بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع يوم الغضب الأول في المغرب، ألقى الملك محمد السادس خطابا مفاجئا على شاشات التلفزيون. بعث خلاله رسالة يعد فيها بإجراء “إصلاح دستوري”. يبدو أن الخوف من الاضطرابات الثورية المتواصلة، وحتى من خطر السقوط قد تملك النظام.
كان من المفترض أن يكون المغرب استثناء في الشرق الأوسط المضطرب، واحة للاستقرار في ظل حكم “ملك الفقراء” الحكيم والمستنير. فلا حاجة هنا لمظاهرات مثل تلك التي شهدتها تونس أو مصر. ولا حاجة للثورة. ولا حاجة لتغيير النظام. إن التكرار المبالغ فيه لهذه المزاعم في وسائل الإعلام الوطنية والدولية – حول ما أسمي بالاستثناء المغربي- يعكس في واقع الأمر قدرا معينا من القلق داخل الدوائر الحاكمة. فأحيانا يكون النفي العنيد طريقة غير مباشرة للتأكيد.
لماذا على المغرب أن يكون استثناء؟ فالبلد يحبل بنفس العناصر التي أثبتت كونها قاتلة للمستبدين في تونس ومصر. فالمغرب يتميز بأعلى مستويات التفاوت الطبقي في العالم العربي. وبمعدل أمية يبلغ 40 ٪، وبقهر مذل، واستغلال رأسمالي فاحش، وفساد مستشري، وبطالة دائمة ومتزايدة باستمرار بين خيرة شبابه المتعلمين، وحرية الصحافة محدودة للغاية، وكلها تمثل مواد شديدة القابلية للاشتعال.
كما أن الأزمة العالمية للرأسمالية أيضا لم تستثن المغرب، خاصة في صناعات النسيج والملابس حيث عانى العمال من موجة تسريحات ضخمة. كما أدت المضاربات على المواد الغذائية على الصعيد العالمي إلى زيادات أسعار السلع الأساسية. إن الملكية المطلقة، والأحزاب الحاكمة و”المعارضة” المثيرة للشفقة، تشكل إهانة للذكاء السياسي للشعب.
سبب تفرد المغرب، كما يشرح لنا الخبراء، يتمثل في الشعبية المفترضة للملك ومكانته الدينية كـ “أمير للمؤمنين”، وكونه من أحفاد النبي. حسنا، لقد كان القيصر الروسي نيقولا الثاني أيضا “شعبيا” حتى… توقف عن كونه شعبيا وتمت الإطاحة به. كما أنه كان أيضا على رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. لكن هذا الوضع المقدس لم يحمه من الغضب الدنيوي للجماهير. من أهم السمات المميزة للثورات هي أنها لا تتوقف أمام المقدسات والأمور الإلهية.
ليس هناك في تاريخ البلد ما يمكنه أن يفسر لماذا يجب عليه أن ينفصل عن الثورة العربية. لقد عرف المغرب الإضرابات العامة والتمردات العفوية، وانتفاضات الخبز، والأحزاب الثورية والمنظمات الطلابية. وفي السنوات القليلة الماضية اندلعت مواجهات حادة متواصلة في المناطق المنجمية، والجامعات، والمدن المتوسطة الحجم. والتي اتخذت أحيانا شكل تمردات محلية كما هو الحال في سيدي إفني (انظر وثائقي سعاد كنون: www.dailymotion.com/video/x6a4lt_maroc-ifni-le-samedi-noir-1-temoign_news وwww.dailymotion.com/video/x6a6pw_maroc-ifni-le-samedi-noir-2-temoign_news. وقد كشفت الحركة الرائعة والكفاحية لتلاميذ المدارس التي اندلعت ضد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، في عام 2009، عن الروح الكفاحية الحقيقية للشباب المغربي.
لا وجود لاستثناء مغربي
كيف يمكن للشباب، والطبقة العاملة، والمضطهدين في المغرب ألا يتأثروا بالانتفاضات الثورية لإخوانهم وأخواتهم العرب! صحيح أنهم لا يستطيعون متابعة أخبارها على شاشة التلفزيون المغربي الرسمي، لكنهم يتابعونها عبر قناة الجزيرة! ليس للحديث عن “الاستثناء المغربي” أي قاعدة موضوعية في الواقع. ومع ذلك فإن هذه المزاعم تفضح الخوف الجلي الذي تشعر به الطبقات السائدة. إنها مثل ممارسة سياسية لطرد الأرواح الشريرة. وهم يعرفون أن ما كان يبدو غير ممكن تصوره قبل بضعة أشهر يمكن أن يصبح حقيقة واقعة.
أعلن بعض الشباب المتحمس للثورة المصرية والتونسية بواسطة الفايس بوك عن تشكيل “حركة شباب20 فبراير”. هذا هو الشباب نفسه الذي كان يوصف في الماضي بكونه “غير مهتم بالسياسة”، لأنه لا يشارك في الانتخابات. إذا عرفنا حجم التزوير الانتخابي في المغرب، فإن عدم مشاركة ثلثي الناخبين في التصويت هو تعبير عن النضج السياسي أكثر منه تعبير عن اللامبالاة!
كان يوم النضال، الأحد 20 فبراير، أول حركة احتجاج سياسي منسق على الصعيد الوطني يشهده المغرب منذ فترة طويلة جدا. وتقدر تقارير حركة شباب 20 فبراير أن 238.500 شخص تظاهروا في أكثر من 50 مدينة مختلفة. بينما أحصت وزارة الداخلية فقط 37.000 متظاهرا.
هذه هي أرقام نسبة المشاركة في المدن التالية: تطوان: 50.000 ؛ طنجة: 60.000 ؛ الرباط: 16.000 ؛ شفشاون: 7.000 ؛ الدار البيضاء: 5.000، مراكش: 10.000 ؛ فاس: 1.000 ؛ صفرو: 2.000 ؛ العرائش: 2.000 ؛ وجدة: 5.000 ؛ الحسيمة: 50.000، أسفي: 2.000 ؛ طاطا: 1.000 ؛ زاكورة: 4.000 ؛ ورزازات: 400 ؛ أكادير: 5.000 ؛ العيون: 1.000.
وكانت أكثر الشعارات ترديدا على نطاق واسع هي: “فلتسقط الديكتاتورية”، و”الشعب يريد تغيير النظام”. وقد تلقى يوم النضال هذا دعما أيضا من بعض الأحزاب اليسارية مثل النهج الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الموحد، وبعض النقابات مثل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وجمعيات المعطلين والجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تعرضت أمينتها العامة، خديجة رياضي، لهجوم وحشي في المظاهرة بالرباط، مما استدعى نقلها إلى العناية المركزة. وفي بعض المدن انتهت المظاهرات بقيام شباب الأحياء العمالية بمهاجمة رموز القمع مثل المباني الحكومية ومقرات الشرطة، والبنوك وما إلى ذلك. وقد كان القمع شديدا (انظر النداء من أجل التضامن مع الضحايا).
والملاحظة المثيرة للاهتمام هي أن نطاق التعبئة كان أكبر بكثير في المدن المتوسطة والصغيرة الحجم مما كان عليه في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء أو العاصمة السياسية الرباط، ليس فقط من حيث القيمة النسبية، بل أيضا من حيث القيمة المطلقة. وهذه ليست ظاهرة جديدة. فخلال موجة الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، قبل بضع سنوات، كانت التعبئة أقوى في المدن الصغيرة أو القرى مما كانت عليه في المراكز الحضرية الكبرى. وكانت قوة التنظيم الذاتي (تنسيقات مناهضة ارتفاع الأسعار) أكبر أيضا في هذه الأماكن.
أحد التفسيرات التي قدمها المناضلون وبعض الباحثين هي أنه في المدن الكبيرة تشكلت شبكة من المنظمات الغير الحكومية والجمعيات الأخرى، وانتشرت منذ صعود حكومة محمد السادس. وهي جمعيات ممولة كليا أو جزئيا من طرف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو الحكومة، وتعمل كنوع من صمام الأمان الإصلاحي للنظام ضد المبادرة المستقلة للشباب وجماهير المدن. تشتهر المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم باعتبارها أدوات لشراء الشباب الأكثر ثورية وتوجيهه باستمرار نحو قنوات آمنة. وهكذا يمكنها – على الأقل مؤقتا – أن تعمل على تحييد أو تخفيف التمرد السياسي. لكن عاجلا أو آجلا سيتحطم هذا الحاجز. وبصرف النظر عن اختلال التوازن الإقليمي في التعبئة، فإن الشباب لم يتمكن بعد من استقطاب جماهير المدن، والفقراء والبروليتاريا إلى الشوارع. لكن ألم يكن دائما الشباب هم أول من يتحرك؟
لم يعد القمع قادرا على ردع الشباب
كثيرا ما يلعب الشباب دور المحفز لحركة اجتماعية أوسع وأكبر. لكن الأمر يتطلب نهجا واعيا من جانب حركة الشباب لتسخير الطاقات الثورية للطبقة العاملة وفقراء المدن. إن التخطيط للقيام بدعاية مكثفة في الأحياء الشعبية، وأمام المصانع والمدارس الثانوية، باستخدام الوسائل “الكلاسيكية” (مثل الملصقات والمنشورات والنقاشات في الشوارع والتجمعات العامة)، والتخطيط لمرور المظاهرات في الأحياء العمالية والأهم من ذلك رفع المطالب الاجتماعية والاقتصادية للجماهير سيضمن التلاقي الحيوي بين الشباب والعمال.
منذ ذلك اليوم النضالي الناجح، لم تتوقف التحركات. فقد تواصلت الاحتجاجات والاعتصامات، والمناوشات والمظاهرات، دون توقف في العديد من الأماكن، غالبا أيام الأحد لكن أيضا خلال أيام الأسبوع في بعض الأحيان. لقد كانت أصغر من حيث الحجم لكنها كانت كفاحية. كانت كما لو أن الحركة تحاول اختبار جهاز الدولة، بحثا عن نقاط ضعف [انظر فيديو مظاهرات يوم 6 مارس http://mariamsrevolution.blogspot.com/2011/03/big-protests-all-over-morocco.html]
وفي الوقت نفسه تتعلم الحركة جميع أنواع المهارات الجديدة. إنها تزداد نضجا. والجيل الجديد من المناضلين يزداد صلابة بهذه النضالات. إنهم يتخلصون أيضا من الخوف من القمع. هكذا علق الرفاق في رابطة العمل الشيوعي بخصوص اعتقال مناضل من طرف البوليس: «لقد تحدثنا أيضا مع رفيقنا بعد خمس دقائق على إطلاق سراحه، وقال لنا إنهم تعرضوا للضرب المبرح من طرف البوليس، لكنه قال إنه على ما يرام وفي مزاج جيد، وإنه متحمس، كما انه قد تخلص من خوفه من القمع». تشكل هذه النضالات الصغيرة حركات تسخينية ليوم النضال الجديد، الأحد 20 مارس.
كان رد فعل الحكومة والملك حتى الآن، في مواجهة حركة الاحتجاج هذه، هو الغطرسة الوقحة. وقد وصف المتظاهرون بكونهم “عدميون”. وكانت الرسالة الرئيسية هي: “لن تجرؤا على تحدينا، يا حثالة المجتمع”. وهنا أيضا ليست غطرستهم علامة على الثقة بالنفس، بل على العكس تماما. ولن يؤدي هذا الموقف إلا إلى تأجيج غضب الشباب الثائر. لقد رأينا ذلك في سيرورة الثورات العربية الأخرى. فقمع نضالات يوم 20 فبراير والعديد من النضالات الأخرى الأصغر حجما لم يردع على الإطلاق عزم الشباب على مواصلة الكفاح. عندما لم يعد القمع السافر يؤدي إلى نتيجة فإن هذا النوع من الأنظمة يمكنه اللجوء بالطبع إلى المكر والخداع. إن الخيار المستحيل بالنسبة للنظام بعد الآن هو أن لا يفعل شيئا على أمل أن تنحسر الحركة.
الإصلاحات الوهمية
هذا هو السياق الذي يأتي فيه الخطاب الملكي، يوم 9 مارس. قدم الملك وعودا بإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية “حقيقية”، وباستقلال القضاء، والزيادة في الفصل بين السلطات، والمزيد من الحقوق الديمقراطية والمدنية، وبأن يصبح رئيس الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات رئيسا للوزراء، وما إلى ذلك. كل هذه الوعود ستشرف على تنفيذها لجنة عينها… الملك نفسه! وخلال ثلاثة أشهر ستطرح المقترحات التي تقدمها اللجنة للاستفتاء.
وكما قالت إحدى المدونات، مريم: «لقد تحدث ملك المغرب إلى شعبه. لكنني أتساءل كم من الناس فهموا فعلا ما قاله، وبالنظر إلى أن 40 ٪ من المغاربة لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، والأسوأ من ذلك أنهم لا يعرفون حتى ما هو مكتوب في الدستور. أنا شخصيا لم أفهم الكثير مما قاله. وبالنسبة للفقراء، الذين يحتاجون أكثر إلى التغيير، فإن الوعود التي قدمها الملك اليوم لن تحدث أي فارق. كل هذا لا يهم حقا عندما يستمر الملك في تعيين أفراد الأسرة والأصدقاء وزراء، وعندما يتعرض المتظاهرون في الاحتجاجات السلمية للضرب».
وتواصل قائلة: «كان هذا هو الخطاب الثاني الذي ألقاه الملك ويبدو أن الخطب لا تعمل سوى على تشجيع الناس على الاحتجاج أكثر. اعتقد أن الملك يريد أن يلعب بذكاء من خلال “الاستجابة للدعوة من أجل التغيير”. يحتوي الدستور على ثلاثة عشر فصلا واحدها “النظام الملكي” لديه 34 مادة، والملك لا يريد تغيير سوى سبعة ؟ دعني أقول فقط إنني أتطلع إلى الخطاب رقم ثلاثة حتى نتمكن من التخلص منه».
مقترحات “الإصلاح الدستوري” تتوافق أيضا مع ما اقترحته الامبريالية على الديكتاتوريين العرب منذ الإطاحة ببن علي ومبارك: للبقاء في السلطة وحماية نفسك من الثورة من الأفضل لك أن تتظاهر بتفهم الرغبة في التغيير والانخراط في “الإصلاح”.
وقد أدلت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي برعاية وكالة المخابرات المركزية (www.carnegieendowment.org) بالتعليق التالي حول المغرب، قبل أسابيع قليلة من خطاب الملك :
«لتجنب أي معارضة شعبية، يجب على المغرب الآن إجراء عدد من الإصلاحات نحو مزيد من المشاركة المتوازنة في السلطة. ويجب أن تمتلك السلطة التنفيذية، أي الحكومة، صلاحيات أوسع. ويجب أن يلعب البرلمان تماما دوره الرقابي من خلال مراقبة أعمال الحكومة. وينبغي أن تكون السلطة القضائية غير منحازة وأكثر استقلالية وأن تنأى بنفسها عن السلطتين الأخريتين. على نظام الحكم في المغرب أن يتطور في الاتجاه الصحيح لضمان المزيد من الحقوق ومزيد من المساواة بين المغاربة».
يعطي الدستور في الواقع للملك صلاحيات مطلقة من شأنها أن تجعل الملك الفرنسي لويس الرابع عشر يموت حسدا. كيف يمكن لأي شخص أن يتوهم بأن هذا النظام الدكتاتوري سيصلح نفسه؟ لقد قدم الملك الجديد، عندما بدأ فترة حكمه قبل أكثر من عشر سنوات، وعودا بالإصلاح السياسي. ماذا حدث لتلك الإصلاحات السابقة؟ لقد توقف معظمها. فالعادات القديمة لا تموت بسهولة. وهذا ما يفسر كيف أن الشك هو رد الفعل الأساسي اتجاه هذه الإصلاحات.
مناورة النظام
جميع الدكتاتوريين يعملون، من حين لآخر، على إعلان ما يسمى بـ “تغييرات” أو “تطهيرات”، كما كان الحال في زمن السلاطين. هدف هذه “الإصلاحات” أن تعطي للنظام استقرار جديدا وفرصة جديدة للحياة. وقد راكم مستشارو الملك على مدى عقود خبرة كبيرة في “تغيير كل شيء من أجل عدم تغيير أي شيء”. والحقيقة هي أن النظام لن يتخلى عن السلطة. هذا مستحيل. يجب ألا يتوقع أحد أن الملك الديكتاتور سيقبل على الانتحار. إن هذه حالة كلاسيكية مألوفة حيث يحاول النظام القيام بالإصلاح من أعلى لتجنب حدوث ثورة من تحت. إنه فخ منصوب لأكثر العناصر سذاجة أو انتهازية داخل صفوف المعارضة.
قام البروفيسور البوعزيزي بتعليق على هذا حيث قال: «قد يكون الهدف من هذا الخطاب أيضا أن يكون وسيلة لاسترضاء تلك المدرسة القديمة من المنظمات السياسية، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي دعا، في أعقاب مسيرات 20 فبراير (وليس قبلها)، إلى الإصلاح الدستوري. لقد كانت الأحزاب السياسية إيجابية جدا في تقييمها للخطاب. حتى رئيس حزب العدالة والتنمية [الإسلامي] يقول إنه ليس هناك حاجة لمزيد من المظاهرات».
ويمتلك مناضلو ومناضلات رابطة العمل الشيوعي الذين واللائي كانوا في طليعة النضال رؤية واضحة:
«في رأينا ليست “إصلاحات” محمد السادس سوى مناورة من جانب النظام والإمبريالية الفرنسية والأمريكية، لاحتواء الحركة. إنهم يريدون تحييد التيارات والأحزاب الإصلاحية، من قبيل الاتحاد الاشتراكي على سبيل المثال، التي اضطرت، تحت ضغط قواعدها، لدعم حركة 20 فبراير. كما أنهم يريدون خلق انقسام داخل صفوف حركة الشباب، التي هي حركة ليست منظمة تنظيما جيدا وليس لديها منظور واضح. ويهدف هذا التقسيم إلى فصل الشباب الأكثر جذرية عن المعتدلين، على أمل عزل الأولين الذين لم يتوقفوا، والذين سيخرجون يوم 20 مارس.
«إنهم يأملون من خلال ذلك أن يجعل هذا من الأسهل شن القمع ضدهم. وفي خطابه لم ينس الملك أن يذكر بأنه “أمير المؤمنين”، مما يجعله مقدسا ويمنحه صلاحيات كاملة وفقا لإرادة الله.
«وقد عين الملك نفسه عبد اللطيف المنوني الذي سيرأس لجنة الإصلاح الدستوري. وقد كان هذا الرجل هو نفسه عضوا في المجلس الدستوري منذ 1994 (تحت حكم الحسن الثاني) حتى عام 2008. وقد كان دائما مدافعا شرسا عن الملكية المطلقة. ونريد أن نضيف أن هذا “الإصلاح الدستوري” سيتم عرضه على “استفتاء شعبي”، وهو ما يعني، حسب التقاليد المغربية، أن النتيجة معروفة سلفا… سوف تتم الموافقة عليه بالتأكيد من طرف 99,9٪ من الناخبين…
«والأهم من ذلك هو أنه تبين لنا من خلال مناقشاتنا مع بعض الشباب من حركة 20 فبراير، ومن خلال وسائل الإعلام، أن الغالبية العظمى من الشباب لا تولي أي اهتمام لهذه “الإصلاحات” وهم أكثر تصميما من أي وقت مضى على التنظيم والإعداد لـ 20 مارس.»
لن يكون التأثير الفوري للخطاب الملكي هو ثلم عزم الشباب، بل العكس تماما. سوف يشجعهم على التعبئة بقوة أكبر من أي وقت مضى ليوم الاحتجاج.
تفكيك الدولة القمعية!
المثير للاهتمام هو أن الملك لم يقل كلمة عن الفساد في خطابه القصير. إن القضاء على هذا الوباء يأتي على رأس قائمة مطالب الحركة. ليس الفساد في ظل الرأسمالية مجرد أحد أعراض الانحلال الأخلاقي أو النفاق. إنه يساهم في أشكاله المختلفة في تحريك آليات السلطة. إن الغموض والفساد هي عناصر حيوية في عمل جهاز الدولة الرأسمالي. إنها لا تمثل انحرافا أو خللا وظيفيا للدولة الرأسمالية، بل هي ضرورة موضوعية. إن أجهزة الدولة متمرسة في أعمال الإذلال والابتزاز، وممارسات الفساد على نطاق ضيق وواسع، لأنها جميعها تخدم مصالح الرأسماليين الكبار والصغار، الوطنيين والأجانب.
لدى الملك سيطرة شخصية قوية للغاية على أهم أجهزة الدولة. وهي سيطرة مكفولة بقوة بالدستور. إن هذه الهيمنة تخدم مصالحه الاقتصادية. فالدولة تتشابك بل تنصهر تقريبا مع المصالح الرأسمالية لمحمد السادس. يقف الملك وعائلته في مركز الرأسمالية المغربية. وبفضل التحام الشركة الاستعمارية القديمة أومنيوم شمال إفريقيا (Omnium Nord Africain) مع الشركة الوطنية للاستثمار (Société Nationale d’Investissement) يكون محمد السادس رئيسا لهولدينغ ضخم.
وهكذا فإن “ملك الفقراء”، كما كان يطلق عليه في بداية سنوات حكمه، هو أكبر صناعي، وأكبر مصرفي، وأكبر ملاك للأراضي في البلد (الذي يشكل “حديقته الشخصية” كما يحب المغاربة أن يقولوا). يمتلك الهولدينغ التابع له 60٪ من أسهم بورصة الدار البيضاء، التي تعتبر ثاني أكبر مركز مالي في أفريقيا بعد جوهانسبرغ.
إلا أن مخالب مصالح الملك الاقتصادية، مع ذلك، لا تقتصر على القطاعات الاقتصادية الشرعية. إذ من المعروف لدى العموم أن لديه ارتباطات مع مختلف شبكات الجريمة المنظمة، وخاصة مع مافيا المخدرات في الشمال. كما نجد أيضا نحو 50 عائلة، ترتبط ارتباطا وثيقا بالملك المستبد، هي من تشكل الطبقة الحاكمة في المغرب. جميعهم يستفيدون من قربهم من القصر.
هذه الدولة الرأسمالية لا يمكن إصلاحها. يجب الإطاحة بها وتفكيكها. ليس هناك أي لجنة، ولا تفاوض، ولا استفتاء يمكنه أن يجلب الديمقراطية الكاملة التي يريدها الشباب والجماهير في المغرب. لذا دعونا لا ننخدع بالمناورات في القمة. لقد بدأ النضال للتو. إننا نطالب بالديمقراطية الكاملة، بدون الملوك والأمراء، والبيروقراطيين والخبراء والرأسماليين. وبدل “اللجنة” نريد جمعية تأسيسية. دعوا الشعب يضع دستورا جديدا! بالطبع لا يمكننا الوثوق في هذا النظام لتنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية. يتعين علينا أن ندعو إليها بأنفسنا! ولذلك فإنه علينا تنظيم وانتخاب مجالس شعبية محلية وإقليمية. يجب أن يمضي النضال قدما. إن شعارنا هو: ثورة حتى النصر!
- نحن لسنا مغفلين! لا ثقة في إصلاحات النظام! لا تعاون مع الهيئة الملكية!
- لا يمكننا الاعتماد إلا على تنظيمنا وتعبئتنا!
- من اجل التعبئة الشاملة ليوم 20 مارس! من أجل وحدة الشباب والعمال!
- من اجل التضامن ضد قمع الشباب!
- فلتسقط الديكتاتورية!
- من أجل الانتخاب الفوري للجمعية التأسيسية!
- يجب أن تتم الدعوة إلى هذه الجمعية من قبل اللجان الثورية الديمقراطية المنتخبة في الأحياء العمالية والمدارس والمصانع والجامعات!
- كل السلطة للعمال والفلاحين الفقراء!
مراسل موقع الدفاع عن الماركسية
الثلاثاء: 15 مارس 2011
عنوان النص بالإنجليزية: