ننشر الوثيقة الاقتصادية التي تمت المصادقة عليها خلال المؤتمر الأول لرابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، المنعقد خلال شهر ابريل 2009، والتي تتعرض بالتحليل للوضع الاقتصادي بالمغرب وتأثيرات الازمة المالية العالمية على الاقتصاد المغربي.
بالرغم من التصريحات المتفائلة والمطمئنة التي تلقي بها الحكومة المغربية، فإن الاقتصاد المغربي ليس بمنأى عن التأثيرات السلبية للركود العالمي. إن ضعف القطاع المالي المغربي قد أنقذه إلى حد بعيد من ارتدادات صدمة شتنبر وأكتوبر. لكن هذا لم يمنع بورصة الدارالبيضاء من التراجع بـ 5% خلال أيام الطوفان العالمي هذه. إن الطبيعة المتخلفة للرأسمالية بالمغرب لن تنقذها من الركود. إذ ليس هناك اليوم أي بلد في العالم بإمكانه الفرار من تأثيراتها. فجميع البلدان مندمجة في السوق العالمية للرأسمالية. وحتى إفريقيا، القارة الأقل تطورا في العالم، تضررت بقوة بسبب صدمة الأزمة. ففي مناجم كاتانغا بالكونغو، على سبيل المثال، تم فقدان ما بين 300 ألف و350 ألف منصب شغل. وليست أزمة النظام المالي العالمي سوى الوجه المالي لأزمة كبيرة لفائض الإنتاج، أي الأزمة الكلاسيكية للرأسمالية.
في بداية هذه السنة حاول وزير الاقتصاد المغربي، نزار بركة، أن يظهر بمظهر المطمئن أمام حشد من رؤساء الشركات خلال قمة دايفوس. لقد أكد على القدرة الكبيرة على المقاومة التي يمتلكها الاقتصاد المغربي، وهذا بفضل حكمة الحكومة. قال: إن المشاريع الكبرى والإصلاحات الاقتصادية مكنت المغرب من التكيف بشكل أفضل من البلدان الأخرى مع الصعوبات الاقتصادية. وفي غمرة حماسه أعلن الوزير معدل نمو للناتج الخام لسنة 2009، بـ 5،8% (6,5% سنة 2008). وقد أشار أيضا إلى ‘النجاحات’ التي تحققت في النضال ضد البطالة التي انخفضت إلى 9,5% خلال السنة الماضية وتقليص معدل الفقر من 14,2% سنة 2004 إلى 9% سنة 2007. لكن الرأسماليين ليسو سذجا، خاصة عندما يتعلق الأمر باستثمار أموالهم. خفض البنك العالمي توقعاته للنمو، خلال دجنبر 2008، بالنسبة للمغرب إلى 4%، ليس أكثر. ومنذ ذلك الحين عرفت الوضعية العالمية تدهورا كبيرا. لكن هذه الأرقام لم يتم مراجعتها بعد. لكن سرعان ما سيتم ذلك. وحتى إذا تمكن الاقتصاد المغربي من تحقيق رقم 4% الذي من غير المحتمل تحقيقه، فإنه لن يكون كافيا من أجل منع حدوث اضطرابات كبيرة اجتماعية وسياسية. في بداية السنة الماضية دق البنك العالمي ناقوس الخطر في تقرير خاص. فقد توقع خبراء البنك العالمي مخاطر “انفجار اجتماعي”. “فبدون تسريع وتيرة النمو، لن يكون من الممكن تراجع معدل الفقر، وسوف تتفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية” هذه هي الحصيلة بدون مجاملات التي يضعها منظرو البرجوازية العالمية. وبمجرد نشر تقرير البنك العالمي، جاء تقرير جديد لتحطيم معنويات البرجوازية والنظام المغربيين. إنه تقرير الصحيفة الشهيرة ‘The Economist’ الذي جاء لتكسير التفاؤل الظاهري.
هذه هي الخلاصة التي خرج بها Ichrak Moubsit في صحيفة Le Soir Echos : «لا يتوقع مركز الدراسات والنشر للاقتصاديين البريطانيين «The Economist intelligence Unit» (EIU) إلا نموا يعادل 2،3% بالنسبة للمغرب سنة 2009. وهو التوقع المرتبط بالمنظورات الاقتصادية “الكئيبة” للبلد، بالنظر إلى الظرفية السيئة التي تعرفها الأسواق الرئيسية المستقبلة للصادرات. وإذا ما أنهى المغرب سنة 2008 بفائض في الميزانية، فإن المحللين يتوقعون عودة العجز بين سنتي 2009 و2010.»
التقرير الذي تم نشره هذا الشهر يتوقع حدوث انتعاش سنة 2010، مع تسارع للنمو بنسبة 3,3% بفضل انتعاش الطلب العالمي. تحليل هؤلاء الاقتصاديين لحالة البلد لا ينتهي هنا. حيث يرسم هؤلاء صورة أكثر سوداوية عن الوضع الاقتصادي في المغرب. إجمالا سوف يشهد البلد هذه السنة اضطرابات اجتماعية بسبب “التفاوتات الاقتصادية”. الفقر والبطالة والتضخم هي العوامل التي سوف تفاقم غضب الجماهير. التقرير الأخير لـ (EIU) يرجع ما أسماه الخطر الاجتماعي إلى ما أسماه “الضيق الاقتصادي”. يشير التقرير إلى أن استهلاك الأسر سيتراجع بفعل البطالة، التي سوف تتصاعد، والمساعدات العمومية لن تساعد في أي شيء بسبب “محدودية الموارد والبرقراطية والفساد التي تنخر بنية النظام العمومي”. كل هذه المعطيات المتشائمة مرتبطة بتحليل أكثر عمومية لاقتصاديات قوى دولية غارقة في الأزمة العالمية”.
« قام تقرير EIU، برسم تصنيف لدرجة المخاطر عبر العالم. ويقصد المحللون بالمخاطر ضعف الاسـتقرار الاجتماعي والسياسي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. ويعتمدون في رسم هذا المبيان على ثلاثة معطيات: نسبة ارتفاع المداخيل، المداخيل حسب السكان، ومعدل البطالة. ويحتل المغرب المرتبة 98 من بين 164 بلدا. البلد الأكثر تهديدا هو زيمبابوي والأقل هو النرويج. وهكذا فإن المغرب مصنف باعتباره بلدا أكثر تعرضا للمخاطر من تونس ومصر والأردن، لكنه أقل من سوريا والسعودية والجزائر وبلغاريا والمكسيك. هذا يعني أن وضع المغرب تدهور حيث ارتفع رقم المخاطر من 4,5 نقاط، سنة 2007 إلى 5,6 نقاط، سنة 2008. إن المغرب موجود في هذا الترتيب بسبب العوامل الكامنة، وليس بسبب الوضع الاقتصادي الحقيقي. والخلاصة التي يخرجون بها هي أن وضع المغرب الآن لا زال محتملا، لكن يجب توقع الأسوء خلال السنوات المقبلة.»
يتم انتقال الركود العالمي إلى المغرب بطرق عدة: الصناعات التصديرية، والسياحة، وعائدات ملايين المهاجرين. القطاعات التي تعتمد أكثر على التصدير بدأت تتعثر: النسيج، صناعة الملابس والأجزاء الكهربائية عرفت انخفاضا في صادراتها بمعدل 7,1% و17% و23% على التوالي، خلال الثلث الأخير من سنة 2008. كل صناعة النسيج عرفت انهيارا بنسبة 6% في مبيعاتها خلال دجنبر، وفقدت هكذا 1,2 مليار درهم.
مجلة Jeune Afrique رسمت الصورة التالية:
« أول ضحايا هذه الأزمة: المصدرون إلى السوق البريطانية بدءوا يدقون ناقوس الخطر. يتمركز هؤلاء في منطقة الرباط سلا، وقد فقدوا 28% من رقم معاملاتهم خلال سنة واحدة. ويشرح طارق أغيزول، مالك مقاولة AGZ ونائب رئيس Amith في المنطقة: ‘بالإضافة إلى انخفاض الطلب في المملكة المتحدة، نحن نعاني من انخفاض سعر الجنيه الإسترليني، الذي انهارت قيمته بـ 25% منذ شهر شتنبر’، والنتيجة؟ ‘بالنسبة إلى مقاولات الرباط وسلا يترجم هذا بخسارة رقم معاملات يساوي 150 مليون درهم.’ هذا دون حساب عواقب ذلك على مناصب الشغل: حيث أغلقت العديد من الشركات أبوابها، وفقد أكثر من 2000 عامل مناصبهم. لقد حان الوقت لوقف النزيف، لأن ما نعيـــشه اليوم، يمكن لكل القطاع أن يعيشه خلال الأشهر المقبلة.»
ويعلن المقال أيضا الهجمات التي تتحضر ضد العمال في أعقاب الأزمة.
« من الهام أن تقوم الدولة بإلغاء سقف الساعات الإضافية، يضيف محمد تامر. إنها اليوم محددة في 100 ساعة سنويا لكل عامل. من المستحيل، في ظل هذه الأوضاع، تعديل أوقات العمل من أجل المساعدة في مواجهة المراحل الصعبة وتراجع النشاط التي ننتظرها.» تظهر دراسة قام بها المتخصصون في تحليل تكلفة الساعات ووقت العمل في النسيج، Werner International، ضعف المملكة أمام جيرانها، بمعدل 1960 ساعة عمل في السنة، مقابل 2200 في تونس، ومصر أو تركيا أيضا. دون أن ننسى تكلفة الساعة المرتفعة إلى حد بعيد.
تجهيزات صناعة السيارات شهدت مبيعاتها تتناقص بالثلث خلال نفس الشهر! لكن الحكومة المغربية تواصل الادعاء بأن كل شيء يسير على ما يرام. كانت الصناعات التصديرية عاملا محددا في تسريع النمو خلال السنوات الأخيرة. 70% من الصادرات المغربية موجهة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعيش الآن ركودا كبيرا. وتخلي شركة نيسان عن إقامة مصنع لها في طنجة هو تحذير آخر. وبالرغم من أن العائدات المتأتية من التصدير هي أقل أهمية في المغرب منها في تونس أو في الجزائر (44.7% من الناتج الخام في الجزائر، و42,7% في تونس و19,5% في المغرب) فإن هذه القطاعات هي الأكثر تشغيلا لليد العاملة، وهي الآن مع الأسف صارت الأكثر تسببا في البطالة. إن مستقبل المغرب في ظل الرأسمالية هو، إلى حد بعيد، لعب دور شركات عاملة من الباطن (sous-traitant) للصناعة الأوروبية. هذا يعني أنه لكي يكون تنافسيا فيجب فرض أجور منخفضة أو جد منخفضة وضرب جميع الحقوق الاجتماعية. يشبه هذا تلك المصانع الموجودة على طول الحدود الأمريكية المكسيكية maquilladores.
وهناك الكثير من أوجه التشابه الأخرى التي يمكن إيجادها بين المغرب والمكسيك. فنفس ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية للمكسيك، يمثله الاتحاد الأوروبي للمغرب.
ملايين المهاجرين أغلبهم في بلدان الاتحاد الأوروبي، هم الضحايا الأوائل للأزمة. يشتغلون أساسا في القطاعات الأكثر تعرضا للركود، قطاع البناء وصناعة السيارات، وبالتالي فإنهم الأولون الذين سيفقدون مناصبهم. في إسبانيا، على سبيل المثال، وصل معدل البطالة إلى أكثر من 21% بين المغاربة، مقابل معدل بطالة يساوي 14% بين الإسبانيين. وبينما حاولوا الفرار من الفقر القاسي في بلدهم، هاهم قد وجدوا أنفسهم في وضع جد سيء ويجب عليهم أن يشدوا حزامهم بقوة. سوف ينعكس هذا الوضع بحدة على تحويلات الأموال إلى المغرب، حيث تعتمد العديد من الأسر عليها. إن الانخفاض الحاد في تحويلات العمال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية هي ظاهرة عالمية.
النسبة | الدولة |
22,7% | الاردن |
9% | المغرب |
6,7% | نيجيريا |
6% | مصر |
5% | تونس |
2,2% | الجزائر |
0,6% | اسرائيل |
0,5% | ايران |
0,3% | جنوب إفريقيا |
يبين الجدول الأهمية التي تكتسيها هذه التحويلات بالنسبة إلى الاقتصاد. لقد تصاعدت تلك التحويلات بقوة بين سنوات 2000 و2007. وقد عرفت ارتفاعا من 2,2 مليار دولار سنة 2000 إلى 6,7 مليار دولار سنة 2007. مما يشكل 27% من ودائع بنك المغرب. أي ضعف الاستثمارات المباشرة الخارجية. ويستفيد حوالي مليون مغربي، في المغرب، مباشرة من هذه التحويلات. وليس هناك لحد الآن أي رقم عن حدة التقلص الذي عرفته التحويلات.
السياحة، التي تعتبر القطاع الجديد للنمو، عرفت تراجعا يقدر بـ 2,3% خلال الإحدى عشرة شهرا الأولى من سنة 2008. بقياس معدل الملئ. كما أن الاستثمارات جفت هي أيضا.
كان من المتوقع سنة 2008 أن تقوم بلدان الخليج باستثمار 1.7 مليار في قطاع البناء. لكن الاستثمارات القادمة من الخليج مهددة بالتراجع هي أيضا مع انهيار أسعار البترول. وسوف تعود نقطة ضعف أخرى تميز الاقتصاد المغربي إلى السطح مع هذا الركود. بالرغم من التساقطات المطرية التي تحققت سنة 2006، فإن معدل النمو لم يتجاوز أبدا 3% خلال عشرة سنوات. غالبا ما تستعمل الأمطار الشحيحة والمراحل الطويلة من الجفاف، من أجل تبرير النمو البطيء. لكن هناك شيء آخر أكثر أهمية موجود في الفلاحة يفسر الوضع.
“إن العلاقة السببية بين الركود والإنتاج الزراعي والظروف المناخية الغير ملائمة جد مبالغ فيها” كما كتب عبد القادر برادة في تقديمه لكتاب:Essai sur le déploiement du capital privé dans le secteur industriel au Maroc des origines à nos jours. ويضيف أن “النتائج الهزيلة للزراعة وتأثيرات ذلك على القطاع الصناعي، تفسر أساسا بأسباب ذات طبيعة بنيوية في الجوهر.”
ويشرح قائلا: «إن التوزيع الغير متساوي للأرض ومياه السقي، التذرير الشديد للملكيات، والأنظمة المعقدة للملكية وإيجار الأرض الخ. تمنع الأغلبية من الفلاحين من تثمير وسائل الإنتاج بطريقة صحيحة. يكفي أن نشير أن حوالي ربع الأسر الفلاحية لا تمتلك أرضا، وحوالي 57% من الفلاحين لا يزرعون سوى قطع لا تتجاوز 5 هكتار، كل واحدة منها مقسمة إلى عدة ملكيات، وتشكل في المجموع 25% من المساحة الصالحة للزراعة. وأخيرا لا يشكل المستغلون المالكون لقطع أرضية تتجاوز 50 هكتار سوى 0,6%، لكنهم يحتكرون 13,1% من المساحة الصالحة للزراعة.»
هذه واحدة من المهمات العالقة للثورة البرجوازية، أي غياب إصلاح زراعي جذري، الذي هو أساس ضعف القطاع الزراعي في البلد. فمن جهة هناك الملكيات الكبرى للأرض ومن جهة أخرى هناك التشتت الكبير للأراضي وعدد كبير من الفلاحين بدون أرض. وتقوي الهيمنة الإمبريالية والاتفاقات الأخيرة بخصوص التبادل الحر أكثر فأكثر هذه الصعوبة التي تعاني منها الزراعة. إن البرجوازية المغربية ودولتها عاجزتان كليا عن القيام بهذا الإصلاح. إن الملك، الذي هو العمود الفقري للدولة وأكبر برجوازي، هو أيضا أحد أكبر ملاكي الأراضي في المغرب إن لم يكن الأكبر على الإطلاق.
جريدة الشيوعي
أبريل 2009