منظورات المغرب لسنة 2016

رابطة العمل الشيوعي
أبريل 2016

صودق على هذه الوثيقة خلال المؤتمر الرابع لرابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي، المنعقد خلال أيام 21- 22 – 23 ابريل 2016، والتي صيغت من أجل تحديد معالم المنظورات والآفاق المحتملة لتطور الصراع الطبقي بالمغرب، من أجل تحديد سياسة المنظمة وتكتيكاتها خلال المرحلة المقبلة.

تمهيد:

في وثائقنا السابقة الخاصة بالمنظورات كنا مجبرين على تقديم الكثير من الأرقام المفصلة حول الوضعية الاقتصادية من أجل تفنيد مزاعم المسؤولين الحكوميين والخبراء الاقتصاديين وكل تلك الجوقة من المرتزقة حول أن المغرب بمنأى عن الأزمة الاقتصادية العالمية، أما الآن فلم نعد مضطرين لذلك، فحتى “الخبراء الإستراتيجيون” أنفسهم استوعبوا عمق الأزمة، مما يعني أنه لم يعد هناك أحد لم يستوعب هذه الحقيقة.

لذا فسوف نتلافى في هذه الورقة تقديم الكثير من الأرقام، إلا عندما تكون ضرورية، والتركيز بالأساس على التحليل السياسي واستخلاص الاتجاهات الممكنة للأحداث.

هدف هذه الوثيقة تحليل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الحالي بالمغرب، ورسم الاتجاهات الأكثر احتمالا لتطوره، وتحديد موقفنا وتكتيكات تدخلنا فيها. وهي وثيقة لا يمكن فصلها عن وثيقة المنظورات العالمية التي تقدم تصورا شاملا للوضع العالمي.

1- النمو

يتوقع المركز المغربي للظرفية تراجعا قويا للنمو الاقتصادي بالمغرب في العام الحالي (2016)، حيث لن يتجاوز 1,2% من الناتج الداخلي العام، ما يعني تراجعا ب3,7% قياسا ب 2015.

201420152016
%0,21,5%1,9%

الجدول رقم: 01 تطور معدل التضخم

وقد توقع أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، في الندوة الصحفية التي عقدها بالبيضاء، يوم 27 يناير 2016، تراجع النمو الاقتصادي سنة 2016 إلى %1,3 مقابل%4,4 السنة الماضية، كما توقع انخفاض القيمة المضافة للقطاع الأولي ب 10,2% سنة 2016، مع وتيرة نمو ضعيفة للأنشطة غير الفلاحية وارتفاع لمعدل التضخم وصفه ب “الطفيف”، والذي ليس طفيفا على الإطلاق حتى ولو اعتبرنا سنة 2014 أساس المقارنة دون العودة إلى سنوات أقدم، كما يوضح الجدول (01) :

201420152016
78,2%80,4%82,5%

الجدول رقم: 02: تطور معدل الدين العمومي الإجمالي بالنسبة للناتج الداخلي الخام

كما أكد ارتفاع معدل الدين العمومي الإجمالي بالنسبة للناتج الداخلي الخام، وقدم الأرقام المتضمنة في الجدول (02) التالي:

وأشار إلى ارتفاع معدل الدين للخزينة وفق ما يوضحه الجدول (03) أدناه:

201420152016
63,4%64,2%65%

الجدول رقم: 03 تطور ارتفاع معدل الدين للخزينة

“بقعة الضوء” الوحيدة في النفق الذي يوجد فيه اقتصاد الطبقة الحاكمة هو تراجع عجز الميزان التجاري، حيث تراجع إلى 4,4% من الناتج الداخلي الخام. لكن هذا التراجع لا يعود إلى إنجازات فعلية للاقتصاد المغربي، بل فقط إلى تراجع قيمة الطاقة والمواد الخام في السوق الدولية، وبالتالي فإنه يقوم على أساس عوامل لا يمكن التحكم فيها. وهكذا فإن الضوء، الذي يبدو وكأنه نهاية النفق، هو في الواقع ضوء قطار سريع قادم، ولحظة الاصطدام آتية لا محالة.

وكأن كل هذا لا يكفي، يضيف الحليمي المزيد من الأخبار المفجعة، حيث يقول: «حسب توقعاتنا لسنة 2016 سيكون النمو 1,3% […] وفي ظل هذه الظروف سيسجل الطلب الداخلي تباطؤا ملحوظا. ستتراجع مصاريف استهلاك الأسر ب 2,9%، وهي التي تعتبر أضعف وتيرة تم تسجيلها خلال الثماني سنوات الأخيرة». ولا ينسى أن يشرح أن الطلب الداخلي هو «الذي يشكل محرك نمو الأنشطة غير الفلاحية». وهو ما يعني أن “المحرك” معطل.

هذا في نفس الوقت الذي أكد فيه المركز المغربي للظرفية أن طلب الأسواق الخارجية لا يمكن أن يلعب سوى دور محدود في الدفع بدورة الإنتاج، على اعتبار أن آفاق النمو على الصعيد الدولي تظل متواضعة. وهو التوقع الذي تؤكده الأرقام والمعطيات التي تعلن عنها الدوائر المسؤولة في البلدان التي تعتبر أهم زبائن المغرب (فرنسا، اسبانيا، الخ).

وهكذا فإن الآفاق مكفهرة أمام الاقتصاد المغربي. وعليه فإن الطبقة السائدة سوف تستمر في الهجوم على الطبقة العاملة وشروط عملها وعيشها، سوف تواصل الطبقة الحاكمة، وبغض النظر عن شكل الحكومة التي ستأتي بعد انتخابات أكتوبر القادم، تطبيق الإجراءات التقشفية وضرب كل المكاسب (الهزيلة أصلا) التي تحققت بسنوات من الكفاح.

لكن التقشف على الفقراء لا يعني بتاتا التقشف على الأغنياء. فالحكومة لا تتوانى نهائيا عن تقديم التسهيلات السمينة للرأسماليين، سواء فيما يتعلق بالضرائب، بما في ذلك على استيراد السلع الكمالية، أو العفو عن مهربي الأموال ولصوص المال العام، الخ.

إن عمق الأزمة يجعل الطبقة الرأسمالية الحاكمة بالمغرب تستهدف حتى الحد الأدنى الأساسي من الشروط الضرورية لبقاء أبناء العمال والفلاحين وعموم الفقراء، بما فيها الغذاء والعمل، ناهيك عن التعليم العمومي والصحة، الخ. وهو ما يظهر جليا منذ الآن في ظل الحكومة الإسلامية (ضرب صندوق المقاصة، تحرير أسعار الكثير من السلع بما فيها البنزين، رفع قيمة الضرائب على المواد الاستهلاكية الأساسية، العزم على إكمال جريمة خوصصة قطاعي التعليم والصحة، الخ).

كل تلك الإجراءات وغيرها غير قادرة على حل الأزمة الحالية. ما الذي حققته سنوات التقشف منذ 2008، في العالم ومحليا؟ لا شيء و فالأزمة ما تزال متواصلة، ولا أفق في الأفق. لقد دخلنا مرحلة طويلة، لا تمثل فيها سياسة التقشف مجرد إجراءات استثنائية، بل تمثل السياسة “العادية” لكل الحكومات البرجوازية (“يسارية” كانت أو يمينية).

لكن الطبقة العاملة لن تقف مكتوفة الأيدي، ولا الشباب المعطل والطلاب، أبناء الفقراء والكادحين، سيقبلون بتجريدهم من مكتسباتهم، بل ومن إنسانيتهم أيضا، بدون خوض معارك شرسة للدفاع عن أنفسهم ضد البطالة والجهل والمرض والبؤس، وغيرها من مظاهر الهمجية التي تريد الطبقة الحاكمة أن تحكم عليهم بها.

في وثائق منظوراتنا السابقة كنا نتحدث عن أننا سوف ندخل مرحلة احتداد النضالات الطبقية، أما الآن فإننا نقول بثقة إننا قد دخلنا بالفعل تلك المرحلة. وهذه الحقيقة صارت أكثر وضوحا من أن نضطر إلى تقديم الأدلة عليها. وزارة الداخلية تتحدث عن أن المغرب يعيش على وقع ما بين 50 و60 وقفة احتجاجية في اليوم الواحد، أليس هذا مؤشرا واضحا كفاية؟

2- المرأة

إن وضع المرأة في أي مجتمع هو أفضل مؤشر عن مدى تطور ذلك المجتمع أو تخلفه، ووضع المرأة في المغرب مؤشر واضح عن مدى التخلف الشامل الذي يعيشه في ظل النظام القائم.

المغرب اليوم (حسب دراسة أجرتها مؤسسة “تومسون رويترز”) ثامن أسوء مكان يمكن للمرأة أن تعيش فيه، من بين 22 بلدا بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط (ما يسمى بالعالم العربي)، أي خلف الجزائر وتونس والأردن وحتى جزر القمر. ولم يتقدم إلا أمام السعودية المغرقة في التخلف والبلدان التي تعرف الحروب والتوترات مثل اليمن وليبيا والسودان والعراق، الخ.

هناك الكثير من المؤشرات التي يمكننا أن نقدمها لتوضيح هذه الخلاصة لكن ولضيق المجال سنكتفي ببعض الأرقام الخاصة بالوفيات أثناء الوضع والأمية والبطالة، على سبيل المثال لا الحصر.

المغربكوباسورياتونسالعراقفلسطين الضفة والقطاع
20111444352665152
20121374156645150
20131314160645048
20141264064635047
20151213968625045

جدول يوضح عدد وفيات النساء أثناء الوضع لكل 100 ألف ولادة بالمغرب مع مقارنة ببعض البلدان الأخرى:
المصدر: البنك الدولي

تقدم لنا الأرقام أعلاه صورة واضحة عن حجم الجريمة المرتكبة في حق النساء بالمغرب، حيث غياب الرعاية الصحية والمستشفيات والأطر الكافية ما زال يقتلهن عندما يكن بصدد إعطاء الحياة. سلامتهن الجسدية وأرواحهن ما تزال مهددة بسبب الإهمال الإجرامي للطبقة السائدة في حقهن.

اليوم وبعد ستين سنة على ما يدعونه بالاستقلال ما تزال 121 امرأة، من أصل 100 ألف، تموت أثناء الوضع، خاصة منهن القرويات، حيث تموت امرأة قروية كل يوم بسبب المضاعفات المرتبطة بالولادة.

هذه جريمة بكل المقاييس، في بلد يعتبر الأول عالميا في تصدير الفوسفاط وثالث مصدر للذهب وعاشر مصدر للفضة، ناهيك عن الكوبالت وغيره من الثروات الأخرى الكثيرة. جريمة خاصة إذا قارنا بلدنا بما هو محقق في بلدان أخرى ممزقة بالحروب مثل العراق وسوريا أو تحت الاحتلال مثل فلسطين أو تحت حصار خانق دام عقودا طويلة مثل كوبا (انظر الجدول أعلاه).

كما تعاني المرأة المغربية، وخاصة الشابات، من استفحال ظاهرة البطالة، والتي صارت بطالة جماهيرية كثيفة دائمة أو طويلة الأمد. وفيما يلي معدل البطالة بين النساء حسب الفئات العمرية، وفق الإحصاءات الرسمية لسنة 2014:

  • من 15 إلى 24 سنة: 19,1% من النساء معطلات عن العمل (46,8% في المدن و4,3% في القرى).
  • من 25 إلى 34 سنة: 17% معطلات (30,8% في المدن و2,1% في القرى)
  • من 35 إلى 44 سنة: 7% معطلات (13,5% في المدن و1,2% في القرى).
  • 45+ سنة: 2,1% هو مجموع نسبة البطالة بين النساء (5% في المدن و0,5% في القرى).

وبطبيعة الحال لا تعكس هذه الأرقام وبالرغم من بشاعتها، حقيقة الواقع الذي تعيشه المرأة المغربية، وحجم الجريمة والهدر الرهيب للطاقات المنتجة والإبداعية للمرأة العاملة المغربية، إذ أن هذه الأرقام تخفي أكثر مما تفضح. فالقائمون بالإحصاءات يعتبرون كل من توقفت عن البحث عن عمل (بسبب اليأس من إمكانية إيجاد عمل) خارج التصنيف، كما يعتبرون أن كل من تشتغل في مهن البؤس كخدمة البيوت والأعمال الهامشية والحرف البسيطة بأجور الجوع، عاملات وخارج تصنيف البطالة، الخ.

ولا توضح لنا هذه الأرقام كذلك ما تتعرض له تلك النساء “العاملات” من استغلال وحشي في مصانع النسيج والتصبير والمزارع المغطاة، الخ.

تركز النسوانيات على “العنف الذكوري” وتطالبن بالمساواة بين الرجل والمرأة في الوصول إلى مناصب المسؤولية في الحكومة والبرلمان وإدارات المؤسسات الكبرى، إنهن بذلك يعملن على طمس حقيقة الصراع كما يحولن قضية المرأة إلى ورقة مساومة من أجل الحصول على مكاسب أنانية وصولية لأنفسهن على حساب الأغلبية الساحقة من النساء المقهورات.

طبعا لا ننفي وجود عنف الرجل ضد المرأة في البيت والشارع، الخ. وقد كشفت “فيدرالية رابطة حقوق النساء” في تقرير أصدرته مؤخرا، أنه تم تسجيل ما يزيد عن 36 ألف حالة اعتداء على النساء في الفترة الممتدة ما بين 2011 و2015، وصل في بعض الأحيان إلى «القتل أو الانتحار بسبب العنف واليأس وغياب آليات الوقاية والحماية والوصول إلى العدالة» وهذا رقم مهول. لكن جذوره الحقيقية ليست موجودة في طبيعة متأصلة في الرجل، بل في طبيعة المجتمع القائم والعلاقات الاجتماعية وفكر الطبقة السائدة.

إن عدو المرأة العاملة والفلاحة وربات البيوت المنتميات إلى الطبقة الكادحة، ليس هو الرجل العامل والفقير، عدوهن الحقيقي هو المجتمع الرأسمالي والدولة البرجوازية وسياسة التفقير والتقشف والاستغلال التي تنفذها لخدمة الطبقة الرأسمالية (برجالها نسائها).

ليس لنساء الطبقة الكادحة أية علاقة ولا مصالح مشتركة مع نساء الطبقة الرأسمالية، ولهن علاقة مصالح طبقية وثيقة برفاقهن الرجال العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين. هذا هو الخط الفاصل الذي يجب أن نرسمه بوضوح وحزم لكي نمنع اختلاط الرايات ونحول دون السقوط في فخ التعاون الطبقي الذي تنصبه نساء الطبقة السائدة وخادماتهن من النسوانيات الوصوليات اللائي جعلن من قضية المرأة سلما للارتقاء الاجتماعي وتحقيق مكاسب أنانية لأنفسهن.

إننا نناضل من أجل كل أنواع التحسينات في ظروف عيش وعمل الطبقة العاملة عموما، ونساء الطبقة العاملة خصوصا، بما في ذلك الإصلاحات القانونية، مهما كانت بسيطة، لكننا لا نجعل منها سقفا لنا، ونناضل بحزم ضد نشر الأوهام حول إمكانية تحقيق المرأة للمساواة الفعلية في ظل الرأسمالية ومن خلال تغيير القوانين والدساتير وغيرها من الإجراءات المشابهة.

إن النظام الطبقي عموما (والرأسمالي في عصرنا) هو سبب الوضع المأساوي الذي تعيشه النساء الفقيرات الكادحات. ولن تتحرر النساء فعليا إلا بالنضال من أجل إسقاط هذا النظام الظالم وبناء نظام جديد عادل، نظام يقوم على التسيير الديمقراطي لكل ثروات المجتمع لصالح كل أفراد المجتمع (نساء ورجالا): النظام الاشتراكي.

في ظل النظام الاشتراكي وحده سيصير من الممكن تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال، ليس على صعيد القوانين والكلمات فقط، بل في الواقع المعاش في المعامل والأحياء والمدارس والجامعات، الخ. في ظل المجتمع الاشتراكي وحده سيصير من الممكن القضاء على البطالة وتقسيم ساعات العمل المتوفرة اجتماعيا بين نساء ورجال المجتمع كله، وتعميم التعليم في كل مدينة وقرية وبناء ما يكفي من الحضانات ورياض الأطفال والمصابن العمومية والمطاعم العمومية، في كل مدينة وبلدة وقرية، بجودة عالية، مجانية أو بأثمنة في متناول نساء ورجال الطبقة العاملة، مما سيحقق فعلا تخلص المرأة، والرجل كذلك، من العمل البيتي العبودي غير المؤدى عنه، ليصير عملا اجتماعيا مدفوع الأجر. مما سيمكن النساء من المشاركة الفعلية في الإنتاج والثقافة والسياسة والحياة العامة، والمساواة مع رفاقهن الرجال.

إن منظورنا يقوم على أن النساء الكادحات سوف يستمررن في مقدمة الكفاح ضد الغلاء والتهميش ومن أجل البنية التحتية، الخ. كما ستستمر حاملات الشواهد في مقدمة النضال من أجل الشغل وستستمر الطالبات في النضال من أجل حقوقهن في التعليم، الخ. ومن بين تلك المناضلات علينا أن نكتسب قادة الكفاح من أجل بناء القيادة الثورية والنضال من أجل الاشتراكية في المغرب.

إن تحرر النساء رهين بالاشتراكية، والاشتراكية رهينة بنضال النساء من أجل تحررهن. بدون مساهمة النساء الفعلية في النضال من أجل الاشتراكية ستبقى الاشتراكية حلما بعيد المنال، إذ لا يمكن تصور إمكانية انتصار النضال من أجل الاشتراكية دون نضال نصف قوات الطبقة العاملة، وأكثرها اضطهادا وكفاحية، من أجلها. هذه هي القناعة التي تجعلنا نبذل كل جهدنا لنشر الوعي بين صفوف النساء وكسب أفضل المكافحات من بين صفوفهن إلى تنظيمنا. ولهذا نتوجه إليهن بالنداء لكي يلتحقن بنا ويحتلن مكانهن الطبيعي، إلى جانب رفاقهن، في قيادة النضال من أجل بناء الحزب لثوري والنضال من أجل الاشتراكية.

3- المسألة الأمازيغية

الماركسيون أمميون حازمون، لا وطن لهم، ويغلبون دائما المصالح الأممية للطبقة العاملة على المصالح القومية الضيقة، شعارهم هو “يا عمال العالم اتحدوا!” وهدفهم النهائي هو بناء فدرالية اشتراكية عالمية. من يتبنى الماركسية عليه أن يفهم هذا، ومن يعادي الماركسية عليه أن يعاديها على هذا الأساس كذلك. لا مجال في الماركسية لضيق الأفق القومي ولا للعداء ضد القوميات الأخرى ولا للشوفينية. الماركسية أممية بالضرورة!

لكن وبالرغم من ذلك (بل وبسبب ذلك بالذات) فإن الماركسيين يولون أهمية كبرى للمسألة القومية، ويضعون النضال ضد كل أشكال الاضطهاد القومي على رأس اهتماماتهم. ولا تناقض بين هذين الموقفين على الإطلاق! فلكي تنتشر مشاعر الإخاء بين صفوف عمال القوميات المختلفة، ويتم تجاوز الأحقاد وضيق الأفق القومي، لا بد من وحدة النضال ضد كل أشكال القهر القومي، مادية كانت أو معنوية، اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، الخ. أما إهمال المسألة القومية بحجة أن الماركسيين أمميون فهو خطأ جسيم يترك العمال فريسة لأعدائهم من المفكرين الشوفينيين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار.

وفي هذا المجال يتساوى خطر التركيز على الخلافات القومية والعرقية، واعتبارها الأساس، والدعوة إلى تقسيم صفوف الطبقة العاملة والشباب المناضل على أسس قومية، مع خطر إهمال وجود المسألة القومية جملة وتفصيلا، بحجة أنها شوفينية وليست أولوية الخ. لأن المجتمع، مثله مثل الطبيعة، لا يقبل الفراغ، فإذا ما تقاعسنا، نحن الماركسيين، عن تقديم الإجابة العلمية الثورية للجماهير عن المسألة، سنترك للبرجوازية، ومرتزقتها من مختلف الحركات البرجوازية الصغيرة والوصوليين والرجعيين، لكي يقدموا لها تصورات رجعية تخدم في آخر المطاف مصالح النظام القائم.

هذا ما يفسر الاهتمام الكبير الذي أعطاه المفكرون الماركسيون الكبار، وخاصة لينين، للمسألة القومية، مع نضالهم الحازم، في نفس الوقت، ضد أية محاولة لاستغلال المسألة لتشتيت صفوف الطبقة العاملة على أساس قومي.

عندما تشتد أزمة الرأسمالية ويبدأ الصراع الطبقي في الاحتداد، تميل البرجوازية إلى تقسيم صفوف الطبقة العاملة وعموم الكادحين على أسس خلافات قومية، سواء كانت موجودة فعلا أو مصطنعة. فبذلك تتمكن من إضعاف الجميع وهزيمتهم، الواحد تلو الآخر. والخطير في الأمر هو أن الطبقة السائدة لن تتردد في استعمال هذه الورقة، عندما ستندلع ضدها الحركة الثورية، ليس فقط لتقسيم صفوف الطبقة العاملة، بل وكذلك لتقسيم البلد نفسه.

كانت هذه دائما هي السياسة التي يتبعها النظام القائم في المغرب بوعي ودهاء كبيرين، وذلك منذ القدم. نذكر على سبيل المثال السلطان عبد الله بن إسماعيل (1757- 1694 م)، الذي صرح في حق القبائل المتمردة ضد ظلمه ونهبه: «إن هؤلاء القوم قد حادوا عن الدين وحل مالهم ودمهم لخروجهم عن الطاعة وشقهم عصا الجماعة وقد أعياني أمرهم وما عدت إلى هذا الأمر بعد خروجي منه إلا من أجلهم أردت أن أقابل هذا التيس الأسود يعني العبيد بهذا الكبش الأبيض يعني البربر وأستريح من غصة من هلك منهما وأتمسك بالآخر». (ابن خالد الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى – الجزء 03- التشديد من عندنا)

وما زال يستعملها حتى وقتنا الحالي، وسيستعملها ضد كل حراك ثوري في المستقبل، كما استعملها مؤخرا لتشتيت صفوف الكادحين والشباب الثوري الذين خرجوا للنضال ضده في إطار حركة عشرين فبراير. إذ في خطاب الملك 09 مارس 2011، وعد بدستور يتضمن الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية وما إلى ذلك، وهو الدستور الذي اعتبره عصيد آنذاك «يلبي 75% من مطالب الحركة الأمازيغية»، فتمكن النظام من ضم الكثير من الوصوليين إلى قافلته والتشويش على الكثير من الشباب الأمازيغ الثوريين النزيهين، الذين اعتقدوا في إمكانية تحقيق مكاسب حقيقية وجدية بواسطة الدساتير والقوانين.

مباشرة بعد ذلك الخطاب انسحبت من الشوارع الكثير من الحركات التي تزعم الدفاع عن الأمازيغ والأمازيغية بالمغرب، وتخلت عن النضال، بل والتفت صراحة حول شعارات النظام القائم.

أ- موقفنا

يزعم البعض أن الصراع القائم في المغرب صراع بين الأمازيغ والعرب، الأمازيغ في هذا الصراع مضطهَدون بينما العرب قومية مضطهِدة. وعليه لرفع الظلم عن الأمازيغ يتوجب طرد العرب أو، على الأقل، تحقيق المساواة معهم.

إننا نعتبر أن طرح المسألة القومية بالمغرب بهذه الطريقة خاطئ علميا، وليس سوى إسقاط ميكانيكي لمشاكل شعوب أخرى على المغرب، إما بفعل الجهل أو رغبة في خداع الجماهير وتقسيم صفوفها.

إن أغلب سكان المنطقة المغاربية هم أمازيغ، حتى هؤلاء الذين يتكلمون منهم بالعربية (الدارجة المعربة). لكن رغم ذلك لا يمكن أن ينسبوا إلى “عرق نقي” مزعوم أو إلى الشعوب الغازية للمنطقة عبر العصور (فينيقيين، رومان، وندال، عرب، الخ). أمازيغ انصهرت فيهم الكثير من الشعوب عبر التاريخ، انصهار لم يؤد إلى انقراض السكان الأصليين ولا إلى تحولهم إلى أقلية، مثلما يزعم البعض، كما لم يتركهم “عرقا صافيا” مثلما يزعم البعض، بل حصل تلاقح جدلي مع كل الوافدين عليهم منذ فجر التاريخ. ونحن المغاربة اليوم نتاج لذلك التاريخ.

ولم يكن العرب بدورهم سوى أحد تلك الشعوب التي انصهرت، بل كانت ربما أكثر الشعوب انصهارا إلى درجة الاختفاء. أما مسألة الحديث باللغة العربية بين بعض القبائل والسكان فلا تعني مطلقا أنهم لذلك عربا، لأن اللغة، وإن كانت مكونا من مكونات القومية فإنها ليست المكون الوحيد ولا هي المكون المحدد. إن حديث المواطن الجنوب إفريقي بالانجليزية لا يجعل منه انجليزيا، كما أن حديث الكندي بالفرنسية لا يجعله فرنسيا.

سكان المنطقة المغاربية هم أمازيغ، بعضهم تعرب خلال قرون طويلة، بفعل عدة عوامل، من أهمها أن الطبقة الحاكمة كانت، وما تزال، تستمد شرعيتها الإيديولوجية من الدين، والتفويض الإلهي (النسب الشريف)، واللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي، فعملت الأنظمة المتعاقبة على تعزيز هذه اللغة ونشر تعليمها بالقوة واللين، نظرا لأهميتها في تمرير الإيديولوجية السائدة.

فلنشر هنا إلى أن الكيانات والدول الأمازيغية (مثل قبيلة أوربة، المرابطون، الموحدون، الخ) هي بالذات التي نشرت اللغة العربية بالحديد والنار بين القبائل الأمازيغية، بل إن الموحدين كانوا هم من أتى ببعض القبائل العربية من شرق إمبراطوريتهم إلى منطقة سهل الغرب وساعدوهم على الاستيطان هناك.

كما أن تعلم اللغة العربية و”علوم” الدين، بنفس اللغة، شكل بالنسبة للكثير من الأمازيغ وسيلة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي والمكانة، أو حتى التسرب إلى صفوف النخبة الحاكمة. وقد أقبل الكثير من الأمازيغ على تعلم اللغة العربية لحاجتهم إليها في المعاملات التجارية ولفهم تعاليم الدين الإسلامي، الخ. بل وعمل الكثير منهم على تغيير نسبهم واختلقوا لأنفسهم شجرة نسب تصلهم بهذه القبيلة العربية أو تلك، لأسباب متعددة.

وعليه فإن الأمازيغ بالمغرب لا يشكلون قومية مضطهَدة من طرف قومية أخرى في وقتنا الحالي، كما أن السكان المعربين لا يشكلون قومية تمارس الاضطهاد. والطبقة السائدة ليست قومية سائدة، عربية، تضطهد قومية مسود عليها، أمازيغية. كما أن الأمازيغ في المغرب (وفي بقية البلدان المغاربية) ليسو أقلية، إنهم مجموع السكان، سواء كانوا مستعربين أو يتكلمون باللغة الأمازيغية.

لكن قولنا هذا لا يعني أن الأمازيغية لا تعاني من التهميش لغة وثقافة، إن النظام القائم يمارس فعلا تهميشا بشعا ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وهو ما يجب علينا أن نناضل ضده بكل حزم. إلا أن هذا الاضطهاد في جوهره ليس اضطهادا قوميا، تمارسه قومية ضد أخرى، بل هو اضطهاد طبقي يتمظهر على هذا الشكل. لأن النظام القائم لا يهمش كل أشكال الثقافة الأمازيغية، بل هو يهمش بالتحديد الجانب التقدمي منها ويقمعه ويحاربه، أما الجانب الرجعي فهو ينشره عبر قنواته الإعلامية وجمعياته ومهرجاناته وغير ذلك من الوسائل.

كما أن التحرر من ذلك التهميش لا يمكنه أن يكون تحررا “ثقافيا” بنضال “ثقافي” يدور حول مسائل اللغة والثقافة، بل هو جزء من النضال العام الذي تخوضه الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء وعموم الكادحين ضد هذا النظام في شموليته، من أجل الاشتراكية في بلدنا وكل منطقة المغرب الكبير.

ب- منظورنا

لحد الآن ما يزال صوت القوى الماركسية ضعيفا وغير مسموع بين صفوف الجماهير الشعبية، عكس صوت التيارات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة. لذلك فإنه من “الطبيعي” أن يستمر تلاعب هؤلاء الأعداء بورقة الأمازيغية لتحقيق مطامحهم وخدمة مصالحهم. كما أنه من “الطبيعي” أن يستمر سقوط الكثير من الشباب، خاصة أبناء المناطق المهمشة، في الريف والأطلس وسوس، إلخ، في براثن الحركات القومية. إلا أن تلك التيارات لا تمتلك أية إجابة حقيقية تقدمها لهؤلاء الشباب، ولا أي مشروع حقيقي قابل للتطبيق ويمثل حلا جذريا للواقع الذي يعيشونه.

سوف يستمر النظام في بث الفرقة بين صفوف الطبقة العاملة وعموم الفقراء باستغلال هذه الورقة. وهو ما يتضح في تلك الخرجات المحسوبة التي يقوم بها رموزه للتهجم على الأمازيغية والأمازيغ: جميعنا نتذكر سخرية بنكيران من حروف تيفيناغ، وسخريته من التجار الصغار المنحدرين من سوس واتهامهم بالبخل، وتصريح رئيس المجلس العلمي، بنحمزة، بأن اللغة الأمازيغية لغة الشيخات، واعتبار ذلك خطيب الجمعة بسلا أن منطقة الريف منطقة مهربي المخدرات وأن الزلزال عقاب لهم من الله. كل هذه الخرجات هدفها واحد هو خلق الوهم بأننا إزاء صراع قومي، وتسعير الأحقاد بين أبناء الطبقة الواحدة ليسهل تمرير المخططات الطبقية والقمع ضدهم.

من “الطبيعي” في ظل هذا الوضع أن تحقق تلك التيارات والحركات، التي تدعي الدفاع عن الأمازيغية، بعض الانتصارات وتكسب بعض قواعد الدعم، لكنها، عاجلا أو آجلا، سوف تنفضح، وعندما سيحتد الصراع الطبقي سوف تصطف بوضوح إلى جانب الطبقة السائدة على الطرف الآخر من المتراس. بينما سينتقل أفضل الشباب من بينهم إلى تبني المشروع الماركسي ويناضلون من أجل حل اشتراكي للمسألة الأمازيغية.

ليس صراعنا ضد الطبقة السائدة صراعا بين قوميات مختلفة، بل هو صراع طبقي واضح لا لبس فيه، وكل محاولاتها ومحاولات خدامها، سواء الواعين أو المخدوعين، لتصوير هذا الصراع بكونه صراعا قوميا يتراص خلاله عمال وبرجوازيو قومية عربية مضطهِدة ضد عمال وبورجوازيي قومية أمازيغية مضطهَدة، إنما هي محاولات لتشويه طبيعة الصراع وخداع الكادحين وإغراقهم في صراعات لا أساس لها.

وقد سبق لنا أن شرحنا في وثيقة إعلان المبادئ إننا نناضل من أجل الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ التي اغتصبت من طرف النظام الرأسمالي القائم بالمغرب. لكننا إذ نقوم بهذا نرفض كليا فكرة الفصل التنظيمي والسياسي بين صفوف الطبقات المضطهدة في المغرب على أساس لغوي أو ثقافي، الخ. ونقف إلى جانب الوحدة اللامشروطة للطبقة العاملة وندين أيضا كل استخدام للنضال من أجل الحقوق الثقافية للأمازيغ من طرف القوى البرجوازية الصغرى أو البرجوازية والرجعيين والمافيا. إن هؤلاء ليس لديهم من هدف سوى الضغط على الدولة للحصول (من الدولة المركزية) على حرية اكبر (حكم ذاتي..الخ) في استغلال واضطهاد الطبقة العاملة والفلاحين في المناطق الأمازيغية في مقابل ضمان الاستقرار الاجتماعي وتجديد الولاء للنظام.

إن القوى البرجوازية الصغيرة تستغل مسألة الثقافة الأمازيغية عادة من أجل الحصول على امتياز أو حظوة لدى الدولة. إن نظام محمد السادس واع جدا بهذا وباعتباره نظاما بونابارتيا جيدا فإنه يستغل هذه المسألة من أجل توسيع نقاط ارتكازه وبهذا إطالة أمد حياته. إن أي اضطهاد لغوي أو ثقافي يتعرض له جزء من الطبقات الكادحة هو، من وجهة نظر الماركسيين، اضطهاد للطبقات الكادحة كلها.

إن صراع الجماهير الكادحة بالمغرب، في المدن والبوادي، ضد الاستغلال والقهر والتهميش، هو صراع طبقي في حقيقته. وحتى الصراع من أجل تدريس اللغة الأمازيغية والدفاع عن الثقافة الأمازيغية هو جزء من الصراع الطبقي ضد الطبقة الرأسمالية الحاكمة، التي يستمد رئيس دولتها (الملك) “شرعية” حكمه من الدين و”النسب الشريف” وما إلى ذلك. لا يمكن القضاء على هذا إلا بالقضاء على تلك.

وحدها الاشتراكية من سيحقق للشعب المغربي وكل المنطقة المغاربية إمكانية الازدهار الاقتصادي والسياسي والثقافي، حيث سيصبح من الممكن استثمار ثروات المنطقة وطاقاتها المنتجة للقضاء على الفقر والجهل والتهميش وتوفير المستشفيات في كل قرية ومدينة والسكن لكل مشرد والعمل لكل معطل ومقعد دراسة لكل طفل…

إن المجتمع الاشتراكي سيخلق الشروط المادية والمعنوية لتحقيق تحرر حقيقي لثقافات جميع الشرائح والطبقات الكادحة وهو ما يعتبر تحقيقه مستحيلا في ظل المجتمع الرأسمالي.

4- الإضرابات

حسب الإحصاءات الرسمية عرفت الإضرابات خلال سنة 2015 تناقصا يقدر ب 8,5- %. وهي في أغلبيتها إضرابات دفاعية حيث أن السبب الرئيسي لخوض الإضرابات خلال عام 2015 ( 63% من الاضرابات)، هو عدم أداء الأجور أو التأخر في أدائها إضافة إلى التسريح من العمل.

هذا وضع طبيعي في الفترة التي نمر منها. وقد سبق لنا أن شرحنا هذا الوضع، ففي ظل ارتفاع معدلات البطالة وإغلاقات المصانع واحتداد الأزمة، مع غياب البديل الكفاحي وتواطؤ قيادات النقابات وشدة القمع، العمال مجبرون على أن يقبلوا بظروف العمل السيئة وساعات العمل الطويلة وأجور البؤس، في انتظار أوضاع أكثر ملائمة لرد الهجوم.

لكن حتى في ظل هذا الوضع، وبالرغم من القمع واليد الميتة للبيروقراطية، تناضل الطبقة العاملة بشراسة، فالإضرابات التي عرفتها سنة 2015، ورغم أنها أقل، من حيث العدد، من تلك التي عرفتها السنوات السابقة، إلا أنها زادت في عدد أيام العمل التي تسببت في ضياعها ب 28 فالمائة، حسب وزارة العمل، بينما قال ممثل الباطرونا، إن 250 إضراب الذي شهدتهم هذه السنة أدت إلى فقدان 267.000 يوم عمل، وهو الرقم الذي يوضح طول النفس والكفاحية التي يتميز بها المضربون.

هذا إضافة إلى أن انسداد الطريق أمام العمال في ساحة النضال الإضرابي، في أماكن العمل، يجعلهم ينتقلون إلى النضال في الشوارع على جبهات أخرى ضد الغلاء وغياب البنية التحتية وغيرها من المطالب (مثال: النضالات الجماهيرية ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء في طنجة وغيرها من المدن، الخ).

منظورنا هو أن هذا المسار سيستمر في التصاعد والاحتداد. سوف تستمر فئات الجماهير في الخروج الواحدة تلو الأخرى للنضال من أجل مطالبها والدفاع عن حقوقها. وإلى جانبها سوف تنضم إلى النضال فئات كانت إلى وقت قريب تعتبر أقرب إلى الطبقة السائدة، من حيث ظروف العيش وطرق التفكير. وقد بدأنا بالفعل نرى ذلك في احتجاجات الأطباء والمحامين، وغدا سنرى الأساتذة الجامعيين والقضاة وغيرهم من الفئات “المحظوظة” في ساحات الاحتجاج.

لكن هذا المسار لن يكون للأسف مسيرة ظافرة تنتقل من انتصار إلى آخر. بل على العكس تماما، سوف تتكسر الكثير من تلك الحركات على صخرة تعنت الطبقة الحاكمة ونظامها الدكتاتوري، خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها، وضيق هامش المناورة أمامها.

ستحقق بعض تلك الحركات بعض الانتصارات، لكنها لن تكون انتصارات كاملة ولا نهائية ولا عصية على التراجع. سوف نشهد كيف أن أعظم الملاحم النضالية تسير جنبا إلى جنب مع أبشع الهزائم والانكسارات. وستكون سيرورة مؤلمة وطويلة ومنهكة.

هل يعود ذلك إلى قوة النظام والطبقة السائدة؟ كلا على الإطلاق، بل على العكس تماما. إن الطبقة السائدة مفلسة ونظامها ضعيف للغاية ومرعوب أمام قوة الحركة الجماهيرية، لكن هذه الأخيرة وبالرغم من كل إمكانياتها الجبارة، تتبدد قوتها مثلما يتبدد البخار في الهواء. إن ما تحتاجه الجماهير لكي تختصر كل تلك الآلام وتقلص حجم التضحيات وتحقق انتصارها التاريخي هو التنظيم والوعي. لكن هذين العنصرين مع الأسف هو ما ينقص. إن كل أزمة الجماهير هي أزمة القيادة الثورية.

5- النقابات

تشكل النقابات المنظمات الأساسية للطبقة العاملة، وقد بناها العمال لكي تكون وسيلة لتوحيد صفوفهم وللنضال ضد الاستغلال. لم تأت منحة من طرف الدولة البرجوازية أو هبة من طرف الطبقة الرأسمالية، بل جاءت نتيجة نضال مرير وتضحيات جسيمة، سواء في المغرب، أو حتى في بلدان الديمقراطية البرجوازية بأوربا وغيرها. في المغرب خرجت أول نقابة عمالية مغربية (الاتحاد المغربي للشغل –تأسست رسميا يوم 20 مارس 1955-) من رحم النضالات العمالية ضد الاستعمار، وبفضل تضحيات كبيرة.

إنها منظمات ذات طبيعة مزدوجة، فهي أداة للنضال من أجل تحسين شروط العيش والدفاع عن المكتسبات المادية للشغيلة، وهي بهذا المعنى إصلاحية أي تدافع عن تحسين شروط العبودية؛ لكنها من جهة أخرى وبنفس الدرجة منظمات ثورية، توحد العمال كطبقة ذات مصالح مشتركة وتساعدهم على أن يفهموا قوتهم الجماعية، ويصطدمون بمحدودية الإصلاحات في ظل الرأسمالية، كما أنها تعلمهم تسيير شؤونهم بالاعتماد على المداولات بين الآراء والانتخاب، فتكون بهذا المعنى مدرسة للثورة ولكيفية بناء وتسيير المجتمع المقبل.

لكنها تعيش في وقتنا الحالي أزمة خانقة، بسبب قيادتها الإصلاحية التي يقوم مشروعها على التعاون الطبقي وليس الصراع، على التعايش مع الدولة الرأسمالية ومحاولة التعاون معها (تروتسكي [كل استشهادات تروتسكي من مقاله: النقابات في عصر الانحطاط الإمبريالي]).

حتى أن النقابات تصير عاجزة عن القيام بأبسط مهماتها حتى الدفاع عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة في وجه الهجوم الجارف الذي تشنه البرجوازية ودولتها. لأن البيروقراطية تعلم علم اليقين بأن أي تحرك جدي لمواجهة الهجومات سوف يؤدي إلى حراك ذو أبعاد ثورية، بل قد يخلق فعلا وضعا ثوريا تخشاه البيروقراطية، أكثر حتى من البرجوازية، وتعرف أنها عاجزة عن التحكم فيه. لقد سبق للينين أن قال بحق: في كل إضراب يكمن تنين الثورة.

وعوض أن تتحمل القيادات النقابية مسؤوليتها في قيادة النضال ضد الهجومات التي تشنها البرجوازية ودولتها على مكاسب العمال، يعمل البيروقراطيون كل ما في وسعهم من أجل البرهنة للبرجوازية ودولتها أنهم أناس متفهمون حريصون على “المصالح العليا” وجديرون بالثقة، مقابل فتات الموائد.

تثير هذه الخيانات سخط العمال واشمئزازهم، بل وحتى نفور فئات واسعة منهم من العمل النقابي والانتماء إليها. لكن هذا الموقف السلبي غير قابل للاستمرار، إذ أن العمال والشباب المعطل مجبرون على النضال، وكلما عادوا لساحات النضال يجدون أنفسهم في حاجة لمنظماتهم الجماهيرية التقليدية.

وقد يلجئون إلى خلق تنسيقيات خارج إطار النقابات، للتخلص من الجو البيروقراطي الخانق الموجود داخل النقابات التقليدية، ويتحرروا من القيود التي تفرضها البيروقراطية والمساومات والخيانات التي تمارسها بإتقان وشغف. لكن كل هذه الأشكال الموازية وبالرغم من أهميتها المؤقتة وكفاحيتها، سرعان ما تتبخر وتنتهي، إما بعد تحقيق انتصار فئوي جزئي، أو بعد التعرض لهزيمة ساحقة.

وكذلك تلاقي محاولات العصبويين بناء نقابات “ثورية”، في مواقع التواصل الاجتماعي والمقاهي، مصيرا بئيسا، لتبقى النقابات التقليدية هي المنظمات الجماهيرية الوحيدة القادرة على البقاء.

نحن نعتبر أن جوهر الأزمة التي تعيشها النقابات في عصرنا الحالي هو التناقض التناحري بين القيادة الإصلاحية ومشروعها من جهة وبين متطلبات الشروط الموضوعية ومصالح الطبقة العاملة من جهة أخرى. إن النقابات في عصرنا الحالي، عصر الأزمة العميقة واحتضار النظام الرأسمالي، كما سبق لتروتسكي أن شرح: «لا يمكنها أن تظل لفترة طويلة إصلاحية، لأن الشروط الموضوعية لا تسمح بإصلاحات جدية ودائمة. إن النقابات في عصرنا، لا يمكنها إلا أن تخدم كأدوات ثانوية في يد الرأسمالية الإمبريالية لإخضاع وتطويع العمال وإعاقة الثورة، أو أن تصبح، على العكس من ذلك، أدوات في يد الحركة الثورية للبروليتاريا».

لكن إذا كان من الممكن والسهل أن تبسط القيادات الإصلاحية سيطرتها على النقابات العمالية، بمساعدة وثيقة من جهاز الدولة والرأسماليين، فإن تحولها إلى أدوات ثورية غير ممكن إذا لم تتوفر القيادة الثورية والمساندة القوية من طرف الطبقة العاملة ودون نضال عنيد من أجل تطهير النقابات من عملاء الرأسمال والبوليس.

لقد انتهت مرحلة الهدوء والتعايش، وانفتحت مرحلة جديدة من المواجهات. البيروقراطية تدفع بالنقابات إلى الاندماج بالدولة، وفي ظل غياب إمكانية الإصلاحات، ستكتفي بوهم الإصلاحات، بل وستتقبل تدمير الإصلاحات والمكاسب السابقة، خوفا من انفلات الأوضاع من سيطرتها. بينما سيضغط العمال والمناضلون الجذريون من أجل استعادتها كأدوات للنضال.

سبق لتروتسكي أن قال بأنه في عصرنا الحالي قد صار: «من المستحيل وجود نقابات إصلاحية مستقلة أو شبه مستقلة» وأضاف: «في الواقع، تتلخص كل مهمة البرجوازية في تصفية النقابات، بما هي منظمات للنضالات الطبقية واستبدالها بالبيروقراطية النقابية، بما هي أداة لسيطرة الدولة البرجوازية على العمال. وفي ظل هذه الظروف، تتمثل مهمة الطليعة الثورية، في قيادة النضال من أجل الاستقلالية التامة للنقابات ومن أجل فرض رقابة عمالية حقيقية على البيروقراطية النقابية»

لكن وبسبب ضعف القوى الماركسية، في وقتنا الحالي، فإن الأزمة الحالية للنقابات سوف تستمر. ستستمر البرجوازية في هجوماتها على الطبقة العاملة وستستمر القيادات البيروقراطية في لجم النضالات العمالية ونهج سياسة المساومات، كما ستستمر القواعد العمالية والمناضلون النقابيون الجذريون في ممارسة الضغط من أجل نهج نقابي كفاحي.

ستعرف النقابات في الفترة المقبلة غليانا داخليا وصراعات وعمليات طرد بيروقراطية وانسحابات وانشقاقات من اليمين ومن اليسار. هذا هو المنظور الوحيد الممكن، من وجهة نظرنا.

خلال هذا الصراع، ستنتصر البيروقراطية وأسيادها، في بعض الأحيان، وسيتمكنون من تكبيل يد الطبقة العاملة، لكن هذا الوضع لن يكون سوى فترة مؤقتة في مسار الصراع؛ وفي أحيان أخرى ستتمكن القواعد العمالية والمناضلون النقابيون الجذريون، من أخذ المبادرة في شن المعارك في الفروع والأقاليم، بل وحتى من أن يفرضوا على البيروقراطية التحرك على المستوى الوطني، كما شهدنا ذلك خلال الإضرابات العامة الأخيرة، والتي اضطرت البيروقراطيات النقابية إلى خوضها مكرهة، بفعل الضغط الهائل القادم من تحت.

إن العمل داخل النقابات بالنسبة لنا نحن الماركسيين، ليس خيارا بين العديد من الخيارات المطروحة، إنه الخيار الرئيسي. كلما سنحت لنا فرصة الانتماء إلى النقابة والنضال داخلها إلى جانب رفاقنا العمال والشباب المعطل وعموم الأجراء، فإنه يجب علينا أن ننخرط ونناضل من أجل بناء النقابة وتقويتها وتحصينها ضد البرجوازية والدولة البرجوازية، وعلينا في نفس الوقت النضال ضد البيروقراطية، ليس بالزعيق والسباب والأساليب الانقلابية المحببة إلى قلب العصبويين، بل بالدفاع المبدئي والحازم عن الديمقراطية العمالية الداخلية. نحن لن نحرر العمال، سواء من البرجوازية أو من البيروقراطية النقابية، عوضا عن العمال أنفسهم؛ هذه ليست مهمة الماركسيين، إنها مهمة العصبويين.

إن تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم! وثقتنا في قدرة الطبقة العاملة على تغيير المجتمع بأسره، تجعلنا متأكدين تماما من قدرتها على تغيير منظماتها واستعادتها وتطهيرها بمساعدة الطليعة الماركسية.

يجب علينا، نحن الماركسيين، لنكون في مستوى مهمتنا أن نطرح، للعمال والمناضلين النقابيين الجذريين، تصورا متكاملا للنضال من أجل الاستقلالية التامة للنقابات تجاه الدولة الرأسمالية والنضال ضد البيروقراطية.

إن النضال ضد البيروقراطية يفترض النضال من أجل الديمقراطية العمالية داخل النقابات، ونفهم بالديمقراطية العمالية داخل النقابات الإجراءات التالية:

1- حرية التعبير عن كل الآراء وطرح البرامج والدفاع عنها سواء من موقع الأغلبية أو الأقلية، وحرية النقد على جميع المستويات.

2- الانتخاب الديمقراطي لجميع الموظفين النقابيين مع الحق في عزلهم في أي وقت.

3- ألا يتقاضى أي متفرغ نقابي أجرا أعلى من أجرة عامل مؤهل، ولا يستفيد من أي امتيازات.

4- يجب وضع كل الحسابات المالية تحت رقابة المنخرطين/ات.

5- انتظام عقد المؤتمرات وتجديد كل الهياكل بشكل منتظم وإجباري في تواقيت محددة.

6- منع عقد أي اتفاقية ذات بعد وطني إلا بعد فتح نقاش معمم في جموعات عامة للهياكل القاعدية المحلية والإقليمية والجهوية والمجالس الوطنية، من القاعدة إلى القمة.

إن مشاريع القيادات الإصلاحية، القائمة على التعاون الطبقي واستجداء الفتات، مفلسة تماما، مثلما هي مفلسة مشاريع العصبويين القائمة على الزعيق ومحاولات بناء نقابات في الفراغ. وحده المشروع الماركسي الثوري القادر على تقديم المخرج للأزمة التي تعيشها النقابات.

لكن انتصار المشروع الماركسي يتطلب تقوية المنظمة الماركسية وانغراسها في صفوف الشباب العمالي والطلابي وكسب أفضل الطاقات من بينهم إلى راية الماركسية والكفاح الثوري. هذه هي المهمة التي يجب علينا أن نركز عليها جهودنا، أما كل الطرق الأخرى فلن تؤدي إلا إلى ضياع الجهد والوقت وإدامة زمن الأزمة والانتكاسات.

6 – اليسار

من المفترض أن تكون الأحزاب السياسية اليسارية أحزابا معبرة عن المصالح المباشرة والتاريخية للطبقة العاملة وعموم الفقراء، وهذا هو مبرر وجودها أصلا.

لكن قادة جميع الأحزاب اليسارية الإصلاحية، بدون استثناء، يعتقدون، لسبب ما، أن البرجوازية غير قادرة على تسيير شؤونها بنفسها بشكل جيد، لذا فهم يقترحون خدماتهم عليها لكي ينقذوا لها نظامها بشكل أفضل مما تقوم به هي.

وفي هذا السياق توفر تلك الأحزاب كل أنواع الاقتراحات والخدمات، بحيث تقف البرجوازية نفسها مرتبكة أمام الكم الهائل من الاختيارات المتاحة أمامها بكل كرم.

فهناك يسار، الاشتراكي الموحد على سبيل المثال، يعتقد أن أفضل طريقة لإنقاذ النظام القائم هو تحقيق ما يسميه ب “الملكية البرلمانية”، وينصح الدولة المغربية بأن توسع الحريات وتقدم بعض التنازلات لضمان استمرار النظام.

وهناك يسار آخر، النهج الديمقراطي نموذجا، إصلاحي هو كذلك لكنه أكثر جذرية بقليل، يعتقد أن أفضل طريقة لإنقاذ النظام الرأسمالي هو إقامة جمهورية بورجوازية ديمقراطية، عبر ثورة ديمقراطية، تضمن الانتخابات النزيهة والحريات الديمقراطية، الخ.

أما الاشتراكية فهي بالنسبة لكلا التيارين مطلب مؤجل، إما إلى أجل غير مسمى، كما هو الشأن بالنسبة لليسار الاشتراكي الموحد، أو إلى “ما بعد إتمام مهام المرحلة الأولى للثورة”، مثلما هو الشأن بالنسبة للنهج الديمقراطي.

إن السبب الرئيسي لهذا الموقف هو عدم ثقتهم في الطبقة العاملة وقدرتها على تغيير المجتمع وقيادة المجتمع بشكل أفضل من البورجوازية، وكذلك خوفهم الغريزي منها (بالنظر إلى انتمائهم البورجوازي الصغير). فالجماهير، من وجهة نظر هؤلاء السادة والسيدات، غير واعية بعد، والجماهير غير قادرة بعد، الخ. ولذلك فهي في حاجة إلى مرحلة، أو ربما مراحل، من حكم البورجوازية، تحت شكل ملكية مستنيرة، أو في جمهورية بورجوازية ديمقراطية، لكي تتعلم في ظلها كل ما هو ضروري لكي تأخذ زمام المجتمع بأيديها.

ليس هذا الخطأ مجرد ترف أو تفصيل لا أهمية له، بل هو خطأ جوهري، يمس المبادئ التي توجه كل المواقف الأخرى وكل التكتيكات وكل الممارسة السياسية والنقابية. وهذا ما يتضح من خلال كل المواقف التي يتخذها كلا التيارين من كل المسائل المطروحة أمامهما.

وبما أنه لا وجود لخط وسط بين النظام البورجوازي لتسيير المجتمع، والذي أبان اليوم عن إفلاسه المطلق، وبين المشروع البروليتاري الاشتراكي، فإن محاولة أصدقائنا معارضة النظام القائم وفي نفس الوقت عدم تبني المشروع الاشتراكي، وحسم الطبقة العاملة للسلطة ومصادرة أملاك مغتصبي الملكية ووضعها تحت الرقابة العمالية، سرعان ما تجد نفسها أمام الباب المسدود، وينتهي بهم المطاف دائما، وبغض النظر عن نواياهم الطيبة، قطع غيار في يد الطبقة السائدة، ومتورطين في جريمة التعاون الطبقي.

وإذا كان موقف قيادة اليسار الاشتراكي الموحد، يجعل منها حليفا للطبقة الحاكمة منذ الآن، في العديد من القضايا مثل مسارعة الرفيقة منيب لتلبية نداء القصر للمشاركة في “فعفعة” السويد والدفاع عن “مغربية الصحراء”، أو التحالف الانتخابي مع حزب العدالة والتنمية في أزمور وقصبة تادلة “لقطع الطريق على المفسدين” و!! الخ. فإن موقف النهج الديمقراطي، يجعل من ذلك التحالف مسألة مؤجلة، لكنها حتمية بسبب وهمهم بإمكانية وجود طريق ثالث بين الرأسمالية وبين الاشتراكية: طريق “وطني ديمقراطي شعبي”. لنأخذ على سبيل المثال عرض الرفاق للقيام بدور الوساطة بين النظام القائم في المغرب وبين جبهة البوليزاريو “لحل مشكلة” الصحراء الغربية، ورهانهم على “الشرعية الدولية”، وتحالفهم مع العدل والإحسان “لإسقاط المخزن”، الخ.

في عصر الأزمة العميقة للنظام الرأسمالي على الصعيد العالمي، عصر الهجومات والتقشف وتكثيف الاستغلال، لا مجال لنمو وازدهار التيارات الإصلاحية، بل حتى النضال الإصلاحي نفسه صار يفترض منظورا ثوريا، والطبقة السائدة لا تقدم أية تنازلات مهما كانت هزيلة إلا إذا هددتها إمكانية تطور النضال في اتجاهات ثورية، مثلما كان الحال عليه بعد اندلاع حراك 20 فبراير وما تلاه من تنازلات اقتصادية وسياسية.

في ظل هكذا وضع لا إمكانية لنمو وازدهار التيارات الإصلاحية، فلا إصلاحية بدون إصلاحات. سوف يؤدي هذا الوضع بالتيارات اليسارية الإصلاحية الجديدة إلى الدخول في أزمة داخلية عميقة، حيث ستبدأ القواعد والمناضلون النقديون في مساءلة خط القيادة والتشكيك في الشعارات المطروحة ونقد الأخطاء السياسية، الخ.

ليس هذا النوع من النقاش سيئا في حد ذاته، بل على العكس تماما، بإمكانه لو يتم في ظروف ديمقراطية أن يؤدي إلى تطوير التجربة الجماعية ورفع المستوى النظري للجميع. لكن في ظل غياب الديمقراطية الداخلية قد يؤدي مع الأسف إلى الكثير من الانسحابات والكثير من عمليات الطرد.

نحن، في رابطة العمل الشيوعي، لا نشكل تيارا منعزلا عن بقية التيارات اليسارية الأخرى، ولا في مواجهتها. ونعتبر أن قوتنا من قوة التيارات اليسارية الأخرى. لذلك نعتبر أنه من واجبنا كماركسيين أن نتدخل في تلك الأزمة من خلال توجيه النقد الرفاقي البناء لأخطائها من أجل المساهمة مع المناضلين النقديين داخلها في تصحيح تلك الأخطاء وتجاوزها وتقوية تنظيماتهم في طريق إنجاز مهمة بناء القيادة الثورية.

7- الصحراء

لقد دخلت قضية الصحراء الغربية في الآونة الأخيرة منعطفا جديدا تمثل في تصعيد الأمم المتحدة لخطابها تجاه النظام المغربي، وهو ما اتضح جليا خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للمنطقة. فأثناء زيارته للعاصمة الموريتانية نواكشوط التي استمرت يومين، قال «إن تقرير المصير حق أساسي للشعب الصحراوي»، وأضاف أن «الشعب الصحراوي يجب أن يتمتع بحقوقه الإنسانية، خصوصا الحق في تقرير المصير»، وأن «اللاجئين الصحراويين يعانون معاناة شديدة في ظل ظروف قاسية، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن ينسى محنتهم».

كما قال مخاطبا اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف: «لقد تأثرت كثيراً اليوم وأؤكد عزم الأمم المتحدة تحقيق حلم الصحراويين». وعبر عن تفهمه للغضب الشعبي الصحراوي تجاه استمرار حالة الاحتلال لأرضه ووطنه.

تشكل خطوة زيارة بان كي مون للمنطقة دون زيارة المغرب والتصريحات التي أدلى بها، ضربة موجعة للنظام المغربي، عمقت عزلته دوليا، كما تمثل خطرا محدقا به في الداخل سيكون له انعكاسات كبيرة على استقراره وشرعيته بين صفوف الجماهير.

لقد شكلت الصحراء الغربية بالنسبة للطبقة الحاكمة، وخاصة الأسرة المالكة، مرتعا لمراكمة ملايير الدولارات من الأرباح السهلة من استغلال الثروات المعدنية والبحرية الغنية في المنطقة.

كما شكل الصراع في الصحراء الغربية منذ عقود ورقة رابحة في يد النظام المغربي لإسكات كل أصوات المعارضة في الداخل، تحت مسمى “الوحدة الوطنية” و”القضية الأولى” والتصدي “لأعداء الوطن” الخ. وكذلك وسيلة لإبعاد قادة الجيش عن الطمع في السلطة والتدخل في السياسة بشكل مباشر، حيث أطلق يد كبار قادة المؤسسة العسكرية فيها للاغتناء في أنشطة إجرامية مثل التهريب بجميع أنواعه واستغلال ثروات أعالي البحار والاتجار في البشر والمخدرات والوقود الخ، بينما يعيش صغار الجنود في ظروف أقرب إلى العبودية.

ولهذه الأسباب فإنه من غير الممكن له أن يتنازل عنها ببساطة، بل سيخوض معركة وجود للحفاظ عليها تحت سيطرته مهما تطلب منه ذلك من تنازلات للامبرياليات ورشاوى للوبيات العالمية وتسهيلات لكبريات الشركات، الخ.

تصريحات بان كي مون أفرحت قطاعات واسعة من الجماهير الصحراوية، فقد استبشروا خيرا من “تعاطفه” معهم وشارة النصر التي رفعها أمام الكاميرات وتعبيره عن “قلقه” بسبب الأوضاع التي يعيشونها، الخ. لكن واجبنا نحن الماركسيين هو أن ننبه رفاقنا الشباب الصحراويين وعموم الجماهير الصحراوية إلى أنه يجب عليهم ألا يثقوا نهائيا في خادم الإمبريالية ذاك، ولا في أسياده في واشنطن وباريس ومدريد الذين يحركونه من خلف الستار.

إنه ليس سوى دمية بين أيدي القوى الكبرى، وتلك القوى الإمبريالية الكبرى لن تتخلى بسهولة عن واحد من أكثر الأنظمة في المنطقة عمالة لها وخضوعا لأوامرها وتطبيقا لسياساتها، أي النظام القائم بالمغرب. فليتأكد رفاقنا الصحراويون أنه عندما ستحين لحظة الاختيار لا بد أن القوى الإمبريالية ستختار التضحية بهم مرة أخرى من أجل الحفاظ على كلبها المطيع في المنطقة: النظام المغربي.

منظورنا هو أن المشكلة ستستمر، رغم كل ما قاله الأمين العام. فالقوى الإمبريالية لا مصلحة لها في حل الصراع، كما لا تشكل مصالح الشعب الصحراوي ولا معاناته أولوية لها لا الآن ولا في الماضي ولا مستقبلا.

قال مدير المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإستراتيجية، محمد محمود ولد الصديق، في حديث للجزيرة نت، إن زيارة بان كي مون عمل روتيني وتصريحاته لا تحمل جديدا ولا تخرج عن السياق الذي دأبت عليه الأمم المتحدة منذ فترة طويلة. وأضاف إن هذه «التصريحات سمعت من أكثر من أمين عام ومن مسؤول دولي، لكنها لم تتجسد على الأرض ولم تصحبها خطوات عملية تمكن من ذلك، وربما لا توجد أصلا لدى الأمم المتحدة رؤية لحل هذه القضية».

بل إن بان كي مون نفسه صرح خلال زيارته تلك أن أفراد طاقم بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مستعدون لتنظيم استفتاء إذا توافقت الأطراف»، أي إذا انطبقت السماء مع الأرض، وما على الشعب الصحراوي سوى انتظار غودو فلا يأس مع الحياة.

لن يصل الشعب الصحراوي إلى أي حل بالسير وراء وعود بان كي مون والقوى الإقليمية والعالمية.

إن واجبنا نحن الماركسيين هو تنبيه الشباب الصحراويين إلى أن النظام الجزائري ليس صديقا حقيقيا للشعب الصحراوي، إنه عدو لهم، مثلما هو عدو للشعب الجزائري نفسه. فلينظر رفاقنا الشباب والجماهير الصحراوية إلى وضع العمال والشباب الجزائريين مع البطالة والاستغلال والفقر والقمع، برغم الثروات الهائلة التي يمتلكونها. ماذا حققت الطبقة السائدة في الجزائر للشعب الجزائري ما عدا الفقر والتخلف والحكم العسكري والفساد؟ إنه نظام رأسمالي دكتاتوري رجعي لا يهمه سوى خدمة مصالحه وإقامة دولة تكون لعبة بين يديه في المنطقة، ولا يهمه مطلقا مصير الشعب الصحراوي.

ليس للشعب الصحراوي أي صديق أو حليف بين القوى الإمبريالية كما ليس له أي صديق أو حليف بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة سواء النظام الجزائري أو الموريتاني أو غيرهما. إن الصديق الوحيد والحليف الموثوق الوحيد لهم هو الشعب المغربي نفسه وبقية شعوب المنطقة، أي الطبقة العاملة وعموم الكادحين والشباب الثوري في المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس.

كما أنه ليس هناك للشعب الصحراوي من حل حقيقي وجدي ودائم لمشاكله في ظل الرأسمالية ولعبة القوى الكبرى. إن أي حل في ظل الرأسمالية لن يكون سوى كارثة للشعب الصحراوي، حيث كل ما سيحققه، ولو في حالة الاستقلال، هو دويلة عميلة للجزائر والقوى الإمبريالية، تحت حكم نفس القادة الفاسدين الذين يسرقون اليوم حليب الأطفال في المخيمات ليبيعوه لجنرالات المغرب والجزائر وعصابات التهريب ويراكمون بذلك ثروات رهيبة على حساب بؤس الأغلبية الساحقة.

نحن الماركسيون نناضل من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، باستفتاء ديمقراطي نزيه، يقرر فيه بكامل الحرية الانفصال أو عدم الانفصال عن المغرب. فلا أحد له الحق في أن يقرر عوض الشعوب في مصيرها. هذا هو موقفنا العام.

هذا لا يعني بتاتا أننا ندافع عن التقسيم. كلا و شعارنا الأصلي نحن الماركسيون، والذي رفعناه منذ 1848، هو يا عمال العالم اتحدوا و إننا نناضل من أجل إلغاء جميع الحدود بين جميع بلدان العالم في إطار فدرالية اشتراكية للعالم بأسره، بدءا من فدرالية اشتراكية للمغرب الكبير وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، تقوم على أنقاض هذه الأنظمة الرأسمالية الدكتاتورية، وريثة الاستعمار وعميلة الامبريالية في منطقتنا وسبب استمرار الانقسامات والعداء بين شعوب المنطقة. لكننا في نفس الوقت، ولأجل ذلك بالذات، نرفض سياسة الإلحاقات و”الوحدة” الإجبارية بين الشعوب، التي تفرض بقوة الحديد والنار. إننا ندافع عن الوحدة الاختيارية الحرة بين شعوب ذات سيادة وليس وحدة السيد والعبد المفروضة بالقيود والعصا.

لكن صوتنا مع الأسف ما يزال غير مسموع على نطاق واسع، لذلك فمن الطبيعي أن المنظور المباشر القائم أمام شعوب المنطقة هو تسعير العداء ونشر الأحقاد بواسطة تأليب الشعبين المغربي والصحراوي ضد بعضهما البعض من طرف النظام القائم بالمغرب ووسائل إعلامه وأبواقه، من جهة، ومن طرف النظام الجزائري وقادة البوليساريو ووسائل إعلامهم وأبواقهم، من جهة أخرى، ناهيك عن القوى الإمبريالية التي يشكل لها هذا الصراع مصدر أرباح كبيرة مالية وسياسية وإستراتيجية.

إلا أن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد، وسوف تنهض شعوب المنطقة عاجلا أو آجلا لأخذ مصيرها بين أيديها، وحينذاك سنكون موجودين لنقدم لها البرنامج الوحيد القادر على إعطاء حل حقيقي وجدي ودائم للصراع وكل المآسي والمعاناة.

إن الحل الذي نقترحه نحن الماركسيون هو وحدة نضال الشعب الصحراوي مع نضالات الطبقة العاملة المغربية والفلاحين والمعطلين وعموم الكادحين، في نضالهم ضد النظام الرأسمالي الدكتاتوري التوسعي القائم بالمغرب، والطبقة العاملة وعموم الكادحين في الجزائر وموريتانيا وكل المنطقة المغاربية، من أجل فدرالية اشتراكية لشعوب المنطقة، سيمكن في ظلها تحقيق حق تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الاستقلال، والاستفادة من ثروات المنطقة لخدمة كل شعوب المنطقة. هذا هو الحل الوحيد الجدي والدائم، أما كل الحلول الأخرى فلن تأتي سوى بالكوارث للشعب الصحراوي وشعوب المنطقة كلها.

8- سياسة النظام الخارجية

إن السياسة الخارجية لأي نظام ليست سوى استمرار لسياسته الداخلية، وهذا ينطبق طبعا على السياسة الخارجية للنظام القائم بالمغرب. فسياسته الخارجية، مثلها تماما مثل سياسته الداخلية، المبنية على تكثيف الاستغلال ونهب الثروات وقمع كل أشكال التعبير، رجعية وعدوانية ومصطفة إلى جانب الامبريالية العالمية وليس لها من مصلحة سوى تكريس الظلم والاستغلال والقهر على الصعيد الدولي.

نرى هذا بشكل واضح في انخراطه في مختلف الاعتداءات التي يشنها أسياده في باريس وواشنطن في إفريقيا والشرق الأوسط وغيرهما، تحت مسمى الحرب ضد الإرهاب، وقد جعل من معتقلاته “السرية” والعلنية مكانا لاستقبال كل من تريد أمريكا تعذيبهم دون أن تتسخ يدها. كما نرى ذلك بوضوح في الحرب العدوانية التي يشنها، مع أسياده في الرياض، ضد الشعب اليمني.

استمر النظام القائم بالمغرب، طوال عقود، أفضل حليف للقوى الإمبريالية في المنطقة، ويدها اليمنى في تنفيذ مخططاتها في إفريقيا والشرق الأوسط، عبر التآمر ضد ثورات وشعوب المنطقة، والمساهمة في كل المهمات القذرة: مثل التآمر على الثورة الجزائرية في سنواتها الأولى، واغتيال الزعيم لومومبا وقمع المناضلين الفلسطينيين، وتخريب مؤتمر القارات الثلاث عبر اغتيال المهدي بن بركة، الخ.

اصطفافه هذا إلى جانب القوى الإمبريالية واحد من الأسباب التي مكنته من الاستمرار وسحق كل الهبات الشعبية التي اندلعت ضده طيلة عقود.

كانت أياما مشرقة بالنسبة لكلب الإمبريالية الوفي، في ظل الظرفية الدولية، التي كانت تتميز بالقطبية الثنائية وطبيعة الأنظمة التي كانت قائمة في المنطقة: الجزائري في عهد بومدين والليبي في عهد القدافي والمصري في عهد الناصر، الخ. وكان حليفا استراتيجيا للقوى الإمبريالية ضد امتداد النفوذ السوفياتي في المنطقة. وقد استفاد لذلك من دعم مطلق من طرف أسياده.

لكن تلك الأيام السعيدة قد ولت الآن. النظام القائم بالمغرب اليوم يعيش عزلة دولية خانقة، على جميع المستويات. لقد بدأ أسياده يرون فيه خطرا على استقرار واستمرار مصالحهم في المنطقة، خاصة بعد اهتزاز ثقتهم في إمكانية صمود أنظمة كانت أقوى منه، مثلما كان حال تونس ومصر.

وهذا ما يفسر الخرجات التي تقوم بها باريس وواشنطن، بين الحين والآخر، تحت مسميات متعددة (التلويح بإمكانية متابعة بعض رموزه بتهم انتهاك حقوق الإنسان، مطالبته بتقديم بعض الإصلاحات، الخ)، وأبرز صفعة وجهت له مؤخرا هي زيارة بان كي مون الأخيرة للصحراء الغربية والمنطقة، دون المرور عبر الرباط، وتصريحه بأن المغرب دولة احتلال.

لم يسبق للنظام القائم، خلال العقود الأخيرة، أن كان بمثل العزلة التي يعرفها الآن على الصعيد الدولي. وهذا ما يجعله يقوم بشطحات يائسة هنا وهناك لا تزيد وضعه إلا تأزما.

فمن أجل الحصول على دعم السعودية وبقية مشايخ الخليج انخرط معهم في حرب عدوانية ضد الشعب اليمني، حرب لا يمكن ربحها، وقد تجاوزت الآن عاما على بدايتها بدون أية نتائج تذكر. لكنه وبالرغم من استخذائه تحت أحذية أسياده في الرياض، طلبا للمساعدات المالية، فإنه لم يحصل منهم حتى على نصف الخمسة ملايير دولار التي كانوا قد وعدوه بها قبل سنوات. مع ضرورة الإشارة، والحق يقال، إلى أنهم يرمون له، بين الحين والآخر، حفنة من الدولارات، بنفس الطريقة التي يرمون بها العظام لكلابهم.

أما فيما يتعلق بالصحراء الغربية، فمباشرة بعد صفعة بان كي مون (أي الولايات المتحدة الأمريكية) سافر محمد السادس إلى روسيا في زيارة فاشلة بكل المقاييس، من بدايتها (استقبله نائب وزير الخارجية)، إلى نهايتها (حيث لم يحصل من وراء الزيارة على دعم موسكو، التي أعادت تأكيد على موقفها المعروف من قضية الصحراء الغربية، دون أن ترفض بطبيعة الحال طماطم الملك وفواكهه).

إن عزلته الدولية هذه تجعله أكثر يأسا وأكثر اختناقا، ولكي يفك حصارها سوف يزيد من تقديم خدماته لمختلف القوى الإمبريالية، استخباراتية وتعذيب بالوكالة وحروب بالوكالة، وغيرها من المهام القذرة التي ستطلبها منه. ستدفعه عزلته هذه إلى توقيع المزيد من الاتفاقيات التجارية التي تسهل نهب ثروات الوطن من طرف رموزه داخليا وأسياده في مختلف العواصم العربية والعالمية والمؤسسات المالية الدولية.

هذه السياسة خارجيا سيصحبها سياسة أشد شراسة في القمع داخليا، لإخراس كل الأصوات الغاضبة والمنتقدة. ستعرف حدة القمع ارتفاعا كبيرا، سواء منه المادي المباشر عبر تكسير عظام المحتجين، كما نرى ضد العمال والأساتذة المتدربين والطلاب والمعطلين، الخ. أو الفكري بتخوين كل المعارضين لسياسته، ومن خلال المزيد من نشر الجهل والانحطاط الفكري والشوفينية، عبر صحافة العهر ومحترفي الارتزاق في جميع القطاعات.

إن سياستنا في ظل هذا الوضع هو أن نستمر في شرح الحقائق للشباب الباحث عن بديل ثوري. لا ذرة من الثقة ولا أوهام في سياسة النظام الداخلية والخارجية. إنها سياسة الرجعية والتعفن على طول الخط. علينا أن نفضح وندين كل جرائم النظام في مختلف مناطق العالم، في اليمن وغيرها، وندافع عن منظور أممي ثوري حازم تجاه كل القضايا (سواء في الصحراء الغربية أو اليمن أو غيرهما)، وتنظيم حملات تضامن أممية مع كل الشعوب وضحايا العدوان الإمبريالي، وخاصة العدوان الذي يشارك فيه، باسمنا، هذا النظام الدكتاتوري الجاثم على صدورنا.

خلاصة:

إن المرحلة الجديدة التي ندخلها، على الصعيد العالمي وإقليما ووطنيا، هي مرحلة الإفلاس التام للرأسمالية والهجومات والتقشف والاستغلال من جهة، ومرحلة نهوض نضالي عاصف للعمال والطلاب والشباب المعطل وعموم الفقراء ضد الدكتاتورية والرأسمالية وسياسة التقشف والاستغلال والتهميش، من جهة أخرى.

ومن أهم ما يميز هذه المرحلة عن مراحل النهوض الثوري السابقة هو أن القاعدة الاجتماعية لدعم معسكر الرجعية في البوادي قد تقلصت. فلم يعد الفلاحون يشكلون أغلبية السكان، بل الأغلبية الآن هي للطبقة العاملة والفئات المفقرة من البرجوازية الصغرى. كما أن الطبقة المتوسطة لم تعد كما كانت في الماضي، لا من حيث تراجع أهميتها في المجتمع ولا من حيث تأزم وضعها واحتداد السخط بين صفوفها. الفئات التي كانت تعتبر محظوظة في الماضي، وبالتالي شكلت قاعدة الإصلاحية والمشاريع المحافظة، مثل المعلمين والأساتذة وموظفي القطاع العام، قد تبلترت اليوم إلى حد بعيد.

السخط يتراكم في كل مكان وبين كل فئات الجماهير، بعضها قام بالفعل إلى النضال وبعضها الآخر سوف ينهض حتما خلال الفترة المقبلة، وليس للنظام الرأسمالي القائم ما يقدمه لهم سوى القمع.

سوف تنهض الجماهير مرارا للنضال من أجل مطالب اقتصادية وسياسية متعددة، وستعمل على اختبار الأحزاب الواحد منها تلو الآخر وستقوم بالضغط على النقابات وتفجير نضالات خارج التنظيم.

ستتراكم الخبرات والتجارب، رغم ان أغلبها سيضيع هباء بفعل غياب حزب عمالي ماركسي جماهيري، وضعف القوى الماركسية. وأهم خلاصة ستترسخ في أذهان مختلف الفئات، بدءا من الشباب هي أن الوضع الحالي سيء ويجب أن ينتهي. كيف؟ ومن أجل أي بديل؟ هذه هي الأسئلة التي يجب علينا نحن الماركسيون أن نقدم الإجابة عنها لأبناء طبقتنا وشبابنا الباحث عن بديل ثوري للوضع القائم.

ستكون هناك موجات متتالية من الإضرابات العمالية والطلابية والشباب المعطل والاحتجاجات الجماهيرية في ضد التهميش والغلاء وغيرها من مظاهر البؤس.

لكن هذا لا يعني أن الحركة الثورية ستسير في طريق ممهد، من انتصار إلى آخر. إن العكس هو الصحيح. ففي ظل غياب القيادة الثورية ستسير الانتصارات العظيمة يدا في يد مع الهزائم القاسية، وستكون فترة المخاض طويلة ومؤلمة.

فئات جديدة من الشباب ستدخل إلى الساحة لتعوض تلك التي أصيبت بالتعب والإحباط. ستدخل الساحة وهي بدون تكوين نظري ولا خبرات سابقة، لكنه في نفس الوقت بدون إحباطات الماضي وهزائمه المرة. هذه هي الفئة التي سيبني أفضل عناصرها القيادة الثورية.

سوف تستمر الأزمة الحالية سنوات وربما عقودا، وستتميز بانعطافات قوية بين النهوض والهبوط، وذلك بسبب غياب العامل الذاتي: أي الحزب الماركسي الثوري القادر على تقديم البديل الاشتراكي للطبقة العاملة وحلفائها، وقيادتهم لحسم السلطة السياسية والاقتصادية.

هذه هي مهمتنا نحن الماركسيين، ولكي نقوم بها بالشكل الصحيح علينا أن نحافظ بحزم على هويتنا الاشتراكية الثورية ومبادئنا الماركسية. لقد استمرت قوى الماركسية ضعيفة طيلة عقود، وذلك بسبب عوامل موضوعية وذاتية عديدة. لقد سبحنا ضد التيار طويلا، وكان الهدف هو الحفاظ على الذات. لكن تلك المرحلة انتهت اليوم، لقد صار التيار الآن يسير في صالحنا.

سوف نصل إلى تحقيق الانتصارات العظيمة من خلال مراكمة النجاحات الصغيرة بعناد وصبر وطول نفس. أما التنازلات المبدئية والنظرية والتسرع من أجل تحقيق الانتشار بأي ثمن فلن يؤد سوى إلى الكوارث.

أفكارنا لا يسمعها في الوقت الحالي سوى عدد قليل من الشباب والعمال، لكن صوتنا سوف يبدأ تدريجيا في الوصول إلى آذان الجماهير بدءا من طليعتها من الشباب الباحث عن بديل ثوري.

وعلى أساس الخبرة اليومية وبمساعدتنا نحن، سوف يتعلم الجيل الجديد من المناضلين العماليين والطلاب وسوف ينهضون لإنجاز المهام العظيمة التي ألقاها التاريخ على كاهل جيلنا: بناء الحزب الماركسي الثوري وقيادة الطبقة العاملة المغربية نحو إسقاط الرأسمالية وبناء الاشتراكية في بلدنا وفي المنطقة والعالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *