ننشر هذا الحوار المهم مع مناضلي ر ابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، حول الأحداث الثورية في المنطقة المغربية، وإمكانيات انتقالها للمغرب في ظل حديث النظام المغربي عن “حالة الاستثناء” الذي يشكله المغرب.
- ما هي تأثيرات الثورة في تونس ومصر على المغرب؟ وكيف هو رد فعل الشارع المغربي؟
لقد كان المغرب يعرف تحركات نضالية قوية حتى قبل اندلاع الأحداث الثورية في كل من تونس ومصر، على خلفية غلاء المعيشة، والسكن الغير اللائق، والأجور المتدنية والتسريحات العمالية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عموما. إلا أن تمكن الثورتين التونسية والمصرية من إسقاط دكتاتوريين من أعتى الطغاة في المنطقة شكل مصدر إلهام عظيم للشعب المغربي عموما والشباب خاصة. حيث أوضح لهم بشكل ملموس إمكانية الانتصار على هذه الأنظمة الديكتاتورية، كما بين الطريق الكفيل بتمكينهم من انتزاع الحقوق وتحقيق الكرامة الإنسانية.
والآن نلاحظ تزايدا كبيرا في اهتمام الشباب والعمال بالقضايا السياسية وأخبار الثورة حيث يتابعونها على التلفاز، ويتبادلون أخبارها على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر)، ولم تعد تلك الاسطوانات المشروخة حول انتهاء عهد الثورات، وعدم إمكانية قيام الشعوب العربية بثوراتها الخاصة تجد من يستمع لها. لقد أصبحت الثورة بالنسبة للشباب قريبة المنال، وليست مجرد أخبار في كتب التاريخ، فبدءوا يحاولوا النسج على منوال شباب تونس ومصر. وهذا ما يظهر من خلال تزايد عدد الأشكال الاحتجاجية وعدد المشاركات والمشاركين فيها وفي المظاهرات التضامنية مع ثورتي تونس ومصر، كما يتجلى واضحا في حجم الالتفاف الشبابي حول مبادرة 20 فبراير.
والأهم هو أن نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وتيارات يسارية وازنة قد عبرت عن استعدادها للمشاركة في احتجاجات 20 فبراير.
- يتحدث البعض عن الاستثناء المغربي، فالإدارة الجيدة للملك وشعبيته وكونه أمير المؤمنين كلها عوامل تحفظ النظام من مصير مشابه لمصير بن علي ومبارك، هل هذا صحيح؟
“الاستثناء المغربي”؟ هذه خرافة! كل تلك البلدان التي شهدت تحركات ثورية كانت تعتبر “استثناء”. فتونس كانت “جنة الاستقرار” في المنطقة، ومثالا تنصح المؤسسات الدولية أتباعها في المنطقة باحتذائه. وبمجرد سقوط بن علي سارعت وسائل الإعلام البرجوازية، في كل مكان، إلى الحديث عن أن مصر ليست تونس وأن تونس مجرد “استثناء”، الخ. لكن سرعان ما اندلعت الثورة في مصر ثم امتدت إلى الجزائر وليبيا واليمن والعراق وإيران.
إن حديث الحاكمين في المغرب وأبواقهم المأجورة عن “الاستثناء المغربي” أقرب إلى المتمنيات منه إلى الواقع، ويذكرنا بـ “الاستثناء” الذي تحدث عنه هؤلاء عند بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث تناوبوا على جميع المنابر الإعلامية من أكبر مسؤول في الدولة إلى اصغر صحفي مرتزق، لإقناع المغاربة أن الأزمة الاقتصادية العالمية لن تصيب المغرب لأن “القطاع المصرفي المغربي منفصل عن الأسواق العالمية، والمؤسسات البنكية المغربية بإفريقيا هي مجرد بنوك للودائع.”، الخ
جميع المبررات التي يذكرها هؤلاء عن “الاستثناء المغربي”، لا يتم تصديقها حتى من أكثر المخلصين للعرش، ففي برنامج مباشر بثته القناة الفرنسية “فرانس 2” حول موضوع “الثورات العربية ونحن”. أكد ابن عم الملك، هشام العلوي: “أن المغرب ربما لن يشكل الاستثناء… من موجة الاحتجاجات التي ستطال كل الأنظمة الاستبدادية”. وهذا ما أكدته حتى وزيرة الخارجية الأمريكية مرارا.
في الواقع إن الأوضاع بالمغرب أسوء بكثير مما كانت عليه في مصر وتونس! حيث صنف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية المغرب مؤخرا في المرتبة 130 من أصل 182 بلدا في العالم، بينما كانت تونس توجد في المرتبة 81. كما أن بطالة الشباب في المناطق الحضرية بالمغرب أكبر من نظيرتها في تونس. أما ما يحكى عن فساد الأسرة الحاكمة في تونس واستيلاءها على كل القطاعات الاقتصادية فليس شيئا يذكر إذا ما قورن مع فساد الأسرة الحاكمة في المغرب وهيمنتها على كل القطاعات الاقتصادية الحيوية (فالملك وأسرته أكبر مالكي الأراضي والمناجم والأبناك والاتصالات، الخ، الخ).
- يقول البعض أيضا أن المغاربة بنسبة 60 % من الأممين لا يمتلكون قاعدة متعلمة ولا طبقة وسطى قادرة على القيام بالثورة، ماذا تقولون؟
نعم إن نسبة الأمية بالمغرب مرتفعة جدا حتى إذا ما قورنت بمقاييس المنطقة، بما في ذلك تونس ومصر بل وحتى غزة. كما أن الطبقة الوسطى قد تآكلت إلى حد بعيد. إننا نعتبر أن ارتفاع نسبة الأمية (أزيد من 60 %) بدوره دليل آخر على إفلاس النظام القائم، إذ بعد خمسين سنة لم يعمل حتى على القضاء على هذا الشكل المفضوح للهمجية. كما انه دليل آخر على طفيلية الطبقة السائدة التي تعتبر التعليم قطاعا غير منتج، وبالتالي دليل على استحالة تحقيق أي قدر من التقدم في إطار النظام القائم وفي ظل الطبقة الرأسمالية السائدة.
كما أن تآكل الطبقة الوسطى والاستقطاب الحاد الواقع داخلها بين أقلية من المغتنين وبين شرائحها الواسعة المفقرة، حجة أخرى على أن النظام القائم قد صار يفقد كل قاعدة دعم له في المجتمع، وعلى أن معسكر حلفاء الطبقة العاملة قد صار يتوسع باستمرار. كما أن ما تبقى من الطبقة الوسطى في المغرب صار في جزءه الأكبر اقرب إلى الطبقة الكادحة والفقيرة منها إلى البرجوازية، وبالتالي فان قيام الثورة على قاعدة مطالب ملموسة تمس هذه الشريحة من المجتمع سيؤدي بها إلى الثورة على هذا النظام.
لكن أشباه المثقفين لا يفهمون شيئا عن الثورات. وهم يعتقدون، لأسباب مجهولة بالنسبة إلينا، أن من يقومون بالثورات هم المثقفون المتعلمون جيدا. رغم أن كل التجارب التاريخية التي قدمتها الثورات الكبرى تبين أن من يقومون بالثورات هم الجماهير الكادحة الأمية والفقيرة. فالثورة الفرنسية لم يصنعها أشباه المثقفين وأبناء الطبقات الميسورة، بل فجرتها نساء باريس الفقيرات والأميات اللائي خرجن يطالبن بالخبز والمساواة، ثم انضم إليهن رفاقهن العمال وباقي فئات الشعب الكادح. نفس الشيء حدث في الثورتين الروسيتين الأولى (1905) والثانية (1917)، اللتان لم يصنعهما المتعلمون بل العاملات وربات البيوت والعمال الأميون. بل إن الثورتين التونسية والمصرية بدورهما لم يكونا من صنع الطبقات الوسطى، بل من صنع أبناء الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة المفقرة (عاطلون، ومهمشون)، ثم انضم إليهم العمال بإضرابات نوعية سرعت في إسقاط الدكتاتورين، بن علي ومبارك.
إن محرك الانتفاضات والتحركات الثورية في المغرب، وفي المنطقة، وفي بقية مناطق العالم، هي الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء والبرجوازية الصغرى المفقرة. أما الطبقة الوسطى فقد كانت دائما القاعدة الاجتماعية للإصلاحية واللبرالية. إن من يجب عليه أن يقلق من غياب الطبقة الوسطى هم أعداء الثورة وليس الثوريون.
وعليه فإن من يستدل بالأمية وغياب الطبقة الوسطى في المغرب لنفي إمكانية الثورة، شبيه بمن يستدل بكثافة السحب من أجل نفي إمكانية سقوط المطر!
- كيف يتعامل النظام مع الموجة الثورية التي تجتاح العالم العربي؟
في اعتقادنا من غير السليم الحديث عن تعامل واحد محدد للنظام القائم مع الموجة الثورية. إن من يقف على سكة قطار سريع يكاد أن يدهسه لا يستطيع التفكير، وكل ما يمكنه القيام به هو التخبط. فالملك الشاب فضل زيارة فرنسا لممارسة هواية التزلج على الثلج، وربما أخذ بعض النصائح من سادته من اجل حماية مصالحه ومصالحهم في المنطقة، في حالة حدوث ثورة مغربية. أما الحكومة فقد كان أول إجراء اتخذته في أعقاب هذه الموجة الثورية هو وعود بالتخفيض من أسعار المواد الأساسية، وتقديم وعود بخلق آلاف مناصب الشغل، وغير ذلك من “التنازلات”، مما يجعلنا نعتقد أن كل الدكتاتوريين يقرؤون في كتاب واحد. إذ كانت هذه نفس الخطوات التي قام بها بن علي وبعده مبارك، وبعدهما عبد الله صالح، الخ!
في حين أن وسائل الإعلام الرسمية تتعامل مع هذه الموجة كخبر عادي وتفرغه من محتواه الثوري، وتضفي عليه طابع الفوضى كي تخيف الجماهير المغربية وتمنعها بشكل غير مباشر من الاحتجاج. أما جرائد الدعارة الفكرية فتشن حربا بالوكالة ضد كل من يدعوا إلى النضال ضد الدكتاتورية في المغرب، وعلى سبيل المثال قامت جريدة المساء، عدد 3 فبراير، بنشر مقال على صدر الصفحة الأولى تحت عنوان: «مغاربة الفايسبوك يحبطون مناورة البوليساريو والاستخبارات الجزائرية عبر الانترنيت» مدعية فيه أن جبهة البوليساريو هي من تقف وراء هذه الدعوة للتظاهر، يوم 20 فبراير، وان اليوم الذي كان مقترحا هو 27 فبراير وهو تاريخ تأسيس منظمة البوليساريو وبأن المنظمين قاموا بإلغاء يوم 27 بعد “انكشاف خطتهم” واستبداله بيوم 20 فبراير.
بينما القمع يقف حائرا بين خيار الهجوم الوحشي لإجهاض بشائر التحركات التي بدأت تظهر، كما حدث في فاس مثلا، وهو ما أدى إلى مواجهات عنيفة تمكن خلالها الطلاب وشباب الأحياء الفقيرة المحيطة بالجامعة من طرد قوات البوليس؛ وبين الاكتفاء بتطويق الوقفات دون استفزاز الجماهير الغاضبة بما قد يهدد بانفجار الوضع بأكمله. هذا إضافة إلى تعرض عدد من المدونين ومستخدمي الانترنت لحملة واسعة من المضايقات والتهديدات بسبب إعلانهم عزمهم المشاركة في الاحتجاجات المزمع تنظيمها يوم 20 فبراير للمطالبة بإصلاحات سياسية في المغرب.
- هل اليسار الثوري المغربي مستعد لمثل هذه الأحداث؟
اليسار الثوري في المغرب، أي بعض التيارات الطلابية وبعض التنظيمات العمالية في الشارع، ما يزال مع الأسف ضعيفا ومشتتا، ويعاني في أغلبه من افتقاد التنظيم وغياب النظرية وانعدام البرنامج. وقد كانت أغلب مجموعاته تستبعد حدوث الثورة في المدى المنظور، وهو ما دفع بأغلبها إلى تأجيل نقاش الحزب الثوري والبرنامج، والاكتفاء بالعمل العلني في الجمعيات والجامعات والنقابات. وهو ما يجعله لحد الآن عاجزا عن التدخل بشكل منظم وقيادي في هذه الأحداث من اجل توجيهها لإنجاز مهام التغيير الاشتراكي للمجتمع.
لكن اندلاع الثورة التونسية والمصرية أيقظ الحماس في نفوس الشباب اليساري الثوري، الذي كان ينتظر هذه الأحداث منذ زمن بعيد، ويحلم بها، ويقرا عنها، فأصبحت بين ليلة وضحاها أمرا واقعا وممكنا. لقد أشعلت هذه الأحداث الشرارة الثورية بين الشباب وخاصة اليساريين الثوريين منهم، مما سيفتح المجال للنقاشات داخل اليسار الثوري، حول ضرورة الحزب الثوري وطبيعية البرنامج وطبيعة الثورة في المغرب.
- كيف يتدخل مناضلو رابطة العمل الشيوعي في المغرب اليوم؟
إننا بكل فخر التيار الثوري الشيوعي الوحيد الذي يمتلك تصورا واضحا لما يحدث في المنطقة، وقد كنا، كأممية وكفرع، الوحيدين الذين توقعنا اندلاع هذه الموجة من النضالات الثورية وبالتالي عملنا على التحضير لها تنظيميا ونظريا. إن أفكارنا تنتشر وتمارس تأثيرها ليس في المغرب فقط، بل في كل العالم العربي، فمع بداية الأحداث في تونس قمنا بتتبع أخبار الثورة وكتابة مقالات حولها، هذه المقالات كان تقرأ على نطاق واسع وتمارس تأثيرا مهما، حتى أن احد البرامج الحوارية في تلفزيون تونسي تطرق بالحديث إلى أحد مقالاتنا، وقد توصلنا برسائل عديدة تعلن عن اتفاق كتابها معنا في تحليلنا للوضع التونسي والمصري، من بينها على سبيل المثال رسائل من مناضلين وتنظيمات يسارية من العراق، وتونس ومصر الخ.
أما من الناحية العملية فإنه وبالرغم من أننا ما زلنا منظمة صغيرة الحجم والامتداد الجغرافي، وكون قدرتنا على التأثير العملي في الأحداث (بمعنى قيادتها وتوجيهها) ما يزال ضعيفا، فإننا كنا دائما مشاركين في مختلف النضالات والتحركات والمبادرات. فقد شاركنا، إلى جانب باقي التيارات اليسارية والجمعيات التقدمية، في الوقفات التضامنية مع الثورتين التونسية والمصرية، ونشرنا بيانات في هذا الصدد، وقمنا بتوزيعها، حسب قدراتنا الذاتية، خاصة في الرباط، وفي فاس، وفي تطوان الخ. وقمنا أيضا بتأسيس مجموعة على الفايسبوك من أجل تضامن مغربي مع الثورة التونسية، وقد التحق بها العديد من المناضلين اليساريين.
كما أننا سنكون من بين المشاركين في تظاهرات 20 فبراير، وقد ساهمنا في إنشاء مواقع الكترونية تدعو إلى المشاركة في هذه المحطة، كما قمنا بإصدار بيان في هذا الصدد.