جيروم ميتيلوس
الخميس: 09 يونيو 2016
كان لحركة الإضرابات المتجددة، التي شاركت فيها العديد من القطاعات الرئيسية للاقتصاد، قبل ثلاثة أسابيع، أثر مباشر في تكثيف حملة الدعاية الإعلامية التي تستهدف، منذ بداية شهر مارس، التعبئة ضد قانون العمل. وتعكس العدوانية المتطرفة لهذه الدعاية، التي تدار من أعلى المستويات في الدولة وأصحاب العمل، الكراهية والخوف التي يحس بهما هؤلاء أمام مثل تلك النضالات التي يخوضها عمال المصافي والموانئ. لقد أظهرت تلك الإضرابات، من خلال شلها لقطاعات هامة في الاقتصاد، الطريق لتحقيق النصر في النضال ضد قانون العمل. وكما سبق لنا أن لاحظنا في بداية مارس، وحده إضراب متجدد، يضم عددا متزايدا من القطاعات الاقتصادية ـ هو من يمكنه أن يجبر الحكومة على التراجع.
وفي الوقت نفسه، أظهرت الإضربات المتجددة القوة الهائلة للطبقة العاملة. لا يمكن لأي عجلة أن تدور ولا لأي مصباح أن يضيء دون إذن الأجراء. لا يطيق الرأسماليون هذه الحقيقة لأن لها انعكاسات ثورية. إذ بالفعل إذا كان العمال هم من يقومون بجميع المهام الحاسمة لاقتصاد هذا البلد، فلماذا لا يصيرون سادته؟ لماذا السماح ببقاء الاقتصاد والدولة في أيدي حفنة من الطفيليات العملاقة – أرباب البورصة وممثليهم من السياسيين اليمينيين و”اليساريين”؟
أعداؤنا بدورهم طرحوا، بشكل من الأشكال، هذا السؤال عندما كرروا مقولة مانويل فالس: “إن الكنفدرالية العامة للشغل لا تصنع القانون في هذا البلد“. وبالفعل إن اتحاد أرباب العمل (MEDEF) هو الذي يصنع القانون في هذا البلد، في الوقت الراهن. لكن الحركة الحالية تؤكد القوة الهائلة الكامنة للحركة العمالية. وقد ذكر عمال شركة الكهرباء (EDF) رئيس نقابة أرباب العمل، بيير غاتاز، بهذه الحقيقة عندما قطعوا الكهرباء عن إقامته الثانوية، بينما وفروا الكهرباء بثمن مخفض لأكثر من مليون منزل. لذلك ألم تكن الأمور لتصبح أفضل بالنسبة لجماهير السكان، لو كانت الحركة العمالية هي التي “تضع القانون” حقا عوض الشركات الكبرى؟ هذه هي الأسئلة التي أثارها تصريح مانويل فالس في أذهان عدد من الأجراء. وفي سياق سعيه لتحويل “الرأي العام” ضد الكنفدرالية العامة للشغل والعمال المضربين، قدم رئيس الوزراء مادة لمناقشات سياسية حول هذا الموضوع المهم: من الذي يجب أن يسير المجتمع؟ من الذي يجب أن “يضع القانون”؟ هل أقلية من كبار الرأسماليين الجشعين على الربح والذين يدمرون الاقتصاد، أم جماهير العمال، الذين ينتجون كل الثروات؟
وبتشجيع من التصريحات الحكومية وبيير غاتاز، قام الصحفيون في وسائل الإعلام الرأسمالية الكبرى بالتخلي عن كل مزاعم “الموضوعية” وانضموا الى الجوقة الرجعية الضخمة. إن مشكلة فرنسا، كما ترون، هي الكنفدرالية العامة للشغل و”إغلاق الطرقات”، و”أخذ السكان رهائن” من طرف “أقلية من المضربين المتطرفين”، وهلم جرا، هذا ما نقرأه على مدار الساعة وفي جميع وسائل الإعلام الرئيسية. وقد تمكن فرانز أوليفييه جيسبير، من القيام بالمهمة الصعبة والتي هي تجاوز الصحفي السيء الذكر: إيريك زمور، في الهجوم على الكنفدرالية العامة للشغل، حيث وضعها مع داعش في نفس السلة. إذن يجب أن تعامل الكنفدرالية العامة للشغل مثلما تعامل داعش! وفي جملة واحدة كشف جيسبير الغرض الحقيقي من “حالة الطوارئ” والإجراءات المعادية للديمقراطية التي اعتمدت في أعقاب هجمات يناير ونوفمبر 2015. جميع تلك التدابير لا تسهدف إرهابيي داعش، بل تستهدف حقوقنا الديمقراطية والحقوق الديمقراطية للحركة العمالية – وخاصة “إرهابيي” و “بلطجية” الكنفدرالية العامة للشغل، على حد تعبير رئيس اتحاد أرباب العمل. هذا درس سياسي هام آخر تسرب من قلم صحفي برجوازي.
لقد أدت الإضرابات المتجددة إلى تسييس النقاشات من خلال دفع خصومنا إلى إطلاق تصريحات سياسية ضد المضربين ومنظماتهم. فلنأخذ مثالا آخر: يتم اتهام الكنفدرالية العامة للشغل، على جميع الموجات، بأنها “تسخر من الديمقراطية”، كيف؟ بسبب رفضها سلطة البرلمان وسلطة رئيس الجمهورية، “المنتخبان من قبل الشعب” في عام 2012. تتعرض “المؤسسات الديمقراطية” للتهديد من قبل “أقلية” من النقابيين “المتطرفين”. ولكن مرة أخرى، تتحول التهمة ضد أصحابها. أولا، لقد أظهر لجوء الحكومة، يوم 10 مايو، إلى قانون 49-3، موقف الحكومة نفسها من البرلمان. والآن العمال يقولون هم أيضا إن “الإضراب هو قانون 49-3 الخاص بنا”.
ثانيا، لم تتضمن وعود فرانسوا هولاند خلال حملته الانتخابية، عام 2012، تدمير قانون العمل. بل على العكس من ذلك صرح بأن “القطاع المالي” هو “عدوه” ووعد بتحسين أوضاع العمال والشباب والعاطلين والمتقاعدين. لكنه بمجرد ما وصل إلى السلطة، صارت سياسته موجهة بمصالح “القطاع المالي” وكبريات الشركات بشكل عام، على حساب بقية السكان. والآن يريدون من العمال، الذين صوت أغلبيتهم لهولاند، في عام 2012، أن يتخلوا بخنوع عن حقوقهم بعد أن تعرضوا للخيانة، مرة أخرى، من قبل قيادة الحزب الاشتراكي؟
لا هولاند ولا فالس يمثلان “غالبية الشعب”. إنهما يمثلان ويخدمان حفنة من أصحاب المليارات، ويفتقران كثيرا للشعبية. بينما يدافع نشطاء الكنفدرالية العامة للشغل المناضلين عن مصالح مجموع الطبقة العاملة. إن “الأغلبية” الديمقراطية الحقيقية توجد إلى جانب المضربين ونقاباتهم، وليس إلى جانب قصر الإليزيه والبرلمان واتحاد أرباب العمل. هكذا يفهم الوضع عدد كبير جدا من العمال. لقد فقدت البرجوازية و”المؤسسات الديمقراطية” (الفاسدة) مصداقيتها أكثر مما كانت عليه بالفعل.
مشكلة القيادة
في البداية، لم يؤثر هجوم وسائل الاعلام ضد الإضرابات وضد الكنفدرالية العامة للشغل على الدعم الهائل الذي تتمتع به الحركة. هذا هو ما تظهره ليس استطلاعات الرأي فحسب، بل أيضا النجاح الكبير الذي عرفه صندوق دعم الإضراب، الذي أطلق على موقع info’com-CGT ، والذي نجح في جمع أكثر من 260.000 أورو حتى الآن. لو أن القيادة القطرية للكنفدرالية العامة للشغل نظمت حملة تضامن مالية جدية مع المضربين، لكان المبلغ سيكون بالتأكيد أعلى من ذلك بكثير. وبالإضافة إلى ذلك كان سيشجع قطاعات أخرى من العمال على الانخراط في الحركة.
إذن الدعم الذي تحظى به الحركة قوي. لكن هذا قد يتغير. فإذا لم تتطور إغلاقات الطرق والإضربات المتجددة بشكل نوعي، إذا لم تكسب بسرعة قطاعات اقتصادية جديدة، فإنه من غير المحتمل أن تتراجع الحكومة. ولذلك وبسبب غياب منظور لتحقيق النصر، يمكن للحركة أن تفقد دعم الرأي العام. وهذا هو هدف فالس وهولاند. إن الخطر الرئيسي ليس هو الدعاية المعادية للنقابات التي تطلقها الحكومة، بل العزلة النسبية للقطاعات المنخرطة في الحركة.
وقبل كل شيء لا يمكن للعمال المنخرطين في إضراب متجدد أن يستمروا لأجل غير مسمى. إن الحركة، وبحكم طبيعتها بالذات، يجب أن تمتد بشكل سريع. ومن وجهة النظر هذه، علينا أن ندرك أن الوضع معقد. لقد دخل عمال النظافة ومعالجة النفايات في الحركة. وما زال الإضراب قويا في معاقل مثل la Compagnie Industrielle Maritime. وكل يوم يتم تنظيم عمليات عرقلة للطرقات ومتاريس – من بين أمور أخرى – في جميع أنحاء البلاد. وخاصة بمبادرة من عمال الكهرباء والغاز.
في 7 يونيو، صدر بيان عن الكنفدرالية العامة للشغل بتنظيم إضرابات في 3 من 4 مواقع لشركة أمازون فرنسا – حيث ظروف العمل سيئة جدا – و”إضرابات متجددة في العديد من شركات الصناعات الغذائية (Nestlé 56, Haribo Perrier 30, Jacquet 63, Tabac Le Havre)، والمعادن (LME LME 59, Iveco Annonay 07, Peugeot Mulhouse…) والتجارة (Intermarché, Leclerc 31) والزجاج (Verralia…)”. كل هذه الإضربات مهمة جدا، إنها تدل على إمكانات هائلة. لكن وفي الوقت نفسه تعرف الحركة حالة تراجع في المصافي، بينما كانت كلها منخرطة في الإضراب يوم 24 ماي. ويشارك أصحاب العديد من المصافي في مناورات مكثفة لكسر الإضراب، حيث يعقدون “مشاورات” مع العمال من وراء ظهر الجموعات العامة. وعاد معظم سائقي شاحنات النقل إلى العمل. الإضراب في شركة السكك الحديدية (SNCF) ليس قويا بما فيه الكفاية ليشل حركة المرور. ولم يحدث أي اضطراب كبير في شبكة النقل بباريس.
دينامية الحركة متناقضة جدا. مرة أخرى الحكومة لن تتراجع بسهولة: أولا لأن إصلاح قانون العمل مهم جدا من وجهة نظر كبار أرباب العمل؛ وثانيا لأن الحكومة تخشى أن يشجع فوز العمال على اندلاع تحركات جديدة. هذا هو ما يجب على قيادة الكنفدرالية العامة للشغل أن توضحه، بدلا من الاكتفاء بتهنئة نفسها بالتعبئة – مع تجاهل نقاط ضعفها – وزرع الأوهام حول التأثير المحتمل ليوم 14 يونيو. لن يؤدي حراك يوم 14 يونيو في حد ذاته – حتى لو كان قويا – إلى تراجع هولاند وفالس. فلنتذكر أنه في خريف عام 2010، لم يقدم ساركوزي وفيون أي تنازل أمام ثلاثة أيام من النضالات أخرجت أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى شوارع البلاد. إذا لم يندرج يوم 14 يونيو ضمن حركة عامة من الإضرابات المتجددة، فإنه لن يغير موازين القوى بشكل حاسم.
هناك حدود لـ “الإضرابات بالوكالة” ضد قانون العمل. ففي حالة عدم وجود حركة إضرابات واسعة النطاق، سيسعى العمال المنخرطون في الإضرابات المتجددة إلى الحصول على ضمانات من أصحاب العمل في فروعهم قبل استئناف العمل. الحكومة تناور لتشجيع هذا السيناريو، كما رأينا مع سائقي الشاحنات الذين حصلوا على ضمانات، وكما نرى الآن مع عمال السكك الحديدية والطيران المدني، وغيرهم. وسيكون من السخيف إلقاء اللوم على العاملين في القطاعات المعنية. إن المسؤولية عن هذا تقع على عاتق القيادات الوطنية للنقابات المشاركة في الحركة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار بشكل كاف الديناميات الحقيقية للحركة، ومن خلال الدعوة إلى “مواصلة وتوسيع التعبئة بجميع أشكالها“، في حين أن “الشكل” الوحيد للتعبئة القادر على تحقيق النصر الآن هو الإضراب المتجدد وتوسعته بسرعة إلى أكبر قدر من القطاعات الاقتصادية. وأخيرا ما تزال الكنفدرالية العامة للشغل تدعو إلى التعبئة “من أجل فرض التراجع عن قانون العمل (…) وكسب حقوق جديدة على أساس قانون عمل للقرن الحادي والعشرين”. إن مطلب التراجع عن قانون العمل هو طبعا المطلب المركزي ويجب أن يظل كذلك. يجب مقاومة هذا الهجوم الحكومي. لكن العديد من العمال – وخاصة عمال القطاع العام- لا يشعرون بأنهم مهددون على الفور من قبل هذا القانون، والذي لا يعنيهم مباشرة من الناحية النظرية (على الرغم من أن أي تراجع في القطاع الخاص إنما يحضر في واقع الأمر لتراجعات في القطاع العام). وفي المقابل يواجه العديد من عمال القطاع الخاص بالفعل أحكام قانون العمل. لهذا يجب دمج مطالب إيجابية وهجومية – عن الأجور، على سبيل المثال، أو وقت العمل – يمكنها أن تستقطب فئات جديدة من العمال إلى الحركة. وفي هذا الصدد تعتبر صيغة “حقوق جديدة على أساس قانون عمل للقرن الحادي والعشرين” غامضة للغاية ودون مضمون ملموس، ولا يمكنها أن تقنع أحدا بالانخراط في المعركة.
بعد سنوات من الإصلاحات المضادة والتقشف، العمال على استعداد للنضال، وهذا ما تدل عليه بوضوح الحركة الحالية. لكن في مواجهة أعداء عنيدين مثل فالس وهولاند وغاتاز، يجب أن تكون للحركة قيادة مصممة على خوض المعركة حتى النهاية، استنادا إلى استراتيجية هجومية تنسجم مع موازين القوى الحقيقية، والديناميات الحقيقية للمعركة. إذا كانت هذه القيادة غير موجودة في قمة النقابات فإنه يتوجب على العمال والنقابيين في القاعدة أن يأخذوا الزمام بين أيديهم. يجب أن يتم ربط الجموعات العامة العمالية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، من خلال مندوبين منتخبين ويمكن عزلهم، لإعطاء هيكل ديمقراطي للحركة قادر على التعبير بشكل كامل عن الروح القتالية للأجراء، وتطوير الحركة والانتقال إلى الهجوم .
يمكن لمظاهرة باريس، يوم 14 يونيو، أن تكون فرصة لتنظيم اجتماع للمندوبين المنتخبين في الجموعات العامة للقطاعات المنخرطة في المعركة في جميع أنحاء البلاد. ليس هناك وقت لنضيعه!
عنوان النص بالإنجليزية: