بحلول يوم: 20 يوليوز 2011، تكون حركة الشباب الثوري المغربي قد أكملت شهرها الخامس. خمسة أشهر من الكفاح والتضحية التي أبانت عن الطاقات النضالية العظيمة الكامنة بين صفوف الجماهير وخاصة الشباب، مما يشكل صفعة مدوية في وجه كل من كان يزعمون بأن “شباب اليوم” فقدوا روح الكفاح وأنهم “غير مهتمين بالسياسة” و”القضايا الكبرى”، وكل من راهنوا على تسطيح وعي الشباب وتخديره ببرامج التعليم الهزيلة ومهرجانات الموسيقى الهابطة ومقابلات كرة القدم وغيرها.
لقد تحدى الشباب الثوري المغربي خلال هذه الأشهر الخمسة كل أشكال القمع الذي أسفر عن أكثر من سبعة شهداء (في الحسيمة وآسفي خاصة) وعشرات المعتقلين، الذين ما يزالون يقبعون في السجون وعدد غير محدد من الجرحى، كما تحدى حملة الافتراءات التي شنها النظام عبر وسائل إعلامه وأبواقه المأجورة، وواجه محاولات الاختراق من طرف المخابرات والعناصر الاستفزازية، وأخيرا وليس آخرا جحافل البلطجية/ الشمكارة الذين جيشهم النظام من بين أوساط الطبقة الوسطى وحثالة البروليتاريا. وبالإضافة إلى كل ذلك قدم هؤلاء الشباب صورا رائعة للتنظيم وأبدعوا في الأشكال النضالية وعبروا عن تصميم وطول نفس مثيرين للإعجاب!
ومن بين أهم ما تميزت به الحركة أيضا قدرتها على تعبئة آلاف الجماهير من مختلف الفئات الكادحة والأعمار، وقدرتها خصوصا على تعبئة النساء، بل إن النساء يلعبن دورا قياديا في الحركة.
وقد تمكنت هذه الحركة بالرغم من “عفويتها” من تحقيق العديد من المكتسبات لعل من بين أهمها طرح مسألة السلطة السياسية على جدول أعمال الحياة السياسية، وإن بطريقة ما تزال غامضة وجنينية. كما فرضت على النظام الدكتاتوري العديد من التنازلات.
ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه أكثر من أبناء العمال والفلاحين وفقراء المدن، شباب عشرين فبراير هؤلاء؟ من وجهة نظرنا لقد قدم هؤلاء الشباب كل ما هو مطلوب منه حتى اللحظة، والمطلوب من الآن فصاعدا الحفاظ على كل تلك المكتسبات وتعميقها وفي نفس الوقت تقديم الإجابات عن الإشكالات الجديدة التي يطرحها الصراع ضد نظام الاستبداد والاستغلال.
إن الملاحظ لتحركات النظام يرى أنه ما انفك يطور أشكال مواجهته للحركة ويغير طريقة تعامله معها، مزاوجا بين القمع والوعود الكاذبة والحملات الإعلامية المغرضة واستعمال البلطجة ورجال الدين ومنابر المساجد الخ. بينما استمرت حركتنا تشتغل بنفس الطرق التي ابتدعناها منذ البداية. ولعل أبرز أوجه قصور الحركة كون المطالب التي طرحتها في بداياتها الأولى ما تزال لحد الآن بدون تدقيق كاف.
لقد شكل عدم التدقيق هذا لحد الآن أحد أهم مصادر قوتها، فقد مكنت عمومية المطالب من استقطاب العديد من الفئات الاجتماعية والتيارات السياسية، مما أعطى للحركة في البداية زخما كبيرا. لكن الحركة، من وجهة نظرنا، وصلت الآن إلى نقطة صار من الضروري عليها، أو بالأحرى على مكوناتها أن تدقق في المطالب والشعارات، وتحدد بشكل واضح ماذا تريده والبديل الذي تطرحه. فما المقصود بالديمقراطية؟ وماذا يعني كل مناضل/ة في الحركة وكل تيار بالدستور البديل؟ وما هو نظام الحكم المنشود؟
عندما انطلقت الحركة واجهها النظام بالقمع المادي المباشر، وبالتالي فإن الرد الذي كان ضروريا هو الصمود والتحدي، وهو ما تمكنت الحركة من تقديمه. لكن الآن انتقلت الحركة إلى مستوى آخر صار من الواجب عليها، أو بالأصح على مكوناتها، الإجابة على إشكالات نظرية وسياسية وبرنامجية، كالموقف من الدستور، وأي دستور بديل، ومن سيصوغه وكيف ولماذا؟ الخ.
نقول هذا ونحن نعلم أن هناك العديد من الرافضين لهذا الخيار، خيار تدقيق الشعارات والمطالب وتوضيح كل تيار لفهمه لها ولغيرها من الشعارات المرفوعة. هؤلاء الرافضون ينقسمون عموما إلى فئتين، فئة من ذوي النيات الحسنة الذين يريدون الدفاع عن وحدة الحركة، ويعتبرون أن كل سعي إلى التدقيق سوف يؤدي حتما إلى شق صفوفها، كما أنهم لا يرون أي فائدة في “التركيز على التفاصيل”، “فالمهم هو النضال بينما كل شيء يمكن تأجيله”. وفئة أخرى من أصدقاء الحركة المزيفين وأعدائها الراغبين في استمرارية “عفويتها” أي في استمرارية خضوعها للفكر السائد والإيديولوجية السائدة، التي تظهر تحت قناع “الرأي العام” و”البديهيات”…
إننا ندعو الشباب إلى الحذر من دعاة “اللامبالاة” و”اللاتسيس” هؤلاء، لأنهم يمارسون بدعوتهم تلك أسوء أشكال السياسة: سياسة الخداع والتضليل.
أيها الشباب إن من لا يمارس السياسة تمارس عليه. وكل من لم يتعلم استشفاف المصالح الطبقية من وراء الخطابات “البريئة” و”اللامنتمية” سيبقى حتما ضحية ساذجة بين يدي محترفي السياسة والوصوليين. وعليه يجب علينا أن ننتمي بشكل واضح إلى طبقتنا ومصالح شعبنا الآنية والتاريخية، ونسهر على تثقيف أنفسنا بشكل جدي، ونتعلم تفكيك الخطابات السياسية واستشفاف المصالح الطبقية وراء كل خطاب سياسي، وكل شعار، الخ.
أيها الشباب عليكم أن تطالبوا كل التيارات السياسية داخل الحركة بأن تطرح برامجها والبديل الذي تمتلكه، وتدع لكم حق الاختيار بناء على دراستكم الخاصة وتجربتكم اليومية. لا تدعوا أحدا يقنعكم أن تيارا سياسيا معينا يدعم الحركة بدون هدف سياسي، أو يناضل إلى جانبها أو داخلها بدون تصور. وبالتالي فإن المطلوب هو أن يعمل الجميع على توضيح تصوراته.
إننا إذ ندعو إلى هذا لا نريد ضرب وحدة الحركة بل العكس تماما، نريد أن تكون وحدة على أسس واضحة يطرح كل واحد تصوره في حوار ديمقراطي يكون الحكم فيه هو الجماهير والممارسة. وإننا إذ نقول هذا ونعلن استعدادنا لطرح أفكارنا وتصوراتنا لمختلف القضايا السياسية والبرنامجية، لا ننطلق من موقع المعلم أمام التلاميذ، بل من موقع المناضلين الذين يريدون تطوير الحركة، إذ أننا جزء من الحركة، كما أننا لا نسعى إلى فرض أفكارنا على الحركة أو على مكوناتها. إننا نعمل على شرح أفكارنا وطرحها للنقاش الديمقراطي ونؤمن أن النقاش والتجربة الجماعية هما الكفيل بتطويرنا جميعا وتطوير الحركة.
أنس رحيمي
الأربعاء: 20 يوليوز 2011