قزح إلى مداهمة الشرطة للحفل الموسيقي، وبعدها خضع بعض الأشخاص للفحص الشرجي. كان هذا أكبر هجوم ضد مجتمع الميم تنفذه الدولة المصرية منذ مداهمة نادٍ للمثليين في القاهرة في عام 2001.
يتم استخدام اضطهاد النساء ومجتمع الميم من قبل النظام لمحاولة تعزيز دعمه بين الشرائح المحافظة في المجتمع وتقسيم الحركة الثورية المتراجعة نفسها. بالإضافة إلى تحكمهم في القوة الغاشمة للدولة والسيطرة على وسائل الإعلام، فإنهم يمتلكون في أيديهم السلطة التي امتدت لقرون من المؤسسات الدينية المصممة لترسيخ القيم الثقافية لعصر مضى وكبح الوعي الاجتماعي.
فقط عودة الحركة الثورية ستكون قادرة تماماً على تجاوز الخطوط الفاصلة التي رسمتها الطبقة السائدة بين الجماهير المصرية باستخدام هذه الوسائل. في غضون ذلك، هناك حاجة إلى قيادة ماهرة وواعية طبقياً لتحضير النضال ضد جميع أشكال الاضطهاد التي ستناضل ضدها الحركة الجماهيرية. يجب على القيادة الثورية ربط الكفاح ضد اضطهاد المرأة ومجتمع الميم بالمطالب الاجتماعية والسياسية الأساسية للثورة. كما يجب عليها تسمية الأعمال القمعية للنظام باسمها الصحيح – الثورة المضادة – ودعوة جميع المنظمات العمالية لمعارضتها.
التوازن الذي يقوم به النظام
ينبغي النظر إلى إجراءين تم تمريرهما من خلال البرلمان المصري ضد الاعتداء والتحرش الجنسي في هذا السياق الأوسع. القانون الأول، الذي صدر في عام 2014، اعترف بالتحرش الجنسي في القانون لأول مرة – وجعله يعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. والقانون الثاني، الذي تمت الموافقة عليه العام الماضي، وذلك جزئياً استجابة للحركة عبر الإنترنت بقيادة “Assault Police” وغيرها، والذي يضمن عدم الكشف عن هويات الضحايا الذين يبلغون عن الاعتداء والتحرش الجنسي.
هذه الإجراءات هي بالتأكيد تنازلات لمكافحة اضطهاد النساء، والتي تعكس الضغط الاجتماعي لاتخاذ إجراءات ضد آفة التحرش في الشوارع. وكذلك الأمر بالنسبة لإنشاء وحدات شرطة خاصة بقيادة نساء منذ عام 2017 في أحياء معينة، خاصة في القاهرة، للتصدي للتحرش.
في فعل منافق بشكل صارخ، أصدر الأزهر – المؤسسة الإسلامية الرئيسية في الدولة المصرية – بياناً الصيف الماضي شجع النساء ضحايا الاعتداء الجنسي على التحدث. كما ردد ملاحظاته السابقة لعام 2018، عندما صنف التحرش الجنسي على أنه حرام وخطأ الجاني: “ملابس النساء – مهما كانت – ليست ذريعة لمهاجمة خصوصيتها وحريتها وكرامتها”.
تتعارض هذه الكلمات مع عقود من المقابلات التلفزيونية والتصريحات الرسمية، حيث بذل أئمة الأزهر والمنظمات الأخرى جهودًا كبيرة لتبرير الاعتداء والتحرش الجنسي، وإلقاء اللوم على الضحايا بناءً على سلوكهن وملابسهن. الأزهر من أكبر القوى الأيديولوجية المسببة لاضطهاد النساء في مصر تاريخياً. لكن الرأي العام بين الأجيال الشابة من المصريين وصل إلى نقطة تحول لا يمكن حتى لهذه المؤسسات المتخلفة أن تتجاهله.
إن من هم على رأس الدولة المصرية يدركون تماماً التوازن الدقيق للقوى في المجتمع في الوقت الحاضر، والذي لا يعبر عن نفسه إلا من خلال القصور الذاتي. هذا يفسر استراتيجيتهم المتناقضة في كثير من الأحيان. فمن ناحية، يعتمدون على جهاز الدولة القمعي ويلعبون على التقاليد الثقافية الرجعية التي يغذيها الدين. من ناحية أخرى، لا يسعهم إلا التشدق بالكلام على الانتصارات التقدمية مثل مكافحة العنف الجنسي. من خلال القيام بذلك، فإنهم يهدفون إلى تحويل هذه الصراعات إلى قنوات يمكنهم إدارتها، والتي لا تهدد مصالح الطبقة السائدة.
النظام بأكمله يحتاج إلى التغيير
على الرغم من أن النشطاء في الكفاح ضد العنف الجنسي قد لعبوا دورًا معيناً في انتزاع بعض الإجراءات المترددة من النظام، إلا أننا بحاجة إلى أن نكون واضحين تماماً بشأن ما تمثله هذه التنازلات في الممارسة العملية.
لم يفعل تغيير قانون التحرش الجنسي لعام 2014 شيئاً لوقف التحرش في الشوارع. كما أنه لا يستخدم على نطاق واسع للقبض على مرتكبي العنف الجنسي من قبل ضباط الشرطة الذين يقفون ضد الضحايا، أو نظام قضائي مؤسس على الشريعة الإسلامية. تنتهي حوادث التحرش عموماً إلى عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق، حيث يعتمد الجناة على دعم كل من رجال الشرطة وشهود العيان.
حظي تعديل القانون لحماية هوية الضحايا بالثناء من الناشطات النسويات والناجيات البارزات من الاعتداء الجنسي. العديد من هؤلاء الناجيات هن شخصيات إعلامية تلقوا الإساءات والتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن أصبحت قضاياهن معروفة للجمهور. لكن يبقى أن نرى كيف ستعمل ميزة إخفاء الهوية هذه في الواقع مع معظم النساء المصريات، اللائي ينتمين إلى الطبقة العاملة أو من خلفيات فقيرة. كيف يمكنك أن تكوني مجهولة الهوية من أفراد عائلتك، الذين قد يصمونك ويعرضونك لمزيد من العنف؟ كيف يمكن لفتاة من فرشوط أن تبقى مجهولة الهوية في مسقط رأسها، والتي أجبرت بسبب ذلك على الركض، ملطخة بالدماء وجردت من ملابسها، للوصول إلى مركز الشرطة المحلي؟
والفكرة القائلة بأن المزيد من رجال الشرطة في الشوارع – سواء كانوا رجالاً أو إناثاً – يمثلون حاجزًا فعالاً أمام التحرش تبدو وكأنها مزحة قاسية لمعظم النساء المصريات. عندما لا يأتون للدفاع عن المتحرش، فإن ضباط الشرطة غالباً ما يتحرشون بأنفسهم. ومن الشائع أيضاً أن يقوم ضباط الشرطة الذكور بابتزاز النساء أو انتزاع رشاوى منهن في صورة خدمات جنسية. لكي لا ننسى، تبين أن العديد من أفراد العصابات التي نفذت اعتداءات جنسية منظمة على المتظاهرات في الحركة الثورية كانوا يحملون هويات جهاز أمن الدولة.
يجب أن نكون واضحين أن قوات الشرطة لمكافحة التحرش تشكل جزءًا من نفس الجهاز من نفس الدولة التي تم استخدامها ضد الجماهير المصرية أثناء الثورة. تُستخدم الشرطة بانتظام ضد الحركة النسائية وتحركات العمال والشباب المصريين في الشوارع اليوم، حيث تدافع عن مصالح الطبقة السائدة ضد أي تعبير ديمقراطي حقيقي من أسفل. لا تستطيع الجماهير المصرية، سواء كانت تحارب اضطهاد النساء أو تخوض نضالات أخرى، الاعتماد على المدافعين المسلحين عن النظام لحمايتها.
كما لا يمكنهم الاعتماد على البرلمان، الدمية التابعة للسيسي، في تنفيذ مطالبهم. في يناير 2021، حاول مجلس الوزراء اقتراح قانون جديد للأحوال الشخصية يترك القرار النهائي بشأن حق المرأة في الزواج والسفر إلى الخارج والولادة وتسوية الطلاق وحضانة أطفالها لـ «ولي أمرها» الذكر. وهذا يعكس المواقف الحقيقية تجاه اضطهاد المرأة التي تتبناها هؤلاء البرلمانيات. تم تأجيل مشروع القانون بسبب ردود الفعل الشعبية المناهضة له، مما دفع الرئيس السيسي نفسه إلى التدخل ليقترح أن الحكومة تريد “الاستماع إلى الجميع” قبل اتخاذ قرار بشأن القانون.
في غضون ذلك، غادر العديد من الرجال المتورطين في عمليات اغتصاب جماعي في الفنادق البلد، وبالتالي لن يحاكموا على أفعالهم. تؤوي المملكة المتحدة حالياً واحدًا منهم على الأقل، وما يزال واحدًا آخر رهن الاحتجاز في مصر.
يتحمل نشطاء حركة مناهضة التحرش مسؤولية زيادة الوعي بالعنف الجنسي في مثل هذه الحالة. لكن المشكلة ليست في “الوعي”. كما لا يمكن حل المشكلة العامة عن طريق زيادة المساعدة القانونية لضحايا العنف والاعتداء والمضايقات. هناك خمسون مليون امرأة وفتاة، غالبيتهن من خلفية فقيرة، يمرون بنفس الشيء بدرجة أو بأخرى في مصر.
عندما يتم الوصول إلى بعض هؤلاء النساء، بطريقة ما، غالباً ما تكون حملات وسائل التواصل الاجتماعي والاستشارات القانونية بدون فائدة عملية. وذلك قبل الأخذ في الاعتبار وجود نظام قانوني مصري مؤسس ضد النساء. يتغلغل اضطهاد النساء في جميع مجالات الحياة في مصر، من الأسرة المنزلية والروابط الأسرية، إلى المدرسة والمسجد والكنيسة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وأماكن العمل والشارع.
على أساس الرأسمالية، ستكون هناك دائماً طبقة سائدة مصرية لها استخدامات عديدة لاضطهاد النساء في الحفاظ على حكمها. إن حق الرجل في السيطرة على النساء أمر أساسي لمنع وحدة الجنسين على أساس طبقي، الأمر الذي من شأنه أن يهدد النظام القائم بشكل أساسي كما حدث أثناء الثورة المصرية.
ترفض الطبقة السائدة إنفاق الأموال على توفير المؤن الاجتماعية التي من شأنها أن تخفف عبء الأعمال المنزلية عن كاهل النساء. إنهم يفضلون أن تتعفن النساء في المنازل، معزولات عن الصراع الطبقي ومحكوم عليهن بالعبودية. قد يقولون بضع كلمات رائعة حول مكافحة التحرش الجنسي، لكنهم لن يعالجوا هذا الخطر الذي تتعرض له النساء في جميع أنحاء مصر من جذوره، لأنه جزء أساسي من نظامهم.
القوة في الصراع الطبقي
لا يمكن للنشطاء المناهضات/ين للتحرش، مهما كانت شجاعتهن/م، أن يغيروا المجتمع بشكل جذري بمفردهن/م. لإنهاء ما بدأ قبل عشر سنوات وتحويل مصر بشكل جذري لإرساء الأساس لتحول ثقافي حقيقي، يجب على أولئك الذين يناضلون من أجل تحرر النساء أن يناشدوا أقوى قوة في المجتمع: الرجال والنساء العاملون الذين بدونهم لا يستطيع المجتمع أن يعمل.
الطبقة العاملة، في معظمها، غائبة بشكل واضح عن حركة “#MeToo” المصرية. ومع ذلك، تعاني نساء الطبقة العاملة من اضطهاد مزدوج: باعتبارهن عاملات وكذلك نساء. كانت الطبقة العاملة هي التي شكلت العمود الفقري للثورة المصرية، والتي أدت إضراباتها الجماهيرية في النهاية إلى انهيار نظامي مبارك ومرسي. وقد كان مزيج المطالب الديمقراطية والاجتماعية هو الذي وحد الجماهير المصرية في النضال – رجالاً ونساءً، من شرائح الشباب من الطبقة الوسطى إلى جماهير الطبقة العاملة.
يجب أن ترتبط المطالب الديمقراطية بسلامة النساء والمساواة الكاملة أمام القانون بالمطالب الاجتماعية التي تنطبق على جميع العمال. كانت الثورة المصرية مليئة بأمثلة لا حصر لها من النساء الجريئات الصامدات اللائي لعبن الدور الحاسم في المعارك ضد الدولة وضد رؤسائهن.
كانت نساء شركة مصر للغزل والنسيج في المحلة هن من أطلقن تمرد 6 أبريل 2008، وهو ما ألهم الثورة. هن اللاتي طالبن رفاقهن الذكور بالانضمام إليهن في الإضراب. كانت النساء هن من حثثن على التظاهرات الجماهيرية في شوارع المدينة في الأيام الأولى للثورة، تحملن وطأة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي الذي أطلقته قوات الدولة عليهن.
لا يمكن كسب مطالبنا إلا من خلال أساليب النضال الجماعي والدفاع عن النفس التي طورتها الجماهير خلال الثورة، وليس من خلال أساليب الدولة الرأسمالية. يقع على عاتق قادة المنظمات العمالية مسؤولية تبني هذه الأساليب في النضال من أجل تحرر النساء وضد العنف الجنسي في الحركة العمالية. في الوقت الحالي، وصلت الحركة المناهضة للعنف الجنسي إلى طريق مسدود. بدون الاتصال بالطبقة العاملة، ليس لديها مكان آخر تذهب إليه.
هذا الصراع ليس فقط حول ما هو ممكن اليوم، ولكن ما هو ممكن غدًا. تعمقت التناقضات التي أدت إلى الثورة المصرية في السنوات التي تلت خروجها عن مسارها. ستعود حركة ثورية جماهيرية بنفس الحجم، وستكون مسألة اضطهاد النساء عاملاً في الحركة كما كانت من قبل. إن التجربة العملية للجماهير المصرية، من النساء اللواتي تغلبن على الاضطهاد الخانق للوقوف إلى جانب الرجال في النضال (وغالباً ما يمنحون القيادة للرجال)، علمتهم في ثمانية عشر يوماً أكثر من حياتهم في ظل شوفينية المجتمع الطبقي. لقد قاموا بشكل غريزي بالقضاء على المضايقات في حركتهم، وفي المقابل، تم استخدام المضايقات كسلاح مباشر من قبل الثورة المضادة المنظمة.
المهمة الآن هي بناء قيادة ثورية للعمال والشباب المتقدمين، والتي يمكنها أن تجعل الفهم الغريزي وشبه الواعي للجماهير واعياً: أن النضال ضد اضطهاد النساء مرتبط بالنضال الطبقي. فقط من خلال توفير بديل للرأسمالية وهزيمة الثورة المضادة بشكل حاسم، يمكننا أن نأمل في التخلص من جميع أشكال هذا الاضطهاد المنتمي إلى الماضي.
ديجان كوكيتش
08 مارس/آذار 2022
تعليق واحد
تعقيبات: مصر: كيف نقضي على العنف ضد النساء؟ – ديجان كوكيك | اُكْتُبْ كَيْ لَا تَكونَ وَحِيدًا