موقفنا من المسألة الأمازيغية

نعيد نشر موقفنا من المسألة الأمازيغية، الذي نشرناه ضمن وثيقة منظورات المغرب لسنة 2016، التي صودق عليها خلال المؤتمر الرابع لرابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي، المنعقد خلال أيام 21- 22 – 23 ابريل 2016.


الماركسيون أمميون حازمون، لا وطن لهم، ويغلبون دائما المصالح الأممية للطبقة العاملة على المصالح القومية الضيقة، شعارهم هو “يا عمال العالم اتحدوا!” وهدفهم النهائي هو بناء فدرالية اشتراكية عالمية. من يتبنى الماركسية عليه أن يفهم هذا، ومن يعادي الماركسية عليه أن يعاديها على هذا الأساس كذلك. لا مجال في الماركسية لضيق الأفق القومي ولا للعداء ضد القوميات الأخرى ولا للشوفينية. الماركسية أممية بالضرورة!

تصميم الرفيق ب . ب

لكن وبالرغم من ذلك (بل وبسبب ذلك بالذات) فإن الماركسيين يولون أهمية كبرى للمسألة القومية، ويضعون النضال ضد كل أشكال الاضطهاد القومي على رأس اهتماماتهم. ولا تناقض بين هذين الموقفين على الإطلاق! فلكي تنتشر مشاعر الإخاء بين صفوف عمال القوميات المختلفة، ويتم تجاوز الأحقاد وضيق الأفق القومي، لا بد من وحدة النضال ضد كل أشكال القهر القومي، مادية كانت أو معنوية، اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، الخ. أما إهمال المسألة القومية بحجة أن الماركسيين أمميون فهو خطأ جسيم يترك العمال فريسة لأعدائهم من المفكرين الشوفينيين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار.

وفي هذا المجال يتساوى خطر التركيز على الخلافات القومية والعرقية، واعتبارها الأساس، والدعوة إلى تقسيم صفوف الطبقة العاملة والشباب المناضل على أسس قومية، مع خطر إهمال وجود المسألة القومية جملة وتفصيلا، بحجة أنها شوفينية وليست أولوية الخ. لأن المجتمع، مثله مثل الطبيعة، لا يقبل الفراغ، فإذا ما تقاعسنا، نحن الماركسيين، عن تقديم الإجابة العلمية الثورية للجماهير عن المسألة، سنترك للبرجوازية، ومرتزقتها من مختلف الحركات البرجوازية الصغيرة والوصوليين والرجعيين، لكي يقدموا لها تصورات رجعية تخدم في آخر المطاف مصالح النظام القائم.

هذا ما يفسر الاهتمام الكبير الذي أعطاه المفكرون الماركسيون الكبار، وخاصة لينين، للمسألة القومية، مع نضالهم الحازم، في نفس الوقت، ضد أية محاولة لاستغلال المسألة لتشتيت صفوف الطبقة العاملة على أساس قومي.

عندما تشتد أزمة الرأسمالية ويبدأ الصراع الطبقي في الاحتداد، تميل البرجوازية إلى تقسيم صفوف الطبقة العاملة وعموم الكادحين على أسس خلافات قومية، سواء كانت موجودة فعلا أو مصطنعة. فبذلك تتمكن من إضعاف الجميع وهزيمتهم، الواحد تلو الآخر. والخطير في الأمر هو أن الطبقة السائدة لن تتردد في استعمال هذه الورقة، عندما ستندلع ضدها الحركة الثورية، ليس فقط لتقسيم صفوف الطبقة العاملة، بل وكذلك لتقسيم البلد نفسه.

كانت هذه دائما هي السياسة التي يتبعها النظام القائم في المغرب بوعي ودهاء كبيرين، وذلك منذ القدم. نذكر على سبيل المثال السلطان عبد الله بن إسماعيل (1757- 1694 م)، الذي صرح في حق القبائل المتمردة ضد ظلمه ونهبه: «إن هؤلاء القوم قد حادوا عن الدين وحل مالهم ودمهم لخروجهم عن الطاعة وشقهم عصا الجماعة وقد أعياني أمرهم وما عدت إلى هذا الأمر بعد خروجي منه إلا من أجلهم أردت أن أقابل هذا التيس الأسود يعني العبيد بهذا الكبش الأبيض يعني البربر وأستريح من غصة من هلك منهما وأتمسك بالآخر». (ابن خالد الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى – الجزء 03- التشديد من عندنا)

وما زال يستعملها حتى وقتنا الحالي، وسيستعملها ضد كل حراك ثوري في المستقبل، كما استعملها مؤخرا لتشتيت صفوف الكادحين والشباب الثوري الذين خرجوا للنضال ضده في إطار حركة عشرين فبراير. إذ في خطاب الملك 09 مارس 2011، وعد بدستور يتضمن الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية وما إلى ذلك، وهو الدستور الذي اعتبره عصيد آنذاك «يلبي 75% من مطالب الحركة الأمازيغية»، فتمكن النظام من ضم الكثير من الوصوليين إلى قافلته والتشويش على الكثير من الشباب الأمازيغ الثوريين النزيهين، الذين اعتقدوا في إمكانية تحقيق مكاسب حقيقية وجدية بواسطة الدساتير والقوانين.

مباشرة بعد ذلك الخطاب انسحبت من الشوارع الكثير من الحركات التي تزعم الدفاع عن الأمازيغ والأمازيغية بالمغرب، وتخلت عن النضال، بل والتفت صراحة حول شعارات النظام القائم.

أ- موقفنا

يزعم البعض أن الصراع القائم في المغرب صراع بين الأمازيغ والعرب، الأمازيغ في هذا الصراع مضطهَدون بينما العرب قومية مضطهِدة. وعليه لرفع الظلم عن الأمازيغ يتوجب طرد العرب أو، على الأقل، تحقيق المساواة معهم.

إننا نعتبر أن طرح المسألة القومية بالمغرب بهذه الطريقة خاطئ علميا، وليس سوى إسقاط ميكانيكي لمشاكل شعوب أخرى على المغرب، إما بفعل الجهل أو رغبة في خداع الجماهير وتقسيم صفوفها.

إن أغلب سكان المنطقة المغاربية هم أمازيغ، حتى هؤلاء الذين يتكلمون منهم بالعربية (الدارجة المعربة). لكن رغم ذلك لا يمكن أن ينسبوا إلى “عرق نقي” مزعوم أو إلى الشعوب الغازية للمنطقة عبر العصور (فينيقيين، رومان، وندال، عرب، الخ). أمازيغ انصهرت فيهم الكثير من الشعوب عبر التاريخ، انصهار لم يؤد إلى انقراض السكان الأصليين ولا إلى تحولهم إلى أقلية، مثلما يزعم البعض، كما لم يتركهم “عرقا صافيا” مثلما يزعم البعض، بل حصل تلاقح جدلي مع كل الوافدين عليهم منذ فجر التاريخ. ونحن المغاربة اليوم نتاج لذلك التاريخ.

ولم يكن العرب بدورهم سوى أحد تلك الشعوب التي انصهرت، بل كانت ربما أكثر الشعوب انصهارا إلى درجة الاختفاء. أما مسألة الحديث باللغة العربية بين بعض القبائل والسكان فلا تعني مطلقا أنهم لذلك عربا، لأن اللغة، وإن كانت مكونا من مكونات القومية فإنها ليست المكون الوحيد ولا هي المكون المحدد. إن حديث المواطن الجنوب إفريقي بالانجليزية لا يجعل منه انجليزيا، كما أن حديث الكندي بالفرنسية لا يجعله فرنسيا.

سكان المنطقة المغاربية هم أمازيغ، بعضهم تعرب خلال قرون طويلة، بفعل عدة عوامل، من أهمها أن الطبقة الحاكمة كانت، وما تزال، تستمد شرعيتها الإيديولوجية من الدين، والتفويض الإلهي (النسب الشريف)، واللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي، فعملت الأنظمة المتعاقبة على تعزيز هذه اللغة ونشر تعليمها بالقوة واللين، نظرا لأهميتها في تمرير الإيديولوجية السائدة.

فلنشر هنا إلى أن الكيانات والدول الأمازيغية (مثل قبيلة أوربة، المرابطون، الموحدون، الخ) هي بالذات التي نشرت اللغة العربية بالحديد والنار بين القبائل الأمازيغية، بل إن الموحدين كانوا هم من أتى ببعض القبائل العربية من شرق إمبراطوريتهم إلى منطقة سهل الغرب وساعدوهم على الاستيطان هناك.

كما أن تعلم اللغة العربية و”علوم” الدين، بنفس اللغة، شكل بالنسبة للكثير من الأمازيغ وسيلة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي والمكانة، أو حتى التسرب إلى صفوف النخبة الحاكمة. وقد أقبل الكثير من الأمازيغ على تعلم اللغة العربية لحاجتهم إليها في المعاملات التجارية ولفهم تعاليم الدين الإسلامي، الخ. بل وعمل الكثير منهم على تغيير نسبهم واختلقوا لأنفسهم شجرة نسب تصلهم بهذه القبيلة العربية أو تلك، لأسباب متعددة.

وعليه فإن الأمازيغ بالمغرب لا يشكلون قومية مضطهَدة من طرف قومية أخرى في وقتنا الحالي، كما أن السكان المعربين لا يشكلون قومية تمارس الاضطهاد. والطبقة السائدة ليست قومية سائدة، عربية، تضطهد قومية مسود عليها، أمازيغية. كما أن الأمازيغ في المغرب (وفي بقية البلدان المغاربية) ليسو أقلية، إنهم مجموع السكان، سواء كانوا مستعربين أو يتكلمون باللغة الأمازيغية.

لكن قولنا هذا لا يعني أن الأمازيغية لا تعاني من التهميش لغة وثقافة، إن النظام القائم يمارس فعلا تهميشا بشعا ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وهو ما يجب علينا أن نناضل ضده بكل حزم. إلا أن هذا الاضطهاد في جوهره ليس اضطهادا قوميا، تمارسه قومية ضد أخرى، بل هو اضطهاد طبقي يتمظهر على هذا الشكل. لأن النظام القائم لا يهمش كل أشكال الثقافة الأمازيغية، بل هو يهمش بالتحديد الجانب التقدمي منها ويقمعه ويحاربه، أما الجانب الرجعي فهو ينشره عبر قنواته الإعلامية وجمعياته ومهرجاناته وغير ذلك من الوسائل.

كما أن التحرر من ذلك التهميش لا يمكنه أن يكون تحررا “ثقافيا” بنضال “ثقافي” يدور حول مسائل اللغة والثقافة، بل هو جزء من النضال العام الذي تخوضه الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء وعموم الكادحين ضد هذا النظام في شموليته، من أجل الاشتراكية في بلدنا وكل منطقة المغرب الكبير.

ب- منظورنا

لحد الآن ما يزال صوت القوى الماركسية ضعيفا وغير مسموع بين صفوف الجماهير الشعبية، عكس صوت التيارات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة. لذلك فإنه من “الطبيعي” أن يستمر تلاعب هؤلاء الأعداء بورقة الأمازيغية لتحقيق مطامحهم وخدمة مصالحهم. كما أنه من “الطبيعي” أن يستمر سقوط الكثير من الشباب، خاصة أبناء المناطق المهمشة، في الريف والأطلس وسوس، إلخ، في براثن الحركات القومية. إلا أن تلك التيارات لا تمتلك أية إجابة حقيقية تقدمها لهؤلاء الشباب، ولا أي مشروع حقيقي قابل للتطبيق ويمثل حلا جذريا للواقع الذي يعيشونه.

سوف يستمر النظام في بث الفرقة بين صفوف الطبقة العاملة وعموم الفقراء باستغلال هذه الورقة. وهو ما يتضح في تلك الخرجات المحسوبة التي يقوم بها رموزه للتهجم على الأمازيغية والأمازيغ: جميعنا نتذكر سخرية بنكيران من حروف تيفيناغ، وسخريته من التجار الصغار المنحدرين من سوس واتهامهم بالبخل، وتصريح رئيس المجلس العلمي، بنحمزة، بأن اللغة الأمازيغية لغة الشيخات، واعتبار ذلك خطيب الجمعة بسلا أن منطقة الريف منطقة مهربي المخدرات وأن الزلزال عقاب لهم من الله. كل هذه الخرجات هدفها واحد هو خلق الوهم بأننا إزاء صراع قومي، وتسعير الأحقاد بين أبناء الطبقة الواحدة ليسهل تمرير المخططات الطبقية والقمع ضدهم.

من “الطبيعي” في ظل هذا الوضع أن تحقق تلك التيارات والحركات، التي تدعي الدفاع عن الأمازيغية، بعض الانتصارات وتكسب بعض قواعد الدعم، لكنها، عاجلا أو آجلا، سوف تنفضح، وعندما سيحتد الصراع الطبقي سوف تصطف بوضوح إلى جانب الطبقة السائدة على الطرف الآخر من المتراس. بينما سينتقل أفضل الشباب من بينهم إلى تبني المشروع الماركسي ويناضلون من أجل حل اشتراكي للمسألة الأمازيغية.

ليس صراعنا ضد الطبقة السائدة صراعا بين قوميات مختلفة، بل هو صراع طبقي واضح لا لبس فيه، وكل محاولاتها ومحاولات خدامها، سواء الواعين أو المخدوعين، لتصوير هذا الصراع بكونه صراعا قوميا يتراص خلاله عمال وبرجوازيو قومية عربية مضطهِدة ضد عمال وبورجوازيي قومية أمازيغية مضطهَدة، إنما هي محاولات لتشويه طبيعة الصراع وخداع الكادحين وإغراقهم في صراعات لا أساس لها.

وقد سبق لنا أن شرحنا في وثيقة إعلان المبادئ إننا نناضل من أجل الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ التي اغتصبت من طرف النظام الرأسمالي القائم بالمغرب. لكننا إذ نقوم بهذا نرفض كليا فكرة الفصل التنظيمي والسياسي بين صفوف الطبقات المضطهدة في المغرب على أساس لغوي أو ثقافي، الخ. ونقف إلى جانب الوحدة اللامشروطة للطبقة العاملة وندين أيضا كل استخدام للنضال من أجل الحقوق الثقافية للأمازيغ من طرف القوى البرجوازية الصغرى أو البرجوازية والرجعيين والمافيا. إن هؤلاء ليس لديهم من هدف سوى الضغط على الدولة للحصول (من الدولة المركزية) على حرية اكبر (حكم ذاتي..الخ) في استغلال واضطهاد الطبقة العاملة والفلاحين في المناطق الأمازيغية في مقابل ضمان الاستقرار الاجتماعي وتجديد الولاء للنظام.

إن القوى البرجوازية الصغيرة تستغل مسألة الثقافة الأمازيغية عادة من أجل الحصول على امتياز أو حظوة لدى الدولة. إن نظام محمد السادس واع جدا بهذا وباعتباره نظاما بونابارتيا جيدا فإنه يستغل هذه المسألة من أجل توسيع نقاط ارتكازه وبهذا إطالة أمد حياته. إن أي اضطهاد لغوي أو ثقافي يتعرض له جزء من الطبقات الكادحة هو، من وجهة نظر الماركسيين، اضطهاد للطبقات الكادحة كلها.

إن صراع الجماهير الكادحة بالمغرب، في المدن والبوادي، ضد الاستغلال والقهر والتهميش، هو صراع طبقي في حقيقته. وحتى الصراع من أجل تدريس اللغة الأمازيغية والدفاع عن الثقافة الأمازيغية هو جزء من الصراع الطبقي ضد الطبقة الرأسمالية الحاكمة، التي يستمد رئيس دولتها (الملك) “شرعية” حكمه من الدين و”النسب الشريف” وما إلى ذلك. لا يمكن القضاء على هذا إلا بالقضاء على تلك.

وحدها الاشتراكية من سيحقق للشعب المغربي وكل المنطقة المغاربية إمكانية الازدهار الاقتصادي والسياسي والثقافي، حيث سيصبح من الممكن استثمار ثروات المنطقة وطاقاتها المنتجة للقضاء على الفقر والجهل والتهميش وتوفير المستشفيات في كل قرية ومدينة والسكن لكل مشرد والعمل لكل معطل ومقعد دراسة لكل طفل…

إن المجتمع الاشتراكي سيخلق الشروط المادية والمعنوية لتحقيق تحرر حقيقي لثقافات جميع الشرائح والطبقات الكادحة وهو ما يعتبر تحقيقه مستحيلا في ظل المجتمع الرأسمالي.

رابطة العمل الشيوعي
أبريل 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *