إن التجارب الماضية للنيباليين الماوين، وفشل محاولاتهم القيام بالثورة عبر “مراحل”، أدت الى فتح نقاش داخلي استخلص فيه بعض قاداتهم نتيجة أن “الطريق القومي” نحو الثورة لم يسفر عن النتائج المطلوبة، وأن ما هو مطلوب حاليا هو الموقف الأممي.
يتسم الوضع الحالي في النيبال بالجمود بسبب صراع المصالح المتعددة. فالجمعية التأسيسية، البالغ عدد أعضائها ستمائة وواحد، والتي انتخبت في ربيع عام 2008، كانت قادرة على إلغاء نظام ملكي دام 240 عاما، وإقامة جمهورية ديموقراطية. لكن، وبالرغم من ذلك، فإن عملية وضع الدستور قد توقفت بسبب رغبة الأحزاب البرلمانية الإبقاء على الوضع الراهن، في حين يريد الماويون إقامة “جمهورية فدرالية ديموقراطية شعبية”، عبر القضاء على ما يسمونه “بقايا الإقطاع” وبالتالي إعادة هيكلة الدولة.
منذ تخلي الماويين عن الكفاح المسلح ودخولهم في ما يسمى “عملية السلام”، وهم يحاولون وضع استراتيجية عملية لحزبهم. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية انعقدت العديد من اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي والتجمعات الموسعة للحزب، لكنهم فشلوا في إقناع كوادرهم أنفسهم باستراتيجيتهم الجديدة. وفي هذا السياق، اقترح نائب رئيس الحزب الشيوعي النيبالي الموحد (الماوي)، وأحد أبرز منظريه، الدكتور بابورام باهاتاري، مسارا جديدا للحزب من خلال مقالة له بعنوان “الماركسية المعاصرة”، التي نشرت في صحيفة “راتو جهيلكو” (الشرارة الحمراء، عدد يوليوز 2009، انظر: قيادي في الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي- يقر بصحة أفكار تروتسكي).
وقد اقترح الرفيق بهاتاراي، توجهات استراتيجية جديدة لحزبه، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية : هناك ضرورة لتطوير الماركسية إلى مستوى جديد من خلال تحليل وإستخلاص دروس الصين وروسيا والنيبال والهند، الخ، والمبادرات الجديدة التي يجري اتخاذها في بعض بلدان أمريكا اللاتينية.
كما دعى الى النضال ضد المواقف العقائدية الجامدة اليمينية منها واليسراوية، والحاجة الى تحليل مواطن ضعف النماذج الاقتصادية الشديدة المركزية والبيروقراطية التي سادت في روسيا السوفياتية، وتطوير نموذج اقتصادي جديد تكون فيه الرقابة الجماعية بأيدي المنتجين المباشرين. وأشار إلى أنه ينبغي، أثناء تطوير نماذج اقتصادية، أن يتم الانتباه إلى مراحل التطور الاقتصادي لكل بلد، من أجل ضمان الإبداع و الحماس من جانب المنتجين المباشرين.
إن الأزمة الحالية للرأسمالية ودروس ما كان يسمى بالتطور “النيوليبرالي”، قد جعلا العديد من المناضلين، مثل هذا الزعيم الماوي، يدركون أن “عولمة الرأسمالية الإمبريالية، اليوم، قطعت أشواط عديدة بالمقارنة مع بداية القرن العشرين. كما أن تطور تكنولوجيا المعلومات قد عبر الحدود الوطنية، وحول العالم الى قرية. ومن ناحية أخرى فإن التطور اللامتكافئ الملازم للرأسمالية الإمبريالية، أدى الى تفاوتات كبيرة بين مختلف الأمم”. إن هذه خطوة أولية لشرح نظرية التطور المركب واللامتكافئ. ويبين مثال النيبال أن البلاد لديها مزيج من التشكيلات التاريخية المختلفة ( نظام إقطاعي، ونظام شبه رأسمالي ونظام رأسمالي، الخ).
في الماضي كان الماويون النيباليون يوجهون اللوم إلى تحريفية خروتشوف، وبريجنيف و دينغ، باعتبارها السبب الذي أدى إلى فشل الاشتراكية في روسيا والصين، لكنهم الآن يوجهون اللوم مباشرة للستالينية. وهذا تطور نرحب به ونشجعه.
لكن مقالة الدكتور بهاتاراي لم تلاقي القبول من طرف الستالينيين المتشددين داخل الحزب الشيوعي النيبالي الموحد (الماوي)، فقد ادعوا بأن ليون تروتسكي كان “خارج تيار الإيديولوجية الماركسية اللينينية”، وأن دوره في الثورة البروليتارية، وكذا التزامه بالماركسية، هي مسألة موضع شك، وبالتالي فإن مقارنة ستالين بتروتسكي، والخروج باستنتاجات على هذا الأساس، هو مجرد تفكير ذاتوي وغير ذي معنى.
وفي مقالة صدرت مؤخرا، كتب الرفيق كوشال برادان، عضو اللجنة المركزية، قائلا: ” إذا كانت الحاجة إلى موجة ثورية متزامنة مسألة ضرورية لحماية الثورة في أي بلد، وإذا كان مثل هذا الموقف ينسجم مع الأفكار الماركسية- الينينية- الماوية، فليس هناك أي داع لإقحام تروتسكي في هذا النقاش. ثانيا، إن فكرة الثورة في بلد واحد تعود للينين؛ وستالين هو من عمل على بناء أسس أول دولة اشتراكية. يمكن أن يكون ستالين قد ارتكب بعض الأخطاء، لكنه كان مطبقا عظيما للماركسية واللينينية، ولا ينبغي الاستهانة بمساهمته”. ( الحرس الأحمر، شتنبر 2009 ص: 18-20 ). كما أن الرفيق بارادان قال أيضا بأن فكرة الثورة العالمية أو الثورة الدائمة تعود لماركس و ليس لليون تروتسكي.
إن النقاش الدائر حول التوجهات الاستراتيجية الجديدة للحزب الشيوعي النيبالي الموحد (الماوي)، قد وضع الحزب بشكل واضح في مأزق كبير: فالماويون النيباليون ليسوا في وضع يسمح لهم بالعودة إلى الأدغال لبدء النسخة الثانية من “الحرب الشعبية”، ولا هم قادرون على تقديم ما كانوا قد وعدوا الشعب به من خلال “مرحلة التطور السلمي للثورة”. في الماضي كان الحزب الشيوعي النيبالي الموحد (الماوي) قد درب الكوادر الحزبية على أساس الماوية والستالينية بشكل حصري، لكن الدروس المستفادة من عشرة أعوام من الكفاح المسلح قد أكدت صحة مبادئ الثورة الدائمة (كما استخلص الدكتور بهاتاري) ودحضت نظرية الستالينية الماوية للثورة، أي نظرية “الثورة في بلد واحد” و “نظرية الثورة عبر مرحلتين”.
لقد حان الوقت للماركسيين الأممين ليقدموا يد العون للماويين النيباليين من أجل حل التناقضات التي تنجم عن أخطائهم السابقة، ومساعدتهم على وضع استراتيجية علمية تقوم على أساس الأممية البروليتارية.
من مراسلنا في كاتماندو، النيبال
10 شتنبر 2009
عنوان النص بالإنجليزية:
Maoists in Nepal looking for new strategic direction