استكمالا لمقالنا السابق الذي طرحنا فيه مقترحات للنقاش بين مناضلي حركة 20 فبراير، نطرح في هذا المقال موقفنا من “قادة” الحركة أبناء الطبقة الوسطى.
طيلة شهور استمرت حركة عشرين فبراير قادرة على تعبئة آلاف المتظاهرين/ات في العديد من مدن المغرب وبلداته، بل وحتى قراه، هذا بالرغم من كل القمع والتضييقات والافتراءات التي يواجه بها النظام وأبواقه وبلطجيته الحركة والمتظاهرين، مما يشكل مكسبا عظيما في حد ذاته ويبين حجم الطاقات النضالية الثورية المختزنة بين صفوف الجماهير، كما يبين أن الحركة قد تمكنت من خلق قاعدة دعم اجتماعية لأشكالها النضالية وشعاراتها.
لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تعرف الكثير من الأزمات الداخلية والانشقاقات وحالات الطرد، والاتهامات المتبادلة بين مكوناتها، على خلفية العديد من المسائل والقضايا، وصارت اجتماعاتها تمر في جو متوتر إلى أقصى الحدود. كل هذا دليل على أن كل تناقضات الحركة، التي استمرت مستترة حتى الآن، قد بدأت تظهر إلى السطح، وهذا من وجهة نظرنا حتمي، ولن يتمكن أي إجراء تنظيمي، أو توافقات، أو صمت، على إيقاف السيرورة.
وبالرغم من أن هذه السيرورة تظهر غالبا على شكل صراعات شخصية ومناوشات حول هذا الموقف الجزئي أو ذاك فإن سببها الأساسي، من وجهة نظرنا، يكمن في طبيعة المكونات الطبقية للحركة. فإذا كانت القاعدة الاجتماعية الحقيقية للحركة مشكلة من الشباب الفقير، أبناء العمال وفقراء المدن والفلاحين، فإنها ضمت أيضا شبابا من أبناء الطبقات الوسطى، خاصة في المدن. ومما زاد الطين بلة تمكن هؤلاء الأخيرين من لعب أدوار “قيادية” داخل الحركة وتحولهم إلى “رموز” بمساعدة وسائل الإعلام.
وبسبب تلاقي المصالح موضوعيا بين هؤلاء “القادة” وبين النظام القائم وعملائه في الإعلام والأحزاب الموالية له، سيظهر هذا الأخير انفتاحا كبيرا اتجاههم في وسائل الإعلام، وساهم في تمكينهم من معجم يستعملونه في خرجاتهم الإعلامية، من قبيل “استقلالية الحركة” و”سقفها الإصلاحي” وضرورة حمايتها من الركوب عليها من طرف قوى “شريرة”. حتى صاروا يصرفون نفس المنطق الاقصائي الذي يزعمون النضال ضده، وأبانوا عن زيف تبنيهم للديمقراطية، وصاروا يمارسون الوصاية على الحركة، ويمنعون كل من يخالفونهم الرأي من التعبير بحجة “استقلالية الحركة”.
إن أبناء الطبقة الوسطى المدللين هؤلاء، البارزون منهم على الأقل، واعون بمصالحهم وبموقعهم الطبقي ودورهم داخل الحركة، فهذا مثلا نجيب شوقي، الذي بالرغم من مستواه الثقافي المنحط، يعبر بوضوح عن موقفه وموقف أمثاله حيث يقول على صفحته على الفايس بوك، يوم 12 يوليوز:
«واش زعما بصح متيقين ان العمال والفلاحين وعموم الكادحين هما لي غادين يقودو التغيير؟؟ او فقط للاستهلاك الاديولوجي ودغدغة العواطف؟ راه بغيت نفهم هاد المسألة الخوت.. خاصة الى كان باقي شي حد يراهن زعما على الفقراء باش يغير راه اما عايش في بداية القرن، او انه بغا يرضي الايديولوجية ديالو على حسب الواقع… التغيير تقوده الطبقة المتوسطة وبدون اقناع هاد الفئة والله لعمرنا قفلنا عليه»
فيرد عليه أحدهم يسمى أحمد الحساني في نفس الصفحة قائلا:
«ما أظهرته الوقائع عكس ذلك بل ان ما تسمى في الادبيات الماركسية بالروليتاريا هي الفئة الاكثر تشبعا بالفكر و الممارسة المخزنية يجب اعادة النظر في هذه الفكرة.بينما الطبقة المتوسطة المتعلمة هي من يجب الرهان عليها اما الرعاع انا غسلت يدي منهم».
فالطبقة الوسطى هي من سيقود التغيير وكل من يقول عكس ذلك “عايش في بداية القرن أو يرضي إيديولوجيته”، بينما البروليتاريا وعموم الكادحين ليسو من وجهة نظر هؤلاء سوى “رعاع” غسلوا أيديهم منهم، رغم أنهم لا ينفكون يطلبون منهم الخروج كل أسبوع للتظاهر ومواجهة القمع، من أجل أن تقطف الطبقة الوسطى وهؤلاء الوصوليين الصغار ثمار الحركة.
في الواقع ليس للطبقة الوسطى أي وجود حاسم في الحركة، بل هي القاعدة الاجتماعية التي يستند عليها النظام القائم لضرب الحركة والتطبيل “لمشاريعه” و”إصلاحاته” وتجنيد البلطجية (إلى جانب حثالة البروليتاريا من مهمشي المدن)، بينما شكل الشباب الفقير والطلبة والعاطلون، أبناء العمال وفقراء المدن القاعدة الاجتماعية الأساس للحركة منذ انطلاقتها، وهو ما أعطاها طبيعتها الكفاحية وجذر مطالبها وجعلها تتجاوز سريعا السقف الذي حاولت التيارات الإصلاحية واللبرالية وضعه لها.
لكن وبينما كان هؤلاء الشباب هم من يواجهون القمع ويقدمون التضحيات، تمكن بعض شباب الطبقة المتوسطة من التحول إلى “رموز” للحركة بمساعدة واعية من وسائل الإعلام الرسمية و”المستقلة”. وقد كان واضحا منذ البداية أن هؤلاء “القادة” ليسو سوى شخصيات عرضية سرعان ما سوف تتجاوزهم الحركة، أو سيساومون بها من أجل مصالحهم الوصولية، أو يعادونها بفعل خوفهم من الآفاق التي ستفتحها لنفسها.
هناك قانون تشهده كل الحركات الثورية عبر التاريخ، وهو أنه عندما تنطلق في بدايتها تشارك فيها شرائح مختلفة وتكون محملة بالأوهام، فالجماهير التي تنهض للنضال بعد سنين طويلة من الخمول تدخل إلى الحياة السياسية وهي مفتقرة للوعي الطبقي، وفي هذه المرحلة البدائية، يصير من “الطبيعي” أن يسيطر على قيادتها أشخاص وتيارات تجسد تلك الأوهام، تنتمي في الغالب إلى الطبقات الوسطى التي يمكنها نمط عيشها، ومستواها المعرفي، من التفرغ “للعمل السياسي” على عكس العمال والفقراء الذين يمنعهم واقعهم المعيشي ومختلف القيود الأخرى من ذلك. ويصير هذا حتميا خاصة إذا ما افتقدت الجماهير للقيادة الثورية.
وعندما تكون الحركة الثورية تتطور في اتجاه صاعد فإنها تتطور بالحسم مع تلك العناصر العرضية والطفيلية، وتنجب قادة من صفوفها أكثر تعبيرا عن مصالحها وأكثر التصاقا بهمومها وتطلعاتها. وليس تطور الحركة الثورية إلا مسيرة في اتجاه التخلص من التيارات والأشخاص الأكثر مهادنة وجبنا وصعود تيارات وقادة أكثر جذرية وجرأة.
لكن من الخطأ أن نعتقد أن تلك التيارات الإصلاحية وهؤلاء القادة المزيفين سيتخلون عن الحركة دون التشبث بمواقعهم حتى آخر رمق، بل وحتى محاولة إلحاق بالغ الضرر بها في حالة ما إذا فشلوا في ذلك. وهذا ما يحدث الآن. فهؤلاء الديمقراطيون المزيفون يعتبرون فرض آرائهم على الحركة حقا مكتسبا، ويعتبرون أن القرارات التي تخالف تصوراتهم وتقف في وجه طموحاتهم الوصولية غير شرعية، وقد أبانت تجربة الأسابيع الأخيرة، مثلا في الدار البيضاء، تطوان، الرباط، الخ، أنهم مستعدون لشق الحركة والتشهير بها والتآمر عليها إذا ما هي حاولت التخلص من وصايتهم.
طبعا ليست هذه دعوة لطرد أي كان، كلا على الإطلاق، من حق الجميع أن ينتمي للحركة ويناضل داخلها، لكن ليس من حق أي أحد أن يفرض شروطه على الحركة. إن حركة عشرين فبراير حركة شبابية انطلقت للنضال ضد الاستبداد والفساد والتهميش، الخ. وقد قدمت الشهداء في هذا الصدد، وبالتالي فإن أي محاولة لتدجينها أو تحويلها إلى ورقة انتخابية، ممارسة تسير في الاتجاه المناقض لهويتها، ويصير ممارسها، أيا كان، خارج الحركة.
نعم من حق الجميع التعبير عن رأيه، وشرح وجهة نظره، محاولة إقناع الآخرين بها. لكن التهديد بالانشقاق من أجل فرض الرأي على الأغلبية، وتفجير الاجتماعات التي لا تتماشى قراراتها مع رغبات البعض ممارسات مرفوضة. أيها الشباب، علينا ألا نجعل أحدا يهددنا بالانشقاق لكي يفرض علينا تصوره.
يميل بعض حسني النية من بين مناضلات ومناضلي الحركة إلى القول بأن القطع مع أصدقاء نصف الطريق هؤلاء خسارة بالنسبة للحركة، إذ “القوة في الوحدة والكثرة” حسب المثل. لكن العكس تماما هو الصحيح، إذ أن القطع مع أبناء الطبقة الوسطى المدللين هؤلاء، الذين التحقوا بالحركة تحت تأثير الموضة والرغبة في كسر روتين حياتهم المترفة والرغبة في تحقيق مصالح أنانية، والمستعدين دائما للمساومة بها، سيشكل ربحا كبيرا للحركة. خاصة إذا صوحب بالعمل الدءوب من أجل الانفتاح أكثر على شباب الأحياء العمالية الفقيرة والاتجاه نحو الطبقة العاملة..
علينا ألا نأسف للقطع معهم، بل علينا أن نعمل بجد على الانغراس أكثر في صفوف شباب الأحياء الفقيرة والعمال ومختلف الشرائح الكادحة، أي ذوي المصلحة الحقيقية في التغيير. علينا أن نتبنى مطالبهم في العمل والصحة والسكن والديمقراطية والعيش الكريم. وفي هذا السياق علينا أن نستفيد حتى من تلك المحاولة اليائسة التي قام بها النظام القائم إذ جيش الشباب المهمش ليضرب به الحركة، أو ما يسمى بالبلطجة، حيث ساعدنا من حيث لا يريد، على دفع هؤلاء الشباب إلى العمل السياسي، وإن بشكل مشوه، ووضعهم تحت تأثير شعاراتنا السياسية والمطلبية.
وعلينا أن نتوجه نحو العمال بالتعبئة والتحريض، وربط معاركهم ضد الاستغلال بالنضال ضد الدكتاتورية. خاصة في هذه الآونة التي تشهد تصاعدا للنضالات العمالية. كما علينا أن نعمل على تعبئة ربات البيوت والنساء الفقيرات. بهذه الطريقة سيتقوى عود الحركة ولن تضعف كما يتخوف البعض، أو يراهن البعض.
أنس رحيمي
الجمعة: 05 غشت 2011