خلال شهر مارس من سنة 2004، أشارت الصحيفة الإسرائيلية معارييف، أنه كانت هناك صلات بين آرييل شارون وعائلة المدعو الحنان تينينبوم. كان تينينبوم هذا قد تعرض لعملية اختطاف من طرف حزب الله سنة 2001 وبقي في الأسر لأكثر من ثلاثة سنوات. تينينبوم، الذي كان عقيدا احتياطيا في الجيش، كان أيضا قد اعترف بكونه تاجر مخدرات.
لإطلاق سراحه أمر شارون بتحرير أكثر من 400 معتقل فلسطيني، بالرغم من معارضة أعضاء في حكومته، الذين تبنوا الموقف القائل بأن تنفيذ هذا الاتفاق سوف يؤدي إلى تشجيع المزيد من عمليات الاختطاف. لقد أنكر شارون أنه يطبق الاتفاق بسبب علاقاته مع عائلة تينينبوم، لكن ليس في إسرائيل الكثير ممن صدقوا هذا الادعاء لحد الآن. أشارت معارييف، سنة 2004، أن شخصا يدعى شيمون كوهن، الذي هو أب زوجة تينينبوم، كان سنوات السبعينات مدير مزرعة شارون ويمتلك أيضا أسهما في شركة تسيرها زوجة شارون.
لقد واجه رابين وضعية مشابهة، سنة 1994، عندما اختطف الجندي ناشون واكسمان، البالغ من العمر آنذاك 19 سنة. في البداية قبل رابين بالتفاوض، لكنه رفض الفكرة فيما بعد فقتل الجندي الشاب، مع الثلاثة فلسطينيين الذين كانوا يحرسونه، عندما تمت مداهمة البيت الذي يتواجد فيه من طرف كوماندو إسرائيلي.
كما نرى، لدى الطبقة السائدة الإسرائيلية مكيالان تقيس بهما عندما تتعامل مع مثل هذه الحالات. فعندما يتعلق الأمر بواحد من أفرادها، تكون مستعدة للقيام بجميع التنازلات الضرورية، أما عندما يتعلق الأمر بمجرد جندي عادي تجدهم يتبنون الموقف التعنت القائل بأن التنازلات لا تعمل سوى على تشجيع المزيد من الهجومات.
تظهر حالة إطلاق سراح تينينبوم بوضوح أنه لو أرادت الحكومة الإسرائيلية، لكان في مقدورها تلافي إرسال قوات الدفاع الإسرائيلية إلى قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة الماضية. كان في مقدورهم التفاوض ومن ثم إطلاق سراح عدد من المعتقلين الفلسطينيين. لم يكن ليتعرض أي فلسطيني للقتل، ولم تكن أي محطة للطاقة لتتعرض للقصف، ولم يكن للمنازل ولا للطرقات والجسور أن تدمر، وكان الشاب جلعاد شاليت سيطلق سراحه. لكنهم عوض ذلك يفضلون، على ما يبدو، المخاطرة بأن ينتهي جلعاد مثل سابقه ناشون واكسمان.
يوم الخميس، طالب والد جلعاد الحكومة علانية بإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين مقابل ولده. إن الخاطفين طالبوا، في البداية، بإطلاق سراح 1500 معتقل، أما الآن فقد خفضوا الرقم إلى المطالبة بإطلاق سراح 100 سجينة و30 سجينا قضوا أكثر من 20 سنة في السجن. سيكون هذا أقل بكثير من عدد السجناء الذين أطلق شارون سراحهم لإنقاذ صديقه!
خلال الأسبوع الماضي، ألقى رئيس وزراء إسرائيل، أولمرت، خطابا أعاد التأكيد فيه على موقفه المتعنت: “سوف لن نجري مفاوضات مع العناصر الإرهابية، سوف لن نسمح لأي كان بأن يعتقد أن الاختطاف وسيلة لإخضاع إسرائيل. إذا ما قمنا بهذا اليوم، سوف يصبح العديد من المواطنين أهدافا لمثل هذه الاختطافات، حيث ستبدو أنها تؤتي أكلها.”إن نفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس له حدود. إذ أنه قبل ثلاثة سنوات صوت لصالح اتفاق تينينبوم.
إن ما يبينه كل هذا بوضوح هو أن إرسال قوات الدفاع الإسرائيلية إلى غزة، ليس له أية علاقة مع اختطاف الجندي الشاب، ولديه علاقة وثيقة بالرغبة في الضغط على حكومة حماس عبر إرهاب الشعب الفلسطيني. مع حلول يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد قتل حوالي أربعين ممن يدعي أنهم “مقاتلون فلسطينيون” في قطاع غزة. (الحقيقة حول هذا يشرحها يوسي شوارتز في مقال آخر ينشر اليوم على هذا الموقع).
في محاولة لإعطاء المزيد من التبريرات لما يقومون به في غزة، بدأوا الآن يقولون أن العمليات العسكرية تهدف أيضا إلى وقف إطلاق صواريخ القسام على النجف الغربي. لكن حتى هذا المبرر يظهر ضعيفا جدا. وقد اعترف مسؤولون عسكريون كبار لصحيفة هاآرتز (7 يوليوز)، أن العمليات العسكرية الحالية في قطاع غزة “قد تقلل من إطلاق الصواريخ الفلسطينية، لكنها لن توقفها تماما.”
وفي نفس التقرير، نقل عن رئيس هيئة الأركان، دان هالوتز، قوله أن العمليات العسكرية الحالية في غزة، « عملية غزة لا تعني أنه لن تبقى هناك هجمات بواسطة صواريخ القسام إذا ما نحن غادرنا المنطقة غدا أو بعد غد… لكنها تعني أن المنظمات الإرهابية ستدفع ثمنا غاليا مقابل أي صاروخ يطلق.» إن هذا أبعد ما يكون عن “حل” حقيقي للمشكل. إنه يشبه القول:”أنتم تضربوننا، نحن سنضربكم” لكن بقوة عسكرية أكبر جدا، في الواقع بواحدة من أكثر الجيوش قوة في العالم.
العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة، التي هي أبعد ما تكون عن حل أي شيء، لم تؤدي، في الواقع العملي، سوى إلى المزيد من خلخلة مجمل الأوضاع المضطربة أصلا. مباشرة بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي الشاب، رأينا من خلال وسائل الإعلام أن هناك رغبة، بين صفوف الجماهير الفلسطينية، في رؤيته حرا طليقا. لكن بعد كل ذلك القصف والتقتيل الذي قام به الجيش الإسرائيلي، صار موقف الشعب الفلسطيني متصلبا. والآن هم يريدون شيئا في المقابل وانتباههم مركز على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين.
حماس تبنت مواقف معتدلة عمليا قبيل الأزمة الحالية.في الواقع لقد كانت هناك فكرة قد بدأت تنتشر في قطاع غزة مفادها أن حماس قد صارت مثل “فتح إسلامية”. والمقصود بهذا هو خيانة جديدة لحاجيات الشعب لفلسطيني من جانب السياسيين الفاسدين المستعدين لتوقيع اتفاقيات متعفنة مع الإمبريالية الإسرائيلية والأمريكية. لقد كانت هذه الممارسة من جانب فتح هي من أدى إلى الفوز الانتخابي لحماس.
إن الشعب الفلسطيني يعاني أوضاعا رهيبة وفي قطاع غزة الأوضاع أسوء بكثير، حيث تصيب البطالة والفقر والسكن الغير اللائق شرائح واسعة من السكان. إنهم يريدون من يقف إلى جانبهم ويدافع عن حقوقهم.
لقد رفع اختطاف الجندي الإسرائيلي من شعبية حماس مجددا. لكن قادة حماس يواجهون الآن تناقضا. إنهم يريدون التفاوض، يريدون أن يتم قبولهم كقادة سياسيين “شرعيين” من طرف إسرائيل والإمبرياليين الذين يدعمونها، لكنهم يواجهون ضغوطات من طرف مؤيديهم. هذا يعني أنه لكي تعمل حماس على الضغط من أجل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المعتقل، يجب عليهم أن يحصلوا على شيء ما في المقابل، أي إطلاق سراح عدد معتبر من المعتقلين الفلسطينيين.
والمثير للسخرية في مجمل الأوضاع، هو أن أغلبية الجماهير في إسرائيل تؤيد هي أيضا إجراء المفاوضات بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين إذا كان هذا هو الذي سوف يؤدي إلى تحرير الشاب جلعاد شاليت. لكن وبما أنه ليس ضابطا كبيرا، أو تاجر مخدرات ولا صديقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن هذا لن يحدث، على الأقل لفترة من الزمن.
الخلاصة العامة التي يمكننا استخلاصها من كل هذا هو أنه لا أحد من الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، يمتلك سياسيين يمثلون حقا مطالبه وحاجاته. العمال من كلا الجانبين يعانون نتائج هذه المواجهة. طالما بقي الفلسطينيون محرومين من مكان يمكنهم أن يعتبروه وطنهم، مكان يمكنهم فيه أن ينتخبوا حكومتهم الخاصة والتقرير لمصيرهم الخاص، وطالما بقي الشعب الإسرائيلي محكوما من طرف طبقة سائدة لا يمكنها أن تبقى موجودة إلا باضطهاد شعب آخر، فلن يكون هنالك أي سلام دائم.
فريد ويستون
الاثنين: 10 يوليوز 2006
عنوان النص بالإنجليزية :