خلال السنة الماضية ساند العديد من الإسرائيليين انسحاب شارون الأحادي الجانب من قطاع غزة. كانت هذه بالنسبة إليهم الخطوة الأولى التي ستقود نحو سلام مبني على أساس دويلة فلسطينية صغيرة تحت سيطرة جماعة أبو مازن المدعومة من طرف الإمبريالية الأمريكية. لقد قيل لهم: أنتم “واقعيون”، ولستم خياليين، على خلاف الماركسيين الذين يدعون أنه في ظل النظام الإمبريالي، لا وجود لحل “المسألة القومية”. لكن واقعيتهم شيء والواقع شيء آخر تماما.
لقد كان شهر يونيو 2006، أسوء الشهور بالنسبة للفلسطينيين في غزة. إن ترحيل المستوطنين اليهود من غزة قبل عشرة شهور قد حرر أيدي الجنرالات الإسرائيليين الذين صار بإمكانهم الآن أن يطلقوا النار بحرية دون الخوف من تعريض أرواح المستوطنين اليهود للخطر. وحسب جريدة Gaza-Ma’an فإن وزير الصحة الفلسطيني، الدكتور باسم نعيم، صرح أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا قد تضاعف ثلاثة مرات في شهر يونيو 2006 مقارنة مع شهر يونيو 2005.
معدل الجرحى ارتفع بـ 120% مقارنة مع نفس الشهر من السنة الماضية.
قتل 55 فلسطينيا، ضمنهم 30 خلال عمليات اغتيال، 7 نساء، و4 من موظفي وزارة الصحة. عدد الفلسطينيين الذين جرحوا خلال شهر يونيو كان 159 في قطاع غزة و145 في الضفة الغربية، 46 من الجرحى نساء و9 من موظفي وزارة الصحة.
لقد أدان الوزير الفلسطيني الحصار والإغلاق الإسرائيلي للمعابر مما سيسبب أزمة إنسانية. ومن بين الانتهاكات الإسرائيلية أشار الوزير إلى استهداف ستة عائلات فلسطينية داخل منازلهم، وسياراتهم أو خلال رحلاتهم إلى الشاطئ. وأشار أيضا إلى الإهانات المتعمدة التي تتعرض لها الهيئة الطبية وسائقي سيارات الإسعاف، عندما يكونون بصدد القيام بمهامهم في نقل الجرحى والمرضى.
كما يعلم الجميع، بدأت الأزمة الحالية يوم الأحد، 25 يونيو، عندما نظمت مجموعة فلسطينية مسلحة هجوما فدائيا على دبابة عسكرية كانت متمركزة على الحدود بين إسرائيل وغزة. فقتلوا جنديين اثنين وأخذوا العريف شاليت كرهينة. وكما سبق لنا أن أشرنا في مقالات أخرى، حدث هذا بالرغم من أن الجيش كان قد أعلم من طرف جهاز الأمن الإسرائيلي، الشين بيت، أن عملية من هذا القبيل ستحدث. إن هذا “التغاضي المتعمد” يظهر بشكل أكيد أن الجنرالات كانوا يبحثون عن مبرر لمهاجمة غزة وهكذا ضحوا بفريق الدبابة. لقد أمر الجنود بألا يردوا بإطلاق النار بل أن يحاولوا الفرار. فقتل الجنديان واعتقل شاليت خلال عملية “الفرار” هذه.
لكن هناك شيء يجب أن يقال بخصوص الجنرالات: إنهم في الغالب لم يخططوا لأن يعتقل شاليت. إذ من وجهة نظرهم الطبقية الباردة، كان من الأفضل لو أن جميع الجنود الثلاثة قتلوا في الهجوم. كان هذا سيعطيهم المبرر للهجوم على الفلسطينيين دون الحاجة إلى التعامل مع السؤال الصعب: هل ينبغي التفاوض لإطلاق سراح الجندي. على كل حال لقد عملوا على تصعيد الوضع بأسره.
في اليوم الموالي للهجوم على الدبابة، أعلنت ثلاثة من المجموعات الفلسطينية، لجان المقاومة الشعبية، الجناح المسلح لحركة حماس الحاكمة وجيش الإسلام، مسؤوليتها عن العملية الفدائية.
طالبت هذه المجموعات أن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح النساء والأطفال المعتقلين لديها، مقابل معلومات عن شاليت. وبدل التفاوض أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها لا تتفاوض مع الإرهابيين وفي الصباح الباكر من يوم الثلاثاء دمرت الطائرات الإسرائيلية جسورا حيوية في قطاع غزة وقصفت محطة الطاقة، مما أدى إلى قطع الكهرباء على أغلبية الساكنة البالغ عددهم 1،4 مليون شخص.
خلال اليوم الموالي، الأربعاء 28 يونيو، دخلت قوات المشاة الإسرائيلية جنوب غزة. في نفس الوقت، حلقت طائرات إسرائيلية فوق سوريا، التي تعتبر ملجأ للعديد من قادة حماس بالمنفى، الذين رحلهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق رابين. لقد كان هذا تهديدا واضحا لسوريا، يبين إلى أي حد يمكن أن تتصعد الأوضاع!
يوم 29 يونيو، اختطفت القوات الإسرائيلية عشرات من أعضاء حماس، بما فيهم ثلث أعضاء الحكومة الفلسطينية وعدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي. في اليوم الموالي، 30 يونيو، هاجمت طائرات إسرائيلية غزة، بما فيها مبنى وزارة الداخلية. وفي نفس اليوم ألغت إسرائيل حق الإقامة، في القدس المحتلة، لوزير من حماس وثلاثة نواب.
دفعت ممارسات الحكومة الإسرائيلية بالعديد من الملاحظين الدوليين إلى اتهام إسرائيل بتنفيذ هجمات إرهابية. لكن السلطات الإسرائيلية تنفي طبعا أي تشابه بين هذه الممارسات وبين ممارسات الإرهاب الفردي التي تقوم بها المجموعات الفلسطينية. ويمكننا أن نتفق معهم حول هذه المسألة: إذ أن هذه الممارسات ليست إرهابا فرديا، بل هي حملة ممنهجة، كثيفة لإرهاب الدولة منظم من طرف رابع أقوى جيش في العالم ضد مدنيين عزل في الغالب ، وهي ما يطلق عليه اسم جرائم حرب!
بحلول يوم 8 يوليوز، ادعى الجنرالات الإسرائيليون أن الجيش قتل “40 مقاتلا مسلحا” أثناء اجتياحه لغزة. لكن عندما يلقي المرء نظرة أقرب على الأوضاع، تظهر الصورة مختلفة جدا. إذ يتضح أن أغلبية الذين قتلوا وجرحوا في الهجومات الإسرائيلية على غزة، كانوا مدنيين. لقد استعملت إسرائيل الدبابات، الأسلحة الثقيلة، الطائرات والمراكب الحربية ضد مقاومة بأسلحة خفيفة. ومن بين الهجومات الإسرائيلية التي سببت أكبر عدد من القتلى، كانت هناك عملية القصف الجوي الإسرائيلي قرب قرية بيت لاهيا شمال غزة والتي أدت، حسب شهود عيان والهيئة الطبية بعين المكان، إلى مقتل ستة مدنيين فلسطينيين.
بيت لاهيا كانت أيضا مسرحا لأقسى المواجهات على الأرض: حيث أطلق مقاتلون، من مختلف التيارات، صواريخ مضادة للدبابات، من أزقة ضيقة خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية التي كانت مدعومة بالدبابات والمروحيات. وقد صرحت إحدى السيدات لمحطة إذاعية محلية قائلة: «إن الدبابات الإسرائيلية أمام منزلنا، الأطفال يصرخون والبيت يهتز. لقد علقنا في خط النار».
وحسب تقرير من رام الله، نشر في الجريدة الكوبية Granma (7 يوليوز) نجد أنه:
«قامت المقاتلات الأسرع من الصوت الإسرائيلية، بقصف مناطق سكنية شمال قطاع غزة، ساعات بعد الإعلان أن هذا الخميس كان اليوم الأشد دموية حتى الآن أثناء غزو المنطقة.
«يمكن قياس ضخامة عدد الضحايا المدنيين بإطلاق المستشفيات لدعوة للمواطنين للتبرع بالدم الذي صار قليلا بسبب عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالشظايا الصاروخية.
«لقد تم استقبال ليس أقل من 112 شخصا في المستشفيات، أغلبهم يعانون من جروح خطيرة، حسب نفس المصادر، بينما مرت جنازات 24 ضحية لإطلاق النار العشوائي من جانب القوات الإسرائيلية.
«كما جرح 27 شخصا آخرين، أغلبهم أطفال، حسب إحصائيات غير مكتملة.»
فقط رقم واحد قادر على أن يوضح أن هذه حرب ضد الشعب الفلسطيني العادي: فقد قتل أكثر من 800 طفل فلسطيني منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، شهر شتنبر 2000!
تغيرات ملحوظة في تكتيكات المقاومة الفلسطينية
طبعا تحمل الحكومة الإسرائيلية حكومة حماس المنتخبة، تبعات عملياتها الهمجية هي بالذات. لكن حماس باعتقالها لشاليت أظهرت كونها أكثر حكمة من الحكومة الإسرائيلية. وفي منشور موجه إلى الشعب الإسرائيلي العادي، طلبت حماس منه ممارسة الضغط على الحكومة لإنقاذ حياة شاليت، من خلال وقف القتال وتبادل الأسرى.
إن هذا يشكل تغييرا كبيرا جدا لأنه وللمرة الأولى تعترف المقاومة الفلسطينية بأن هناك اختلاف بين الشعب الإسرائيلي العادي وبين الدوائر الحاكمة.
“إن أي بلد يهتم بمصلحة مواطنيه كان سيقوم بنفس الشيء”، هكذا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وعندما يقول أولمرت “أي بلد” كان سيقوم بنفس الشيء، فإنه لا بد يفكر في بوش والحرب على العراق، حيث دمر الجيش الأمريكي البنية التحتية للعراق خلال الأيام الأولى للحرب، وقتلوا الكثير من المدنيين. لقد أدى تدمير الجسور ومحطتي الطاقة الكهربائية التي تزود 4،1 مليون شخص، إلى حرمان حتى المستشفيات من الكهرباء والماء.
إن الأوضاع، حسب دعاية دولة إسرائيل، هي على الشكل التالي: «هنالك اختلاف هائل بيننا وبينهم… نحن إنسانيون لدينا قدر عال من القيم الأخلاقية واحترام القانون، بينما الفلسطينيون يتصرفون كالحيوانات يختبئون في الأماكن المأهولة.» يجب علينا أن نعترف أنه في هذه الحالة هناك اختلاف حقيقي. فوحدة الكوماندو الفلسطينية اعتقلت جنديا، العريف جلعاد شاليت، الذي كان مشاركا في الحرب. بينما الحكومة الإسرائيلية، من جهة أخرى، اختطفت عشرات من المسؤولين في جماعة حماس الحاكمة، بما فيهم الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وقتلت المدنيين في غزة.
إن حكام إسرائيل، مثلهم مثل نظرائهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، يستخدمون إرهاب الدولة المكثف تحت غطاء الادعاء الكاذب بأنهم يحاربون الإرهاب في العراق، وأفغانستان وفلسطين الرازحات تحت الاحتلال. هذه هي حقيقة أخلاقهم.
لقد أكد رئيس وزراء إسرائيل – وكلبه عمير بيرتز- مرارا أن إسرائيل «لن تبادل أبدا جنديا إسرائيليا مقابل السجناء الفلسطينيين، لأن هذا سوف يشجع الإرهابيين على أسر المزيد من الإسرائيليين.»
إلا أن العديد من الإسرائيليين واعون بحقيقة أنه لم تكن الحالة هكذا دائما. إذ يتذكرون حالة الضابط الحنان تينينبوم، (عقيد احتياطي)، تاجر المخدرات وصديق آرييل شارون، الذي اعتقل في لبنان. يوم الخميس، 29 يناير 2004، أطلق سراح 461 أسير فلسطيني. إضافة إلى ذلك، أعادت إسرائيل جثامين 59 لبناني وقدمت معلومات عن 24 مفقودا آخرين.
ليس لدافع الحكومة الإسرائيلية إلى رفض التفاوض، من أجل إنقاذ حياة شاليت، أية علاقة بحماية الشعب الإسرائيلي. بل لديه علاقة وطيدة بهدف إسقاط حكومة حماس ومعاقبة الفلسطينيين على اختيارهم لحماس عوض الخيار الإسرائيلي، أي المجموعة الفاسدة الموالية للولايات المتحدة، مجموعة الرئيس أبو مازن الذي أظهر مرات ومرات استعداده للتعاون مع حكام إسرائيل ضد شعبه.
منذ ثلاثة سنوات قدم آرييل شارون لأبي مازن عرضا بإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، حسب AP/CBS (6 يوليوز، 2003):
«لقد قامت إسرائيل بخطوة نحو الاستجابة لأحد المطالب الفلسطينية الهامة بموافقتها، يوم الأحد، على إطلاق سراح حوالي 5000 سجين، لكن رئيس الوزراء آرييل شارون صرح أن هذه الخطوة المحدودة ستكون مشروطة بنزع سلاح المجموعات المسلحة.
«إن عملية إطلاق سراح المعتقلين تهدف إلى تقوية سلطة رئيس الوزراء محمود عباس، الذي وعد بتطبيق “خطة الطريق” المدعومة أمريكيا.
«لكن مسؤولا فلسطينيا رفيعا عبر عن إحباطه من إطلاق السراح المحدود. أما المجموعات الراديكالية التي استثني أعضائها من إطلاق السراح، فقد سارعت إلى إدانة المبادرة.
«إن الولايات المتحدة وإسرائيل تدعمان بقوة عباس، المعروف أيضا بأبي مازن، كبديل لياسر عرفات وكقائد فلسطيني يعتقدون أنه قادر على سحق المجموعات الراديكالية.»
والآن وبدل أن يبقى إلى جانب الشعب الذي يعيش تحت الهجوم في غزة، فر محمود عباس (أبو مازن) بجبن من غزة وعاد إلى مكانه الآمن، في رام الله، بعد أسبوعين من قضاهما في غزة. يوم الجمعة، نظم عباس مؤتمرا صحفيا في غزة ودعى كل المجموعات الفلسطينية إلى إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المعتقل ووقف إطلاق صواريخ القسام. إن هذا يبين الطبيعة الطبقية لهؤلاء الناس الذين يعتبرون الإمبرياليين أصدقائهم ومخَلصيهم ويأملون في الحصول منهم على جوائز مقابل خدمتهم لهم. هذا كاف بالنسبة للإصلاحيين والعصب اليسارية الذين يخبروننا أن برجوازية القوميات المضطهَدة قادرة على القيام بثورة ديموقراطية على رأس حركة التحرر الوطني!
التأثير العكسي
لقد أدى إرهاب الدولة الذي نظمته الحكومة الإسرائيلية في غزة، إلى نتيجة عكسية لما كان متوقعا. لقد كانت تتمنى أن تؤدي عملياتها تلك إلى إحباط الشعب الفلسطيني وتركعه وتدفع في نفس الوقت بالشعب الإسرائيلي إلى هستيريا قومية، لكن العكس هو ما يحدث.
طيلة أسبوع تقريبا، عومل والد الجندي المعتقل، نوام شاليت، كبطل ومدح من طرف الحكومة. زاره العديد من الضباط بينما كان كل هذا ينقل على شاشة التلفاز. لكن نفس الأب صرح يوم الاثنين أنه سيكون من «الوهم أن تحاول دولة إسرائيل استعادة قوتها الردعية على حساب ابنه»
كان نوام شاليت بصدد الرد على التعليق الذي أطلقه الوزير ميير شيتريت الذي قال أنه يجب على إسرائيل استعادة مستوى الردع. وأضاف الأب أنه يريد أن يلتقي في أي وقت بالمناضلين الذين يعتقلون ابنه. ولابد أنه يفكر، مثله مثل العديد من الناس الآخرين، في حالة رون اراد.
كان الملازم أول اراد على متن الطائرة الشبح F-4، في مهمة للهجوم على أهداف لمنظمة التحرير الفلسطينية قرب صيدا، بلبنان، يوم 16 أكتوبر 1986. وعلى ما يبدو انفجرت قنبلة كان قد ألقاها في الهواء مما سبب الكثير من الأضرار للطائرة فأجبر أراد والربان على القفز. الربان تم إنقاذه بعد ساعات من الحادث، لكن أراد اعتقل من طرف الميليشيا الشيعية اللبنانية أمل.
سنة 1987، تم تلقي رسائل من أراد. وقد تفاوضت الحكومة الإسرائيلية من أجل إطلاق سراحه، لكن المفاوضات انقطعت سنة 1988. فقد اختطفت إسرائيل الديراني، رئيس الأمن السابق داخل حركة أمل المتهم بكونه المسؤول عن اعتقال الطيار الإسرائيلي، وعبيد، المسؤول السياسي لحزب الله، لإستخدامهما ورقتين للضغط من أجل إطلاق سراح اراد، أي نفس ما نراه الآن. خلال السنتين الأولتين لاعتقاله كانت هناك مؤشرات عن أن أراد لا يزال حيا. لكن منذ 1988، لم يعد يعرف أي شيء عن مصيره.
وحسب ميدنيوز (أخبار دفاع الشرق الأوسط) فإن: «يوم 18 دجنبر 1999، نشرت قناة NBC التلفزية تقريرا عن أن إسرائيل تفاوضت سرا من أجل شراء النفط الإيراني، كجزء من محاولة لإقناع طهران بالتدخل في قضية إطلاق سراح رون أراد. لكن تسرب الخبر، الذي كانت ورائه واشنطن، أدى عمليا إلى وقف الاتصالات الإسرائيلية مع إيران. وقد علمت ميدنيوز أنه خلال اليوم السابق لتسرب الخبر، زود ضباط إسرائيليون الحكومة بأخبار مفصلة عن اتفاق النفط مع إيران “لتلافي المخاطر”. لقد كان هدفهم تلافي ذلك النوع من الاتهامات التي وجهت للحكومة الإسرائيلية عند بداية عملية إيران. منع تسرب الخبر إطلاق سراح اراد، الذي نوقش بالتفصيل مع المسؤولين الإيرانيين.» يوم 24 يناير 1995، أعلن السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، أن منظمته تعتقد أن أراد قد قتل وفقد جثمانه.
تصاعد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية
ليس ناوم شاليت هو الإسرائيلي الوحيد الذي يريد مبادلة الأسرى. فحسب مراكز استطلاع الرأي، 60 % من المواطنين الإسرائيليين يريدون وضع حد لهذا الاجتياح، والتفاوض مع حماس لإطلاق سراح شاليت مقابل المعتقلين الفلسطينيين. المشكل هو أنه في ظل الديمقراطية البرجوازية، بمجرد ما تنتخب النصابين الذين سيخدعونك طيلة السنوات اللاحقة، فإنك تصبح مرتبطا بهم ماعدا، طبعا، إذا أجبرتهم تحركات كثيفة للطبقة العاملة، على رأس باقي الكادحين، على الاستقالة.
للمرة الأولى، وبفضل هذه الضغوطات الآتية من تحت، ظهرت تصدعات داخل صفوف الحكومة. فلقد خرج آفي ديشتر، الذي لم يمر وقت طويل منذ أن كان رئيسا لمصالح الأمن والذي يشغل الآن منصب وزير الأمن القومي، بتصريح علني يقول فيه أنه بمجرد ما يتم إطلاق سراح الجندي ويوقف المقاتلون الفلسطينيون هجماتهم بالصواريخ انطلاقا من غزة، «عندها، وفي تعبير منها عن حسن النية، ستعرف إسرائيل، كما كان عليه الحال في الماضي، كيف ستطلق سراح الأسرى». لكن خلال نهاية الأسبوع، علق أولمرت على هذا التصريح، معلنا مرة أخرى عن معارضته لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح شاليت.
في ضوء المقاومة العنيفة التي واجهها الجيش الإسرائيلي شمالي قطاع غزة، حتى الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم توصلوا إلى أنهم فشلوا. صباح يوم السبت، تراجعت القوات الإسرائيلية من شمال غزة، بعد ثلاثة أيام من احتلالها. عندما كانت القوات تغادر المنطقة، دعى رئيس الوزراء الفلسطيني، إسماعيل هنية، إلى وقف شامل لإطلاق النار. وحسب مصادر وساطة مصرية، قال هنية، رئيس حكومة حماس، في بيان نشر نيابة عنه: «لكي نخرج أنفسنا من الأزمة الحالية، يتوجب على جميع الأطراف إعادة الهدوء والعمل من كلا الجانبين على وقف جميع العمليات المسلحة… يمكن أن يكون المقترح قد وضع باتفاق مع خالد مشعل، قائد حماس في دمشق.»
ضرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أي أمل قد يكون راود البعض في وضع حد للمواجهة الحالية ورفض فورا الدعوة إلى وقف إطلاق النار، مطالبا أولا بإطلاق سراح العريف المعتقل كشرط لأي اتفاق لوقف إطلاق النار مع الفلسطينيين.
بينما تتواصل الهجمات على شمال غزة جوا وبحرا، قام الجنرالات بكل بساطة بنقل قواتهم للهجوم على غزة جنوب القطاع، حيث قتلت أم وطفليها في منطقة سجايه، قرب معبر كارني. لقد أنكر الجيش الإسرائيلي أية مسؤولية في هذه الخسائر، لكنه أكد أنه نظم قصفا جويا على المنطقة، مدعيا أنه كان يستهدف مجموعة من المسلحين. إذا كنت تؤمن بحكاية سندريلا، يمكنك إذن أن تؤمن بهذه الحكاية أيضا!
فشل العمليات الإسرائيلية
مع بداية الاجتياح، كان الجنرالات يدعون أنهم سيوقفون إطلاق صواريخ القسام عن الوصول إلى جنوب إسرائيل. في الواقع لا يمكنهم إيقافها. يوم الجمعة تم إطلاق على الأقل 15 صاروخ من صواريخ القسام على إسرائيل من قطاع غزة. أغلب هذه الصواريخ سقطت في منطقة سديروت، بينما سقط أحدها جنوب آشكيلون، وآخر سقط على بعد نصف كيلومتر من مدينة نيتيفوت، جنوب النجف أيضا. ويبدو أن مدى الصاروخ الذي سقط قرب نيتيفوت يصل إلى أكثر من عشرة كيلومترات. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها صاروخ القسام على منطقة نيتيفوت. بعبارة أخرى لقد تمكن المقاتلون بوضوح من تطوير هذا السلاح البدائي.
والآن على الجنرالات أن يعترفوا أنهم عاجزون عن وقف هجومات صواريخ القسام بواسطة العمليات العسكرية التي تقتل العديد من المدنيين. صرح رئيس الأركان لصحيفة هاآرتز قائلا: «عملية غزة لا تعني أنه لن تبقى هناك هجمات بواسطة صواريخ القسام إذا ما نحن غادرنا المنطقة غدا أو بعد غد… لكنها تعني أن المنظمات الإرهابية ستدفع ثمنا غاليا مقابل أي صاروخ يطلق.» إن ما يريد الجنرالات الإسرائيليون قوله بهذا هو أنه خلال الوقت الحالي – إلى أن يغيروا مرة أخرى حكايتهم- سبب هذا الاجتياح ليس هو منع إطلاق صواريخ القسام على جنوب إسرائيل، بل أن الجيش سيواصل القصف إلى أن يتم إطلاق سراح شاليت، مما قد يعني أياما عديدة.
إن عدوان الحكومة الإسرائيلية يزعج نوعا ما إدارة بوش لأنها تخشى من ردة فعل الجماهير العربية ضد الدعم الكامل الذي تقدمه الولايات المتحدة لحكومة أولمرت. يظهر هذا جليا من خلال إلغاء وزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد، لزيارته التي كانت متوقعة لإسرائيل الأسبوع المقبل. قالت مصادر حكومية إسرائيلية أن إلغاء الزيارة يعكس رغبة رامسفيلد الابتعاد بنفسه عن المواجهات الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة.
بل حتى كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي لعب طيلة سنوات دور الدمية في يد بوش، وجد نفسه مجبرا على إصدار بيان، لم يرق كثيرا لحكام إسرائيل، يقول فيه: «أنا جد قلق بخصوص الوضعية الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أنا أدعوا إلى العمل العاجل من أجل تخفيف الأوضاع الإنسانية السيئة للمدنيين… لقد كان لقصف إسرائيل لمحطة الطاقة الوحيدة في غزة، تأثير كبير على المستشفيات ومطاحن الدقيق والماء والأنظمة الصحية.»
قد يساعدهم هذا البيان على تذكر ما حصل مع أصدقائهم الأعزاء خلال فترة الأبارتايد في جنوب إفريقيا. لولا الإصلاحيين الذين أنقدوا النظام الرأسمالي، لكان في مقدور الطبقة العاملة في جنوب إفريقيا أن تحسم السلطة وتسقط ليس فقط نظام الأبارتايد وحده، بل أيضا الرأسمالية نفسها وتبني دولة عمالية.
لم يؤدي هذا العمل الإجرامي الذي نفذه الجيش الإسرائيلي في غزة سوى إلى عزل الطبقة السائدة الإسرائيلية. إن ما يحدث في غزة هو نقطة انعطاف في تاريخ إسرائيل منذ 1967 وانعكاس لتصاعد الأزمة البنيوية للإمبريالية العالمية. سوف تفتح هذه الأزمة السياسية الطريق أمام الصراع الطبقي في إسرائيل. ومنذ الآن نشهد أن الرأي العام الإسرائيلي يقف ضد حكومة أولمرت. لا يمكنهم أن يخدعوا الشعب كل الوقت. والتقاطب الطبقي الذي شهدنا بزوغه، خلال عدة مناسبات، في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، قد عاد إلى الظهور بخصوص هذه المسألة.
لقد وقفنا – نحن الماركسيون- طيلة سنوات عديدة، ضد جميع العصب اليسارية التي رددت كالببغاوات فكرة أن جميع الإسرائيليين يشكلون كتلة رجعية واحدة. إنها في الواقع فكرة تروق للطبقة السائدة في إسرائيل. إنهم يريدون أن يدمجوا معا كل الشعب الإسرائيلي كوحدة، تحت راية الصهيونية. إن إسرائيل في الواقع مجتمع طبقي مثله مثل أي مجتمع آخر، حيث مصالح العمال والفقراء والطبقة الوسطى التي تتعرض للانحطاط، مناقضة لمصالح الطبقة السائدة وخدامها.
علينا أن نستوعب أنه طالما بقيت الطبقة السائدة في إسرائيل في السلطة، فإننا لن نحصل على السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. إن الطبقة العاملة هي الوحيدة القادرة على إعطاء الحل الحقيقي الوحيد الدائم. يجب علينا أن نقول لا لحرب قومية ضد قومية ونرفع منظور حرب طبقة ضد طبقة.
يوسي شوارتز من إسرائيل
الاثنين: 10 يوليوز 2006
عنوان النص بالإنجليزية :