النص التالي نبذة تاريخية جد موجزة عن تاريخ تيارنا، وقد جاء استجابة للطلبات التي تلقيناها من طرف العديد من قراءنا عبر العالم.
عندما يتعلق الأمر بكتابات تروتسكي، يمكن لأغلبية المجموعات التي تدعي كونها تروتسكية أن تقبل بخلاصاته الواردة في مؤلفاته الرئيسية، باعتبارها تحاليل صحيحة للمرحلة التي كتبها فيها. لكن ما ينبغي علينا فعله هو تطبيق منهج ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي على عالمنا اليوم. وبالتالي ليست المسألة متعلقة بترديد مختلف تفسيرات تروتسكي. بل إن أهم شيء هو نقاش المرحلة التي مررنا منها والمرحلة التي نحن فيها الآن.
لقد توقع تروتسكي اندلاع موجة ثورية مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتوقع أن تصير الأممية الرابعة القوة المسيطرة داخل الحركة العمالية العالمية. وقد حدثت موجة ثورية: الحرب الأهلية في اليونان، حركة المقاومة وموجة الإضرابات في كل من إيطاليا وفرنسا، في فترة نهاية الحرب ومباشرة بعدها، ثم الثورة الصينية، والنضال من أجل الاستقلال الذي اجتاح كل البلدان المستعمرة، وفي بريطانيا شهدنا الفوز الساحق لحزب العمال خلال انتخابات 1945، الخ. كل هذا يبين أن توقع تروتسكي كان صحيحا. المشكلة الوحيدة كانت هي أن قوى الأممية الرابعة كانت أضعف من أن تتمكن من لعب دور حاسم في هذه الأحداث. والنتيجة كانت هي هزيمة تاريخية ساحقة للحركات الثورية التي اندلعت خلال نهاية الحرب. أما في الأماكن التي تمكنت فيها من النصر، مثل الصين، فقد اتخذت شكل أنظمة ستالينية، أي دول عمالية مشوهة على شاكلة النظام السائد في الاتحاد السوفييتي.
إن التفكك والتشرذم اللذان عرفتهما الحركة التروتسكية يعودان بجذورهما إلى تلك الفترة. فقيادة الأممية الرابعة آنذاك كانت عاجزة كليا عن فهم ما الذي يحصل أمام انظارها. إذا ما قرأتم كتابات قادة من قبيل جيمس كانون (قائد الحزب الاشتراكي العمالي الأمريكي آنذاك)، خلال أواخر الأربعينات وبدايات الخمسينات، فستجدون منظورا خاطئا بشكل كلي. كان منظوره مبنيا على قرب حدوث أزمة فورية للرأسمالية وبالتالي راهنية التطور الثوري في العاجل. وسنة 1946، عقدت الأممية الرابعة اجتماعها التحضيري للمؤتمر. وكان إرنست ماندل هو من كتب بيان ذلك الاجتماع.
لقد كان ذلك البيان متعارضا كل التعارض مع الواقع. كانت قيادة الأممية الرابعة قد طورت نظرية تقول إن الرأسمالية لن تستطيع تطوير قوى الإنتاج أكثر من المستوى الذي كانت عليه سنة 1938، وإنه لم يعد من الممكن حدوث أي ازدهار اقتصادي. وقد أثبت الواقع أن كل هذا خاطئ تماما. إن الهزيمة التي تكبدتها الطبقة العاملة بعد الحرب كانت هي الشرط المسبق الرئيسي للنهوض الاقتصادي الذي حدث. وقد خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب قوية إلى حد بعيد. وكانت هي القوة الرأسمالية العظمى الرئيسية التي راكمت أرباحا هائلة من الإنتاج الحربي. وبسبب الخوف من اندلاع الثورات في أوربا، عملت الولايات المتحدة على ضخ مبالغ هائلة من الأموال في صناديق بلدان من قبيل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، الخ، من أجل إعادة إنعاش اقتصاداتها. وقد كان الدمار الرهيب الذي سببته الحرب، يعني الحاجة إلى برامج إعادة إعمار هائلة. كل هذا وضع الأسس لاندلاع أكبر موجة ازدهار اقتصادي عرفتها الرأسمالية.
لم تتمكن قيادة الأممية الرابعة من فهم هذه التطورات الجديدة. ولم يستوعبوا ضرورة إعادة تقييم الوضع. إنهم في الواقع كانوا يعتقدون أنه بإمكانهم الحفاظ على وحدة صفوفهم من خلال التبشير بأن الثورة “على مرمى حجر”. ولم يكن لهذه السياسة إلا أن تؤدي إلى تحطيم الأممية.
كما سبق للينين أن شرح، إذا لم تعمل على تصحيح أخطاءك، فإنك سوف تضل تتنتقل من خطأ إلى آخر. والنتيجة النهائية هي العصبوية. وبما أنهم لم يستوعبوا أخطاءهم، فقد واصلوا السير على طريق الانحطاط ووصلوا إلى تبني جميع أنواع النظريات الغريبة. حيث انعطفوا من النظرية القائلة براهنية الثورات فورا، إلى النظرية القائلة بـ ‘تبرجز’ الطبقة العاملة الأوربية. وعلى سبيل المثال، أعلن إرنست ماندل، خلال شهر أبريل سنة 1968، في لقاء بلندن، أنه لن تكون هناك أية حركة للطبقة العاملة الأوروبية طيلة العشرين سنة المقبلة على الأقل. وقد كان هذا بالضبط قبيل اندلاع حركة العمال الفرنسيين العظيمة، شهر ماي 1968!
بينما قيادة الفرع البريطاني للأممية الرابعة، الحزب الشيوعي الثوري، استوعبت جيدا طبيعة التغيرات التي كانت تحدث وطورت منظورات مختلفة. كان تيد غرانت هو أبرز منظر للحزب الشيوعي الثوري. وإذا ما قمتم بتصفح موقعنا الالكتروني ستجدون كتابا عنوانه: The Unbroken Thread، وهو مجموعة مختارة من كتابات تيد غرانت منذ سنة 1938 حتى 1983، مما سيمكنكم من أن تحكموا بأنفسكم. ستجدون في القسم المخصص للمنظورات الاقتصادية، التي كتبت سنة 1946، تحليلا للازدهار الاقتصادي الذي كان يحدث، شكل تقييما اكثر واقعية بكثير لتطور الأحداث.
وحول الصين أيضا أخطأت قيادة الأممية الرابعة مرة أخرى، حيث كانت تقول إن ماو سيدخل في مساومة مع تشانغ كاي تشيك. أما كتابات تيد غرانت عن الصين فقد عكست فهما أكثر دقة لما كان يحصل آنذاك.
لقد قدم تيد غرانت مساهمة عظيمة للنظرية الماركسية في كتاباته حول تطور “الأنظمة البونابارتية البروليتارية” (أي الدول العمالية المشوهة بيروقراطيا)، في أوروبا الشرقية والصين وكوبا، الخ. أما قيادة الأممية الرابعة فقد بدأت برفض القبول بأن ما نشهده في أوروبا الشرقية كان أنظمة على شاكلة روسيا السوفييتية. وبعد ذلك انعطفوا في الاتجاه المعاكس (دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تفسير السبب)، بل وأعلنوا أن بعض تلك البلدان (الصين وكوبا ويوغسلافيا) هي “دول عمالية سليمة”، ليتخلوا فيما بعد عن هذا التحديد بمجرد أن اتضح تهافته.
لا يمكننا أن ندخل في المزيد من التفاصيل الأخرى حول أخطاء قيادة الأممية الرابعة آنذاك، ونعتقد أن هذه النقاط الموجزة كافية لكي تبين أن ماندل وكانون وأتباعهما، كانوا قد فقدوا الاتجاه بعد الحرب وهذا ما أدى إلى انحرافهم عن التحليل الماركسي السليم.
إن ما نريد التركيز عليه هو مقاربة صحيفة Socialist Appeal [النداء الاشتراكي – لسان حال الحزب الشيوعي الثوري آنذاك- المترجم] وموقفها من المنظمات الجماهيرية. على عكس جميع المجموعات الأخرى نعتقد نحن أن العمال عندما ينهضون إلى النضال، لن يتجهوا نحو تلك المجموعات الصغيرة المتواجدة على هامش الحركة العمالية، بل إنهم سوف يتحركون من خلال منظماتهم الجماهيرية التقليدية.
إن كل تاريخ الحركة العمالية العالمية يؤكد هذه الخلاصة. الأممية الشيوعية الثالثة نفسها لم تنشأ من عصب صغيرة، بل تطورت من الجناح اليساري للأممية الثانية الاشتراكية الديمقراطية. وقد بقي البلاشفة فصيلا في نفس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، إلى جانب المناشفة، طيلة عدة سنوات قبل أن يخرجوا قوة مستقلة. وقد تطور الحزبان الشيوعيان، الفرنسي والإيطالي، من داخل الأحزاب الاشتراكية. كما أن الحزب الشيوعي الألماني بدوره كسب قوته الجماهيرية عبر انشقاق يساري عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الخ، الخ. وفي بريطانيا نشأ الحزب الشيوعي البريطاني عن اندماج لأربع مجموعات صغيرة. ينبغي علينا قراءة كتاب لينين: “مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية” (الصادر سنة 1920) ونسطر على النصيحة التي قدمها لينين للشيوعيين البريطانيين؛ لقد نصحهم بالدخول إلى حزب العمال البريطاني!
لم يكن هذا تكتيكا من اختراع لينين، بل هو يشكل جزءا من تراث ماركس نفسه. فسنة 1948، عمل الشيوعيون الألمان على حل منظمتهم للدخول إلى الحزب الديمقراطي، لأنه خلال تلك المرحلة كان أكثر العمال طليعية يوجدون داخله. والأممية الأولى نفسها تشكلت من كل أنواع العناصر، بدءا من الشيوعيين الحقيقيين، إلى النقابيين البريطانيين، الذين كانت تمثلهم في الغالب عناصر ذات نزعة لبرالية.
إذا ما نحن طبقنا هذه الدروس على وقتنا الحالي، فإن الخلاصة التي يمكننا الوصول إليها هي أنه يتوجب على الماركسيين الحقيقيين، أي التروتسكيين، أن يتوجهوا نحو المنظمات الجماهيرية. إن مأساة عصرنا الحالي هو الانحطاط التام للقيادة الاشتراكية الديمقراطية التي تخنق تطلعات العمال (مثال بلير في بريطانيا، وجوسبان في فرنسا، وشرويدر بألمانيا، الخ، الخ).
لكن من السهل جدا أن يدين المرء القيادات الرسمية باعتبارها منحطة. إلا أن المهمة هي بناء البديل. والسؤال المطروح هو التالي: هل يكفيك أن تعلن ببساطة عن خلق “الحزب الثوري” وتنتظر الجماهير أن تأتي إليك؟ نحن نعتقد أن هذا غير كاف. يتوجب على الماركسيين أن يذهبوا نحو العمال ويشرحوا لهم البديل بصبر. إننا نعتقد أن نصيحة لينين للشيوعيين البريطانيين، سنة 1920، هي الآن أكثر راهنية مما كانت عليه آنذاك. وهذه واحدة من أهم النقاط التي تميزنا عن كل المجموعات الأخرى التي تدعي كونها تروتسكية. ولسنا نعتقد أن هذه مسألة ثانوية.
يمكنكم أن تكونوا قد سمعتم بـ “الحزب الاشتراكي/ اللجنة من أجل أممية عمالية”. كانت هذه المجموعة تسمى في السابق تيار الميلتانت (the Militant). وقد اشتغلت داخل حزب العمال وكان تيد غرانت مؤسسها وأبرز منظر لها. لكن مع الأسف تبنت أغلبية القيادة البريطانية مواقف مشابهة لمواقف قيادة الأممية الرابعة خلال نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أنه توجد بينهم العديد من الاختلافات فإن هناك العديد من التشابهات.
على أساس توجه صحيح نحو حزب العمال والنقابات العمالية، تمكن تيار الميلتانت من التحول إلى قوة يسارية جبارة في بريطانيا. كان له في أوج نموه حوالي 8,000 مناضل. وكان لديه ثلاثة منتخبين برلمانيين يدافعون عن أفكاره، كما كان يسيطر على مجلس حزب العمال بليفربول، وكان لديه العديد من القادة النقابيين البارزين. وكان أيضا هو من قاد الحركة الرائعة ضد القانون الضريبي خلال سنوات الثمانينات، والتي توجت بتنظيم مظاهرة في لندن ضمت 250,000 متظاهر (وفي نفس اليوم تظاهر 50,000 شخص آخرون في غلاسغو واسكتلندا). لكن مع الأسف بدأت أغلبية قيادته تستنتج الخلاصات الخاطئة من أحداث الثمانينات.
شهدت الثمانينات استقرارا مؤقتا للرأسمالية على الصعيد العالمي. وقد كانت هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى هذا الوضع. أحدها كان هو هزيمة نضالات سنوات السبعينات التي بدأت مع حركة 1968. لقد شهدنا خلال السبعينات حدوث انعطافة قوية نحو اليسار في العالم بأسره. وقد ترجم هذا الوضع في أوربا من خلال ازدياد كبير في عدد الأصوات التي تحصدها الأحزاب الاشتراكية والشيوعية. جميع تلك الأحزاب، ونقاباتها، شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد أعضائها. وعلى هذا الأساس، ومع تطور الأحداث، شهدنا ازديادا في تجذر قواعدها. وقد أدى هذا بدوره إلى تطور تيارات يسارية قوية داخل هذه الأحزاب.
في بريطانيا شهدنا صعود حكومة عمالية، من سنة 1974 إلى 1979. وبسبب السياسات اليمينية التي طبقتها، عبدت الحكومة العمالية الطريق أمام صعود تاتشر إلى السلطة. الشيء الذي أدى إلى اندلاع موجة من المسائلة لقيادة حزب العمال من طرف قواعد الحزب. كانت هذه هي الظروف التي تطور خلالها تيار الميلتانت فصار قوة هامة. لكنه كان من الضروري على المرء أن يتذكر أنه مهما كان النمو الذي شهده التيار باهرا، فإنه كان ما يزال قوة صغيرة جدا بالمقارنة مع حجم الحركة العمالية البريطانية. وكان هذا يعني أنه ما يزال غير قوي بعد بما فيه الكفاية لتوفير قيادة بديلة للطبقة العاملة.
وهكذا شهدنا خلال الثمانينات تراجعا متسارعا لقوة النقابات وحزب العمال. لقد تعرض جيل كامل للخيانة من طرف القيادة، وهذا ما دفع بالعديد منهم إلى التخلي عن المشاركة النشيطة داخل حزب العمال والنقابات. إن هذا التراجع جعل الدفاع عن الأفكار الماركسية الثورية داخل صفوف حزب العمال مهمة عسيرة. حقيقة الوضع كانت هي أن ما يحصل هو انعطافة نحو اليمين داخل الحركة العمالية. وقد صار هذا ممكنا لأن بيروقراطية المنظمات العمالية كانت قد أصبحت متحررة نسبيا من أية رقابة من طرف قواعد الحركة.
مع الأسف استخلصت أغلبية قيادة تيار الميلتانت خلاصة أن المشكلة هي حزب العمال نفسه. وبدءوا يتعلقون بالوهم القائل بأن تشكيل منظمة ‘مستقلة’ و’التلويح بالراية عاليا’ سوف يحل مشاكلهم. وقد كان هذا خطأ فادحا. غادروا حزب العمال، ومنذ ذلك الحين تدهورت حالتهم إلى درجة أنهم صاروا أكثر ضعفا (فمن 4,000 عضو سنة 1992 تراجعوا الآن [2006-المترجم-] إلى 400!). وبعد أن كانوا قد ارتكبوا خطأ واحدا، عملوا على مفاقمته باستخلاصهم لخلاصات متشائمة حول الوضع الموضوعي برمته. إنهم يتحدثون عن أن الحركة العمالية قد تراجعت بمائة سنة إلى الوراء، الخ.
إنها سيرورة سبق لنا أن شاهدناها عدة مرات في الماضي. حيث أنهم انتقلوا من تطرف إلى آخر، مثلهم في ذلك مثل كانون وماندل قبلهم.
إننا الآن أمام وضع مختلف تماما. إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هي الأعمق منذ سنة 1929. وقد بدأت منذ الآن تفجر حركات قوية في آسيا. تقف إندونيسيا في الطليعة، لكن هناك العديد من البلدان التي سوف تليها. وعلى هذا الأساس بدأنا نشهد عودة الجماهير نحو المنظمات العمالية الجماهيرية التقليدية. في بريطانيا تجسدت المعارضة الجماهيرية لحزب المحافظين، قبل أربعة سنوات، على شكل نصر ساحق لحزب العمال. وفي فرنسا استفاد الحزب الاشتراكي من نفس السيرورة. وفي اليونان نشهد صعود الحزب الاشتراكي (PASOK) إلى السلطة. نفس الشي حصل في ألمانيا، الخ، الخ.
لا تتجه الجماهير في هذه الفترة إلى داخل المنظمات التقليدية، خاصة عندما تكون هذه الأخيرة في السلطة. هذه هي الحالة في بريطانيا اليوم. وهذا هو السبب الذي جعلنا نطلق حركة شباب من أجل اشتراكية أممية (Youth for International Socialism) كوسيلة لاجتذاب أفضل العناصر بين الشباب إلى صفوفنا. لكن الأوضاع سوف تتغير على المدى البعيد. في الغالب سوف يفوز بلير في الانتخابات المقبلة، لكنه آنذاك سيكون مجبرا على ضرب مكتسبات العمال أكثر فأكثر. إنه يستفيد في الوقت الحالي من أقل معدل بطالة منذ 25 سنة. وخلال السنة الماضية ارتفعت الأجور بأكثر من 5 % مع معدل تضحم أقل من 3 %، الشي الذي يعني أن العديد من العمال حققوا ارتفاعا فعليا في أجورهم. لكن هذا لن يستمر طويلا.
أنظروا إلى الوضع في إيطاليا. ائتلاف وسط اليسار خسر الانتخابات، بالرغم من أنه يطبق نفس سياسات بلير. لكن في إيطاليا يبلغ معدل البطالة حوالي 10 %، أي ضعفي المعدل البريطاني. ولم ترتفع الأجور السنة الماضية سوى بـ 2 % فقط، مع معدل تضخم يقارب 3 %، الشيء الذي يعتبر تخفيضا فعليا في الأجور. والآن بدأت الصراعات الداخلية تندلع في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشيء الذي يمكنه أن يؤدي، عند نقطة محددة، إلى حدوث انشقاق بين العناصر الموالية صراحة للبرجوازية وبين هؤلاء البيروقراطيين الأقرب من الحركة العمالية. سوف تؤدي حكومة بيرلوسكوني، عند نقطة محددة، بالتأكيد إلى خلق ردة فعل بين صفوف العمال، وسوف يكون لهذا تأثيره داخل النقابات، وداخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وداخل حزب إعادة التأسيس الشيوعي. وفي ظل هكذا أوضاع يمكن لحزب إعادة التأسيس الشيوعي (لو توفر له برنامج ماركسي حقيقي) أن يكون له تأثير على العمال الذين يتوجهون نحو الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
في بريطانيا لن يحتفظ بلير بموقعه الحالي مدة طويلة. فالركود الاقتصادي قد بدأ للتو في إحداث تأثيره. وخلال سنة واحدة أو سنتين يمكن لبريطانيا أن تواجه ركودا اقتصاديا خطيرا، الشيء الذي سوف يؤدي إلى فقدان الكثير من الناس للثقة التي لديهم الآن (بأن في إمكان هذا العمالي “الجديد” أن يضمن لهم استمرار النمو الاقتصادي)، وسوف يؤدي هذا إلى هزائم تواجه حزب العمال في المستقبل. وفي ظل هذه الشروط سوف تبدأ الانتقادات الداخلية في التصاعد داخل صفوف حزب العمال. يمكن لهذه السيرورة أن تنطلق ربما من داخل النقابات أولا. وقد بدأنا منذ الآن نرى مؤشرات عن هذا. انظروا إلى الإضرابات التي خاضها عمال مترو الأنفاق بلندن، والإضرابات العفوية التي فجرها عمال البريد. وإذا ما واصل بلير مخططه لخصخصة قطاع الصحة، فإنه سوف يواجه نضالات قوية من جانب عمال القطاع. كل هذا سيكون له في النهاية تأثير داخل حزب العمال، وعندما سيحدث هذا يجب على الماركسيين أن يعرفوا كيف يتعاملوا مع الوضع.
بمجرد ما ستندلع الحركة، ستطرح الحاجة إلى الأفكار الماركسية. فبدون توفر هذه الأفكار سوف يناضل العمال والشباب، لكنهم لن يحصلوا على القيادة التي يستحقونها.
يجب علينا أن نزيل أي سوء فهم فيما يخص المنظمات الجماهيرية. إننا نعتقد أنه عندما ستبدأ جماهير العمال في التحرك بشكل حاسم، فإنها سوف تتحرك آنذاك من خلال المنظمات الجماهيرية التقليدية. إن هذا درس مستخلص من التاريخ، ومن السهل جدا أن نفهم لماذا.
خلال المراحل “العادية” حيث يسود استقرار نسبي، لا تنخرط الجماهير في النشاط السياسي. إنها في الواقع تميل آنذاك إلى اعتبار السياسة مسألة لا تخصها. في هذه الأثناء لا ينخرط في النشاط السياسي سوى أقلية من العمال والشباب المهتمين بالنشاط السياسي. في بعض الأحيان يمكن لهذه الأقلية أن تصبح في الواقع عائقا أمام انخراط الجماهير في العمل السياسي، بالضبط بسبب مواقفها المحافظة والروتينية.
إذا ما نحن نظرنا إلى الحركة العمالية من وجهة نظر تاريخية طويلة، سنرى مراحل من النهوض الثوري حيث تدخل جماهير العمال إلى النشاط. ولقد شهدنا مراحل من هذا القبيل ما بين 1918 و 1921، وخلال سنوات الثلاثينات، في بعض البلدان، وسنوات 1943- 1948، و1968- 1969.
ما شهدناه آنذاك كان استيقاظا ثوريا للطبقة العاملة. والأحزاب والنقابات، التي كانت صغيرة من ناحية عدد الأعضاء، امتلئت فجأة. سنة 1918، كان للحزب الاشتراكي الإيطالي حوالي 60,000 عضو، لكن مع مطلع سنة 1920، ارتفع عدد أعضائه ليصل إلى أكثر من 200,000. وارتفع عدد أعضاء نقابة الكونفدرالية العاملة الإيطالية للعمال (CGIL)، التي كان يقودها الحزب الاشتراكي، من 250,000 عضو إلى 2,150,000 عضو، خلال نفس الفترة. كان هذا بالرغم من أن قيادة الكنفدرالية كانت قد لعبت، طيلة الحرب العالمية الأولى، دورا معاديا للثورة بشكل صريح.
لدينا هنا درس تاريخي هام جدا. خلال العقد الأول من القرن العشرين، تطورت معارضة داخل صفوف الحزب الاشتراكي الإيطالي، لكنها مع الأسف قررت الانشقاق مبكرا عن الحزب الاشتراكي ثم عملت لاحقا على تنظيم انشقاق داخل الكنفدرالية العامة، سنة 1912، وشيدت الاتحاد النقابي الثوري (USI). كان هؤلاء الناس يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يوفرون للعمال قناة للتعبير عن تطلعاتهم الثورية. لكن الوضع لم يكن كذلك.
بقيت الكنفدرالية العامة هي المنظمة النقابية المسيطرة داخل الحركة العمالية، بالرغم من دورها الخياني. كل ما تمكن الاتحاد النقابي الثوري من تحقيقه هو إحداث انشقاق داخل صفوف القواعد العمالية، وهو الانشقاق الذي أدى بكل بساطة إلى عزل أكثر العمال طليعية عن الجماهير الواسعة.
عندما دفعت الأوضاع التي خلقتها الحرب بالجماهير إلى النضال، اتجهت الجماهير نحو الكونفدرالية العامة والحزب الاشتراكي. وفقط بعد المرور بـ “مدرسة الإصلاحية”، حيث تمكن يسار جماهيري من التطور داخل الحزب الاشتراكي والكونفدرالية العامة. الشيء الذي تبلور في فترة لاحقة من خلال تشكيل الحزب الشيوعي الإيطالي، سنة 1921. لقد كانت الجماهير بحاجة إلى أن ترى بنفسها أنشطة هؤلاء القادة الإصلاحيين قبل أن تصبح مستعدة للبحث عن بديل ثوري.
وقد تطورت في فرنسا وضعية مشابهة عندما غير الحزب الاشتراكي آنذاك (SFIO) اسمه إلى الحزب الشيوعي وانتمى إلى الأممية الثالثة، سنة 1920. كما شهدنا سيرورة مشابهة في ألمانيا حيث نشأ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني المستقل (USPD) عن انشقاق عن الحزب الاشتراكي الألماني. وقد تم كسب أغلبية أعضاءه لاحقا من طرف الشيوعيين الألمان ليتم تشكيل الحزب الشيوعي الألماني.
وعموما، يمكننا أن نرى كيف أن الأحزاب الثورية الجماهيرية للأممية الثالثة، قد نشأت عن الصراعات الداخلية التي شهدتها الأحزاب الاشتراكية.
لكن ما الذي حصل عندما تراجعت تلك الحركة التي أدت إلى نشوء تلك الأحزاب؟ عندما تتم خيانة تطلعات الجماهير وتتكبد الطبقة العاملة الهزائم المتتالية، نشهد حدوث انسحابات جماهيرية من هذه الأحزاب. فقط أقلية قليلة تبقى نشيطة، وهذه الأقلية تميل غالبا إلى أن تكون العناصر الأكثر ولاء لبيروقراطية الحزب. إنهم يستخلصون الدروس الخاطئة من تجربة الهزائم، ويلعبون دور كابح إضافي في وجه العمال والشباب عموما. في ظل هذه الأوضاع يصبح من الصعب جدا الدفاع عن الأفكار الثورية ويجد الماركسيون أنفسهم أكثر عزلة.
بالضبط خلال هذه الأوضاع حيث يمكن للتيارات اليسرواية المتطرفة (بالإضافة إلى التيارات الإصلاحية) أن تتطور. لقد ظهر الفوضويون، باعتبارهم قوة داخل صفوف الأممية الأولى، بعد هزيمة كومونة باريس. ويمكن تفسير النزعة اليسراوية المتطرفة لقادة الأممية الرابعة بنفس السبب.
لكن ما يهمنا هنا هي السيرورة التي من خلالها يمكن لفئة من العمال الطليعيين داخل الحركة أن يطورا بدورهم أفكارا عصبوية. بالضبط لأنهم أكثر طليعية تجدهم يميلون إلى دفع النضال إلى الأمام. لكن وبسبب افتقادهم لفهم ماركسي لكيفية تطور الحركة، تجد صبرهم ينفذ اتجاه طبقتهم.
في الوقت الذي لا تنخرط فيه الجماهير في السياسة، وعندما لا تشارك بنشاط في المنظمات الجماهيرية، تتمكن قيادة هذه المنظمات من التحرك نحو اليمين. فبعد مرحلة من الهزائم، أو خلال فترة ازدهار اقتصادي طويلة، من قبيل تلك التي شهدناها خلال الخمسينات والستينات، يمكن للعمال أن يميلوا إلى ترك السياسة للقيادة. وبدون مشاركة نشيطة من جانب الجماهير، لا يمكن فرض أي شيء على القادة الإصلاحيين.
إذا لم نتمكن من فهم كيفية تحرك طبقتنا، يمكننا أن نستخلص الخلاصات الخاطئة في ظل هذه الأوضاع، مثلما تعمل فئة العمال الأكثر طليعية. عندما تشهد الحركة فترة تراجع، يؤدي هذا إلى تقوية بيروقراطية النقابات والأحزاب العمالية الجماهيرية. بعض العمال الطليعيين يواصلون صراعهم ضد هذه البيروقراطية، لكنهم لا يجدون صدى لنضالهم بين القواعد. ومن هذا الواقع يستنتجون أن هذه المنظمات قد صارت بيروقراطية إلى درجة صار من المستحيل العمل داخلها، وينتهي بهم المطاف بالخروج منها وإقامة نقابات، أو أحزاب جديدة، بهدف توفير بديل للطبقة العاملة. لكنهم، مع الأسف، يجدون أن الأوضاع خارج المنظمات التقليدية ليست سهلة بتلك الدرجة التي توقعوها. هذا لأنه لا يوجد أي طريق مختصر، ولا وصفة سحرية لحل المشكل. إذ عندما تشهد الحركة تراجعا بسبب الهزائم السابقة، لا يكون في إمكانك أن تحل المشكلة فقط من خلال الإعلان عن تشكيل حزب ثوري “مستقل”. إن لحركة الطبقة العاملة إيقاعها الخاص، ولها توقيتها الخاص. ولا يمكنك أن تجبرها قبل الأوان على الحركة بشكل أسرع.
بطبيعة الحال إن توفر حزب ثوري جماهيري يمكنه أن يغير الأوضاع بشكل أسرع، لكن حتى البلاشفة أنفسهم لم يظهروا، خلال 1917، فورا باعتبارهم قوة مهيمنة داخل صفوف الطبقة العاملة. كان العمال بحاجة إلى أن يمروا من تجربة الحكومة المؤقتة قبل أن يصيروا مستعدين لاتباع البلاشفة. هذا ما يفسر لماذا كان المناشفة في البداية أكثر قوة من البلاشفة. وهذا ما يفسر لماذا طرح لينين تكتيك الجبهة الموحدة. لقد اقترح البلاشفة على المناشفة، وغيرهم من المنظمات العمالية الأخرى، تشكيل جبهة موحدة ضد الرأسماليين. لقد دعوا المناشفة للقطع مع البرجوازية من خلال شعارهم الشهير: “ليسقط الوزراء الرأسماليون العشرة”. إن هذا التكتيك، إضافة إلى معارضتهم الحازمة للطبقة السائدة الروسية ولممثليها السياسيين، أدى إلى كسب البلاشفة لدعم جماهير العمال.
لقد قدم لينين، كما أشرنا أعلاه، درسا ثمينا للكوادر الماركسية في مؤلفه: “مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية”. يجب علينا أن نتعلم منه، ومن تجربة الحركة العمالية الطويلة نفسها.
وكمثال عن التكتيك السيء، نورد ما قام به أتباع إرنست ماندل في إيطاليا سنة 1968. لقد كانوا يشتغلون داخل الحزب الشيوعي، وقد كان ذلك العمل صعبا جدا، خاصة في مرحلة كان خلالها الحزب الشيوعي الإيطالي يعيش التراجع. كان يفقد قواعده وكان أعضاءه يتقدمون في السن.
سنة 1968، أوضحت الحركة الطلابية أن الأوضاع قد بدأت تغلي داخل المجتمع. خلال هذه الفترة لم يكن سوى أقلية هؤلاء الذين كانوا ينشطون ويدخلون في مواجهة مباشرة مع بيروقراطية الحزب الشيوعي. وعلى أساس هذا الوضع قرر أتباع ماندل أن يغادروا الحزب الشيوعي ويشكلوا منظمة مستقلة. لكن منظورهم كان خاطئا بشكل كلي.
سنة 1969، اندلعت حركة جماهيرية هائلة للطبقة العاملة الإيطالية، حركة اكتست أبعاد ثورية. لكن هذا لم يؤدي إلى حدوث أزمة للحزب الشيوعي، مثلما كان العديد من اليساريين يعتقدون، بل أدى ذلك إلى تطوره. بدأ الحزب الشيوعي ينمو، وخاصة بين صفوف الشباب، سواء منهم الطلاب أو العمال. وعند نقطة معينة وصل عدد أعضائه إلى مليونا عضو (2 مليون). لكن وبالضبط بسبب التطور الذي كان يشهده، بدأت تتطور داخله أفكار معارضة. كان جيل جديد من العمال الشباب والطلاب قد بدأ يدخل إلى النشاط السياسي باحثا عن مخرج من مأزق المجتمع الرأسمالي. وقد انعكس هذا في المراحل المبكرة من خلال تطور جريدة Manifesto (البيان)، التي جمعت حولها حوالي 100,000 عضو من أعضاء الحزب الشيوعي. لكن مع الأسف، سقط قادة هذه المجموعة بدورهم في استخلاص الخلاصات الخاطئة، وبعد ذلك تم طردهم. لقد كان بإمكانهم المساعدة على تشكيل معارضة جماهيرية داخل صفوف الحزب الشيوعي. لكنهم تخلوا عن ذلك وتحولوا إلى مجموعة من حوالي 10,000 عضو، قبل أن يختفوا نهائيا.
ومن سنة 1968 إلى سنة 1977، واصل الحزب الشيوعي النمو. وبعد انتخابات 1976، وقعت قيادة الحزب الشيوعي الإيطالي اتفاقا مع حزب الديمقراطيين المسيحيين، وخانت تطلعات العمال الإيطاليين. الشيء الذي أدى إلى اندلاع أزمة داخلية، خاصة بعد الهزيمة في انتخابات 1979. لو أنه كان هناك تيار ماركسي يشتغل بصبر داخل الحزب الشيوعي آنذاك، لتمكن من تحقيق مكاسب هائلة وغير الوضع بأسره. لكن عوض ذلك شهدنا انتشار الإحباط بين صفوف قواعد الحزب الشيوعي وانحطاطه الطويل الأمد. إلا أن العمال الذين غادروا الحزب الشيوعي لم يلتحقوا بأي من تلك المجموعات “الثورية” اليسراوية المتطرفة العديدة. وقد أدى هذا أيضا بتلك المجموعات إلى الدخول في أزمة، واختفاء العديد منها.
يجب علينا أن نتعلم من هذه الدروس التاريخية، ونطور منظورا للمستقبل. سوف يكون العمال مجبرين، بفعل أزمة الرأسمالية، على النهوض مرة أخرى إلى الهجوم. أين سيذهبون آنذاك؟ مرة أخرى لن يتجهوا سوى إلى المنظمات الجماهيرية التقليدية، ويجب علينا أن نستعد للتدخل في هذه السيرورة.
هل يعني هذا، في الوقت نفسه، أننا سنجلس وننتظر داخل فروع الحزب، في انتظار التحاق الجماهير؟ سيكون هذا تصرفا سخيفا. في ظل الأوضاع الحالية يجب علينا أن نجد القنوات التي توصلنا إلى أكثر العمال والشباب طليعية. يجب علينا أن نتدخل في نضالات الطبقة العاملة والطلاب ونقدم لهم بديلا. يمكننا على هذا الأساس أن نبني القوى لبناء تيار ماركسي للتحضير للتدخل في المنظمات الجماهيرية مستقبلا. لهذا يجب علينا أن نطور تكتيكات مرنة، لكن دون التخلي عن التوجه الرئيسي نحو منظمات الطبقة العاملة الجماهيرية التقليدية.
في وقتنا الحالي، على الأقل في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدما، لا توجد الشروط لتطور سريع لأحزاب ماركسية جماهيرية. إذ ما تزال هناك اوهام كبيرة حول الإصلاحية. وهذه الأوهام لن تختفي بمجرد الإعلان عن الحزب الثوري. إن أوهام الجماهير ستنقشع بفعل الأحداث نفسها. إن الرأسمالية مقبلة على مرحلة اضطرابات هائلة. سوف تندلع حركات جماهيرية كبرى. وسوف يضع العمال منظماتهم الجماهيرية على محك التجربة. وبعد سنوات سيصلون إلى خلاصة أن قادة هذه المنظمات لا يقدمون أي بديل حقيقي. سوف يمارس العمال الضغط على هذه المنظمات، وسينطلق مسلسل من التجذر مشابه لما حصل بعد الحرب العالمية الأولى، وخلال سنوات الثلاثينات، وبعد الحرب العالمية الثانية، وخلال سنوات السبعينات. على هذا الأساس وبفضل توجه صحيح سيمكن لقوة ماركسية صغيرة أن تبدأ في النمو بسرعة. لكن لتحقيق ذلك، يجب البدء في بناء خلايا القوى الماركسية منذ الآن. لهذا يجب علينا أن نتعلم الآن كيف نكسب إلى صفوفنا أفضل العمال والشباب، مع الحفاظ، في نفس الوقت، على منظور التطورات المستقبلية داخل المنظمات الجماهيرية.
الفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي
03 يونيو 2006
عنوان النص بالإنجليزية: